المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بحثالأسواق الماليةفيميزان الفقه الإسلاميإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السابع

- ‌بحثالأسوَاق المالِيَّةفيمِيزان الفقه الإسلَاميإعدَادالدكتور علي محيي الدّين القره داغي

- ‌الأسهم، الاختِيارات – المستَقبَليّاتأنواعهَا وَالمعامَلات التي تجري فيهَاإعدَادالدكتور محمَّد علي القري بن عيد

- ‌الاختِياراتإعدادفضيلة الشيخ محمّد المختار السّلامي

- ‌عقُود الاختياراتإعدَادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الاختِياراتإعدَادفضيلة الدكتور الصديق محمّد الأمين الضرير

- ‌الاختِياراتدَراسَة فِقهيّة تحليليّة مُقَارنَةإعدَادعَبد الوهاب ابراهيم أبو سليمان

- ‌الاختيارَات في الأسوَاق الماليَّةفي ضَوء مُقرّرات الشريعَة الإسلَاميِّةإعدَادالدكتور عبد الستار أبو غدّة

- ‌عقُود المستَقبليات في السّلعفي ضَوء الشّريعَةِ الإسلاميَّةإعداَدالقاضي محمَّد تقي العثماني

- ‌بطَاقَة الائتمان وَتكييفها الشَّرعيإعدادالدكتور عبد السّتار أبُوغُدَّة

- ‌بطَاقات الائتمانإعدَادالدكتور محمَّد علي القري بن عيد

- ‌بِطاقَة الائتِماندرَاسة شرعِيَّة عَمليَّة مُوجَزةإعدَادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌المشاركة في شركات أصل نشَاطها حَلَالإلاّ أنّهَا تتعَامل بالحَرامإعدَادالشيخ عبد الله الشيخ محفوظ بن بية

- ‌التعامُل مَع شركات تَقوُم بأعمال مَشروعَةوَتتعامَل مَع البُنوُك بالفَوائدإعداَدفضيلة الشيخَ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بية

- ‌بَحثٌ عَن بَطاقات الائتمان المصرفيّةوالتكييف الشرعي المعمُول به فيبَيت التمويل الكويتي

- ‌دَراسَة مُقَدّمة إلىالنّدوة الثانِية للأوَراقِ المالِيّةمِن بنك البحَرين الإسلَاميحَولتَحرير محافظ الأوَراق الماليّة للبُنوك الإسلاميّةمِن المَالِ المشتبَه في حِلِّهوَالمعالجَة المالية المقترحَة لعَزل أثر التعَامُل بالفَائدةعَلى عَائداتِ الأسهُم

- ‌أسئلة عَلى الأسهم وَالاختيارات وَالمستَقَبليّاتمُقَدّمَة مِنَ البنك الإسلامي للتَنميَة

- ‌التّوصيَات الصَّادرة عَن النَّدوة الفِقهيَّة الاقتصَاديَّةالمنعقدَة بَينمجمَع الفِقِه الإسلَامي وَالبنك الإسلَامي للتِنميَة

- ‌البَيَان الخِتامي وَالتّوصيَاتللنّدوة الثانيَة للأِسَواقِ المالِيَّةالمنعقدَة بدَولة البحَرين

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الأول: (المداينة ونظرة الإسلام إليها) .المحور الثاني: (بين صلح الحطيطة وحسم الكمبيالة) .المحور الثالث: (ضابط الإعسار الذي يوجب الإنظار) .إعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌أحكام البيع بالتقسيطوسائله المعاصرة في ضوء الفقه الإسلاميإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الثاني: الحطيطة والحلولإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌توثيق الدين والمعاملات المالية الأخرىإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الثانيتوثيق الدين في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌عقد الاستصناعومدى أهميته فيالاستثمارات الإسلامية المعاصرةإعدادفضيلة الشيخ مصطفي أحمد الزرقاء

- ‌عقد الاستصناعإعدادالأستاذ الدكتور علي السالوس

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الاستصناع ودوره فيالعمليات التمويلية المعاصرةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌أثر الاستصناعفي تنشيط الحركة الصناعيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌عقد الاستصناعإعدادفضيلة الشيخ كمال الدين جعيط

- ‌الاستصناع والمقاولاتفي العصر الحاضرإعداد فضلة الشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الاستصناعتعريفه - تكيفه - حكمه - شروطهأثره في تنشيط الحركة الاقتصاديةإعدادالدكتور سعود بن مسعد بن مساعد الثبيتي

- ‌عقد الاستصناعوعلاقته بالعقود الجائزةإعدادالدكتور محمد رأفت سعيد

- ‌بيع الوفاء وعقد الرهنإعدادفضيلة الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌ موضوع بيع الوفاء

- ‌بيع الوفاءإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌بيع الوفاء عند الإماميةإعدادحجة الإسلام الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌(مدى انتفاع الاقتصاد من بيع الوفاء)أوتوظيف بيع الوفاء في اقتصاد العصرإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الوفاء بما يتعلق ببيع الوفاءشيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بيرم الثاني(المتوفى 1247هـ)تقديم وتحقيقمحمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌بيع الوفاءفي الفقه الإسلاميإعدادمحيي الدين قادي

- ‌بيع الوفاءإعدادد. عبد الله محمد عبد الله

- ‌أحكام الرهنوحكم الإنتفاع بالمرهونإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌بيع الوفاء وحكمهإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌بيع الوفاءإعدادفضيلة الشيخ المفتي محمد رفيع العثماني

- ‌بيع الثنيا أو بيع الوفاءإعدادالأستاذ محمود شمام

- ‌عقد الرهنوأوجه الشبه بينه وبين عقد الوفاءإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العلاج الطبيمبحث التداويإذن المريض وعلاج الحالات الميئوس منهاإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌حكم التداوي في الإسلامإعدادالدكتور علي محمد يوسف المحمدي

- ‌العلاج الطبيإعدادالدكتور محمد عدنان صقال

- ‌الحقوق الدولية في الإسلامإعدادفضيلة الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌المعاهدات والاتفاقاتمنالعلاقات الدولية في أثناء السلمإعدادسماحة الدكتور عبد العزيز الخياط

- ‌أصول العلاقات الدوليةبين الإسلام والتشريعات الوضعيةإعدادالدكتور محمد الدسوقي

- ‌السلم، والحرب، والعلاقات الدوليةفي الإسلامإعدادالدكتور محمد رأفت سعيد

- ‌رسالةمعالي الدكتور محمد معروف الدواليبيحولالغزو الفكري

- ‌دراسة حول الغزو الثقافي للعالم الإسلاميبداياته، دوافعه، أبعاده، سبل مواجهتهإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الغزو الفكريفي المعيار العلمي الموضوعيإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الغزو الفكري وأساليب المواجهةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الغزو الفكريإعدادالدكتور أبو بكر دكوري

- ‌الغزو الفكرىفى التصور الإسلامىإعدادالدكتور أحمد عبد الرحيم السايح

- ‌المسلمون وتحديات الفكر المعاصرإعدادالشيخ القاسم البهيقي المختار

- ‌الغزو الفكري في حياة المسلمينمنافذ دخُوله.. وَوَسَائل مُقاومتهإعدادالدكتور عُمَر يُوسف حَمزة

الفصل: ‌بحثالأسواق الماليةفيميزان الفقه الإسلاميإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

‌بحث

الأسوَاق المالِيَّة

في

مِيزان الفقه الإسلَامي

إعدَاد

الدكتور علي محيي الدّين القره داغي

جامعة قطر - كلية الشريعة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للمخلوقات، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، وسار على الهدى والبينات.

وبعد:

فقد أولى الإسلام عناية منقطعة النظير بالحضارة والتقدم، والرقي، والتمدن، وترك البداوة (1) . وحثّ على النشاط المالي وتوفير الرفاهية والرخص للجميع، ولذلك منّ الله تعالى على قريش بأن سهل لهم الوصول إلى أهم الأسواق في عصرهم، ووفر لهم نعمة أمن الطريق، حيث يقول:{لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 1-4] .

فقد من الله عليهم بنعمة توفير الرحلات التجارية التي يترتب عليها الغنى، كما منّ عليهم بنعمة الأمن الذي هو الأساس لكل ازدهار اقتصادي، وبنعمة الأمن الغذائي الذي هو العنصر الأساسي في الاستقرار النفسي.

(1) وردت أحاديث كثيرة تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يشجع القبائل العربية على التحضر، ويمنع المهاجر إلى المدينة من العودة إلى الحالة البدوية إلَّا لأسباب خاصة، فقد روى أحمد في مسنده: 1/357؛ وأبو داود في سننه - مع عون المعبود - كتاب الصيد: 8/61؛ والترمذي - مع تحفة الأحوذي كتاب الفتن: 6/532، بسندهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سكن البادية جفا

أي قسا قلبه، وغلظ. ويراجع بحث الأستاذ الدكتور عثمان سيد أحمد عن الأمصار الإسلامية، المنشور في حولية مركز الدراسات الإنسانية بجامعة قطر

ص: 34

بل إن الإسلام بذل مجهودًا كبيرًا لإزالة الأوهام المستقرة في نفوس العرب حول الاسواق والأعمال التجارية، حيث كانوا يظنون أنها لا تتناسب مع هيبة القادة والأنبياء والرؤساء، فنزلت الآيات القرآنية لتدفع هذا الوهم، ولتبين بكل وضوح أن جميع الرسل كانوا يدخلون في الأسواق فقال تعالى:{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [الفرقان: 7] .

فرد الله عليهم بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان: 20] .

فصحح النظرة إلى السوق بأنها لا تتنافى مع الهيبة، ولا تتعارض مع الرسالة والنبوة، والشرف والرفعة والعزة والمكانة.

كما أن استعمال القرآن لـ: " السوق " بمعناها المعروف، وبمعنى ساق الشيء، وما يقوم عليه الشيء لمشعر بأهمية السوق للمجتمع، فكما أن الحيوان يقوم على ساقه، كذلك الاقتصاد يقوم على سوقه حيث يقول:{فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [ص: 33] .

وقال: {فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ} [الفتح: 29] .

فالأسواق المالية المنظمة المتطورة عنوان الحضارة والتقدم، وبقدر تطورها يكون تطور الحياة التجارية، والصناعية، والاقتصادية التي لا تستغني عنها المجتمعات المتقدمة، ولذلك أولى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عنايته بالسوق لكنه أراد أن يصوغها صياغة إسلامية قائمة على الأمانة والثقة والعفة والتقوى، وأن تكون عنوان ((بيع المسلم من المسلم)) (1) . أي لاغش فيه ولا خداع

(1) الحديث رواه البخاري تعليقًا انظر: صحيحه – مع الفتح -: 4/309؛ ورواه الترمذي في سننه – بشرح تحفه الأحوذي – كتاب البيوع: 4/407؛ وابن ماجه، كتاب التجارات: 2/756

ص: 35

كما أولى الخلفاء الراشدون عنايتهم ببناء الأمصار، وازدهار أسواقها، وبرعايتها وتعيين المحتسبين عليها، حتى أصبحت مراكز حضارية ووسائل للتنمية المالية في العالم الإسلامي.

لذلك فإن العناية بأمر هذه الأسواق هي من تمام إقامة الواجب في حفظ المال، وتنميته باعتبار ذلك أحد مقاصد الشريعة، وباعتبار ما يستتبعه هذا من التعاون لسد الحاجات العامة، وأداء ما في المال من حقوق دينية أو دنيوية (1) .

وفي عصرنا الحاضر تطورت الأسواق المالية، وازدهرت آلياتها ازدهارًا رائعًا، وأدخلت فيها أنظمة متقدمة جدًّا من حيث الربط والاتصال، وربطت بالعالم أجمع من خلال (الكومبيوترات) فأصبحت حلقات الوصل في التجارة الدولية والتصدير والاستيراد، فلم تعد تقتصر على (سوق الإصدارات) بل تشمل الأسواق الثانوية، وتوفير السيولة، وتوظيف المال وغير ذلك من الأعمال والتجارة الدولية.

ولكن الأسواق المالية – بوضعها الحالي – ليست الأنموذج الذي تنشده الشريعة الإسلامية من تحقيق الكسب الحلال، واستثمار المال، وتنمية المدخرات بشكل يحقق الحلال الطيب، لذلك يتطلب الأمر من أولي العلم الثقات أن يعنوا بدراستها دراسة جادة جيدة للوصول إلى صورة متكاملة لسوق مالية إسلامية تتوفر فيها الشروط والضوابط الشرعية، وتقوم على الأسس والقواعد الشرعية.

فعالمنا الإسلامي بأمس الحاجة إلى أسواق مالية إسلامية نظرًا لسعة أطرافها، وما حباها الله تعالى بمواد خام، وثروات معدنية، وكثرة أفرادها حتى تكون منافعهم لهم، إضافة إلى حاجة المصارف الإسلامية إليها حاجة ماسة.

(1) التوصية الأولى من توصيات ندوة الأسواق المالية من الوجهة الإسلامية التي عقدت في الرباط بين 20- 24 /4/1410هـ بالمغرب

ص: 36

فالأمل كبير بالله تعالى في أن يوفق مجمع الفقه الإسلامي لإيجاد حلول بناءة لهذه القضية، ويصل إلى فكرة متكاملة لسوق تبنى على شرع الله تعالى، وتجمع بين ثوابت الشرع ووسائل التقدم والتطور الذي يشهده عصرنا الحاضر.

ويشرفنا أن نشارك في إثراء هذا الموضوع المهم بجهد وإن كان متواضعًا، وأحاول أن يكون منهجي قائمًا على التأصيل الفقهي، والتقعيد، بحيث يكون رجوعي أولًا إلى الكتاب والسنة، ثم إلى أقوال الفقهاء لأجد للأمور المستحدثة دليلًا شرعيًّا، أو قياسًا فقهيًّا، أو اجتهادًا لأحد سلفنا الصالح، فإن وجدت ذلك فبها ونعمت حيث يكون دوري الترجيح فقط، وإلَاّ فأبحث عن مدى موافقة هذا العقد الجديد للقواعد العامة، وعدم مخالفته للنصوص الشرعية.

وقد بدأت في بحثي بالتعريف بالأسواق المالية، ونبذة تاريخية لها، والتكييف الشرعي للأسواق المالية، ثم أسهبت في أهم الأدوات المستخدمة في الأسواق المالية، وهي الأسهم والسندات، والخيارات والمستقبليات حيث فصلت فيها تفصيلًا في أنواع كل واحدة منها، وحكمها الشرعي، وقد بذلت جهدي قدر طاقتي لإيجاد البدائل الإسلامية المشروعة، وذكرها.

والله أسأل أن يعصمني من الخطأ والزلل في القول والعمل، وأن يجعل أعمالنا كلها خالصة لوجهه الكريم، إنه مولاي فنعم المولى ونعم النصير.

ص: 37

التّعريفُ بالأسوَاق الماليّة لغَة واصطلَاحاً

تطلق كلمة " السوق " في اللغة ويراد بها: موضع البياعات قال ابن سيده: السوق التي يتعامل فيها، تذكر وتؤنث. ولها معان أخرى (1) وجاء بهذا المعنى قوله تعالى:{وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} (2) .

وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} (3) .

والأسواق جمع السوق وهي موضع البياعات والتعامل.

وورد لفظ " السوق " و " الأسواق " في السنة المشرفة كثيرًا حتى خصص بعض أصحاب الصحاح والسنن بابًا خاصًَّا بالسوق، بل ذكر البخاري أربعة أبواب لها، ترجم الأول: باب ما ذكر في الأسواق، وأورد فيه عدة آثار وأحاديث فذكر: قال عبد الرحمن بن عوف: لما قدمنا المدينة، قلت: هل من سوق فيه تجارة؟ فقال: سوق قينقاع

وقال عمر: ألهاني الصفق بالأسواق، ثم روى بسنده عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في السوق فقال رجل: (يا أبا القاسم

) وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة أحدكم في جماعة تزيد على صلاته في سوقه وبيته بضعًا وعشرين درجة

)) ، وترجم الثاني: باب كراهية السخب في الأسواق – أي رفع الصوت بالخصام، وترجم بابًا ثالثًا: باب الأسواق التي كانت في الجاهلية، فتبايع بها الناس في الإسلام، ثم روى عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال:" كانت عكاظ، ومجنة، وذو المجاز أسواقًا في الجاهلية، فلما كان الإسلام تأثموا من التجارة فيها فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} "[2: 198] .

(1) لسان العرب؛ والقاموس المحيط؛ ومختار الصحاح، مادة (سوق)

(2)

سورة الفرقان: الآية 7، ويراجع تفسير الماوردي، طبعة وزارة الأوقاف الكويتية: 3/149

(3)

سورة الفرقان: الآية 20

ص: 38

قال ابن بطال: " فقه هذه الترجمة أن مواضع المعاصي وأفعال الجاهلية لا تمنع من فعل الطاعة فيها. . "(1) .، وأورد بابًا رابعًا ترجم له: باب التجارة أيام الموسم، والبيع في أسواق الجاهلية، وأورد فيه حديث ابن عباس السابق بلفظ: ((كان ذو المجاز، وعكاظ متجر الناس في الجاهلية

)) (2) .

والمال لغة هي كما يقول ابن الأثير: المال في الأصل: ما يملك من الذهب والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتني ويملك من الأعيان، وذكر الفيروز أبادي أن المال يطلق على كل ما ملكته من كل شيء وأصله من مال الرجل يمول، ويمال مولًا إذا صار ذا مال (3) .

وقد ثار خلاف بين الفقهاء في تعريف المال، فعرفه الحنفية بأنه عين يجري التنافس والابتذال، حيث خصصوا المال بالأعيان دون المنافع، كما أنهم عمموه للمال المباح، والمحرم، وأما عند الجمهور فهو عام للأعيان والمنافع لكنه لا يشمل المحرمات لعينها كالخمر والخنزير (4) .

فالأسواق المالية أو (البورصات) هي الأماكن الخاصة التي تخصص للنشاطات التجارية الخاصة بالصرف، والنقد، والأسهم والسندات، والأوراق التجارية وشهادات الودائع، ونحوها، بالإضافة إلى عقود السلع بين المنتجين والتجار (5) .

(1) صحيح البخاري – مع الفتح – كتاب البيوع: 4/321، 338، 342

(2)

صحيح البخاري – مع الفتح – كتاب البيوع: 4/321، 338، 342، كتاب الحج: 3/593

(3)

لسان العرب؛ والقاموس المحيط؛ ومختار الصحاح، مادة (مول)

(4)

يراجع: مجمع الأنهر: 2/3؛ وحاشية ابن عابدين: 4/3؛ والبحر الرائق: 5/256 – 257؛ والأشباه والنظائر، للسيوطي: ص354؛ وشرح المحلى على المنهاج مع حاشيتي القليوبي وعميرة: 3/28. ويراجع: الملكية ونظرية العقد، للأستاذ أحمد فراج، طبعة الطباعة الفنية المتحدة بالقاهرة: ص6

(5)

موريس سلامة: الأسواق المالية في العالم، ترجمة يوسف الشدياق، طبعة عويدات ببيروت وباريس 1983م: ص5. ود. معبد الجارحي: المصارف الإسلامية، والأسواق العالمية، بحث مقدم للمؤتمر الثالث للمصارف الإسلامية في دبي أكتوبر 1985م: ص2

ص: 39

نبذة تاريخية:

وبما أن المال في اللغة والفقه عام للنقود والعروض (الموجودات المالية) فإن اسواقه، أو الأسواق المالية في عصرنا الحاضر لا يختلف مفهومها عن مفهومها في السابق، لكنها تطورت من أسواق عادية للبضائع إلى أسواق متطورة يغلب فيها العناية بالنقود والأسهم والودائع والسندات.

كانت الأسواق موجودة منذ التاريخ السحيق، منذ أن تكونت المجتمعات المدنية واحتاجت إلى التداول والمقايضة، والمبادلة حيث كان الناس من خلالها يحصلون على حاجياتهم ويتبادلون فيها الأموال، لكنها تطورت في القرون الأخيرة حيث ظهرت منذ القرن السادس عشر الميلادي كظاهرة حديثة يتم فيها بصورة عامة تبادل سندات التحويل، والسندات لأمر، والسندات التجارية وغير ذلك.

وقد ازداد عدد الأسواق المالية في العالم وازداد نشاطها، ويصل عددها في أمريكا أربع عشرة بورصة، أهمها بورصة نيويورك التي تقدر قيمة الأسهم فيها بحوالي 1500 مليار دولار، وفي بريطانيا اندمجت كل الأسواق المالية منذ عام 1973م في جهاز واحد وهو بورصة لندن التي تقدر قيمة الأسهم فيها بمليار دولار، وفي اليابان تعمل ثماني بورصات، وأهمها بورصة طوكيو حيث تستأثر بـ75 % من مجموع المضاربات في اليابان، والتي تقدر قيمة أسهمها بأكثر من مليارين من الدولارات، وفي ألمانيا توجد ثماني بورصات تقع بورصة فرانكفورت في مقدمتها حيث تحقق 44 % من مجمل الأعمال، وفي فرنسا توجد سبع بورصات أهمها بورصة باريس، وفي سويسرا أيضًا سبع بورصات أهمها بورصات جنيف، وبال، وزيوريخ (1) . وهكذا..

(1) المراجع السابقة

ص: 40

التكييف الشرعي للأسواق المالية:

إن فكرة الأسواق المالية – من حيث المبدأ – تدخل تحت قاعدة المصالح المرسلة، والتنظيمات التي تعتبر من صلاحيات أولي أمر المسلمين، وهي بلا شك تساعد على تطوير الأعمال التجارية والاقتصادية التي هي شريان الحياة لكل المجتمعات المتقدمة، ولذلك عبر الله عن المال بأنه قيام للمجتمع لا ينهض ولا يقوم إلَّا به:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] .

وقد اشتهرت أمور المال والإشراف عليه منذ الصدر الأول بالحسبة، جاء في السيرة الحلبية:" أن هذه الولاية تعرف بالحسبة، وموليها بالمحتسب "(1) . وفي التيسير لابن سعيد: " اعلم أن الحسبة من أعظم الخطط الدينية، فلعموم مصلحتها، وعظيم منفعتها تولى أمرها الخلفاء الراشدون، ولم يكلوا أمرها إلى غيرهم مع ما كانوا فيه من شغل الجهاد، وتجهيز الجيوش

" (2) .

وقد اعتبر حاجي خليفة هذه الولاية علمًا خاصًّا فقال: " علم الاحتساب علم باحث عن الأمور الجارية بين أهل البلد من معاملاتهم اللاتي لا يتم التمدن بدونها من حيث إجراؤها على القانون المعدل حيث يتم التراضي بين المتعاملين، وعن سياسة العباد بنهي المنكر، وأمر بالمعروف بحيث لا يؤدي إلى مشاجرات وتفاخر بين العباد، بحيث ما رآه الخليفة من الزجر والمنع ثم قال: " ومبادؤه بعضها فقهي، وبعضها أمورٌ استحسانية ناشئة من رأي الخليفة، والغرض منه تحصيل الملكة في تلك الأمور، وفائدته إجراء أمور المدن في المجاري على الوجه الأتم، وهذا أدق العلوم، ولا يدركه إلَّا من له فهم ثاقب وحدس صائب، إذ الأشخاص، والأزمان، والأحوال ليست على وتيرة واحدة، بل لابد لكل واحد من الأزمان والأحوال سياسة خاصة، وذلك من أصعب الأمور، فلذلك لا يليق بمنصبها إلَّا من له قوة قدسية مجردة عن الهوى كعمر بن الخطاب

" (3) .

(1) السيرة الحلبية 3/354

(2)

التراتيب الإدارية: 2/286

(3)

كشف الظنون

ص: 41

وعلى ضوء ذلك فالأسواق المالية – من حيث المبدأ – من الأمور التي يسعى لتحقيقها الإسلام لكنه يضع لها الشروط والضوابط حتى لا تتنافى مع مبادئه وقواعده العامة، فهي بلا شك من المصالح النافعة، والتنظيمات المفيدة التي أخذ بأمثالها الخلفاء الراشدون رضي الله عنهم .

وإذا كانت الأسواق المالية اليوم لا تحقق المقاصد التي يتوخاها الإسلام فإن هذا لا يعني إغفالها، وتركها وشأنها، أو الحكم على ما فيها حكمًا مطلقًا بالتحريم، وإنما الأمانة تقتضي أن نبحث عن كل تفصيلاتها وجزئياتها، ونحكم من خلال تصور دقيق لكل جزئياتها، ونبذل كل ما في وسعنا، ونستفرغ كل جهدنا للوصول إلى بديل إسلامي يجمع بين الأصالة والتجديد والتطوير.

فالأسواق المالية تشمل عدة أمور، فلها أنظمتها الإدارية والإجرائية المتطورة، وهذا الجانب يدخل ضمن المصالح المرسلة، والسياسة الشرعية التي تعطي الحق لولي الأمر إلزام الناس بنوع من التنظيمات ما دامت لا تتعارض مع النصوص الشرعية الثابتة الخالية من معارض.

وبالإضافة إلى هذا الجانب، فإن هناك مهامًّا وأعمالًا تجري في الأسواق المالية لأداء دور الوساطة، أو السمسرة، أو الخدمات الإعلامية، والكتابية، أو الوكالة، أو القرض، أو الصرف فهذه التصرفات تطبق عليها الأحكام الشرعية الخاصة بكل تصرف أو عقد (1) .

لكن أهم الأدوات المستخدمة في الأسواق المالية هي الأسهم والسندات، والخيارات، والمستقبليات، إضافة إلى عمليات الصرف والسلع، والصيغ الجارية للعقود.

وسنخصص هذا البحث لدراسة هذه الأمور حسب الخطة التي وضعها المجمع الفقهي الموقر، دون الخوض في أمور أخرى لنصل إلى نتائج محددة بإذن الله تعالى.

(1) البيان الختامي والتوصيات لندوة الأسواق المالية التي عقدت بالرباط في 20-25/4/1410هـ. ص5

ص: 42

سوق الأسهم: أنواعها، وحكم كل نوع منها:

الأسهم هي جمع سهم، وهو لغة له عدة معانٍ منها: النصيب، وجمعه:" السهمان " بضم السين، ومنها العود الذي يكون في طرفه نصل يرمى به عن القوس، وجمعه: السهام، ومنها: بمعنى القدح الذي يقارع به، أو يلعب به في الميسر، ويقال: أسهم بينهم أي أقرع، وساهمه أي باراه ولاعبه فغلبه، وساهمه أي قاسمه وأخذ سهمًا، أي نصيبًا جاء في المعجم الوسيط:"ومنه شركة المساهمة "(1) وفي القرآن الكريم: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] .

أي قارع بالسهام فكان من المغلوبين (2) . والاقتصاديون يطلقون السهم مرة على الصك، ومرة على النصيب، والمؤدى واحد، فباعتبار الأول قالوا: السهم هو صك يمثل جزءًا من رأس مال الشركة، يزيد وينقص تبع رواجها.

وبالاعتبار الثاني: قالوا: السهم هو نصيب المساهم في شركة من شركات الأموال، أو الجزء الذي ينقسم على قيمته مجموع رأس مال الشركة المثبت في صك له قيمة اسمية، حيث تمثل الأسهم في مجموعها رأس مال الشركة، وتكون متساوية القيمة (3) .

وتتميز الأسهم بكونها متساوية القيمة، وأن السهم الواحد لا يتجزأ وأن كل نوع منها – عاديًّا أو ممتازًا – يقوم – من حيث المبدأ – على المساواة في الحقوق والالتزامات وأنه قابل للتداول، ولكن بعض القوانين – مثل النظام السعودي – استثنى الأسهم المملوكة للمؤسسين حيث لا يجوز تداولها قبل نشر الميزانية إلَّا بعد سنتين ماليتين كاملتين – كقاعدة عامة – وكذلك لا يجوز تداول أسهم الضمان التي يقدمها عضو مجلس الإدارة لضمان إدارته طوال مدة العضوية وحتى تنقضي المدة المحددة لسماع دعوى المسؤولية (4) .

(1) القاموس المحيط؛ ولسان العرب؛ والمعجم الوسيط، مادة (سهم)

(2)

النكت والعيون، للماوردي، طبعه أوقاف الكويت: 3/426، ويراجع: أحكام القرآن لابن العربي، طبعة دار المعرفة، بيروت: 4/1622

(3)

يراجع: د. على حسن يونس: الشركات التجارية، طبعة الاعتماد، بالقاهرة: ص539، ود. شكري حبيب شكري، وميشيل ميكالا: شركات الأشخاص، وشركات الأموال علمًا وعملًا، طبعة الإسكندرية: ص184، ود. صالح بن زابن المرزوقي البقمي، طبعة جامعة أم القرى، 1406هـ: ص332، ود. أبو زيد رضوان: الشركات التجارية في القانون المصري المقارن، طبعة دار الفكر العربي، القاهرة 1989م: ص526

(4)

د. صالح البقمي: طبعة جامعة أم القرى، 1406هـ: ص337 – 338

ص: 43

حكم تقسيم رأس مال الشركة:

ومن الجدير بالتنبيه عليه أن تقسيم رأس مال الشركة إلى حصص وأجزاء، واشتراط الشروط السابقة لا يتنافى مع المبادئ العامة للشريعة الإسلامية، والقواعد العامة للشركة في الفقة الإسلامي، إذ ليس فيها ما يتنافى مع مقتضى عقد الشركة، بل فيها تنظيم وتيسير ورفع للحرج الذي هو من سمة هذه الشريعة، وداخل ضمن الوفاء العام بالعقود:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] .

وتحت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون عند شروطهم)) (1) . وفي رواية: ((

والمسلمون على شروطهم إلَّا شرطًا حرم حلالًا أو أحل حرامًا)) (2) . قال الترمذي: " هذا حديث حسن صحيح "(3) .

فهذه النصوص وغيرها تدل على أن كل مصالحة وكل شرط جائزان إلَّا ما دل الدليل على حرمته، وعلى أن الأصل فيهما هو الإباحة، والحظر يثبت بدليل خاص، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " وهذا المعنى هو الذي يشهد عليه الكتاب والسنة

" (4) . ويقول أيضًا: " إن الأصل في الشروط الصحة واللزوم إلَّا ما دل الدليل على خلافه

فإن الكتاب والسنة قد دلا على الوفاء بالعقود والعهود، وذم الغدر والنكث

والمقصود هنا: أن مقتضى الأصول والنصوص: أن الشرط يلزم إلَّا إذا خالف كتاب الله

".

ولا يخفى أن هذه القواعد السابقة تجعل الفقه الإسلامي يقبل بكل عقد، أو تصرف، أو تنظيم مالي أو إداري ما دام لا يتعارض مع نصوص الكتاب والسنة، وقواعدها العامة، وأن الشريعة الغراء تجعل كل حكمة نافعة ضالة المؤمن دون النظر إلى مصدرها أو اسمها، وإنما الأساس معناها ومحتواها، ووسائلها وغاياتها، وما تحققه من مصالح ومنافع، أو مضار ومفاسد.

(1) رواه البخاري في صحيحه – تعليقًا بصيغة الجزم – كتاب الإجارة: 4/451

(2)

سنن الترمذي – مع شرح تحفة الأحوذي – كتاب الأحكام: 4/584، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية (مجموع الفتاوى: 29/147) : (وهذه الأسانيد، وإن كان الواحد منها ضعيفًا فاجتماعها من طرق يشد بعضها بعضًا) .

(3)

مجموع الفتاوى، طبعة الرياض: 29/150، ويراجع لإثبات أن الأصل في العقود والشروط هو الإباحة: مبدأ الرضا في العقود، طبعة دار البشائر الإسلامية: 2/1148.

(4)

مجموع الفتاوى 29/346،351

ص: 44

خصائص السهم وحقوقه:

للأسهم عدة خصائص من أهمها: تساوي قيمتها حسبما يحددها القانون، وتساوي حقوقها، وكون مسؤولية كل مساهم بقدر قيمة أسهمه، وقابليتها للتداول، وعدم قابلية السهم للتجزئه وأما حقوق السهم فهي حق بقاء صاحبه في الشركة، وحق التصويت في الجمعية العمومية، وحق الرقابة، وحق رفع دعوى المسؤولية على الإداريين، والحق في نصيب الأرباح، والاحتياطات والتنازل عن السهم والتصرف فيه، والأولوية في الاكتتاب، وحق اقتسام موجودات الشركة عند تصفيتها (1)

حكم الأسهم باعتبار نشاطها ومحلها:

ذكرنا أن تقسيم رأس مال الشركة إلى حصص متساوية تسمى بالأسهم جائز ليس فيه أية مخالفة لمبادئ الإسلام وقواعده.

وهنا نذكر بصورة عامة حكم تداول هذه الأسهم والتصرف فيها بالبيع والشراء وغيرهما بصورة عامة، ثم نذكر عند بيان كل نوع من الأسهم حكمه الخاص بإذن الله تعالى.

ومن الجدير بالتنبيه عليه أن بعض الباحثين (2) . أطلقوا اختلاف العلماء المعاصرين حول الأسهم مطلقًا دون تفصيل من غير أن يجد منهم تصريحًا بذلك بل اعتمادًا على ما فهم من آرائهم في الشركات بصورة عامة (3) .

وهذا الإطلاق لا ينبغي الركون إليه، إذ أن لازم المذهب ليس بمذهب – كما هو مقرر في الأصول – كما أن جل نقاش هؤلاء العلماء في الشركات التي أنشئت في بلاد الإسلام وليس في الشركات التي حدد نشاطها في المحرمات كالخنزير والخمور ونحوها.. (4) .

(1) يراجع: المراجع الفقهية السابقة، ويراجع: د. محمد عبد الغفار الشريف، بحثه المقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة: ص10 – 11، ود. محمد الحبيب الجراية، بحثه عن الأدوات المالية التقليدية، المقدم إلى مجمع الفقه في دورته السادسة، ود. الخياط: الشركات، طبعة الرسالة: 2/94

، ود. صالح بن زابن: شركة المساهمة: ص334

(2)

د. صالح بن زابن البقمي: شركة المساهمة ص340، حيث قال: ومن هنا يمكن أن نقسم أقوالهم إلى ثلاثة: قسم حرم التعامل بها – أي بالأسهم – مطلقًا، وقسم أباح الأسهم مطلقًا، واشترط بعضهم خلوها مما يستوجب الحرمة، وقسم أباح أنواعًا من الأسهم، وحرم أنواعًا أخرى

(3)

د. صالح بن زابن البقمي: شركة المساهمة ص 340

(4)

يراجع في تفصيل ذلك: الشركات في الفقه الإسلامي للشيخ علي الخفيف، طبعة دار النشر للجامعات المصرية: ص96، والشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي للدكتور عبد العزيز الخياط، طبعة المطابع التعاونية 1971م: 2/153 – 212، وشركة المساهمة في النظام السعودي، للدكتور صالح بن زابن، طبعة جامعة أم القرى 1406هـ: ص 340، ومن الذين حرموا التعامل بالأسهم حرامًا مطلقًا الشيخ تقي الدين النبهاني في كتابه النظام الاقتصادي في الإسلام، طبعة القدس 1953م: ص141 – 142، ومن الذين قالوا بإباحتها دون تفصيل فيها، الدكتور محمد يوسف موسى، والشيخ شلتوت، لكنهم بلا شك يقولون بضرورة خلوها من المحرمات. انظر الفتاوي للشيخ شلتوت، طبعة الشروق: ص355. والمصادر السابقة

ص: 45

ولذلك نقسم الأسهم إلى نوعين: نوع محرم تحريمًا بينًّا، ونوع فيه النقاش والتفصيل والخلاف.

فالنوع الأول هو الأسهم التي محلها الخنزير، والخمور والمخدرات، والقمار ونحوها من المحرمات، وكذلك الشركات التي يكون نشاطها محصورًا في الربا كالبنوك الربوية.

فهذه الأسهم جميعها لا يجوز إنشاؤها ولا المساهمة في إنشائها، ولا التصرف فيها بالبيع والشراء ونحوهما، يقول ابن القيم بعد أن ذكر الأحاديث الخاصة بحرمة بيع بعض الأشياء -: " فاشتملت هذه الكلمات الجوامع على تحريم ثلاثة أجناس: مشارب تفسد العقول – كالخمر – ومطاعم تفسد الطباع وتغذي غذاء خبيثًا – مثل الميتة، والخنزير – وأعيان – كالأصنام تفسد الأديان وتدعو إلى الفتنة والشرك، فصان بتحريم النوع الأول العقول عما يزيلها، ويفسدها، وبالثاني القلوب عما يفسدها من وصول أثر الغذاء الخبيث إليها

، وبالثالث الأديان عما وضع لإفسادها " (1) .

هذا هو المبدأ الذي لا يجوز تجاوزه، ولا ينبغي التوقف فيه، وما سوى هذا النوع من الأسهم الحرام قسمان:

(1) زاد المعاد في هدي خير العباد، طبعة مؤسسة الرسالة: 5/746

ص: 46

القسم الأول

أسهُم لشركات قَائمة عَلى شَرع الله تعَالى

حيث رأس مالها حلال، وتتعامل في الحلال، وينص نظامها وعقدها التأسيسي على أنها تتعامل في حدود الحلال، ولا تتعامل بالربا إقراضًا واقتراضًا، ولا تتضمن امتيازًا خاصًَّا أو ضمانًا ماليًّا لبعض دون آخر.

فهذا النوع من أسهم الشركات – مهما كانت تجارية أو صناعية أو زراعية – من المفروض أن يفرغ الفقهاء من القول بحلها وحل جميع التصرفات الشرعية فيها، وذلك لأن الأصل في التصرفات والعقود المالية الإباحة، ولا تتضمن هذه الأسهم أي محرم، وكل ما فيها أنها نظمت أموال الشركة حسبما تقتضيه قواعد الاقتصاد الحديث دون التصادم بأي مبدأ إسلامي.

ومع ذلك فقد أثير حول هذا النوع أمران:

الأمر الأول: ما أثاره أحد الكتاب من أن هذه الأسهم جزء من النظام الرأسمالي الذي لا يتفق جملة وتفصيلًا مع الإسلام، بل إن الشركات الحديثة ولا سيما شركات الأموال حرام لا تجوز شرعًا، لأنها تمثل وجهة نظر رأسمالية فلا يصح الأخذ بها، ولا إخضاعها لقواعد الشركات في الفقه الإسلامي (1) .

وهذا الحكم العام لا يؤبه به، ولا يجنح إليه، فالإسلام لا يرفض شيئًا لأنه جاء من النظام الفلاني، أو وجد فيه، وإنما الحكم في الإسلام موضوعي قائم على مدى موافقته لقواعد الشرع، أو مخالفته، " فالحكمة ضالة المؤمن فهو أحق بها أنّى وجدها " وبما أن الأسهم القائمة على الحلال لا تتضمن مانعًا شرعيًّا فلا يجوز القول بتحريمها، - كما سبق.

(1) الشيخ تقي الدين النبهاني: النظام الاقتصادي في الإسلام، طبعة القدس الثالثة 1372هـ: ص133

ص: 47

واستدل كذلك بأن الأسهم بمثابة سندات بقيمة موجودات الشركة، وهي تمثل ثمن الشركة وقت تقديرها وليست أجزاء لا تتجزأ من الشركة، ولا تمثل رأس مالها عند إنشائها (1) .

غير أن هذا الحكم والتصور للأسهم مجاف للحقيقة، والواقع الذي عليه الشركات المعاصرة، لأن الأسهم ليست سندات، وإنما هي حصص الشركة، وأن كل سهم بمثابة جزء لا يتجزأ من كيان الشركة، وأن مجموع الأسهم هي رأس مال الشركة (2) .

كما قاس الأسهم على أوراق النقد حيث يهبط سعرها، ويرتفع، وتتفاوت قيمتها وتتغير، ومن هنا ينسلخ السهم بعد بدء الشركة عن كونه رأس مال، وصار ورقة مالية لها قيمة معينة.

والواقع أن هذا التكييف الفقهي للأسهم غير دقيق، وقياسها على الأوراق النقدية قياس مع الفارق، لأن الأسهم في حقيقتها هي حصص الشركة، وأجزاء تقابل أصولها، وموجوداتها، وهي وإن كانت صكوكًا مكتوبة لكنها يعني بها ما يقابلها.

ومسألة الهبوط والارتفاع يختلف سببها في الأسهم عن سببها في النقود، فتغير قيمة الأسهم يعود إلى نشاط الشركة نفسها، حيث ترتفع عندما تزداد أرباحها، أو تزداد معها موجوداتها، وثقة الناس بها، وتنخفض عند الخسارة، ومثل ذلك كمثل شخص أو شركاء لهم سلع معينة فباعوها بأرباح جيدة فزادت نسبة مال كل واحد منهم بقدر الربح، وكذلك تنقص نسبة مال كل واحد منهم لو فقد منها بعضها، أو هلك، أو بيعت السلعة بخسارة، فهذا هو الأنموذج المصغر للأسهم في الشركات.

(1) النبهاني: النظام الاقتصادي في الإسلام، طبعة القدس الثالثة 1372هـ: ص141 - 142.

(2)

د. صالح بن زابن: وشركة المساهمة في النظام السعودي، للدكتور صالح بن زابن، طبعة جامعة أم القرى 1406هـ: ص344

ص: 48

أما الورقة النقدية فيعود انخفاضها إلى التضخم، وإلى الأنظمة الدولية بهذا الخصوص وسياسة الدولة في إصدار المزيد من الأوراق النقدية التي قد لا يوجد لها مقابل حقيقي، وغير ذلك من العوامل الاقتصادية، بينما السهم يمثل ذلك المبلغ الذي تحول إلى جزء من الشركة ممثل في أصولها وموجوداتها.

الأمر الثاني: الذي أثير حول هذا النوع من الأسهم هو ما أثير حول شرائها، أو بيعها من ملحوظات ثلاث نذكرها مع الإجابة عنها (1) .

الملحوظة الأولى: الجهالة، حيث لا يعلم المشتري علمًا تفصيليًّا بحقيقة محتوى السهم.

للجواب عن ذلك نقول: إن الجهالة إنما تكون مانعة من صحة العقد إذا كانت مؤدية إلى النزاع، أو كما يعبر عنه الفقهاء بالجهالة الفاحشة (2) يقول الإمام القرافي: " الغرر والجهالة ثلاثة أقسام: كثير ممتنع إجماعًا كالطير في الهواء، وقليل جائز إجماعًا كأساس الدار

، ومتوسط اختلف فيه " (3) . ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في بيع المغيبات كالجزر، واللفت والقلقاس: " والأول – أي القول بصحة بيعها وهو مذهب مالك وقول لأحمد – أصح

، فإن أهل الخبرة إذا رأوا ما ظهر منها من الورق وغيره دلهم ذلك على سائرها، وأيضًا فإن الناس محتاجون إلى هذه البيوع، والشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه من البيع لأجل نوع الغرر، بل يبيح ما يحتاج إليه في ذلك، كما أباح بيع الثمار قبل بدو صلاحها مبقاة إلى الجذاذ وإن كان بعض المبيع لم يخلق

وأباح بيع العرايا بخرصها فأقام التقدير بالخرص مقام التقدير بالكيل عند الحاجة مع أن ذلك يدخل في الربا الذي هو أعظم من بيع الغرر، وهذه قاعدة الشريعة، وهو تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما " (4) ، ويقول الأستاذ الصديق الضرير: " الغرر الذي يؤثر في صحة العقد هو ما كان في المعقود عليه أصالة، أما الغرر في التابع.. فإنه لا يؤثر في العقد " (5) .

(1) يراجع: الشيخ عبد الله بن سليمان: بحث في حكم تداول أسهم الشركات المساهمة: ص0003، وفتوى الشيخ محمد بن إبراهيم مفتى الديار السعودية، بجواز تداول أسهم الشركات الوطنية ضمن كتاب فتاوى ورسائل: 7/42 –43.

(2)

يراجع: الموسوعة الفقهية (الكويتية) مصطلح جهالة 16/167.

(3)

الفروق، طبعة دار المعرفة 3/265 – 266.

(4)

مجموع الفتاوى، طبعة الرياض 29/227

(5)

الغرر وأثره: ص594

ص: 49

فالواقع أن المشترى يعلم علمًا إجماليًّا كافيًا بقيمة السهم، وما يقابله من الموجودات من خلال نشر الميزانية ونشاط الشركة ونحو ذلك، وهذا العلم يكفى لصحة البيع بالإضافة إلى أن العلم في كل شيء بحسبه.

ثم إن بيع الحصص المشاعة جائز بالاتفاق، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " يجوز بيع المشاع باتفاق المسلمين، كما مضت بذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم

" (1) . ويقول ابن قدامة: " وإن اشترى أحد الشريكين حصة شريكه جاز، لأنه يشتري ملك غيره وكذلك الأمر لو باعه لأجنبي وكذلك الأمر عند غيره من العلماء (2) .

الملحوظة الثانية: إن بيع السهم يعني بيع جزء من الأصول، وجزء من النقود، وهذا يقتضي ملاحظة قواعد الصرف من التماثل والتقابض في المجلس بين الجنس الواحد، والتقابض فيه عند اختلاف الجنس، وذلك لأن السهم في الغالب يكون مساويًا لموجودات الشركة بما فيها النقود. للجواب عن ذلك أن وجود النقود في الأسهم يأتي تبعًا غير مقصود لأن الأصل والأساس فيها هي الموجودات العينية، ولذلك نقول: إن بيع السهم قبل بدء عمل الشركة وقبل شراء المباني ونحوها لا يجوز إلَّا مع مراعاة قواعد الصرف.

فالسهم يراد به هذا الجزء الشائع من الشركة دون النظر إلى تفصيلاته فما دام للسهم مقابل من موجودات الشركة لا يعامل معاملة النقد بسبب أن جزءًا من الموجودات نقد، والقاعدة الفقهية تقضي أنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في غيره، وأنه يغتفر في الشيء ضمنًا ما لا يغتفر فيه قصدًا، قال السيوطي: " ومن فروعها

أنه لا يصح بيع الزرع الأخضر إلَّا بشرط القطع، فإن باعه مع الأرض جاز تبعًا

" (3) .

(1) مجموع الفتاوى: 29/233

(2)

يراجع: المغنى: 5/45، والمجموع: 9/292، ويراجع: د. صالح بن زابن: شركة المساهمة في النظام السعودي، للدكتور صالح بن زابن، طبعة جامعة أم القرى 1406هـ: ص348، والمصادر السابقة الأخرى

(3)

الأشباه والنظائر للسيوطي، طبعة عيسى الحلبي بالقاهرة: ص133، ويراجع في نفس المعنى: الأشباه والنظائر، لابن نجيم، طبعة مؤسسة الحلبي بالقاهرة: ص121 – 122.

ص: 50

بل إن مسألتنا هذه لها أصل مقرر في السنة المشرفة حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم أجاز شراء عبد وله مال – وحتى وإن كان نقدًا – فيكون ماله تبعًا للمشترى إذا اشترط ذلك دون النظر إلى قواعد الصرف، فقد روى البخاري ومسلم، وغيرهما

بسندهم عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((

ومن ابتاع عبدًا وله مال فماله للذي باعه إلَّا أن يشترط المبتاع)) (1) . قال الحافظ ابن حجر: " ويؤخذ من مفهومه أن من باع عبدًا ومعه مال وشرطه المبتاع أن البيع يصح ". ثم ذكر اختلاف العلماء فيما لو كان المال ربويًّا، حيث ذهب مالك إلى صحة ذلك ولو كان المال الذي معه ربويًّا لإطلاق الحديث، ولأن العقد إنما وقع على العبد خاصة والمال الذي معه لا مدخل له في العقد" (2) . قال مالك: " الأمر المجتمع عليه عندنا أن المبتاع إن اشترط مال العبد فهو له نقدًا كان أو دينًا أو عرضًا يعلم أو لا يعلم

" (3) .

الملحوظة الثالثة: أن جزءًا من السهم يمثل دينًا للشركة وحينئذٍ لايجوز بيعه بثمن مؤجل، لأنه يكون بيع الدين بالدين وهو منهي عنه حيث روي ((أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ)) – أي الدين بالدين - (4) .

(1) صحيح البخاري – مع الفتح، طبعة السلفية – المساقاة: 5/49، ومسلم، طبعة عيسى الحلبي، البيوع: 3/1173؛ وأحمد: 2/150؛ والموطأ: ص378.

(2)

فتح الباري 5/51.

(3)

الموطأ: ص378.

(4)

قال الهيثمي في مجمع الزوائد: 4/80، رواه البزار، وفيه موسى بن عبيدة، وهو ضعيف

ص: 51

والجواب عن ذلك من وجوه:

الوجه الأول: الحديث ضعيف، لأن في سنده موسى بن عبيدة، وهو ضعيف (1) فلا ينهض حجة، كما أن الحديث فسره بعدة تفسيرات لا يدخل موضوعنا في أكثرها.

الوجه الثاني: لا ينطبق عليه بيع الدين بالدين، إذ أن هذا الجزء من ديون الشركة داخل في السهم تبعًا، وحينئذ يكون الجواب السابق في الملحوظة الثانية جوابًا لهذا الإشكال بكل تفاصيله.

الوجه الثالث: ليس الحكم السابق – في كون الدين جزءًا من السهم – عامًا، إذ قد لا توجد الديون للشركة، وإنما تتعامل بالنقد، وعلى فرض وجودها فهي تمثل نسبة قليلة من موجودات الشركة، والقاعدة الفقهية تقضي بأن العبرة بالأكثر (2) .

والخلاصة أن الأسهم التي تقوم على الحلال، وتتبع الشركات التي تمتنع عن مزاولة أي نشاط محرم، وتتوفر فيه قواعد الشركة من المشاركة في الأعباء، وتحمل المخاطر، ولا تكون لهذه الأسهم ميزة مالية على غيرها

فهي حلال لما ذكرناه ويجوز إنشاؤها، والتصرف فيها، وذلك لأن ذلك كله داخل حدود التصرفات المباحة التي أجازها الشارع للمالك في ملكه، امتثالًا لقوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] .

والأدلة الأخرى التي ذكرنا بعضها.

(1) تقريب التهذيب: 2/286، ومجمع الزوائد: 4/80.

(2)

المراجع السابقة جميعها

ص: 52

القسم الثاني

أسهُم لَم تَتَوفّر فيَها الشُروط السَّابقَة

وهي الأسهم التي ليست شركات تزاول المحرمات – كالنوع الأول – ولا لشركات قائمة على الحلال – كالقسم الأول – وإنما هي أسهم لشركات قد تدع في بعض الأحيان بعض فلوسها في البنوك بفائدة، أو تقترض منها بفائدة، أو قد تكون نسبة قليلة من معاملاتها تتم من خلال عقود فاسدة كمعظم الشركات في الدول الإسلامية، والشركات في الدول غير الإسلامية مما يكون محلها أمورًا مباحة كالزراعة، والصناعة والتجارة (أي فيما عدا المحرمات السابقة في النوع الأول) .

وقبل أن أذكر حكم هذه الأسهم أود أن أبين جملة من المبادئ الشرعية في هذا الصدد منها:

أولًا: أن المسلمين مطالبون بتوفير المال الحلال الطيب الذي لا شبهة فيه، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168] .

{فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا} [النحل: 114] .

ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه

)) (1) .

قال الحافظ بن حجر: " واختلف في حكم الشبهات، فقيل: التحريم. وهو مردود، وقيل: الكراهة، وقيل: الوقف ". ثم قال: "

رابعها: أن المراد بها المباح، ولا يمكن قائل هذا أن يحمله على متساوى الطرفين من كل وجه، بل يمكن حمله على ما يكون من قسم الخلاف الأولى

" ونقل ابن المنير في مناقب شيخه القباري عنه أنه كان يقول: " المكروه عقبة بين العبد والحرام فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام

، وهو منزع حسن " (2) .

(1) صحيح البخاري – مع الفتح – الإيمان: 1/126، ومسلم، المساقاة: 3/1220؛ وأحمد: 4/267.

(2)

فتح الباري: 1/127

ص: 53

ثانيًا: أن الشريعة الإسلامية الغراء مبناها على رفع الحرج ودفع المشقة، وتحقيق اليسر والمصالح للأمة، فقد قال الله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] .

وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] .

وهذا المبدأ من الوضوح ما لا يحتاج إلى دليل، بل هو مقصد من مقاصد الشريعة.

وبناء على هذا الأصل العظيم أبيحت المحظورات للضرورة، {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] .

وكما أن الضرورة مرفوعة كذلك نزلت الحاجة منزلة الضرورة، يقول السيوطي، وابن نجيم وغيرهما:" الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت، أو خاصة ". ولهذا جوزت الإجارة والجعالة، ونحوها (1) .

يقول الشيخ أحمد الزرقاء: " والمراد بالحاجة هي الحالة التي تستدعي تيسيرًا، أو تسهيلًا لأجل الحصول على المقصود فهي دون الضرورة من هذه الجهة وإن كان الحكم الثابت لأجلها مستمرًا، والثابت للضرورة مؤقتًا

" (2) .

ومن الأمثلة الفقهية لهذه القاعدة ما أجازه فقهاء الحنفية من بيع الوفاء مع أن مقتضاه عدم الجواز، لأنه إما من قبيل الربا، لأنه انتفاع بالعين بمقابلة الدين، أو صفقة مشروطة في صفقة كأنه قال: بعته منك بشرط أن تبيعه مني إذا جئتك بالثمن، وكلاهما غير جائز، ولكن لما مست الحاجة إليه في بخارى بسبب كثرة الديون على أهلها جوز على وجه أنه رهن أبيح الانتفاع بثمراته ومنافعه كلبن الشاة، والرهن على هذه الكيفية جائز (3) .

(1) الأشباه والنظائر، للسيوطي: ص97 – 98؛ والأشباه والنظائر، لابن نجيم، ص91 – 92.

(2)

شرح القواعد الفقهية، تأليف الشيخ أحمد الزرقاء، رحمه الله، طبعة دار الغرب الإسلامي: ص155

(3)

شرح القواعد الفقهية، تأليف الشيخ أحمد الزرقاء، رحمه الله، طبعة دار الغرب الإسلامي: ص155

ص: 54

ومن هذه الاجتهادات ما ذكره ابن عابدين أن مشايخ بلخ، والنسفي أجازوا حمل الطعام ببعض المحمول، ونسج الثوب ببعض المنسوج لتعامل أهل بلادهم بذلك، وللحاجة مع أن ذلك خلاف القياس، وأن متقدمي الحنفية صرحوا بعدم جوازه (1) .

وذكر أيضًا أن بعض قدماء الحنفية لما سئلوا عن النسبة المئوية التي يأخذها السمسار مثل 10 % قالوا: ذاك حرام عليهم، وإنما يجب لهم أجر المثل. بينما أجازه بعضهم مثل محمد بن سلمة حيث سئل عن أجرة السمسار فقال: أرجو أنه لا بأس به – وإن كان في الأصل فاسدًا -، لكثرة التعامل، وكثير من هذا غير جائز فجوزوه لحاجة الناس إليه

(2) .

ولهذه القاعدة أدلة عملية من السنَّة المشَرَّفة، منها أن الرسول صلى الله عليه وسلم أباح بيع العرايا (3) . مع أن أصلها يدخل في باب الربا، حيث لم يجوز صلى الله عليه وسلم بيع التمر بالرطب (4) لوجود النقصان، وعدم تحقيق التماثل الحقيقي، ومع ذلك أباح العرايا لحاجة الناس إليها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية " وأباح بيع العرايا

عند الحاجة مع أن ذلك يدخل في الربا

" (5) " ويقول أيضًا: "الشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها حاجة راجحة أبيح المحرم "(6) ويقول: "والشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه في البيع لأجل نوع من الغرر، بل يبيح ما يحتاج إليه في ذلك "(7) .

(1) حاشية ابن عابدين، طبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت: 5/36 – 37.

(2)

حاشية ابن عابدين: 5/39.

(3)

انظر الحديث ترخيص بيع العرايا، لحاجة الناس إليها. صحيح البخاري – مع الفتح -: 4/390؛ ومسلم: 3/1168؛ وأحمد: 5/181؛ والعرية هي بيع الرطب فوق النخل بالتمر بالتخمين والتقدير.

(4)

فقد سئل عليه السلام عن بيع الرطب بالتمر؟ فقال: أينقص الرطب إذا جفَّ؟ فقيل: نعم، فقال:(فلا إذا) انظر: مسند الشافعي: ص51؛ وأحمد: 3/312؛ والترمذي: 1/231؛ والنسائي: 7/269؛ وابن ماجه: 2/761؛ وسنن أبي داود: 3/251؛ والسنن الكبرى: 5/294؛ ويراجع تلخيص الحبير: 3/9 – 10.

(5)

مجموع الفتاوى: 29/227، 249.

(6)

مجموع الفتاوى: 29/227، 249.

(7)

مجموع الفتاوى: 29/227، 249.

ص: 55

ثالثًا: لا ينكر دور العرف وأثره في الفقه الإسلامي ما دام لا يتعارض مع نصوص الشريعة، يقول ابن نجيم: " واعلم أن اعتبار العادة والعرف يرجع إليه في الفقه في مسائل كثيرة حتى جعلوا ذلك أصلًا

"، ثم قال: " والحاصل أن المذهب عدم اعتبار العرف الخاص، ولكن أفتى كثير من المشايخ باعتباره، فأقول على اعتباره أن يفتى بأن ما يقع في بعض أسواق القاهرة من خلو الحوانيت لازم، ويصير الخلو في الحانوت حقًا له، فلا يملك صاحب الحانوت إخراجه منها، ولا إجارتها لغيره ولو كانت وقفًا، وقد وقع في حوانيت الجملوث بالغورية أن السلطان الغوري لما بناها أسكنها للتجار بالخلو، وجعل لكل حانوت قدرًا أخذه منهم، وكتب ذلك بمكتوب الوقف، وكذا أقول على اعتبار العرف الخاص".

ويقول ابن نجيم مضيفًا إلى ما سبق من مسائل: " وقد اعتبروا عرف القاهرة في مسائل، منها ما في فتح القدير من دخول السُّلم في البيت المبيع في القاهرة دون غيرها، لأن بيوتهم طبقات لا ينتفع بها إلَّا به "(1) .

بل إن المحققين من العلماء لا يبيحون لعالم يفتي إلَّا بعد معرفته بأحوال الناس، وأعرافهم، وأن يلاحظ عرف كل بلد، وفي هذا يقول ابن القيم: "

فمهما تجدد في العرف فاعتبره، ومهما سقط فألغِهِ، ولا تجمد على المنقول في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير إقليمك يستفتيك فلا تجره على عرف بلدك، وسله على عرف بلده فأجره عليه

" (2) .

(1) الأشباه والنظائر، لابن نجيم: ص93 – 103 – 104، ويراجع: نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف، ضمن رسائل ابن عابدين، طبعة أستانة: 2/115 – 118.

(2)

أعلام الموقعين، طبعة شقرون بالقاهرة: 3/78.

ص: 56

رابعًا: إننا – نحن المسلمين اليوم – لا نعيش عصرًا يطبق فيه المنهج الإسلامي بكامله، فيسوده نظام الإسلام السياسي، والاقتصادي والاجتماعي والتربوي، وإنما نعيش في عصر يسوده النظام الرأسمالي، والاشتراكي، وحينئذٍ لا يمكن أن نحقق ما نصبو إليه فجأة من أن تسير المعاملات بين المسلمين على العزائم دون الرخص، وعلى المجمع عليه دون المختلف فيه، وعلى الحلال الطيب الخالص دون وجود الشبهة، فعصرنا يقتضي البحث عن الحلول النافعة حتى ولو قامت على رأي فقيه واحد معتبر ما دام رأيه يحقق المصلحة للمسلمين، بل لا ينبغي اشتراط أن نجد رأيًا سابقًا، وإنما علينا أن نبحث في إطار المبادئ والأصول العامة التي تحقق الخير للأمة، ولا يتعارض مع نصّ شرعي ثابت.

علينا أن نبحث عن تحقيق نظام اقتصادي، علينا أن نبحث بجد عن حماية أموال المسلمين، وإبقاء اقتصادهم بأيديهم، دون سيطرة غيرهم عليه، فلننظر إلى هذا الأفق الواسع لشيخ الإسلام العز بن عبد السلام حيث يقول: " لو عمَّ الحرام الأرض بحيث لا يوجد فيها حلال جاز أن يستحل من ذلك ما تدعو إليه الحاجة، ولا يقف تحليل ذلك على الضرورات لأنه لو وقف عليها لأدَّى إلى ضعف العباد، واستيلاء أهل الكفر والعناد على بلاد الإسلام، ولا نقطع الناس عن الحرف والصنائع والأسباب التي تقوم بمصالح الأنام (1) .

(1) قواعد الأحكام: 2/159.

ص: 57

حكم هذا القسم من الأسهم:

بعد ذكر تلك المبادئ نعود إلى حكم هذا القسم من الأسهم، واختلاف المعاصرين، وأدلتهم مع الترجيح.

لقد اختلف المعاصرون على رأيين:

الرأي الأول: هو حرمة التصرف في هذه الأسهم ما دامت لا تقوم على الحلال المحض، وبعضهم اشترط وجود هيئة رقابة شرعية لها (1) .

الرأي الثاني: إباحة الأسهم (السابقة) والتصرف فيها.

هذا وقد قال الكثيرون بإباحة الأسهم في الدول الإسلامية مطلقًا دون التطرق إلى التفصيل الذي ذكرته، منهم الشيوخ: على الخفيف، وأبو زهرة، وعبد الوهاب خلاف، وعبد الرحمن حسن، وعبد العزيز الخياط، ووهبة الزحيلي، والقاضي عبد الله سليمان بن منيع، وغيرهم على تفصيل وتفريع لدى بعضهم يجب أن يراجع (2) .

وقد بنى أصحاب الرأي الأول رأيهم على أن هذه الأسهم ما دام فيها حرام، أو تزاول شركاتها بعض أعمال الحرام كإيداع بعضها بعض أموالها في البنوك الربوية فتصبح هذه الأسهم محرمًا شراؤها، بناءً على النصوص الدالة على وجوب الابتعاد عن الحرام، والشبهات، وعلى قاعدة: إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام.

أما المبيحون فهم يعتمدون على أن الأسهم في واقعها ليست مخالفة للشريعة، وما شابها من بعض الشوائب والشبهات والمحرمات قليل بالنسبة للحلال، فما دام أكثرية رأس المال حلالًا، وأكثر التصرفات حلالًا فيأخذ القليل النادر حكم الكثير الشائع، ولا سيما يمكن إزالة هذه النسبة من المحرمات عن طريق معرفتها من خلال الميزانية المفصلة، أو السؤال عن الشركة، ثم التخلص منها (3) .

(1) الأسواق المالية، للأستاذ الدكتور على السالوس، بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة: ص7.

(2)

الشركات، للشيخ على الخفيف: ص96 – 97؛ وبحث الشيخ أبي زهرة المنشور في منشورات المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية: 2/184؛ ود. الخياط: الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، طبعة الرسالة: 2/187 -

؛ وبحث د. وهبة الزحيلي المقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة: ص5؛ ود. صالح بن زابن، شركة المساهمة في النظام السعودي، للدكتور صالح بن زابن، طبعة جامعة أم القرى 1406هـ: ص 342؛ وبحث القاضي عبد الله بن سليمان المشار إليه سابقًا.

(3)

المراجع السابقة، ولا سيما بحث فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان حيث أفاض فيه إفاضةً جيدة.

ص: 58

ويمكن تأصيل ذلك من خلال القواعد الفقهية، ونصوص الفقهاء المبنية على عموم الشريعة ومبادئها في اليسر، ورفع الحرج على ضوء ما يأتي:

أولًا: اختلاط جزء محرم لا يجعل مجموع المال محرمًا عند الكثيرين، حيث أجازوا في المال الحلال المختلط بقليل من الحرام التصرفات الشرعية من التملك والأكل والبيع والشراء ونحوها، غير أن الفقهاء فرقوا بين ما هو محرم لذاته وما هو محرم لغيره، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:" إن الحرام نوعان ".

حرام لوصفه كالميتة والدم ولحم الخنزير، فهذا إذا اختلط بالماء والمائع وغيره من الأطعمة، وغير طعمه، أو لونه، أو ريحه حرمه، وإن لم يغيره ففيه نزاع

والثاني: الحرام لكسبه: كالمأخوذ غصبًا، أو بعقد فاسد فهذا إذا اختلط بالحلال لم يحرمه، فلو غصب الرجل دراهم، أو دنانير أو دقيقًا، أو حنطة أو خبزًا، وخلط ذلك بماله لم يحرم الجميع لا على هذا، ولا على هذا، بل إن كانا متماثلين أمكن أن يقسموه ويأخذ هذا قدر حقه، وهذا قدر حقه. فهذا أصل نافع، فإن كثيرًا من الناس يتوهم أن الدراهم المحرمة إذا اختلطت بالدرهم الحلال حرم الجميع، فهذا خطأ، وإنما تورع الناس فيما إذا كانت – أي الدراهم الحلال – قليلة، أما مع الكثرة فما أعلم فيه نزاعًا

" (1) .

(1) مجموع الفتاوى، طبعة الرياض: 29/320، 321.

ص: 59

وعلى ضوء ذلك فمسألتنا هذه من النوع الثاني حيث كلامنا في أسهم شابتها بعض تصرفات محرمة كإيداع بعض نقودها في البنوك الربوية، وحتى تتضح الصورة أكثر نذكر نصوص الفقهاء في هذه المسألة:

يقول ابن نجيم الحنفي: " إذا كان غالب مال المهدي حلالًا فلا بأس بقبول هديته، وأكل ماله ما لم يتبين أنه حرام، وإن كان غالب ماله الحرام لا يقبلها، ولا يأكل إلَّا إذا قال: إنه حلال ورثه، أو استقرضه "، ثم ذكر أنه إذا أصبح أكثر بياعات أهل السوق لا تخلو عن الفساد والحرام يتنزه المسلم عن شرائه، ولكن مع هذا لو اشتراه يطيب له. وقال أيضًا: " إذا اختلط الحلال والحرام في البلد فإنه يجوز الشراء، والأخذ إلَّا أن تقوم دلالة على أنه من الحرام، كذا في الأصل (1) .

ثم ذكر صورًا أخرى فقال: " ومنها البيع، فإذا جمع بين حلال وحرام في صفقة واحدة، فإن كان الحرام ليس بمال كالجمع بين الذكية والميتة، فإنه يسري البطلان إلى الحلال لقوة بطلان الحرام، وإن كان الحرام ضعيفًا كأن يكون مالًا في الجملة كما إذا جمع بين المدبر والقن

فإنه لا يسري الفساد إلى القن لضعفه

" (2) .

وقال الكاساني: " كل شيء أفسده الحرام، والغالب على الحلال فلا بأس ببيعه "(3) .

وقد أفاض الفقيه ابن رشد في هذه المسألة، نذكر منها ما يلي: حيث قال: " فأما الحال الأولى: وهي أن يكون الغالب على ماله الحلال فالواجب عليه في خاصة نفسه أن يستغفر الله تعالى، ويتوب إليه بردِّ ما عليه من الحرام

أو التصدق به عنهم إن لم يعرفهم

وإن كان الربا لزمه أن يتصدق بما أخذ زائد على ما أعطي

".

ثم قال: " وإن علم بائعه في ذلك كله ردّ عليه ما أربى فيه معه فإذا فعل هذا كله سقطت حرمته، وصحت عدالته، وبرئ من الإثم، وطاب له ما بقي من ماله، وجازت مبايعته فيه وقبول هديته وأكل طعامه بإجماع من العلماء.

واختلف إذا لم يفعل ذلك في جواز معاملته، وقبول هديته، وأكل طعامه فأجاز ابن القاسم معاملته، وأبى ذلك ابن وهب وحرَّمه أصبغ

(1) الأشباه والنظائر، لابن نجيم: ص112، 113، 114، ويراجع حاشية ابن عابدين: 4/130.

(2)

الأشباه والنظائر، لابن نجيم: ص112، 113، 114، ويراجع حاشية ابن عابدين: 4/130.

(3)

بدائع الصنائع: 6/144.

ص: 60

ثم قال ابن رشد: " وقول ابن القاسم هو القياس، لأن الحرام قد ترتَّب على ذمته فليس متعينًا في جميع ما في يده من المال بعينه شائعًا

وأما قول أصبغ فإنه تشديد على غير قياس".

وأما الحال الثانية: وهي أن يكون الغالب على ماله الحرام فالحكم فيما يجب على صاحبه في خاصة نفسه على ما تقدم سواء.

وأما معاملته وقبول هديته فمنع من ذلك أصحابنا، قيل على وجه الكراهة – وعزى هذا القول إلى ابن القاسم – وقيل على وجه التحريم إلَّا أن يبتاع سلعة حلالًا فلا بأس أن تشترى منه وأن تقبل منه هبةً

(1) .

وقال العز بن عبد السلام: " وإن غلب الحلال بأن اختلط درهم حرام بألف درهم حلال جازت المعاملة

" (2) ، ومثله قال الزركشي (3) .

بل إن السيوطي ذكر أن الأصح عند فقهاء الشافعية – ما عدا الغزالي – أنهم لم يحرموا معاملة من أكثر ماله حرام إذا لم يعرف عينه، ولكن يكره، وكذا الأخذ من عطايا السلطان إذا غلب الحرام على يده كما قال في المهذب: إن المشهور فيه الكراهة، لا التحريم خلافًا للغزالي

قال في الإحياء " لو اختلط في البلد الحرام لا ينحصر لم يحرم الشراء منه بل يجوز الأخذ منه إلَّا أن يقترن به علامة على أنه من الحرام "، وقال: ويدخل في هذه القاعدة تفريق الصفقة، وهي أن يجمع في عقدين حرام وحلال، ويجري في أبواب وفيها غالبًا قولان، أو وجهان أصحهما الصحة في الحلال، والثاني البطلان في الكل

ومن أمثلة ذلك في البيع أن يبيع خلًّا وخمرًا

(4)، وقال ابن المنذر: اختلفوا في مبايعة من يخالط ماله حرام، وقبول هديته وجائزته، فرخص فيه الحسن، ومكحول والزهري والشافعي، قال الشافعي: " لا أحب ذلك، وكره ذلك طائفة

" (5) .

(1) فتاوى ابن رشد، تحقيق: المختار بن الطاهر التليلي، طبعة دار الغرب الإسلامي: 1/631 – 649؛ ومواهب الجليل: 5/277.

(2)

قواعد الأحكام: 1/72، 73.

(3)

المنثور في القواعد، طبعة أوقاف الكويت: 2/253.

(4)

الأشباه والنظائر، للسيوطي: ص120، 121؛ وحاشيتي القليوبي مع عميرة على المنهاج: 2/186.

(5)

المجموع، للنووي: 9/353، طبعة المنيرية.

ص: 61

وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية هذه المسألة تفصيلًا حينما سئل سؤالًا لا نزال نسمعه حتى في عصرنا الحاضر، وهو: أن رجلًا نقل عن بعض السلف من الفقهاء: أنه قال: أكل الحلال متعذِّر لا يمكن وجوده في هذا الزمان، فقيل له: لم ذلك؟ فذكر: أن وقعة المنصورة لم تقسم الغنائم فيها، واختلطت الأموال بالمعاملات بها، فقيل له: إن الرجل يؤجر نفسه لعمل من الأعمال المباحة، ويأخذ أجرته حلال، فذكر أن الدرهم في نفسه حرام.

فأجاب – رحمه الله – هذا القائل.. غالط مخطئ

فإن مثل هذه المقالة كان يقولها بعض أهل البدع، وبعض أهل الفقه الفاسد، وبعض أهل الشك الفاسد، فأنكر الأئمة ذلك حتى الإمام أحمد في ورعه المشهور كان ينكر مثل هذه المقالة

وقال: انظر إلى هذا الخبيث يحرم أموال المسلمين.

ثم ذكر خطورة آثار هذا التصور الفاسد، منها أن بعض الناس ظنوا ما دام الحرام قد أطبق الأرض، إذن لماذا البحث عن الحلال؟ فاعتبروا الحلال ما حل بأيديهم والحرام ما حرموا منه، وبعضهم اخترعوا الحكايات الكذبة بحجة الورع.

ثم ردَّ على هذه المقالة، وبين بأن الغالب على أموال المسلمين الحلال، ثم ذكر عدة أصول:

"أحدها: أنه ليس كل ما اعتقد فقيه معين أنه حرام كان حرامًا، وإنما الحرام ما ثبت تحريمه بالكتاب أو السنة، أو الإجماع، أو قياس مرجح لذلك، وما تنازع فيه العلماء رد إلى هذه الأصول "، ثم بين بأن حمل المسلمين على مذهب معين غلط.

ص: 62

ثم ذكر أصلًا آخر وهو أن خلط الحرام بالحلال لا يحرم جميع المال، - كما سبق -.

كما ذكر أصلًا آخر وهو أن المجهول في الشريعة كالمعدوم والمعجوز عنه، ولذلك إذا لم يعلم صاحب اللقطة حل لملتقطها بعد التعريف بها، ومن هنا، فإذا لم يعلم حال ذلك المال الذي بيده بنى الأمر على الأصل، وهو الإباحة (1) .

وذكر في جواب سؤال حول التعامل مع من كان غالب أموالهم حرامًا مثل المكاسين وأكلة الربا؟

فأجاب: إذا كان الحلال هو الأغلب لم يحكم بتحريم المعاملة وإن كان الحرام هو الأغلب، قيل بحل المعاملة، وقيل: بل هي محرمة، فأما المعاملة بالربا فالغالب على ماله الحلال إلَّا أن يعرف الكره من وجه آخر، وذلك أنه إذا باع ألفًا بألف ومائتين فالزيادة هي المحرمة فقط وإذا كان في ماله حلال وحرام واختلط لم يحرم الحلال، بل له أن يأخذ قدر الحلال، كما لو كان المال لشريكين فاختلط مال أحدهما بمال الآخر، فإنه يقسم بين الشريكين، وكذلك من اختلط بماله الحلال والحرام أخرج قدر الحرام، والباقي حلال له (2) .

وسئل عن الرجل يختلط ماله الحلال بالحرام؟ فأجاب: يخرج قدر الحرام بالميزان، فيدفعه إلى صاحبه، وقدر الحلال له، وإن لم يعرفه وتعذرت معرفته تصدق به عنه (3) .

(1) مجموع الفتاوى: 29/311 – 323.

(2)

مجموع الفتاوي: 29/272، 273

(3)

مجموع الفتاوي: 29/308.

ص: 63

وقريبًا من ذلك يقرره ابن القيم موضحًا أن " التحريم لم يتعلق بذات الدرهم – أي الدرهم الحرام الذي اختلط بماله – وجوهره، وإنما تعلق بجهة الكسب فيه، فإذا خرج نظيره من كل وجه لم يبقَ لتحريم ما عداه معنى

وهذا هو الصحيح في هذا النوع، ولا تقوم مصالح الخلق إلَّا به " (1) .

وعلى ضوء هذا المبدأ نرى كثيرًا من أهل العلم أجازوا التعامل مع من كان في ماله حرام، ولكن غالبه حلال، ومن هنا يمكن القول بإباحة التعامل في هذا النوع من الأسهم، ولكن يخرج صاحبها بقدر نسبة الحرام فيها إلى الجهات الخيرية العامة، مع مراعاة الضوابط التي نذكرها في الأخير (2) .

ثانيًا: قاعدة: يجوز تبعًا ما لا يجوز استقلالًا، وقد ذكرنا هذه القاعدة مع دليلها من السنة الصحيحة المتفق عليها (3) .

وعلى ضوء ذلك فهذا النوع من الأسهم وإن كان فيه نسبة بسيطة من الحرام لكنها جاءت تبعًا، وليست أصلًا مقصودًا بالتملك والتصرف، فما دامت أغراض الشركة مباحة، وهي أنشئت لأجل مزاولة نشاطات مباحة، غير أنها قد تدفعها السيولة أو نحوها إلى إيداع بعض أموالها في البنوك الربوية، أو الاقتراض منها.

فهذا العمل بلا شك عمل محرم يؤثم فاعله (مجلس الإدارة) لكنه لا يجعل بقية الأموال والتصرفات المباحة الأخرى محرمة، وهو أيضًا عمل تبعي وليس هو الأصل الغالب الذي لأجله أنشئت الشركة.

(1) بدائع الفوائد

(2)

المراجع السابقة؛ وبحث الشيخ عبد الله بن سليمان: ص16.

(3)

المراجع السابقة؛ والشيخ عبد الله بن سليمان بحثه السابق

ص: 64

ثالثًا: قاعدة للأكثر حكم الكل، وقد ذكرنا فيما سبق نصوص الفقهاء في حكم المال المختلط بالحرام، حيث أن الجمهور على أن العبرة بالأغلب – كما سبق - (1) وقد ذكرنا الفقهاء لهذه القاعدة تطبيقات كثيرة في أبواب الطهارة، والعبادات والمعاملات، واللباس – كالحرير – والصيد، والطعام، والأيمان، وغيرها (2) .

إضافة إلى قاعدة: " الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة " – كما سبق ذكرها – وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن الشراء ممن في ماله شبهة لا كراهة فيه إذا وجدت الحاجة إليه (3) .

وتنزيل هذه القاعدة على موضوعنا من حيث إن حاجة الناس إلى أسهم الشركات في عالمنا الإسلامي ملحة، فالأفراد كلهم لا يستغنون عن استثمار مدخراتهم، والدول كذلك بحاجة إلى توجيه ثروات شعوبها إلى استثمارات طويلة الأجل بما يعود بالخير على الجميع، ولو امتنع المسلمون من شراء أسهم تلك الشركات لأدى ذلك إلى أحد أمرين:

أحدهما: توقف هذه المشروعات التي هي حيوية في العالم الإسلامي.

ثانيهما: غلبة غير المسلمين على هذه الشركات، وعلى إدارتها، أو على الأقل غلبة الفسقة والفجرة عليها.

لكن لو أقدم على شرائها المسلمون المخلصون لأصبحوا قادرين في المستقبل على منع تعاملها مع البنوك الربوية ولغيروا اتجاه الشركة لصالح الإسلام.

وهذا لا يعني أن المسؤولين القادرين في الشركة وفي غيرها على التغيير معفوون عن الإثم، بل هم آثمون، لكن عامة الناس لهم الحق في شراء هذه الأسهم حسب الضوابط التي نذكرها، ولذلك لو كان المساهم قادرًا على منع الشركة من إيداع بعض أموالها في الشركة لوجب عليه ذلك.

(1) المرجع السابق

(2)

يراجع: جمل الأحكام للناطقي، رسالة ماجستير بالأزهر، تحقيق حمد الله سيد، ص370 – 381.

(3)

مجموع الفتاوى: 29/241؛ كما ذكر قاعدة الاعتبار بالأغلب فيمن في ماله حرام

ص: 65

مناقشة الرأي الأول المانع من تداول هذا النوع من الأسهم:

أولًا: إن وجود نسبة ضئيلة من الحرام في المال الحلال لا يجعله حرامًا، وإنما يجب نبذ المحرم فقط – كما سبق تفصيله -.

ثانيًا: إن اشتراط البعض في حل الأسهم أو التعامل مع الشركات وجود رقابة شرعية لشركتها لا نجد له دليلًا من كتاب، أو سنَّة، أو إجماع، أو قياس صحيح، فالمسلمون مؤتمنون على دينهم وعلى الحل والحرمة، وهم مستورون، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:" والمسلم إذا عامل معاملات يعتقد جوازها كالحيل.. "، التي يفتي بها من يفتي

جاز لغيره من المسلمين أن يعامله في ذلك المال، ثم قال:" وأما المسلم المستور فلا شبهة في معاملته أصلًا، ومن ترك معاملته ورعًا كان قد ابتدع في الدين بدعة ما أنزل الله بها من سلطان "(1) .

بل إن التعامل مع الكفرة جائز فيما ليس محرمًا بالاتفاق، يقول ابن تيمية: "

وحينئذ فجميع الأموال التي بأيدي المسلمين واليهود والنصارى لا يعلم بدلالة ولا إمارة أنها مغصوبة، أو مقبوضة لا يجوز معه معاملة القابض، فإنه يجوز معاملتهم فيها بلا ريب ولا تنازع في ذلك بين الأئمة أعلمه " (2) .

نعم لا شك أن معرفة الحلال والحرام ضروري لكل من يدخل في السوق حتى يحافظ على دينه، ويعلم الحلال والحرام إما بنفسه، أو عن طريق السؤال من أهل الذكر.

لكن لا ينبغي الحكم بعدم جواز التعامل مع شركات المسلمين

إلَّا مع وجود رقابة شرعية، فهذا الشرط تعسف وتضييق لما وسعته الشريعة.

وصحيح أن وجود الرقابة الشرعية للشركة يعطي الأمان للمتعاملين معها لكن اشتراط حل التعامل بوجودها أمر يستدعي إعادة النظر.

(1) مجموع الفتاوى: 29/391 – 324.

(2)

مجموع الفتاوى: 9/327.

ص: 66

الرأي الراجح مع ضوابطه:

الذي نرى رجحانه – والله أعلم – هو أن هذا النوع من الأسهم بالنسبة للشركات التي يمتلكها المسلمون هو ما يأتي:

أولًا: إن مجلس الإدارة، والمدير المسؤول لا يجوز لهم قطعًا مزاولة أي نشاط محرم، فلا يجوز لهم الإقراض أو الاقتراض بفائدة، ولو فعلوا ذلك لدخلوا في الحرب التي أعلنها الله تعالى عليهم:{فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] .

ولا سيما بعدما يسَّر الله للمسلمين وجود بنوك إسلامية في أغلب الأماكن، أو قيامها باستثمار جميع أموالها في خيارات إسلامية كثيرة.

ثانيًا: أما مشاركة المسلمين في هذه الشركات السابقة وشراء أسهمها، والتصرف فيها

فجائزة ما دام غالب أموالها وتصرفاتها حلالًا، وإن كان الأحوط الابتعاد عنها.

ولكن ينبغي على من يشترك مراعاة ما يلي:

1-

أن يقصد بشراء أسهم هذه الشركات تغييرها نحو الحلال المحض من خلال صوته في الجمعية العمومية، أو مجلس الإدارة.

2-

أن يبذل جهده وماله لتوفير المال الحلال الطيب المحض ما أمكنه إلى ذلك سبيلًا، ولا يتجه نحو ما فيه شبهة إلَّا عند الحاجة الملحة ومصلحة المسلمين، واقتصادهم من المشاركة في التنمية والاستثمار والنهوض باقتصادهم من خلال الشركات الكبرى.

3-

إن صاحب هذه الأسهم عليه أن يراعى نسبة الفائدة التي أخذتها الشركة على الأموال المودعة لدى البنوك، ويظهر ذلك من خلال ميزانية الشركة، أو السؤال عن مسؤولي الحسابات فيها، وإذا لم يمكنه ذلك اجتهد في تقديرها، ثم يصرف هذا القدر في الجهات العامة الخيرية.

4-

لا يجوز للمسلم أن يؤسِّس شركة تنصّ في نظامها الأساسي على أنها تتعامل بالربا إقراضًا واقتراضًا، ولا يجوز كذلك التعاون في تأسيسها ما دامت كذلك، لأنه تعاون على الإثم والعداون، إلَّا لمن يقدر على تغييرها إلى الحلال.

ص: 67

ثالثًا: إن الحكم بإباحة تداول هذه الأسهم – مع هذه الضوابط – خاص بما إذا كانت الأسهم عادية، أو ممتازة لكن ليس امتيازها على أساس المال.

وأما غيرهما فسيأتي حكم كل نوع على حدة.

أما أسهم الشركات التي يمتلكها غير المسلمين ولا ينصّ نظامها على التعامل في الحرام فقد شدد فيها البعض أكثر (1) ، ولكن لا أرى مانعًا من التعامل فيها حسب الضوابط السابقة، وقد انتهت ندوة الأسواق المالية من الوجهة الإسلامية التي عقدت في الرباط 20- 25 ربيع الآخر 1410هـ إلى أن أسهم الشركات التي غرضها الأساسي حلال لكنها تتعامل أحيانًا بالربا

فإن تملكها، أو تداولها جائز نظرًا لمشروعية غرضها، مع حرمة الإقراض، أو الاقتراض الربوي، ووجوب تغيير ذلك، والإنكار والاعتراض على القائم به، ويجب على المساهم عند أخذ ريع السهم التخلص بما يظن أنه يعادل ما نشأ من التعامل بالفائدة بصرفه في وجوه الخير.

وكذلك ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي حيث أجازت باتفاق المشاركين شراء أسهم الشركات العاملة في البلاد الإسلامية لقصد العمل على أسلمة معاملاتها، بل اعتبروا ذلك أمر مطلوبًا، لما فيه من زيادة مجالات التزام المسلمين بأحكام الشريعة الإسلامية.

وأجازوا بالأغلبية شراء أسهم الشركات العاملة في البلاد غير الإسلامية، إذا لم يجدوا بديلًا خالصًا من الشوائب (2) .

(1) الشيخ عبد الله بن سليمان، بحثه السابق: حيث مع إباحته شراء الأسهم لشركات يمتلكها المسلمون حتى وإن كانت تتعامل بالربا لكن غالب معاملتها وأموالها حلال، لكنه لم يجز تملك أسهم شركات يملكها غير مسلم إلَّا إذا كان قادرًا فعلًا على تغيير مسارها، ومنعها من مزاولة الحرام مطلقًا، وذكر أن الشيخ صالح كامل ذكر له أنه استطاع أن يحول خمسين شركة مساهمة إلى الالتزام بالأحكام الشرعية من خلال مساهمته فيها، واشتراطه ذلك بعدها.

(2)

الفتاوى الشرعية في الاقتصاد، طبعة مجموعة بركة سنة 1411هـ: ص17.

ص: 68

والقول بالجواز إن كان نظام الشركة لا ينص على التعامل في الحرام، ومع الضوابط السابقة هو الذي يتناسب مع روح هذه الشريعة القائمة على التيسير، ورفع الحرج، ومراعاة حاجات الناس في الاستثمار، وذلك لأنه إذا وجد فيه حرام فهو نسبة ضئيلة لا تؤثر في باقي المال وكذلك يمكن التخلص منها عن طريق إعطائها للجهات الخيرية العامة، بالإضافة إلى أن محل البيع المعقود عليه في جملته أمور مباحة، وأن المشاركة في ذلك جائزة، ولم يمنع أحد من الرعيل الأول التعامل مع أهل الكتاب في الجملة، بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام يتعاملون معهم، مع أن معاملات أهل الكتاب وأموالهم لم يكن جميعها على الشروط المطلوبة في الإسلام، فقد ترجم البخاري: باب المزارعة مع اليهود، فقال الحافظ ابن حجر:" وأراد بهذا: الإشارة إلى أنه لا فرق في جواز هذه المعاملة بين المسلمين وأهل الذمة "(1) كما صح ((أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعامًا إلى أجل ورهنه درعه)) (2) وكذلك الأمر عند الصحابة رضي الله عنهم حيث كان التعامل معهم سائدًا في الجملة.

حكم أسهم شركات تبيع السلاح للعدو، أو شركات قررت مكاتب مقاطعة إسرائيل عدم التعامل معهم.

فالحكم الخاص في التعامل مع هذه الشركات يدخل في باب السياسة الشرعية، وطاعة ولي الأمر، وفي باب سد الذرائع، وباب العقود وأثرها على التصرفات، وقد نص كثير من الفقهاء على حرمة العنب لمن يتخذه خمرًا، والسلاح أيام الفتنة، أو لمن يقتل به مسلمًا (3) .

ولا يخفى أن مسألتنا هذه أخطر، ناهيك عن وجوب طاعة ولي الأمر المسلم العادل فيما ليس معصية.

(1) صحيح البخاري، مع فتح الباري، طبعة السلفية: 5/15.

(2)

صحيح البخاري، مع فتح الباري، طبعة السلفية: 5/142.

(3)

المغني، لابن قدامة: 4/245 – 247.

ص: 69

قاعدة لا بدَّ منها هنا:

وهي قاعدة الفرق بين الدين والعين، أي النقود والسلع حيث تتعلق الحقوق في النقود – سواء كانت ورقية أم غيرها – بالذمة، ولا تتعلق بذات النقد، بينما الحقوق في السلع تتعلق بالسلعة نفسها (1) .

فعلى ضوء هذه القاعدة فالأعيان إذا كانت حرامًا كأن كانت غصبًا، أو حصل عليها عن طريق الحرام فلا يجوز لغير صاحبها التعامل فيها، لا بيعها ولا شراؤها، ولا هبتها، ولا غير ذلك إلَّا من كان جاهلًا فيعذر إذا لم يكن عنده تقصير، فمن سرق شيئًا معينًا لا يجوز شراؤه منه بأي حال من الأحوال، أما من سرق نقودًا فلا يحرم التعامل معه إلَّا إذا غلب على أمواله الحرام – كما سبق -.

أنواع الأسهم:

للأسهم أنواع كثيرة وأسماء مختلفة متنوعة، لذلك لا يكون الحكم دقيقًا حتى نعرف بكل نوع منها، ثم نبين حكمه مع التوجيه، لأن الحكم على الشيء فرع من تصوره.

وهذه الأنواع باعتبارات مختلفة، قد يتداخل بعضها في بعض، وقد يكون نوع واحد يعتريه عدة أحكام باعتبار حالاته المختلفة التي تحددها الشركة في نظامها الأساسي، لذلك نحاول أن نذكر كل ذلك بشيء من الإيجاز (2) .

(1) الأشباه والنظائر لابن نجيم: ص315؛ ومجموع الفتاوى، لابن تيمية: 29/320 – 331

(2)

يراجع المراجع السابقة نفسها

ص: 70

(أ) أنواع الأسهم من حيث الحقوق: العادية والممتازة:

لا يخفى أن جميع الأسهم قيمتها متساوية، وهذا يقتضي تساويها في الحقوق والواجبات، وتكون مسؤولية المساهمين بحسب قيمة السهم، ولذلك فالأصل أن تكون الأسهم عادية لا ميزة لأحدهما على الآخر، ولكن بعض القوانين تبيح إصدار أسهم ممتازة وهذه الميزة قد تكون بمنح أصحابها الأولوية في الأرباح، أو في أموال الشركة عند التصفية، أو بغير ذلك.

فحكم الأسهم العادية الجواز من حيث المبدأ إلَّا إذا كان محلها حرامًا وحينئذٍ لا يجوز، كما سبق تفصيلها.

وأما أسهم الامتياز فحكمها يختلف باختلاف نوعية الامتياز فيها:

1-

فإذا كان امتيازها بضمان نسبة مثل 5 % من قيمة السهم، ثم يوزع باقي الأرباح على جميع الأسهم بالتساوي، أو استيفاء فائدة سنوية سواء ربحت الشركة أم لا.

فإن هذا النوع لا يجوز البتة في الشريعة الإسلامية، لأنه يتضمن الربا المحرم شرعًا، ولأن هذا الشرط مخالف لمقتضى عقد الشركة في الشريعة الغراء، فمبنى الشركة على المخاطرة، والمشاركة الحقيقية في الغرم والغنم على قدر الحصص، وعلى ذلك إجماع الفقهاء (1) .

2-

وإذا كان امتياز السهم بإعطاء الأولوية في الأرباح، أي يعطي لصاحبه الربح، ثم إن بقي يعطي لأصحاب الأسهم العادية

فهذا الامتياز أيضًا مخالف لمقتضى عقد الشركة، فلا يجوز.

3-

وإذا كان هذا الامتياز بأن يعطي لصاحب السهم حق استعادة قيمة الأسهم بكاملها عند تصفية الشركة، ثم تعطي البقية الباقية لأصحاب الأسهم العادية، حيث قد يخسرون، وهو لا يخسر، فهذا أيضًا كسابقة لا يجوز للسبب نفسه.

4-

وأما إذا كان امتياز السهم يعود إلى إعطاء ضمان مالي لصاحبه دون غيره.

فإنَّ هذا الضمان مخالف لمقتضى عقد الشركة – كما سبق -.

(1) يراجع: المراجع السابقة نفسها.

ص: 71

5-

وأما إذا كان الامتياز في حدود الأصوات بأن يتنازل صاحبه عن صوته، بأن لا يكون له حق التصويت في الجمعية العمومية في مقابل أن يعطى له حق دفع قيمة أسهمه بالأقساط. فلا أرى مانعًا من ذلك، لأنه يعود إلى القضايا الإدارية التي يتحكم فيها الاتفاق، وليس فيه أي مخالفة لنصوص الشرع، ولا لمقتضى عقد الشركة ولا يعود هذا الامتياز إلى الجوانب المالية، وإنما أعطي له نوع من التيسير في مقابل تنازله عن صوته، وكل ذلك قد تمَّ برضا الطرفين، ولا يتعارض هذا الرضا مع نصوص الشرع ولا مقتضى العقد، حيث يعود الأمر في ذلك إلى تنازل أحد الشركاء لأن يدير الشركة بعضهم دون الآخرين، وقد أجاز جماعة من الفقهاء استبداد أحد الشريكين بالعمل (1) .

وكذلك الأمر لو تم الاتفاق على أن يعطى لبعض الأسهم صوتان لكل سهم، فلا أرى أنه محرم شرعًا – وإن كان فيه خوف من الاستغلال – وذلك لأن هذا الامتياز ليس في نطاق الحقوق المالية، وإنما يعود إلى الجوانب الإدارية والإشراف على العمل – كما سبق -.

ولكن يشترط أن يكون هذا الامتياز منصوصًا عليه في قانون الاكتتاب، وبعيدًا عن الاستغلال.

وكذلك يجوز أن يكون الامتياز بإعطاء حق الأولوية في الاكتتاب بأسهم جديدة لأصحاب الأسهم القدامى بناء على أن الشركة قد انعقدت بالإيجاب والقبول، فإذا أرادوا توسيع أعمال الشركة فلهم أن يقرروا ذلك، إضافة إلى حق الشفعة (2) .

(1) يراجع: فتح العزيز بهامش المجموع: 10/425 – 437.

(2)

د. الخياط: الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، طبعة الرسالة: 2/224

ص: 72

(ب) أنواع الأسهم من حيث ما يدفع (نقدًا أم عيناً) :

وبهذا الاعتبار تقسم إلى قسمين:

1-

أسهم نقدية، وهي: الأسهم التي تدفع قيمتها نقدًا.

2-

وأسهم عينية، وهي التي تدفع قيمتها من الأموال العينية.

وقد اتفق الفقهاء على جواز المشاركة بالنقود، يقول ابن رشد:" فاتفق المسلمون على أن الشركة تجوز في الصنف الواحد من العين، أعني الدنانير والدراهم، وإن كانت في الحقيقة بيعًا لا تقع فيه مناجزة ومن شرط البيع في الذهب وفي الدراهم المناجزة، لكن الإجماع خصص هذا المعنى في الشركة "(1) .

وأما المشاركة بالأعيان – أو كما يعبر عنه الفقه الإسلامي بالعروض أي غير النقود – فمحل خلاف بين الفقهاء على ثلاثة آراء.

الرأي الأول: جواز الشركة بالعروض مطلقًا – أي اتفقت جنسًا أو اختلفت – حيث تنعقد الشركة بقيمتها يوم عقد الشركة، وهذا مذهب مالك (2) . وإحدى الروايتين عن أحمد، اختارها أبو بكر الخلال، وأبو الخطاب، وابن تيمية، وبه قال ابن أبي ليلى، وبه قال في المضاربة طاوس والأوزاعي، وحماد بن أبي سليمان (3)

وقد استدلوا بقياس العروض على النقود، حيث أنها عند تقويمها أصبحت بمثابة النقود يقول ابن قدامة:" لأن مقصود الشركة جواز تصرفهما في المالين، جمعيًا، وكون ربح المالين بينهما وهذا يحصل في العروض كحصوله في الأثمان ". " ويرجع كل واحد منهما عند المفاصلة بقيمة ماله عند العقد، كما أننا جعلنا نصاب زكاتها قيمتها "(4) .

(1) بداية المجتهد، طبعة مصطفى الحلبي: 2/252؛ وفتح العزيز، بهامش المجموع: 10/407؛ والمغني، لابن قدامة: 5/16

(2)

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 3/349

(3)

المغني، لابن قدامة: 5/17؛ ومجموع الفتاوي، لابن تيمية: 30/91.

(4)

المغني 5/17.

ص: 73

الرأي الثاني: صحة الشركة بالمثليات كالحبوب، والأدهان، ونحوها، وهذا الرأي الراجح عند الشافعية (1) وبه قال محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة (2) ، وذلك لأن المثلي إذا اختلط بجنسه ارتفع معه التمييز فأشبه النقدين، ولذلك اشترطوا الخلط.

وقالوا في الرد على من أجاز في العروض: " وليس المثلى كالمتقوم لأنه لا يمكن الخلط في المتقومات، وربما يتلف مال أحدهما ويبقى مال الآخر، فلا يمكن الاعتداد بتلفه عنهما، وفي المثليات يكون التالف بعد الخلط تالفًا عنهما جميعًا، ولأن قيمتهما ترتفع، وتنخفض، وربما تنقص قيمة مال أحدهما دون الآخر، وتزيد، فيؤدي إلى ذهاب الربح في رأس المال، أو دخول بعض رأس المال في الربح (3) .

الرأي الثالث: عدم صحة الشركة بالعروض مطلقًا، سواء كانت من الطرفين، أو من طرف بحيث يعطي الآخر النقد، وهذا رأي أبي حنيفة وأبي يوسف (4) . وظاهر مذهب أحمد، وكره ذلك ابن سيرين، ويحيى بن كثير، والثوري (5) غير أن الحنفية وصلوا إلى ما وصل إليه الرأي الأول عن طريق حيلة، وهي أن يبيع كل واحد من الشريكين – مثلًا – نصف عرضه بنصف عرض الآخر، ثم عقداها مفاوضة أو عنانًا، قال الحصكفي:" وهذه حيلة لصحتها بالعروض وهذا إن تساويا قيمة، وإن تفاوتا باع صاحب الأقل بقدر ما تثبت به الشركة "(6) .

(1) فتح العزيز بهامش المجموع: 10/407 – 408.

(2)

فتح القدير: 5/16، 17؛ وحاشية ابن عابدين: 3/340.

(3)

فتح العزيز: 10/407.

(4)

حاشية ابن عابدين: 3/340.

(5)

المغني، لابن قدامة: 5/17

(6)

در المختار مع حاشية ابن عابدين: 3/340.

ص: 74

وقد استدل أصحاب هذا الرأي بما يأتي:

أولًا: إن العروض يمتنع وقوع الشركة على أعيانها، أو قيمتها، أو أثمانها، أما امتناع وقوعها على أعيانها فلأن الشركة تقتضي الرجوع عند المفاصلة برأس المال أو بمثله، وهذه العروض لا مثيل لها حتى يرجع إليه، وقد تزيد قيمة جنس أحدها دون الآخر فيستوعب بذلك جميع الربح، أو جميع المال، وقد تنقص قيمته فيؤدي إلى أن يشاركه الآخر في ثمن ملكه الذي ليس بربح.

وأما امتناع وقوعها على قيمتها فلأن القيمة غير متحققة القدر فيفضي إلى التنازع، وقد يقوّم الشيء بأكثر من قيمته، ولأن القيمة قد تزيد في أحدهما قبل بيعه فشاركه الآخر في العين المملوكة له.

وأما امتناع وقوع الشركة على أثمان العروض فلأنها معدومة حال العقد، ولا يملكانها، ولأنه إن أراد ثمنها الذي اشتراها به فقد خرج عن مكانه وصار للبائع، وإن أراد ثمنها الذي يبيعها به فإنها تصير شركة معلقة على شرط وهو بيع الأعيان، وهذا لا يجوز (1) .

ثانيًا: إن وقوع الشركة على العروض يؤدي إلى أن يشترك أحد الشريكين في حصة الآخر المالك للعرض إذا ظهر ربحه قبل التصرف فيه، بمقتضى عقد الشركة، مع أن الشريك غير المالك كيف يستحق هذا الربح الذي هو زيادة فيما لا ملك له فيها ولا ضمان ولا تصرف (2) .

(1) المغني لابن قدامة: 5/17.

(2)

المبسوط161/11

ص: 75

المناقشة والترجيح:

يمكن أن نناقش أدلة الرأي الثاني والثالث بأنها جميعًا تنطلق من منطلق أصحابهما في النظرة إلى الشركة في العروض باعتبار ذاتها، ومن منطلق عدم تحقق الضمان إلَّا بعد التصرف فيها، وكلتا النظرتين تدخل في منطق المصادرة وإلزام الغير بمقتضيات ومسلمات لا تعتبر مسلمة عنده.

وذلك لأن القائلين بصحة الشركة في العروض مطلقًا يقولون بأن الشركة فيها لا تتم إلَّا بعد تقويمها، والاتفاق على القيمة، ثم تصبح القيمة هي محل الشركة، وإذا لم يتم الاتفاق على القيمة لم تنعقد، وعلى ضوء ذلك يتحقق الضمان بعد هذا التقويم، وما يحدث للعروض من زيادة أو نقصان يكون من نصيب الشركاء، وحينئذٍ تطبق عليهما قاعدتا: الغرم بالغنم، والخراج بالضمان (1) .

وبذلك يتضح رجحان القول الأول، وقوة مسلكه ومناطه، ولا سيما أن المخالفين لم يجدوا لأنفسهم دليلًا من الكتاب والسنة الثابتة دعم اجتهادهم، وحينئذٍ تبقى المسألة في دائرة المصالح المرسلة وهي تتحقق بالقول الأول الذي يفتح باب الشركة على جميع الموجودات بضوابطها الشرعية – والله أعلم -.

(1) القاعدة الأخيرة حديث صحيح رواه الشافعي وأحمد وأصحاب السنن، وقال الترمذي: حسن صحيح. انظر: مسند أحمد: 6/49، 208، 237، وسنن أبي داود مع عون المعبود: 9/415، 417، 418؛ والترمذي مع التحفة: 4/517؛ والنسائي: 7/223؛ وابن ماجه: 2/754؛ وتلخيص الحبير: 3/23.

ص: 76

(ج) أنواع الأسهم من حيث الاسم وعدمه:

تقسم الأسهم بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام:

1-

أسهم اسمية، وهي التي يكتب عليها اسم صاحبها، وهذا هو المطلوب حفاظًا على الحقوق، وضمانًا لعدم خلط حق شخص بحق آخر، وهذا النوع تنتقل ملكيته بنقل قيده في سجل المساهمين الذي تحتفظ به الشركة (1) .

2-

أسهم لحاملها، أي يصدر السهم دون ذكر الاسم، فيكون حامله هو صاحبه.

وهذا النوع لا يجوز في الفقه الإسلامي بدون خلاف – نعلمه – بين الفقهاء المعاصرين (2) والسبب أن عدم كتابة اسم صاحب السهم يؤدي إلى عدم معرفة الشريك، وبالتالي إلى النزاع والخصومة، كما أنه يؤدي إلى إضاعة الحقوق، لأن أي شخص وقعت يده عليه، سواء كان عن طريق السرقة، أو الغصب، أو غير ذلك فإنه يعتبر صاحبه، وأحد الشركاء في الشركة بحكم القانون، ولا شك أن كل ما أفضى إلى النزاع والضرر ممنوع شرعًا، إضافة إلى أنه قد يصبح فاقد الأهلية حامل السهم، مع أنه لا يصح اشتراكه بنفسه (3) وحتى من الناحية القانونية فإن القانون المصري، والسوري، والكويتي، يمنع هذا النوع (4) .

3-

أسهم للآمر، وهي الأسهم التي يكتب عليها اسم صاحبها، ولكن تضاف عبارة " لأمر أو لإذن " وحينئذٍ يكون تداولها عن طريق التظهير أي يكتب على ظهر الصك تحويله إلى آخر مع التوقيع وحينئذٍ يصبح الثاني مباشرة صاحبه، دون الرجوع إلى الشركة.

وهذا النوع نادر الوقوع، وكذلك نادر في التشريعات حيث لم تتناوله أكثرها (5) .

(1) د. أبو زيد رضوان: الشركات التجارية في القانون المصري المقارن، طبعة دار الفكر العربي: ص533.

(2)

جميع المراجع السابقة

(3)

د. الخياط: الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، طبعة الرسالة: 2/221؛ والمراجع السابقة.

(4)

د. أبو زيد رضوان: الشركات التجارية في القانون المصري المقارن، طبعة دار الفكر العربي: ص534.

(5)

اد. أبو زيد رضوان: الشركات التجارية في القانون المصري المقارن، طبعة دار الفكر العربي، ود. أكثم الخولي: دروس في القانون التجاري: 2/160.

ص: 77

ومن الناحية الفقهية فإن بعض الباحثين (1) . لا يرى فيه أي مانع شرعي، وذلك لأن الشريك الأول معروف للشركة وقد أجازت له حق نقل سهمه عن طريق التظهير من خلال النظام والعقد التأسيسي للشركة (والمؤمنون عند شروطهم) ثم إن الشريك الأول يتخلى عن حقه بنقل مالية السهم إلى الثاني، وهذا النوع من انتقال الحصة إلى شريك آخر، وهو جائز شرعًا، سواء أكان بعوض كالبيع ونحوه، أم بدونه كالهبة.

الأسهم قبل تكوين أصول الشركة:

الأسهم إذا كانت نقدية (أي دفعت قيمتها نقدًا أو مقطعة) فلا يجوز تداولها بالبيع والشراء إلَّا بتطبيق قاعدة الصرف، (أي التقابض في المجلس مع التماثل عند اتحاد الجنس، والتقابض فقط عند اختلافه) .

أما إذا تكونت الشركة كلها، أو غالبها من العينيات فيجوز حينئذٍ التصرف في أسهمها مباشرة بعد تكوينها على ضوء قواعد البيع.

وبعد تكوين الشركة فإذا كانت نقودها تحولت كلها، أو غالبها إلى أصول، أو يتاجر بها في العروض والسلع فإن أسهمها يجوز تداولها وتملكها على ضوء الضوابط العامة للتصرفات في الفقه الإسلامي بناء على أن العبرة بالغالب، والأصل، وليس بالقليل، والتابع،- كما سبق-.

وأما إذا كانت الشركة أساسًا تتعامل في النقود والصيرفة فقط أو كان غالب أعمالها فإنه لابد حينئذٍ من ملاحظة ضوابط الصرف في الفقه الإسلامي عند تداول أسهمها، وتملكها.

وهذا التقسيم والحكم للشركات التي تتعامل في نطاق المباحات، ولا تزاول الأعمال المحرمة كالخمر، والربا ونحوهما.

وكذلك لا مانع شرعًا من بيع السهم قبل الوفاء بقيمته كاملة على ضوء القواعد السابقة من العلم بعدد الأسهم، ومقدار رأس مال الشركة، وقيمة السهم، ونحو ذلك (2) .

(1) د. الخياط: الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، طبعة الرسالة: 2/221.

(2)

المراجع السابقة.

ص: 78

(د) أنواع الأسهم من حيث إرجاع قيمتها:

تنقسم بهذا الاعتبار إلى نوعين:

1-

أسهم رأس المال، وهي التي تبقى قيمتها إلى حين التصفية النهائية فهذه الأسهم حكمها من حيث المبدأ الجواز مع ملاحظة ما ذكرناه، وما سنذكره من حكم كل نوع، وهي الأصل والقاعدة في الشركات.

2-

أسهم تمتع: وهي الأسهم التي ترد قيمتها تدريجيًّا، أو مرة واحدة قبل انقضاء الشركة، أو بعبارة الاقتصاديين: تستهلك قيمتها في حياة الشركة دون انتظار لانتهاء أجلها وتصفية موجوداتها، ويعتبر استهلاك السهم عملية استثنائية.

وهذا النوع في الغالب يكون في الشركات التي تكون محددة بفترة زمنية محددة ثم تفنى أصولها كشركات السفن، أو التي لا يتوقع أن تبقى عند انقضائها أصول توزع على المساهمين، مثل شركات الامتياز للبترول أو المعادن التي يعطي لها حق الامتياز لفترة محددة، والتزمت بأيلولة ما تملك إلى الحكومة – مثلًا -، وحينئذٍ تعمل على تعويض المساهمين بإعادة القيمة الاسمية إليهم قبل انقضاء الشركة إضافة إلى الأرباح إن وجدت.

وهذه الأسهم لا تسمح بإنشائها كثير من القوانين الوضعية إلَّا إذا كان غرض الشركة يتعلق باستغلال موارد الثروة الطبيعية أو مرفق عام ممنوح لمدة محددة، أو كانت أصولها مما يستهلك بالاستعمال، أو يزول بعد مدة معينة (1) وهذا النوع لصاحبه حق التصويت في الجمعية العمومية، والحصول على نصيب من الأرباح، بل وموجودات الشركة إن بقيت.

وقد اختلف القانونيون في تكييف هذا الاستهلاك فبعضهم يرى أنه عبارة عن توزيع الأرباح، وبعضهم يقول: إنه رد لرأس المال الذي قدمه المساهمون، وثالث يقول: إنه يعتبر " وفاء معجلًا " لنصيب المساهم في رأس مال الشركة (2) إلى غير ذلك مما لا يسع المجال لطرح أدلة كل فريق ومناقشته.

(1) د. أبو زيد رضوان: الشركات التجارية في القانون المصري المقارن، طبعة دار الفكر العربي: ص538؛ ود. أكثم الخولي: دروس في القانون التجاري: 2/160؛ ود. الخياط: 2/224؛ ود. محمد القري: ص15.

(2)

المراجع السابقة أنفسها.

ص: 79

وهناك تفاصيل كثيرة لأسهم التمتع في قوانين الشركات، لذلك لا نخوض فيها، وإنما نبين الصور الشرعية – حسب نظرنا – لأسهم التمتع على ضوء التفصيل الآتي وهو:

1-

إن أسهم الشركة إذا جعلت جلها على هذا الشكل (أي ما يسمى بأسهم التمتع) ونص النظام الأساسي لها هذا التفصيل، ثم مع انقضاء كل سنة يوزع ما حصلته الشركة من النقود على جميع المساهمين بالتساوي حسب الحصص، فهذا جائز لا غبار عليه، وأن ذلك يكيف شرعًا على أن ما يعطى يمثل جزءًا من الأصول، والأرباح، أو بعبارة أخرى، أن ذلك كان بمثابة تصفية جزئية مستمرة في كل سنة إلى أن تنتهي، وتنتهي معها موجودات الشركة.

لكنه إذا بقى من أصول الشركة يوزع على هؤلاء المساهمين حسب حصصهم، إن كان نظامها ينص على ذلك، كما في شركات السفن ونحوها مما يبلى، أو تفنى، وأما إن كانت الشركة شركة امتياز يعود ملكية ما يتبقى من المكائن للحكومة التي منحتها الامتياز فلا مانع منها أيضًا ما دام الشركاء قد أخذوا حقوقهم، ووافقوا في النظام الأساسي على إعطاء ما تبقى للحكومة بناء على أن ذلك كان وعدًا بالتنازل ثم يتحقق التنازل الفعلي في الأخير، أو من باب الهبة للدولة.

والخلاصة إن المساواة بين حقوق جميع المساهمين مطلوبة لا يجوز لصاحب حقه أن يأخذ أكثر من الآخر، وأن الفقه الإسلامي لا ينظر إلى الأسهم، وإنما إلى المسمى والمقصد، ولذلك يعتبر ما سبق جائزًا شرعًا، سواء كان سُمِّي بأسهم التمتع أم لا.

2-

أما إذا كانت أسهم الشركة نوعين: أسهمًا عادية، يبقى أصحابها ملتزمين بالتزامات الشركة، وأسهم تمتع يستهلكها أصحابها، ويتخلصون من خسارتها، فهذا لا يجوز، لأنه مخالف لمقتضى عقد الشركة من المساواة بين الجميع، واحتمال المخاطرة للجميع، فلا يجوز أن ينجو مساهمون من تحمل الخسارة حين يأخذون قيمة أسهمهم، ويتحمل الباقون الخسارة كلها، فهذا ظلم وإجحاف وضرر لا يجوز شرعًا (1) .

ويمكن أن يعوض عن هذه الفكرة بالمضاربة، وصكوك المضاربة لأجل محدد، أو أن تنشئ الشركة فرعًا خاصًّا لهذا النوع من الشركات تكون جميع أسهمها أسهم تمتع.

(1) د. الخياط: الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، طبعة الرسالة: 2/226.

ص: 80

أنواع القيم وحكمها:

هناك أربع قيم للأسهم:

1-

القيمة الاسمية، وهي القيمة التي تحدد للسهم عند إنشاء الشركة بمعنى أن مجموع القيم الاسمية تساوى برأس مال الشركة عند إنشائها.

فهذه في الواقع حصة الشريك في رأس مال الشركة، فالصك الذي سجلت عليه هذه القيمة بمثابة وثيقة لإثبات المشاركة بهذا القدر، فيجب أن يكون مطابقًا للمبلغ الذي ساهم به الشريك حقيقة في رأس المال (1) .

وهذه المساواة مطلوبة شرعًا حتى تتحقق العدالة في توزيع الأرباح والخسائر.

2-

القيمة الحقيقية، هي نصيب السهم من صافي أصول الشركة بعد إعادة تقديرها وفقًا للأسعار الجارية، وبعد إعادة تقدير الخصوم، لإظهار الالتزامات الحقيقية للشركة (2) .

فالقيمة الحقيقية للسهم هي المقدار الذي يساويه من موجودات الشركة بعد ملاحظة الأرباح والخصوم، فهي بمثابة المؤشر الحقيقي لأرباح الشركة أو خسارتها، وهذا هو المطلوب فقهًا لمعرفة أرباح الشركة أو خسارتها.

3-

القيمة السوقية، وهي القيمة التي يباع بها السهم، وهي ترتبط بنجاح الشركة، أو فشلها، وبحسب رأس مالها الاحتياطي، والظروف، والأزمات المالية والسياسية، وبحسب الرغبة، والدعاية ونحوها (3) .

ومراعاة هذه القيمة، وتداول الأسهم على ضوئها لا تتعارض مع الشريعة الغراء، إذ للإنسان الحق في بيع ماله (المفرز والمشاع) حسب أسعار السوق، بل هو المطلوب.

(1) المراجع السابقة، ود. الخياط، الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، طبعة الرسالة: 2/212؛ ود. محمد الحبيب الجراية: بحثه المقدم إلى مجمع الفقه في دورته السادسة: ود. صالح بن زابن: شركة المساهمة في النظام السعودي، طبعة جامعة أم القرى 1406هـ: ص357.

(2)

المراجع السابقة.

(3)

المراجع السابقة.

ص: 81

4-

قيمة إصدار: بالنظر إلى هذا المصطلح نجد أنه يطلق على معنيين:

أحدهما: إطلاقه على نسبة محدودة محددة مثل 5 % مما يدفع للأسهم تتطلبها الشركة عند تأسيسها لمصاريف الإصدار الإدارية والحكومية والدعائية ونحوها حتى تبقى قيمة الأسهم صافية لرأس مال الشركة فهذه لا بأس بها ما دامت هذه النسبة مقدرة تقديرًا مناسبًا ثم يودع ما يتبقى منها في إحتياطي الشركة.

الثاني: إطلاقه على أسهم الإصدار، ولذلك أرى أن يسمى هذا: قيمة أسهم الإصدار.

فهذه الأسهم تصدر الشركة لزيادة رأس مالها عندما تتوسع في المشاريع، فتحتاج إلى مصادر مالية طويلة الأجل لدعم توسعاتها، وحينئذٍ تصدر أسهمًا جديدة للاكتتاب فيها، قد تكون مساوية لقيمة الأسهم الاسمية، وقد تكون أعلى، أو أقل من ذلك.

والحكم الشرعي في هذه المسالة هي أن هذه القيمة لتلك الأسهم الجديدة إن كانت مساوية لقيمة الأسهم الحقيقية أو السوقية، فهذا لا مانع منها شرعًا سواء أكانت مساوية لقيمة الأسهم الاسمية، أو أعلى منها، أو أقل، لأن العبرة بالواقع، وبسعر السوق، لأن الشركة قد تخسر، وقد تربح – كما لا يخفى.

أما إذا كانت هذه القيمة أقل من القيمة الحقيقية لأسهم الشركة، فهذا لا يجوز، لأن ذلك يضر بحقوق المساهمين حيث يؤدي إلى إنقاص قيمة أسهمهم، أو حرمانهم من حقهم في هذا المال، وكل ما يؤدي إلى ضرر بين، وحرمان من حقوق فعلية لا يجوز شرعًا تطبيقًا للقاعدة الشرعية " لا ضرر ولا ضرار " إلَّا إذا عوضوا عن حقوقهم تعويضًا عادلًا من خلال منح أسهم جديدة بقدر حقوقهم، أو دفع الفروق لهم نقدًا أو مقسطةً أو نحو ذلك.

أما إذا كانت أعلى من القيمة الحقيقية فحينئذٍ إذا كانت تعبر عن سعرها السوقي فهذا جائز ما دامت الشركة لم تستعمل أية وسيلة محرمة من الخداع والتغرير ونحوهما مما حرمه الإسلام.

ص: 82

أنواع الأسهم من حيث المنح وعدمه:

تقسم إلى قسمين:

1-

أسهم يدفع صاحبها قيمتها.

2-

وأسهم منح: وهي الأسهم التي تمنحها الشركة للمساهمين مجانًا في حالة زيادة رأس مال الشركة على شكل ترحيل جزء من الأرباح المحتجزة، أو الاحتياطي إلى رأس المال الأصلي، ويتم توزيعها حسب قدر الأسهم.

وهذا لا غبار عليه شرعًا ما دام المنح يتم بالتساوي حسب الأسهم، لأن ذلك مال المساهمين، فلهم الحق في الحصول عليه بأي طريق مشروع.

حصص التأسيس:

وهي عبارة عن نصيب مقدار من أرباح الشركة على شكل صكوك قابلة للتداول تصدرها شركات المساهمة بغير قيمة اسمية، لأولئك الذين قدموا خدمات جليلة أثناء تأسيس الشركة، مثل براءة اختراع، أو تحصيل التزامات من شخص اعتباري عام.

فهذه الصكوك يعطي لأصحابها نصيب من أرباح الشركة، وتقبل التداول، وبذلك تتفق مع الأسهم، لكنها تختلف جوهريًّا من حيث أنها تصدر بدون قيمة اسمية على عكس الأسهم، ولا تمثل أي حصة من رأس المال، ولا تخول لأصحابها أي حق لإدارة الشركة، فضلًا عن أنه يمكن إلغاؤها (1) .

يقول د. أبو زيد: لقد ظهرت حصص التأسيس لأول مرة سنة 1858م بمناسبة تأسيس شركة " قناة السويس البحرية " كوسيلة لشراء ذمم رجال السياسة

ونتيجة لطبيعة الأهداف التي تسعى إليها حصص التأسيس، وما أدت إليه من نتائج بالغة السوء وقفت الكثير من التشريعات منها موقف العداء، فحرمها المشروع الفرنسي في قانون الشركات الصادر سنة 1966

كذلك فعل المشروع السوري

وتجاهلها القانون العراقي والكويتي " (2) . وأقرها قانون الشركات بمصر الصادر لسنة 1981، في مادته 34، وكذلك نظام الشركات في السعودية في مواده 112، 113، 114، 115.

(1) د. رضوان أبو زيد: الشركات التجارية في القانون المصري المقارن، طبعة دار الفكر العربي: ص559؛ والمراجع السابقة.

(2)

المرجع السابق: ص559، 560.

ص: 83

وقد ثار جدل قانوني حول تكييف حصص التأسيس فيرى البعض أن صاحبها بمثابة الدائن، لا المساهم (1) ، ويرى آخرون إلى أنه في مركز خاص حيث لا يعتبر دائنًا، ولا شريكًا (2) .

وحكم هذا النوع على ضوء قواعد الفقه الإسلامي غير جائز، لأن صاحب حصة التأسيس ليس شريكًا حتى باتفاق القانونيين لأنه لم يقدم حصة نقدية ولا عينية، ولا عملًا مستمرًا مع أن العمل لا يجوز الاشتراك به في شركات المساهمة، والشركات ذات المسؤولية المحددة، حتى عند القانونيين (3) .

وحصة التأسيس تكيف فقهًا على أن صاحبها قدم للشركة خدمة غير محددة ولا مبينة، ثم تمنحه الشركة عدة صكوك في مقابلها، وهي صكوك غريبة لا هي مثل الأسهم حيث ليس لصاحبها الحق في موجودات الشركة، وإنما في أرباحها، ولا هي مثل السندات، كما أن الشركة لها الحق في إلغائها وإن كان بتعويض.

ولذلك فلا يمكن تكييفها على البيع أي أن الشركة تبيع عدة صكوك في مقابل خدمات صاحبها لجهالة الثمن والمثمن معًا، إذ الخدمة التي قدمها ليست محددة حتى يرد عليها عقد البيع، كما أن الصك أيضًا غير محدد من حيث ما يأخذه صاحبه، لأنه مقيد بنسبة الربح الذي هو معدوم عند العقد، أو مجهول يظهر في المستقبل.

كذلك لا يمكن تكييفها على عقد الإجارة لأن مقدار الأجرة المتمثلة في الصك مجهول لا يعلم قدره، ولا على عقد الجعالة لنفس السبب السابق، ولا هبة، لأن طبيعتها أنها في مقابل عمل، والهبة بعوض يشترط فيها ما يشترط في البيع كمبدأ عام (4) .

إضافة إلى أن فتح هذا الباب سيؤدي إلى فتح أبواب المجاملات والمحاباة على مصراعيها، وحتى معظم القانونيين قد هاجموا عليها هجومًا عنيفًا، وكشفوا عن عوارها، وعيوبها، وأخطائها، وبينوا نتائجها السلبية جدًا، فطالبوا بإلغائها (5) .

ويمكن أن تستبدل هذه الفكرة بفكرة المكافأة النقدية أو العينية لهؤلاء الذين قدموا خدمات فعلية، أو براءة اختراع، كما يمكن تحويل قيمة هذا المكافأة بعد تحديدها بأسهم عادية تتساوى معها في جميع الحقوق والالتزامات (6) .

(1) د. كامل ملش: الشركات: ص268.

(2)

د. على حسن يونس: الشركات: ص546.

(3)

المراجع السابقة أنفسها

(4)

د. صالح بن زابن، المرجع السابق: ص381؛ ود. الخياط: 2/230.

(5)

المصادر القانونية السابقة.

(6)

المراجع الفقهية السابقة.

ص: 84

السَنَدات وأنَواعهَا

التعريف بالسند، وخصائصه:

السند لغة بمعنى الاعتماد، والركون إليه، والاتكاء عليه، وما ارتفع من الأرض في قبل الوادي، أو الجبل، والجمع أسناد، وغير ذلك (1) .

ولكن السند في عرف الاقتصاد الحديث عبارة عن وثيقة بقيمة محددة يتعهد مصدرها بدفع فائدة دورية في تاريخ محدد لحاملها.

وكما تصدر الحكومة السندات كذلك تصدرها بعض المؤسسات والشركات الخاصة في كثير من الدول.

والتكييف المتفق عليه عند الاقتصاديين للسندات هو أنها وثيقة بدين، ولذلك يعامل مالكها كمقرض، وليس كمالك، وتسري عليه القوانين المنظمة للعلاقة بين الدائن والمدين.

والسندات تشترك مع الأسهم في تساوي القيمة الاسمية لكل فئة، وقابليتها للتداول حسب كونها اسمية، وللآمر، أو لحاملها، وفي عدم قابليتها للتجزؤ، غير أن السندات تتميز عن غيرها بالخصائص الآتية:

1-

أن السند يعتبر شهادة دين على الشركة، وليس جزءًا من رأس المال كما هو الحال في الأسهم.

2-

حصول صاحبه على الفائدة الدورية المقررة له دون النظر إلى أن الشركة ربحت، أم خسرت، أو كانت الأرباح كثيرة؟!

3-

عدم مشاركة صاحبه في إدارة الشركة.

4-

تحديده بوقت محدد على عكس الأسهم، وبالتالي يحصل صاحبه على قيمة سنده وفوائده في التاريخ الذي حدد له، دون النظر إلى تصفية الشركة، ومدده مختلفة أقصرها تسعون يومًا، وبعضها يمتد إلى مائة عام، على أن بعض السندات تستمر لحين قيام المصدر باستدعائها، أو شرائها من السوق.

5-

يحصل حامله على ضمان خاص على بعض موجودات الشركة وقد يكون الضمان عامًّا على أموالها، ولذلك يحصل على حقه في حالات التصفية قبل أن يحصل حامل السهم على أي شيء (2) .

(1) لسان العرب، والقاموس المحيط، والمعجم الوسيط مادة " سند".

(2)

المراجع القانونية السابقة، ويراجع: د. محمد القري بحثه السابق.

ص: 85

أنواع السندات:

للسندات أنواع كثيرة (1) ، ولا تزال الأفكار الاقتصادية تبتكر الكثير، ونحن نذكر أهمها مع حكمها:

(أ) أنواعها من حيث مصدرها وهي:

1-

سندات الدولة، حيث تصدرها لتمويل الإنفاق العام.

2-

سندات الهيئات الدولية – كالبنك الدولي للإنشاء والتعمير – حيث تصدرها لتمويل مشاريعها.

3-

سندات المؤسسات الحكومية المحلية التي تصدرها لتمويل إنفاقها ومشاريعها.

4-

سندات الشركات التجارية والصناعية، والخدمية، التي تصدرها بضمان بعض أموالها، أو جميعها لتمويل مشاريعها.

ولا يخفى أن جميع هذه الأنواع تصدر بفائدة دورية على رأس المال، ولذلك فهي محرم إصدارها وتداولها، ولصاحبها إن عاد إلى رشده رأس ماله:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] .

(1) د. أبو زيد رضوان: الشركات التجارية في القانون المصري المقارن، طبعة دار الفكر العربي: ص565، 566؛ ود. صالح بن زابن المرجع السابق: ص391؛ وبقية المراجع السابقة.

ص: 86

(ب) أنواع السندات باعتبار فوائدها حيث هي إما:

1-

سندات مستحقة الوفاء بعلاوة إصدار حيث تصدر الشركة سند الإصدار بمبلغ تسعين ريالًا – مثلًا – ولكنها تحسبه بمائة ريال، إضافة إلى فوائد منخفضة نسبيًّا عن غيرها.

2-

سندات النصيب: وهي السندات التي تخول لصاحبها الحصول على فوائد سنوية ثابتة، إضافة إلى اليانصيب المخصص لها والذي يمكن أن يكون من نصيب السندات التي يحالفها الحظ حسب القرعة.

3-

سندات عادية ذات الاستحقاق الثابت التي ليس لها سوى قيمة واحدة، وتعطى عليها فوائد ثابتة فضلًا عن قيمة السند عند نهاية مدة القرض.

4-

سندات مضمونة، وهي مثل النوع السابق لكنها مضمونة بضمان شخصي، أو عيني، والسندات وإن كان جميع أنواعها مضمونة بأصل الشركة، لكن هذا النوع يتميز بضمان شخصي، أو عيني أيضًا.

5-

السندات القابلة للتحول إلى الأسهم، التي تعطى للمساهمين بقرار من الجمعية العامة غير العادية، وتعطي هذه السندات لحاملها الحق في طلب تحويلها إلى أسهم حسب القواعد المقررة لزيادة رأس المال.

وهذا النوع قد أقره القانون المصري للشركات (م/51/1 لسنة 1981م) والقانون الفرنسي والألماني، بينما لم يقره كثير من التشريعات (1) .

6-

سندات الدخل حيث يكون لها فوائد ثابتة، إضافة إلى نسبة محددة من أرباح الشركة، بينما غيرها تكون فائدتها دورية دون مشاركتها في أرباح الشركة.

(ج) أنواع السندات من حيث التملك حيث توجد سندات اسمية، وسندات لحاملها.

(د) ومن حيث الرّد لها ثلاثة أنواع:

1-

سداد نقدي في موعد الاستحقاق، وحينئذٍ قد تكون القيمة التي تسترد هي نفس ما دفع، وقد تكون أعلى فترد بعلاوة الإصدار.

2-

ردها عن طريق تحويلها إلى أسهم – كما سبق -.

3-

ردها عن طريق الإحلال، حيث تقوم الشركة عند تاريخ استحقاقها بإحلالها بسندات أخرى جديدة، وبمزايا حسب نظام الشركة (2) .

(1) المراجع السابقة.

(2)

د. محمد الحبيب الجراية: بحثه السابق.

ص: 87

أنواع أخرى جديدة في كل يوم:

لا تزال المؤسسات الاقتصادية ودور المال تفكر في المزيد من أنواع السندات وغيرها، وتتفنن في كيفية جلب أصحاب الأموال، وشدهم وجذبهم إلى إيداع مدخراتهم في تلك المؤسسات بأية وسيلة مجدية في نظرها.

وتكاد أبصارنا تقع كل يوم على نوع جديد، وابتكار جديد في الأوراق المالية، وأدوات السوق، وآلياتها، وفي العلميات البنكية، ونحن هنا نذكر بعض أنواع السندات التي هي جديدة نوعًا ما وهي:

1-

سندات بفائدة ثابتة، وشروط متغيرة، حيث تعطي لصاحبها حرية أكثر من ناحية انتقال الملكية، والاستفادة منها.

2-

سندات مسترجعة، حيث يعطى لحاملها الحق في استرجاع قيمتها الاسمية بعد فترة محددة مثل ست سنوات، ثم تقوم الشركة المصدرة بإعطاء شروط أحسن من السابق في حالة إبقاء قيمتها فترة أخرى.

3-

سندات ذات أصوات، تعطي صاحبها حق التصويت في الجمعية العمومية للشركة.

4-

سندات بفائدة عائمة تتغير كل سنة، أو ستة أشهر، على أساس سعر الفائدة الدولية – مثلًا – أو أي أساس آخر، إضافة إلى حق صاحبها من تحويلها إلى سندات ذات فائدة ثابتة حسب رغبته.

5-

سندات مربوطة بالقوة الشرائية للنقود، أي يحدد النقد الذي دفع بسعره يوم الدفع حتى يتفادى صاحبها التضخم الذي قد يكون أكثر من نسبة الفائدة.

6-

سندات بشهادة حق، حيث تعطي صاحبها الحق في شراء أوراق مالية طيلة فترة محددة، وبسعر محدد مسبقًا (1) .

(1) المراجع السابقة، ود. محمد القري بحثه.

ص: 88

الحكم الشرعي لهذه السندات:

إذا كان هناك خلاف طفيف سابق حيث أباحها البعض، فإن هذه الإباحة في نظري تعود إلى عدم فهم طبيعة هذه السندات في وقتها، واعتبارها مضاربة، أو تكييفها على الضرورة (1) ، ولذلك لا داعي لمناقشة هؤلاء، لأنه الآن قد ظهر بما لا يوجد أدنى شك أن السندات حتى في نظر القانونيين (2) تكيف على أنها قروض بفوائد كما رأينا في جميع أنواعها، وأن صاحبها دائن للحكومة، أو الشركة يستحقها في وقتها إضافة إلى فوائدها دون النظر إلى خسارة الشركة وأرباحها، وبذلك يظهر جليًّا بعدُها – بعد المشرقين– عن المضاربة، والمشاركة في الشريعة الإسلامية الغراء.

وهذه الفوائد هي عين ربا النسيئة الذي لا خلاف في حرمته، كما أنه لا توجد ضرورة في شراء هذه السندات أو تداولها، بل إن بعض أنواعها عبارة عن الربا والقمار كما في سندات اليانصيب (3) .

هذا هو ما عليه واقع السندات اليوم بجميع أنواعها لكنها لو غير واقعها وأطلقت على عقد مشروع مثل " سندات المضاربة " فالعبرة بالمضمون والمدلول، وإن كان الأفضل تسميتها بغير السند لأنه اشتهر في الأعراف الاقتصادية إطلاق السند على القروض بالفوائد التي هي محرمة، ولذلك فالأولى إطلاق لفظ الصكوك أو نحوها على أوراق مالية لو وجدت دفعًا للالتباس والغموض والاشتباه.

(1) يراجع: د. الخياط: الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، طبعة الرسالة: 2/150، حيث ذكر آراء هذا البعض وتوجيهاته.

(2)

د. أبو زيد رضوان: الشركات التجارية في القانون المصري المقارن، طبعة دار الفكر العربي: ص565؛ والمراجع القانونية السابقة.

(3)

د. الخياط: الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، طبعة الرسالة: 2/228؛ ويراجع في خطورة الربا: كتب التفاسير كالقرطبي، والرازي وابن كثير في تفسير آيات سورة البقرة 275 وما بعدها، وكذلك كتب الصحاح والسنن في باب الربا.

ص: 89

وقد صدر قرار من المجمع الفقهي حول السندات، وهذا نصّه:

قرار رقم (62/11/6) بشأن السندات

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 – 23 شعبان 1410هـ، الموافق 14–20 آذار / مارس 1990م.

بعد إطلاعه على الأبحاث والتوصيات والنتائج المقدمة في ندوة (الأسواق المالية) المنعقدة في الرباط 20-24 ربيع الثاني 1410هـ/ 20-24/10/1989م بالتعاون بين هذا المجمع والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية، وبإستضافة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية.

وبعد الإطلاع على أن السند شهادة يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق، مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند، أو ترتيب نفع مشروط سواء أكان جوائز توزع بالقرعة أم مبلغًا مقطوعًا أم خصمًا.

قرَّر:

إن السندات التي تمثل التزامًا بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعًا من حيث الإصدار أو الشراء أم التداول، لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوكًا استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحًا أو ريعًا أو عمولة أو عائدًا.

2-

تحرم أيضًا السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضًا يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية، ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها خصمًا لهذه السندات.

3-

كما تحرم أيضًا السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضًا اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين، أو لبعضهم لا على التعيين، فضلًا عن شبهة القمار.

4-

من البدائل للسندات المحرمة – إصدارًا أو شراء أو تداولًا – السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين، بحيث لا يكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع، وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك ولا ينالون هذا الربح إلَّا إذا تحقق فعلًا. ويمكن الاستفادة في هذا من الصيغة التي تم اعتمادها بالقرار رقم (5) للدورة الرابعة لهذا المجمع بشأن سندات المقارضة.

البدائل الإسلامية:

ص: 90

بخصوص " الأسهم " فهي كما رأينا حلال، وجائز تملكها وتداولها ما دامت تصدرها شركات لا تزاول نشاطًا محرماً، ولا تتعامل في المحرمات، وليس لبعض أسهمها ميزة مالية لا تمنح لجميعها – كما سبق -.

ومن هنا فباب الأسهم مفتوح على مصراعيه بهذه الضوابط السابقة.

وأما السندات فهي كما رأينا صكوك تتضمن القرض وفوائده ولذلك فهي محرمة لأنها تدخل في ربا النسيئة الذي حرمه الكتاب والسنة، وأجمع على حرمته العلماء – كما سبق -.

والبديل عنها يكمن في إصدار صكوك المضاربة سواء كانت لفترة طويلة الأجل، أو لمشروع معين، أو صكوك المشاركة لمشروع معين، وسواء كانت هذه الصكوك ترد قيمتها في الأخير مرة واحدة، أم بالتدريج.

وفي نظري أن الفقهاء والاقتصاديين الإسلاميين تقع عليهم مسؤولية كبيرة في إبداع مجموعة من البدائل الإسلامية المتطورة تتناسب مع حجم التطور الهائل لدى الاقتصاديين الغربيين، حيث توصلوا إلى استنباط أساليب عمل وطرق وآليات لتسهيل انسياب الأموال من أربابها واستحدث الفكر المالي فنيات عديدة ومتطورة لتوظيف الأموال، وتغطية الإصدارت الجديدة، كما أن على الحكومات، وأصحاب الأموال توفير السوق الثانوية لتسهيل مهمة تبادل الأوراق المالية، فالمسؤولية مشتركة بين الجميع، ولن تتحقق المهمة إلَّا إذا قام الجميع بمسؤوليته أمام الله، ثم أمام الأمة (1) .

ولذلك، فإن الاقتصار على الأسهم – مهما كان السبب – غير مجد ولا سيما في عالم يأتي فيه الفكر المالي كل يوم بجديد في نطاق السوق الأولية، أو في الآليات والأساليب المالية، ولهذا السبب نحاول أن نذكر أنواعًا من أوراق مالية مقبولة شرعًا، وهي ما يأتي:

(أ) سندات المقارضة، أو صكوك المقارضة (2)، وقد وضع المجمع الفقهي الموقر في دورته الرابعة ضوابط هذا النوع وشروطه وهذا هو نصّ قراره:

(1) المراجع السابقة، ود. مصطفى النابلي بحثه عن الأسواق المالية والتجربة التونسية: ص5.

(2)

الأولى استعمال " صكوك المضاربة " دون " سندات

" لأن الأخيرة ارتبط مفهومها في الأذهان بالقروض ذات الفوائد – كما سبق – لكن العبرة بالمسمى والواقع.

ص: 91

القرار رقم (5) د 4/08/88 بشأن

سندات المقارضة وسندات الاستثمار

إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18 – 23 جمادى الآخرة 1408هـ الموافق 6 – 11 فبراير 1988م.

بعد إطلاعه على الأبحاث المقدمة في موضوع " سندات المقارضة وسندات الاستثمار " والتي كانت حصيلة الندوة التي أقامها المجمع بالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية بتاريخ 6 – 9 محرم 1408هـ/30/8 – 2/9/1987م تنفيذًا لقرار رقم (10) المتخذ في الدورة الثالثة للمجمع وشارك فيها عدد من أعضاء المجمع وخبرائه وباحثي المعهد وغيره من المراكز العلمية والاقتصادية وذلك للأهمية البالغة لهذا الموضوع وضرورة استكمال جميع جوانبه. للدور الفعال لهذه الصيغة في زيادة القدرات على تنمية الموارد العامة عن طريق اجتماع المال والعمل.

وبعد استعراض التوصيات العشر التي انتهت إليها الندوة ومناقشتها في ضوء الأبحاث المقدمة في الندوة وغيرها. قرر مايلي:

أولًا – من حيث الصيغة المقبولة شرعًا لصكوك المقارضة:

1-

سندات المقارضة، هي أداة استثمارية تقوم على تجزئه رأس مال القراض (المضاربة) بإصدار صكوك ملكية برأس مال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة ومسجلة بأسماء أصحابها باعتبارهم يمكلون حصصًا شائعة في رأس مال المضاربة وما يتحول إليه، بنسبة ملكية كل منهم فيه.

ويفضل تسمية هذه الأداة الاستثمارية (صكوك المقارضة) .

ص: 92

2-

الصورة المقبولة شرعًا لسندات المقارضة بوجه عام لا بد أن تتوافر فيها العناصر التالية:

العنصر الأول: أن يمثل الصك ملكية شائعة في المشروع الذي أصدرت الصكوك لإنشائه أو تمويله، وتستمر هذه الملكية طيلة المشروع من بدايته إلى نهايته.

وترتب عليها جميع الحقوق والتصرفات المقررة شرعًا للمالك في ملكه من بيع وهبة ورهن وإرث وغيرها، مع ملاحظة أن الصكوك تمثل رأس مال المضاربة.

العنصر الثاني: يقوم العقد في صكوك المقارضة على أساس أن شروط التعاقد تحددها (نشرة الإصدار) وأن (الإيجاب) يعبر عنه (الاكتتاب) في هذه الصكوك، وأن (القبول) تعبر عنه موافقة الجهة المصدرة.

ولا بد أن تشتمل نشرة الإصدار على جميع البيانات المطلوبة شرعًا في عقد القراض (المضاربة) من حيث بيان معلومية رأس المال وتوزيع الربح مع بيان الشروط الخاصة بذلك الإصدار على أن تتفق جميع الشروط مع الأحكام الشرعية.

العنصر الثالث: أن تكون صكوك المقارضة قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للاكتتاب باعتبار ذلك مأذونًا فيه من المضارب عند نشوء السندات مع مراعاة الضوابط التالية:

(أ) إذا كان مال القراض المتجمع بعد الاكتتاب وقبل المباشرة في العمل بالمال ما يزال نقودًا فإن تداول صكوك المقارضة يعتبر مبادلة نقد بنقد وتطبق عليه أحكام الصرف.

(ب) إذا أصبح مال القراض ديونًا تطبق على تداول صكوك المقارضة أحكام تداول التعامل بالديون.

(ج) إذا صار مال القراض موجودات مختلطة من النقود والديون والأعيان والمنافع فإنه يجوز تداول صكوك المقارضة وفقًا للسعر المتراضى عليه، على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعيانًا ومنافع. أما إذا كان الغالب نقودًا أو ديونًا فتراعى في التداول الأحكام الشرعية التي ستبينها لائحة تفسيرية توضع وتعرض على المجمع في الدورة القادمة.

ص: 93

العنصر الرابع: إن من يتلقى حصيلة الاكتتاب في الصكوك لاستثمارها وإقامة المشروع بها هو المضارب، أي عامل المضاربة ولا يملك من المشروع إلَّا بمقدار ما قد يسهم به بشراء بعض الصكوك فهو رب مال بما أسهم به بالإضافة إلى أن المضارب شريك في الربح بعد تحققه بنسبة الحصة المحددة له في نشرة الإصدار وتكون ملكيته في المشروع على هذا الأساس.

وإن يد المضارب على حصيلة الاكتتاب في الصكوك وعلى موجودات المشروع هي يد أمانة لا يضمن إلَّا بسبب من أسباب الضمان الشرعية.

3-

مع مراعاة الضوابط السابقة في التداول: يجوز تداول المقارضة في أسواق الأوراق المالية إن وجدت بالضوابط الشرعية وذلك وفقًا لظروف العرض والطلب ويخضع لإرادة العاقدين. كما يجوز أن يتم التداول بقيام الجهة المصدرة في فترات دورية معينة بإعلان أو إيجاب يوجه إلى الجمهور تلتزم بمقتضاه خلال مدة محددة بشراء هذه الصكوك من ربح مال المضاربة بسعر معين ويحسن أن تستعين في تحديد السعر بأهل الخبرة وفقًا لظروف السوق والمركز المالي للمشروع. كما يجوز الإعلان عن الالتزام بالشراء من غير الجهة المصدرة من مالها الخاص، على النحو المشار إليه.

4-

لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال، فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضمنًا بطل شرط الضمان واستحق المضارب ربح مضاربة المثل.

ص: 94

5-

لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار ولا صك المقارضة الصادر بناء عليها على نص يلزم بالبيع ولو كان معلقًا أو مضافًا للمستقبل. وإنما يجوز أن يتضمن صك المقارضة وعدًا بالبيع. وفي هذه الحالة لا يتم البيع إلَّا بعقد بالقيمة المقدرة من الخبراء وبرضا الطرفين.

6-

لا يجوز أن تتضمن نشرة الإصدار ولا الصكوك المصدرة على أساسها نصًا يؤدي إلى احتمال قطع الشركة في الربح فإن وقع كان العقد باطلًا.

ويترتب على ذلك:

(أ) عدم جواز اشتراط مبلغ محدد لحملة الصكوك أو صاحب المشروع في نشرة الإصدار وصكوك المقارضة الصادرة بناء عليها.

(ب) أن محل القسمة هو الربح بمعناه الشرعي، وهو الزائد عن رأس المال وليس الإيراد أو الغلة. ويعرف مقدار الربح، إما بالتنضيض أو بالتقويم للمشروع بالنقد، وما زاد عن رأس المال عند التنضيض أو التقويم فهو الربح الذي يوزع بين حملة الصكوك وعامل المضاربة، وفقًا لشروط العقد.

(ج) أن يعد حساب أرباح وخسائر للمشروع وأن يكون معلنًا وتحت تصرف حملة الصكوك.

7-

يستحق الربح بالظهور، ويملك بالتنضيض أو التقويم ولا يلزم إلَّا بالقسمة. وبالنسبة للمشروع الذي يدر إيرادًا أو غلة فإنه يجوز أن توزع غلته. وما يوزع على طرفي العقد قبل التنضيض (التصفية) يعتبر مبالغ مدفوعة تحت الحساب.

8-

ليس هناك ما يمنع شرعًا من النص في نشرة الإصدار على اقتطاع نسبة معينة في نهاية كل دورة، إما من حصة حَمَلة الصكوك في الأرباح في حالة وجود تنضيض دوري، وإما من حصصهم في الإيراد أو الغلة الموزعة تحت الحساب ووضعها في احتياطي خاص لمواجهة مخاطر خسارة رأس المال.

9-

ليس هناك ما يمنع شرعًا من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين، على أن يكون التزامًا مستقلًا عن عقد المضاربة بمعنى أن قيامه بالوفاء بالتزامه ليس شرطًا في نفاذ العقد وترتب أحكامه عليه بين أطرافه ومن ثم فليس لحملة الصكوك أو عامل المضاربة الدفع ببطلان المضاربة أو الامتناع عن الوفاء بالتزاماتهم بها بسبب عدم قيام المتبرع بالوفاء بما تبرع به بحجة أن هذا الالتزام كان محل اعتبار في العقد.

[انتهى قرار المجمع]

ص: 95

هذا وقد كانت وزارة الأوقاف الأردنية قد بدأت بإجراء دراسات اقتصادية وشرعية لإصدار سندات المقارضة، وتوفقت في إصدار قانون سندات المقارضة من قبل الحكومة الأردنية عام 1981م. ثم إن صكوك المضاربة يمكن أن تتفرع منها عدة أنواع:

1-

صكوك مضاربة طويلة الأجل (عشر سنوات، عشرين مثلًا) غير مخصصة لمشروع معين، وإنما تخول مستثمرها (المضارب) حق الاستثمار المطلق (المضاربة المطلقة) ويبين في كل سنة (مثلًا) الأرباح التي تحققت، أو الخسارة التي لحقت، فينال كل صك حصته من الأرباح أو الخسائر، وفي حالة الأرباح يمكن صرفها، أو إضافتها إلى عملية المرابحة، فيعطى في مقابلها صك أو صكوك حسب قدرها، وحسب الضوابط السابقة التي بينها المجمع الفقهي.

وحينئذٍ قد يكون مصدرها الحكومة، أو شركة معينة، أو بنكًا إسلاميًّا، فيكون المضارب وصاحب الصك هو " رب المال " ويأخذ كل واحد منهما نسبته من الربح المتفق عليها.

2-

صكوك المضاربة لمشروع معين (سواء كان صناعيًّا، أم زراعيًّا، أم تجاريًّا

) وتكون محددة بمدة معينة حسب عمر المشروع.

وذلك بأن يقسم ما يحتاج إليه المشروع على صكوك متساوية محددة القيمة، فيصدرها البنك – مثلًا – ثم تطرح في الأسواق، فيقوم البنك (المضارب) باستثمار قيمة هذه الصكوك في المشروع نفسه، ويمكن أن توزع الأرباح كل سنة حسب الميزانية، ولا مانع من ترحيل جزء منها للاحتياطي الذي سوف يوزع على أصحاب الصكوك والبنك حسب النسب المتفق عليها، وعلى ضوء الضوابط التي بينها المجمع الموقر، حيث أجاز أن يقوم طرف ثالث بالوعد بالتبرع – دون مقابل – بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين إلى آخر فقرة 9 من القرار السابق.

ص: 96

وهذه الصكوك تمتاز بعدة مميزات:

منها: وجود نوع من الاطمئنان للمكتب من خلال وعد الطرف الثالث بجبر الخسران لو حدث، وعدم وجود ذلك أكبر عقبة في سبيل التشجيع على المضاربة.

ومنها: قابلية هذه الصكوك للتداول – كما أقر ذلك المجمع الموقر -.

ولا مانع شرعًا من أن تكون هذه الصكوك (أو شهادات الاستثمار) محددة بمدة طويلة أو قصيرة حسب قدرة البنك (أو الشركة) فيمكنها أن تصدر صكوك المضاربة أو شهادات الاستثمار لمدة ثلاثة أشهر، وحينئذٍ يمكن استثمارها في المرابحات والمعاملات قصيرة الأجل، ويمكن أن يكون لمدد مختلفة.

ومن هنا يتنوع من هذا النوع أنواع مختلفة مما يعطي المصرف مرونة وسيولة جيدة، وقدرة على النمو والازدهار.

3-

صكوك المضاربة (أو شهادات الاستثمار) المستردة بالتدرج.

وذلك بأن ترد قيمة الصكوك مع أرباحها (إن وجدت) في مدة زمنية محددة، فمثلًا أن ترد نسبة معينة مثل (العشر، أو الربع) بعد سنتين مثلًا، وهكذا.

4-

صكوك المضاربة المستردة في آخر المشروع.

وذلك بأن يكون رد المبلغ مع ملاحظة الخسائر والأرباح إن وجدت في آخر المشروع.

ويمكن أن توزع الأرباح، ويبقى أصل المال لآخر المشروع.

5-

صكوك المضاربة (الاستثمار) المنتهية بتمليك المشروع.

ويمكن أن يكون رد قيمة صكوك المضاربة من خلال التعويض عنها بجزء من المشروع.

وذلك بأن تطرح فكرة مشروع معين كبناء عمارة، ويصدر له مجموعة من الصكوك (أو شهادات الاستثمار) بحصص متساوية ويكون رد قيمتها في الآخر من خلال تمليك المشروع لأصحاب هذه الصكوك حسب حصصهم وشهاداتهم.

ولا شك أن البنك المصدر يأخذ نسبته من الأرباح السنوية. وهكذا.

ص: 97

(ب) شهادات الاستثمار للبنك الإسلامي للتنمية:

حيث قام البنك بإصدار شهادات تمثل ملكية المستثمرين، وجاء وصف شهادات الاستثمار في محفظة البنوك الإسلامية التي يديرها البنك الإسلامي للتنمية بأنها:" المستندات التي تمثل نصيبًا في ملكية المحفظة، ويصدرها البنك الإسلامي للتنمية، وتسجل في سجل الشهادات بأسماء مالكيها ".

وتخصص هذه المحفظة لتمويل تجارة الدول الإسلامية، وتكون موجوداتها تحت يد البنك بصفته مضاربًا (1) .

ويوجد لهذه الشهادات نوعان:

النوع الأول: شهادات الإصدار الأساسي.

وهي مجموع الشهادات التي تصدر عند تأسيس المحفظة وتقتصر ملكيتها على البنك الإسلامي للتنمية، والبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية الأخرى.

النوع الثاني: شهادات الإصدارات اللاحقة.

وهي مجموع الشهادات التي تصدر بعد تأسيس المحفظة وتطرح للاكتتاب العام.

وهذه الشهادات تتمتع بإمكانية التسييل بإحدى الوسيلتين:

1-

البيع إلى مؤسسة مصرفية إسلامية بالسعر الذي يتفق عليه، (وذلك بعد فترة الاكتتاب، والتشغيل الفعلي) .

2-

شراء البنك الإسلامي للتنمية حيث تعهد بشراء ما قد تعرض البنوك الإسلامية بيعه مما تملكه من شهادات، وذلك بحد أقصى 50 % مما يملكه البنك الواحد من الإصدار الأساسي (2) .

(1) د. محمد فيصل الأخوة: بحثه عن الأدوات المالية والإسلامية، والبورصات الخليجية قدم إلى مجمع الفقه في دورته السادسة.

(2)

د. محمد فيصل الأخوة: بحثه عن الأدوات المالية والإسلامية، والبورصات الخليجية قدم إلى مجمع الفقه في دورته السادسة.

ص: 98

(ج) أسهم المشاركة دون التصويت:

القاعدة العامة في الأسهم هي الحل، إلَّا إذا كان مجال نشاطها المحرمات – كما سبق تفصيله – وإلَاّ أسهم الامتياز لكون الامتياز فيها عائدًا إلى ميزة مالية – كما سبق -.

ونظرًا لحاجة المؤسسات الإسلامية إلى هذا النوع، وبعد نظرها في عدم هيمنة من لا يرغب فيه على مقدرات الشركة، فإن هذه المؤسسات بالتعاون مع الفقهاء والاقتصاديين الإسلاميين قد وفقوا إلى أسهم امتياز يكون لصاحبها جميع الحقوق الممنوحة للأسهم العادية ما عدا حق التصويت في الجمعية العمومية، وقد يسّر الله تعالى عملية نقل الأفكار من الإطار النظري إلى الواقع العملي من خلال تأسيس شركة التوفيق للصناديق الاستثمارية في 15/1/1987م وشركة الأمين للأوراق المالية في 28/6/1987م في دولة البحرين وهما تهدفان إلى طرح أدوات مالية جديدة لجمهور المكتتبين، كما تتخذ الصناديق الاستثمارية أشكالًا متنوعة من حيث الربحية والمخاطرة والمدة، حيث يمكنها أن تكون صناديق مرابحات، أو تأجير، أو سلم، أو مشروعات، وقد صدر بذلك قرار وزاري رقم 17 في البحرين لسنة 1986م يسمح بتأسيس شركات مساهمة إسلامية (1) .

وكذلك قام بنك التقوى (الذي أسس في بهاما عام 1988) بتطبيق هذا النوع حيث يصدر نوعين من الأسهم: يخصص النوع الأول للأسهم العادية، والنوع الثاني لأسهم الامتياز التي ليس لصاحبها حق حضور الجمعية العامة، أو التصويت فيها، ويمكن دفع قيمتها على ثلاثة أقساط متساوية بين كل قسط وآخر ستة أشهر، ويدفع أولها مع الاكتتاب.

وقد كان لهيئة الرقابة الشرعية للبنك دور كبير في الوصول إلى هذه الصيغة كما نصّ على ذلك النظام الأساسي (2) .

وإعطاء هذه الميزة (أي التقسيط) لهذا النوع من الأسهم لا يخالف الشريعة الغراء لأنه لا يحسب له الربح إلا بقدر قسطه المدفوع وإنما هو نوع من التيسير أعطَوْهُ برضا المساهمين، ثم إن التكييف الشرعي لهذه المسألة يكمن في أن صاحب الأسهم الممتازة حينما دفع القسط الأول لها أصبح مشتركًا بهذا القدر، ثم وعد بأن يكمل البقية، فمثلا لو دفع شخص الأقساط الأولية لثلاثين سهمًا فهو قد شارك فعلًا بعشرة أسهم، وبالقسط الثاني قد شارك في العشرة الأخرى، وبالقسط الثالث قد أكمل الثالثين، أي أنه اشترى أولا عشرة ووعد أن يشتري البقية المتفق عليها وهذا لا مانع منه شرعًا.

أما قضية التصويت في الجمعية العمومية فهي عملية إدارية يجوز لأي واحد من الشركاء أن يتنازل عن حقه في هذه المشاركة الإدارية – كما سبق -.

(1) د. محمد فيصل: د. محمد فيصل الأخوة: بحثه عن الأدوات المالية والإسلامية، والبورصات الخليجية؛ والمراجع السابقة.

(2)

حيث كتب: " ملاحظة: عدلت الإدارة عما سبق إعلانه من مميزاته كلا النوعين من الأسهم لما ارتأته هيئة الرقابة الشرعية تجنبًا لأي تعارض مع المباح شرعا".

ص: 99

(د) شهادات التأجير / أو الإيجار المتناقصة:

وهي شهادات اهتدى إليها بيت التمويل التونسي السعودي بفضل استشارات وتوصيات رقابته الشرعية، اشتراها من " الشركة التونسية للتأجير " وذلك كالآتي:

تقتني " الشركة التونسية للتأجير " معدات، وتؤجرها إلى زبائنها بسعر كراء معين، وتنقل ملكية المعدات إلى الزبون عند انتهاء العقد، ودفع كل أقساط الكراء، وطوال مدة الإيجار تصدر " الشركة التونسية للإيجار " شهادات لصالح مشترين بقيمة معينة تمثل قسطًا من ثمن شراء المعدات، ويتقاضى المشترون للشهادات نصيبًا من دخل الكراء، ويبدو أن هذا النوع من النمو.

يقول الدكتور المنصف: " ويبدو أن هذا النوع من التمويل يحترم السلامة الاقتصادية، فلا يوزع ثروة (صورية) كما يراعي قواعد الشريعة الإسلامية، ويساهم في تنشيط سوق الأوراق المالية، ويفتح المجال أمام تداولها في أسواق الإصدار، أو الأسواق الثانوية (1) .

وهذه الشهادات تشبه شهادات الاستثمار المخصص، لكنها تختلف عنها في أنها تمثل نوعًا من المساهمة المتناقصة، حيث تشمل أقساط الإيجار أرباح المؤجر، إضافة إلى استهلاك رأس المال، وعلى هذا فإن شهادات الإيجار هذه سوف تصفى تدريجيًّا حتى تنتهي تمامًا مع آخر الأقساط (2) .

وبالإضافة إلى هذا النوع الذي رأى النور فليس هناك ما يمنع من إصدار شهادات إيجار غير متناقصة القيمة، تقدم كاملها معدل ربح أعلى من الشهادات المتناقصة نتيجة لإمكان إعادة استثمار الأقساط المدفوعة، وذلك لأن المصرف (مثلًا) يستثمر حصيلة الأقساط المدفوعة في عقود إيجارات جديدة.

وهذا النوع يمكن تسميته بشهادات الإيجار الثابتة (3) .

(1) د. المنصف شيخ روحه: بحثه في: أسواق الأوراق المالية، المقدم إلى المجمع الفقهي في دورته السادسة.

(2)

د. معبد الجارحي: بحثه عن المصارف الإسلامية، والأسواق المالية.

(3)

د. معبد الجارحي: بحثه عن المصارف الإسلامية، والأسواق المالية.

ص: 100

(هـ) صكوك المشاركة:

إذا نظرنا إلى فلسفة الاقتصاد الإسلامي، فإنها تقوم على أساليب المشاركة بمختلف صورها، من المشاركة بالأموال ثم المشاركة الحقيقية في أرباحها، وخسائرها، أو المشاركة بالمال من جانب، والعمل والخبرة من جانب آخر، ثم مشاركة الطرفين في الربح، وفي الخسارة حيث خسر صاحب المال ماله، أو جزءًا منه، وخسر صاحب العمل عمله، وضاع عليه الوقت دون أن يربح، وهكذا، فالمشاركة في الربح والخسارة، وفي الغرم والغنم، وفي المخاطرة هي أساس الاقتصاد الإسلامي.

وهذا الأساس (أي المشاركة) هو الذي يمكن الاقتصاد من ربط الدورة الاقتصادية (أي إنتاج السلع والخدمات) بالدورة المالية (أي النقود) وحينئذ يتقلص خطر الانزلاق بين هاتين الدورتين، ذلك الانزلاق الخطير الذي سبب كوارث مختلفة للبنوك، والمؤسسات الاقتصادية، والأسواق المالية (1) .

وإذا كانت المشاركة ضمانًا لتقليص خطر الانزلاق، فإن هذا المبدأ يكمله مبدأ آخر إسلامي، وهو التكافل والتعاون، من خلال تخصيص جزء معين من أرباح الشركة للمخاطر، وذلك بأن يتنازل المساهمون عن نصيب ضئيل من أرباحهم يكمل به الخسارة التي تلحق بعض الصفقات، أو في بعض السنوات.

وهذا بلا شك لا مانع منه شرعًا بالنسبة للمساهمين، لأن الشركة أولًا وأخيرًا لهم، وهذا القدر يرحل إلى احتياطي الشركة وهو بدوره جزء منها.

(1) د. المنصف: بحثه السابق.

ص: 101

ولكن المشكلة من الناحية الشرعية تظهر بالنسبة للمودعين المستثمرين حيث أن هؤلاء لا يتحملون الخسارة إلَّا بقدر الخسارة التي تحققت لأموالهم، وحسب سنوات المشاركة ولذلك فالعلاج يمكن أن يتم في إحدى الصور الآتية:

1-

أن يعد طرف ثالث بالتبرع لمثل هذه الخسارة إن تحققت كما في البند 9 من قرار المجمع بخصوص صكوك المضاربة – كما سبق -.

2-

أن يتم تحديد مشروع معين يشترك فيه المضاربون، ويلتزمون بالمدة المحددة له، وحينئذ يتفقون على تخصيص جزء من الأرباح لمثل هذه المخاطر، ثم يتم توزيع الأرباح جميعًا – بما فيها الاحتياطي – على الجميع حسب النسب المتفق عليها.

وهذا العمل يكيف فقهًا بأن المضاربة لم تنته إلَّا بإتمام المشروع أو بعبارة أخرى أن البضاعة لم تنض إلَّا بانتهاء المشروع، ومن هنا فجميع الأرباح والخسارة محسوبة حسب المشروع كله، وما عمل من الميزانيات السنوية فهي من باب التنضيض الجزئي، والحكمي.

وصكوك المشاركة – غير المضاربة – لها صور:

1-

الأسهم بجميع أنواعها المباحة – كما سبق -.

2-

شهادات المشاركة في مشروع معين، والإدارة لمصدرها. وذلك بأن يطرح المصرف الإسلامي (أو الشركة) مجموعة من الشهادات بحصص متساوية تخصص لمشروع معين، يشترك المصرف نفسه بنسبة محددة (كالنصف والربع مثلًا) فيكون الجميع شركاء بما فيهم المصرف مصدر الشهادات.

ثم يقوم المصرف بإدارة هذا المشروع لقاء نسبة من الأرباح.

وهذه الشهادات بهذه الصورة تختلف عن الأسهم في عدة صور من أهمها أن أصحابها لا يشتركون في إدارة المشروع، ومنها أنها محددة بمدة معينة، ولا تنطبق عليها مواصفات شركة المساهمة.

3-

شهادات المشاركة في مشروع معين تكون الإدارة لجهة أخرى.

وهذا النوع هو مثل النوع الأول لكن إدارة المشروع المشترك بين المصرف (مصدر الشهادات) وأصحاب الشهادات تكون لجهة أخرى بنسبة من الأرباح.

ص: 102

(و) سندات الخزينة المخصصة للاستثمار الإسلامي:

وقدم الدكتور سامي حمود هذه الفكرة وأسس فكرة إصدارها على القواعد التالية:

1-

إصدار سندات الخزينة للمشاركة في المشاريع المنتجة للدخل، وذلك على أساس بيع المشروع المعين، وجملة من المشروعات مقابل إعطاء سندات تمثل حصص امتلاك، وانتفاع بريع المشروع أو المشروعات المعينة.

2-

إصدار الخزينة الإيجارية لمشاريع مملوكة لمؤسسات وشركات مساهمة ذات نفع عام، وذلك باعتبار أن هذه السندات تمثل حصص امتلاك قابلة للتأجير.

3-

إصدار سندات الخزينة البترولية بطريق السلم، وذلك على أساس بيع الإنتاج المستقبل مع تنظيم بيوع السلم الأول، والبيوع الموازية من أجل الموازنة بين الكميات المسلم فيها بالبيع، والمطلوبة بالشراء.

ويقول الدكتور سامي: " وتعتبر هذه الإدارة واحدة من أنجح الوسائل الملائمة للدول البترولية حيث يساعد الإنتاج البترولي الضخم على اجتذاب آلاف الملايين من الدراهم والدنانير والريالات التي لا تجد طريقها للمشاركة في التنمية الوطنية (1) .

غير أن هذه السندات (أو الصكوك أو الشهادات) لا بد من ملاحظة القواعد الشرعية فيها من حيث المشاركة وعدم ضمان المصدر لرأس المال (أي وجود المخاطرة) وعدم تحديد أية نسبة من الفوائد، وإنما ربطها بالأرباح الحقيقية، إضافة إلى شروط عقد السلم من حيث المواصفات، ومن حيث تسليم الثمن في مجلس العقد عند الجمهور، أو في خلال ثلاثة أيام عند مالك (2) .

(1) بحثه بعنوان: الأدوات المالية الإسلامية، المقدم إلى مجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة.

(2)

يراجع في ذلك: شرح الخرشي: 5/203؛ وبلغة السالك: 2/538؛ وحاشية ابن عابدين: 4/208؛ والغاية القصوى: 1/497؛ والمغني، لابن قدامه: 4/328.

ص: 103

(ز) صكوك المرابحة:

وقد طرح هذه الفكرة الدكتور سامي حمود في ندوة البركة الثانية التي عقدت بتونس بين 4 – 7 نوفمبر 1984م وقال: " وقد كان بيع المرابحة من أبرز الأمثلة المختارة لبيع الحصص الاستثمارية باعتبار أن بيع المرابحة بعد أن يتم يمكن فيه تمامًا معرفة الربح وموعد تحققه، ونسبة ما يستحق من الزمن، وما يتبقى لما هو باق من الأيام، وإذا كانت الديون بحد ذاتها لا تباع إلَّا مثلًا بمثل فإن هذه الديون إذا كانت جزءًا من موجودات مختلطة مع النقود والأعيان فإنها تصبح قابلة للبيع، ولذا جاز في المخارجة "(1) .

وقد كانت هذه الفكرة متمثلة في إنشاء شركة تابعة لبنك البركة الإسلامي في البحرين تكون متخصصة في تمويل المرابحة، وتكون أسهمها قابلة للبيع والشراء وفق أسعار معلنة مقدمًا على أساس محسوب تبعًا للعمليات المنفذة، والأرباح المستحقة في بيوع المرابحة القائمة، وذلك باعتبار أن السهم في الشركة التابعة يمثل جزءًا شائعًا في موجودات الشركة بكاملها، وقد صدر قرار وزاري بالبحرين لإنشاء شركة إسلامية مساهمة تمارس الإصدارات المختلفة في صناديق المرابحة، والإيجار والسلم، والمشروعات، وإيجاد أدوات مالية إسلامية تتمتع بالسيولة، والربحية، والقابلية للتسويق المنظم على أساس السعر المعلن والمكشوف (2) .

(ح) صكوك السلم، وبيع الآجل:

كذلك يمكن إصدار صكوك بعقد السلم تنظم فيه مسائله حيث إنه يعالج العقود التي ترد على السلع المستقبلية، كما أن بيع الآجل يعالج الأثمان الآجلة.

(ط) صكوك الاستصناع:

وهذا النوع في نظري أهم الأنواع في علاج كثير من الموضوعات المعاصرة، ومع ذلك لم يول عناية مناسبة، لذلك سيكون بحثنا الخاص بالاستصناع منصبًّا على هذا الجانب بشكل تأصلي إن شاء الله.

(1) د. سامي حسن حمود: تطبيقات بيوع المرابحة للآمر بالشراء من الاستثمار البسيط إلى بناء سوق رأس المال الإسلامي مع اختيار تجربة بنك البركة في البحرين كنموذج عملي، المقدم إلى ندوة عن خطة استراتيجية الاستثمار في البنوك الإسلامية في عمان بتاريخ 22 شوال – 25 شوال 1407هـ.

(2)

المرجع السابق.

ص: 104

التعامل بالأسهم والسندات عن طريق الأسواق المالية (البورصة) :

لا يجوز التعامل بالسندات المالية (التي هي قروض بفوائد) لا عن طريق الأسواق المالية (البورصة) ولا عن طريق غيرها، كما سبق.

وأما الأسهم التي لا تزاول شركاتها نشاطًا محرمًا، وليس لها امتياز مالي – على التفصيل السابق – فحكم التعامل بها وتداولها عن طريق البورصة على التفصيل الآتي حيث نذكر أولًا أنواع العمليات، ثم نذكر كيفية البيع والشراء من حيث الدفع.

أولًا: أنواع العمليات في البورصة:

1-

العمليات العاجلة التي تتم في سوق العاجل، وذلك بأن يلتزم كل من العاقدين بتنفيذ عقودهما، ويسلم البائع الأوراق المالية، والمشتري ثمنها حالًا، أو في مدة لا تتجاوز 48 ساعة، وحينئذ يحتفظ المشتري بها، ويستفيد من أرباحها، ويتحمل خسارتها كذلك وتقوم السوق (البورصة) بإتمام الصفقة بصفة الوكيل عن الطرفين ويرسل الأوراق للطرفين للتوقيع عليها.

فالتعامل بِالأسهم بهذه الطريقة حلال – ما دامت بقية الشروط والضوابط التي يفرضها الشرع متوفرة (1) ولكن المشتري الجديد لا يبيع أسهمه إلَّا بعد استقرار ملكه عليها من خلال القبض حتى ولو كان حكيمًا ما دامت الأسهم تمثل السلع – أي غير النقود والطعام (2) .

والخلاصة إذا كان البيع حالا وباتا، ولم يكن قائمًا على الاختيارات – كما ستأتي – ولم يكن فيه محظور شرعي آخر فإن هذه المعاملة عن طريق البورصة أيضًا جائزة، وكذلك التعامل في هذه الأسهم جائز بعد استقرار الملك فيها، ولكن دون أن يكون العقد الثاني على أساس ما تسميه البورصة بالمضاربة وهي تعني بها: عملية بيع وشراء صوريين، حيث تباع العقود، وتنتقل من يد إلى يد، وغاية العاقدين الاستفادة من فروق الأسعار (3) ، بينما المضاربة في الفقه الإسلامي معروفة تعني العمل من جانب، والمال من جانب آخر.

(1) د. وهبة الزحيلي: بحثه عن أحكام السوق المالية، المقدم إلى مجمع الفقه في دورته السادسة، ود. محمد عبد الغفار: بحثه، والمصادر السابقة.

(2)

يراجع في تفصيل القبض: القبض وصورة المعاصرة، للدكتور على القره داغي، المقدم إلى مجمع الفقه في دورته السادسة.

(3)

دائرة المعارف: 2/394؛ والمعجم الوسيط: 1/537، والمراجع السابقة.

ص: 105

2-

العمليات الآجلة، التي يلتزم بمقتضاها العاقدان على تصفيتها في تاريخ آجل معين يتم فيه التسليم والتسلم، وقد يتفقان على تأجيل خاص وشروطه وكيفية التعويض.

وتجري التصفية في كل شهر مرة فتسوى الصفقات نهائيًّا، ويتم دفع الثمن وتسلم الأوراق المالية خلال عدة أيام من تاريخ التصفية (1) .

ثم إن هذه العمليات الآجلة تتم على إحدى الصور الآتية:

(أ) العمليات الباتة القطعية: وهي التي يحدد تنفيذها بموعد ثابت لاحق ويسمى موعد التصفية، الذي يدفع فيه الثمن، وتسلم فيه الأوراق المالية موضع الصفقة، وتسمى: الباتة لأن العاقدين ليس لهم حق الرجوع في تنفيذ العملية، ولكن لهم الحق في تأجيل موعد التصفية النهائية إلى موعد آخر.

وتنفيذ هذا النوع يؤدي بلا شك إلى خسارة أحد الطرفين إلَّا إذا كان سعر الأسهم (أو غيرها) معادلًا لسعر البيع نفسه، ففي الغالب يخسر أحد الطرفين، والآخر يربح حسب زيادة سعرها، أو نقصه عند التصفية فلا كسب لأحدهما إلَّا على حساب الآخر.

وقد يشترط المشتري وحده خيار التنازل لنفسه عن حق الآجل فيلجأ إليه عندما يلاحظ هبوط سعر تلك الأسهم، وحينئذ يطلب من البائع تسليم الأوراق المالية المتفق عليها، وحينئذ يضطر البائع لشرائها من السوق بسعر العاجل، وحينئذ يحق للمشتري أن يبيعها قبل موعد التصفية عن طريق وسيط، ويسجل رصيد العملية إذا اقترنت بربح في رصيد دائن (2) .

وهذا النوع من العمليات كما رأينا لم يتم فيه تسليم المعقود عليه، لا الثمن ولا المثمن، بل اشترط تأجيلهما، فعلى ضوء ذلك لا يجوز، لأنه من الضروري لصحة العقود أن يتم فيها تسليم أحد العوضين – كما هو معروف أو لا يشترط تأجيل الاثنين.

(1) د. محمد عبد الغفار: بحثه السابق؛ وعمل شركات الاستثمار الإسلامية، لأحمد محيي الدين، طبعة بنك البركة الإسلامي – البحرين: ص129، ود. علي السالوس: المرجع السابق: ص209.

(2)

المراجع السابقة.

ص: 106

وذهب أحد الباحثين (1) إلى صحة هذا النوع ما دامت الأوراق المالية جائزة التعامل فيها، ويملك المشتري المبيع، والبائع الثمن، حيث يكون ملك المشتري للمبيع بمجرد عقد البيع الصحيح، ولا يتوقف على التقابض، وإن كان للتقابض أثره في الضمان.

وقد استند في قوله هذا على ما جاء في الموسوعة الفقهية، حيث تقول: " ولا يمنع من انتقال الملك في المبيع، أو الثمن كونهما ديونًا ثابتة في الذمة إذا لم يكونا من الأعيان

" (2) .

غير أن كلام الموسوعة في " الدين " الذي هو مقابل للعين، وهو مصطلح فقهي لا يعني التأجيل، وإنما يعني به: ما لا يتعين بالتعيين ولذلك أوردت الموسوعة مثالًا بعد هذا الكلام مباشرة، فقالت:" كما لو اشترى مقدارًا معلومًا من كمية معينة من الأرز، فإن حصته من تلك الكمية لا تتعين إلَّا بعد التسليم، وكذلك الثمن إذا كان دينًا في الذمة " فليس في الموسوعة أية إشارة إلى جواز عقد يشترط فيه تأجيل الثمن والمثمن إلى وقت التصفية.

ثم استند الباحث على ما أجازه المالكية والحنابلة من جواز اشتراط تأجيل الحق إلى مدة، اعتمادًا على حديث جابر (3) .

ولكن هؤلاء الفقهاء لم يقولوا – حسب علمنا – بجواز اشتراط الثمن والمثمن معًا، وهذا هو محل النزاع، بل إن المالكية أنفسهم صرحوا بأنه لا يجوز بيع الدين إلَّا إذا كان الثمن نقدًا، وأجازوا للحاجة تأخير رأس مال السلم ثلاثة أيام فقط (4) أما الحنابلة فقد اشترطوا قبض الثمن في المجلس.

ثم إننا لا نسلم اعتبار الباحث الأسهم من الديون التي لا تتعين بالتعيين، وإنما التحقيق أنها معتبرة بما تمثله من أصول الشركة فهي حصص مشاعة من موجودات الشركة ومعتبرة بها دينًا وعينًا.

(1) د. محمد عبد الغفار: بحثه السابق.

(2)

الموسوعة الفقهية التي تصدرها وزارة الأوقاف الكويتية: 9/37.

(3)

د. محمد عبد الغفار: بحثه السابق؛ وحديث جابر في صحيح البخاري – مع الفتح -: 5/314؛ ومسلم: 3/1221.

(4)

حاشية الدسوقي: 3/63.

ص: 107

لذلك فالذي نرى رجحانه هو عدم جواز شراء الأسهم وغيرها عن طريق العمليات الباتة القطعية، وذلك لاشتراط تأجيل التسلم والتسليم إلى وقت مستقبلي، إضافة إلى أن هذا الوقت وإن كان قد حدد لكن إعطاء الحق للعاقدين في صلب العقد تأجيل موعد التصفية إلى موعد آخر جعل المدة مجهولة غير محددة ولا معلومة.

ولذلك دخلت فيه الجهالة من أوسع أبوابها، فيدخل في باب الغرر المنهي عنه في الحديث الصحيح (1) .

ثم إن هذا النوع فيه إضرار بأحد الطرفين – في الغالب كما سبق – حيث لا يكسب أحدهما الربح إلَّا على حساب الآخر، مما فيه رائحة القمار وشبهته بوضوح، إضافة إلى خيار التنازل وما يترتب عليه، حيث يعطي للمشتري حق المطالبة بالتعجيل.

هذا إذا كانت الأسهم (أو البضاعة) موجودة فعلًا، فيرد على كيفية التعاقد عن طريق هذا النوع ما سبق، أما إذا كانت غير موجودة فعلًا، وإنما سوف يمتلكها البائع في المستقبل فهذا يدخل في بيع المعدوم الذي لا يحل شرعًا بالإجماع، كما نقل ذلك ابن المنذر والنووي وغيرهما (2) اعتمادًا على الحديث الثابت:((لا تبع ما ليس عندك)) (3) . وهذا النوع هو الغالب في مثل هذه الصفقات الآجلة.

(1) حديث (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغرر) رواه مسل في صحيحه: 3/1153؛ وأبو داود في سننه: 2/228؛ وابن ماجه: 2/739؛ والترمذي: 3/532؛ والدارمي: 2/167؛ ومسند أحمد: 1/302؛ والموطأ: ص164؛ ويراجع تلخيص الحبير: 3/6

(2)

المجموع: 9/258.

(3)

الحديث رواه أحمد في مسنده 3/401؛ وأبو داود في سننه – مع شرح عون المعبود 9/401؛ والترمذي – مع شرحه تحفة الأحوذي -: 4/430؛ وقال الشيخ الألباني في إرواء الغليل: 5/132: " صحيح".

ص: 108

البدائل الشرعية:

لهذه العملية بدائل شرعية تحقق الغرض المقصود والمعقول العادل وهي:

البديل الأول: السلم، وهو بيع الموصوف بالذمة فيكون ثمن حالًا، وأجازه المالكية، أن يؤدّى خلال ثلاثة أيام، وأما المسلم فيه فيكون مؤجلًا لأجل معلوم، وبمواصفات محددة (1) .

البديل الثاني: تأجيل الثمن مقسطًا أم بدون تقسيط (أي البيع الآجل) ودليل مشروعيته الحديث الصحيح الدال على أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعامًا إلى أجل، ورهنه درعه (2) وقد أجمعت الأمة على جواز ذلك (3) .

البديل الثالث: الاستصناع، وهو أن يطلب شخص من الصانع أن يصنع له شيئًا بثمن معلوم (4) وقال ابن عابدين:" هو بيع عين موصوفة في الذمة لا بيع عمل "(5) .

وهو عقد مستقل عند الحنفية، أما غيرهم – من المالكية والشافعية والحنابلة (6) ، فلم يعترفوا به كعقد مستقل، بل أدخلوا بعض مسائله في السلم، ورفضوا بعضها الآخر. (ليس هذا مجال تفصيله) .

فهذه البدائل تحل معظم الحالات التي فيها تأجيل للثمن والمثمن، ولكليهما، فالسلم يحل مشاكل السلع والأشياء غير الموجودة والتي ستسلم فيما بعد لكن الثمن فيه حال، أو إلى ثلاثة أيام.

وبيع الأجل يحل مشكلة ما إذا كان الثمن غير متوفر ولكن البضاعة متوفرة.

(1) يراجع: حاشية ابن عابدين: 4/208؛ وشرح الخرشي: 5/203؛ وبلغة السالك: 2/538؛ والغاية القصوى: 1/497؛ والمغني، لابن قدامة: 4/328.

(2)

صحيح البخاري – مع الفتح -: 5/15.

(3)

الإجماع، لابن المنذر، طبعة رئاسة المحاكم الشرعية، قطر: ص93.

(4)

رمز الحقائق شرح كنز الدقائق: 2/56 – 57.

(5)

حاشية ابن عابدين: 5/225.

(6)

المدونة: 9/18؛ والأم 2/116؛ والإنصاف: 4/300. ويراجع في تفصيل هذا العقد: كاسب عبد الكريم البدران: عقد الاستصناع، طبعة دار الدعوة بالإسكندرية: ص54 وما بعدها.

ص: 109

وأما عقد الاستصناع فيحل لنا المشكلة بشكل أكبر حيث لا يشترط فيه تعجيل الثمن ولا المثمن، حيث يكيف بأنه عقد خاص فيه بعض مواصفات البيع، وبعض مواصفات الإجارة (1) .

ويمكن أن تصدر بهذه العقود شهادات وصكوك تؤصل فيها الشروط والضوابط.

(ب) العمليات الآجلة بشرط التعويض:

وهي أن يلتزم البائع والمشتري بتصفية العمليات التي تمت بينهما آجلًا، في تاريخ معين، لكن يشترط أحدهما لنفسه الخيار في عدم تنفيذ العملية، وذلك مقابل تخليه عن مبلغ من المال يتم عليه الاتفاق مسبقًا ليكون بمثابة تعويض عن عدم تنفيذ العملية.

ويسمى اليوم السابق لتاريخ التصفية بيوم جواب الشرط فإما أن ينفذ من له الخيار الصفقة، فيرفع عنه التعويض، أولا فينفذ التعويض، وتتضمن هذه العمليات ثلاثة عناصر مهمة هي السعر، ومقدار التعويض، وأجل التصفية وهي نوعان:

1-

العمليات الشرطية للمشتري، حيث يكون مخيرًا بين استلام الصكوك، وبين التخلي عن التعويض.

2-

العمليات الشرطية للبائع، حيث يحق له في يوم جواب الشرط تنفيذ الصفقة، أو التنازل عن تنفيذها مقابل دفع تعويض متفق عليه مسبقًا (2) .

وحكم هذا النوع مثل النوع السابق في أن العقد لم يتم من الناحية الشرعية، لأنه لم يتم فيه التسلم لا للثمن، ولا للمثمن، بل اشترط فيه تأخير الاثنين معًا، فلذلك لا يجوز. وسبب ذلك لا يعود إلى خيار الشرط لأن ذلك جائز، وإنما إلى عدم تحقق أركان العقد، إضافة إلى اشتراط التنازل عن جزء من المال دون أن يربط بضرر فعلي محقق، فهذا أيضًا لا يجوز.

(1) المراجع السابقة.

(2)

المراجع السابقة نفسها.

ص: 110

وذهب بعض الباحثين (1) . إلى جواز هذه العملية إذا كان الخيار فيها للمشتري، وشبهها ببيع العربون (2) الذي أجازه الحنابلة معتمدين على قضاء عمر (3) .

وبيع العربون مختلف فيه ولم يقل بصحته جمهور الفقهاء (4) بناء على أنه من أكل أموال الناس بالباطل المنهي عنه بنصوص الآيات القرآنية: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] .

واعتمادًا على نصّ خاص صريح بهذا الصدد وهو ((أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربان)) (5) إضافة إلى ما فيه من غرر، لأنه بمنزلة الخيار المجهول (6) .

ومع قطع النظر عن هذا الخلاف الجاري في بيع العربان، فإن مسألتنا هذه تختلف عنه كثيرًا حيث قد يتم في بيع العربون تسليم المبيع، وجزء من الثمن بينما لا يتم في هذا النوع أي تسلم للمعقود عليه لا الثمن ولا المثمن إلَّا في فترة يتفق عليها المتعاقدان، ومن هنا فلا يدخل في بيع العربون، بل أعتقد أن قياسه عليه قياس مع الفارق، ناهيك عن هذا النوع من البيوع الآجلة قد يتم على معقود عليه لم يتحقق بعد، أما أن السوق (البورصة) لا تشترط وجود المعقود عليه أثناء العقد، وإنما المطلوب تحققه عند حلول المدة، أو دفع التعويض.

أما إذا كان الخيار للبائع فإنه لا يجوز لما سبق، حتى عند الباحث السابق لكنه ذكر أن السبب يعود إلى أنه حينئذ يدخل في صفقتين في صفقة واحدة (7) .

(1) د. محمد عبد الغفار بحثه السابق.

(2)

بيع العربون، أو العربان هو أن يشتري الرجل شيئًا بمبلغ معين فيعطيه جزءًا منه (مثل دينار) عربونًا، ويقول: إن أخذته، وإلَاّ فالدينار – مثلًا – لك. انظر: سنن ابن ماجه: 2/739؛ والمغني: 4/256.

(3)

المغني، لابن قدامة: 4/256.

(4)

يراجع: الفتاوى الهندية: 3/133 وما بعده؛ وشرح الخرشي: 5/78؛ وحاشية الجمل على المنهج: 3/72؛ والمغني، لابن قدامة: 4/256 – 257.

(5)

الحديث رواه أبو داود في سننه، كتاب البيوع: 9/398 –400؛ وابن ماجه في سننه: 2/738؛ ومالك في الموطأ: ص377.

(6)

يراجع لتفصيل أدلة الفريقين: المغني، لابن قدامة: 4/256 – 257؛ والمصادر الفقهية السابقة.

(7)

المرجع السابق: ص33.

ص: 111

(ج) البيع مع خيار الزيادة للمشتري أو البائع:

حيث يكون لمن له الخيار الاستزادة عند حلول الأجل المتفق عليه، فإذا كان الخيار للمشتري يحق له طلب تسلم ضعف الأوراق المشتراة أو أكثر، لكن الشراء يعتبر باتا في الكمية المتفق عليها مسبقًا، واختياريًّا في الزائد، وتكون أسعارها الفعلية أكثر من أسعارها في السوق الباتة، وكذلك الأمر بالنسبة لو كان الخيار للبائع، حيث يسلمه المشتري كمية من المتفق عليه، وبسعر أكثر من سعرها في السوق الباتة، وكذلك فالكل يوازن بين الأسعار الباتة، والأسعار الآجلة بشرط الزيادة، وأسعار السوق في موعد التصفية محاولًا الحصول على أكبر قدر ممكن من الربح، والتفادي من الوقوع في خسارة (1) .

فحكم هذا النوع إضافة إلى عدم توفر أركان العقد فإنه يتضمن نوعًا من المغامرة التي تسمى في أعراف البورصة بالمضاربة، وذلك لأن من له حق الخيار على الزيادة، كما يرى، بالإضافة إلى أنه يتضمن في ظاهره بيعًا متضمنًا بوعد، بل يتضمن بيعًا آخر فيكون داخلًا في النهي عن صفقتين في صفقة واحدة (2) .

(د) العمليات الآجلة بشرط الانتقاء:

وذلك بأن يكون للبائع والمشتري حق الاختيار بين سعرين، حيث يكون لهما الحق في إبرام الصفقة في موعد التصفية بأي من السعرين، وذلك لأن المتعاملين في سوق الأوراق المالية يفتقدون حدوث تغير كبير من أسعارها صعودًا أم هبوطًا بينما يعتقد بائعو هذه الأوراق عدم طروء أي تغيير يذكر (3) .

فهذه العملية بهذه الصورة لا تعتبر بيعًا في نظر الشريعة الغراء وذلك لأن من الشروط الأساسية له تحديد الثمن، إضافة إلى عدم تحقق أركان العقد، بل واشتراط تأجيل الثمن المخير والمثمن، ولا أرى لها وجهًا شرعيًّا لجوازها وصحتها.

(1) المراجع السابقة.

(2)

رواه أحمد في مسنده: 1/398.

(3)

عمل شركات الاستثمار: ص129؛ والمراجع السابقة الأخرى.

ص: 112

(هـ) المرابحة والوضعية:

هما في الفقه الإسلامي معروفان، إذ المرابحة بيع السلعة بعد تملكها إلى شخص آخر مع إضافة نسبة من الربح، والوضعية تعني بيعها مع خصم نسبة معلومة من ثمنها الذي اشتريت به (1) بينما المرابحة في (البورصة) تعنى طلب تأجيل موعد تسوية الصفقة حتى موعد التصفية اللاحق، وذلك يحدث عندما يشعر المتعاملون في السوق بأنهم لن يستطيعوا تنفيذ الصفقة التي عقدوها نظرًا لتطور الأسعار خلافًا لتقديراتهم فيلجأون إلى المرابحة، والوضعية.

فلنضرب لذلك مثالًا لتوضيح هذه العملية وهو أن زيدًا – مثلًا – اشترى في 1/1/1990 مائة سهم من شركة (جنرال موتور) بسعر مائة دولار للسهم الواحد مضاربًا على ارتفاع الأسعار حتى موعد التصفية القادم في 1/1/1991، وعندما يحين هذا الموعد يكون أمامه أحد احتمالين:

الاحتمال الأول: ارتفاع الاسعار حسب تقديرات المشتري، كأن يبلغ سعر الورقة المالية (السهم) 120 دولار، وحنيئذ يعمد المشتري إلى تنفيذ الصفقة، لأن ربحه فيها ألفا دولار.

الاحتمال الثاني: انخفاض الأسعار خلافًا لتقديرات المشتري، كأن ينخفض سعر السهم وقت التصفية (في المثال السابق) بنسبة 25 % - مثلًا – أي أنه يخسر 2500 دولار، وحينئذ يقرر المشتري تأجيل موعد التصفية إلى موعد آخر على أمل تحسن سعر الورقة المالية المعنية، لكنه يبحث عن ممول يخرجه من ورطته مقابل زيادة، فيسمى هذا العمل بالمرابحة، حيث يقبل الممول شراء الأسهم شراء باتًّا في موعد التصفية ويبيعها له ثانية بيعًا مؤجّلًا حى موعد التصفية المقبل، وذلك لقاء فائدة يدفعها المشتري للممول تسمى فائدة التأجيل، أو المرابحة، وتتم هذه العملية بناء على سعر للأوراق المالية تقدره لجنة السوق (2) .

(1) يراجع في تفصيل ذلك كتاب الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي في المرابحة، طبعة دار القلم الكويت.

(2)

عمل شركات الاستثمار: ص137؛ ود. محمد عبد الغفار؛ والمراجع السابقة.

ص: 113

فعدم شرعية هذه العمليات واضحة، فلم يتوفر فيها أركان البيع، ولا البت فيها، إضافة إلى أنها عملية قريبة من بيع " العينة " فهذه الزيادة في الواقع بمثابة قرض ربوي مقابل التأجيل (1) .

وأما الوضعية في البورصة فتعني أن البائع حينما يعرف بأنه سيخسر خسارة كبيرة حيث الأسعار قد ارتفعت، يطلب تأجيل تنفيذ الصفقة بالوضيعة، وحينئذ ينبغي عليه أن يجد متعاملًا يتملك النوع المطلوب من الأوراق المالية، فيشتريها منه، ثم يبيعها له مرة أخرى على أساس موعد التصفية التالي.

فهذه العملية أيضًا مثل سابقتها في عدم الصحة والجواز، وهي بمثابة إعارة الأوراق لقاء فائدة ربوية، أو قرض ربوي (2) .

(ز) العمليات المركبة:

وهي العمليات التي تتركب من أكثر من نوع كالآتي:

1-

شراء عاجل مقابل بيع بشرط التعويض (الخيار للمشتري) .

2-

شراء بات مقابل بيع بشرط التعويض.

3-

شراء بشرط التعويض مقابل بيع بات.

4-

شراء بشرط التعويض مقابل بيع بشرط التعويض (3) .

فحكم هذا العمليات المركبة عدم الصحة والجواز لما ذكرنا، إضافة إلى اشتمالها على صفقتين في صفقة واحدة، وهذا منهي عنه كما سبق.

(1) د. علي السالوس: المرجع السابق: ص214.

(2)

المراجع السابقة جميعها.

(3)

المراجع السابقة أنفسها.

ص: 114

ثانيًا – كيفية البيع والشراء من حيث الدفع في البورصة:

1-

الشراء بكامل الثمن: حيث يدفع المستثمر كامل قيمة الأوراق المالية التي يشتريها من البائع.

وهذا النوع ليس كثيرا في الأسواق المالية؛ إذ الغالب عليها التأجيل، فالذي يجري في أكثر تلك الأسواق هو أن يفتح المستثمر حسابًا مع السمسار شبيه بالحساب المصرفي (أي مثل الحساب الجاري في البنك) يودع فيه المستثمر القدر الذي يرغب في أن يستخدمه السمسار للشراء لصالحه، ويودع فيه السمسار ما يتحقق للمستثمر من أرباح أسهم أو فوائد سندات، أو أثمان بيع.. ويستطيع صاحبه أن يسحب منه النقود متى شاء، كما للسمسار هذا الحق لشراء الأوراق المالية باسم العميل، كما يفتح له حسابًا آخر يمكن للمستثمر أن يحصل منه على قرض أتوماتيكي شبيه بالسحب على المكشوف في البنوك (1) . وحكم هذا النوع إذا كان الشراء بكامل الثمن، وكان محل العقد حلالا – أي حسب الضوابط الشرعية السابقة – فإن العقد صحيح، لكنه إذا كان المثمن موجودًا فإنه بيع صحيح، وإذا كان موضوعًا في الذمة بالمواصفات المطلوبة في عقد السلم، فإن سلم صحيح، وإذا كان محل العقد النقود فإنه يجب التسلم والتسليم في مجلس العقد، حسب قواعد الصرف – وما يعد اليوم قبضًا أم لا - (2) .

وأما إذا كان الثمن غير كامل فإن كان المبيع حلالًا ولم يكن من الصرف والطعام، ولم يكن فيه شرط تأجيله فإن العقد صحيح، أما الأموال الربوية فلا بد فيها من القبض، والسلم لا بد فيه من تسليم الثمن بالكامل خلال المجلس، أو ثلاثة أيام عند المالكية – كما سبق -.

(1) د. محمد القري بن عيد: بحثه في الأسواق المالية.

(2)

يراجع: د. علي القرة داغي: بحثه عن القبض وصوره المعاصرة، المقدم إلى مجمع الفقه الموقر في دورته السادسة.

ص: 115

2-

الشراء بجزء من الثمن، أو الشراء بالهامش، حيث يدفع المشتري جزءًا من الثمن، ويستدين الباقي من السمسار الذي يكون دوره مقترضًا من المصارف، وتخضع نسبة القرض من مجمل القيمة لقوانين صارمة، ويتغير تبعًا للظروف الاقتصادية، حيث تشترط السلطات المالية أحيانًا هامشًا كبيرًا عند ما ترغب في تقليل المضاربات المحمومة في السوق، قد يزيد في الولايات المتحدة الأمريكية عن 60 % أي تبقى نسبة القرض 40 % تقريبًا، ولكن عندما ترغب السلطات المالية في زيادة نسبة التعامل فإنها تسمح بهامش أقل (أي النقد) ، لأنها تعطي بذلك الفرصة لمن لا تتوفر لديهم موارد مالية كبيرة بالدخول في السوق عن طريق الاقتراض، وأكثر ما تستخدم هذه الطريقة في شراء الأسهم (1) .

وهذه الطريقة لها مخاطرها الكبيرة، حيث يعتقد الكثيرون أن أحد أهم أسباب انهيار سوق البورصة عام 1929م هو التوسع في الشراء بجزء من الثمن، ولذلك شددت القوانين الأمريكية على الهامش الابتدائي (2) الذي يستخدم لأغراض المضاربات السريعة.

فمثلًا اشترى شخص مائة سهم (لإحدى الشركات) بخمسين دولارًا ودفع للسمسار ثلاثة آلاف فقط، واقترض منه الباقي 2000 دولار بفائدة وحينئذ يحتفظ السمسار بالأسهم رهنًا مقابل القرض، فالهامش الابتدائي هو 60 % ثم انخفضت أسعارها فأصبحت 40 دولارًا للسهم الواحد أي صارت القيمة 4000، ونسبة السمسار ارتفعت إلى 50 % والهامش 50 % فإذا استمرت في الانخفاض سارع السمسار لبيعها ضمانًا لقرضه.

فهذه الصورة بهذا الواقع الربوي لا تقبلها الشريعة الغراء إذ مخالفتها لها واضحة جدًّا، ولكن لها بديل من خلال بيع الآجل ونحوه.

(1) د. محمد القري، بحثه السابق.

(2)

الهامش الابتدائي يتعلق بالقرض لشراء الأسهم في اليوم الأول فقط، والهامش الاستمراري يتعلق بالقرض لما بعد اليوم الأول. المرجع السابق نفسه.

ص: 116

3-

البيع القصير، والبيع الطويل: يستعمل في أسواق البورصة استخدام لفظ " طويل " و " قصير " كثيرًا وليس المراد به الطول، أو القصر من حيث الزمن وإنما له علاقة بالهدف من الاستثمار (1) .

فالمراد بالطول: شراء الأسهم والاحتفاظ بها للحصول على الربح، أو بيعها للحصول على الزيادة في أسعارها.

وأما القصير فيتعلق بالمغامرة على انخفاض أسعارها، وذلك بأن يتوقع شخص أن أسعار إحدى الشركات سوف تنخفض، فيعمد إلى عملية بيع قصير عن طريق اقتراض عدد من أسهمها من سمسار يحتفظ بهذه الأسم لضمان السداد، ثم يبيعها المقترض بالسعر السائد، ثم يعيد شراءها عند انخفاض الأسعار، ثم يقوم بتسديد القرض أي يرجع الأسهم إلى صاحبها، ويحتفظ لنفسه بالفرق الذي تحقق له من خلال هذه العمليات التي تتم من خلال سماسرة متخصصين (2) .

فالمستثمر يستفيد من الفرق بين السعرين، والسمسار حقق عائدًا من استخدام النقود وحصل على أرباح الأسهم التي توزعها الشركة المصدرة للأسهم في هذه الفترة كما في القوانين الأمريكية، إضافة إلى حصوله على مقابل خدماته الإدارية.

وهذا القرض (أي اقتراض الأسهم) قرض حال، وغير محدد بمدة زمنية، حيث يستطيع المستثمر إعادة الأسهم في أي وقت يشاء، كذلك يستطيع السمسار استرجاعها في أي وقت يريد، ولذلك قد يضطر المستثمر إلى اقتراضها من جهة أخرى إذا كان الوقت لم يحن بعد لإيقاف العملية.

والغرض الأساسي من عمليات البيع القصير هو استغلال توقعات المضارب بأن الأسعار سوف تنخفض، ولذلك إذا خابت توقعاته، وارتفعت الأسعار فإنه يخسر كثيرًا، ولذلك نجد أن بعض البورصات (كبورصة نيويورك) تمنع عمليات البيع القصير إذا كان اتجاه سهم الشركة الذي يجري تداوله نحو الانخفاض، لأن انتشار هذا النوع قد يؤدي إلى انهيار السوق (3) .

وحكم البيع الطويل إذا كان محله أسهمًا حلالًا الجواز، لكن حكم البيع القصير هو عدم الصحة والجواز، حيث أن فيه عدة مخالفات شرعية منها الفوائد، ومنها أن هذا العقد قائم على المغامرة، إضافة إلى عملية التسلم والتسليم – كما سبق -.

(1) د. محمد القري: بحثه السابق

(2)

المرجع السابق، ويراجع: د. معبد الجارحي: بحثه السابق: ص18 وما بعدها.

(3)

المرجع السابق.

ص: 117

التعامل بغير الأسهم والسندات في البورصة:

وذلك يشمل النقود المختلفة، والذهب والفضة، والطعام وغيرها من السلع.

(أ) فبخصوص النقود توجد عدة أسواق وأنواع لكيفية التعامل فيها نوجزها فيما يأتي:

أولًا: سوق الصرف العاجل: حيث يتم التعامل فيها عن طريق الشراء النقدي لمختلف العملات، وعن طريق التحويلات البرقية والبريدية والسفاتج (الحوالات) العاجلة (1) .

ومعظم التعامل في سوق الصرف يتم من خارجها، وبالتالي يتطلب دفع ثمن العملة الأجنبية، بالإضافة إلى تكلفة الإرسال (برقيًّا أو لاسلكيًّا) ويلاحظ أن العملة الأجنبية لا تصل إلى الطرف الآخر في الحال، بل يحتاج إلى بعض الوقت يطول أو يقصر حسب نوعية وسيلة الاتصال والإرسال، ومن هنا قد يستفيد من هذا المبلغ المصرف المرسل (2) .

وحكم هذا النوع أنه إذا كان شراء نقدًا فلا غبار عليه، لأن شرط التقابض " يدًا بيد " قد تحقق، وأما إذا كان عن طريق الحوالة الشيكية، فإن استلام الشيك بمثابة القبض، بل هو ائتمان في نظر الاقتصاديين (3) وتأصليه الفقهي معروف من خلال ما يسمى بالسفتجة التي كانت سائدة في عصر الصحابة والتابعين حتى أن عبد الله بن الزبير في مكة حينما يأتي إليه شخص ويعطيه نقودًا هو يسافر إلى العراق كان يعطيه سفتجه (ورقة بالحوالة) فيأخذ بها الدائن بقدر نقوده من أخي عبد الله: مصعب بالعراق (4) بالإضافة إلى حديث ابن عمر حيث قال: " كنت أبيع الإبل بالبقيع.. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة، فقلت يا رسول الله: رويدك أسألك: إني أبيع الإبل بالبقيع – بالباء: المقبرة المعروفة، وبالنون واد جنبها – فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء)) (5) .

(1) د. معبد الجارحي: بحثه السابق: ص12؛ والمراجع السابقة.

(2)

المراجع السابقة.

(3)

د. عبد المنعم محمد مبارك: النقود والصيرفة، طبعة الدار الجامعية: ص3؛ ود. علي السالوس استبدال النقود والعملات، طبعة فلاح: ص165 – 168؛ ود. علي القره داغي: القبض وصوره المعاصرة، السابق الإشارة إليه.

(4)

يراجع في تفصيل موضوع السفتجة: السنن الكبرى، للبيهقي: 5/352؛ والمغني؛ لابن قدامة: 4/354؛ وتهذيب الأسماء، للنووي: 2/49، حيث قال فيه:" السفتجة هي كتاب يكتبه المستقرض للمقرض إلى نائبه ببلد آخر ليعطيه ما اقترضه".

(5)

رواه أحمد في مسنده: 2/82، 154؛ وأبو داود في سننه – مع العون – كتاب البيع: 9/203؛ وابن ماجه في سننه بدون " سعر يومها " كتاب التجارات: 2/760 والنسائي، كتاب البيوع: 6/282.

ص: 118

وكذلك يعتبر أخذ الورق (الفاتورة) – الذي سجل فيه العقد ومقابله من العملة الأخرى، حيث يسجل فيه عادة السعر، ويثبت فيه المقابل – بمثابة القبض.

فهذه التحويلات سواء أكانت عن طريق الخطاب العادي، أو البرق أو التلكس، أو الفاكس تكيف على أساس " السفتجة " التي قال بها جماعة من الفقهاء (1) .

ويمكن تخريجها كذلك على أساس الصرف والوكالة، حيث أن البنك يقوم بعملية صرف العملة إلى العملة التي يريد العميل تحويلها إلى الجهة المطلوبة، ثم يصبح المصرف وكيلًا لتحويلها إليها وإعطاء الأمر بتسليم المبلغ إلى الشخص الآخر، أو الجهة المطلوبة (2) .

ومن هنا يحق للبنك أن يأخذ أجرة (عمولة) على التحويل، إذ الوكيل له الحق أن يأخذ الأجر – كما هو معروف في الفقه - (3) .

وأما الشيكات سواء كانت مصرفية، أم سياحية فإنها عند الاقتصاديين نقود كما سبق، أو بمثابة النقود، ومن هنا يتم العقد.

(1) يراجع: حاشية ابن عابدين: 5/340؛ وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 3/325؛ والأم: 3/30؛ والمغني، لابن قدامة: 4/354.

(2)

د. عبد الله عبد الرحيم العبادي: موقف الشريعة من المصارف الإسلامية، طبعة المكتبة العصرية: ص334.

(3)

قال ابن قدامة في المغني: " ويجوز التوكيل بجعل وغير جعل "، ثم ذكر الأدلة على ذلك: (4/94 -

) ، ويراجع: عقد الوكالة، لمحمد رضا العاني، طبعة مطبعة العاني ببغداد: ص242.

ص: 119

ثانيًا: سوق الصرف الآجل: تعتمد سوق الصرف الآجل على نوعين هما:

1-

تبادل سفاتج الصرف الآجلة، أي الحوالات الآجلة التي تتضمن أمرًا من طرف أول (ساحب) إلى طرف ثان (مسحوب عليه) ليدفع مبلغًا من العملة الأجنبية إلى طرف ثالث في تاريخ معين.

وتستعمل هذه السفاتج كوسيلة لتمويل التجارة الخارجية، إذ يمكن للمصدر أن يسحب سفتجة على المستورد بقيمة البضاعة، وبعملة بلد المستورد قابلة للدفع في تاريخ معين، ويقدمها للمستورد الذي يوقعها بالقبول محددًا المصرف الذي تصرف الحوالة لديه وحينئذ يحتفظ المصدر بالحوالة إلى أن يحين أجلها، أو يودعها لدى مصرفه لتحصيلها في وقتها (1) .

وهذه السفاتج تتميز بأن تظهيرها من جانب الطرف الثالث يجعلها تلقائيًّا قابلة للبيع، وتقبل الدفع بعد مرور 30 يومًا أو 120 يومًا، ويختلف سعر الصرف عليها بما يساوي معدل الفائدة السائد في بلد الطرف الأول (2) .

وحكم هذا النوع واضح حيث لا يجوز التعامل فيه لوجود ربا النسيئة وربا الفضل، وهو ما يؤخذ من الفوائد على التأخير، وعدم تحقق القبض الشرعي حيث يشترط بالنصّ والإجماع تحقق المماثلة واليد باليد (أي القبض الشرعي في المحلين) عند اتحاد الجنس، ووجوب القبض يدًا بيد عند اختلافه (3) .

2-

العقود المؤجلة وهي شراء أو بيع عقد ينص على تسليم كمية محددة من العملة بسعر صرف متفق عليه سلفًا، حيث يتم دفع كل من الثمن وتسليم العملة في تاريخ مؤجل محدد.

وتستخدم سوق العقود كثيرًا من قبل المصارف لإجراء الصفقات الوقائية خوفًا من تقلب الأسعار، ولتغطية أرصدتها المستقبلية من العملات المطلوبة في حينها، حيث تستخدم جزءًا من القروض في شراء تلك العملة التي يجب عليها تسليمها في الوقت اللاحق شراءً منجزًا ثم يقرضونها بالخارج إلى موعد تسليمها بفائدة، أو بالعكس (4) .

والخلاصة أن النقود لا يجوز بيعها وشراؤها إلَّا يدًا بيد، ومن هنا فهذه العملية غير جائزة شرعًا إطلاقًا لما تشتمل من ربا الفضل والنسيئة.

ثالثاً- سوق النقد الآجل للأجل القصير:

(1) د. معبد الجارحي: بحثه السابق: ص14؛ والمراجع السابقة.

(2)

المرجع السابق.

(3)

نص الحديث في ذلك هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تبيعوا الذهب بالذهب إلَّا سواء بسواء والفضة بالفضة إلَّا سواء بسواء، وفي رواية صحيحة أخرى بلفظ: الذهب بالذهب ربًا إلَّا هاء وهاء

، انظر لروايات الحديث في صحيح البخاري – مع الفتح -: 4/278 – 283؛ ومسلم: 3/1208 – 1212؛ وأحمد: 3/4، 5/49؛ وسنن ابن داود – مع العون -: 9/198 – 199؛ وابن ماجه: 2/757 – 758؛ والترمذي: 1/233؛ والنسائي: 7/240 – 245؛ والسنن الكبرى: 5/276 – 279؛ ونيل الأوطار: 6/340.

(4)

د. معبد الجارحي، بحثه: ص 14؛ والمراجع الاقتصادية السابقة.

ص: 120

وهي نوعان:

1-

سوق النقد للأجل القصير، حيث يتعامل فيها بالسندات الحكومية قصيرة الأجل، وقروض سماسرة الأوراق، والقبول المصرفي والأوراق التجارية، والأموال فيما بين المصارف وشهادات الوديعة الآجلة القابلة للتداول.

2-

سوق رأس المال، أو سوق الأوراق المالية (1) ، والقاعدة الفقهية في هذه المسألة هي أن التعامل في النقود وما في حكمها بالبيع والشراء (الصرف) لا يجوز إلَّا إذا تم القبض الشرعي (يدًا بيد) والتماثل في النقود المتحدة جنسًا، والقبض الشرعي فقط فيما لو اختلفت، مع مراعاة ما ذكرنا من أحكام الشيكات ونحوها.

(أ) وأما الحوالة في النقود، والقرض فيها فجائزان على ضوء القاعدة العامة للشريعة القاضية بعدم وجود الربا فيها.

(ب) أما الذهب والفضة والطعام فحكم التعامل فيه هو وجوب التماثل والقبض في المجلس (يدًا بيد) في جنس واحد، مثل الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والحنطة بالحنطة (2) .

(ج) وأما إذا اختلفت الأجناس فيشترط التقابض في المجلس، غير أنه يجوز بيع الطعام بالذهب أو الفضة أو النقود إلى أجل للحديث الصحيح الدال على ((أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى طعامًا من يهودي إلى أجل فرهنه درعه)) (3) .

(د) التعامل في غير الأنواع الثلاثة السابقة من السلع. فهذه يجوز التعامل فيها إذا توفرت الأركان والشروط الشرعية لكل عقد، ومن أهمها كون المعقود عليه حلالًا، وعدم اشتراط عدم تسليم الثمن والمثمن معًا.

وقد توسعت الشريعة فذكرت وأقرَّت أنواعًا كثيرة من العقود والمعاملات منها البيع، والسلم، والبيع بالأجل، والاستصناع ونحوها، كما أن ذكر هذه الأنواع الموجودة في الفقه الإسلامي ليس للحصر، فالأصل في العقود والتصرفات والشروط هو الإباحة (4) .

(هـ) وأما التعامل بالسلع في الأسواق المالية (البورصة) فيتم التعامل فيها على ضوء ما يأتي:

(1) المراجع السابقة.

(2)

والأحاديث في ذلك صحيحة وصريحة، انظر: المراجع الحديثية السابقة ويراجع، فتح الباري: 4/377 – 379؛ ويراجع في تفصيل القبض، بحثنا في القبض وصوره المعاصرة.

(3)

الحديث في صحيح البخاري – مع الفتح -: 4/399.

(4)

وقد ذكرنا الدليل على رجحان هذا الأصل عند الجمهور في رسالتنا: مبدأ الرضا في العقود، طبعة دار البشائر ببيروت: 2/1148 وما بعدها.

ص: 121

أولاً- سوق السلع الحاضرة: حيث يتم التعامل فيها بكميات محددة، وبمواعيد وشروط تسليم معينة، وليس للسوق أنماط معينة لا يجوز تجاوزها، وإنما يعود الأمر في العقود الجارية فيها إلى الشروط المتفق عليها بين المشتري، أو البائع، والسوق وحسبما يحقق مصلحة العاقد (1) .

ومن أساليب التعامل الشائعة: الشراء على العقد، وهو أن يتعاقد المشتري على شراء حاجياته خلال فترة معينة وفقًا لجدول تسليم معين طبقًا للأسعار السائدة في أوقات التسليم.

وقد وضعت السوق بعض الضوابط العرفية وتفصيلات لكل نوع من أنواع التسليم، مثل التسليم بالمخازن، والتسليم مع التأمين والشحن، والتسليم على ظهر السفينة، والتسليم إلى جانب السفينة، فيختار المشتري من هذه الأنواع بشروطها مع ما يتناسب مع إمكانياته ومصلحته في نظره (2) .

ثانيًا – سوق العقود السلعية: التي يتم فيها تبادل السلع عن طريق عقود نمطية خاصة، تذكر فيها الشروط والمواصفات، ولا يختلف بعضها عن بعض إلَّا من حيث بيان الأسعار ومواعد التسليم المتفق عليهما، لذلك تتصف السلع التي يتم تداولها عن طريق هذه العقود بتجانس وحداتها، وقابليتها للتداول بكميات كبيرة، وللفرز، إضافة إلى عدم قابليتها للتقلبات السريعة، وللتلف نسبياً (3) .

وهذه العقود قد تكون ناجزة، وقد تكون مؤجلة، وفي حالة التأجيل ينص العقد على المكان والزمان اللذين يحددهما البائع، كما يودع كل من العاقدين نسبة معينة من قيمة المبيع كضمان لتنفيذ العقد، كما تحدد قواعد السوق فروق الجودة المستخدمة عند التسليم من خلال أسلوب الفروق الثابتة المحددة سلفًا من قبل السوق، أو أسلوب الفروق المتغيرة التي تحتسب على أساس الفروق بين متوسط الأسعار اليومية بمختلف درجات الجودة في السوق الحاضرة.

(1) د. معبد: المرجع السابق: ص22.

(2)

المرجع السابق.

(3)

د. معبد الجارحي: بحثه: ص23.

ص: 122

وإذا حلَّ زمن الاستلام فإن العقد ينتهي من خلال الطرق الثلاث:

1-

طريقة التبادل الفعلي بين البائع والمشتري.

2-

المقاصة التي تقوم بها بيوت المقاصة حيث تتداخل عند الحاجة في إنهاء عقود المتعاقدين مقابل عقود أخرى مثل أن يكون أحمد قد باع لمحمد قمحًا يكون تسليمه في شهر كذا، واشترى محمود قمحًا من حمد، فإن قيام حمد بتسليم القمح إلى محمد (بعد قبض الثمن من أحمد) قد أنهى العقدين معًا، وقد تقوم بيوت المقاصة من خلال حلولها محل المشترين والبائعين في التزاماتهم لتصفية العقود بعضها مقابل بعض.

3-

المصالحة عن طريق إدارة السوق في حالات خاصة، فتلجأ فيها إلى التحكيم لتحديد السعر العادل الذي يتصالح عليه (1) .

وحكم هذا النوع إن كان تسليم السلعة والثمن يتمّان دون اشتراط تأجيلهما معًا فإن هذا النوع صحيح إذا خلا من بقية المحرمات الشرعية، أما إذا كان فيه تأخير لأحدهما (السلعة، أو الثمن) فهذا أيضًا جائز بمواصفات وشروط السلم في حالة تأجيل السلعة، وشروط بيع الأجل في حالة تأجيل الثمن.

أما إذا كان فيه اشتراط تأجيل الثمن والمثمن فإن كان ذلك العقد قد صيغ على مواصفات عقد الاستصناع فهذا جائز، وإلَاّ فلا يجوز – كما سبق تفصيل هذه البدائل -.

(1) المرجع السابق نفسه، والمراجع السابقة.

ص: 123

سوق الاختيارات أو الخيارات:

الخيارات: جمع خيار، وهو في عرف الفقه الإسلامي عبارة عن حق العاقد في فسخ العقد أو إمضائه لظهور مسوغ شرعي، أو بمقتضى اتفاق عقدي، وهو يصل إلى ثلاثة وثلاثين نوعًا (1) . والاختيارات جمع اختيار، وهو يعني طلب خير الأمرين، والإصفاء والإيثار والانتقاء والتفضل هذا في اللغة، أما معناه في الاصطلاح الشرعي فقد عرفه الحنفية بأنه " القصد إلى أمر متردد بين الوجود والعدم داخل قدرة الفاعل بترجيح أحد الأمرين على الآخر "(2)، ولخص هذا التعريف ابن عابدين بقوله:" الاختيار هو: القصد إلى الشيء وإرادته"(3) ، وعرفه الجمهور بأنه " القصد إلى الفعل وتفضيله على غيره بمحض إرادته "(4) .

أما الاختيار – أو الخيار – في عرف الاقتصاد المعاصر، وفي الأسواق المالية فيراد به: حق شراء، أو بيع سلعة ما في تاريخ محدد بسعر متفق عليه سلفًا، ولا يترتب على مشتري الخيار التزام بيع، أو شراء وإنما مجرد حق يستطيع أن يمارسه، أو يتركه، ويصبح المضارب (المجازف) مالكًا للخيار بمجرد دفع قيمته، فالاختيار اتفاق بين طرفين يتعهد بموجبه الطرف الأول (البائع) أن يعطي الطرف الثاني (المشتري) الحق – وليس الإجبار – لشراء، أو لبيع أوراق مالية، أو سلع حسب شروط منصوص عليها في العقد (5) .

وقد تطورت أسواق الاختيارات تطورًا كبيرًا وأصبحت تشمل معظم السلع والأوراق المالية، ولا سيما بعد إنشاء سوق شيكاغو لتداول اختيارات الشراء على الأسهم سنة 1973م، كما تمَّ تأسيس أسواق مماثلة في أمريكا منذ سنة 1976م غير أنه منذ بداية الثمانينات تمَّ إدراج أنواع جديدة من الاختيارات تشمل الأسهم، وسندات الخزينة الأمريكية والأجنبية والسلع والبضائع، ومؤشرات قياس الأداء في أسواق الأسهم (6) .

لا تختلف الخيارات في أوروبا عما في أمريكا إلَّا في نقطة واحدة، وهي أن المشتري له الحق في أمريكا أن يمارس حقه خلال مدة الخيار قبل الساعة الثامنة مساء من آخر يوم فيه، بينما لا يجوز له أن يمارس حق خياره في الأسواق المالية الأوروبية إلَّا في آخر المدة المحددَّة أي في الساعات الأخيرة من تلك الفترة (7) .

(1) يراجع في تفصيل ذلك كتاب: الخيار وأثره في العقود، لأخينا الدكتور عبد الستار أبو غدة، ط. مطبعة مقهوي بالكويت 1985م، حيث فصَّل وأجاد.

(2)

كشف الأسرار: 4/383؛ وشرح التوضيح: 2/196.

(3)

حاشية ابن عابدين على الدر المختار: 4/507.

(4)

مواهب الجليل: 4/245؛ وشرح الخرشي: 5/9؛ وفتاوى السيوطي، مخطوطة الأزهر رقم 131، فقه شافعي ورقة 143؛ وتحفة المحتاج: 4/229؛ وشرح الكوكب المنير: 1/509؛ والمحلى، لابن حزم: 9/258.

(5)

د. محمد القري بن عيد: بحثه السابق؛ ود. محمد الحبيب الجراية: بحثه السابق.

(6)

المراجع السابقة.

(7)

د. محمد القري: بحثه السابق.

ص: 124

أنواع الاختيارات:

للاختيارات في الأسواق المالية أنواع كثيرة نذكر أهمها:

(أ) أنواع الاختيارات من حيث المصدر هي:

1-

الخيار الذي تمنحه الشركات لبعض العاملين لديها من كبار المدراء، حيث تمنحهم حق شراء عدد من أسهمها بسعر محدد سلفًا (أدنى من السعر السائد غالبًا) والهدف هو تشجيعهم على العمل المخلص الجاد لأن الأرباح تعود إليهم.

غير أن الشخص الذي منح له هذا الحق يقوم ببيع الاختيار فقط دون الأسهم (1) .

فحكم هذا النوع هو أن منح الشركات حق شراء ذلك وعد لا حرج فيه شرعًا، لكن المانع الشرعي يكمن في بيع الخيار وحده منفصلًا عن الأسهم، وهذا لا يجوز شرعًا لأن المعقود عليه حق محض دون أن يكون له وجود، إضافةً إلى أن نية المتعاقدين في هذه المسألة هي الاستفادة من فروق الأسعار وليس امتلاك الأسهم، ثم إن هذه الأسهم التي وعدت بها الشركة ستكون أسهمًا جديدة وليست قديمة، ولذلك لا يتوفر في نظر الشرع المعقود عليه، فيصبح بيع الخيار باطلًا لا يجوز.

2-

الاختيار الذي تبيعه الشركة لمستثمرين جدد، حيث يكون لهم حق شراء مجموعة من أسهمها بسعر محدد (أقل من السعر السائد) خلال مدة محددة، ثم يقوم هؤلاء، أو بعضهم ببيع هذا الحق الذي هو قابل للتداول، والشركة تصدر هذا النوع من الاختيارات لأغراض متعددة (2) .

وحكمه مثل السابق، يضاف إليه حرمة السندات التي غالبًا تصاحب هذه الخيارات (3) .

(1) مثال ذلك أن شركة دلتا أصدرت خيارات على أسهمها بسعر قدره عشرون ريالًا خلال مدة قدرها عشر سنوات، ثم تم بيع كل خيارات بسعر خمسة ريالات، فلو فرضنا أن السعر في نهاية هذه المدة يصل إلى 50 ريالًا فإن المشتري قد حقق أكثر من 100 % علمًا بأن أسعار تلك التعهدات ترتفع بنسبة أكبر من ارتفاع سعر السهم نفسه عندما يتجه إلى الارتفاع، وتنخفض أكثر عندما يتجه سعر السهم إلى الانخفاض فتكون خسارتها أكبر من خسارة الأسهم.

(2)

يراجع: د. محمد القري: المرجع السابق.

(3)

حيث تصدر الشركات كثيرًا من هذه الخيارات مصاحبة للسندات، فيقبل عليها المستثمرون لأجل هذه السندات ذات الفائدة، المرجع السابق.

ص: 125

3-

الاختيار الذي تصدره سلطة السوق المالية يعطي حامله الحق في شراء أو بيع عدد من الأسهم خلال فترة محددة، ثم يقوم ببيع هذا الحق، وكذلك الخيارات التي يصدرها السماسرة والمتعاملون في السوق التي تشكل أهم نشاطات أسواق البورصة في البيوع الآجلة في العصر الحاضر، وإذا جرى تداول هذا الخيارات في أسواق البورصة الرئيسية فإن عقودها نمطية متشابهة من جميع النواحي ما عدا السعر، حيث تحدد سلطة السوق مدة العقد ووقت انتهاء صلاحيته، وعدد الأسهم إذا كان الخيار لها.

والسوق تكون ضامنة لوفاء الأطراف بتعهداتهم، أو هي تحدد جهة متخصصة، ولذلك فلا حاجة إلى وجود علاقة مباشرة بين العاقدين، أما إذا جرى تداول هذه الخيارات خارج (البورصات) فإن شروط الخيارات التي تصدرها السوق تكون خاضعة للتفاوض (1) .

4-

الخيار الذي تمنحه الشركة لحاملي أسهمها لمدة شهر أو شهرين، وذلك من خلال إعطائهم حق الحصول على أسهم في إصدار جديد بسعر أقل عن السعر السائد، والهدف منه تشجيعهم على المزيد من التماسك، وخلق صعوبات أمام من يريد شراء حصة من الأسهم المتداولة.

(1) د. محمد القري: المرجع السابق نفسه.

ص: 126

(ب) أنواع الاختيارات باعتبار محلها:

أو اختيارات الأسهم، أو اختيارات السندات، أو اختيارات العملة الأجنبية، أو الاختيارات على المؤشر.

هذه الأنواع كلها واضحة ما عدا الأخيرين يحتاجان إلى شرح موجز وهما:

1-

الاختيارات على العملة الأجنبية، وهي تعني شهادة تصدرها الشركة تعطي صاحبها الحق في الحصول على مبلغ معين من عملة أجنبية بسعر محدد من العملة المحلية.

وهذه الفكرة بدأت في أوروبا منذ سنة 1986م، ثم انتشرت في أسواق المال بسبب تقلبات أسعار العملات الأجنبية، ومحاولة تغطيتها.

وهي نوعان: نوع بفئات كبيرة، ومدتها طويلة (كخمس سنوات وما فوق) ، وهذا النوع تصدره المؤسسات المالية المتخصصة.

والنوع الآخر تصدره الشركات غير المالية التي يؤدِّي تعاملها في الأسواق الأجنبية إلى دخولها في أسواق الصرف الدولية، فتقوم بإصدار هذه الخيارات وبيعها على العملاء، وغالب الذين يشترونها هم صغار العملاء الذين لا يستطيعون شراء النوع الأول (1) . مثل شركة التليفون والتلغراف الأمريكية التي أصدرت خيارات عملة أجنبية بقيمة ثلاثة ملايين دولار تعطي حاملها الحق في الحصول على 50 دولار بسعر

25، 158 ين ياباني للدولار، فإذا ارتفع سعر الصرف بين الين والدولار فإنه سيحقق أرباحًا بقدره (2) .

وحكم هذا النوع واضح في عدم جوازه، لأنه إن كان عقدًا فلا يجوز التعامل في النقود إلَّا يدًا بيد، وإن كان وعدًا فهو غير ملزم في نظر الشرع، وإذا ألزم به فلا يجوز في الصرف أبدًا.

(1) المرجع السابق.

(2)

المرجع السابق نفسه.

ص: 127

2-

الاختيارات على المؤشر، وهي عبارة عن نوع من الحظ والمجازفة (بل والمغامرة) فإذا كانت الاختيارات السابقة أدَّت إلى أنه لا داعي ابتداءً على امتلاك الأسهم أو السندات بل يكفي شراء وبيع الخيارات، فإن هذا النوع يعني أن المتعاملين في البورصة يعمدون إلى تصفية الخيار نقديًّا، فيدفع مصدر الخيار إلى المشتري الفرق بين السعر الجاري والسعر المتضمن في الخيار بدون الحاجة إلى بيع وشراء الأسهم ذاتها، أو السندات، فهذا النوع لا يتضمن ورقة مالية بعينها (أي سهم، أو سند شركة محددة) ولكنها تتضمن مؤشرًا، فمثلًا يعرف أنَّ مؤشرًا (ضمن المؤشرات الكثيرة المستخدمة في البورصة) يقيس التغير في سعر مائة شركة تتداول أسهمها في بورصة نيويورك (مثلًا) فعندما يصدر الخيار على المؤشر المذكور فإنه يتضمن تلك الأسهم للمائة (بدلًا من أسهم شركة واحدة) فهنا لا حاجة إلى قبض أو تسليم أي شيء، بل يكفي تصفية العقد نقديًّا عند انتهاء مدته معتمدين على اتجاه المؤشر، فإذا ارتفع، ربح من قامر على ارتفاعه، وخسر من قامر على الانخفاض.

يقول الدكتور محمد القري: " هذا العقد صورة من صور القمار الذي ينتشر في أسواق البورصة في زمننا الحاضر حتى صارت بعض الصحف المتخصصة تسمي المجتمع الأمريكي مثلًا " مجتمع صالة القمار " كناية عن هذه الظاهر، إن ما يدفعه المشتري يحصل مقابله على فرصة ربح تعتمد على الحظ والمخاطرة، ثم إن ما يتحصل عليه من عائد ليس له مصدر حقيقي

لكنه شبيه بالميسر يكسب الطرف الأول خسارة الطرف الثاني اعتمادًا على ما قامرا عليه " (1) .

ومن هنا فحكم هذا النوع واضح من حيث الحرمة، فقد حرم الله تعالى بنصوص قطعية الميسر، وأكل أموال الناس بالباطل.

(1) د. محمد القري: بحثه السابق.

ص: 128

(ج) أنواع الاختيارات باعتبار طبيعتها حيث هي ما يأتي:

1-

اختيارات غير مغطاة وهي عندما نتخذ الأوضاع الآتية، وهي شراء اختيار شراء، أو بيع، وبيع اختيار شراء، أو بيع.

2-

اختيارات مغطاة من خلال:

(أ) تكوين محفظة أوراق مالية متكونة من اختيارات من نفس النوع ولكن ذات تاريخ استحقاق مختلف، أو سعر ممارسة مختلف، ويسمى التغطية المنجزة من اختلاف الأسعار.

(ب) أو من خلال التحوط، وهو: تكوين محفظة أوراق مالية متكونة من اختيارات تخص نوعية معينة من الأسهم، ومن أسهم من نفس النوعية وذلك للتحوط من تذبذب الأسعار.

(ج) أو التغطية المركبة من اختيارات بيع واختيارات شراء تخص نفس الأسهم (1) .

ومن جانب آخر يمكن تقسيمها إلى ما يأتي:

1-

عقد اختيار الطلب ويسمى اختيار الاستدعاء، وهو خيار يصدره المتعاملون في السوق يخول مشتريه حق شراء، (وليس الالتزام بالشراء) عدد محدد من أسهم شركة، أو أي أوراق مالية معينة بسعر معين خلال فترة محددة تكون غالبًا 90 يومًا، يلتزم المصدر (أي البائع) بتقديم تلك الأوراق إلى المشتري عند طلبه خلال تلك المدة.

وعادة لا يشتري خيار الطلب إلَّا من يتوقع ارتفاع الأسعار، ولا يمارس حقه إلَّا في هذه الحالة ولا يشترط البائع أن يكون مالكًا – كما سبق – لكنه إذا كان مالكًا يسمى خيارًا مغطى وإلَّا يسمى خيارًا مكشوفًا (2) .

2-

اختيار الدفع ويسمى اختيار البيع أيضًا، وهو الذي يعطي حامله الحق في بيع (وليس الالتزام ببيع) عدد معين من الأسهم أو الأوراق المالية بسعر محدد خلال فترة محددة، للشخص الآخر الذي يجب عليه قبولها إذا مارس الأول هذا الحق، فمثلًا اشترى أحمد وثيقة خيار دفع يكون من حقه أن يبيع عدد الأسهم المتضمنة فيها عند سعر محدد خلال المدة التي يسري فيها الخيار، وعادة يمارس أحمد حقه هذا عند انخفاض أسعار أسهمه، حيث يريد حماية نفسه من الخسارة المتوقعة (3) .

3-

الاختيار المركب الذي يتضمن حقًا في الشراء، وحقًا بالبيع في الوقت نفسه، ثم قد يكون ممتدًا إذا كان متضمنًا سعرًا للشراء يزيد على سعر البيع، وحامل هذا الاختيار قد احتاط لنفسه في نظره من الجانبين فإذا وجد الأجدى له البيع مارسه، أو الشراء نفذه، وهكذا (4) .

(1) د. محمد الجراية: المرجع السابق.

(2)

د. محمد القري: المرجع السابق؛ ويراجع د. محمد الجراية المرجع السابق.

(3)

د. محمد القري: المرجع السابق؛ ويراجع د. محمد الجراية المرجع السابق.

(4)

المراجع السابقة.

ص: 129

الخُلَاصَة وَالحكم الفِقهي للاختيارات

ما ذكرناه هو ملخص في غاية من الإيجاز عن التعريف بالاختيارات وأنواعها، ولكنه يعطينا صورة واضحة من أن الفكرة الرئيسية التي تدور حولها أسواق المال (البورصة) هي كيفية تحقيق الأرباح سواءً كانت على حساب الغير، أم عن طريق الحظ والمجازفة والمقامرة أم لا.

فلم تنشأ هذه الأسواق نشأة إسلامية ولا أخلاقية، وإنما هي من نتاج الأفكار المالية الحرة التي لا تفكر إلَّا في كيفية تحصيل المال من أي طريق كان، وهذا لا يعني أننا نرفض كل هذه الأفكار، لأن الحكمة النافعة في شتى المجالات الحالية ضالة المؤمن فهو أحق بها أنّى وجدت، ولكن الذي نعنيه هو ضرورة البحث والتنقيب، والفحص الدقيق لهذه الأفكار حتى لا يبهرنا بريقها فننسحب وراءها بحجة (رفع الحرج) أو (الأصل في الأشياء الإباحية) لأن هذه القواعد كلها مقيدة بأن لا تصطدم بنصّ ثابت.

وبناءً على ما سبق فإن الاختيارات بصورتها الحالية لا ينطبق عليها ما هو مطلوب شرعًا من وجود المعقود عليه وجودًا حقيقيًّا أو موصوفًا في الذمة، ثم إن محل العقد في الاختيارات هو حق محض منفصل عن الأسهم أو الأوراق المالية التي يعطى على أساسها حق الاختيار، ولذلك أجازت السوق بيع الخيار وحده، بل هذا التداول هو الأكثر في الاختيارات ومثل هذا لا يجوز أن يكون معقودًا عليه في الفقه الإسلامي، كما أن هذه الاختيارات تقوم من حيث الغالب على المخاطرة والحظ والمقامرة، والربح على حساب الآخر، بحيث يكون ربح أحدهما على حساب خسارة الآخر، فمثل هذا يدخل في الميسر المحرم، وفي أكل أموال الناس بالباطل.

ص: 130

ونحن هنا نذكر ما يتعلق بهذه المسألة بشيء من التفصيل على ضوء ما يأتي:

أولًا – الفرق بين الخيار الشرعي واختيارات السوق أو خياراتها:

إذا وازنا بين الخيار في الفقه الإسلامي والاختيار في الأسواق المالية نجد أن بينهما فروقًا جوهرية من أهمها:

1-

أن الاختيار الذي يتعامل به الناس في أسواق المال هو عقد مستقل عن عقد البيع، حيث تتضمن الصيغة انفصال البيع عن الخيار فيكون للخيار ثمن وللسلعة أو السهم ثمن، فهو عقد منفصل مستقل يشتري فيه المستثمر حقًا يخوله البيع، أو الشراء (1) .

بينما الخيار في الفقه الإسلامي هو مجرد حق الفسخ بسبب مقتضٍ إرادي مشروط، أو بسبب آخر أثبته الشرع، فهو إذن ملحق وتبع للبيع نفسه، وليس حقًا مستقلًّا، كما أنه ليس له ثمن ولا يجوز بيعه إطلاقًا عند الفقهاء (2) .

2-

أن محل العقد في الخيار الشرعي موجود متحقق بينما المحل في الاختيار السوقي مجرد حق وليس الأسهم، أو السلعة، لأن للأسهم، أو السلعة عقدًا آخر هو عقد بيع وليس حقًّا، إضافةً إلى ما فيه من أمور مستقبلية.

3-

الأغلب أن يبيع الاختيار السوقي من لا يملك السلعة أو الأسهم التي تكون ملكًا لآخر، بينما الخيار الشرعي لا يباع أولًا كما أنه تبع للعقد الذي تم، ومتعلق به.

4-

الاختيارات يمكن أن تصل إلى سنوات بينما في خيار الشرط الشرعي محدد بفترة محددة (3) .

ولذلك لا ينبغي الخلط بين الخيار الشرعي، والاختيار السوقي فالأمران مختلفان من حيث الشكل والمضمون.

(1) د. محمد القري: المرجع السابق.

(2)

يراجع د. عبد الستار أبو غدة: المرجع السابق.

(3)

حيث حددها الجمهور بثلاثة أيام.

ص: 131

ثانيًا – ما يمكن أن يكون أصلًا لهذه الاختيارات:

ظهر مما سبق أن عقود الاختيارات تتضمن أمرين:

الأمر الأول: محل هذه الاختبارات، وهو تلك الأسهم، أو الأوراق المالية أو العملة الأجنبية، أو نحو ذلك.

الأمر الثاني: هو حق بيع الاختيار نفسه بثمن محدد في وقت لاحق. أما الأمر الأول فيتم من خلال عقد ببيع،، أو شراء أسهم، أو أوراق مالية، أو نحوها مما سبق في وقت محدد لاحق، وبسعر معين، ولكنه لا يتم فيه دفع الثمن ولا تسليم المثمن، حيث يتم الدفع في الوقت الذي يتفق عليه العاقدان في العقد، ويكون من له الخيار بالخيار.

فهل هذا العقد مثل السلم، أو البيع بأنواعه وبيع العربون، أم هو عقد جديد؟

1-

لا شك أن هذا العقد لا تنطبق عليه مواصفات السلم الذي هو بيع شيء موصوف في الذمة، ويشترط فيه تسليم الثمن في المجلس عند الجمهور، وفي حدود ثلاثة أيام عند المالكية – كما سبق – وذلك لأن هذا العقد الذي نتحدث عنه لا يتم فيه الدفع والتسليم إلَّا في مدة لاحقة مشروطة في العقد، كما أن المسلم فيه لا يجوز أن يكون نقودًا، وأثمانًا ومثله السندات.

2-

كذلك لا تنطبق عليه مواصفات البيع – بصورة عامة – وذلك لأنه لا يجوز بيع الأعيان إلى أجل، قال ابن رشد:" أجمعوا على أنه لا يجوز بيع الأعيان إلى أجل، ومن شرطها تسليم المبيع إلى المبتاع بإثر عقد الصفقة "(1) فلا يجوز في البيع قطعًا اشتراط تأخير الثمن، والمثمن معًا، وإن كان اشتراط تأخير أحدهما جائزًا كما في السلم، حيث يؤخر فيه تسليم المسلم فيه، وكما في بيع الأجل حيث يؤخر فيه تأجيل الثمن (2) .

(1) بداية المجتهد: 2/170.

(2)

ويراجع: حاشية ابن عابدين: 4/562؛ والشرح الصغير: 2/71؛ والغاية القصوى: 1/491؛ ومغنى المحتاج: 2/73؛ والمغني: 4/126؛ ويراجع: مصطلح البيع في الموسوعة الفقهية الكويتية.

ص: 132

3-

كذلك لا تطبق عليه مواصفات بيع العربون – بفتح العين والراء، أو بضم العين، وسكون الراء، والعُربان بالضم. فهو أن يشتري السلعة فيدفع إلى البائع جزءًا من الثمن على أنه إن أخذ السلعة احتسب به من الثمن، وإن لم يأخذها، فهو البائع (1) .

وقد اختلف الفقهاء في صحة هذا البيع حيث ذهب الجمهور – الحنفية، والمالكية، والشافعية، وأبو الخطاب من الحنابلة – إلى عدم صحته، بينما ذهب أحمد إلى صحته (2) .

ونحن هنا لسنا بصدد الأدلة والمناقشة والترجيح، وإنما الذي نذكره هنا هو أن الاختيارات لا تنطبق عليها مواصفات بيع العربون المختلف فيه، وذلك لأن العربون في بيع العربون جزء من الثمن، وأما في الخيارات فهو ثمن منفصل عن سعر الأسهم، فهو سعر للخيار نفسه، هذا إذا كان الخيار خيار الطلب حيث يوجد نوع من التشابه من حيث إنه يعطي مشتريه الحق في شراء عدد من الأسهم خلال فترة محددة شبيهة ببيع العربون من هذا الوجه فقط، وأما خيار الدفع الذي يكون لمشتريه حق بيع الأسهم فلا شبه بينه وبين بيع العربون إطلاقًا (3) إضافة إلى أن المعقود عليه موجود مسلم في العربون على عكس الاختيار.

4-

هل هو عقد جديد؟

نعم إنه نوع جديد لكنه ليس صحيحًا في نظرنا وإن كان الراجح هو أن الأصل في العقود والشروط الإباحة، وذلك لأن هذا العقد واقع على شيء مجرد ليس له حقيقة، لأن المعقود عليه هو حق الشراء، أو حق البيع من طرف والالتزام بالشراء أو البيع من الطرف الآخر، فعلى ضوء هذا فالمعقود عليه معدوم ليس له وجود حسي، فيكون أحد أركان العقد غير موجود فيكون العقد باطلًا، وذلك لأن العقد نفسه وارد في الاختيارات على هذا الحق وحده، وأما ما يتم تبادله فيما بعد من أسهم أو سندات، أو سلع

فإنه يأتي لاحقًا وليس له علاقة عضوية بعقد الاختيار نفسه، لأن كل واحد منهما مستقل بذاته، وله ثمنه الخاص (4) ومن جانب آخر أن هذا العقد مركب من صفقتين هما: حق البيع والشراء (أي الاختيار) ، والأسهم ونحوها، يمكن اعتباره واردًا على مال وعلى حق محض لا يمكن اعتباره مالًا في نظر الفقهاء (5) .

(1) المغني مع الشرح الكبير: 4/58.

(2)

يراجع: شرح الخرشي على مختصر خليل: 5/7؛ وتحفة المحتاج على المنهاج: 4/322؛ والمغني مع الشرح الكبير: 4/58؛ ونيل الأوطار: 5/154.

(3)

د. محمد القري: المرجع السابق.

(4)

المرجع السابق.

(5)

انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي.

ص: 133

الأمر الثاني: حق بيع الاختيار أو شراؤه، فكما رأينا أن هذا الحق يباع ويشتري في البورصة مستقلًّا عن الأسهم والسندات ونحوها، فهل ذلك جائز شرعًا؟

إن مسألة التصرف في الحقوق تحتاج إلى تفصيل، يمكن تلخيصه في أن الحقوق المحضة التي لا يمكن الانتفاع بها وحدها لا يجوز بيعها (1) فلا يجوز بيع مثلًا بالاتفاق، وحتى في باب الإرث، يقول الزركشي:" اعلم أن الحقوق لا تورث مجرد ابتداء، وإنما تورث تبعًا للأموال كما في الخيار ونحوه "(2) .

فالاختيارات هي حقوق محضة لا يمكن الانتفاع بها وحدها، ومحلها – أي الأسهم ونحوها – منفصل عنها حيث لكل واحد منهما سعره وثمنه، فلا يجوز إجراء العقد على هذا الحق المحض، ثم إن ما يدفع فيه باعتبار ما يتحقق من الأرباح المستقبلية لمحلها من الأسهم ونحوها، وهو أشبه ما يكون بالاعتماد على الحظوظ، والميسر، ولولا طبيعة البورصة القائمة على بعض المعاملات القريبة من المقامرة لما كان لحق اختيار الأسهم أو نحوه أي قيمة تذكر.

وقد دلت نصوص الفقهاء على أن الحقوق المجردة لا يجوز الاعتياض عنها يقول الحصكفى: " لا يجوز الاعتياض عن الحقوق المجردة كحق الشفعة

، ولا الصلح بمال مع المخيرة لتختاره، وكذا لو صالح أحد زوجته لتترك لم يلزم ولا شيء لها (3) .

(1) منشور في القواعد للزركشي، طبعة الكويت: 2/55.

(2)

المنشور في القواعد للزركشي، طبعة الكويت: 2/55، ويراجع د. عبد الستار أبو غدة: المرجع السابق: 1/317.

(3)

حاشية ابن عابدين: 4/14، طبعة دار إحياء التراث العربي بيروت.

ص: 134

والملاحظ أن الحقوق التي يجوز الاعتياض عنها هي الحقوق التي نتجت عن فعل سابق مثل حق القصاص الذي يجوز الاعتياض عنه بالدية، أو التي نتجت عن عقد سابق كعقد النكاح الذي يستمر، فيجوز أخذ العوض عنه عن طريق الخلع، أما الحقوق المجردة كحق الشفعة، وحق الحضانة، والولاية، والوكالة وحق المدعي في تحليف خصمه اليمين، وحق المرأة في قسم زوجها لها كما يقسم لضرتها فلا يجوز الاعتياض عنها، لأنها حقوق أثبتها الشرع لأصحابها لدفع الضرر عنهم

" وفي بعض تفصيل وخلاف (1) ومن هنا فحق الاختيار لا يدخل في هذا النوع الذي يجوز التعويض عنه، لأنه مختلف عنه تمام الاختلاف (2) ، هل هو مثل بدل الخلو؟

قد يتبادر إلى الذهن أن حق الاختيار وبيعه له شبه بما يؤخذ في بدل الخلو في الإيجارات، حيث أجاز بعض الفقهاء ذلك بضوابط شرعية (3) ووافق مجمع الفقه الإسلامي الموقر التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الرابعة بعض صوره، منها: " إذا تم الاتفاق بين المستأجر وبين المستأجر الجديد أثناء مدة الإجارة على التنازل عن بقية مدة العقد لقاء مبلغ زائد عن الأجرة الدورية فإن بدل الخلو هذا جائز شرعا

".

(1) د. وهبة الزحيلي: بحثه عن: بيع الاسم التجاري والترخيص، المقدم إلى مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة، وكذلك بحوث الأساتذة حول هذا الموضوع التي قدموها إلى الدورة السابقة، وهي بحوث: د. عبد السلام العبادي، وأ. د. يوسف محمود قاسم، ود. حسن عبد الله الأمين، والشيخ محمد تقي العثماني، ود. عجيل النشمي، وغيرهم.

(2)

د. محمد القري: المرجع السابق.

(3)

يراجع: حاشية ابن عابدين: 4/15، وتراجع بحوث الأساتذة: د. وهبة الزحيلي، ود. محمد سليمان الأشقر، وإبراهيم الدبو، ود. محيي الدين قادي، ومحمد علي تسخيري، حول بدل الخلو، المقدمة إلى مجمع الفقه في دورته الرابعة.

ص: 135

وجه التشابه بينهما هو أن الاختيارات بمثابة نوع من الامتياز لهذه الأسهم التي يكون لصاحب الخيار بيعها، أو شراؤها بأقل من سعر السوق، فكأنه حق ثابت لصاحب الاختيار مثل حق الإجارة للمؤجر مع أن العين المستأجر شيء آخر كما أن الأسهم ونحوها شيء آخر مستقل.

غير أن التشابه لا يؤثر لوجود خلل في أصل العقد على عكس عقد الإجارة فهو صحيح، أما عقد المحل للاختيار نفسه فغير صحيح، - لما ذكرنا – إضافة إلى أن المستأجر إنما يتحقق له هذا الحق مقابل جهده الذي بذله في المحل التجاري أو نحوه، حتى صار محله معروفًا يرتاده الناس، وتحمل في سبيل ذلك زمنًا حيث كان المحل في بدايته مجهولًا يحتمل الخسارة، أما الآن وبعد زمن فأصبح معروفًا، أو أن المستأجر أساسًا دفع الخلو للمالك أو المستأجر سابق بينما حق الاختيار حق محض لا يعدو كونه حق الشراء – كما سبق – فلا يمكن قياسه على حق بدل الخلو. والله أعلم.

حكم اختيار العملة الأجنبية، والسندات:

سبق أن ذكرنا أن الاختيارات قد تكون للعملة الأجنبية، أو السندات.

فإذا كانت للعملة الأجنبية فإن من المتفق عليه أنه لا يجوز بيع العملات إلَّا مع تحقق شرطين عند اتحاد الجنس هما: التماثل، والقبض في المجلس، وتحقق شرط واحد عند اختلاف الجنس، وهو القبض في المجلس (1) .

وأما السندات التي تباع في البوصة (أو البنوك الربوية) فهي قروض بفوائد فلا يجوز التعامل بها وتداولها بأي تصرف أصلًا.

ومن جانب آخر قد تكون الأسهم لبنوك ربوية، أو لشركات تتعامل في المحرمات كالخمر والخنزير وحينئذٍ فلا يجوز تداولها لا بأصلها، ولا باختيارها.

وإذا سلمت الأسهم والسلع عن المحرمات فسيرد على اختياراتهما ما ذكرناه سابقًا.

(1) وهذا مدلول عليه بالحديث المتفق عليه، انظر: صحيح البخاري – مع الفتح -: 4/379 – 383؛ ومسلم 3/1208.

ص: 136

والخلاصة: أن الاختيارات بصورها الحالية في البورصات لا نجد لها مبررًا شرعيًّا، ولا تأصيلًا فقهيًّا، بل تصطدم بكثير من قواعد الشرع من حيث وجود المعقود عليه وجودًا حقيقيًّا، أو في الذمة ومن حيث تسليم واحد من الثمن أو المثمن – كما سبق – فهي في الحقيقة وسيلة من الوسائل التي تجذب بها السوق عملاءها من خلال الاعتماد على الحظ والمخاطرة والقمار، وذلك لأن المستثمر قد تكون نيته انتهاز فرصة سانحة له في نظره وتوقعه لحال السوق في المستقبل فيشتري حق الحصول على الأسهم، أو العملة، أو نحوهما، فقد يتحقق ما كان يصبو إليه فيربح ربحًا كثيرًا، وقد لا يتحقق فيخسر خسارة كبيرة، وقد تكون نية المستثمر حماية نفسه من خسارة متوقعة عن طريق إلقاء المخاطرة على طرف آخر وإلزامه بالشراء عند حصول الضرر بثمن يحميه من الخسارة التي نتجت عن انخفاض الأسعار، لذلك فالاختيارات لا تعتبر من العقود الصحيحة، بل هي باطلة في نظرنا لعدم وجود مال مخصوص يكون معقودًا عليه، جاء في البيان الختامي لندوة الأسواق المالية: " وواضح أن محل العقد هو التزام، أو تعهد مجرد

وسواء سمى التزامًا شخصيًّا يترتب عليه حق شخصي، أو قلنا: إنه حق مال كالدين فإنه لا يجوز العوض عنه، فمحل العقد أو الالتزام تعهد أو التزام من طرف يبيع، أو يشتري، وثمن من الطرف الآخر

وليس محل العقد (الشيء المبيع) هو الأوراق المالية التي تعهد أحد العاقدين بشرائها، أو بيعها وليس هناك عقد (إيجاب أو قبول) في وقت العقد على البيع أو الشراء وعلى فرض أن هناك عقدًا على هذا المحل فهو بيع (عقد تمليك) معلق على شرط

مضاف إلى زمن مستقبل " (1) .

(1) المراجعة السابقة، ويراجع: البيان الختامي والتوصيات لندوة الأسواق المالية من الوجهة الإسلامية؛ والمنعقدة بالرباط في 20 – 25 ربيع الآخر 1410هـ.

ص: 137

البدائل عن الاختيارات:

لا نجد بديلًا مطابقًا لصورها التي تتعامل بها (البورصة) ولكن يمكن الوصول إلى الأهداف والنتائج المشروعة للاختيارات من خلال ما يأتي:

1-

إجراء العقود بخيار الشرط (مع تحقق الشروط المطلوبة من وجود المعقود عليه ونحوه) ولا مانع من تمديد مدة خيارالشرط حسب العرف.

2-

عقد الاستصناع حيث يحل لنا مشكلة وجود المعقود عليه، وجهالة العمل، فيمكن أن ترتب عقود، وصكوك وشهادات خاصة بالاستصناع في المستقبل.

3-

عقد الجعالة أيضًا يمكن أن يعالج لنا كثيرًا من القضايا المستقبلية.

4-

عقد السلم، وبيع الأجل (بالتقسيط أو بدونه) يحلان مشكلة عدم وجود المسلم فيه في الأول، وتأجيله المشروط وعدم وجود (الثمن) وتأجيله في الثاني.

المستقبليات:

يراد بها عقود آجلة يؤجل فيها قبض المحل (سلع، أو أسهم أو سندات أو مؤشر) ويؤجل فيه أيضًا دفع الثمن ما عدا نسبة مئوية صغيرة (مثل10 %) لا تسلم إلى البائع، وإنما تحتفظ بها غرفة المقاصة في السوق ضمانًا للوفاء بالعقد.

وهذه العقود المستقبلية نمطية تصدر كأداة تتضمن كمية معينة من القمح.

مثلًا ذا صفة محددة تقبض في تاريخ محدد، أو عددًا من أسهم شركة بعينها، أو سندات محددة تسلم في تاريخ محدد، وتتم هذه العقود عن طريق وسيط، والتسليم قد يقع على السلعة المشتراة أولًا وقد يقع على غيرها مما هي من جنسها وأوصافها مما تجتمع لدى مركز الوساطة (غرفة المقاصة) أو السمسار، ويكون التفاوض بين العاقدين على سعرها، وتتغير النسبة التي تم قبضها من قبل الغرفة اعتمادًا على السعر، لأنه روى في تحديده أنه ضمان للوفاء بذلك السعر، ويتم تصفية جميع العمليات يوميًّا فيتضح الرابح والخاسر، وإذا سلم العاقد المعقود عليه في نفس التاريخ ينقضي التزامه (1) .

(1) البيان الختامي والتوصيات لندوة الأسواق المالية بالرباط، السابق؛ ود. محمد القري: بحثه السابق.

ص: 138

فهذه العقود المستقبلية نمطية وقابلة للتداول، فلا يحتاج العاقدان أن يتصل أحدهما بالآخر، وإنما يشتري كل منهما عقدًا نمطيًّا من سلطة السوق يتضمن تسليم كمية من السلعة في موعد لاحق محدد.

والباعث وراء هذه العقود هو الخوف من تذبذب الأسعار، وعدم القدرة على توقع أسعار المستقبل بشكل دقيق، إضافة إلى البحث عن إيجاد عملاء لصاحب السلعة، وضمان تصريف الكمية التي ينتجها، ولذلك فأكثر هذه العقود في السلع الزراعية.

الفرق بين المستقبليات والاختيارات:

تختلف المستقبليات عن الاختيارات في أن الثاني يدفع فيه المشتري سعرًا يعطيه الحق في شراء السلعة، أو الورقة المالية آجلًا، ثم يشتري الأسهم بالثمن الذي حدد سابقًا، وسعر الخيار هو الذي يتحدد في العرض والطلب وليس سعر السلعة ذاتها، بينما المستقبليات تتضمن بيعًا آجلًا، والسعر الذي يجري التفاوض عليه هو سعر السلعة ذاتها (1) .

أنواع المستقبليات:

هناك أنواع كثيرة من عقود المستقبليات وهي:

النوع الأول: عقود على السلع والأوراق المالية المختلفة، حيث لا يتطلب الأمر أكثر من أن يكون البائع قادرًا على الوفاء بالتزاماته، ولا يحتاج إلى إثبات ملكية الأصل، إذ المطلوب منه بموجب العقد أن يسلم المعقود عليه في التاريخ المحدد دون الحاجة إلى إثبات ملكيته للأصل، حيث لا يشترط أن يكون مالكًا له عند العقد (2) .

(1) د. محمد القري: بحثه السابق، والمراجع السابقة

(2)

المراجع السابقة.

ص: 139

حكم هذا النوع: تبين لنا من خلال العرض السابق أن هذا العقد يشترط فيه تأجيل الثمن والمثمن، وحتى النسبة 10 % التي تسلم هي في الواقع ضمان لتغطية الخسارة المحتملة في حال تخلف أي منهما عن الوفاء.

ولذلك فإن هذه العقود وإن كان لها شبه بالسلم من حيث إنها تصف محل البيع وصفًا دقيقًا، وتحدد لتسليمه موعدًا محددًا لاحقًا، لكن السلم بإجماع الفقهاء لا يجوز تأخير ثمنه عن ثلاثة أيام، بل الجمهور اشترطوا تسليمه في المجلس، والمالكية وحدهم أجازوا تأخيره إلى ثلاثة أيام – كما سبق – فالشريعة الإسلامية لا تجيز التبادل إلَّا إذا تضمنت الصفقة قبض أحد العوضين على الأقل، ولذلك حكم البيان الختامي لندوة الأسواق المالية (بالمغرب) بأن هذه العقود باطلة، كما أنه لا يجوز إجراء أي تصرف آخر عليها.

البدائل:

أعتقد أن البديل عن هذه المعاملة هو السلم بشروطه الشرعية وكذلك الاستصناع في السلع المصنعة، بل إن الأخير فيه مرونة أكثر من حيث تسليم العوضين، وذلك بأن توضع عقود نمطية خاصة بالسلع المصنعة، فيتفق التاجر مع المصنع عن طريق الوسيط لصنع الكمية المطلوبة، ويذكر في العقد المواصفات المطلوبة، والزمن والثمن، وحينئذٍ لا تحتاج إلى تسليم الثمن والمثمن عند العقد.

وكذلك يمكن أن نستفيد من عقد الجعالة، بأن يجعل فيه الشروط والمواصفات، ويصاغ العقد على شكل " الجعالة " بأن ينص فيه:" من أتى بكمية كذا من السلع الصناعية (كذا) في زمن (كذا) فإنه يعطى له مقابل كل طن (مثلًا) مبلغ كذا ".

ص: 140

النوع الثاني – مستقبليات المؤشر:

وهذا النوع بدأ التعامل به منذ فبراير 1982 في بورصة مدينة كنساس سيتي الأميريكية، حيث بدأت بإبرام عقود البيع الآجل على الأسهم المتضمنة في مؤشر (Value line) والذي يتضمن أسهم 1700 شركة.

فهذه العقود لا تتضمن القبض والتسليم لأي شيء سوى دفع المؤشر إلى الآخر، وذلك لأن المؤشر أمر مجرد مثل درجة الحرارة، وإنما المقصود به هو التسوية النقدية بين الحالين عند أول العقد، وعند نهايته (1) .

وحكم هذا النوع واضح، وهو عدم الصحة والجواز، إذ لا يوجد المال المعقود عليه، وإنما كما يقول الدكتور محمد القري: " إن هدف المقامرة هو المحرك الأساسي لمثل هذه المعاملات، لذلك نجد أن توسعًا كبيرًا قد حصل في مستقبليات المؤشر حتى أنها أصبحت تشمل المتاجرة على مؤشر تكاليف المعيشة

" (2) .

النوع الثالث – مستقبليات العملات الأجنبية: حيث يتم من خلال التعاقد على تسليم قدر معين من عملة أجنبية ما في تاريخ لاحق محدد ثم يصبح بعد ذلك قابلًا للتداول، ومحققًا لعائد أو خسارة على حامله، وحكم هذا النوع أيضًا عدم الجواز، وذلك لأن التعامل في النقود (الصرف) يشترط فيه التماثل والتقابض في المجلس عند اتحاد الجنس، والتقابض في المجلس عند اختلافه، وفي هذا النوع اشترط فيه التأخير فلا يجوز – كما سبق -.

النوع الرابع – الخيارات على المستقبليات (3) .: حيث يجمع فيها الأمران، فيكون الحكم بعدم الصحة والجواز أوضح، وذلك أن هذه الاختيارات تتجه نحو الخيار على عقد البيع الآجل، وليس على السلعة، فهذا النوع يجري فيه تركيب العقود على العقود، حتى لا يظهر منه إلَّا جانب القمار، ولذلك فالحكم بعدم جوازه واضح. والله أعلم.

(1) د. محمد القري: بحثه السابق.

(2)

بحثه السابق.

(3)

يراجع المراجع السابقة في هذا الموضوع.

ص: 141

بيع الديون وتداولها في أسواق المال:

انتشرت في أسواق المال 1968 فكرة تداول الديون، ولا سيما الديون الطويلة الأجل وقليلة السيولة، وذلك من خلال بيعها إلى مالك جديد يقوم بعد شرائها بقبض أقساط التسديد والفوائد المترتبة عليها، وقد أمكن عن طريق تداولها تحويل هذه الديون إلى أصول سائلة.

وفي جميع الحالات تجعل هذه الديون على شكل عقود نمطية حيث يصدرها الدائن مع فوائدها على شكل أدوات قابلة للتداول، وموزعة على مجموعات متشابهة في مقدار المخاطرة، وتواريخ استحقاقها، ومعدلات الفوائد (1) .

الحكم الشرعي لهذا النوع والبديل:

إن الحكم الشرعي لهذا النوع بصورته المالية المتضمنة للفوائد هو الحرمة، لوجود الربا فيه، وليس لأنه من باب بيع الدين بالدين، لأن هذا العقد يتضمن بيع الدين بالنقد وليس بالدين – كما سبق -.

البديل عنه:

إذا جردنا هذا النوع من الفوائد والمحظورات الشرعية، فيمكن أن يحل بعض صيغة الحوالة التي تعني نقل الدين من مدين إلى مدين آخر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إذا أحيل أحدكم على مليئ فليحتل)) (2) . ولكن الحوالة – كما لا يخفى – تقتضي نقل الدين من مدين إلى آخر (3) . وهذا العقد عبارة عن بيع من الدائن لآخر غير مدين، كما أنه يعاد بيعه في أكثر الأحوال ويتعامل معه كسلعة في السوق، ولذلك لا يمكن قياسه على الحوالة، وهل هو عقد جديد؟

(1) د. محمد القري: بحثه السابق.

(2)

الحديث متفق عليه، وله روايات وطرق كثيرة، انظر: صحيح البخاري – مع الفتح -: 4/464؛ ومسلم: 3/1197؛ وسنن أبي داود – مع العون: 9/195؛ والترمذي – مع التحفة: 4/535؛ وابن ماجه: 2/803؛ والسنن الكبرى: 6/70؛ والنسائي: 7/278؛ ومسند أحمد: 2/463؛ والأم: 3/203؛ و " فليحتل " أي فليتبع.

(3)

قال ابن قدامة في المغني: 4/579؛ " الحوالة إنما تكون بدين على دين".

ص: 142

نعم، وحينئذ هل يحكم بصحته حتى لو جرد من الفوائد؟ الذي يظهر لنا هو أنه يتضمن بيع نقود (لم تقبض وليست في حيازة الدائن) بنقل معجل حال، فيتضمن حينئذٍ عدم التقابض بين النقدين، وهذا لا يجوز بالاتفاق لاشتراط التقابض بالاتفاق (1) ، غير أنه يجوز التنازل في الديون بأن يحل شخص آخر محل الدائن برضا الاثنين، فيعطيه دينه بالكامل، وكذلك أجاز بعض الفقهاء الضمان بدون إذن المدين أيضًا، فيعطي الضامن حينئذٍ المبلغ المطلوب إلى الدائن، ويصبح هو دائنًا له (2) .

وفي كل هذه الأحوال لا يجوز فيها النقص مقابل الأجل، وهذا ما عليه جماهير العلماء غير أن بعض الفقهاء – منهم النخعي وأبو ثور وهو مروي عن ابن عباس – أجازوا ذلك وهي مسألة مشهورة بين الفقهاء باسم " ضع وتعجل " حيث كيفوا المسألة على أساس التنازل " فالدائن أخذ بعض حقه وترك بعضه برضا فجاز كما لو كان الدين حالًا "(3) غير أن الراجح هو قول الجمهور – وليس مجال تفصيله هنا.

ويوجد حل آخر وهو إجراء المصارفة في الذمة، حيث أجاز جماعة من الفقهاء – منهم أبو حنيفة ووجه الحنابلة – أن يعطي شخص آخر نقدًا آخر غير النقد الذي هو دين قال ابن قدامة: " فإن كان المقضي الذي في الذمة مؤجلًا فقد توقف أحمد فيه، وقال القاضي:(يحتمل وجهين) الوجه الثاني: الجوار وهو قول أبي حنيفة، لأنه ثابت في الذمة بمنزلة المقبوض، فكأنه رضي بتعجيل المؤجل، والصحيح الجواز إذا قضاه بسعر يومها (4) .

(1) المغني: 4/59، حيث نقل الإجماع عن ابن المنذر.

(2)

المغني: 4/591 – 607، وقال:" فمتى أدى رجع عليه، سواء قال: اضمن عني، أو لم يقل " وهذا رأي مالك، وإسحاق ورواية عن أحمد: ويراجع القوانين الفقهية: ص320.

(3)

يراجع: المغني، لابن قدامة: 4/56.

(4)

المغني، لابن قدامة: 4/55 – 56؛ وحاشية ابن عابدين: 4/173 – 176، وما بعدها.

ص: 143

والخلاصة: أن التفكير المحرك لأسواق المال المعاصرة هو في كيفية الحصول على المال بأي طريق كان، وجذب أصحاب الأموال بأية صورة كانت، فلم يراع فيها حقوق الله تعالى، ولا القيم الأخلاقية الإسلامية

لذلك فالحاجة ماسة إلى إقامة أسواق مالية إسلامية تراعى فيها الضوابط الشرعية، وتعني بالتطورات العصرية، ولا شك أن إيماننا لا يتزعزع بأن هذه الشريعة الخالدة الكاملة كفيلة بإسعاد البشرية وتحقيق الرحمة والخير للبشرية جمعاء، وفيها من القواعد والمبادئ الكلية ما تضمن الحفاظ على الثوابت مع مراعاة التطور والتقدم، وقد رأينا أن فقهنا العظيم يتضمن من العقود والأفكار الاقتصادية ما يمكن بناء صرح اقتصادي ولا سيما إذا انضم إليها جهود المعاصرين (من الفقهاء والاقتصاديين) ووجد العزم واتجهت النية والإرادة إلى بناء وتحقيق جميع مؤسساتنا الاقتصادية على الإسلام وشريته الغراء.

وكما رأت فكرة البنوك الإسلامية النور، ونجحت – على الرغم من كل العقبات – فإن فكرة الأسواق المالية الإسلامية سترى النور قريبًا إن شاء الله تعالى، وما ذلك على الله بعزيز، ولكل منا شرف كبير إذا ساهمنا في هذا المجال، بل هو واجب إسلامي ملقى على عاتقنا والله نسأل أن يوفقنا جميعًا لعمل الخير، وخير العمل، وبناء صرح إسلامي كامل للاقتصاد الإسلامي، وهو مولانا فنعم المولى ونعم النصير.

والحمد لله أولًا وأخيرًا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين.

الدكتور علي محيي الدين القره داغي.

ص: 144