الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوثيقَة رقم 4
البَيَان الخِتامي وَالتّوصيَات
للنّدوة الثانيَة للأِسَواقِ المالِيَّة
المنعقدَة بدَولة البحَرين
في الفتَرة
19-
21 جَمَادى الأولى 1412هـ
25-
27 نُوفمبر 1991م
بسم الله الرحمن الرحيم
بحمد الله تعالى وتوفيقه عقدت في البحرين الندوة الثانية للأسواق المالية في الفترة من 19-21 جمادى الأولى 1412هـ (25-27 نوفمبر 1991م) بدعوة من بنك البحرين الإسلامي وبالتعاون مع مجمع الفقه الإسلامي بجدة المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية، وذلك متابعة للندوة الأولى للأسواق المالية التي سبق للمجمع أن عقدها في الرباط.
وقد ناقشت الندوة الموضوعات التالية:
- الأسهم.
- السلع.
- الاختيارات.
- بطاقة الائتمان وتكييفها الشرعي.
وقُدمت في المحاور الأربعة أبحاثٌ فنيةٌ وفقهية تم عرضها ومناقشتها باستفاضة وبروح علمية متعاونة بين فقهاء الشريعة والمختصين في الاقتصاد الإسلامي والمصارف الإسلامية والأسواق المالية العالمية.
وقد حظيت الندوة برعاية كريمة من صاحب السعادة الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة وزير العدل والشؤون الإسلامية بدولة البحرين وشارك في أعمالها جمع من المهتمين بالاقتصاد الإسلامي والمؤسسات المالية الإسلامية من خارج دولة البحرين ومن داخلها، من القائمين على البنوك الإسلامية وأعضاء هيئات الرقابة الشرعية فيها وأساتذة الجامعات ومراكز الاقتصاد الإسلامي، كما شهد حفلي الافتتاح والختام جمع غفير من المعنيين بموضوعات الندوة من العلماء وأساتذة الجامعات في دولة البحرين ومنسوبي البنوك الإسلامية فيها، فضلًا عن مشاركتهم في جلسات العمل.
وقد تم افتتاح الندوة بآيات من الذكر الحكيم أعقبتها كلمة صاحب السعادة وزير العدل والشؤون الإسلامية حيَّا فيها المشاركين وأشاد بما للمصارف والمؤسسات المالية الإسلامية من شركات استثمار وشركات تأمين وشركات تجارية وغيرها من دور فعال في التنمية وخدمة الاقتصاد الإسلامي ومصالح المسلمين ثم ألقى سعادة الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن راشد آل خليفة (رئيس مجلس إدارة بنك البحرين الإسلامي، وكيل وزارة العدل والشؤون الإسلامية بدولة البحرين) كلمة أبرز فيها دور بنك البحرين الإسلامي والمنجزات التي حققها في فترة زمنية قياسية، والتي لم تقتصر على النواحي المالية، بل عملت في الوقت نفسه على ترسيخ الفكر الاقتصادي الإسلامي مع السعي لتعميمه وتوسيع قاعدة الاهتمام به في مجال التنظير والتطبيق.
ثم ألقى فضيلة الشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد رئيس مجمع الفقه الإسلامي بجدة كلمة أشار فيها إلى دور الجزيرة العربية في التبكير بتأسيس البنوك الإسلامية وأشاد بدور حكومة البحرين في احتضان وتشجيع المؤسسات المالية الإسلامية، وتعاون الفقهاء والاقتصاديين في تجلية مبادئ الشريعة لوضعها موضع التطبيق.
ثم عُقدت جلسة العمل الأولى وتم فيها إقرار جدول أعمال الندوة وتتابعت بعدئذٍ الجلسات لعرض البحوث ومناقشتها طيلة أيام الندوة وانتهى المشاركون في الندوة إلى التوصيات التالية:
التّوصيات
للنّدوة الثانيَة للأسَواق الماليَة
أولًا – الأسهم:
1-
الإسهام في الشركات:
(أ) بما أن الأصل في المعاملات الحِل فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مشروعة أمر جائز.
(ب) لا خلاف في حُرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم، كالتعامل بالربا أو إنتاج المحرمات أو المتاجرة بها.
(ج) الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحيانًا بالمحرمات، كالربا ونحوه، بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة.
(د) أما من يسهم في الشركات التي تتعامل أحيانًا بالمحرمات مع إرادة تغيير جميع أنشطتها بحيث لا تخالف الشريعة الإسلامية، فإن كان قادرًا على التغيير بمجرد إسهامه فيها فذلك أمر مطلوب منه، لما فيه من زيادة مجالات التزام المسلمين بأحكام الشريعة الإسلامية. وإن كان غير قادر عند الإسهام ولكنه يسعى للتغيير مستقبلًا، بأن يحاول ذلك من خلال اجتماعات الجمعية العمومية ومجلس الإدارة وغيرهما من المجالات فالإسهام في هذه الحالة مختلف في جوازه بين المشاركين في الندوة.
ولابد في الحالتين من التخلص مما يؤول إلى المساهم فيها من كسب التصرفات المحرمة في أنشطة الشركة بصرفه في وجوه الخير.
2-
ضمان الإصدار (Under Writing) :
ضمان الإصدار هو الاتفاق عند تأسيس شركة مع من يلتزم بضمان جميع الإصدار من الأسهم، أو جزء من ذلك الإصدار، وهو تعهد من الملتزم بالاكتتاب في كل ما تبقى مما لم يكتتب فيه غيره وهذا لا مانع منه شرعًا إذا كان تعهد الملتزم بالاكتتاب بالقيمة الاسمية بدون مقابل لقاء التعهد. ويجوز أن يحصل الملتزم على مقابل عن عمل يؤديه – غير الضمان – مثل إعداد الدراسات أو تسويق الأسهم.
3-
تقسيط سداد قيمة السهم عند الاكتتاب:
لا مانع شرعًا من أداء قسط من قيمة السهم المكتتب فيه وتأجيل سداد بقية الأقساط، لأن ذلك يعتبر من الاشتراك بما عجل دفعه، والتواعد على زيادة رأس المال. ولا يترتب على ذلك محذور لأن هذا يشمل جميع الأسهم. وتظل مسؤولية الشركة بكامل رأس مالها المعلن بالنسبة للغير، لأنه هو القدر الذي حصل العلم والرضا به من المتعاملين مع الشركة.
4-
السهم لحامله:
بما أن المبيع في (السهم لحامله) هو حصة شائعة في موجودات الشركة وأن شهادة السهم هي وثيقة لإثبات هذا الاستحقاق في الحصة فلا مانع شرعًا من إصدار أسهم في الشركة بهذه الطريقة وتداولها. ويمكن أن يستفاد من هذا النوع من الأسهم في صكوك المقارضة.
والأولى عدم إصدار أسهم لحاملها، حفاظًا لحقوق المساهمين.
5-
محل العقد في بيع السهم:
إن المحل المتعاقد عليه في بيع السهم هو الحصة الشائعة من أصول الشركة، وشهادة السهم عبارة عن وثيقة للحق في تلك الحصة.
6-
الأسهم الممتازة:
لا يجوز إصدار أسهم ممتازة لها خصائص مالية تؤدي إلى ضمان رأس المال أو ضمان قدر من الربح وذلك بتقديمها عند التصفية، أو تحديد ربح لأصحابها بصورة ثابتة منسوبة للسهم.
وأما عطاء بعض الأسهم خصائص تتعلق بالتصويت ونحوه من الأمور الإجرائية أو الإدارية فلا مانع منه شرعًا.
7-
التعامل في الأسهم بطرق ربوية:
(أ) لا يجوز شراء السهم بقرض ربوي يقدمه السمسار للمشتري لقاء رهن السهم، لما في ذلك من المراباة وتوثيقها بالرهن وهما من الأعمال المحرمة بالنص على لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه.
(ب) لا يجوز أيضًا بيع سهم لا يملكه البائع وإنما يتلقى وعدًا من السمسار بإقراضه السهم في موعد التسليم، لأنه من بيع ما لا يملكه البائع. ويتأكد المنع إذا اشترط إقباض الثمن للسمسار لينتفع به بإيداعه بفائدة للحصول على مقابل الإقراض.
8-
بيع السهم أو رهنه:
يجوز بيع السهم، أو رهنه مع مراعاة ما يقضي به نظام الشركة، كما لو تضمن النظام تسويغ البيع مطلقًا أو مشروطًا بمراعاة أولوية المساهمين القدامى في الشراء، وكذلك يعتبر النص في النظام على إمكان الرهن إذنًا من الشركاء برهن الحصة المشاعة.
9-
إصدار أسهم مع رسوم إصدار:
إن إضافة نسبة معينة مثل 5 % تدفع مع قيمة السهم، لتغطية مصاريف الإصدار، حتى لا تتأثر قيمة الأسهم
…
لا مانع منه شرعًا ما دامت هذه النسبة مقدرة تقديرًا مناسبًا، ثم يودع ما يتبقى منها في احتياطي الشركة.
10-
إصدار أسهم بعلاوة إصدار أو خصم إصدار:
إصدار أسهم جديدة لزيادة رأس مال الشركة جائز إذا أصدرت بالقيمة الحقيقية للأسهم القديمة (حسب تقويم الخبراء لأصول الشركة) أو بالقيمة السوقية.
11-
ضمان الشركة شراء الأسهم:
لا مانع شرعًا من ضمان الشركة شراء الأسهم إذا كان الشراء بالقيمة الحقيقية أو السوقية. لأنه عبارة عن إنقاض لرأس مال الشركة.
12-
تحديد مسؤولية الشركة المساهمة المحدودة:
لا مانع شرعًا من إنشاء شركة مساهمة ذات مسؤولية محدودة برأس مالها أو أصولها، لأن ذلك معلوم للمتعاملين مع الشركة وبحصول العلم ينتفى الضرر عمن يتعامل مع الشركة بأكثر من أصولها.
كما لا مانع شرعًا من أن تكون مسؤولية بعض المساهمين غير محدودة بالنسبة للدائنين بدون مقابل لقاء هذا الالتزام، وهي الشركات التي فيها شركاء متضامنون وشركاء محدودو المسؤولية.
13-
حصر تداول الأسهم بسماسرة مرخصين، واشتراط رسوم التعامل في أسواقها:
للجهات الرسمية المختصة أن تنظم تداول بعض الأسهم بأن لا يتم إلا بواسطة سماسرة مخصوصين ومرخصين بذلك العمل، لأن هذا من التصرفات الرسمية المحققة لمصالح مشروعة.
وكذلك يجوز اشتراط رسوم لعضوية المتعامل في الأسواق المالية لأن هذا من الأمور التنظيمية المنوطة بتحقيق المصالح المشروعة، وذلك لتغطية النفقات أو لجباية ضريبة غير مباشرة.
ثانيًا – السلع:
بعد مناقشة الموضوعات المقدمة في الندوة بشأن السلع والإطلاع على ما قرره المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في الموضوع نفسه انتهى المشاركون إلى التوصية بتأييد ما اتخذه المجمع من فتاوى نصها ما يلي:
أولًا: إن غاية السوق المالية (البورصة) هي إيجاد سوق مستمرة ودائمة يتلاقى فيها العرض والطلب والمتعاملون بيعًا وشراء، وهذا أمر جيد ومفيد، ويمنع استغلال المحترفين للغافلين والمسترسلين الذين يحتاجون إلى بيع أو شراء، ولا يعرفون حقيقة الأسعار، ولا يعرفون المحتاج إلى البيع ومن هو محتاج إلى الشراء.
ولكن هذه المصلحة الواضحة يواكبها في الأسواق المذكورة (البورصة) أنواع من الصفقات المحظورة شرعًا، والمقامرة والاستغلال وأكل أموال الناس بالباطل، ولذلك لا يمكن إعطاء حكم شرعي عام بشأنها. بل يجب بيان حكم المعاملات التي تجري فيها، كل واحدة منها على حدة.
ثانيًا: إن العقود العاجلة على السلع الحاضرة الموجودة في ملك البائع التي يجري فيها القبض فيما يشترط له القبض في مجلس العقد شرعًا هي عقود جائزة، ما لم تكن عقودًا على محرم شرعًا. أما إذا لم يكن المبيع في ملك البائع فيجب أن تتوافر فيه شروط بيع السلم، ثم لا يجوز للمشتري بعد ذلك بيعه قبل قبضه.
ثالثًا: إن العقود العاجلة على أسهم الشركات والمؤسسات حين تكون الأسهم في ملك البائع جائزة شرعًا، ما لم تكن تلك الشركات أو المؤسسات موضوع تعاملها محرم شرعًا كشركات البنوك الربوية وشركات الخمور، فحينئذ يحرم التعاقد في أسهمها بيعًا وشراء.
رابعًا: إن العقود العاجلة والآجلة على سندات القروض بفائدة، بمختلف أنواعها غير جائزة شرعًا، لأنها معاملات تجري بالربا المحرم.
خامسًا: إن العقود الآجلة بأنواعها، التي تجري على المكشوف، أي على الأسهم والسلع التي ليست في ملك البائع، بالكيفية التي تجري في السوق المالية (البورصة) غير جائزة شرعًا لأنها تشتمل على بيع الشخص ما لا يملك، اعتمادًا على أنه سيشتريه فيما بعد ويسلمه في الموعد. وهذا منهي عنه شرعًا لما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:((لا تبع ما ليس عندك)) ، وكذلك ما رواه الإمام أحمد وأبو داود بإسناد صحيح عن زيد بن ثابت رضي الله عنه:((إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم)) .
سادسًا: ليست العقود الآجلة في السوق المالية (البورصة) من قبيل بيع السلم الجائز في الشريعة الإسلامية، وذلك للفرق بينهما من وجهين:
(أ) في السوق المالية (البورصة) لا يدفع الثمن في العقود الآجلة في مجلس العقد، وإنما يؤجل دفع الثمن إلى موعد التصفية، بينما أن الثمن في بيع السلم يجب أن يدفع في مجلس العقد.
(ب) في السوق المالية (البورصة) تباع السلعة المتعاقد عليها وهي في ذمة البائع الأول، وقبل أن يحوزها المشتري الأول، عدة بيوعات، وليس الغرض من ذلك إلَّا قبض أو دفع فروق الأسعار بين البائعين والمشترين غير الفعليين، مخاطرة منهم على الكسب والربح، كالمقامرة سواء بسواء، بينما لا يجوز بيع المبيع في عقد السلم قبل قبضه.
وبناء على ما تقدم يرى المجمع الفقهي الإسلامي أنه يجب على المسؤولين في البلاد الإسلامية أن لا يتركوا أسواق البورصة في بلادهم حرة تتعامل كيف تشاء في عقود وصفقات، سواء أكانت جائزة أو محرمة، وأن لا يتركوا للمتلاعبين بالأسعار فيها أن يفعلوا ما يشاؤون، بل يوجبون فيها مراعاة الطرق المشروعة في الصفقات التي تعقد فيها، ويمنعون العقود غير الجائزة شرعًا ليحولوا دون التلاعب الذي يجر للكوارث المالية، ويخرب الاقتصاد العام، ويلحق النكبات بالكثيرين، لأن الخير كل الخير في التزام طريق الشرعية الإسلامية في كل شيء. قال الله تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153] .
ثالثًا – الاختيارات:
تبين من استعراض البحوث المقدمة في موضوع الاختيارات أن هذا الموضوع بحاجة إلى المزيد من الدراسات ولا سيما فيما يتعلق بالبدائل الشرعية.
لذا يوصي المشاركون الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي باستكتاب عدد من الاقتصاديين والفقهاء بحوثًا أخرى في هذا الموضوع، مع التركيز على الجوانب الفنية والعملية التي تقوم عليها الاختيارات في الأسواق المالية العالمية وطرح البدائل الشرعية.
رابعاً- بطاقات الائتمان:
تبين من خلال استعراض البحوث المقدمة في موضوع بطاقات الائتمان، والتعقيبات، والمناقشات التي جرت بشأنها: أن القواعد التي تقوم عليها في صورتها المجردة يمكن أن تستند إلى بعض المبادئ الشرعية، بعد تنقيتها من الشوائب التي ليست من جوهرها، وهذا ما قام به عدد من المصارف الإسلامية التي بادرت إلى إصدار بطاقات ائتمانية خاصة بها بعد أن أجرت التعديلات الضرورية التي أدخلتها هيئاتها الشرعية للوصول إلى صيغ مشروعة لعقودها وإجراءاتها.
وعلى الرغم من أن البحوث المقدمة قد عُنيت بجوانب مهمة من الناحية الفنية، والتكييف الشرعي لكن الموضوع لا يزال بحاجة إلى مزيد من الدراسات فيه.
لذا يوصي المشاركون الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي باستكتاب عدد من الاقتصاديين بحوثًا في هذا الموضوع مع مراعاة التركيز على بيان التصور الفني الدقيق سواء في طبيعة العقد المنظم لها، أو الأمور الأخرى المتعلقة به والمترتبة عليه، وكذلك دعوة الأساتذة الفقهاء إلى بيان الحكم الشرعي فيه.
خامسًا – توصيات عامة:
1-
يناشد المشاركون في هذه الندوة المسلمين حكامًا وشعوبًا الحرص على التطبيق التام لأحكام الشريعة في شتى مناحي الحياة ومجالات العمل حتى يتحقق لهم ما يصبون إليه من وحدة الأمة الإسلامية وتنمية قدراتها وتكامل طاقاتها لتؤدي دورها بصفتها خير أمة أخرجت للناس.
2-
يشيد المشاركون بالدور الفعال الذي قامت به دولة البحرين في مجال احتضان ودعم المؤسسات المالية الإسلامية، وسن القوانين المنظمة لها وتهيئة المناخ المناسب لأداء دورها في خدمة الاقتصاد الإسلامي.
كما ينوه المشاركون بدور الدول العربية والإسلامية الأخرى التي اتخذت مبادرات من شأنها دعم المسيرة الاقتصادية الإسلامية المتمثلة في المؤسسات المالية التي سلكت النهج الإسلامي، مما يعتبر مثالًا جديرًا بأن يحتذى به.
3-
أشاد المشاركون بدور صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير دولة البحرين، ودور صاحب السمو الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر، ودور صاحب السمو الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة ولي العهد الأمين، في الدعم المستمر للمؤسسات المالية الإسلامية وما يخصونها به من رعاية واهتمام أعانها على القيام بالدور المنوط بها، وقد قرر المشاركون رفع برقية شكر وتقدير لسموهم مشفوعة بتمنيات الجميع لهم بالصحة والتوفيق والسداد.
كما قرروا رفع برقية شكر لصاحب السعادة الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة وزير العدل والشؤون الإسلامية على رعايته الكريمة للندوة.
كما تقرر أيضًا التوجه بالشكر الجزيل لسماحة الشيخ الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي بجدة على جهوده الفنية مقرونًا بالدعاء له بالصحة والسعادة.
4-
بمناسبة عقد هذه الندوة التي تزامنت مع مرور عشر سنوات على إنشاء بنك البحرين الإسلامي يتقدم المشاركون بأسمى آيات الشكر والتقدير مهنئين بنك البحرين الإسلامي ممثلًا في رئيس مجلس الإدارة الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن راشد آل خليفة، والعضو المنتدب الأستاذ عبد اللطيف عبد الرحيم جناحي، وجميع أعضاء مجلس الإدارة واللجنة التحضيرية ومنسوبي البنك، على ما بذلوه من جهود موفقة ومباركة في سبيل تحقيق أهداف البنك.
كما يقدرون مواقف شعب البحرين المسلم في دعمه لكل ما يؤدي إلى نجاح المؤسسات المالية الإسلامية القائمة على هذه الأرض الطيبة.
كما يشيد المشاركون بما لاقوه من حفاوة وتكريم منن قبل حكومة وشعب البحرين ومن القائمين على تنظيم هذه الندوة، وكل من ساهم في إنجاحها، داعين الله العلي القدير أن يوفق الجميع ويأخذ بأيديهم لما فيه خير الإسلام وعزة المسلمين. والحمد لله رب العالمين.
الوثيقَة رَقم 5
وَرَقة عَمل الحَلقَة الدّرَاسية
التي عُقِدَت في المجمَع
باشتراك مَجُموعة مِنَ الاقتِصَاديين
بسم الله الرحمن الرحيم
الاختِيَارات (OPTIONS)
التعريف:
الاختيار: عقد بعوض على حق مجرد، يخول صاحبه بيع شيء محدد أو شراءه بسعر معين طيلة مدة معلومة أو في تاريخ محدد، إما مباشرة أو من خلال هيئة ضامنة لحقوق الطرفين.
إيضاح التعريف:
الاختيار عقد تتم فيه المبادلة بين حق مجرد لشراء أو بيع كمية محددة في زمن محدد من سلعة موصوفة بدقة بثمن محدد وهذا الحق غير متعلق بعقار أو نحوه من الأشياء المادية، بل هو إرادة ومشيئة، وبين عوض محدد دون اعتبار العوض من ثمن السلعة بل هو ثمن للاختيار. ولا ينظر إلى وجودها بصورة معينة فيكفى أن يمكن الحصول عليها عند التنفيذ.
وثمن الاختيار هذا يتحدد اعتمادًا على كثير من المتغيرات منها:
- سعر السلعة المذكور في العقد.
- طول الفترة الزمنية المحددة للعقد.
- التوقعات بالنسبة لتقلبات أسعار السلعة التي سيقع عليها الشراء أو البيع.
- السعر المتوقع للسلعة التي سيقع عليها الشراء أو البيع.
- سعر الفائدة.
والاختيار للشراء يسمى اختيار الطلب أو اختيار الاستدعاء، واختيار البيع يسمى اختيار الدفع. وكل منهما قد يكون ممتد الصلاحية منذ التعاقد إلى نهاية فترة معينة، أي يحق استخدامه في أي وقت خلالها، وقد يكون مؤجلًا لا يحق استخدامه إلَّا في تاريخ محدد.
والغالب في التعامل بالاختيارات أن يكون عن طريق هيئات مخصوصة هي (الأسواق المالية) المنظمة رسميًّا والمرخص فيها بذلك لسماسرة محصورين يجمعون رغبات الشراء والبيع بين أطراف غير معروف بعضها لبعض، ويجرون الارتباط بين المتوافق من الاختيارات، على أنه قد تقع الاختيارات مباشرة بين المتعاملين بها خارج الأسواق المالية التي تؤدي خدمة الضمان لحقوق الأطراف الملتزمة بالتنفيذ في حينه.
بعض الأسئلة حول الاختيارات:
يتعلق بالتعريف جملة من القضايا المؤثرة في التكييف الشرعي للاختيارات وحكمها، يمكن الإشارة إليها في صورة أسئلة منها:
1-
هل ينضوي عقد الاختيار تحت أحد العقود المسماة المعروفة أو هو نوع جديد؟ وإذا كان نوعًا جديدًا فما حكمه وما تكييفه الشرعي في الجملة؟
2-
هل هناك علاقة بين عقد الاختيار وبين البيوعات أو العقود الأخرى، مثل: بيع العربون، أو البيع على الصفة، أو السلم، أو الهبة؟
3-
ما التكييف الشرعي للعوض مقابل إعطاء الحق في الاختيار؟
4-
هل يصلح الحق المجرد محلًّا للعقد؟
5-
إذا جرى عقد الاختيار من خلال هيئة ضامنة، فما التكييف الشرعي لدور هذه الهيئة؟ وما حكم هذا الضمان؟
6-
هل يصح بيع (اختيار الاستدعاء) أو هو كبيع شيء موصوف لا يملكه البائع بالرغم من توفره في السوق؟
7-
هل يمكن في صورة (اختيار الشراء) أن يعتبر العقد مشروعًا بجعل العوض جزءًا من ثمن السلعة؟
8-
إذا لم يكن هذا العقد مقبولًا شرعًا كليًّا أو جزئيًّا، فكيف يمكن تعديله ليكون مقبولًا شرعًا؟
التعريف بصورة خاصة من الاختيارات:
يدخل في جنس التعريف الاختيار وإن لم تنطبق جميع قيوده صورتان من الاختيارات لا يصدرهما الأفراد وهما يعطيان مجانًا ولكن يتم فيما بعد بيعهما وشراؤهما بمقابل:
(أ) شهادة حق التملك (WARRANT) :
وهي شهادة تصدرها شركة مساهمة لبعض الأشخاص، لاعتبارات معينة كإقراض الشركة أو تقديم خدمات لها بدون مقابل مادي، تعطيهم الحق في شراء عدد معين من أسهم الشركة بسعر محدد خلال فترة زمنية.
(ب) حق الأولوية في شراء الإصدارات الجديدة من الأسهم (PRE-EMPTIVE RIGHT) : إن هذا الحق حق موثق يعطى من الشركات المساهمة للمساهمين بنسبة مساهماتهم السابقة يخولهم الحق بشراء عدد معين من الإصدار الجديد لأسهم الشركة بسعر معين خلال مدة محددة. والغرض منه حماية حقوق المساهمين القدامى في حالة إصدار أسهم جديدة بقيمة أقل من القيمة المتداولة في السوق. وقد يستعاض عنه أحيانًا بإصدار أسهم مجانية للمساهمين القدامى.
أسئلة حول شهادة حق التملك وحق الأولوية في شراء الإصدارات الجديدة من الأسهم:
1-
هل إصدار هذين الاختيارين (الحقين) جائز شرعًا؟
2-
هل يجوز نقل هذين الاختيارين (الحقين) إلى غير من أصدر له بعوض؟
3-
هل ينطبق على الصورة الثانية (الأولوية في شراء الإصدارات) حكم الشفعة شرعًا؟
بسم الله الرحمن الرحيم
أسوَاق السّلع (المستَقبليّات)
التعريف:
عقود السلع والمستقبليات هي: عقود للشراء أو للبيع من خلال هيئة سوق السلع وضمانها، تقع على كمية محددة موصوفة ولو غير مملوكة، لقاء ثمن معلوم يؤدى عند تسليم المبيع ما لم تقع التصفية، مع اشتراط إيداع الطرفين تأمينًا لدى إدارة السوق، أو خطاب ضمان أو نحوه.
إيضاح التعريف:
إن التعامل في السلع لا يتم إلَّا في الأسواق المنظمة من خلال سماسرة مرخصين. والهيئة التي تدير سوق السلع ضامنة لصالح الأطراف المتعاملة في شتى المراحل التي يمر بها التعامل إلى نهايته. وهي تشترط عليهم إيداع تأمين نقدي لديها، وعادة تعطي فوائد عليه، وهو لمقابلة فروق الأسعار، كما يستخدم جزء من المبالغ المستحق دفعها عند الحاجة، وقد يستغني عن التأمين النقدي بخطاب ضمان أو بسندات خزانة
…
إلخ.
ويضاف إلى هذا التأمين – أو ينقص منه – يوميًّا ما يؤدي إليه تغيير الأسعار من ربح أو خسارة.
والعقود التي يقوم عليها التعامل بالسلع ليست من نمط العقود المعروفة في الفقه بالتقاء إيجاب وقبول في مجلس بين طرفين، وإنما المراد بالعقود (إرادة الشراء) أو (إرادة البيع) وكل واحدة منهما ملزمة لصاحبها، ومعلنة إلى إدارة السوق التي تجمع المتوافق فيها لينتج عنه إبرام الصفقات. كما ينبغي ألا يفهم أن هناك عقدين على سلعتين من كل طرف عقد بل هما على سلعة واحدة.
ولا تكون السلع مملوكة في الغالب للبائعين، كما أنها ليست معينة بالذات، وإنما هي موصوفة وصفًا تامًّا يقطع النزاع في عملية التسليم.
وهذه العقود مؤجلة بطبيعتها، حتى تلك التي تسمى (عقود آنية) فإن فيها أجلًا قصيرًا هو ما يبقى من أيام الشهر الذي وقعت فيه وينقضي الأجل في الأيام الثلاثة الأخيرة منه. أما طويلة الأجل وهي معروفة (بالمؤجلة) عند المتعاملين بها فهي التي يكون تنفيذها في شهر لاحق لشهر التعاقد. ومعظم العقود تنتهي بالتقابل فينهي عقد شراء مثلًا بعقد بيع مساوٍ له في المقدار، وقد تنتهي بالتسليم.
والاستيراد للسلع الأساسية النمطية يتم معظمه عن طريق هذه الأسواق، وهي تفيد في ضمان توريد المواد في حالة اتجاه القصد إلى التسليم وإن كان غرض المتعاملين الاسترباح من فروق السعر بالتصفية.
بعض الاسئلة حول السلع (المستقبليات) :
يتعلق بالتعريف، في ضوء إيضاحاته، جملة من القضايا المؤثرة في التكييف الشرعي للتعامل في السلع، يمكن إلاشارة إليها في صورة أسئلة، منها:
1-
هل هذا النوع من المعاملات يعتبر عقدًا في منظور الفقه؟ وإذا كان عقدًا فهل هو مشروع؟
2-
هل يجوز أن يكون محل هذه (العقود) المؤجلة ذهبًا أو فضة أو عملات؟ مع الإشارة إلى أدلة الرأي.
3-
ما الأحكام التي يختص بها محل هذه (العقود) إذا كان طعامًا؟
4-
ما علاقة هذه (العقود) ببيع السلم، أو بيع الموصوف، أو بيع ما ليس مملوكًا، أو بيع الكالئ بالكالئ، أو بيع ما ملك قبل قبضه؟
5-
ما حكم دفع ما ينشأ عن فروق الأسعار من ربح أو خسارة، أو استحقاقه، في حالة عدم انتهاء هذه (العقود) بالتسليم؟ وفي حالة انتهائها بالتسليم الفعلي أيضًا؟
6-
هل تجوز تصفية (العقود) بإجراء (عقد) مقابل لها؟
7-
هل دور إدارة سوق السلع (المستقبليات) هو دور الوكيل عن الطرفين، أو السمسار، أو غيرهما مع ملاحظة أن كل طرف لا يعرف الطرف الآخر؟
8-
ما حكم الكفالة التي تلتزم بها إدارة السوق؟
9-
ما حكم اشتراط إيداع تأمين من كلا الطرفين، وما علاقة ذلك بالعربون؟
10-
ما اثر الباعث على هذه (العقود) فيما لو كان هو الحصول فعلًا على السلع، أو الحصول عليها مع الاحتياط بعقود مقابلة للاحتماء والتحوط من ارتفاع الأسعار، وفيما لو كان مجرد الحصول على عائد فروق الأسعار بالمخاطرة بتعاملات مستمرة وليس في القصد الحصول على السلعة؟
11-
ما هي البدائل المشروعة لهذه المعاملات؟
(أ) هل تنظم السوق الإسلامية على أساس السلم (دفع كامل الثمن عند التعاقد) ؟
(ب) هل يمكن اعتبار هذه العقود وعودًا بالبيع غير ملزمة ما لم تنته بالتسليم الفعلي فتصبح عندئذ ملزمة (على أساس أن وجود التسليم معناه أن المتعاقد قد دخل بالتزامات نتيجة لهذا الوعد) ، وتنتهي غير الملزمة بالإلغاء بدون ربح أو خسارة، ويكون التسليم بسعر العقد؟
بسم الله الرحمن الرحيم
بطَاقاتُ الائتِمان
التعريف:
مستند يعطيه مصدره لشخص طبيعي أو اعتباري – بناء على عقد بينهما – يمكنه من شراء السلع أو الخدمات، ممن يعتمد المستند، دون دفع الثمن حالًا، لتضمنه التزام المصدر بالدفع. ومن أنواع هذا المستند ما يمكن من سحب نقود من المصارف على حساب المصدر.
لبطاقات الائتمان صور:
1-
منها ما يفرض المصدر فيه رسمًا سنويًّا على من تعطى له.
2-
ومنها ما يكون السحب أو الدفع بموجبها من حساب حاملها في المصرف وليس من حساب المصدر.
3-
ومنها ما يلزم حاملها دفع ما ترتب عليه للمصدر (من ثمن مشتريات أو خدمات أو مسحوبات نقدية) خلال فترة معينة (شهر في الغالب) .
4-
ومنها ما يلزم شهريًّا بسداد جزء على الأقل من المبالغ المترتبة في ذمة حاملها مع دفع الفوائد على المبالغ التي لم تدفع.
5-
ومنها ما يكون الشراء بها من محلات المصدر فقط.
هذا وقد يكون لحاملها منافع أخرى مثل:
1-
تخفيض الثمن على بعض أنواع المشتريات والخدمات.
2-
التعريف بشخص الحامل لها.
3-
التأمين على الحياة – مجانًا – عند شراء تذاكر السفر بواسطة البطاقة.
4-
المشاركة في السحب على جوائز يرصدها المصدر.
5-
ضمان أن لا يخسر حاملها أكثر من مبلغ معين في حال ضياعها أو سرقتها أو استعمالها من شخص آخر بشكل غير نظامي.
إيضاح التعريف:
لا بد لوجود البطاقة من عقدين منفصلين عن بعضهما:
1-
عقد بين المصدر وبين حاملها يتضمن سقفًا (حدًّا أقصى) للائتمان وشروط العلاقة.
2-
عقد بين المصدر وبين من يعتمدها من مؤسسات وشركات ومصارف، ويتضمن هذا العقد في جميع أنواع البطاقة أن المصدر يحصل على نسبة من الثمن الذي يطالب به التاجر معتمد البطاقة، يتراوح في العادة بين 1 % - 5 %.
حينما يمتنع المصدر من دفع الثمن أو أجرة الخدمة لا يعود التاجر أو مقدم الخدمة على حامل البطاقة. وكذلك حينما يمتنع حامل البطاقة – لسبب ما – من الدفع للمصدر فإنه لا يعود على التاجر إلَّا في حالة الخطأ في الصورتين.
في حال السحب من المصرف أو الشراء أو الخدمة بغير عملة البطاقة يسجل سعر الصرف في يوم القيد على المصدر.
ملحق لنوع آخر من البطاقات:
بطاقة الخصم من الثمن: تخول صاحبها الحق بالحصول على خصم من الثمن للسلع أو الخدمات التي يبيعها مصدرها وحده أو بالاشتراك مع باعة آخرين وهي نوعان:
(أ) نوع يصدر بناء على رسم يدفعه حاملها للمصدر.
(ب) نوع يصدر مجانًا ويعطى هدية للحامل.
بعض الأسئلة حول بطاقات الائتمان:
1-
ماهو التكييف الشرعي لهذه البطاقات بالنسبة للطرفين المصدر والحامل هل هو من قبيل القرض أو الحوالة أو الضمان؟
2-
ماالحكم عندما يكون ثمن السلعة أعلى في حالة استعمال بطاقة الائتمان من الدفع نقدًا؟
3-
لو تضمن عقد إصدار البطاقة نصًّا ربويًّا، كأن يقول: إذا لم تدفع الحساب المستحق خلال مدة معينة تترتب عليك فوائد. فهل يجوز الدخول في العقد لمن ينوي أن يدفع في الوقت بحيث لاتترتب أية فوائد وبخاصة إذا كانت له مصلحة حقيقية من ذلك كرفع الحرج عنه للتعريف بشخصه والتمكن أو استئجار سيارة من المطارات مما قد يشترط فيه وجود البطاقة؟
4-
ماهو حكم عودة المصدر على التاجر حينما يمتنع حامل البطاقة من الدفع للمصدر؟
5-
هل يجوز للتاجر أن يشترط أن لا يعود المصدر عليه إذا امتنع حامل البطاقة من الدفع للمصدر؟
6-
ماحكم عودة التاجر على حامل البطاقة حينما يمتنع المصدر عن دفع الثمن أو يفلس؟
7-
إذا أفلس المصدر فهل يحاصص التاجر مع الغرماء، أم يأخذ كامل حقه؟
8-
عندما يطالب المصرف المصدر بسداد ماسحبه حامل البطاقة، فهل يدخل في هذا ربا الفضل أو النسيئة؟
9-
في حال السحب بغير عملة البطاقة يسجل سعر الصرف في يوم القيد على المصدر ويطالب به حامل البطاقة، فهل تجوز هذه المصارفة؟
10-
ما الحكم في الخصم من الثمن الذي يحصل عليه المصدر من التاجر؟
11-
في حال عدم جواز الخصم السابق، هل يؤثر هذا في مشروعية التعاقد بين حامل البطاقة والمصدر؟
12-
ما الحكم إذا كان من مزايا البطاقة حصول حاملها على خصم من الثمن عند شرائه سلعًا معينة، أو ارتياده فنادق محددة، أوتعامله مع شركات معينة لتأجير السيارات مثلًا؟
المناقشة
بسم الله الرحمن الرحيم
أولًا: الأسواق المالية
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن الموضوعات الرئيسية التي احتلت الجلسات الأولى من جلسات العمل في هذه الدورة تتعلق بالأسواق المالية في الأسهم والاختيارات والسلع وبطاقة الائتمان، وغير خافٍ عليكم مامرت به من المراحل في الندوة التي سبق عقدها في المغرب، ثم في الدورة السادسة لمجمع الفقه الإسلامي، ثم في الندوة التي عقدت في البحرين بين مجمع الفقه الإسلامي وبنك البحرين الإسلامي، ثم هيئات توالت على دراسة الاختيارات وبطاقات الائتمان وبعض قضايا الأسهم والسلع في مقر المجمع بجدة.
ونظرًا لعدم حضور العارض في بحث الأسهم الاستاذ على محي الدين القره داغي فالبحث الذي سيطرح في هذه الجلسة المسائية- بإذن الله تعالى- هو موضوع الاختيارات ويتولى الشيخ محمد المختار السلامي العرض.
الشيخ محمد المختار السلامي:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.
أعددت بحثًا شبه مختصر عن الاختيارات ثم لخصته في النقاط الأساسية لموضوع الاختيارات، وهذا الموضوع هو موضوع جديد جدًا، إذ أنه لم يبدأ العمل به إلا في الثمانينات. فالاختيار عبارة عن وثيقة مقابل ثمن يدفعه مشتريها تخوله إما أن يختار شراء ماتضمنته تلك الوثيقة محددة تحديدًا دقيقًا نوع المشترى وثمنه، والأجل الذي يستعمل فيه هذا الحق وكل مايتعلق بذلك بمكان التسلم، وهذا في اختيار الشراء، وإما أن يختار بيع ماتضمنته حسب التحديد والضبط السابق. وهذا التعريف معبر عن واقع، فالخيار هو خيار شراء وخيار بيع، وحامل الوثيقة مخير في حدود الأجل في تنفيذ ماجاء في الوثيقة أو عدم المطالبة بالتنفيذ حسب الوضع الذي عليه السوق.
وموضوع وثيقة الخيار- لها مواضيع كثيرة- وتقع وثيقة الاختيار هذه في.
1-
الصرف، في شراء عملة في حدود الأجل بقيمة محددة.
2-
في الفائدة: ليضمن حدًّا للفائدة يستفيد من ارتفاع أو انخفاض قيمة الفائدة حسب طبيعة العقد.
3-
في المعادن الرفيعة كالذهب والفضة.
4-
في سندات الخزينة.
5-
في المؤشرات.
6-
في المواد من معادن وحبوب وغيرها وكذلك في الأسهم وطريقة إنجاز عقد الخيار.
معظم المعاملات في الاختيارات تتم في الأسواق التي يتكفل فيها الوسيط بالجمع بين إرادة بيع وإرادة شراء ويتم ذلك في عقود نمطية، وهذه العقود لاتنتهي عادة بالتسليم وإنما بالمقاصة فيستفيد الرابح ويفوز بالربح، كما تتم هذه العقود لدى بعض البنوك وكما تتم خارج السوق وخارج المصارف بين شخصين.
التصوير الفقهي والتصوير العملي لهذه العقود:
هذه العقود هي عقود حادثة ولذلك مارأيت وجهًا ليقارن بالعقود المعروفة في الفقه الإسلامي- لأنها كما قلت – قد نظمت في أواسط الثمانينات، وقد يخيل أن هذه العقود لها شبه ببعض العقود المعروفة ولذلك يكون من المتحتم التمييز بينها. فمن ذلك:
(أ) بيع العربون: بيع العربون على أن المشترى يقدم للبائع مقدارًا ماليًّا إن أخذ السلعة حسم ذلك من أصل الثمن وإن عدل عن الشراء فاز البائع بالعربون، وحتى على القول بأن بيع العربون جائز فالفرق واضح بين بيع العربون والاختيارات، ذلك:
أولًا: إن المال المقدم في بيع العربون هو جزء من الثمن عند إتمام الصفقة بينما هو في بيع الخيار لا صلة له بثمن الصفقة ولا يطرح منها عند إتمام العقد.
ثانيًا: إن العربون مقدم من المشتري للبائع، والخيارات قد يكون الدافع لثمنها البائع وقد يكون المشتري.
ثالثًا: إن بيع العربون لاينتقل فيه العربون بالبيع والشراء بينما في بيع الخيار أو الخيارات للمشتري الخيار أو بائعه أن يتصرف فيه بأنواع التصرف ومنها البيع.
رابعًا: إن الدافع للتعامل بالخيارات هو تحصيل الربح لا السلعة. بينما المقصود في بيع العربون هو تحصيل السلعة.
خامسًا: إن مستند ثمن الخيارات توقعات مستندة إلى سعر الفائدة ومرتبطة بالأمد وبتذبذب الأسعار ولا شيء من هذا في بيع العربون.
سادسًا: إن موضوع العقد في الخيارات كما بينا يشمل السلع والفائدة والمؤشرات فهي في كثير من صورها أقرب إلى القمار.
أما النسبة بين بيع الخيارات والبيع على الصفة فبين بيع الخيار والبيع على الصفة بون شاسع، ذلك أنه وإن كان في بيع الخيار توصف السلعة وصفًا دقيقًا ولا تكون حاضرة كما هو في البيع على الصفة، فإن بيع الخيارات لا يرتبط إمضاء العقد أو فسخه حسب الموافقة بين الموصوف والواقع كما هو الحال في البيع على الصفة بل هو مرتبط بالربح الذي يحصل عليه مستعمل حق الاختيارات فإن وجد ربحًا أتم العقد وإلَاّ ألغي الاختيار وخسر قيمته، أما المقارنة بينه وبين السلم فمشتري الاختيارات هو مختار في الأجل بين إتمام الصفقة أو التخلي عنها – وهنا فرق بين الاختيارات في أمريكا والاختيارات في أوروبا، فالاختيارات في أمريكا يبدأ حق المشتري للخيار من تاريخ العقد إلى تاريخ انتهاء أمده بينما هو في أوروبا فالاختيارات ليس لمشتريها الحق إلَّا عند انتهاء الأمد – قلنا مشتري الاختيارات مختار بين إتمام الصفقة أو التخلي عنها وأما في بيع السلم فكل طرف ملزم بإتمام الصفقة، وفي بيع السلم لا بد من تقديم كامل الثمن أما في الاختيارات فلا يقدم شيء من ثمن البيع.
وإذا أردنا المقارنة بين الهبة والاختيارات فلا صلة بين الهبة والاختيارات لأن أحدهما مبني على التبرع والآخر على الرغبة في الربح.
التكييف الفقهي:
أقرب شيءٍ للخيارات – في نظري – هو القمار. فكل مشتر لخيار بيع أو شراء يربط حظه بتقلبات الأسواق إما لفائدته أو ضده. وفي بعض أحواله إضافة إلى القمار صرف مؤجل وتعمير ذمتين.
أما الهيئة الضامنة فالضمان في عقود الاختيارات هو شكلي لأن السمسار لا يقوم بالجمع بين الإرادتين إلَّا بعد أن يحقق لنفسه من ضمانات الدرك ما يبلغ به العقد مرحلته النهائية فالضمان صوري لأن الضمان في الأسواق والبنوك ليس عملًا خيريًّا.
تصحيح عقود الاختيارات:
إن الاختيارات في منطلقها وغاياتها غير قابلة للتصحيح الشرعي – في نظري – إذ هي محاولة تخريج تعامل على الوجه الصحيح لا فائدة له إلَّا إذا كان ممكن التطبيق وهذه عقود لا تقبل أي تغيير في أسواقها ولا حاجة للعالم الإسلامي فيها في اقتصاده. والله أعلم.
الشيخ وهبة مصطفى الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة على رسول الله، وبعد:
لا شك بأن الظروف الاقتصادية العالمية تعتمد على أسس قانونية بعيدة عن مناخ الفقه الإسلامي وعن طبيعته التي تعتمد على منع الغرر والنزاع والخلافات التي تثور فيما بين المتعاقدين وتمنع الربح الذي لا يعتمد على أساس حلال، ويراد لهذه الأنظمة الغربية أن تكون لها الهيمنة في البلاد الإسلامية بهذه العناوين، ولقد حاول الكثيرون من الاقتصاديين أن يجدوا مبررًا أو مسوغًا لهذه الأنظمة الغربية عن فقهنا الإسلامي وعن تطلعات – أيضًا – المسلمين إذا أرادوا التقيد بقواعد شريعتهم والالتزام بالنصوص الشرعية الصريحة في مثل هذه الأمور. ومن أخص هذه التصورات والأوضاع الموجودة في الأسواق الاقتصادية أو الأسواق المالية العالمية هو ما سُمِّي بموضوع (الاختيارات) .
لقد أعددت بحثًا حول هذا الموضوع – أيضًا – مختصرًا كما هو الشأن الذي جرى عليه فضيلة الشيخ الجليل محمد المختار السلامي وأؤيده في كثير مما قاله في أن هذه العقود ليست لها صبغة شرعية ولا يقرها فقهنا لا من قريب ولا من بعيد، فهي ليست مما تنطوي تحت عقود بيوع العربان أو العربون الذي أقره فقهاء الحنابلة دون غيرهم من المذاهب الإسلامية، والكلام حول هذا العقد – أيضًا – معروف عند الفقهاء ومع ذلك فنحن لا نجد مسوغًا لعقد هذه المقارنة، فالعقود المعروفة في الفقه الإسلامي تعتمد على وجود إرادتين واتفاق إرادتين بإيجاب وقبول والعقد قائم، وكل ما يمكن أن يثار حول هذه العقود هو تحقيق الضوابط الشرعية والمبادئ التي ينبغي أن تتحقق لتحقيق العدالة والمساواة ومنع الغرر كما قلت. فهذه العقود التي سميت بعقود الاختيارات ليست إطلاقًا من فئة عقود بيع العربون وليست – أيضًا – من فئة عقود السلم لأن عقد السلم – أيضًا – عقد وارد على بيع شيء موصوف في الذمة فهو بيع آجل بعاجل، بيع قائم والشرع – أيضًا – حينما أجاز عقد السلم وعقد الاستصناع استثناء من العقود العامة – كما يقول بعض الفقهاء – هو ثبت على خلاف القياس استحسانًا مراعاة لحاجة الناس إليه حتى لا يكون هناك تصادم بين بيع – المبدأ الممنوع شرعًا – الكالئ بالكالئ، أو بيع الدين بالدين، فاستثنى عقد السلم ومع ذلك فهو جائز شرعًا نحترمه. عقود الاختيارات ليست لها مثل هذه الصفة إطلاقًا فهي مجرد وعود بين متعاملين يريدان – كما أشار فضيلة الأستاذ السلامي – أن يربح الوسطاء بين هؤلاء المتعاملين وينتظرون تقلبات الأسواق بحذق ومهارة ويستفيد واحد منهما على حساب الآخر وليس هناك له أي صفة عقد، فالعقد أنا لا استطيع أن أسمي هذا عقدًا إطلاقًا. إنما أضيف إلى ما ذكره الشيخ السلامي أن هذه كما ذكرت في بحثي عقود الاختيارات هي مجرد مواعدة ووعود بين اثنين، وهذه الوعود حتى الوعد – أيضًا – لا يمكن أن يكتسب صفة الإلزام عند أغلب الفقهاء إلَّا ما هو معروف ومشهور عند فقهاء المالكية:" إذا دخل الإنسان في التزام ما عندئذ يصبح الوعد ملزمًا "، وأيضًا يقول الحنفية:" الوعود بصور التعاليق تكون ملزمة "، يعني أنه وعد إنسانًا وقال له: إن تزوجتها فأنا أقرضك أو أعطيك أو أبيعك أو أشتري منك، هذه التزامات – أيضًا – الحنفية أقروا المبدأ في أن الوعود تكون ملزمة إذا دخل الإنسان في التزام ما. فهم أقرب إلى مذهب المالكية أيضًا. فهذه مجرد وعود وهذه الوعود أيضًا حتى لو جرينا على مبدأ الفقه المالكي لا يمكن أن نقول أنها تتسم أو تستحق أن توصف بصفة الإلزام لأنه لا يلتزم واحد من الطرفين بشيء حتى يلتزم الطرف الآخر بمقابله. فلذلك كما ذكرت، الخلاصة في هذا الموضوع: عقود الاختيارات أو طبيعة هذا العقد لا نجده منضمًّا تحت لواء تنظيم أي عقد من العقود المسماة المعروفة وقد أحصيت هذه العقود المعروفة في الفقه الإسلامي منها: عقود التمليك، عقود المنفعة، عقود العمل، عقود الغرر، عقود التأمينات الشخصية
…
إلخ. والعقود في الفقه الإسلامي واحد وعشرون عقدًا لم أجد أي تشابه أو تقارب بين هذه الاختيارات وبين هذه العقود المقررة في الفقه الإسلامي فهي إذن تصرف من نوع خاص يمكن وصفه – كما قلت – مجرد مواعدة لتبادل حقوق مجردة منقطعة الصلة بالأعيان أو بالأشياء المادية وتقتصر على تبادل الرغبات أو الإرادة والمشيئة. يعني إذن هي التعبير الدقيق إذا أردنا إضفاء التكييف الفقهي الدقيق على هذه التي تسمى (عقود الاختيارات) هي عقود باطلة.
القاضي محمد تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:
في الواقع أن صورة عقود الاختيارات قد أوضحها فضيلة العلامة الجليل الأستاذ محمد المختار السلامي، وألقى عليه أخونا الدكتور وهبة الزحيلي ضوءًا وأضم صوتي إلى صوتهما وأقول: إنه من الواضح أن هذه العقود – عقود الاختيارات – لا تدخل في أحد من العقود المشروعة المعروفة في الشريعة الإسلامية لا في السلم ولا في الهبة ولا في الوعد الملزم ولا في بيع الحقوق التي أجازها بعض الفقهاء ولكن لا يقتصر الأمر على هذا فحسب بحيث إن هذا العقد لا يدخل في أحد من العقود المشروعة بل ينطبق عليه تعريف القمار تمامًا، فإنه تعليق التمليك على الخطر فإن ما يدفعه الإنسان لشراء هذا الاختيار ما يدفعه في ذلك فإنه على خطر، فيمكن أن يشتري بذلك شيئًا ويمكن ألا يشتري، فإذا لم يشتر فذهب ماله سدى بدون عائد فينطبق عليه تعريف القمار تمامًا. الذي أراه أن عقد الاختيار هذا مشابه لعقد التأمين. فكما أن في عقد التأمين يدفع الإنسان مالًا ليتجنب عن بعض الخسائر أو بعض الأخطار فكذلك يدفع مشتري الخيار مالًا لتجنب الخسائر المحتملة بتقلبات الأسعار، فإنه – مثلًا – يحصل على اختيار شراء الدولارات على توقع أنه إذا حدث هناك تقلب في الأسعار فإنه لا يخسر بذلك، إذن هو التأمين ضد الخسائر المتوقعة بتقلبات الأسعار.
فما قرر هذا المجمع في موضوع (التأمين) ينطبق على هذا العقد في الخيارات أيضًا. فالذي أريد أن ألفت الأنظار إليه أنه لا يدخل في أحد من العقود المشروعة وإنما يدخل في عقد التأمين وينطبق عليه تعريف القمار تمامًا. والله سبحانه أعلم..
الشيخ الصديق الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم.
كتبت في هذا الموضوع ورقة قصيرة معتمدًا فيها على ما جاء في المذكرة التي أرسلت إلينا وهي تحتوي على تعريف للاختيار وعلى أسئلة محددة طلب منا الإجابة عنها، ولهذا سيكون حديثي ملتزمًا فيه بهذه الخطة.
السؤال الأول: هل ينضوي عقد الاختيار تحت أحد العقود المسماة المعروفة؟ أو هو نوع جديد؟ والجواب على هذا هو كما قال الأخوة هو نوع جديد وحكمه أنه عقد غير صحيح، وتكييفه أنه عقد معاوضة، هو عقد معاوضة كما جاء في تعريف الخبراء ونحن الفقهاء لا نضع تعريفًا لهذا العقد من عندنا. فالتعريف الذي ذكره الخبراء هو:(الاختيار عقد بعوض على حق مجرد يخول صاحبه بيع شيء محدد أو شراءه بسعر معين طيلة مدة معلومة أو في تاريخ محدد إما مباشرة أو من خلال هيئة ضامنة لحقوق الطرفين) . وهذا هو التعريف الذي اعتمدت عليه إجابتي على الأسئلة، فهو عقد معاوضة كما هو واضح من هذا التعريف وواضح أيضًا أن المحل في عقد الاختيار هو الحق في شراء شيء معين أو بيعه بسعر معين في زمن معين. إلى آخر ما جاء في التعريف، هذا الحق ليس مالًا متقومًا ولاحقًّا ماليًّا وإنما هو حق في الشراء أو البيع بسعر محدد، يعطيه أحد الطرفين للآخر نظير مال. من هذا يمكن أن يشبه بخيار الشرط المعروف في الفقه الإسلامي الذي يعطيه أحد الطرفين للآخر ويجعل له الحق في إمضاء البيع أو فسخه لكن هذا الشبه في هذه الجزئية فقط. والاختلاف والفروق بين هذا الاختيار وبين خيار الشرط كثيرة فهو يختلف عنه اختلافًا أساسيًّا لأن خيار الشرط يكون ضمن عقد قائم موجود ويعطي أحد الطرفين للآخر الخيار أما هذا فخيار نشأ من العدم. حتى لو شبهناه بخيار الشرط لا أعلم فقهيًّا، واحدًا جوّز أخذ العوض نظير خيار الشرط، وإذا كان أخذ العوض نظير خيار الشرط لا يجوز فيبقى من باب أولى لا يجوز نظير هذا الخيار الذي لا أصل له.
السؤال الثاني: يتعلق بالعلاقة بين عقد الاختيار والعقود الأخرى وكما قال الأساتذة قبلي ليس هناك علاقة بينه وبين العقود التي ذكرت (بيع العربون، البيع على الصفة، السلم، الهبة) لسبب بسيط هو أن المحل في هذه العقود سلعة ويجب أن تكون هذه السلعة مالًا متقومًا أما المحل في عقد الاختيار فهو الحق في الشراء أو البيع وهو ليس بمال. فيه وجه اشتباه حصل عند بعض الكاتبين في تشبيه الاختيار ببيع العربون ووجه الشبه هو أن في العقدين خيارًا بمقابل، في بيع العربون فيه خيار بعوض هو العربون في حال عدم إمضاء البيع – هذا عند من يجوّز بيع العربون، وكما هو معروف أن الجمهور لا يجوزون هذا البيع – هذا الشبه شبه ظاهري وغير مؤثر لأن الفروق بين العقدين كثيرة وقد ذكر أخونا الأستاذ السلامي هذه الفروق ولاداعي لتكرارها والمهم الذي أريد الوصول إليه أنني لا أرى وجهًا لقياس عقد الاختيار على بيع العربون.
هناك سؤال بعد ذلك عن التكييف الشرعي للعوض مقابل إعطاء الحق، هذا في نظري من أكل المال بالباطل لأنه ليس له مقابل صحيح وليس هبة فلا وجه لأخذه.
السؤال الذي بعده هو، هل يصلح الحق المجرد محلًّا للعقد؟ اسمحوا لي أن أتكلم في هذه النقطة، هذه المسألة تكلم عنها الفقهاء ومنهم ابن عابدين عن الاعتياض عن الحقوق وكتب تحت عنوان:(لايجوز الاعتياض عن الحقوق المجردة) قرر هذا في حاشيته ولا يجوز الصلح ولا تضمن بالإتلاف لأن الاعتياض – هذا كلام ابن عابدين – عن مجرد الحق باطل إلَّا إذا فوّت حقًّا مؤكدًا فإنه يلحق بتفويت حقيقة الملك في حق الضمان كحق المرتهن. ومثل ابن عابدين للحقوق المجردة بحق الشفعة، حق القسم للزوجة، حق الخيار في النكاح للمخيرة، حق صاحب الوظيفة في الأوقاف من إمامة وخطابه
…
إلخ. وقرر اتفاق الفقهاء على عدم جواز الاعتياض عن حق الشفعة واختلافهم في جواز الاعتياض عن الوظائف لكن الذي يظهر لي أن اعتبار حق الاختيار من قبيل الحقوق المجردة التي يتحدث عنها الفقهاء غير سليم لأن الحق المجرد الذي يتحدث عنه الفقهاء هو حق ثبت لصاحبه بوجه شرعي صحيح كما هو واضح من الأمثلة حق الشفعة ثبت لهذا الشخص بوجه شرعي لكن هذا الحق الذي يسمى حق الاختيار ليس من هذا القبيل مطلقًا لأنه ليس حقًّا ثابتًا لأحد وإنما يريد أحد العاقدين أن ينشئه للآخر، ويبدو لي أن العوض في عقد الاختيار ليس مقابل حق الاختيار وإنما هو مقابل التزام أحد الطرفين للآخر ويقابل هذا الالتزام ثبوت الحق، لكن الحقيقة العوض مدفوع نظير هذا الالتزام وجاء ثبوت الحق تبعًا لهذا. لأن حقيقة اختيار الشراء – مثلًا – هو أن البائع يلتزم للمشتري ببيع شيء موصوف في وقت محدد بثمن محدد يدفعه له عند الاتفاق مقابل هذا الالتزام ويترتب على التزام البائع ثبوت حق للمشتري في الشراء، ولذلك أنا أرى أن قياسهُ حتى في الكلام عنه بالحق المجرد في المرحلة الأولى غير سليم، وهنا قد يأتي سؤال فرعي عن هذا، إذا كان هذا التكييف سليم هل يصلح مجرد الالتزام بالبيع محلًّا للعقد؟ بداهة الجواب لا يصلح، ربما يقال إن هناك وجه شبه – وهذا حقيقي – بين بيع الاختيار الذي ثبت للمشتري بمقتضى التزام البائع لأن هذا كما قيل هو نفسه يباع فبعد أن ثبت له أصبح حقًّا مجردًا. هذا الكلام قد يكون مقبولًا لو أن الاختيار الأول ثبت للمشتري بطريق مشروع لكن إذا كان الاختيار الأول نفسه لم يثبت بطريق مشروع فلا محل للكلام بأن يباع الاختيار الثاني.
هناك سؤال عن الهيئة الضامنة وفي الواقع أن هذا السؤال لا مانع للبحث عن جواب عنه إلَّا إذا حكمنا بجواز عرض الاختيار وأنا افترضت أنه جائز وأجبت عنه ولكن لا داعي لذكره لأنه واضح أن الاتجاهات جميعها على أن هذا العقد لا يجوز فلا داعي للافتراض.
هناك جزئية مهمة أريد أن أتحدث عنها وهي خلاصة في حكم الاختيارات وواضح من إجاباتي على كل الأسئلة كما سترون في المذكرة أن عقد الاختيار عقد غير صحيح للأسباب التي وردت في الإجابة لكن أريد هنا أن أركز على صورتين من صور الاختيارات لأنها تتميز، صور الاختيارات كما هو معروف تكون في العملات وفي الأسهم وفي السلع وفي المؤشرات وأريد أن أخص بالحديث اختيارات شراء العملات واختيار شراء الأسهم فبالنسبة لشراء العملات، شراء العملات وبيعها هو المعروف في الفقه الإسلامي بعقد الصرف وعقد الصرف جائز إذا توافرت شروطه ومن شرائط صحة عقد الصرف قبض البدلين في مجلس العقد بنص الحديث الصحيح ولهذا قرر الفقهاء أن خيار الشرط لا يدخل في عقد الصرف لأنه يتنافى مع وجوب قبض البدلين في المجلس، ويفهم من هذا أن شراء العملات وبيعها إذا دخله الخيار لا يجوز ولو كانت العملة مملوكة للبائع ولو كان الخيار بغير عوض، فكيف به إذا كانت العملة غير مملوكة للبائع وكان الخيار بعوض كما هو الشأن في خيار شراء العملات وبيعها المعروف في الأسواق المالية. فهذا واضح بالنسبة لشراء العملات لا مجال للحديث عنه ولا للبحث عن جواز بيع الحقوق المجردة أو غيره، هذا لا يتأتى مطلقًا.
الصورة الثانية وهي (اختيار شراء الأسهم) الاشتراك في شركات المساهمة هذا جائز شريطة أن تكون الشركات ملتزمة بعدم مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية وبيع المساهم سهمه لآخر جائز شريطة الالتزام بالقيود الشرعية لبيع الأسهم، والمقصود الأصلي – في نظري – من الاشتراك في شركات المساهمة ومن شراء الأسهم هو اقتناء تلك الأسهم، أما المتاجرة في الأسهم بمعنى اتخاذ الأسهم نفسها سلعة تباع وتشتري ابتغاء الربح فقط من غير قصد إلى اقتناء الأسهم والمشاركة في الشركة كما هو حادث في الأسواق المالية هذه هي الصورة التي نبحثها. الذي يشتري خيارات الأسهم لا غرض له مطلقًا في أسهم الشركة ولا يريد أن يقتني أي سهم ولا يسأل عنها الشيء الذي يهمه هو هذا الفرق الذي سيأخذه. هذا الموضوع – المتاجرة في الأسهم – محل خلاف بين الفقهاء المعاصرين وإلى الآن لم يحسم وأنا أميل فيه إلى المنع ولو كان خاليًا من الاختيارات. أما التعامل في الأسهم عن طريق الخيارات فهذا قطعًا ينبغي أن يمنع.
خيار شراء العملات وخيار شراء الأسهم هذا شبيه بالقمار ولا فرق بينه وبين المضاربة على فروق الأسعار، وأريد أن أضرب مثلًا أو مثلين يوضح هذا المعنى.
المثال الأول: اشترى شخص عشرة آلاف من الدولارات من آخر بسعر الدولار تسعون جنيهًا سودانيًّا واشترى الخيار لمدة ستة أشهر بعشرة آلاف من الجنيهات السودانية وقبل أن تنتهي الستة أشهر ارتفع سعر الدولار إلى مائة جنية فمارس المشتري حقه في الخيار، فإنه يكون حقق ربحًا وهو ما يرمي إليه ولكن ربحه هذا هو خسارة على البائع على أن الدولار قد يبقى سعره كما هو إلى انتهاء مدة الخيار فيخسر المشتري عشرة آلاف ويربحها البائع ففي هذه المعاملة يكون كل واحد من المتعاقدين إما غانمًا أو غارمًا، وهذا هو ضابط القمار المحرّم كما أشار إليه القاضي العثماني. ضابط القمار هو أن يكون كل واحد من المتعاقدين إما غانمًا أو غارمًا. وأما البيع الذي أحله الله، فإن كل واحد من المتعاقدين يكون غانمًا لحصوله على العوض المعادل لما حصل عليه الآخر، وهكذا الحال في بيع العملات يدًا بيد، كل واحد منهما يحقق غرضًا مشروعًا.
المثال الثاني: (بالنسبة للأسهم) : إذا باع شخص خيار شراء أسهم لمدة ستة أشهر بسعر أربعين دولار للسهم مقابل أربعة دولارات ثمن الخيار، فإنه يفعل ذلك لأنه قدّر أن ثمن السهم لن يزيد في هذه المدة على الأربعين دولارًا بأكثر من ثمن الخيار، والمشتري بالعكس يقدّر أن ثمن السهم سيزيد في هذه المدة على الأربعين دولارًا والثمن الذي دفعه للخيار أي مجموع الاثنين وإلَّا ما أقدم على الشراء فهو يضارب أي المشتري على ارتفاع السعر والبائع يضارب على انخفاضه، ومن تحققت نبوءته كان هو الرابح وهذا هو برهان المضاربة التي هي بمعنى القمار فما الفرق بين هذا والمضاربة على فروق الأسعار؟ لا أرى فرقًا. ولهذا أرى أن شراء الاختيارات وبيعها في جميع صورها ليست من بيوع المسلمين التي أحلها الله لهم فيجب عليهم الابتعاد عنها. أما البحث عن بديل فإن هذه الخيارات ليست وسيلة لتحقيق مصلحة معتبرة حتى نبحث لها عن بديل. نحن نبحث عن البديل إذا كانت الوسيلة ممنوعة لكنها توصل إلى مصلحة، في هذه الحالة يجب أن يكون في الشراع وسيلة مشروعة توصل إلى هذه المصلحة وهذا غير موجود في مثالنا هذا، ولذلك لم أشغل نفسي بالبحث عن بديل لهذه المعاملة وشكرًا.
الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد،
فقد اتجهت في دراسة هذا الموضوع إلى الأسلوب التحليلي بدلًا من النظرة العامة إليه، ومن خلال تأملي ودراستي لهذا العقد وجدت أنه يحتوي على عقدين وليس على عقد واحد، العقد الأول وهو الذي تضمنته الجملة الأولى في تعريف الاختيارات (عقد بعوض على حق مجرد يخول صاحبه بيع شيء محدد) ، إذن البيع بشيء محدد أو شراء شيء محدد هذه عملية تالية وعقد آخر غير العقد الأول. العقد الأول وهو الذي (بعوض على حق مجرد يخول صاحبه) اعتبرت هذا عقد إجارة لأنه لا يمكن لأي أحد أن يدخل السوق المالية إلَّا بعد ترخيص معين، هذا الترخيص المعين عبارة عن أنه يقدم هذا العوض من أجل أن يستمتع بالتسهيلات والمعلومات المالية التي تقدمها هيئة السوق فهو عقد على منفعة معينة هذه المنفعة هي التسهيلات والمعلومات التي تقدمها هيئة السوق، فهذا عقد إجارة وهو منفصل تمامًا عن بيع الاختيار أو بيع الاختيارات، وهذا لم أسمه عربونًا وإنما هو أجرة، هذه الأجرة التي يدفعها هي كالرسوم التي تدفع لعضوية النوادي الثقافية والاجتماعية المعروفة وبدون دفع هذا العوض أو هذه الأجرة لا يمكن أن يدخل إلى هذه السوق. فإذن الجزء الأول اعتبرته عقد إجارة على منفعة معينة هذه المنفعة المعينة هي التسهيلات والمعلومات التي يقدمها السوق للمتعامل في هذه السوق. هذا عقد أول. العقد الثاني وهو عبارة عن جوهر هذا العقد ولبّه الذي عبر عنه تعريف المجمع (يخول صاحبه بيع شيء محدد أو شراءه بسعر معين طيلة مدة معلومة أو في تاريخ محدد إما مباشرة أو من خلال هيئة ضامنة لحقوق الطرفين)، فإذا وقع الرسوم وأخذ الترخيص عندئذ له الحق أن يزاول هذا النوع من التعامل. فالعقد الأول عقد إجارة والعقد الثاني عقد بيع. عندئذ إذا صح هذا التكييف لهذا النوع من التعامل إذن ننزل أحكام عقد الاختيارات بعقديه الأولى الابتدائي والثاني الذي هو الجوهر ننزل الأول على أحكام الإجارة والثاني على أحكام عقد البيع. ومن خلال هذه الدراسة وصلت إلى النتيجة التالية:
أولًا: عقد الاختيار حسب التعريف المقدم من قبل المجمع هو عقد بيع في جوهره، وموضوعه تنزل أحكامه وفق أحكام البيع. الحق المجرد بالصورة المدونة في هذا العقد نظريًّا وتطبيقيًّا ليس مالًا ولا منفعة ولا بما له مال ولا بما له تعلق بواحد منهما فلا يصلح فقهًا أن يكون معقودًا عليه.
العقد الثاني: الذي هو لب هذا العقد، إذ أن أركان البيع وشروط البيع ينزل عليه، والخلل لهذا العقد آت من جانب عدم وجود المالية فيه، ولكن هيئة السوق مستعدة أن تمون وتعطي المتعامل البضاعة الموصوفة، ولذلك المعقود عليه عبارة عن بضاعة موصوفة لو أراد أن يحصل عليها لأمكن، فإذن من أجل أن نصحح هذا العقد ومن أجل أن يكون عقد بيع لا بد أن تتحقق فيه المالية، فلا بد أن يكون المتعامل عاقدًا وعازمًا على شراء تلك البضاعة. هيئة السوق شخصية معنوية اعتبارية ذات ذمة قابلة للإلزام والالتزام فهي إذن تتحمل هذه المسؤولية وهي تكون في مقابل البائع إذا كانت في جانب البيع أو المشتري إذا كانت في جانب الشراء. الضمان الذي تقدمه الهيئة للطرفين هو تأكيد الشخصية المعنوية ولا يتعارض هذا الضمان مع النصوص الشرعية خصوصًا وأن أحكام الضمان مبنية على التسامح.
العوض في اختيار الشراء لا دخل له في ثمن المعقود عليه – الذي هو في البداية عقد على عوض – في الاختيارات وعلى فرض جعله من الثمن فإنه لا يؤثر على صحة العقد لو كان صحيحًا في بقية الأركان لأن الخلل آت من ناحية مالية المعقود عليه، بل يعد من قبيل بيع العربون وهو دفع بعض ثمن في بيع عقداه أو أجرة أو يكون مشتريًا ومستأجرًا إلى آخر ما هو معروف معنى العربون. فعلى مذهب الحنابلة لو افترضنا مع أنه لا يدخل في بيع العربون إنما العوض الذي يدفعه هو أجرة دخوله وتعامله في تلك السوق. يمكن تعديل هذا النوع من البيوع مع الاحتفاظ بخصوصية الاختيار، والواقع انطلقت أنا من تحليلي لهذا العقد لأنه على المذهب الحنبلي ليس ضروريًّا أن يكون أي عقد من العقود المسماة، والأصل في المعاملات الإباحة حتى يوجد ما يفسد ذلك العقد، ولذلك انطلقت من هذا المنطلق وبحثت عن جوانب الخلل بعد التكييف الفقهي لذلك الموضوع فيمكن تعديل هذا النوع من البيوع مع الاحتفاظ بخصوصية الاختيار وهو السعر المعين طيلة مدة معلومة أو في تاريخ محدد بإقامة أركان البيع التي تطرق خلل الاختيارات من قبلها خلوه من موانع الصحة وأسباب البطلان، والخلل في الأركان ظهر في العناصر التالية وأحصيتها هنا:
- مالية المعقود عليه الثمن والمثمن على السواء وهي لا تتمثل فيما يسمى بالحق المجرد بحال، وسلامة هذا الجانب وعلى الأصح هذا الركن في تحقيق مالية الثمن والمثمن بما جرى شرحه وتوضيحه.
- الجانب الثاني الذي جاء الخلل فيه لهذا البيع عدم قبض الثمن والمثمن، بمعنى غيابهما جميعًا عند العقد وهذا يحيل العقد إلى بيع الكالئ بالكالئ لأنه لا الثمن مدفوع ولا المثمن مدفوع، إذن كيف نصحح هذا ويكون العقد سليمًا في هذا الجانب؟ فلا بد من تعجيل أحدهما على الأقل ووصف مؤجل وصفًا دقيقًا ينقطع به النزاع.
- جوانب الخلل في عقد البيع والذي هو جوهر هذا العقد. عدم ملكية المعقود عليه للبائع في اختيار الاستدعاء وهو بهذا يفتقد شرطًا من شروط انعقاد البيع عند الحنفية وشرطًا من شروط الصحة عند الشافعية وشرطًا من شروط اللزوم عند المالكية وبالإمكان تصحيح هذا الخلل في ضوء المذهب المالكي بعد أن يظل العقد موقوفًا حتى يتم تملك البائع للسلعة تملكًا شرعيًّا صحيحًا وحينها يصبح العقد صحيحًا ولازمًا.
- بعد ذلك من ناحية إعطاء شهادة حق التملك وحق الأولوية في شراء الإصدارات من حيث هو بالصورة الموضحة بالأوراق المقدمة من قبل المجمع هو بمثابة مكافأة غير مشروطة ممن يملك إصدارها ومنحها، وما دام أنها غير مشروطة في التعامل وبخاصة إذا كانت معاملة قرض بين الأفراد والشركات المانحة لها فإنها صحيحة بلا استثناء، أما لو كانت مشروطة في حالة القرض فعندئذ تدخل تحت القاعدة المشهورة (كل قرض جرّ نفعًا فهو حرام) ، وإعطاء إحدى الشهادتين أو كلتيهما مكافأة للعملاء أو حماية لحقوقهم هو تمليك لهم ما يجوز لهم تملكه، وهذا يخولهم حق نقلها بمقابل أو بدون مقابل إلى من عداهم ما لم يكن هذا التمليك معنيًّا ومشروطًا – لهم خاصة – ذلك أن المسلمين عند شروطهم.
والأولوية في شراء الإصدارات الجديدة من الأسهم لا يطلق عليها الشفعة في الفقه الإسلامي ولا تندرج تحت هذا المصطلح بحال، ذلك أن هذه التسمية (الشفعة) لا تطلق أصالة في الفقه الإسلامي إلَّا لعقار وهو الأرض وما اتصل بها من بناء وشجر فلا شفعة في غيره إلَّا تبعًا، فشرط الشفعة أن يكون محلها عقارًا.
فإذا صححت هذه الجوانب التي جرى فيها الخلل لهذا العقد عندئذ أرى أن هذا العقد صحيحًا ومتفقًا مع الشروط والأركان الشرعية الموضحة في عقد البيع وعقد الإجارة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
حجة الإسلام محمد على التسخيري:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين وصحبه.
فكرة أردت أن أطرحها للبحث فقد تحدث المخالفون بشكل علمي لهذه العقود، اسمحوا لي أن أطرح هذه الفكرة حتى لو فسرت على أنها تأييد لها. التحريم كالتحليل فيه المؤونة علمها.
أولًا: أعتقد أننا لو تأملنا في الأمر وفي الدور الذي تقوم به عقود الاختيارات في إيجاد تنسيق بين العرض والطلب وهي اليوم عقود معتبرة في الأسواق المالية العالمية، أعتقد أن إطلاق لفظ (المقامرة) على مثل هذه العقود أمر يحتاج إلى مؤونة، وأذكر هنا أن بعض السادة أطلقوا على عقود التأمين صفة المقامرة مع أن الفرق بين هذه العقود وعقود التأمين والمقامرة كبيرة جدًا.
ثانيًا: أيضًا ينبغي أن نحذف من بحوثنا ما يرتبط بشكل جانبي بهذه العقود كالفائدة التي تعطيها الهيئة الضامنة لمبلغ الضمان المسلم لها وأمثال ذلك، هذه أمور جانبية يجب أن تحذف من محل البحث. ثم أعتقد أنه لا معنى لأن نرجع عقود البيع هذه التي يصرح المتعاملان فيها بكلمة البيع نرجعها إلى المواعدة أو العربون أو التأمين كما تفضل شيخنا القاضي العثماني – حفظه الله - لا هذا بيع.
النقطة الثالثة التي هي محور حديثي هي: أن مركز بحثنا يجب أن ينصب على محل العقد. محل العقد هو موضع الخلل أو موضع الشبهة في هذه العقود ومحل العقد هو الحق المجرد الذي عبرت عنه التعاريف بالحق المجرد أو الحق الذي لا ينتسب إلى عين أو إلى سلعة، هذا الحق المجرد هل يمكن أن نبيعه؟ نحاول تقسيم الحقوق إلى مالية وإلى ما ليس فيها مالية وإلى وإلى
…
، ثم نحاول التركيز على هذا الحق لنجد أن هذا الحق وَاقِعًا هو حق مجرد لا نسبة له إلى سلعة، لا نسبة له إلى عين. ثم ما هو الدليل القاطع على أن هذا الحق لا يجوز التعويض عنه، ما هو الدليل على ذلك؟ حق له مالية عرفية وهو حق شرعي لا كما تفضل به شيخنا الشيخ الضرير أنه ليس حقًا. واقعًا لي الحق، هذا حق مشروع لي أن أبيع ولي أن أشتري، حق مشروع قائم، يقبله الشرع وله مالية عرفية والدليل على ماليته العرفية تعامل الناس به أو تعامل هذه الأسواق الدولية به، حق له مالية يبذل بإزائها مال هل يمكن أن يباع هذا الحق؟ هل يمكن أن يشترى هذا الحق؟ هذا ما يجب أن نركز عليه، هل هذا الحق أقل من حقوق الاختصاص التي يمكن التعويض عنها؟ هل هذا الحق هو أقل من حق الخلو الذي قال كثير من الفقهاء بجوازه؟ هذه نقطة يجب التركيز عليها. وأعود فأقول بالدقة إننا يجب أن نبعد عنصر مسألة المقامرة، صحيح أن هناك من يستغلون هذه العقود لأمور هي تشبه القمار لكنها عقود قائمة في أسواق عرفية عقلانية يراد بها أن يتم تنسيق بين العروض وبين أنواع الطلب المقدم على هذه العروض، حبذا لو ركزنا على هذه النقطة.
هذه فكرة أطرحها للبحث ولا أريد أن يتصور منها الموقف الإيجابي، المهم أن نركز على محل البحث بعيدًا عن الصفات أو الإرجاع إلى عقود أخرى وهي مسألة بيع هذا الحق، هل يقبل هذا الحق البيع أم لا؟ وشكرًا.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
اسمحوا لي إن عدت للكلام في هذا الموضوع ذلك لأنه كما تفضل الشيخ الضرير هذا عقد موجود ومعروف في الأسواق، فعندما نتحدث عن الاختيارات لا نتحدث عن مصطلح أوجدناه ولكن نتحدث عن مصطلح موجود، ولفهم هذا المصطلح لا بد من العودة إلى واضعيه، فمن المعلوم أنه أول ما وقعت قضية الاختيارات هي وقعت في أمريكا الشمالية في كندا في سنة 1972م. ومنها انتقلت إلى سوق شيكاغو ثم كان المركز الثالث في روتردام ثم دخلت إنجلترا وفرنسا وغيرها، وأصبح موضوع اختصاص في الدراسات العليا في الجامعات الاقتصادية. وقد حاولت في هذا الوقت القصير بين تكليفي من سماحة الأمين العام بالكتابة فيه وبين الكتابة بالرجوع إلى المصادر الأصلية. فالمصدر الأصلي من المصادر الأصلية الكبرى ما ينفي كثيرًا مما تحدثنا عنه اليوم أو يصحح الوضع. أولًا: هذا العقد ليس عقد تواعد وإنما هو عقد بيع، ويجمع أصحابه على أنه عقد بيع وأنه ليس عقد قمار، ولكن هو عقد بيع لحق وهنا يأتي السؤال الكبير هذا الحق كيف يتولّد؟ يولده البائع. أستطيع الآن لو كنت من الذين يتعاملون في الأسواق المالية أن أقول من يشتري مني عشرة آلاف سهم في شركة سيارات بنز، هذه العشرة آلاف سهم غير موجودة لا أملكها وكما يقول أصحاب المعارضين لهذا قد تكون الأسهم التي تباع في هذه الأسواق هي أضعاف أضعاف الأسهم الحقيقية الموجودة، فأنا أقوم ببيع عشرة آلاف سهم بحق الاختيار في عشرة آلاف سهم من يشتري مني هذا؟ فإذا وجد وهذا يسجل في السوق وفي السوق يسجل كما يسجل البائع يسجل المشتري وتقوم الهيئة القائمة على السوق بالجمع بين الإرادتين دون أن يعرفني أحد ودون أن أعرف أحدًا فالمشتري لا يعرف البائع والبائع لا يعرف المشتري ولكن كلاهما – كما وقع التعبير عنه على أن الغرر في معظم الأحوال هو نوع من الاستثمارات – فعوض أن يشتري عشرة آلاف سهم وهو ما عنده من المال يستطيع أن يشتري مائة ألف لأنه لا يدفع إلَّا حق الاختيار، فإذا به يصبح له – في مكاسبه وفي ربحه – الشيء الوفير. فهل يصح أن أنشئ حقًّا لا وجود له – خيالي ثم أبيعه؟ هنا أجيب أخانا فضيلة الشيخ محمد علي التسخيري. هو ليس قمارًا كما هو معروف في القمارات يُدخل من أول الأمر على القمار، هو فيه نوع من البيع والشراء لكن القصد منه – كما قلت – هو تارة يكون على القمار تمامًا وتارة لا يكون على القمار، ومثال أن يكون على القمار، فمن جملة أنواع بيع الاختيارات أن يكون فلاح كبير في أمريكا يحصل حصادًا من القطنيات تساوي ملايين الدنانير ويريد أن يضمن من الدخل ما يقوم بمصاريفه ويقوم بحياته، فإذا به يبيع اختيارًا – بيع اختيار شراء – حيث نصف الصابة التي سيحصل عليها حتى يضمن الدخل، فهو ليس عبثًا فقط، هو فيه نوع من القمار تارة وفيه ضمانات من الدخل، وفي تارات أخرى تجد الشخص قد ارتبط في مقاولة أو في استيراد سلع من دولة أخرى يدفع هذه السلع بالدولار وهو يخشى من تذبذب العملات، بهذا التذبذب أن يكون في وقت الشراء عندما يلزم بالبيع تكون إما العملة ارتفعت كثيرًا فإذا هو يصبح خاسرًا، فحتى يؤمن على نفسه من ارتفاع العملة الارتفاع الكبير هو يشتري خيارًا بقيمة محددة ثم إنه في هذه القيم المحددة تارة يشتري على أنه إذا زادت القيمة، لو فرضنا أنه اشترى الدولار بـ3.80 ريال يكون في العقد على أنه إن زاد على ذلك فهو يأخذ نسبة 70 % من الزيادة أو 80 % من الزيادة، فالعقود هي من التعقيد الشيء الكثير وهي كلها لا تقوم على أساس وجود شيء فعلي أو وجود حق حقيقي وإنما هو حق ينشئه الإنسان ثم يبيعه.
أردت بهذه الكلمة توضيح الوضع حتى تكون المناقشات تدور حول الواقع في سوق الاختيارات وليس كما نريدها نحن، فهذه السوق ليست من السهولة بمكان. أما ما جاء في كلمة صديقنا فضيلة الأستاذ الشيخ عبد الوهاب أبو سليمان، فأعتقد أن هناك أمرين، هناك السوق وكون الإنسان يصبح سمسارًا، فهذا لا دخل له في الاختيارات فالسمسار هو يعمل في الاختيارات وفي غير الاختيارات وهذا مجلس في السوق يدفع ثمنه إيجارًا لمدة محددة حتى يدخل السوق وهو ليس مشتريًا وليس بائعًا، فمشتري الخيارات أو بائع الخيارات هو شخص آخر أجنبي عن السوق يأتي للسمسار الذي انتصب في السوق ليعلن عنده أنه يريد شراء خيار أو يريد بيع خيار. فلا بد من التفرقة بينهما. وشكرًا.
الشيخ أحمد علي طه ريان:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المسلمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد:
الواقع أن عقد الاختيار أو لعل أن عقد الاختيار ليس له صورة واحدة في كل المجتمعات التي تتعامل به بل له صورة في القاهرة وهناك صورة أخرى في لندن أو في باريس أو في المجتمعات الأخرى التي تتعامل به، لأنه حينما جاءتني هذه الأسئلة ونموذج الأسئلة التي أرسلت إِلَيَّ مِنَ المجمع أتيت بعض المتخصصين في الاقتصاد، فصور عقد الاختيار بأنه عبارة عن شخص أو هيئة أو شركة تدفع مبلغ مقدمًا حتى يكون لها الحق في التعامل داخل السوق المالي، ثم فيما بعد يقوم وكيل أو سمسار بالتعامل لصاحب هذا التعامل، ولذلك كيفته على أنه عقد إجارة كما قاله أخونا الدكتور عبد الوهاب. إذ قلت: عقد الاختيار في مبدئه صورة من صور عقد الإجارة على منفعة بعوض والأجرة التي تدفع مقدمًا لكي تخول للدافع من خلال هذا العقد حق التعامل مع الأسواق المالية بحيث يحق له أن يشتري أو يبيع ما يعرض داخل السوق بواسطة السماسرة الذين يقومون بدور الوكيل أو الفضول. ثم فيما بعد ما يقوم به السمسار سواء كان وكيلًا أو فضوليًّا من بيع أو شراء هو عقد مستقل آخر غير عقد الاختيار، هو عقد بيع أو شراء بطريق النيابة إذ هذا الوسيط سيتولى الإيجاب والقبول عن الطرفين إذ يجمع الرغبات وينسق بينها من داخل السوق يمكن أن يكون وكيلًا لوكالة عامة أو لوكالة خاصة عن طرف أو وكالة عامة عن طرفين.
أما بعض الأسئلة التي وردت والاستفسار عنها يكون بالنسبة لعقد الاختيار – كما قلت – صورة من صور عقد الإجارة على منفعة تخول للعاقد التمتع بميزة التعامل مع ما يجري داخل السوق أما من حيث علاقته فهو له علاقة بعقد الإجارة إذ هو صورة منها، أما الصفقة التي يتم التعاقد عليها داخل السوق فهي بيع على الصفة إن كانت البضاعة ستسلم عقب التعاقد وإِلَّا فهي من باب عقد السلم إلَّا أنه في هذه الحالة لا بد من دفع الثمن عند التعاقد أو خلال ثلاثة أيام من بعد العقد كما يرى المالكية. المهم في هذا من الصعب أن نقول لعقد يجري التعامل به بالأسواق أنه حرام ثم نقطع الصلة به لأن هذه الأسواق فرضت نفسها على المجتمعات الدولية والمسلمون في كل مجتمعاتهم لهم تعامل مع هذه الأسواق، فينبغي أن نجيز منها الجائز وَأَمَّا ما لا يجوز فيمكن أن يجري عليه التعديل الذي يجعله ملائمًا للتعامل معنا. والله أعلم.
القاضي محمد تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم.
عندي تعقيب وجيز على ما تفضل به فضيلة أخينا الشيخ محمد علي التسخيري – حفظه الله – وأشكره على أنه قد حدد نقطة البحث في هذا الموضوع وأنه قد حاول أن يكيف عقد الاختيار على أساس أنه بيع لحق مجرد وأشار إلى أن هناك أنواعًا من الحقوق التي أجيز بيعها والاعتياض عنها وقد مثل لذلك بحق الاختصاص فأشار إلى أنه إذا كان من الجائز أن يبيع الإنسان حق الاختصاص أو حق الابتكار أو حق التأليف والنشر فلماذا لا يجوز أن يبيع حق البيع والشراء؟ وأريد التعقيب على ما تفضل به بأن الحقوق المجردة كما هو واضح لدى جميع الفقهاء هي محل بحث واختلاف بين الفقهاء منذ القدم، وهناك حقوق لم يقل بجواز بيعها وشرائها أحد وهناك حقوق ذهب إلى جواز بيعها بعض الفقهاء كحق الاختصاص وحق التأليف والنشر، ولكن الحقوق التي ذهب إلى جواز بيعها بعض الفقهاء كلها حقوق ثابتة قبل الدخول في بيعها، حقوق ثابتة لصاحبها قبل أن ينشأ هذا العقد - عقد بيع الحقوق - مثلًا حق الاختصاص ثابت لمن ثبت له حق الاختصاص فبعدما يثبت له حق الاختصاص يريد أن يبيع هذا الحق. حق التأليف ثابت مستقر قبل الدخول في هذا العقد فيجوز له أن يبيع هذا الحق الثابت له أما هنا فليس هناك صاحب حق ليس هناك حق موجود قبل الدخول في هذا البيع وكما تفضل به فضيلة الشيخ المختار السلامي – حفظه الله تعالى – أن هذا الحق لا يتولّد إلَّا بهذا العقد – عقد الاختيارات – لم يكن هناك حق بيع أو حق شراء قبل إنشاء هذا العقد – عقد الاختيارات – فهناك فارق كبير بين بيع الحقوق المجردة التي أجيز بيعها وبين عقد الاختيار الذي نبحث عنه. فقياس عقد الخيار على بيع الحقوق المجردة التي أجيز بيعها قياس مع الفارق ولا يستقيم أن نقيس عقد الاختيارات على تلك الحقوق التي أجيز بيعها. والله سبحانه أعلم.
الشيخ عبد الله بن بيه:
بسم الله الرحمن الرحيم.
يبدو لي إذا راجعنا هذا العقد أن كثيرًا من الآيات والأحاديث يمكن أن تنطبق عليه، فالله سبحانه وتعالى يقول:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} .
إذن توجد منفعة ولكن الإثم أكبر من النفع. والله سبحانه وتعالى يقول: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} .
وفي الحديث الصحيح: ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر)) ، ((ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع المضامين والمداخيل)) .
هذه عقود كانت قائمة، الناس لهم فيها منافع ويتعاملون بها ومع ذلك رأى الشارع الحكيم أن جانب الغرر والخطر والمقامرة غالب فيها فلأجل ذلك نهى عنها وأوقف التعامل فيها. بهذه الاعتبارات العامة التي دائمًا يجب أن تكون نصب أعيننا ونحن نتعامل مع هذه العقود يمكن أن نعتبر أنها عقد مخالف لسنن العقود التي يجيزها الشرع الحكيم. أجمع العلماء على أن الغرر الكثير حرام، حرمة الغرر الكثير هي إجماعية لا خلاف فيها، وأجازوا الغرر اليسير بشروط أن يكون يسيرًا وأن يكون للحاجة وأن لا يكون مقصودًا. واغتفر غرر يسير للحاجة كما يقول خليل، لم يقصد بالحاجة، إذن هذا البيع وهذا العقد هو عقد جديد، سمعت الشيخ محمد المختار السلامي – حفظه الله – يقول: في سنة 1972م، إذن هو عقد جديد حديث في بيئته التي ولد فيها لم يثبت بعد، أعتقد أنه لم يثبت بعد وأن النتائج السلبية لهذا العقد قد تدفع بالمشرع في هذه البلاد في يوم من الأيام أن يدخل عليه بعض التعديلات وأن يوقف هذا العقد، لأجل هذا أنا أرى أن هذا العقد في دينيته وبنيته حاضرتين لا يمكن أن يكون جائزًا ولكني مع ذلك أود لو قدمت البدائل التي أشار إليها الدكتور عبد الوهاب أن تقدم البدائل، أن نبحث البدائل لنرشد السوق الدولية لنقدم ترشيدًا من طرفنا، لا نقول فقط هذه مصالح غير معتبرة شرعًا لا شك في ذلك، ولأجل ذلك هو عقد باطل، ولكن مع ذلك يمكن أن نبحث وأن نحدد حتى نقدم البدائل التي يرضى عنها الشرع والتي يمكن أن تكون مقبولة شرعًا، وهناك بعض الحقوق التي تباع ولكنها حقوق بالتبع. وشكرًا.
الدكتور الصديق الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم
أريد أن أعلق على نقطتين وردتا في كلام الشيخ التسخيري.
النقطة الأولى: بدأ الشيخ التسخيري حديثه ببيان الهدف من بيع الاختيار وقال إنه هو إيجاد وتنسيق بين العرض والطلب، وفي رأيي أنه ليس هو الهدف من بيع الاختيار، إنما هذا هو الهدف من قيام الأسواق المالية ونحن لم نمنع قيام الأسواق المالية وإنما منعنا بعض ما يجري فيها مما يخالف الشريعة الإسلامية ومن هذه المعاملات التي تخالف الشريعة الإسلامية بيع الاختيار فلا يمكن ولم أستطع أن أفهم أن الهدف من بيع الاختيار هو هذا التنسيق بين العرض والطلب.
النقطة الثانية: هي أنه أراد أن ينفي المقامرة عن بيع الاختيار والواقع أن بيع الاختيار ليس قمارًا لكنه شبيه بالقمار، وإطلاق المقامرة على بيع الاختيار ليس من عندنا نحن الفقهاء وإنما أهله أنفسهم، قرأت في بعض البحوث التي قدمت لنا أن بعض الصحف المتخصصة في أمريكا أطلقت على المجتمع الأمريكي مجتمع صالة القمار؛ لأنه يتعامل بالاختيار وخاصة اختيار المؤشرات الذي لا يقوم على سلعة مطلقًا، لا على أسهم ولا على سلع ولا أي شيء، فكيف لا يكون هذا شبيهًا بالقمار إن لم يكن أخًا للقمار؟
نقطة أخرى أريد أن أعلق بها على كلام الأخوين الأستاذين اللذين قالا إن عقد الاختيار من قبيل الإجارة. الواقع أنني لم أستطع أن أفهم هذا فهمًا كاملًا لأنه إذا كان هذا هو التكييف الذي توصلا إليه هو صورة من صور عقد الإجارة على منفعة بعوض هي الأجرة التي تدفع مقدمًا لكي تخول للدافع من خلال هذا العقد حق التعامل مع الأسواق المالية بحيث يحق له أن يشتري أو يبيع ما يعرض داخل السوق، إذا كان هذا هو المقصود من حق الاختيار أن من يدفع هذا الثمن أو هذا المبلغ يجوز له أن يتعامل في هذه الأسواق إذا كان هذا هو التكييف لا أظن أننا سنختلف في هذا. أناس أقاموا أسواقًا وقالوا من أراد أن يدخل في أسواقنا هذه ويستفيد من الخدمات التي تقدمها عليه أن يدفع لنا مبلغ كذا (أجرة) ، لا أظنه سيكون خلاف في جواز هذه العملية لكن الواقع أن هذا ليس هو، إن بيع الاختيار مرتبط بالتزام من طرف آخر إما أن يكون التزامًا مباشرًا من البائع أو التزامًا عن طريق الهيئة التي تدير هذه العملية فكيف نقول إن هذا أجرة على الدخول في السوق؟ لم أستطع أن أفهم هذا بتاتًا. وشكرًا.
الشيخ محمد مؤمن:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين.
ما ذكر إلى حد الآن من أدلة على البطلان أو الصحة لم يكن كافيًا لهذا الحكم على العقد المطروح، وذلك لقد ذكر أن هذا العقد ليس له مماثل في العقود الفقهية المألوفة، فهو عقد جديد وهذا لوحده لا يسوغ لنا رد هذا العقد الذي نتكلم في صحته أو بطلانه لأن العقود ليست توقيفية كالعبادات وهذا أمر واضح.
ذكروا أن هذا العقد المطروح هو شبيه بالقمار ونحن نقول المحرّم هو القمار لا الشبيه بالقمار كما أن المحرّم هو الربا لا البيع الشبيه بالربا في أخذ الربح على أن القمار هو أخذ من دون إعطاء وهنا أخذ المال وإعطاء حق الاختيار كما قرر ذلك للبيع أو الشراء فأي دليل على أن يكون الأخذ في مقابل الإعطاء هو شبيهًا بالقمار فيحرّم؟ وقد ذكروا أن المقصود من العقد هو الربح لا شيئًا آخر وهو العين أو الاختيار مع أن المقصود إذا كان من العقد هو الربح بشرط أن يكون العقد على العين أو الاختيار طريقًا للربح فأي مانع من ذلك؟ وأكثر العقود التي يقصد منها الربح هي العقود على الأعيان أو غيرها كالمنافع وهو ما يسمى بالإيجار. ثم ذكروا أنه عقد فيه مخاطرة، والمخاطرة بنسبة محدودة موجودة في بعض البيوعات والإيجارات فهل يحكم ببطلانها؟ المخاطرة موجود في أي بيع قد يخسر فيه هذا الإنسان وقد يربح فيه وفي أي شراء فهل المخاطرة بنسبة محدودة تمنع من صحة البيع أو صحة الإجارة؟ وإذا قبلنا أن الحق يجوز بيعه بثمن كحق الشفعة أو غيره فلا بد أن ننظر إلى مميزات الحق وفرقه عن غيره لنرى أن هنا حقًّا معينًا يقدمه البائع للمشتري أو لا يوجد ذلك الحق.
فيجب أن ينصب البحث على هذه النقطة إن ثبت هنا وجود حق يقدمه البائع للمشتري إذن فلنقل بجواز بيع هذا الحق بشرط أن يكون من الحقوق التي تنقل، وأما إن ثبت أن هناك حكمًا شرعيًّا لاحقًا، يجوز للإنسان أن يجعل الاختيار لغيره في البيع ويجوز له أن يجعل الاختيار لغيره في الشراء وهو حكم شرعي، إذا كان هذا حكمًا شرعيًّا فلا يجوز نقله ولا يجوز بيعه ولا يجوز إسقاطه أما إذا كان هذا حقًّا فالحق يجوز بيعه كما يجوز إسقاطه في مقابل ثمن، فهل هذا هو حق أو حكم شرعي؟ هذا هو مركز البحث ونقطة الخلاف. فما هي الأمور التي تفرق الحق عن غيره من الأحكام الشرعية؟ ما هو الفرق بين الحق والحكم؟ إذا كان هذا حق وتنطبق عليه مميزات الحق إذن الحق إسقاطه بثمن وبيعه ونقله يجوز وأما إذا كان حكمًا شرعيًّا الحكم الشرعي لا يجوز إسقاطه كما لا يجوز بيعه في مقابل ثمن. والحمد لله.
الدكتور عجيل جاسم النشمي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين.
أنا شخصيًّا متحرج من إبداء الرأي في هذا الموضوع، في هذا العقد ومتحرج أن ينسب إلى المجمع حكم فيه لأنه – كما يبدو لي – حتى الآن صورة العقد غير واضحة من الناحية العملية، ربما تكون فيها بعض الوضوح – في تقديري – وليس كله لدى الأخوة الذين كتبوا البحوث.
المجمع عودنا أن يوجد بيننا أكثر من مختص في هذا الجانب الاقتصادي على الأقل ومن المختصين الممارسين عمليًّا لهذا السوق لأنه كما علمنا من البحوث التي بين أيدينا أن هذا العقد لم يدخل أسواقنا العربية والإسلامية. في الحقيقة لا بد من أن يوجد بيننا من المختصين الاقتصاديين الممارسين كي يجيبوا على استفساراتنا، توجد بعض الاستفسارات وبعض الاستيضاحات حول هذا العقد، لا نجد لو وجهناها من يجيب عنها من المختصين. فأنا في تقديري أن هذا الموضوع يحتاج إلى مزيد بيان ويحتاج إلى وجود مختصين في هذا الشأن والله أعلم.
الشيخ أحمد الشيباني:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
سيدي الرئيس، أخواني أعضاء المؤتمر، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أشكر الباحثين على بحوثهم القيمة التي أفادتنا كثيرًا عن هذا الموضوع – موضوع الاختيارات – ويلاحظ أن جمهور الباحثين سدوا الطريق أمام هذه المعاملة المستوردة التي لا أساس لها في الشرع الإسلامي الحنيف، أما من رأى أنه يمكن الإبقاء عليها مع التعديل فقال: إنها مكونة من عقدين أحدهما عقد إجارة أي عقد على تمليك منفعة معينة وفسر هذه المنفعة بأنها عبارة عن التسهيلات التي تقدمها الهيئة المعنية لدخول السوق. أما الجانب الآخر فإنه بيع شيء أو شراؤه بثمن معين. أقول وبالله تعالى التوفيق إن الجانبين – في نظري – لا يقرهما الشرع الإسلامي؛ لأننا لو افترضنا أن الاختيار عبارة عن عقدين أحدهما إجارة والآخر عقد بيع، فإن الإجارة قرر الفقهاء أنها كالبيع لا بد من معرفة الثمن والمثمن معرفة حقيقية والفرق بين الإجارة والبيع أن البيع عقد معاوضة على تمليك ذات وأن الإجارة عقد معاوضة على تمليك منفعة، فالمنفعة إذن لا بد أن تكون محققة ومعلومة، ودخول السوق في حد ذاته لا يعتبر منفعة؛ لأن الخاسر في هذه السوق أكثر من الرابح في الغالب، وإذا خسر ذهب ماله بدون تعويض وهذا هو الغرر بعينه، الغرر الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف الذي أخرجه الإمام مالك ومسلم ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر)) . والغرر عرّفه الفقهاء بأنه (ما شك في أحد عوضيه) هذا تعريف ابن عرفة المالكي، وهناك تعريفات أخرى لجميع الأئمة منها ما تكلم عنها الكاساني ومنها ما تكلم عنها الشيرازي ومنها ما تكلم عنه ابن قدامة في المغني وكلها تصب في هذا القالب (إنه ما جهلت عاقبته) ، فالذي يدخل هذه السوق لا يدري أيحظى بالبيع أو الشراء أو لا يحظى بشيء؟ وهذا هو الغرر بعينه وجزى الله الجميع بخير. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور سامي حسن حمود:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أود أن أتكلم في موضوع الخيار.
أولًا: في تصوير العملية كشاهد عدل، ثم في التعليق على النقاط الشرعية كطالب فقه، ثم تعقيب أخير في الموضوع كله كأُمنية.
بالنسبة لتصوير العملية أتحدث عنها كدارس لها في الكتب وكزائر لها في الأسواق المالية في لندن وفي شيكاغو. هي عبارة عن اتفاق بين الراغب في الشراء أو البيع – لأن الخيار قد يكون في الحالين – مع الوسيط أو السمسار أن يبيع أو أن يشتري أسهمًا – مثلًا – وقد تكون في سلعة أخرى ولكنها في الغالب في خيارات الأسهم أسهمًا يرغب في شرائها أو في بيعها بسعر معين، هو يقدر لنفسه – مثلًا – لو كان سعر أسهم شركة " الفوكس فول Fox Full " تسعين جنيهًا استرلينيًّا فيتوقع أنها ستصعد إلى خمسة وتسعين جنيهًا ولكنه غير متأكد من هذا الصعود فيشتري حق الخيار بجنيهين استرلينين فيدفع جنيهين لأنه يرى أنها إذا صعدت إلى خمسة وتسعين جنيهًا فسيربح ثلاثة جنيهات مقابل الجنيهين فيضحى بهما على أمل توقعاته وحساباته فإذا جاءت الريح كما ينبغي وارتفع سعر السهم فإنه يشتري ما كان قد دفع فيه جنيهين فوق التسعين فوق سعر الأساس يشتريه باثنين وتسعين مستعملًا حق الخيار في الشراء ويسمونها الخيار على الصعود، فيشتري ما يساوي خمسة وتسعين جنيهًا في سعر السوق في ذلك الوقت بدفعه فقط اثنين وتسعين جنيهًا فيكسب بذلك ثلاثة جنيهات تبعًا لتوقعاته وحساباته ويمكن العكس كذلك بأن يدفع على النزول ويسميها خيار الهبوط إذا كان راغبًا في أن يبيع أسهمه بسعر معين. هذا هو واقع قضية الخيار في الأسهم. ومنذ عشر سنوات في هذا الموضوع عندما سئلت في شركتنا الخاصة: أن بيع المال بالمال نقدًا هو من الربا وهو لا يجوز، لأن الراغب قد يكون حاسبًا حسابات أكثر هو لا يبيع برأس المال قد يبيع المائتي جنيه التي دفعها خيارًا لحق الخيار بثلاثمائة وقد يبيعها بمائة لأنه رأى الريح تجري عكس ما تشتهي سفنه في التوقعات والتحسبات. فالقضية إذن أنه يبيع المائتين بأكثر أو أقل وهذا يدخلنا في الربا الذي يباع فيه المال بالمال بالزيادة أو بالنقصان.
أما القول بأن العقد يشبه القمار فهو ليس قمارًا بالنسبة للخبير؛ لأنني مثلًا كإنسان عادي لا أعرف الجواهر أو الذهب ولكن خبراء الجوهر بينهم لا يسمى هذا قمارًا لأنهم خبراء، والذين يتعاملون في عقود الخيار ليسوا بأناس عاديين فأسواقنا في البلاد الإسلامية كلها إن وجدت هناك أسواق لا تعرف هذه العقود حتى البلاد المتقدمة في أمريكا كما ذكر الشيخ السلامي بدأت في عام 1972م وإنجلترا لحقتهم بعد ذلك بعشر سنوات وهي شيء جديد بالنسبة لسويسرا وشيء حديث جدًّا بالنسبة لأسواق اليابان، فهؤلاء الخبراء عندما يدخلون السوق يكونون قد حسبوا الميزانية للشركة حسابًا دقيقًا ويعرفون الصفقات المقبلة وماذا سيحدث من بيوع أو تواجهها من مشاكل فيدخلون السوق وهم يعلمون تمامًا ما هي الحسابات التوقعية ليس هجسًا ولا رجمًا بالغيب وإنما عن دراسة علمية مدروسة، فبالنسبة لهم الذين يتعاملون في هذا السوق ليس هناك قمار أو غرر ولكنهم خبراء السوق وأهله الذين يتصرفون به.
نقطة القول (بالإجارة) المعروف أنها عقد على منفعة شيء، وهذا العقد ليس حق دخول السوق لأن يبيع ويشتري وإنما هو يشتري أسهمًا محددة، سلعة معينة ويدفع فيها ثمنًا وهذا الشراء هو جزء أو عربون ساقط، فلذلك ليس له في نظري علاقة بمفهوم الإجارة.
فإذن الخلاصة قسمان:
القسم الأول: هو ربط عملية يدفع في مقابلها ثمنًا إذا أجازه فهي جزء، وإن نكل فهي خسارة فقضيتها كالعربون تعامل هكذا.
القسم الثاني: أن يبيع الخيار قبل أن ينشئ العقد ليس له إلَّا نقدًا فيبيع النقد بالنقد فحكمه الربا إلَّا إذا كان مثلًا بمثل ويدًا بيد فإذا تجاوز الأمر وأنشأ العقد فلا يعود له هناك حق للخيار ليستعمل
…
النقطة الثالثة التي قلت عنها من باب الأمنيات، أقول أن الخيارات من باب الترف المالي في الأسواق المالية العالمية هي كالفواكه الزائدة في طعامنا الأساسي، نحن لا نجد الخبز فنبحث ماذا نأكل من الكنافة أو من البقلاوة؟ الأساس أن نعود بمفهوم الأسواق المالية إلى حاجتنا نحن في البلاد الإسلامية، الأسهم بحثت بحثًا جيدًا، نعم، ولكن هناك السندات أو الصكوك التي تملك توجيه سوق رأس المال في البلاد الإسلامية حيث تعودنا أن نعتمد على الحكومة في كل شيء أن تدعم لنا الخبز والزبدة والحليب. أن هذه الصكوك التي تتعامل بها الحكومات في معظم البلاد الإسلامية صكوك تعتمد على الفوائد؛ لأنه ليس هناك قياس إسلامي عام المعرفة لكي تكون الصكوك مبنية على حصص مشاركة في المشروعات التي تديرها الحكومات بنجاح والتي تستطيع أن توجه سوق رأس المال في البلاد الإسلامية. أتمنى أن يركز المجمع وأن يركز الإخوة الباحثون وأن يكلفوا كذلك بالبحث والاستزادة والاستفاضة لإبراز دور الصكوك أو السندات الحكومية المشاركة في صناعة التنمية في المجتمعات الإسلامية والتي ليس لنا عنها غِنًى في بلادنا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور منذر قحف:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحقيقة أريد أن أشرح بشيء قليل من الكلمات بعض القضايا التي تتعلق بتعريف هذه المعاملة وكيف تتم وأريد أن أنطلق من كلام فضيلة الشيخ التسخيري أنه ينبغي علينا أن نحرر المسألة فندع المسائل والقضايا الجانبية حولها. فهنالك نقاط كثيرة ذكرت هي في الحقيقة جانبية، أنها تتم عبر وسيط عبر سوق منظم، هذه مسألة جانبية، أصل العقد هو عقد على الحق بالشراء وليس عقدًا على الشراء نفسه. عقد الشراء سينعقد بعد ذلك في وقت لاحق إذا مارس الطرف الذي له حق ذلك الاختيار. هذه النقطة الأولى، إذن هو ليس عقد على البيع ولا هو بإجارة لا علاقة له بالإجارة مطلقًا، ليس فيه منفعة تؤجر وليس فيه أصلًا ثابتًا يؤجر ومنفعة تشترى لذلك الأصل الثابت، فهو عقد على حق بالاختيار إذا مارسه من له الحق، أحد الطرفين ملتزم فهو الذي يقبض الثمن، الطرف الملتزم يقبض الثمن. أنا التزمت بأن أبيع مثلًا مائة سهم لشركة معينة بسعر معين لقاء هذا الالتزام آخذ – مثلًا – دولارين عن كل سهم فآخذ مائتي دولار هذا الثمن هو الثمن لهذا العقد لهذا الحق ثمن للاختيار الذي يتمتع به الطرف الآخر، الطرف الآخر له الحق خلال مدة معينة أو تاريخ معين حسب فروق ثانوية له الحق أن يمارس هذا الاختيار بأن يقول خلال مدة العقد: أريد أن أشتري فأعطني هذه المائة سهم، عند ذلك أعطيها له بالثمن الذي اتفقنا عليه ويسمى سعر الممارسة وليكن مثلًا في عقدنا الأول عقد الاختيار اتفقنا على ثمن مائة دولار لكل سهم فأنا أبيعه عند ذلك هذه الأسهم بمائة دولار للسهم ويكون ثمنها عشرة آلاف دولار، لا علاقة مطلقًا للمبلغ الذي سبق أن أخذته بهذا الثمن فهو ليس جزءًا منه أبدًا. في الحقيقة أرجو أن يكون الأمر واضحًا، هذا أنا في حسابي في ذهني في العملية الذهنية التي أقوم بها، أقول ذلك: إنني أبيع الاختيار بدولارين – مثلًا – عن كل سهم فأبيع هذا الاختيار لمائة سهم بمائتين وأكسب دولارين الآن، مجموع ما أكسبه هو فرق السعر عند الممارسة الذي أتوقعه مع العقد الذي هو عقد الممارسة (سعر الممارسة) ، اتفقت أن أبيعه بمائة دولار للسهم لو كان توقعي أن سعر السهم خلال هذه الأشهر الثلاثة سينخفض فعند ذلك مما أبيع هذا وآخذ هذين الدولارين وهما كسب كامل لي الآن، عند الممارسة لو كان السعر أقل من المائة التي هي سعر الممارسة فسيكون كسبي الدولارين اللذين أخذتهما مضافًا إليه الفرق ما بين سعر السوق في ذلك الوقت وسعر الممارسة المكتوب في عقد الاختيار ولو لم تحصل توقعاتي وحصلت توقعات الطرف المقابل التي هي في الواقع عكس توقعاتي وإلَّا لما اشترى ذلك الاختيار ودفع ثمنه فلو ارتفع السعر بدلًا من أن ينخفض فأنا أخسر الفارق ما بين سعر الممارسة الذي هو مائة وارتفاع السعر ناقصًا ما كنت قد قبضته (الدولارين) ، فلو ارتفع السعر إلى مائة وخمسة دولارات كم تكون خسارتي؟ خسارتي تكون ثلاثة دولارات؛ لأنني سأعطيه بسعر مائة وكنت أخذت دولارين منه فكأنها مائة واثنين دولار (كأنها) وليست هي مائة واثنين عقد البيع عندما يجري - مثلًا - بعد ثلاثة أشهر سيجري فقط بسعر مائة فالاثنان ليسا جزءًا منه وإنما هما جزء من العملية الحسابية التي أقوم بها في ذهني لتحديد كسبي وخسارتي.
النقطة الثانية التي أريد أن تكون واضحة أيضًا هي أن هناك عقدين مختلفين تمامًا عقد الاختيار ثم يليه عقد ممارسة ذلك الاختيار. الآن عقد الاختيار، أبيع اختيارًا أو أشتري اختيارًا وإن كنت مشتريا للاختيار أن لي حق الاختيار فأنا الذي أدفع الثمن، هذا العقد يجري الآن وهذا العقد يحدد ما هي السلعة وما هو الشيء الذي يقع عليه الاختيار سعره والأجل الذي يمكن أن يمارس الاختيار من خلاله ونوع السلعة محددة بدقة واضحة متناهية، وقد تكون هذه السلعة شيئًا مباحًا مما ألف أن يتعامل به الناس كالأسهم أو كالسلع – السلع المتعددة – وقد يكون شيئًا وهميًّا مطلقًا وهو المؤشر، المؤشر حقيقته شيء وهمي لأنه رقم حسابي فقط يدل على حركة مجموعة من الأسعار أو الكميات خلال فترة زمنية فهو شيء وهمي فقط محسوبًا حسابيًّا وليس شيئا حقيقيًّا فيكمن أن يقع الاختيار على أي من هذه الأشياء إلَّا أنه سيتم بعد ذلك عقد آخر لو تمت ممارسة ذلك الاختيار، وهذا العقد الآخر منفصل تمامًا عن العقد الأول من حيث إنه عقد، يعني سيكون هناك عقد بيع بطرفيه والسعر المحدد مسبقًا والكمية محددة مسبقًا فينجز ذلك العقد بمجرد ممارسة ذلك الحق. من حيث الواقع كيف ينتهي عقد الاختيار؟ الحقيقة كما سنجد أيضًا نفس الشيء في عقود السلع (عقود المستقبليات كلها) عقد الاختيار هو نوع من عقود المستقبليات وما نشأ إلَّا بعد نشوء المستقبليات تاريخيًّا فنهايته في الواقع يمكن أن ينتهي بأحد شيئين الأغلب والشائع جدًّا أنه ينتهي بأن يشتري عقدًا مقابلًا له فيتساقطا معًا، كان عندي التزام بالبيع فأشتري اختيارًا بالبيع فيسقطان معًا، كان عندي التزام بالشراء أشتري اختيارًا بالشراء فيتساقطان معًا، وهذا هو الأغلب ومعظم العقود تنتهي بهذا وآخذ الفرق بين السعر بمعنى لو ارتفع سعر السهم من المائة إلى المائة وخمسة فخسارتي ثلاثة، سيكون هناك اختيار في السوق يباع بسعر ثلاثة في ذلك الوقت هو حقيقة فارق السعر، اختيار بالشراء، أشتري اختيارًا بالشراء وأغطي نفسي بما كنت بعت من اختيار شراء أصبحت مشتريًا وبائعًا أخرج من السوق لأنني مشتر وبائع لنفس الكمية بخسارة هذه الثلاثة التي دفعتها.
الحالة الثانية وهي حالة قليلة الحصول، تحصل في واقع الحال إلَّا أنها قليلة، هو أن ينتهي هذا العقد بالممارسة الفعلية للاختيار بحيث أشترى من السوق مائة سهم ، وأسلمها لمن اختار ذلك الاختيار. هذا هو الشكل العام. الاختيار الذي يمارس في الأسواق المنظمة ومعظم الاختيارات تمارس في الأسواق المنظمة وبشكل كبير جدًّا، هناك اختيارات خارج الأسواق قليلة تمارس إلَّا أن الاختيارات داخل الأسواق، يضاف إليها عنصر مهم جدًّا وهو أن إدارة السوق تضمن إنجاز جميع العقود التي يتعاقد عليها في تلك السوق فهذه العقود إذن إدارة السوق تضمن إنجازها وبالتالي تأخذ من الأطراف الذين يدخلون بهذه العقود ضمانات كافية بنظرها تسمى الهوامش، هذه الهوامش تأخذها إدارة السوق، وتضعها عندها فهذا يقتضي إذن نوعًا آخر أو إضافة عنصر آخر هو أن هذه العقود مضمونة التنفيذ ولا مجال فيها أبدًا لأن يتقاعس أو يتلاعب أو يقوم بأي إجراء آخر أي طرف من الأطراف لأن الإدارة تضمنها، أيضًا السوق المنظم اقتضى عنصرًا آخر وهو أنه بسبب أن مكان السوق محصور والمعرفة بشروط التعاقدية تحتاج إلى خبرة كبيرة فاشترطوا ألا تتم هذه العقود في الأسواق المنظمة مباشرة إنما عن طريق السماسرة، فهناك سماسرة رخص لهم وأدو امتحانًا ودفعوا رسم اشتراك سنوي في العادة هؤلاء السماسرة هم الذين يسمح لهم بالتعامل وكل تعامل لأي شخص، وأي شخص سيستطيع أن يدخل السوق، يعني أنا لا أدفع رسمًا لأن أشتري اختيارًا أو سلعة أو سهمًا أو أي شيء في السوق المنظمة كمشتر وكبائع لا أدفع رسمًا لذلك، لي الحق بدخول السوق وبالتالي لا علاقة للإجارة بهذا إنما هذا الحق أمارسه من خلال ذلك السمسار وأدفع له أجرته وهذه الأجرة في العادة تنافسية، منهم من يأخذ القليل ومنهم من يأخذ أكثر وأنا أختار حسب ما أراه من صالحي. والحمد لله رب العالمين.
الشيخ أحمد بزيع الياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد:
في الحقيقة هذه الممارسة تصدر في ظل نظام مصرفي ربوي آيل إلى السقوط – بإذن الله تعالى – وليس بالضرورة أن يكون عرف غير المسلمين عرفًا للمسلمين، وأنا – في الحقيقة – أنصح نفسي وأنصح الأخوة القائمين على إدارة الأموال أن ينجوا بأموالهم من المخاطر التي تحوط بهذا النظام بأن ينصرفوا إلى استثمارات أو على الأقل إلى تبادلات تجارية بين دول الأمة الإسلامية وفي هذا متسع كبير لهم.
الجزئية التي نتكلم عنها في هذه السوق هي تسمى (الخيارات) الحقيقة هناك لا توجد بضاعة البضاعة سراب، وليس هناك ثمنًا فالثمن سراب، إذن العقد كله وهمي مبني على الوهم، وإنما هناك مراهنة – في الحقيقة – مثل ما قال الأستاذ رفيق إذا كان في وقت تنفيذ الخيار ينظر هل هو كاسب أو رابح، فإذا هو كاسب يأخذ المكسب وإذا كان هو خاسر يسلم الفرق، إذن هي نوع من أنواع القمار بدل أن تمارس بالورقة (الكتشينة) تمارس بعقود في البورصات. الصورة لهذا العقد الوهمي هو ما صوره الشيخ الصديق الضرير في بحثه – جزاه الله خيرًا – ودلت الإحصاءات الدولية على أن هذه الممارسات الوهمية تمثل 97 % من مجمل العمليات – مثل ما قال أخونا إنها في الحقيقة أكثرها وهمية – و 3 % فقط هي عقود حقيقية.
فلذلك سادتي العلماء أرى أن هذه السوق المالية مبنية على كثير من المخالفات الشرعية، فأولًا إذا كان التبايع في الأسهم فالأسهم عندنا فيها توصية بأن لا ندخل فيها، وإذا كانت غير الأسهم بل السلع فلا وجود للسلعة، أين السلعة؟ ليس هناك سلعة إنما هناك مراهنات يدفع الخاسر أو يقبض الرابح نتيجة لهذه المراهنة. وشكرًا.
الشيخ محمد سالم عبد الودود:
بسم الله الرحم الرحيم.
لا أريد أن أطيل لأن الموضوع تكلم فيه وربما يكون كافيًا، لكن ينبغي أن نتصفح الواقع فإذا رأينا عقدًا جديدًا لم نحكم بتحريمه من أجل جدّته لأن العقود الشرعية كما قال بعض الإخوان ليست عقودًا مسماة أو شكلية إنما كانت هناك ضوابط أقرها الشرع للتعامل فإذا توفرت قضينا بالإباحة وإذا اختلت قضينا بالتحريم. في هذه العقود نجد بيع العربون ولغويًّا هو معروف العربون والعربان، والعربون بالعين وبالهمز في الألفاظ الثلاثة، قد ذكر الثعلبي في فصيحه منها اثنين العربون والعربان ونظم كلامه مالك بن المرحل بقوله:
والعربون يا فتى والعربان
وذاك ما عجلته من أثمان
نرى أنه توجد حالات من حالات العربون وتوجد حالات من حالات الضمان بجعل وتوجد حالات من حالات الشراء شراء مؤجل أو سلم وقد يكون في هذا السلم سلم بخيار وسلم بخيار يجوز إذا توفرت شروط السلم ولم يزد أجل الخيار على القدر الذي يجوز أن يؤجل إليه أخذ رأس مال السلم لأن السلم بخيار لا يجوز النقد فيه للتردد بين السلفية والثمنية، فلذلك يشترط في السلم بخيار ألا يزيد أجله على الأجل الذي يجوز تأخير رأس مال السلم إليه.
ونرى أن من هذه الحالات ما يشبه قولهم وجاز سؤال البعض ليكف عن الزيادة، وأن يقول السائم لمن يستام معه السلعة: كف عن الزيادة ولك درهم، فإذا كف وجب له ذلك الدرهم سواء تم الشراء أو لم يتم. هذه أمور معروفة في المذهب المالكي الذي أتكلم عنه كمدرسة لا كمذهب ولا تعصبًا له وإنما هو المدرسة التي نشأت بين أحضانها فيها نزول عن الحقوق مقابل أعواض ولا يسمونه بيعًا ولكن يسمونه (نزولًا) فهو عندهم من العقود غير المسماة، فإذا توفرت في هذه الصفقات الشروط التي تجيز عقد (السلم) أو (البيع لأجل) أو (بيع الخيار) أو (نزول عن الحقوق مقابل الأعواض) قلنا تجوز وإذا لم تتوفر واشتملت على بعض ما يفسد العقود قلنا هي عقود فاسدة، أما أن نقول: هي عقود فاسدة لأنها لاعهد بها، أو نقول: هي عقود صحيحة لأنها تحقق المصالح والمكاسب هذا لا يمكن أن يكون معيارًا للتحليل أو للتحريم. ننظر إليها نظرة موضوعية نعتمد فيها ما يقوله الخبراء فإذا شخصوا لنا هذه العقود وعرفنا الأحكام التي تنطبق عليها مما هو موجود عندنا في كلام الفقهاء – رحمهم الله تعالى – تكلمنا على بصيرة في التحليل والتحريم. وعندي أمنية – أيضًا – هي أنه كان الناس في الأول يروون كتب الفقه، الآن تركوا الرواية واعتمدوا على الكتب ومن هذه الكتب ما لا توجد منه إلَّا طبعة واحدة قد تكون مطبوعة على مخطوطة واحدة تكون في هذه الطبعة كثير من الأخطاء فيعتمد عليها الباحثون والمفتون وأخص بالحديث لذلك (طبعة الحطاب) فهو كتاب معتمد في الفقه المالكي ولكن الطبعة الموجودة منه تشتمل على كثير من الأخطاء والإسقاط والتحريفات، فأهيب بالمجمع المعظم إلى أن يبحث عن نسخ قلمية عتيقة لهذا الكنز الثمين ويجعله تحت أيدي الباحثين إلى أن تتاح فرصة لطبعة من جديد وتحقيقه حتى لا نعتمد على نسخة فيها السقط والتحريف ونصدر أحكامًا انطلاقًا منها قد تكون بعيدة من رأي المؤلف ومن المذهب الذي ينقل كلام أصحابه. والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان:
بسم الله الرحم الرحيم.
الواقع مجرد تعليق على كلام فضيلة الأستاذ السلامي وهو أني اعتبرت المشتري أقول المشتري غير السمسار، هذا واضح جدًّا في بحثي فأنا لا أعلم، عرضت فقرة خاصة بالسمسار ولم أقصد به المشتري، فالمشتري لم يكن في بحثي سمسارًا أبدًا. الأستاذ الصديق الضرير الواقع أعتبر أن كل ما قلته في بحثي أن هذا العقد عقد إجارة والأمر ليس كذلك، إنما قلت اشتمل على إجارة وعلى عقدين، جوهر هذا العقد إنما هو البيع وأنا أسحب كلامي في ضوء شرح الدكتور منذر قحف والدكتور سامي حمود أسحب كلمة أن هذا العقد يتضمن عقد إجارة فهو عقد بيع في لبّه وجوهره وما دفع فهو عربون والعربون هذا جائز أخذه في المذهب الحنبلي، فهو ليس عقد إجارة بالكامل ولم يكن كلامي يتضمن هذه الفحوى وشكرًا.
الأستاذ عبد اللطيف جناحي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
من الأوراق المقدمة ومن عرض الشيخ المختار السلامي وعرض الأستاذ الدكتور منذر قحف أرى بأنه لا توجد زيادة لمستزيد في عرض الموضوع بأمانة علمية وصادقة ولكن سألقي الضوء على نقاط أخرى لنرى ما يترتب على هذا السوق من أضرار اقتصادية.
سوق الاختيار في الحقيقة خلق كسوق منشق من السوق الثانوية والمعول فيه والأساس لتكوينه هو استقطاب المضاربين فمعظم هؤلاء الذين يدخلون السوق لا يرغبون في شراء السلعة بذاتها، هنا محل نظر يجب أن نركز عليه الضوء. فسوق الاختيار يقع الأمر على إرادة، وهذه الإرادة هي ممارسة الحق إما أن تمارس وإما أن لا تمارس. وهو في نظري من المعاملات المضيعة للمال أو المحققة للثروة من معاملات لا صلة لها بالتنمية وتخرج النقود – بالنتيجة – من إحدى الوظائف الرئيسية وهو تحريك عجلة التنمية، من جانب آخر لهذا السوق تأثيره السيء إذ يصرف توجه المال عن المعاملات الحقيقية وبالتالي هذا يؤثر سلبًا على التنمية ويزيد أيضًا بأسلوب غير مباشر من عرض النقد مما يؤدي إلى زيادة التضخم، وليس متيقنًا أن حجم العقود التي تتم تعادل في قيمتها أثمان ما تقع عليه من أسهم البضائع، فحقيقة أن السيطرة على مثل هذا السوق سيطرة غير ممكنة والأمر يفلت من أيادي المسيطرين عليها خاصة إذا نشطت سوق الاختيارات لأنها طبعًا من المضاربات والمضاربات نحن نعرف مضارها وآثارها الاقتصادية. أيضًا هذا النوع من التعامل الوهمي إن صح التعبير يزيد الطلب على النقود الائتمانية وهو ذو صلة بالربا وهو عامل مساعد للتضخم. كون أن الذين يدخلون متمرسون في العملية ويعرفون المشاكل، نعم هم متمرسون في العملية ويعرفون المشاكل ولكن هم أيضًا يخلقون المشاكل ليحققوا غاياتهم في الأخير. وبالنتيجة إن كان هذا التعامل كما قال به بعض الفقهاء لا يجوز شرعًا فأنا أقول أيضًا هو حرام من الناحية الاقتصادية البحتة لما له من آثار سلبية على الاقتصاد. وشكرًا.
الشيخ رجب بيوض التميمي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أود أن أشير في هذه النقطة إلى أن هذا العقد وهو عقد الاختيار ليس عقدًا ولا أصل له في الفقه الإسلامي، ولا أصل له في العقود الشرعية، هو عقد مستورد عقد وهمي عقد ليس على مال متقوم وإنما عقد على حق في الشراء في زمن معين في شيء معين فهو أولًا يفضي إلى الجهالة والجهالة تفضي إلى النزاع وكما هو معلوم من القواعد الشرعية أن الجهالة التي تؤدي إلى النزاع هذه عقدها عقد فاسد ولا يجوز أن يعول عليه. فإذن عقد الاختيار ليس عقدًا وهو شيء وهمي وصوري يؤدي إلى النزاع، يؤدي إلى أشياء كثيرة محظورة، يؤدي أولًا إلى الربا ويؤدي إلى النصب والاحتيال، ويؤدي إلى القمار لأنه عقد ليس مالًا متقومًا وإنما حق أي حق، شيء مجهول، أي حق يشتري شيئًا معينًا في زمن معين نظير مال أي مال، لذلك فإنني ألخص كلمتي بأن هذا ليس عقدًا وإنما هو شيء وهمي يؤدي إلى النزاع وفيه جهالة فاحشة ويؤدي إلى الدخول في متاهات تخرج عن الأصول والقواعد الشرعية وهو عقد محرم يجب أن نبتعد عن البحث فيه لأنه لا يمكن أن يؤدي إلى نتيجة صحيحة أو عقد معتبر ولذلك فإنني أختصر كلمتي بأن كل عقد فيه جهالة يؤدي إلى النزاع عقد فاسد لا يعول عليه وفيه من الأشياء المحظورة الشيء الكثير. والله أعلم بالصواب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور عبد السلام داود العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أرجو أن أذكر بعض الملاحظات في هذا النقاش العلمي المفيد. في ظني أن الأمر يحتاج إلى مزيد من البيان، لا أقصد ما تمّ في هذه الجلسة، في الواقع أقصد في مرحلة إعداد البحوث لأن كثيرًا من القضايا قد تم توضيحها في هذا اللقاء فيما يتعلق بطبيعة ما يجري بخصوص هذا العقد. لذلك في ظني أن تأجيل إصدار حكم في هذه القضية أمر يجب أن نتجه إليه، يجب أن نميز في معرض الحديث عن الحكم الشرعي بين قضية التوجهات العامة وما ينصح به وبين تحرير محل النزاع ومن ثم التوجه إلى بيان الحكم فيه من مرحلته الأولية ثم فيما يلحق بهذه الجزئية من أمور تابعة قد تحكم بعدم صحتها وحدها أو بصحة بعضها وعدم صحة شيء آخر منها. واضح ما يجري في الأسواق المالية في العالم حتى في بلاد العرب والمسلمين كثير منه من قبيل المضاربات البحتة مما يفسد حتى العملية التنموية فضلًا عن أنه يؤثر في ثرائها والأصل أن يتوجه اقتصاديونا وباحثونا إلى كثير من الضمانات والقيود والقواعد الضابطة لسلوك المتعاملين مع هذه الأسواق بما يصون هذه الأسواق من أن تنقلب إلى ساحات للمضاربة والمراهنة وعمل نوع من الانطباع بأن هنالك تقدمًا اقتصاديًّا لكن العملية لا تخلو من مضاربات يثري فيها البعض على حساب الآخرين، لكن هذا أمر في الواقع غير عملية التصدي لقضية محددة والقول بأنها بهذه الصورة جائزة أو غير جائزة، أنا مع الإخوة الذين طالبوا بأن نتوجه نحن في مجمعنا ليس للحاق واللهاث وراء صيغ من التعامل استحدثتها الحضارة المعاصرة لسبب أو لآخر إنما يجب أن نتجه لاستحداث صيغ من التعامل المعاصر تلبي حاجاتنا على هدي من شريعتنا ووفق قواعد ديننا الحنيف، وهذا التحدي طرح البدائل الجيدة التي تحق التنمية الحقيقية في مجتمعنا وبالتالي نتميز في الواقع عن الحضارات المعاصرة وما تقدم في هذا المجال. ولذلك أنا مع الأخ الدكتور سامي في اقتراحه بأن نتوجه لصياغة أدوات تمويل وعقود جديدة تضبط أسواقنا المالية، لكن فيما يتعلق بالخيارات أريد أن أبسط المسألة إلى أبعد حدود التبسيط ومن ثم يمكن أن ننظر في صورتها المبسطة هذه، أهي جائزة أو ليست جائزة؟ ثم بعد ذلك يمكن إذا أردنا أن نستمر في هذا البحث أن ننطلق جزئية بعد جزئية لمكونات هذه الصورة في الواقع المعاصر لننتهي بعد ذلك إلى حكم شامل فيما يتعلق بهذه المسألة.
واضح أن الذي دفع إلى التفكير في عقود الخيارات هو عملية المضاربات التي تجري في الأسواق المالية، يعني لو كانت الأسعار مستقرة ولا تتفاوت بين يوم وآخر وشهر وآخر لما كان هنالك حاجة لهذا لكن لخشيتي أنا من صعود الأسعار أو من هبوط الأسعار أسارع لنوع من الممارسات من أجل تحقيق الأرباح، فلو كانت طبيعة السوق وهذا أمنيتنا أن يكون هناك سوق إسلامي ليس في وجوده في بلاد المسلمين إنما في قواعده وفي تعامله وفي منطلقاته وفي محركاته وفي كل ما يجري فيه لكن كون أننا أخذنا هذه التجربة عن الحضارة المعاصرة بما فيها فلذلك نحن نعالج معالجة أشبه ما تكون بمعالجات الترقيع لنقول هذا في جزئية جائز أو في جزئية غير جائز. أعود إلى قضية التبسيط لو جاء شخص معين وقال: أنا ألتزم ببيع سلعة أملكها – دعونا حتى من قضية الأسواق المالية – ألتزم ببيع سلعة معينة بسعر معين ومقابل هذا الالتزام – وسلعتي هذه يتفاوت سعرها على ضوء العرض والطلب في المجتمع – ومقابل هذا الالتزام أريد مبلغًا من المال لأنه لو بسطنا المسألة هذه هي الحقيقة بيع التزام بالبيع من حيث الذي سيقبض المال وبالنسبة للآخر هو شراء التزام بالبيع بسعر معين في فترة معينة ومن ثم ندخل بعد ذلك في كل التفاصيل والأمور اللاحقة في هذه الصورة من التعامل. هذه العملية هل يمكن أن تخرج على قاعدة بيع العربون؟ نعم هي ليست تمامًا كالعربون لكنها في النهاية كما شرح الدكتور سامي تؤول بشكل أو بآخر إلى هذه الحالة وإن كانت في العقد اللاحق عندما تتم العملية فعلًا عندما يتم البيع فعلًا ليس هنالك ربط بالمبلغ الذي قبض أولًا لكن العبرة فيما يجري فعلًا وحقيقة وليس من الأسماء والصور التي تمارس بقدر ما هي من حيث مضامينها الحقيقية. هذه القضية هي في ظني إذا بحثناها وانتهينا فيها إلى الإجازة أو التحريم تحسم هذه المسألة وأما ما يلحق بعد ذلك من مسائل كما تفضل الدكتور منذر معظم الخيارات تنتهي بعمليات مقابل، بمعنى آخر هنالك بيع للعربونات يعني هنالك مضاربات تلحق بمضاربات، لكن هذا قد نقوله بالنسبة لجزء في كل في السوق المالي كما يجري لكن مع التنبيه إلى أننا قد حددنا بالضبط الحكم المتعلق بأصل المسألة. وشكرًا.
الدكتور طه جابر العلواني:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أود أن أنبه إلى بعض الملاحظات التي قد لا تضيف كثيرًا إلى ما تفضل به من سبقوني لكنها قد توضح بعض الجوانب.
الملاحظة الأولى: أن المعاملة التي جرى نقاشها هي معاملة حادثة باتفاق من تكلم فيها من خبراء ومن فقهاء أبرزها اقتصاد حر جعل كل شيء سلعة، الإنسان ذاته، في نظر هذا الاقتصاد هو وحدة إنتاجية واستهلاكية لا ينظر إليه إلَّا من هذه الزاوية، الحق، المنفعة، اللذة، المصلحة، الحرمة والقداسة مرتفعة عن كل شيء، وكل شيء في هذا الاقتصاد عروض للبيع والشراء والتداول والمعاوضة. جسد الإنسان امرأة أو رجلًا معروض للبيع ومعروض للتأجير ومعروض للانتفاع به بكل الوسائل حيث إن هذا الاقتصاد بني على تصور ينفي الحرمة والقداسة وإدخال أي عنصر غيبي في هذه المعاملات، فلا شيء اسمه دين ولا شيء اسمه فقه أو شريعة أو خلق أو قيم في هذا المجال وإنما هي أمور كلها قابلة للتداول والتبادل والبيع والشراء والمعاوضة. هذه واحدة.
الأمر الثاني: أن فقهنا الموروث لم يشتمل على شيء مباشر في هذه العقود الحادثة وفقهاء سلفنا حتمًا لم يواجهوا مثل هذه المعضلات، فهم قد عاشوا في مجتمعات يغلب عليها أنها مجتمعات زراعية ومجتمعات تجارية ذات طبيعة تراحمية تعاونية بسيطة تحددها وتسودها وتضبطها قيم شرعية وأخلاقية.
الأمر الثالث: هذه المعاملات بعضها إذا أخذ بشكله الجزئي وعرض منفصلًا عن الرّحم الذي ينتمي إليه- رحم الاقتصاد الحر- ربما يستطيع الفقيه أن يقول: هذه المعاملة جائزة أو هذه مقبولة بشكلها الجزئي وفي إطارها الجزئي ولكن ما الذي سننتهي إليه بعد الوصول إلى هذه الجزئيات؟ ربما سيقودنا هذا إلى قبول الإطار الفلسفي بعد ذلك الذي سمح بإفراز مثل هذه المعضلات.
الأمر الرابع: الفقيه المعاصر الذي يواجه هذه القضايا هو ينتمي إلى أمة لا يزال هذا الاقتصاد العالمي السائد يصنفها في إطار عالم ثالث أو عالم نامي أي باعتراف أهل هذا الاقتصاد أن هذه البلدان لا تواجه مثل هذه المشكلات وحين تواجهها فإنما تواجهها في شكل جزئي وفي إطار سيادة وسيطرة هذا النظام الاقتصادي العالمي وبمقدار ما يسقط عليها من مشكلات، وبالتالي فالفقيه المعاصر إما أن يقيس وهنا عملية القياس إن لم تكن متعذرة فهي شديدة الصعوبة لأن فقهاءنا لم يواجهوا مثل هذا، وإما أن يذهب إلى الأخذ بفقه الضرورات لمن يصابون بمثل هذه النوازل بشكل جزئي وقد يكون هذا أسلم المنطلقات أو أخف المنطلقات ضررًا بالنسبة لمثل هذه الواقعات.
الذي نود أن نتنبه إليه هو أن نتصور الاقتصاد الذي تنتمي إليه بلداننا شكله، كيفيته، مشكلاته، كيف يمكن للفقيه المعاصر أن يسهم في معالجة قضاياه؟ أما قضايا اقتصاد آخر لا تصادفنا إلَّا بشكل جزئي ومن خلال هذه المنطلقات فإنها سوف تضع أمامنا كمًّا هائلًا من المشكلات قد يضيع علينا فقه أولوياتنا. أقول قولي هذا وشكرًا لكم.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلَّي الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من خلال هذه المداولات يتبين أن هناك ثلاثة توجهات.
الأول: وعليه عامة فقهاء هذا المجمع وعدد من الاقتصاديين وهو أن الاختيارات بيعًا وشراء ليس له مقابل صحيح في عقود المعاوضات وغيرها من العقود الشرعية ولذلك فحكمه التحريم.
الثاني: فيه تفصيل بتحليل جزئيات بعض الصور التي طرحت وتعديل لها
…
وقد ترون مناسبًا أن يتألف لجنة لإعداد مشروع قرار في هذا الموضوع من خلال المداولات الجارية وهم المشايخ: وهبة الزحيلي، الصديق الضرير، عبد الوهاب أبو سليمان، سامي حسن حمود، عبد اللطيف الجناحي، محمد تقي العثماني. موافقون؟
الأعضاء:
نعم.
الرئيس:
وبهذا ترفع الجلسة وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ثَانيًا: السّلع
الرئيس:
الحمد لله رب العالمين وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
في هذه الجلسة سوف يكون موضوعها – بإذن الله تعالى – (السلع) والعارض هو فضيلة القاضي الشيخ محمد تقي العثماني والمقرر هو فضيلة الشيخ صالح المرزوقي.
القاضي محمد تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه أجمعين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فإن موضوع الدراسة لهذه الجلسة كما عرفتم هو التعامل في السلع وليس المقصود بهذا العنوان بيع السلع بعمومها وإنما المقصود التعامل في السلع بمختلف صيغها الجارية في الأسواق المالية والبورصات العالمية اليوم. وإن السلع التي يتعامل بها في هذه الأسواق بكميات كبيرة تشمل الأطعمة والمنتجات الزراعية والمواد المعدنية من الذهب والفضة وغيرهما في غالب الأحوال والمنتجات الصناعية في بعض الأحيان. وإن التعامل في هذه السلع ينقسم إلى أقسام ثلاثة:
الأول: التعامل في السلع الحاضرة وما يسمى باللغة الانجليزية (SPOT TRANSACTION) وهو أن تكون السلع موجودة عند الباعة فيبيعونها إما بثمن الحال أو بثمن مؤجل وإن هذا النوع من البيع لاخفاء في حكمه الشرعي فإنه ينطبق عليه جميع أحكام البيوع المبسوطة في كتب الفقه، وبالتالي فإن هذا النوع من البيع يعز وُجوده في الأسواق المالية والبورصات وإنما يتعامل به في الأسواق العادية غالبًا. فإني لم أتعرض في بحثي لهذا النوع من البيع.
النوع الثاني: من التعامل في السلع هو البيوع المقدمة وهي البيوع التي تسمى باللغة الإنجليزية (FORWARD SALES) وهي البيوع التي يبيع فيها البائع سلعًا يلتزم بتسليمها إلى المشتري في وقت لاحق وإن حكم هذا النوع من البيع أنه إنما يجوز إذا توفرت فيه شرائط السلم أما إذا لم توجد فيه شرائط السلم فإنه لا يجوز أصلًا إما لأنه بيع لما لا يملكه الإنسان أو لأنه بيع معدوم أو لأنه بيع مضاف إلى ثمن مستقبل. وكل ذلك لا يجوز كما هو معروف في الفقه الإسلامي.
النوع الثالث: من التعامل في السلع هو ما يسمى (المستقبليات) وإن هذه الكلمة في الأصل مترجمة من اللغة الإنجليزية والكلمة الإنجليزية المستعملة في هذا الموضوع هي (FUTURES) وهو النوع الذي يهمنا أكثر في دراستنا اليوم لكونه نوعًا جديدًا من التعامل في السلع أصبح من أبرز أنواع المعاملات الجارية في الأسواق المالية العالمية، وتكونت له بورصات مستقلة يتعامل فيها بالملايين في كل يوم. ويبدو من كلمة (المستقبليات) وتعريفها المذكور في كتب الاقتصاد أنه اسم للبيوع المقدمة التي ذكرناها كالنوع الثاني من التعامل في السلع، فإنه يتعامل بها في السلع بشرط تسليمها بتاريخ مستقبل، ولكن هناك فرقًا جوهريًّا بين البيوع المقدمة وبين المستقبليات وهو أن البيوع المقدمة إنما تعقد للحصول على السلع في تاريخ مستقبل، والبائع يقصد تسليم المبيع، والمشتري يريد تسلمه في ذلك التاريخ، ويقع التسليم والتسلم فعلًا عند حلول ذلك التاريخ. أما المستقبليات، فإن السلع إنما تستخدم فيها كأساس للتعامل، ولكنه لا يقصد بها في معظم حالات التسليم والتسلم، بل يقصد بها إما المخاطرة في الأرباح، أو التأمين ضد الخسارة في إحدى البيوع المقدمة المتوازية، فلا يقع فيها تسليم السلع وتسلمها إلَّا في حالات نادرة جدًّا، وبما أن الحكم الشرعي لشيء ما إنما يبتني على تصوره الصحيح فإني أريد أن أشرح كيفية هذا التعامل في المستقبليات بشيء من التفصيل، فليعذرني المستمعون الأكارم إذا كان فيه شيء من الإطالة فإنه لا بد من هذا للوصول إلى الحكم الشرعي لهذا التعامل.
إن المستقبليات إنما تعقد في سوق منظمة أنشئت لهذا الغرض، وتسمى " سوق تبادل السلع "(COMMODITY EXCHANGE) التي تجري على أساس العضوية فيها، فمن يحب أن يتعامل في المستقبليات يجب أن يكون عضوًا لهذه السوق. وإن العضوية تتكون من منتجي عدة سلع وتاجريها، ومن مؤسسات السماسرة. ومن أراد أن يتعامل في هذه السوق دون أن يكون عضوًا فيها، فإنما يستطيع ذلك عن طريق السماسرة الأعضاء. ويجب للتعامل في المستقبليات أن يفتح المتعامل حسابًا عند إدارة السوق يتضمن مبلغًا معينًا يبقى عند إدارة السوق كضمان لتصفية التعامل حسب قواعد السوق. ولا يزيد هذا المبلغ عادة على 10 % من قيمة العقد عند التوقيع، و 7 % في اليوم اللاحق، والمقصود بهذا المبلغ تغطية الخسارة المحتملة في حال تخلف أحد الفريقين عن الوفاء بما التزمه. وبعد فتح الحساب يجوز للعضو أن يبيع أو يشتري كمية معينة من السلع لتاريخ مستقبل وإن كميات السلع المتعامل بها مقسمة على وحدات تجارية كل وحدة منها تنبئ عن كمية معروفة من تلك السلعة المخصوصة. فالوحدة المعتبرة في القمح مثلًا، هي خمسة آلاف كيس، فلا يقع التعامل بكمية أدنى من هذه الكمية، وللمتعامل أن يتعامل في وحدة واحدة من القمح، أو في وحدتين، أو في ثلاث وهكذا. وكذلك أنواع السلعة محددة بدقة من حيث جودتها ورداءتها، ويشار إلى هذه الأنواع بأرقام الدرجات، فهناك قمح الدرجة الأولى، وقمح الدرجة الثانية، وقمح الدرجة الثالثة، وهكذا. وإن مواصفات كل من هذه الدرجات معروفة لدى جميع المتعاملين.
فمن أراد بيع وحدة من قمح الدرجة الأولى مثلًا في شهر يناير لتسليم شهر أكتوبر، فإنه يعرض على السوق ما ينبئ عن رغبته لبيع وحدة من قمح الدرجة الأولى، لشهر أكتوبر بثمن يتوقع أن يكون رابحًا عند التسليم، فمن رغب في شراء هذه الوحدة بهذه الشروط قبل ذلك العرض، ولا يحتاج أي منهما إلى الالتقاء بالآخر في أسواق البورصة. ولكن إدارة السوق ضامنة لوفاء التزامات الفريقين. فالبائع يقدم عرضه إلى السوق بواسطة الإدارة، والمشتري يقبل هذا العرض عن طريق الإدارة والإدارة تتكفل له بتسليم السلعة من قبل البائع، وبتسليم السلع من قبل المشتري عند حلول تاريخ التسليم.
وليس الأمر حقيقة بهذا البساطة التي تبدو مما ذكرته حتى الآن لأنه لا يقع أبدًا أن ينتظر المشتري تاريخ التسليم ويتسلم السلعة المبيعة عند حلول ذلك التاريخ، وإنما يظل هذا العقد فيما بين شهر يناير وشهر أكتوبر محل بيع وشراء في كل يوم، وربما يقع على العقد الواحد بيع عشرات البياعات يوميًّا، إلى أن يأتي الأجل، فلو باع زيد مثلًا إلى عمرو وحدة من القمح لتسليم شهر أكتوبر، فإن عمرًا يبيعه بعد ذلك إلى خالد وخالد إلى حامد وحامد إلى حسان كل واحد منهم بثمن ربما يختلف عن الثمن الأول. والفارق بين سعري البيع والشراء هو الربح الذي يخاطر فيه المتعاملون في أثناء هذه المدة. وكل من اشترى عقدًا بسعر أقل وباعه بسعر أكثر، فإنه يستحق أن يطالب بفرق السعرين كربح له، دون أن يدفع الثمن كمشترٍ، أو يسلم المبيع كبائع. ففي المثال المذكور لو اشترى عمرو من زيد وحدة من القمح لتسليم شهر أكتوبر بعشرة آلاف دولار مثلًا، وباعه من خالد بأحد عشر ألف دولار، فإنه لا يدفع الثمن إلى زيد، ولا يسلم المبيع إلى خالد، وإنما يستحق ألف دولار كالربح الحاصل على تعامله فإنه هو الفارق بين السعرين ولإنجاز هذه العمليات تكون إدارة السوق غرفة تسمى " غرفة المقاصة " وإن جميع هذه العمليات في غرفة المقاصة، وهي التي تتولى تصفية جميع الالتزامات في آخر النهار كل يوم. فإن عمرًا في المثال المذكور يأخذ ربحه، وهو ألف دولار، ويتسلمه من غرفة المقاصة ويخرج من العملية بتاتًا.
وهكذا يستمر التعامل في هذا العقد الواحد إلى أن يأتي شهر التسليم وهو شهر أكتوبر في المثال المذكور وفي هذا الشهر يصدر من قبل إدارة السوق إخطار للمشتري الأخير – المشتري الذي اشترى في آخر هؤلاء – يصدر هناك إشعار لذلك المشتري بحلول تاريخ التسليم، وباستفساره: هل يرغب في تسلم المبيع في التاريخ المتفق عليه؟ أو يريد بيع هذا العقد؟ فإن رغب في تسلم المبيع. فإن البائع يسلم السلعة المبيعة إلى مستودعات معينة. ويسلم وثيقة الإدخال إلى المستودع، ويحصل مقابلها على الثمن. وإن لم يرغب المشتري الأخير في تسلم السلعة، ورغب في بيع العقد مرة أخرى، فإنه يبيعه من البائع الأول – البائع الأول الذي باع هذا العقد في بداية هذه العملية يبيع هذه السلعة إلى نفس ذلك البائع الأول – مرة أخرى وحينئذ فإن المعاملة تصفّي على أساس دفع فوارق السعر كما يقع في العمليات التي تم إنجازها قبل حلول التاريخ – مثلًا – البائع كان قد باع بألف دولار وصار السعر الآن ألف ومائة دولار فإنه يشتري بألف ومائة ويدفع فرق مائة إلى هذا المشتري الأخير.
وأن ما يقع فعلًا في أسواق السلع في معظم المعاملات هو هذا الشق الثاني، ولا يقع التسليم والتسلم إلَّا في أحوال نادرة، لعلها لا تبلغ نسبتها إلَّا إلى الواحد في المائة.
والذين يتعاملون في المستقبليات هم نوعان، لكل واحد منهما غرض مستقل عن غرض الآخر للدخول في سوق المستقبليات.
أما النوع الأول، فهم المخاطرون الذين لا يقصدون شراء السلع وبيعها للحصول على المبيع أو على الثمن، وإنما يقصدون الحصول على الأرباح التي تتكون من فروق أسعار البيع والشراء، كما تقدم ذكر ذلك. وإنهم على ثقة من خبرتهم بتقلبات الأسعار، يشترون المستقبليات على أمل أنهم سوف يبيعونها بسعر أكثر، ويتخلص لهم ربح من وراء هذه العملية، بدون أن يخوضوا في تسلم المبيع وتسليمه. فربما تنجح آمالهم في عقد، وتفشل في أخرى.
والنوع الثاني، من المتعاملين بهذه العملية هم الذين يقصدون التأمين ضد الخسارة على بيوع حقيقية عقدوها في الأسواق الحالة. وإن هذه العملية تسمى في اللغة الإنجليزية التحصين ويمكن لنا أن نترجمه إلى العربية بالتأمين ضد الخسارة.
ومن المناسب أن نشرح هذه العملية بمثال إن زيدًا اشترى من السوق الحالة عشرة آلاف كيس من القمح، - من السوق الحالة وليس من سوق المستقبليات – بسعر خمس دولارات لكل كيس مثلًا. وأن البيع حقيقي يقع فيه التسليم ولكن نظرًا إلى ظروف السوق يريد زيد أن يبيع هذه الكمية بعد ثلاثة أشهر مثلًا، ولكنه يخاف أنه إن انخفض سعر القمح بعد ثلاثة أشهر فإنه سوف يخسر خسارة كبيرة. هب أن السعر انخفض بعد ثلاثة أشهر بمقدار نصف دولار لكل كيس، فإنه يخسر خمسة آلاف دولار في هذه العملية الواحدة.
وللتجنب عن هذه الخسارة، يدخل زيد في سوق المستقبليات لأنه دخل في السوق الحالة واشترى كمية من القمح ثم يدخل في سوق المستقبليات ويبيع مثل هذه الكمية لتسليم ثلاثة أشهر بالسعر الموجود في السوق الحالة يوم العقد – يعني بالسعر الذي اشترى عليه – فتكون له عملية شراء في السوق الحالة، وعملية بيع في سوق المستقبليات بكميتين متوازيتين من القمح. وإن الربح في إحداهما يجبر الخسران في الأخرى. فلو انخفض سعر القمح بعد ثلاثة أشهر بمقدار نصف دولار للكيس الواحد مثلًا فإنه سوف يخسر في صفقته الحالة بمقدار خمسة آلاف دولار، ولكنه في الوقت نفسه يربح في سوق المستقبليات بما يقارب هذا المقدار، لأن سعر المستقبليات سوف ينخفض أيضًا بما يقارب نصف دولار للكيس الواحد، فما باعه بسعر أعلى قبل ثلاثة أشهر في سوق المستقبليات يشتريه الآن بسعر أدنى، ويستحق الفرق بين السعرين، وهو خمسة آلاف دولار. وإن هذا الربح الذي حصل له في المستقبليات يجبر ما أصابه من الخسران في الصفقة الحالة. وإن النتيجة الصافية لهذه العملية أنه لم يخسر ولم يربح يعني أنه تجنب الخسارة المتوقعة بهذا الشكل.
هذه خلاصة وجيزة لكيفية التعامل في المستقبليات. وإن هذه العقود قد أصبحت اليوم معقدة للغاية، وقد تجاوزت دائرتها من السلع إلى النقود وإلى الخيارات يعني تكون هناك مستقبليات في الخيارات التي بحثناها فتعقد المستقبليات على الخيارات أيضًا. ولكني لخصت من العملية ما يمكن به فهم حقيقتها وتفاصيلها التي لا بد من معرفتها لبيان حكمها الشرعي، وأما حكمها الشرعي، فكل من له إلمام بقواعد الشريعة ومصالحها، لا يشك بعد النظر في تفاصيل هذه العملية أنها عملية محرمة شرعًا ومصادمة لعدة أحكام في الشريعة الغراء.
أما أولًا فلأنه بيع لما لا يملكه الإنسان، إن البيع في المستقبليات يقع على بضاعة وعلى سلعة لا يملكها البائع عند عقد البيع. وكذلك البيوع التي تتم خلال مدة التسليم فإنها بيوع تتم قبل قبض السلعة المبيعة. والمعروف لدى جميع العلماء أن البيع لما لا يملكه الإنسان لا يجوز قد حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصوص صريحة وكذلك البيع قبل القبض لا يجوز عند جمهور من الفقهاء.
وقد حاول بعض الناس تخريج جواز هذه العملية على أساس بيع السلم، ولكن ذلك لا يصح إطلاقًا وذلك لأسباب:
1-
إنه يجب في السلم شرعًا أن يعجل الثمن بكامله، وهو الذي يسمى (رأس مال السلم) ، وهذا معروف لدى جميع الفقهاء وقد نقلت بعض النصوص في بحثي في هذا الصدد. ولكن في المستقبليات، فإن تأخير قبض الثمن مشروط في العقد، لا يدفع الثمن عند العقد فلا يصح سلمًا عند أحد من الأئمة الأربعة. وقد يقال: إن حصة من الثمن مدفوعة إلى البائع عند العقد يعني حصة من الثمن وهي التي تكون كالهامش يوضع عند الإدارة، ولكن ذلك لا يجدي نفعًا في تصحيح هذا التعامل، أولًا: فلأن دفع بعض الثمن لا يكفي لصحة السلم، بل يجب دفع الثمن بكامله كما هو معروف في الفقه الإسلامي. وثانيًا: إن ما يوضع لدى إدارة السوق ليس جزءًا من الثمن ولا يدفع إلى البائع وإنما هو مبلغ مودع لدى طرف ثالث ليكون ضمانًا على الوفاء بالتزام المشتري، فليس له علاقة بالثمن الذي يستحقه البائع.
2-
وبما أن الثمن لا يدفع إلى البائع عند العقد، فالثمن دين على المشتري كما أن البيع دين على البائع، فصار هذا بيع الكالئ بالكالئ، وهو منهي عنه بنص الحديث. وقد يقال: إن إدارة السوق تضمن أداء الثمن، فبفضل هذا الضمان أصبح الثمن كأنه مدفوع إلى البائع. ولكن هذا التوجيه ليس بصحيح – في نظري – لأن ما يشترط لصحة السلم هو أن يقع دفع الثمن فعلًا. لا أن يكون مضمونًا أو موثقًا من قبل إحدى الجهات، لأن ضمان الطرف الثالث لا يخرج الثمن من كونه دينًا، فلا يكون هذا البيع إلَّا بيع دين بدين، وهو لا يجوز.
3-
ثم إن من الشرائط التي اتفق عليها جميع الفقهاء لصحة السلم أن تكون السلعة المسلم فيها موصوفة بصفات دقيقة، فلو كانت المواصفات مجهولة أو مترددة مفضية إلى النزاع، فإنه لا يصح السلم عند أحد من الفقهاء. وإن عقود المستقبليات، وإن كانت مشتملة على المواصفات الدقيقة ببيان الدرجات، ولكن الذي يقع فعلا، أن البائع ربما يبين درجات مختلفة في العقد الواحد، ويكون الخيار بيد البائع في تسليم ما شاء من هذه الدرجات وهذا مصرح في الكتب التي تتحدث عن عمليات المستقبليات. ثم هناك وجه رابع لحرمة هذه العمليات وهو:
4-
إن المقرر في عقود المستقبليات أن تسليم السلعة إلى المشتري لا يقع عمومًا، بل يكون الخيار بيد المشتري الأخير إن شاء طالب بتسليم السلعة، وإن شاء باعها على البائع مرة أخرى، ويقبل التصفية على أساس دفع الفرق بين سعري البيع والشراء وإن هذا الأمر مشروط في العقد منذ أول الأمر، ولا شك أن مثل هذا الشرط مفسد لعقد السلم، بل بيع المسلم فيه إلى البائع لا يجوز. ولو لم يكن مشروطًا في عقد السلم كما هو معروف في الكتب الفقهية وبيع السلم فيه من بائعه أو من غيره قبل قبضة فاسد.
5-
ولو فرضنا أن العقد الأول قد انعقد سلمًا بعد استيفاء شروطه، فإنه لا يجوز لرب السلم، وهو المشتري، أن يبيع المسلم فيه إلى غيره قبل أن يقبضه.
فهذه وجوه خمسة، كل واحد منها يمنع من تخريج جواز هذه العقود بجعلها سلمًا. وإذا لم يمكن جعل هذا العقد سلمًا، فإنه بيع يضاف إلى تاريخ مستقبل، وقد أجمع الفقهاء على أن البيع لا يقبل التعليق أو الإضافة إلى تاريخ مستقبل. فلا يصح البيع الأول، فكيف بالبيوع التي تتابعت على أساس هذا البيع الأول؟ وهناك احتمال آخر في التكييف الفقهي لهذه العملية وهو أن هذا العقد ليس بيعًا، وإنما هو وعد لبيع سلعة مخصوصة في تاريخ معين بسعر معين، والموعود له قد استحق شراء تلك السلعة بسعر متفق عليه في الوعد، ثم إنه يبيع هذا الحق إلى رجل ثالث، وثالث إلى رابع إلى أن يأتي يوم التسليم. ولكن هذا التكييف أيضًا لا يصلح أن يكون مبررًا لهذه العملية فيما أرى. وذلك لوجوه:
أولًا، فلأن الواقع لا يوافق هذا التكييف، فإن المتعاملين في سوق المستقبليات لا يدخلون في هذه العقود كوعد محض، وإنما يدخلون فيها لإبرام عقد البيع بنفسه، فلا يصح أن يسمى وعدًا.
ثانيًا، فلأن الوعد المحض ليس ملزمًا في القضاء عند جمهور الفقهاء، ومن جعله ملزمًا في القضاء في بعض العقود، فإنه فعل ذلك لضرورة ملحة، ولا ضرورة ههنا.
ثالثًا، فلأن هذا الحق الذي حصل للموعود له ليس مما يجوز بيعه أو الاعتياض عنه، لأنه ليس حقًّا واجبًا في القضاء وأنه حق مجرد، وبيع الحق المجرد مما ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جوازه إلَّا بشروط، وهي منتفية في هذا العقد.
وقد يقال: إذا كانت العقود المستقبليات لا تجوز شرعًا، فهل هناك من بديل لهذه المعاملة يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية؟
وجوابي عن هذا السؤال، أن البديل إنما يبحث فيما إذا كان الغرض المنشود صحيحًا. فيبحث عن البديل للحصول على ذلك الغرض بطريق مشروع.
أما عقود المستقبليات، فلم يظهر لها غرض مشروع يحتاج إلى طريق شرعي لإنجازه. والواقع أن ما يقع في سوق المستقبليات لا يقصد به تجارة حقيقية، وإنما المقصود هو المخاطرة في الأرباح التي هي بالقمار أشبه منها بالبيع.
وقد ذكرنا أن المتعاملين في سوق المستقبليات نوعان:
الأول: هم المخاطرون.
الثاني: هم الذين يريدون تأمين أنفسهم ضد الخسارة على ما اشتروه في السوق الحقيقية، فيدخلون في سعر المستقبليات تجنبًا عن الخسائر المحتملة بتقلبات الأسعار، كما وصفنا من قبل، ولكنهم إنما يلجأون إلى دخول المستقبليات حينما يريدون احتكار السلع إلى مدة ليزيد ربحهم، ولكنهم في الوقت نفسه يخافون من التقلب المعاكس للأسعار، فيريدون أن يعقدوا المستقبليات للوقاية عن الخسائر المحتملة بسبب هذا التقلب المعاكس.
فظهر بهذا أن عقود المستقبليات إنما يحتاج إليها التجار لإمساك المنتجات عندهم لمدة يعتد بها، وذلك إنما يكون في غالب الأحيان لغرض الاحتكار، وهذا غرض غير مشروع. فلما لم يكن للدخول في المستقبليات غرض مشروع يعتد به، فلا حاجة بنا إلى البحث عن البدائل المشروعة للمستقبليات، ولئن قامت هناك حقيقية للدخول في عقد يتأخر فيه تسليم المبيع، فالطريق المشرع له هو السلم، ويمكن أن يعقد بشروطه المعروفة في كتب الفقه الإسلامي والمشروحة في نصوص الحديث. والله سبحانه وتعالى أعلم. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المؤمنين.
الدكتور منذر قحف:
بسم الله الرحمن الرحيم.
هناك عدد من النقاط أرغب أن أبينها تكملة لما ذكره فضيلة الشيخ تقي العثماني- جزاه الله خيرًا -.
أولًا: طبيعة هذه العقود لا تتم إلَّا من خلال سوق منظمة فلا تتم خارج السوق المنظمة، فنحن نتكلم إذن عن سوق منظمة لها إدارة وهذه الإدارة لها دور في إجراء هذه العقود. هذه نقطة أولى.
النقطة الثانية: هذه العقود نوعان وليست ثلاثة،
النوع الأول: ما يسمى باللغة الأجنبية الإنجليزية (SPOT) والتي يمكن أن تترجم بمعنى (العقود الآنية) ، هذه العقود الآنية في حقيقتها ليست آنية لذلك ينبغي أن نرى ما هو تعريف كلمة (SPOT) في طريقة التعامل في الأسواق المنظمة، كلمة (SPOT) معناها حتى نهاية الشهر الحالي بمعنى أنه يمكنك أن تنفذ هذا العقد في أي وقت ما بين يوم الشراء إلى نهاية الشهر الشمسي الذي أنت فيه فإذا جاء آخر يوم من الشهر قبيل آخر يوم من الأيام الثلاثة الأخيرة من الشهر وهي أيام تصفية ينبغي أن تصفي فيها جميع العقود التي تخص ذلك الشهر. عندما نقترب من شهر آخر، العقود التي كانت مستقبلية للشهر التالي تصبح عقود (SPOT) لأنه مجرد أن نبدأ بيوم أول الشهر، مثلًا واحد فبراير العقود التي تخص شهر فبراير أصبحت الآن (SPOT) كانت قبل بدء فبراير مستقبلية والآن أصبحت (SPOT) ، وهذه العقود ينبغي أن تصفى حتى نهاية الشهر والتصفية تتم في العادة في الأيام الثلاثة الأخيرة.
النقطة الثالثة: لا يوجد شرط أو إلزام في أي نوع من العقود المستقبلية سواء أسميناها (FUTURES) أو (FORWARD) ، لا يوجد في أي منها شرط بأن يلتزم المتعاقد بالتسليم أو بالتسلم، لا يوجد مثل هذا الشرط، وبالتالي لا يوجد فرق بين الكلمتين والكلمتان مستعملتان من قبل الكتاب بنفس المعنى وكل كاتب يستعمل كلمة تختلف عن الأخرى، وكذلك تختلف بالبلدان فمثلًا في أمريكا يستعملون أكثر كلمة المستقبليات.
النقطة الرابعة: وهي نقطة مهمة وقد يصعب عَلَيَّ شرحها. الحقيقة لا يوجد تتالي أبدًا في هذه العقود، يعني كثير من الإخوان الفقهاء ظنوا في جلسات ماضية وكما قال أيضًا فضيلة الشيخ تقي العثماني الآن أن هناك تتالي فأنت تتداول ذلك العقد. أحمد يشتري خمسة آلاف كيس من القمح ثم يبيع هذه قبل أن يقبضها وقبل أن يدفع الثمن وهي مستقبلية يبيعها إلى حامد، وحامد إلى حسان وآخر إلى كريم لا يحصل هذا مطلقًا لا يوجد تتالي في هذه العقود، هذه العقود كل منها عقد مستقل عن الآخر فكما أنني أستطيع أن أدخل السوق بائعًا أستطيع كذلك أن أدخلها مشتريا وقد يحصل أن يبدأ دخولي للسوق بائعا أو قد يحصل أن يبدأ دخولي للسوق مشتريًا ففي كل مرة أبيع أو أشتري ذلك عقد لا علاقة له بأي عقد ماض وليست تلك السلعة نفسها، وليس ذلك العقد ولا علاقة له مطلقًا، الذي يحصل هو ما يلي:
لو دخلت السوق بائعًا لخمسة آلاف كيلو من القمح أو خمسة آلاف كيس من القمح وأردت أن أصفي علاقتي بالسوق يمكن أن أدخل ذلك السوق بعقد معاكس لذلك العقد، هو عقد آخر لا علاقة له بالماضي ليس تداولًا للماضي، عقد معاكس لذلك العقد، فإذا تساوت الكميتان سقط العقدان لأنني ملزم بأن أعطي وأن أسلم خمسة آلاف كيس وهنا ملزم بأن أتسلم بالعقد الآخر خمسة آلاف كيس وإدارة السوق تسقط هذين العقدين مع بعضهما لتساوي الكمية وأخرج منها بفارق السعر عند ذلك. إذن ليست هي نفس الكمية أو نفس العقد يتكرر التعاقد عليه وإنما هي كمية أخرى.
الخيارات بطبيعتها مستقبلية لأن الاختيار لا يمارس إلَّا في المستقبل فهو بطبيعته مستقبلي ولا يوجد تعامل في المستقبليات على الخيار. يعني الاختيار بتعريف عملية مستقبلية. بالنسبة للمواصفات أيضًا، المواصفات محددة بدقة متناهية بحيث لا تكون مجالًا لنزاع أو خلاف إلَّا أن طريقة تحديد المواصفات طريقتان:
الطريقة الأولى: أن نقول مثلًا قطن طول التيلة 4مم، هذه طريقة.
الطريقة الثانية: أن نقول هي قطن طول التيلة إما 4مم أو 5 مم أو 6مم.
فيمكن أن يكون العقد هكذا وإذا كان هكذا، فإنه يبيح أن يكون طويل التيلة أيًّا من هذه أو أن يكون ثابتًا محددًا، فكأننا نقول: المواصفة الدقيقة عقد أو قطن طول التيلة ما بين 4 إلى 6مم فهي محددة بدقة ولم يحصل في تاريخ أسواق المستقبليات (أسواق السلع) أن وقع خلاف على المواصفات بحال من الأحوال أبدًا، وإدارة السوق ضامنة لهذه الأمور بصورة مستمرة.
أيضًا لا يحصل أبدًا – لأن العقود مستقلة عن بعضها – أن أبيع السلعة التي كنت اشتريتها إلى بائعها الأول، هذا لا يحصل أبدًا في السوق، هناك أمر آخر مهم هنا وهو أنني لا أعرف أصلًا من هو بائعها الأول والعقود هنا وهي نقطة مهمة في تعريفها لذلك فالأوراق التي عرفتها اللجنة أرادت أن تشير إلى ذلك، العقود أنا أعبر عن رغبتي بأن أكون مشتريًا أو أن أكون بائعًا إلى إدارة السوق من خلال سمسار فإدارة السوق تأخذ هذه الإرادة – إرادة بيع أو إرادة شراء – فإن وجدت إرادة متقابلة لها نفس السعر لنفس الكمية ولنفس الشهر تعقد إدارة السوق أو تعتذر إدارة السوق أن هنالك بيعًا وشراء
…
أنا بائع وآخر مشتر لنفس المواصفات والكمية ونفس الشهر ونفس السعر إذن يتم عقد، العقد الثاني سيتم مثله أيضًا بين أي أشخاص آخرين، لو كان أحد المتعاقدين الأول في عقد آخر أنا أردت أن أخرج من السوق وكنت مشتريًا فأردت أن أبيع بالسوق حتى أخرج، أنا عندي عقد فيه أنا مشتر لخمسة آلاف كيس من القمح – مثلًا – تسليم شهر يوليه فآتي وأدخل السوق لأبيع خمسة آلاف كيس من القمح تسليم شهر يوليه وعندما ينعقد هذا العقد ينعقد مع طرف لا أعرفه أنا أصلًا، إدارة السوق هي التي تعرف ذلك الطرف وإذا انعقد ذلك العقد فأنا خرجت من السوق أصبحت مدينًا ودائنًا، إذن طالما إدارة السوق لا تعتبر أن عقدًا قد تم إلَّا إذا وجدت له إرادتان ووجد له طرفان سيكون عند إدارة السوق بصورة مستمرة طرفان طرف مدين بكمية من السلعة وطرف دائن بها فهذان الطرفان لو أرادا التسليم فهناك السلعة التي تسلم.
نقطة تالية أيضًا، أنا قلت وأؤكد ذلك لا أبيع ذلك الحق لو اعتبرناه وعدًا فليس الوعد الذي أبيعه شيئًا آخر عندما أدخل مرة ثانية في السوق، الحقيقة هنالك غرض حقيقي وغرض أساسي لسوق السلع ومهم جدًّا، المتعاملون فيه ليسوا نوعين أو يمكن أن نسميهما نوعين ولكن ليسا بالتعريف الذي عرّفه فضيلة الشيخ العثماني، نوعان من المتعاملين:
النوع الأول: المضاربون فهؤلاء يدخلون بكل أنواع المضاربة سواء مشترون أو بائعون أو مشترون وبائعون معًا بطريقة ما أسمي بـ (التأمين) أو التحصين ضد تقلبات الأسعار، فأدخل مشتريًا وبائعًا معًا، هؤلاء مضاربون أيضًا هنالك أناس حقيقيون يرغبون حقيقة بالتسليم والتسلم يدخلون السوق، كل المعاملات الكبيرة لا تتم إلَّا من خلال هذه الأسواق، فالسوق له دور مهم وكبير لأن المعاملات الحقيقية تجري من خلاله.
ثانيًا: السعر لا يعرف إلَّا من خلال هذه السوق لأن السوق هذه منظمة بشكل تتيح فيها فرصة المعلومات إلى أبعد الحدود فهناك لوحة كبيرة تتغير بالكمبيوتر دائمًا وتظهر عليها – كالشاشات التي نراها في المطارات – الأسعار في كل لحظة وبصورة مستمرة، فالسوق لها فائدة كبيرة وهي كشف السعر بيان السعر من خلال التقاء العرض والطلب فلهذه السوق دور كبير جدًّا ومهم بل إنه دور أساسي في العالم المعاصر وليس دورًا جانبيًّا وبالتالي أنا أعتقد أنه ينبغي أن يكون – لو حكمنا بتحريم هذه العملات – هنالك بديل شرعي لأن فيها مصلحة حقيقية وحقيقية جدًّا.
أكتفى بهذا والحمد لله رب العالمين.
الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
في الحقيقية لا يسعني إلَّا أن أشكر فضيلة الشيخ تقي العثماني على هذا الإيضاح لهذا الموضوع الذي تبلور أكثر مما تصورناه بالأمس حول بيوع الاختيارات أو عقود الاختيارات، واتضح لي أن هذه المهمة ما يسمى بـ (المستقبليات) – كما أوضح – هناك طعون ثلاثة تؤدي إلى عدم تجويز هذه العقود منها الطعن الأول أنه بيع ما لايملك، والسبب الثاني أنه بيع شيء لا يتم فيه تسليم كامل رأس مال السلم فيما لو اعتبرناه سلمًا في مجلس العقد أو في مدة الثلاثة أيام كما يجيز فقهاء المالكية، وهناك أيضًا إذا كان توسطًا بين رأي الدكتور منذر قحف والشيخ العثماني إذا لم يكن سواء قلنا بتتالي العقود على صفقة واحدة أو مبيع واحد أو لم يكن هناك تتابع لهذه العقود فإن العقد من أصله نحن لا نجيزه شرعًا، فالمشكلة ليست مشكلة تتابع العقود، إنما المشكلة أن هذا العقد لا يمكن أن يتصور إلَّا على أساس عقد السلم، كذلك يمكن أن أضيف شيئًا آخر لا تنحصر المستقبليات في بيوع عقد السلم وإنما أيضًا يجيز أغلبية الفقهاء بيع العين غير المرئية أو بيع الشيء الغائب على أساس أن يكون هناك خيار رؤيا حينما يرى المبيع، فهذا جانب أيضًا يمكن أن نستخدمه في مثل هذه الأمور فيما إذا أريد أن نجد بديلًا لهذه القضايا ضمن ضوابط وقواعد الفقه الإسلامي. كذلك يمكن أن تصحح هذه العقود في تقديري فيما لو ضم كل واحد من المتعاملين شيكًا يدفع فيه كامل رأس مال الثمن على حسابه في بنك من البنوك يعتبر دفع أو تقديم الشيك مع كل صفقة إذا أريد تصحيح الأمور على أسس شرعية أن يدفع الثمن عن طريق هذه الشيكات فحينئذ يمكن أن ننقذ مثل هذه العقود ويكون لها قابلية شرعية ومحتملة.
الطعن الثالث في هذه العقود – أيضًا – لمسناه من كلام الدكتور منذر وهو أنه لا يوجد التزام لا بالتسليم ولا بالتسلم، لا تسليم المبيع ولا تسلم المبيع، فإذن العقد في أساسه في الفقه الإسلامي يقوم على هذا الأساس، يعني حق من حقوق العقد ينشىء العقد حقوقًا متبادلة أهمها الالتزام بالتسليم والتسلم فإذا فقد العقد هذا العنصر الأساسي فكيف نعتبر هذا العقد قائمًا؟ نحن فرّغنا العقد في هذه الحالة من جوهره وهو الالتزام بالتسليم والتسلم فهذا في اعتقادي يمكن أن يعد سببًا ثالثًا للقول بعدم تجويز هذه العقود.
الملاحظة الأخيرة: نحن لسنا ضد ما يسمى بتنظيم الإدارة إدارة البيع والشراء- فيما يسمى بالأسواق المالية يمكن نحن أن نعتبر هذه الأسواق – كما أشار الدكتور منذر – أنه لها أهمية في العقود الكبرى في العالم ولها دور مهم، هذا أيضًا يمكن أن نجد له مسوغًا في الفقه الإسلامي أن نعتبر إدارة السوق من قبيل الوكلاء عمّن يقدم نفسه ويقول أنا بائع أو مشتر وإدارة السوق بمثابة السماسرة، والسمسار يمكن أن يكون وكيلًا عن طرف بالبيع ووكيلًا عن طرف آخر بالشراء وحينئذٍ يمكن أن تتم الصفقة بتحقيق هذا التوازي والتقابل بين إرادتين، بين إرادة بائع ومشتر ونحن لا نرفض وجود مثل هذه التنظيمات إنما نرفض افتقادها للأصول والأسس المقررة في شريعتنا وشكرًا.
الدكتور على أحمد السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة، والسلام على سيدنا رسول الله.
لا شك بأن هناك فرقًا بين الحكم الشرعي على ما هو قائم وإيجاد البديل الشرعي، فقبل النظر في البديل يجب أن ننظر إلى الواقع العملي. ومسألة المستقبليات أنه يدخل كبائع أو كمشتر، أحب أن أضيف أيضًا أنه قد يدخل في الوقت نفسه كبائع أو مشتر يأخذ الحقين معًا، بمعنى أن يعرض رغبة في أن يبيع بخمسة وتسعين أو أن يشتري بمائة إذا كان يرى عدم استقرار السوق فإذا وجد من يرى أن السوق مستقر يمكن أن يدخل في هذا فإذا جاء وقت التصفية وكانت السلعة أقل من خمسة وتسعين باع وإذا كانت أكثر من مائة اشترى وإذا كانت بين الخمسة والتسعين والمائة فإنه خاسر سواء باع أم اشترى ويكسب الآخر. وكما بين الإخوة الأفاضل بأنه لايوجد التزام ولا إلزام بالتسليم أو التسلم، ومسألة أن هناك أناسًا يريدون الشراء والبيع فعلًا كما قال الأخ الدكتور منذر ولا يختلف عما قاله فضيلة الشيخ تقي العثماني، على سبيل المثال ما يسمى بـ (COURNER) بمعنى أن يتعاقد على شراء شيء معين وقبل التصفية يكون اشترى أكثر ما هو مطروح في الأسواق بحيث يعز على البائع أن يجد هذا المبيع فيرتفع الثمن وبذلك يكسب الآخر الذي احتكر هذه السلعة.
إذن في سوق المستقبليات لسنا أمام بائع يريد بيعًا ولا أمام مشتر يريد شراء وإنما نحن أمام مضاربين يضاربون في هذه السوق ثم في النهاية في حالات 99 % لا يتم تسليم ولا تسلم، فهل الحكم الشرعي الذي نريد أن نصدره على 99 % أم على 1 % الواحد في المائة هذه العقود الشرعية موجودة الأخرى، كون أن السوق منظمة، نعم منظمة، وملزمة نعم ملزمة، ولكن ملزمة لمن؟ البائع يدفع كما يدفع المشتري يعني من قدم العربون ليس المشتري هو الذي يدفع وحده البائع أيضًا يدفع جزءًا من الثمن، لم؟ ليكون الإلزام بحيث إذا خسر يحسب والسماسرة يحسبون والمسألة تقيد، هذا ربح مائة ألف وهذا خسر مائة ألف هذا يكتب في حساب هذا وحساب هذا ولا يتم تسليم ولا تسلم إذن إذا نظرنا إلى سوق المستقبليات يجب أن ننظر إلى الواقع العملي، لسنا أمام بائعين ولا مشترين، إنما نحن أمام سوق للقمار كل يضارب بما يرى أن السعر سيرتفع أو سينخفض والأسعار تستقر أم لا تستقر، ولذلك أرى أن المجمع الموقر عندما يصدر قرارًا في هذا ينظر إلى الواقع العملي وأن الإسلام عندما يبيح البيع والشراء إنما لأهداف معينة ليس منها أهداف هذه السوق.
والله عز وجل أعلم، وشكرًا.
الدكتور رفيق يونس المصري:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحقيقة أود أن أشير إلى بعض النقاط بسرعة كبيرة.
النقطة الأولى: أن الأصل في هذه المعاملات التي ذكر لنا بالأمس وفي هذا الصباح كما أرى – والله أعلم – الأصل فيها أنها بعبارة فقهية دقيقة مراهنة على الأسعار صعودًا وهبوطًا ولا أقول مضاربة كما هو التعبير الشائع في الكتابات الوضعية، هذا التعبير (Speculation) أو (SPECULATION) بالفرنسية يترجمونه غالبًا في الكتابات بالمضاربة فكي لا يلتبس علينا الأمر الحقيقة التكييف الصحيح أنها مراهنة، مراهنة على الأسعار صعودها وهبوطها. ليس معنى ذلك أن كل الصور نتعجل بالحكم عليها أنها حرام لكن أقول من أراد أن يستخلص بعض الصور من هذا المبدأ العام في الحرمة الأصل العام في حرمة هذا النوع من البيوع عليه أن يثبت أن الصورة المحددة هي ليست من قبيل المراهنة. هذه ناحية.
النقطة الثانية: مع تقديري الكبير والمحاولة الكبيرة في الترجمة للمصطلحات الإنجليزية المستحدثة مثل كلمة (Futures) التي ترجمت عندنا في الأبحاث المقدمة بكلمة (مستقبليات) أنا أريد أن أقترح على السادة العلماء عبارة غير هذه العبارة لعلها تكون أقرب إلى تصوير الحقيقة وأقرب إلى تأصيل المصطلح، العبارة المقترحة هي (الآجال) بدل (المستقبليات) ، (عقود الآجال) ، ولعل السادة فقهاء المالكية يقدرون هذا المصطلح أكثر من سواهم، وعندنا نحن نوعان من البيوع المؤجلة، عندنا بيوع مؤجلة يتأجل فيها أحد البدلين إما بيع بالنسيئة أو بيع سلم أو سلف هذا جائز عندنا شرعًا لا شك في جوازه وعندنا أنواع أخرى ذكرها السادة فقهاء المالكية تحت عنوان (بيوع الآجال) وهذه، الأصل فيها أنها فاسدة. فأنا أقترح أن تدرج هذه الصور من البيوع المستحدثة تحت هذا الباب (باب بيوع الآجال) أو (عقود الآجال) ، أما كلمة المستقبليات فإني أراها أعم والآجال أخص وعندئذٍ نكون أقرب إلى تأصيل المصطلحات المستحدثة على مصطلحاتنا القديمة.
النقطة الثالثة: أود – في الحقيقة – أن أثنى على ورقة أستاذنا العثماني الذي حاول جهد الإمكان تبسيط هذا الموضوع برغم تعقيده ولكني مع ذلك لي بعض النقاط لعله يوافقني عليها أو لا يوافقني لا أدري. وردت بعض المصطلحات – أيضًا – نتيجة الترجمة والترجمة نحن مضطرون إليها في مثل هذه الأبحاث لأنها في الغالب المراجع فيها أجنبية إنجليزية على وجه الخصوص أو فرنسية، فاستخدم كلمة (البيوع المقدمة) ترجمة للعبارة الإنجليزية (FORWARD SALES) ، الحقيقة لو عكس لكان أفضل (البيوع المؤخرة) وليست (المقدمة) وهي بيوع مؤجلة وهذه ترجمتها بالفرنسية وأذكر ذلك بالنسبة لإخواننا من أفريقيا الذين يعرفون الفرنسية أكثر من الإنجليزية هذه (VENTES a DECOUVERT) وتترجم عادة بـ (البيوع المكشوفة) ويراد من البيوع المكشوفة أي البيوع المؤجلة التي يتأجل بدلاها، إذن البيوع المقدّمة بدلًا منها نقول (المؤخرة) أو (المؤجلة) ، وليست البيوع الأخرى إلَّا صورة أيضًا من هذه الصور التي أطلق عليها في هذه الورقة وسواها (المستقبليات) . هذا ما أود قوله وشكرًا.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
إنه وإن كان هناك تقارب بين ما درسناه وبحثناه بالأمس وبين ما استمعنا إليه اليوم فإنها عقود مختلفة اختلافًا كاملًا في طبيعتها. فعقود ما سمي بـ (المستقبليات) وما تفضل الأستاذ رفيق المصري بـ (الآجال) وهو أقرب إلى الترجمة الفرنسية باعتبار أن الكلمة الفرنسية (CONTRAT a TERME) هو عقد مؤجل، هذا العقد المؤجل أول سؤال هو، ما هو؟ ثم هل هناك من حاجة إلى هذا العقد؟ أما تعريف العقد وكيف يجري فما تفضل به الشيخ تقي الدين العثماني سواء ما عقب به الدكتور منذر قحف حسب دراستي بلغا فيها الوضوح الكامل، لكن السؤال المطروح والذي لا بد من الإجابة عنه هو لم اختلفا فيه؟
فإذا كان الأستاذ شيخنا تقي الدين العثماني يرى أن هذا العقد لا حاجة للاقتصاد بأن نقره ولا حاجة لنا إلى بدائل، ورأي الدكتور منذ قحف أنه من التعامل الاقتصادي الذي هو نوع من أنواع النشاط الذي لا بد أن يوجد، أعتقد هذا النقطة التي نبدأ بها أولًا فإذا ما انتهينا فيها استطعنا أن ننتقل إلى البحث عن البدائل أو لا. الوضع الاقتصادي اليوم هو غير الوضع الاقتصادي بالأمس، هو كما يسر ربنا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة ما يسر، ولم يكن ذلك في مكة وأجاز صلى الله عليه وسلم ورخص في بيع السلم والوضع الاقتصادي في المدينة هو غير الوضع الاقتصادي في مكة والفلاحون من أهل المدينة في حاجة قبل نضج ثمارهم إلى بيعها بيع سلم لا قبل أن توجد الثمار أصلًا حتى يستطيعوا القيام على ضيعاتهم بما يصل بها إلى منتهاها وكانت هذه رخصة عند كثير من الفقهاء أو أصلًا عند بعضهم وسواء أكانت رخصة أو أصلًا فهي يقاس عليها عند التحقيق، لأنها حكم شرعي ثابت فيقاس عليه. هذا الوضع الاقتصادي الذي كان عليه أهل المدينة ورخص صلى الله عليه وسلم بناء على أن الدِّين ما جاء لإحراج الناس وإنما جاء لتحقيق مصالحهم وتحقيق معنى الاستخلاف في الأرض، فإننا نجد اليوم في وضعنا الاقتصادي الأمور الآتية:
تعلن دولة من الدول أنها تريد أن تضمن لجيشها الخبر كل يوم وتطلب من المسلمين الذين يصنعون الخبز أن يشاركوا في هذه المناقصة ولا بد أن يقيد الثمن ونوعية السلعة وعدد الخبز في كل يوم ومكان التسليم لكل ثكنة من ثكنات الجيش في كافة أنحاء البلد، فهذا عقد، هذا عرض، فهل يستطيع أحد أن يشارك فيه؟ إذا قلنا إنه إذا أخذنا بالعقود الموجودة من قبل، فهناك طريقتان:
الطريقة الأولى: هو أن يشتري السلعة حاضرًا وأن يخزنها في المخازن وأن يأخذ كل يوم ما يكفيه للوفاء بعقده. وهذا أمر يكاد يكون مستحيلًا.
الطريقة الثانية: أن نقول له: اشتر ذلك سلمًا من اليوم وإذا ما اشتريته سلمًا من اليوم فعليك أن تدفع كامل رأس المال حسب ما هو معروف من الشروط التي حددها الفقهاء.
ولا يستطيع أي فران (خباز) أن يضمن لجيش كامل، كامل سنة، الثمن مقدمًا من أول السنة أو قبل السنة بأشهر فهو ما يتجاوز طاقات الإنسان وفي هذا حرج لا شك فيه.
مثال آخر: اللباس الذي يلبسه الجيش فهو تأخذه شركات لإعداده. إذا فرضنا أنه في يوم من الأيام ستتعامل دولة من الدول مع مصنع السيارات من السيارات الإسلامية لمدة سنة أو سنتين في تزويد الجيش والحكومة بذلك فإذا ما قلنا إن هؤلاء عليهم أن يشتروا كل المواد أو أن يدفعوا رأس المال، فمعنى ذلك أنه لا يستطيع أي مسلم أن يشارك في المناقصة.
فالحاجة إذن هي حاجة أكيدة ليس كما نتصور، الوضع كما هو موجود من قبل وليست هي عقود بين شخص يبيع ثمار ضيعته قبل أن تتحقق وبين شخص آخر في حاجة لشراء هذه الثمار أو هذه المزروعات. القضية قضية اقتصادية كبرى وبلغت حدودًا كبرى في التعامل ولا بد من أن ينظر إليها نظرة واقعية حقيقية تستطيع أن تحل مشاكل العالم الإسلامي ولكن نفرض عليها من التقييدات ما يخرجها من باب المجازفات والمضاربات إلى آخره ويدخلها فقط في الحدود الشرعية التي تيسر على المسلمين تعاملهم حسبما تطور إليه الاقتصاد. ولهذا فإلاسراع إلى التحريم، وأنه كأن الإنسان ألقى على كاهله أو على عقله أو على ضميره ألقى عنه حملًا هو تنصل من المسؤولية ولكنه تنصل لا يغنينا، فلا بد وأن نواجه المشكلة بكامل حقيقتها وأن نعمل على إيجاد صيغة تمكن الاقتصاديين والذين يقومون بالصناعات من القيام بنشاطهم الاقتصادي وبتحريك الاقتصاد الإسلامي تحريكًا حقيقيًّا وخروجًا به من وضعه الذي ما يزال يعيش في كثير من الأحوال على ما كان منذ قرون.
فهذه هي القضية في نظري أردت أن ينظر فيها من هذا المنظار دون أن نقدم شيئًا، مع أنني أؤكد ما ذكره الأستاذ منذر قحف من أنه ليس هناك عقد يباع أبدًا ويعاد بيعه لأنه كل شخص يستطيع أن يدخل السوق فيبيع، ملك أو لم يملك، وكذلك لا صلة بينه وبين الخيار، لأن طبيعة الخيارات وطبيعة المستقبليات أو العقود المؤجلة حسبما تترجم من الفرنسية هي مختلفة تمامًا، فطبيعة الاختيارات هي على الاختيار أي لمشتري الاختيار أو لبائعه له الحق في أن يقوم بحقه وألا يقوم بحقه، هذا معنى الاختيار بينما بالنسبة لأسواق المستقبليات أو للبيوع المؤجلة فمن عقد عقدًا فهو ملزم بإنجازه، ومع اختلاف الطبائع لا يمكن التدخل. هذه مداخلة أولى وشكرًا لكم والله أعلم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور سامي حسن حمود:
بسم الله الرحمن الرحيم.
موضوع السلع قبل أن أتحدث فيه أو حواليه أرجو أن تستغفروا لي معكم الله سبحانه وتعالى ليغفر إن كان هناك ذنب فقد كان من قدمه للفكر الإسلامي تصرفي عام 1978م، قبل أربعة عشر عامًا كنت في زيارة للندن وهي المقر الذي نتطلع إليه في التلقي، لذلك إذا لاحظتم اختلاف الأفكار بيني وبين الأخ – حبيبي – الدكتور منذر، فهي اختلاف مدارس في النظر في السوق المالي هو من المدرسة الأمريكية وأنا من المدرسة الإنجليزية ولكن إن شاء الله نتحرر منهما جميعًا في ظلال المدرسة الإسلامية.
في عام 1978م لاحظت في جريدة " الفايننشيال تايمز " المتخصصة في الأموال والاستثمار في بريطانيا منذ مائة سنة أن للسلع سعرًا حاضرًا وسعرًا آجلًا. طن من النحاس بألف جنية استرليني حاضرًا بمعنى (SPOT) وهو آجلًا بألف وخمسة أو تسعمائة وخمسة وتسعون زيادة ونقصانًا، لفتت نظري القضية لأنني كنت درست في ذلك البلد قبل ذلك سبب اختلاف أسعار العملات بين الجنيه الاسترليني والدولار الأمريكي في الحاضر والآجل وتحققت بفضل دراسة هذه السوق من الإعجاز الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرنًا يوم لم تكن هذه الأسواق موجودة ولا كان العرب يعرفون بيع الجنية بالدولار أو العملات المختلفة الجنس بالأجل وقال:((الذهب بالفضة ربا إلَّا هاء وهاء)) فعندما تحققت من السبب وجدت لأن رأس المال يدخل فيه عنصر الفائدة معدلًا بأن هذا العنصر بين الجنية الاسترليني والدولار الأمريكي فرق الفائدة يدخل في السعر إذا دخل الأجل لأن الذي يقبض الدولارات الآن يستثمرها بالفائدة وهو يحسب مقدار ما يعود عليه من الربح فيخصمه من الثمن مسبقًا إذا كان سيسلم الدولارات في المستقبل. هذا المدخل قادني إلى التساؤل التالي أن أسأل أهل الاختصاص هناك: هل تتأثر السلع بذات المؤثر الذي تتأثر به العملات؟ قالوا: لا، لأن السلع تعتمد على الإنتاج فقد يكون إنتاج النحاس في زيمبابوي لأنهم يسيطرون على منتجات النحاس في أفريقيا متوقعة كثيرًا فالعرض كثير فالسعر يقل وقد يكون هناك توقع ندرة فالسعر يرتفع فقلت إذن هذه السلع تختلف عن العملات فما هو المبرر لهذا الفرق؟ قالوا: لأن الشركات هناك في السوق العالمي، وأعرض لكم لمعرفة الجميع حتى نكون على بينة مما نقول فيه وما نعطي به الرأي السوق – قالوا لي – في العالم نوعان: سوق حقيقية واقعية يسمونها (PHISICAL مادية) وسوق ورقية توهمية، بالأمس سمعنا عن سوق الخيارات بأنها بدأت في أمريكا وانتقلت إلى إنجلترا، سوق السلع بالعكس هي بدأت في إنجلترا وانتقلت إلى أمريكا لأن بريطانيا في التجارة العالمية أسبق تنظيمًا وتطويرًا من أمريكا، لكن الأمريكيين وضعوا عليها اللمسة الأمريكية روح المغامرة والتحدي، فما زالت سوق لندن حتى الآن توصف بأنها سوق مادية أي أن المشتري في سوق لندن عشرة أطنان من النحاس أو مائة طن نحاس هو يشتري بضاعة موجودة في المخازن والوصل الذي يأخذه يحق له أن يتسلم وغالبًا ما يكون التسليم حقيقيًّا، تأتي شركة مثل شركة " لاي لند " لديها خط الإنتاج تحتاج من النحاس هذا العام مائة طن فتشتريه لكي تزود نفسها بهذا الإنتاج، ولكن تتسلم في مواعيد مستقبلية. السوق الأمريكية دخلت عليها لمسة المغامرة فأصبحوا يتعاملون بهذه السلع لكن دون أن تكون موجودة ولذلك تسمى " سوق ورقية " أي أنهم يتعاملون بالأوراق ومن هنا جاء – ما تفضل به أخي الدكتور منذر – تتابع العقود، فنرجع إلى السوق في حقيقتها، الفكر الإسلامي مبني على الحقيقة وليس على الوهم، فالإنسان لا يبيع ما لا يملك، إذن منطقة نظرنا بالنسبة للنظر الإسلامي هي السوق التي توجد فيها البضاعة ونشتريها، الشراء في هذه السوق على نوعين: شراء حاضر وهنا أعرض وجهة نظر، وأرجو ألا تكون كأنني أيضًا بصدق – وهو صادق – ما يعلم ونبدو في النهاية متفقين كما حدث بالأمس وقد كتبت له ملاحظة بذلك بالنسبة للسعر الذي قلت إنه جزء من الثمن، وقال: إنه ليس جزءًا من الثمن ولكن لو قلنا: إنه التكلفة في الثمن الإجمالي أو بلغة الفقه المالكي ما قام عليه لتوصلنا إلى خط واحد، لأنني أقول: 100 + 2 = 102 وهكذا.
فالسوق الحاضرة التي تشترى فيها البضائع هي سوق فعلية وأستطيع بالدفع الفوري أن أتسلم فورًا، والشراء والبيع والتسليم يتم في خلال أربعة وعشرين ساعة هذه هي مدة التصفية فيما أعلمه وليس كما قال أخي الدكتور منذر أنه تصفى العقود في آخر الشهر ربما يكون ذلك في السوق الأمريكية صحيح وهذا مما لا أعلمه. هذه السوق بهذا المنظار تتفق مع الفكر الإسلامي. يأتي نوع آخر وهو (البيوع المستقبلية)، وهو أنني أشترى بالهامش تسليم ثلاثة أشهر وأدفع جزءًا من الثمن وهناك عندهم في الاعتبار هم يقولون: ياليت، وعندما شرحت لهم نظام السلم الإسلامي الشراء المستقبلي بالدفع الفوري الكامل الآن في بريطانيا وفي أمريكا في سوق شيكاغو بالذات مع تجار الذرة قالوا: يا ليت أن نجد من يدفع لنا على الطريقة الإسلامية ثمن الذرة التي نبيعها في المستقبل مائة في المائة ولكن لأن رأس المال في النظام الرأسمالي الغربي مبني على الفائدة فرأس المال له ثمن وتكلفة أما في الفكر الإسلامي فرأس المال مهدر فيه الفائدة لأنه في النظر الإسلامي يجب أن يوجه نحو الإنتاج، هذا الذي جعل رأس المال في الفكر الإسلامي وفي نظام السلم أن يقدَّم كاملًا من البداية لأنه ليس له قيمة معتبرة لإنتاجه إلَّا بتمازجه مع هذا الإنتاج قالوا: يا ليت ولكن لأن الثمن – رأس المال عندهم ينتج فائدة فيكتفون بالهامش في الأداء فيشتري في المستقبل كما هو السلم تمامًا ليتسلم في المستقبل ويدفع 10 % من قيمة العقد فإذا جاء موعد التسليم دفع التسعين في المائة ليكمل العقد ويستلم، هنا قد يحدث التسلم وقد لا يحدث التسلم بمعنى أنه قد يبيع العقد وهنا أيضًا وجهة نظر المخالفة بالنسبة للفقه الإسلامي أن المسلم فيه لا يجوز بيعه قبل القبض، فإذا مخالفة أولى في عدم دفع كامل الثمن أولًا ثم بيع المسلم فيه قبل قبضه، وهنا لا نقول: إن هذا ممنوع ولكن نقول يصحح على النهج الإسلامي إن كان لنا قوة أن تكون لنا أسواق سلعية إسلامية بأن تحدد الضوابط يدفع الثمن كاملًا عند الشراء المستقبلي فهو سلم بكل معنى الكلمة ثم إذا أردنا فنون السوق المتقدمة التي تضبط الأسعار نقول إنه ليس ممنوعًا في الفقه الإسلامي أن أعمل سلمًا موازيًا بمعنى أنني سوف اشتري القمح من إنتاج السهول الأردنية مثلًا باعتبار أني أعرف سهول مأدبة في الأردن ماذا تنتج، ثم باعتباري مشتريًا أعرف في حسابي أنني في شهر حزيران سوف أتسلم مائة طن قمح فبالمقابل أستطيع أن أبيع سلمًا بنفس المواصفات، ولكن ليس ذات القمح الذي أشتريه من سهول مدينة مأدبة بنفس المواصفات أبيع سلمًا موازيًا فيتجمع لدي عرض البيع وعرض الشراء وعندما أتسلم هذا أسلم هذا وأكون في ذلك تاجرًا في السلم وهذا غير ممنوع. أما الأسواق الورقية التي تتعامل بالوهم في بضاعة لا يملكها بائعها وفي عقود لا يقصد فيها التسلم والتسليم وإنما المضاربات، فهذه هي نقطة الخطر التي أرى المكامن التي يقول بها الأخوة الأفاضل في أن هذا الممنوع وغير المسموح به. فلذلك نظرتنا إلى السوق ألخصها: لا ننبهر فنأخذ من الغرب بلا تمحيص ولا نزدجر فنرفض بلا تخصيص، والسلام عليكم ورحمة الله.
الدكتور الصديق الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم.
تبين لنا أن في تكييف هذا الموضوع ثلاثة آراء. التكييف الذي قدمه لنا القاضي العثماني والتكييف الذي قدمه الدكتور منذر، وهذا التكييف الأخير الذي سمعناه من الدكتور سامي. وسأتحدث في هذا الموضوع على اعتبار كل واحد من هذه التكييفات.
على أساس التكييف الذي ذكره الشيخ العثماني، ما أظن أننا سنختلف في المنع، لكن في المنع في صورة واحدة من الصور التي ذكرها وهي ما يكون الغرض من هذه المعاملة المضاربات، وهذه كما أظن أنها محل اتفاق حتى بين الأخوين الدكتور سامي والدكتور منذر، ولذلك سأستبعد هذه الجزئية، يعني إذا كان الغرض من هذه العملية هو المضاربات فإنها لا تجوز مطلقًا ولا بديل لها لأنها لا نص حتى فيها. الصورة التي هي 1 % وأرى ألا نهملها وفي هذا أختلف مع صديقي السالوس نحن نريد أن نصدر أحكامًا لما هو موجود فإذا كان فيه 1 % يمكن أن يكون صحيحًا يجب أن ننظر إليه.
بالنسبة لكلام الشيخ العثماني والأدلة التي ساقها والنتيجة التي توصل إليها في الحالين – في حالة المضاربات وفي حالة بيع الواحد في المائة كما صوره – أتفق معه فيها وهي المنع لكن الأدلة التي ساقها ليست كلها مقبولة عندي وإن كان البعض يكفي للمنع، لكن أرجو أن يسمح لي بالإشارة إلى ثلاثة من الأدلة، في رأيي ينبغي أن تستبعد لأنها فيها خلاف بين الفقهاء، والشيخ العثماني ذكر على أنها مجمع عليها. وفي رأيي أنه إذا قلنا إننا نبحث في معاملات حادثة ووجدنا آراء مختلفة حتى ولو كان الرأي المانع هو رأي الجمهور وهناك رأي يجيزها لا مانع من الأخذ بهذا الرأي المجيز إذا كانت هناك مصلحة، ولهذا أردت أن أظهر هذه المسائل الثلاث التي أشار إليها الشيخ العثماني فنجده يقول:
أولًا: أجاز مالك تأخير القبض إلى يوم أو يومين أو أكثر إن لم يكن التأخير مشروطًا – هذا بالنسبة للسلم في صلب العقد – فتأخير قبض الثمن إن كان مشروطًا في العقد فإنه لايجوز عند أحد من الفقهاء. الذي أعلمه أن مذهب الإمام مالك يجيز التأخير بالشرط إلى ثلاثة أيام ويجيز التأخير بغير الشرط ولو كان كثيرًا، فالتأخير بالشرط إلى ثلاثة أيام ما لم يكن أجل السلم أقل من ثلاثة أيام لكن إذا كان أجل السلم أكثر من ثلاثة أيام فالتأخير بالشرط إلى ثلاثة أيام جائز. أكثر من ثلاثة أيام محل خلاف بين الفقهاء، قولان فيه لمالك والمعتمد عندهم المنع. هذه واحدة.
ثانيًا: استدل الشيخ العثماني بالحديث الذي ((نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ)) وهذا حديث ضعيف. الإمام أحمد قال عن هذا الحديث أن راوي الحديث الذي رواه لا تحل الرواية عنه، ويقول في هذا المعنى أيضًا: ليس في هذا حديث صحيح – بيع الكالئ بالكالئ – ولكن إجماع الناس على أن بيع الدين بالدين لا يجوز، والإمام الشافعي أيضًا تكلم في هذا الحديث ولم يأخذ به، فالاعتماد عليه غير مقبول في نظري.
ثالثًا: يقول أيضًا في بحثه في الصفحة الرابعة عشر: وإذا لم يمكن جعل هذا العقد سلمًا فإنه بيع مضاف إلى تاريخ مستقبل وقد أجمع الفقهاء على أن البيع لا يقبل التعليق أو الإضافة إلى تاريخ مستقبل، وهذا أيضًا هو رأي الجمهور وخلاف ابن تيمية وابن القيم في موضوع الإضافة للبيع والتعليق معروف فابن تيمية وابن القيم يعتبرانه من الشروط وعندهما الشروط الأصل فيها الجواز ما لم يرد نص بالمنع، ومع هذا قلت: إنني أتفق مع الشيخ العثماني في النتيجة النهائية وهي المنع بحسب التكييف الذي ذكره.
نأتي إلى كلام الدكتور منذر، في الواقع أنه يوجد خلاف أساسي في تكييفه وهناك نقاط كانت موضع تساؤل وتلقيت الإجابة عنها من كلام الدكتور منذر فيما يتعلق بأنه إلزام بين البائع الأول وأن يشتري البضاعة وأنه لا يوجد تتابع، هذا كله سنأخذ به بالنسبة لكلام منذر. الدكتور منذر قسم هذه العملية إلى المضاربين وإلى مشترين حقيقيين. بالنسبة للمضاربين أظن أنه يتفق معنا على المنع. نأتي للمشتري الحقيقي، المشتري الحقيقي إذا لم يقل لنا إن البضاعة موجودة أو غير موجودة لكن الذي فهمت منه أن البائع يبيع سلعة غير مملوكة له، وهنا يأتي المحذور حتى ولو كان البيع حقيقيًّا والمشتري يريد أن يتسلم والبائع فعلًا يريد أن يسلم في الوقت المحدد، هذا يدخل في بيع الإنسان ما لا يملك. وبيع الإنسان ما لا يملك لا يجوز كما بين الشيخ العثماني وهذا ما ينبغي الأخذ به، فإذا أردنا أن نصحح هذه العملية ينبغي أن تكون سلمًا وتطبق عليه شروط السلم. في هذه الجزئية فهمت من كلام الدكتور سامي أن المسألة تتعلق ببيع سلعة موجودة، فإذا كانت تتعلق ببيع سلعة موجودة يراد تأخير تسليمها وهذا غير بيع الإنسان ما لا يملك، السلعة مملوكة للبائع لكنه سيسلمها بعد أربعٍ وعشرين ساعة – أو كما قال الدكتور سامي أو بعد يوم – فإن هذا يدخل تحت تأجيل تسليم المبيع المعين وهذه مسألة أخرى غير بيع السلم. وجمهور الفقهاء أيضًا يمنعون هذا لأنه عندهم مقتضى البيع تسليم المبيع في الحال إذا كان معينًا وكذلك تسليم الثمن إذا كان معينًا، هذا هو رأي الجمهور. أيضًا هنا ابن تيمية وابن القيم يخالفان في هذه ويقولان: إن هذا لم يرد به نص بل قد ورد النص بخلافه، في قصة جابر معروفة باع بعيره واشترط حملانه إلى المدينة. هذه الجزئية إذا كانت بهذه الصورة التي ذكرها الدكتور سامي لا أرى مانعًا من الأخذ بها خصوصًا إذا كان التأجيل إلى مدة معقولة.
أريد أيضًا أن أتطرق إلى نقطة أثارها الشيخ الأستاذ السلامي تتعلق بهذه الجزئية وفي البديل وكأني استشفيت من كلامه أنه يريد في بيع السلم أو بيع الأشياء المؤجل تسليمها أو غير مملوكة التي يجري فيها السلم أن يوجد مخرج لتأجيل الثمن أيضًا، هذه المسألة في رأيي قد تحتاج إلى شيء من النظر وهي تدخل في بيع الدين بالدين، والتي يطلق عليها الفقهاء وفقهاء المالكية خاصة (ابتداء الدين بالدين) . اشتريت منك كذا أردبا ذرة تسلمها لي بعد شهر بكذا ألف جنية أسلمها لك بعد خمسة عشر يومًا مثلًا هذا هو ما يعرف بابتداء الدين بالدين وعند الجمهور يدخل في بيع الدين بالدين المنهي عنه. ولا أعلم في هذا خلافًا حتى ابن تيمية عندما تحدث عن هذا الموضوع واختلف مع جمهور الفقهاء في بيع الدين بالدين استثنى هذه الجزئية وقال: إنها لا تجوز لأنها لا مصلحة فيها. وأصبح البائع في ذمته تسليم المبيع في وقت مؤجل والمشتري سوف يدفع الثمن أيضًا في وقت مؤجل، فحسب رأي ابن تيمية أن هذا لا مصلحة فيه. وهذه المسألة في رأيي تحتاج إلى نظر، وقد كان لي فيها رأي لكنني لا أريد أن أقطع به الآن في مسألة بيع الدين بالدين. وأكتفي بهذا القدر وشكرًا.
الشيخ عبد الله بن بيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين اللهم صل وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
يبدو أننا نفتقر على اتفاق على التكييف أولًا حتى نصل بعد ذلك إلى الحكم، لأن الحكم على الشيء هو فرع من تصوره. هذه مسألة ملحة في سائر هذه العقود من عارض لعارض يختلف التكييف ويختلف التشخيص وبالتالي تختلف الأحكام التي يصدرها الباحثون ويقع المستمع الذي لم يقدم دراسة يقع في حيرة، هذه مسألة مهمة جدًّا لو أن العارض عرض جزء التكييف ثم طلبنا من الآخرين هل توافقون على هذا التكييف؟ فاتفقوا على التكييف لكنا أمام تكييف متفق عليه وبالتالي تكون الأحكام صادرة على أمر معروف ومعلوم.
بعد هذه المقدمة أريد أن أعرض جملة من المسائل المتفرقة، هذه المسائل منها ما أثاره تدخل بعض الإخوان. أخيرًا في مسألة (الدين بالدين) ، وقبل ذلك عندما ذكر الشيخ السلامي – أيضًا – مسألة السلم وذكر مسائل محددة وهي مسألة الخبز الذي يباع هذه المسألة معروفة عند المالكية وهي جواز الاشتراء من دائن العمل بمؤجل، هو يدفع خبزة كل يوم وفي نهاية الشهر يدفع له الثمن. هذه مستثناه من السلم عند مالك، فكان من المفروض أن نلاحظ هذه المسألة فهي مستثناه من السلم المؤجل فيجوز أن تأخذ خبزة كل يوم لتعطي الثمن في نهاية الأجل وقالوا في تخريجها لأنه من باب اعتبار دفع الأوائل كدفع الأواخر هذه مسألة مهمة جدًّا ويجب أن نلاحظها ونحن نتكلم عن الدين بالدين. فلا نقول الدين بالدين لا يجوز ولكن إذا قدمنا شيئًا ما، يعتبر أن يكون أساسًا للثمن فإن المالكية يجيزون ذلك. هناك مسألة أخرى وهي مسألة (بيع ما ليس عندك) ، هذه المسألة في الحقيقة يحتاج إلى دراستها، هل هو شرع معلل أو ليس معللًا؟ وهذه هي المرحلة الأولى التي يتوقف عندها القائس لأن القائس يمر بجملة من المراحل المرحلة الأولى هل الأصل الذي أمامه هو شرع غير معلل؟ أو أنه شرع معلل فيجوز حينئذٍ أن يدخل في عملية القياس ليبحث بعد ذلك عن العلة ويبحث عن الأوصاف لينيط به الحكم.
إذا كان النهي عن بيع ما ليس عندك معللًا بأنه قد لا يجده أو قد يبيع ذاتًا معينة هي ملك لشخص آخر فأعتقد أن المسألة يمكن أن يبحث فيها خصوصًا أن ابن رشد في المقدمات ذكر أنه مكروه فقط إذا كانت السلعة متوفرة وموجودة في السوق وهذا أمر مهم جدًّا نحن لا نفتي به ولا نذكره وقد بقيت فترة من الزمن لم أذكر هذا الفرع حتى لا يعتمد الناس عليه ويبيعون ما ليس عندهم ولكنه موجود عندما نريد أن نتعامل مع جملة من القضايا المحدثة. المسائل التي نسأل عنها ما هو موقع إدارة السوق؟ وهذا السؤال أثاره تدخل الأخ الدكتور منذر قحف ما هو موقع هذه الإدارة؟ هل هي وكيلة عن طرف؟ أو وكيلة عن الأطراف معًا؟ أو هي نائبة فعلًا بمعنى أنها تتسلم الأشياء المعروضة للبيع فتبيعها لشخص آخر؟ أعتقد أن هذا الأمر مهم جدًّا في إصدار الحكم على هذه القضية لو عرفنا موقع إدارة السوق، ويجب حينئذٍ أن نفرق بين الطعام الذي لا يجوز بيعه قبل قبضه بلا خلاف من العلماء إذا كان الطعام من دين وليس من قرض هنا أيضًا تفصيل عند المالكية على حد ما أعرف، فنفرق بين الطعام وبين غيره من الأمور التي يجوز بيعها قبل قبضها إذا كانت مملوكة للبائع، وحينئذٍ نرجع إلى مسألة القبض هل هو قبض عرفي يمكن أن نعتبر أن الشخص قابض إذا كان الشيء في حوزته وهو قادر على تسليمه؟ وهنا ألاحظ أن هذه المسألة ليست كمسألة الأمس هي أقل منها خطرًا وأقل منها قمارًا إذا صح التعبير، فمسألة الأمس فيها شخص إما أن يكون رابحًا وإما أن يكون خاسرًا أما مسألة اليوم فيبدو أن حقوق كل شخص مضمونة وأن الجدار الذي يقع أمامنا هو جدار نصوص فقط، هذه النصوص تتعلق بالنهي عن بيع ما ليس عندك وبالنهي عن بيع الشيء قبل أن تقبضه والطعام قبل أن تقبضه كما هو متفق عليه، فنحن أمام جملة من النصوص، وأما بيع الكالئ بالكالئ هو حديث وإن لم يصل بمعاييره إلى الحديث فهو صحيح بمعايير الفقهاء واسمحوا لي ربما لا أوافق البعض على هذا، الفقهاء يقولون إن الحديث إذا عمل به إمام فيعتبر وكأنه صحيح ذكرها أكثر من فقيه في هذه المسألة، فالحديث عمل به الفقهاء جميعًا على حد ما أعرف لم يخالف أحد في عمله. هنا التفريق بين مسألة المضاربة ومسألة النية هذه مسألة ربما تتخرج على مذهب مالك وأحمد وهما يهتمان بالنوايا ويهتمان بالمقاصد أما بالنسبة للشافعي الذي يجيز بيع العينة فمسألة النية ليست مهمة. التفريق بين أن ينوي بهذا البيع المضاربة وبين أن ينوي به التسلم الحقيقي لا أدري من أين أتى به الإخوان هل بيع التاجر المدير إلَّا مضاربة من هو المدير؟ هو الذي لا يستقر بيده عين ولا عرض على حد تعريف المالكية له، التاجر المدير هو الذي لا يستقر بيده شيء فهو يشتري ليبيع ويبيع ليشتري.
في رأيي أن المسائل الأساسية التي يجب أن نبحث عنها هي مسألة القبض، هي مسألة بيع ما ليس عندك هل هو شرع معلل؟ هي مسألة قبض الأوائل هل هي كقبض الأواخر عند المالكية؟ هي مسألة البديل، وهنا لا أتفق مع الإخوان عندما يقولون هذا لا يبحث له عن بديل لأنه ليس له غرض شرعي، ما معنى هذا الكلام؟ هذا لا يصح لأنه لا يعتمد على غرض شرعي أما أن نقول لا نبحث له عن بديل لأنه لا غرض له، فنحن نبحث عن بديل له غرض شرعي وشكرًا.
الشيخ خليل الميس:
بسم الله الرحمن الرحيم.
السيد الرئيس،
الإخوة الأعضاء،
لا بد من التذكير بين يدي ما نسمع بمبادئ إسلامية واضحة منها قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] .
ومنها قوله سبحانه: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] .
وقوله عليه الصلاة والسلام: ((كل المسلم على المسلم حرام)) ، هذه العناوين وتحتها ما هو معروف ومشروع أن الفقه الإسلامي كأني به هو مع المشتري أكثر مما هو مع البائع وإن شئنا قلنا هو مع الطرف الضعيف، ولذلك من المسلمات المعروفة مشروعية الخيارات منها على ما هو معروف عند الجميع ومجمع عليه (خيار العيب) لِمَ للمشتري؟ (خيار الرؤيا) لِمَ هو للمشتري؟ ونعلم أن هذين الخيارين ينشآن من مطلق العقد إضافة إلى خيار الشرط وغالبًا خيار الشرط ما يكون للمشتري، لم؟ لأن الأصل أن البائع يعرف المبيع وأن المشتري لا يعرف المبيع، وأن المشتري الذي يملك الثمن وأن محور البيع هو المبيع لا الثمن. ومن هنا إذا تحول الثمن إلى مثمن، وكلنا يعرف عند ذلك الصرف وشروطه. إذن السؤال والذي نراه من هذه العقود المعروضة علينا أن طرفًا قويًّا هو بائع وأن طرفًا ضعيفًا هو المشتري، وأمر آخر لو وسعنا الدائرة أكثر، نحن أمة ظروفنا الحضارية أوصلت بنا أننا نملك الثمن وغالبًا لا نملك السلعة إلَّا إذا استثنينا البترول، إذن نحن ندخل أسواقًا ونحن الأغنياء ثمنًا ينبغي أن نحمي أنفسنا إذا كنا نحن المشترين، وبالتأكيد لسنا البائعين. أقول هذا لأنني أرى في بلدي المنكوب لأسباب كثيرة أن كثيرًا من الناس ربما فقدوا ثرواتهم أمام الشاشات التي دخلت إليهم قبل أن يدخل إليهم معرفة كثير من الآيات القرآنية، فإنني أشفق على بلادنا وعلى أهلنا أن يدخلوا معتركًا لا يعرفون أبعاده، لذلك نعود لننعش ذاكرة الأخوة المجتمعين، كلنا يعتز والحمد لله بدينه ولكن نحن اليوم نملك ثروة من النصوص لا توجد عند غيرنا والحمد لله عندنا كتاب الله، عندنا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا ذخيرة كبيرة من آراء الفقهاء وآراء المجتهدين. إذن يا ترى ما نحن أمامه نلاحظ منذ اللحظة الأولى نضع أقدامنا ربما أمام متاهة وكأنه يطلب إلينا أسلمة هذه النصوص وهي عنيدة، أقول وهي عنيدة لأن فلسفة ما سمعناه هو الربح ولو كان غير مشروع بينما في الإسلام طبعًا الربح مشروع. وعظيمٌ قول الله:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] .
إذن نعود لنؤكد أن ما نراه هي حيل لرؤوس أموالنا، أقول: فلنضبط بديننا رؤوس أموالنا ولنحم برؤوس أموالنا معتقداتنا. إذن أمام هذا الأمر ونحن نرى الجهابذة من الإخوة يعرضون الرأي ويختلفون عليه، يختلفون على التصوير ويختلفون في التصويب، وفي النتيجة نعم هذا المجمع، أقول هذا المجمع الذي ضم الخيرة – إن شاء الله – من أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بفقهائنا، نحن مؤتمنون جميعًا أولًا على الإسلام وثانيًا على الإسلام، وثالثًا على الإسلام. أقول هذا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأستاذ عبد الحميد الغزالي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
سيدي الرئيس،
في الواقع التعليق لا يتعلق بالعقود ذاتها حلًّا وحرمة فهذا أمر متروك لكم، ولكن في ظني أن هناك بعض المصالح الحقيقية، في هذه الأمور يجب تبنيها حتى يمكن الحكم عليها أو إيجاد البديل، فأرجو ألا يفهم من عرض هذه المصالح أنني أريد أن أقول: يجب أن تبقى العقود هذه حلًّا أو حرمة. البيع المستقبل أنواع كثيرة منها أحيانًا ما هو ضروري للحصول على فترة للدراسة، والبائع يريد أن يتأكد من جدية الشاري ودونها لا يمكن أن تتم المبايعات في بعض البلاد ضمن أنظمتها.
في قضايا السلع لا شك، أن البيع المؤجل أو المستقبل له علاقة بضبط التكلفة للمنتج ولها أيضًا قدرة على التأثير على نقل السلع وإنتاجها عن طريق تحديد طبيعة العرض المستقبل وهذه أمور في غاية الأهمية.
الأمر الآخر الذي يجب أن نلحظه هو أن إخواننا أحيانًا تكلموا عن بيع ما لا يملك، طبيعة عرض السلع وإنتاجها في العصر الحاضر وسرعة نقلها تجعل يكاد أن يكون من المستحيل أن تجد سلعة لا يمكن أن تملكها يمكن أن تملكها حتى وإن كنت لا تملكها يمكنك أن تملكها ولا يمكن أن يثور نزاع حقيقي على أنك تقدر أن تملكها إن شئت أن تملكها وهذا وضع جديد. في الماضي السلع محدودة، النقل محدود، القدرة على الإنتاج محدودة الآن تكاد تكون القدرة على الإنتاج وعلى النقل مضاعفات هائلة تجعل قضية أنه يبيع ما لا يملك، قضية يجب إعادة النظر إليها من هذا الباب.
بعض إخواننا تحدث عن قضية – أخونا الدكتور سامي ثم علمت أنه لا يقصد – أن البنوك الإسلامية لا تجعل لرأس المال عائدًا أو ثمنًا وأن هذه المبايعات يدخل فيها الفائدة وبالتالي الثمن، الواقع البنوك الإسلامية تجعل لرأس المال عائدًا وثمنًا ولكن بشكل معدل عن ما هو في الفائدة فهذه ليست قضية حقيقية.
فالرجاء ملاحظة طبيعة إنتاج السلعة والقدرة على إنتاجها وتحريكها وسوقها العالمي وضرورة معرفة العرض المستقبل وتأثيره على إنتاج المستقبل وعلى نقل السلع والتجارة وأيضًا على ضبط التكلفة فالمصالح الحقيقية في البيوت المستقبلية، إيجاد الفترة اللازمة للدراسة، جدية البائع والمشتري، ضبط التكلفة، معرفة العرض المستقبل وبالتالي التأثير على نقل السلعة وعلى إنتاجها. كيف تعالجون هذا ضمن العقود؟ هذا أمر متروك لكم، ولكن يجب تبين المصالح الحقيقية خلف هذه الأمور التي كنت أرجو أن الإخوة الاقتصاديين يوضحونها لكم حتى تجدوا حلولًا لهم. وشكرًا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور منذر قحف:
بسم الله الرحمن الرحيم.
النقطة الأولى التي أريد أن أذكرها لعله لو قرأنا الصفحات القليلة هي صفحتان ونصف – التي تتحدث عن تعريف هذه العقود لأغنانا ذلك عن الكثير من الجهد لأن هذه الصفحات قد هيأها مجموعة من الخبراء بتكليف من فضيلة الشيخ ابن الخوجة الأمين العام للمجمع، وشملت عددًا من الإخوان الاقتصاديين والإخوان المتخصصين في الشريعة فلعلنا لو قرأناها لخففت عنا كثيرًا. هذه مقدمة.
لي عدد صغير وقليل من الملاحظات. مهم وأرجو أن تكون أساسًا للخطوة التي تلي بعد ذلك في فهم هذا الموضوع.
أولًا: إن قضية البيوع المستقبلية أو العقود المستقبلية أمر هام ومفيد جدًّا في الاقتصاد المعاصر وهذا لا ينطبق على الاقتصاد البدائي أو على الاقتصاديات في القرون القديمة، هي أمر جديد ومستحدث.
ثانيًا: إن عقد السلم وخيار الرؤيا كلاهما لا يؤديان الغرض لأن عقد السلم يشترط دفع الثمن حالًا وهذا لا يمكن في مثل هذه العقود وليس من المصلحة أيضًا. يعني ليس فقط لا يمكن ليس من المصلحة أن يدفع، وخيار الرؤيا أيضًا لا يؤديها لأن العقد ينعقد وينبغي أن ينعقد باتًّا، هذه هي طبيعة هذه المعاملة.
ثالثًا: إن نية المضاربة أو نية الوصول إلى الاستلام والتسليم الحقيقي هذا أمر في داخل وضمير المتعاقد وليس مكشوفًا على العقود بمعنى أن هناك سوقًا واحدة وليس سوقين يتعاقد فيها الناس كلهم سواء المضاربون أو الذين يريدون أن ينتهوا بالتسليم والتسلم الحقيقي الفعلي وفي هذه السوق يتعاقدون بنفس النماذج من العقود. العقد نفسه يذكر جميع النصوص بما فيها مكان التسليم وشكل التسليم وأشكال العبوات التي يتم فيها التسليم، وهي نفس العقود لكل الناس سواء أكان مضاربًا أو غير ذلك. لا تظهر النية إلَّا عند الوصول إلى موعد التسليم فإذا خرج من العقد بالتصفية بدخوله بعقد موازٍ عند ذلك انكشفت – النية – أنه كان مضاربًا أو أنه يطلب التسليم في ذلك الوقت. إذن لا بد لنا إذا اعتبرنا أن هذه العقود غير مشروعة وأردنا أن نبحث عن بديل يخرج المضاربين من السوق ويبقي فقط الحقيقيين لا بد لنا من أن نلحظ هذا الأمر، كيف نستطيع أن نكشف نيته؟ بعض أنواع المتعاقدين الكشف عن نيته سهل، مثلًا لما تقوم صناديق للاستثمار مثل صندوق الاستثمار في البنك الإسلامي للتنمية – مثلًا – أو في البنوك الإسلامية هذه الصناديق للاستثمار بديهي أنه من عملها أنها لا تقصد التسلم لأنها لا تتاجر بالسكر والقمح وغير ذلك فهي لا تقصد التسلم أو التسليم عندما تدخل بهذه العقود بطبيعة أنها صناديق استثمار واضح أنها تقصد المضاربة فقط وهذا قد ينطبق على البنوك الإسلامية عندما تشتري العملات ولو اشترتها (SPOT) خلال أربع وعشرين ساعة لأنها لا تقصد أن تأخذ هذه العملات التي لا حاجة لها بها ولا تقصد أن تبيعها أيضًا لأنها غير متوفرة لديها ولكن تقصد أن تصفي العقد خلال أربع وعشرين ساعة فهي بهذا مضاربة ولو كان العقد لديها خلال أربع وعشرين ساعة.
نقطة أخرى أيضًا ذكرت أن الهامش يأخذه الطرف الآخر وكأنه عربونًا أو جزءًا مدفوعًا من الثمن مسبقًا للطرف الآخر. الأمر ليس كذلك، الأمر أن الهامش يؤخذ من الطرفين معًا من المتعاقدين، الهامش في العادة 10 % قد يزيد أو ينقص حسب إرادة الدولة وهو أداة من أدوات السياسة المالية هذا أمر آخر، أما هذا الهامش لا يعطى للطرف الآخر ويؤخذ من البائع ويؤخذ من المشتري ويوضع في حساب خاص في إدارة الصندوق وليس لدى الأفراد وهذا الحساب في العادة لا يكسب فوائد لا تركب عليه الفوائد في العادة.
نقطة أخيرة قبل أن أطرح اقتراحًا ببديل هي أن في حالة المضاربة، المضاربة أو المراهنة – كما سماها بعض الإخوة – على الأسعار كبيرة وكبيرة جدًّا. أريد أن أعطي مثالًا حتى يتصور لأن المخاوف الموجودة عند بعض الإخوان قد لا ندركها بكاملها دون مثل هذا المثال: لو أن إنسانًا عنده عشرة آلاف دولار يستطيع أن يدخل السوق ويشتري ما قيمته مائة ألف دولار لأنه سيضع هامش 10 % فقط، تغير السعر في اليوم الواحد يمكن أن يتغير بنقطتين أو ثلاثة أو عشرين أحيانًا فلو تغير السعر 10 % في يوم واحد لخسر كل ما يملك أو أنه تضاعف رأس ماله في يوم واحد وقد يحصل هذا في ساعات فقط، فمقدار المضاربة في هذا أو المقامرة أو المغامرة كبير جدًّا وليس مقدارًا ضئيلًا.
انتهيت من هذا العرض. أريد أن أطرح بديلًا لعله يؤدي الغرض.
نحن نريد أن نخرج المضاربين من السوق لو قامت سوق إسلامية للسلع في دولة من الدول بعض الدول الآن تفكر في إقامة أسواق مالية وأسواق للسلع واعتبرت هذا العقد ليس عقدًا وإنما هو وعد بإجراء عقد وقلنا إن هذا الوعد كما أعلم مما قاله الإخوان عند المالكية الوعد قد يكون ملزمًا إذا ارتبط العاقد فيه بأمور أخرى، إذا ترتب عليه عقود أخرى ومصالح أخرى له، فعند إنجاز العقد عند استحقاقه هو عقد لثلاثة أشهر وبعد ثلاثة أشهر وعد لثلاثة أشهر بعد ثلاثة أشهر مثلًا في شهر الاستحقاق لو طلب الطرف تنفيذ عقده فهو يعتبر عند ذلك الوعد ملزمًا ويأخذ تلك السلعة بالسعر الذي تعاقدا عليه ولو لم يطلب تنفيذ عقده فيعاد له رأس ماله فقط ويعتبر ما ترتب من أرباح أو خسائر خلال هذه الفترة أمر وهمي لا يعمل به. هو كأننا نلغي ما ترتب من ربح أو خسارة لو دخل السوق مضاربًا فقط، لو دخل السوق وهو ينوي التنفيذ الفعلي وهذه النية لا تنكشف إلَّا عندما يطلب التنفيذ يعني عند الاستحقاق فإن طلب التنفيذ اعتبرنا الوعد ملزمًا وإن لم يطلب التنفيذ اعتبرنا الوعد غير ملزم وبالتالي ملغيًّا ونلغي كل ما ترتب عليه من هوامش لأن الهامش يتغير كل يوم حسب تغير السعر فيحسب ربح وخسارة كل يوم لكل طرف، فعند ذلك نعيد له رأس ماله فقط، وهذه العملية تكون متوازية فلا تؤثر على السوق، يمكن أن تقوم السوق ناجحة وبإلغاء هؤلاء. هذه لها ميزة أن الناس الذين لا يريدون التسليم والتسلم ستتجمد أموالهم، الهوامش التي يدفعونها ستكون مجمدة لأنهم لن يكسبوا بها شيئًا فهذا يردعهم عن دخول هذه السوق لأنها بالنسبة لهم تجميد للمال لا فائدة منه لا ينوون التسليم والتسلم الفعلي أما أولئك الذين ينوون التسليم والتسلم الفعلي فنعتبر الوعد بالنسبة لهم ملزمًا لأنه في الواقع قد ترتب عليه برامج لهم وعقود أخرى لهم. والحمد لله رب العالمين.
القاضي محمد تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الواقع أنني أشكر جميع الإخوة الذين تحدثوا في هذا الموضوع وأثروا هذا النقاش بتدخلاتهم القيمة، وأشكر بصفة خاصة الأستاذ منذر قحف حيث أوضح صورة المستقبليات بصورة قد تختلف عن ما ذكرته في بحثي، والواقع أنني لما استكتبت في هذا الموضوع راجعت كثيرًا من أصحاب الاختصاص وسألتهم عن كيفية هذا التعامل، فكانت بياناتهم ربما تختلف من واحد لآخر فالتمست كتابًا يشرح هذه العملية بصفة مفصلة، فاهتديت إلى كتاب هو مؤلف في هذا الموضوع نفسه وهو كتاب أحلت عليه في بحثي هو كتاب " جيرالد قولد " وقد تحدث عن هذه العمليات في نحو ستمائة صفحة وشرح كل تفاصيلها وما ذكرته في هذا البحث هو مبني على ما ذكره " جيرالد قولد " في ذلك الكتاب، ثم راجعت بعض المراجع الأخرى الإنجليزية، فرأيت أن هناك بعض الفروق في بعض التفاصيل حينما يبينون هذه العملية، فتبين لي من خلال هذه المراجعات والمطالعة أن العمليات المستقبلية قد تختلف من معاملة إلى معاملة، وقد تختلف أنواعها في بورصة المستقبليات وهذا ما يظهر من تدخل الأستاذ الدكتور سامي، ورأيت أن هناك فرقًا بين ما شرحه الدكتور سامي والدكتور منذر، فهذا أيضًا يدل على أن هناك خلافات في بعض التفاصيل في إجراء هذه العملية، فالذي أقترحه هو أننا لما نصوغ القرار في هذا الموضوع إنما نصوغ على مبادئ، يعني إذا وقع البيع لتسليم المبيع لوقت لاحق فما هي المبادئ التي يجب أن نراعيها؟ وما هي المخالفات الشرعية التي يجب أن نتجنب عنها؟ هذا هو الذي نذكره في قرارنا بدون أن نذكر تفاصيل هذه العملية كما تجري فإنكم رأيتم أن هناك أقوالًا مختلفة، فبعضهم يبين طريقة وبعضهم يبينون طريقة أخرى.
أما الحديث عن البديل فما ذكرته أن البديل لا حاجة إليه إنما ذكرته في سياق المضاربات والمخاطرات، أما إذا كان هناك حاجة حقيقية – كما شرحه فضيلة الشيخ السلامي وبعض الإخوة الآخرين – إذا كان هناك حاجة حقيقية لشراء وبيع بعض السلع لتسليم في وقت لاحق، فعندنا بدائل كثيرة منها السلم ومنها الاستصناع ومنها المواعدة ومنها بيع الاستجرار، فنحن نستطيع أن نأخذ بهذه البدائل إذا كانت هناك حاجة حقيقية، أما ما يجري في هذا السوق من المخاطرات والمضاربات، فالذي أعتقد أنه لا حاجة لنا إلى التماس البدائل لهذه المضاربات، فإذا كانت حاجة حقيقية نلجأ إلى السلم فإذا لم يكف السلم لجأنا إلى الاستصناع (ما يمكن فيه الاستصناع) وإذا لم يغننا الاستصناع يمكن أن نأخذ بطريق مواعدة، وإذا لم يمكن هذا فعندنا بيع الاستجرار كما ضرب فضيلة الشيخ المختار السلامي مثلًا بشراء خبز كل يوم فإنه يمكن على طريق بيع الاستجرار، وإن بيع الاستجرار قد بحث ودرس في ندوة عقدت في الكويت وقد ذهبت الندوة إلى جواز هذا البيع.
وثانيًا أريد أن أشكر فضيلة شيخنا الصديق الضرير – حفظه الله تعالى – فإنه نبهني على ما كنت لم أطلع عليه قبل تنبيهه، ومنها أنه ذكر أنه ليس هناك إجماع على حرمة إضافة البيع إلى المستقبل بل هناك قول لابن القيم – رحمه الله – ما كنت مطلعًا عليه، فالشكر له. أما ما ذكره في الحديث عن ((بيع الكالئ بالكالئ)) بأنه ضعيف ولو كان إسناده ضعيفًا ولكن مما تقرر لدى الفقهاء والمحدثين أن الحديث الضعيف متى تأيد بتعامل الأمة فإنه ينجبر ضعفه، فعلى هذا الأساس ذكرت هذا الحديث، وكذلك ذكر فضيلة الشيخ الصديق الضرير أن تأخير القبض لرأس مال السلم في السلم عند المالكية يجوز وإن كان مشروطًا في صلب العقد، فما نقلته في بحثي كان مبينًا على ما ذكره ابن قدامة في المغني ونصه موجود في الصفحة التاسعة من بحثي، ولكن فضيلته أعلم بمذهب مالك – رحمه الله – فإن كان هناك عند المالكية جواز لهذا البيع فهو أعلم، ولكن ما توصلت إليه من حرمة بيع المستقبليات كما تجري في البورصات فأظن أنه لم يخالفني فيه وهو موافق لي في هذا. وأكتفي بهذا القدر والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.
في هذا التدخل أريد أن يقع تحديد بعض المفاهيم حتى لانختلف عليها، لأنه بنيت أحكام على أصول، فإذا لم يكن الأصل مفهومًا كان البناء كله منهارًا، فمن ذلك مفهوم (بيع ما لا يملك) ، فعلًا أن أبيع ما لا أملك بمعنى أن أبيع شيئًا معينًا لا أملكه، فهذا هو غرر، لأن تحصيل البائع على المبيع هو أمر مشكوك فيه، أما أن أبيع شيئًا في ذمتي موصوفًا وصفًا دقيقًا وهو البيع على الصفة أو أبيع سلمًا، فالسلم جائز وما هو إلَّا بيع شيء لا أملكه، ثانيًا وقع خلط بين بيع الدين بالدين وابتداء الدين بالدين، أما بيع الدين بالدين، فهو كما أشار إليه ابن عاصم:
بما يجوز البيع بيع الدين
مسوغ من عرض أو من عين
وإنما يجوز مع حضور من
أقرّ بالدين وتعجيل الثمن
فبيع الدين بالدين هو: لي دين على شخص فأبيعه لآخر، أما أن أبتدأ دينًا بدين فهو أمر ثان، والقضية التي تعرض لها فضيلة الشيخ الضرير هي قضية (ابتداء الدين بالدين) لا (بيع الدين بالدين)، ما أردت أن أبينه هو أن ما تفضل به الشيخ عبد الله بن بيه – أكرمه الله – هو قال: يجوز بيع خبزة كل يوم إلى آخر الشهر والثمن في النهاية ليس هذا هو الموضوع، الموضوع هو هذا الفران الذي يريد أن يلتزم ببيع ما تحتاجه الدولة لجيشها كامل السنة فهو بثمن محدد معين من أول يوم، فهل هو ملزم بأن يشتري المواد الأولية من الآن ويخزنها؟ لا يستطيع، وإذا دفع رأس المال كاملًا من الآن لا يستطيع.
فنأخذ مثلًا واضحًا محددًا في مصر، مصر وهو البلد الإسلامي الكبير الذي له جيش قوي ووافر العدد، بمعنى هذا أنه ينخذل المسلمون عن هذه الصفقات ويعطونها فقط إلى النصارى، ما أعتقد أن المجمع يصل إلى هذا، وهنا أصل إلى نقطة أخرى وهي قضية أنه لا بد من أن ننظر إلى واقعنا حسبما تطور، ولا يكفي أن ننقل ما قاله الفقهاء في كتب الفقه فذلك دوره دور الدروس إما في الجامعات أو في الثانوية، أما مجمع فمعنى ذلك أن هذا المجمع بتلاقح آراء علمائه يريد أن يصل إلى قضية مستجدة ما كان لمن قبلنا عهد بها، أما أن نقول الشروط الموجودة عند مالك وعند أبي حنيفة وعند الشافعي وعند أحمد ابن حنبل فهي كذا وكذا وكذا وغيرها حرام، فهذا ما لا أستطيع ولا يستطيع أحد أن يقول إن هذا هو دين الله.
قضية تتعرض كثيرًا وهي الثانية بالنسبة للشيخ ابن بيه – وأعرف منه كامل الورع وأعانه الله على ورعه – وهي أن الشافعي يجيز بيع العينة هذا تقوله المذاهب المخالفة ولكن الشافعي في الحقيقة هو يقول أنا لا أتهم، ففرق بين جواز العينة وبين عدم اتهام الشخص، والشافعي – معاذ الله – في ورعه وتقواه وإمامته أن يقول بجواز بيع العينة كما يتصور، أنا لا أتهم المتبايعين، البائع والمشتري عينة أنهما يرغبان في العينة.
الأمر الآخر: قضية لا بد أن ننتهي منها وهي قضية الوعد الملزم التي نتحدث عنها كثيرًا والتي تنبني عليها كثير من الأمور، الوعد الملزم هو الوعد تدينًا لا بد من الوفاء به، أما قضاء فلم نجد نصًّا يلزم الشخص بأن يوفي بوعده، فهل يجوز للدولة ولصاحب السلطة وللناظر في الأحوال العامة أن يأتي بشيء لم ينص عليه فيلزم به الناس؟ ما أرى في ذلك مانعًا، وحياتنا في العالم الإسلامي كلها سائرة على هذا، والوعد عند الإلزام به هو مما يقضي على كثير من المنازعات.
الأمر الأخير: الذي أريد أن أتعرض إليه هو تنظيم السوق. هذا تنظيم السوق لا نتحدث عنه إلَّا عندما تصبح عندنا إمكانيات اقتصادية لأن نكون أسواقًا في بلداننا ولكن إمكانياتنا الاقتصادية حسب آخر دراسة رأيتها، هو أنه إذا وزعنا الثروة في العالم الإسلامي على عدد الأفراد – في العالم العربي – لا تبلغ ألفًا وثمانمائة دولار للفرد بينما الدخل بالنسبة لإسرائيل هو خمسة آلاف وخمسمائة دولار بالنسبة للفرد، فهذا وضعنا وضع الفقراء لا توجد لدينا قدرة على تكوين أسواق لكن له يجوز للشخص المسلم وهو يريد أن يدخل في السوق العالمية لشراء أو لبعض التعامل؟ كيف نعطيه منهجًا وطريقًا ليقوم بتعامله ويستطيع أن يحرك اقتصاده واقتصاد العالم – كله – الإسلامي أن يحركه بطرق مشروعه؟
فهذا ما أردت أن أبينه وشكرًا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ حمداتي شبيهنا ماء العينين:
بسم الله الرحمن الرحيم.
نحن الآن أمام معاملات جديدة على الساحة وجديدة من منطلق العالم الذي لا ينظر إلى القيم ولا إلى الأخلاق الإسلامية ولا أيضًا حتى الأعراف في الأخلاق التي كانت تسود فيه، ونعلم جميعًا أنه في القرن السابع عشر عندما أرادت أوروبا أن تتخلص من شكلية العقود اهتدت الكنيسة إلى وضع (نظرية السبب) لتحول بين أطراف المعاملة مع عقد معاملات لا تقرها الأخلاق والآداب العامة، وبعد مستجدات الحياة المعاصرة وبعد ابتعاد أوروبا عن أخلاقها الدينية والعرفية التي كانت لديها اختفت أيضًا (نظرية السبب)، وأتذكر أن أحد أساتذتنا الأعلام قال لنا في الدرس: منذ 1965م لم تسجل في أوروبا دعوى لإبطال عقد عن طريق مخالفته لما تفرضه نظرية السبب. والآن خرجوا حتى على تلك النظرية – كما قلت – وأصبحنا من حين لآخر نفاجأ بمعاملات تخدم رأس المال تريد تنمية المال فقط ولا تنظر إلى الإنسان ولا إلى توازن معاملة بين أطرافها، نحن كنا السباقين إلى توسيع دائرة المعاملات، لأن الشريعة الإسلامية من المعروف على أن دائرة المباح فيها أوسع من أي شريعة أخرى، لكن هناك ثوابت، ثوابت في الربا والغرر وبيع الإنسان ما لا يملك، والعقود التي استمعنا إليها بالأمس وما أفادنا به الخبراء من تحليلات بينت كلها أن هذه العقود لا يخلو أحدها إما من الصيغ الثلاثة وإما من واحدة منها، إما أن يبيع الإنسان ما لا يملك وهذا ما استمعنا إليه اليوم وإما أن الإنسان يبيع بيعًا يوافق الربا الصريح، وإما أن الإنسان يبيع بيعًا لا يخلو من غرر، أما فيما يرجع للخيارات فالشريعة الإسلامية غنية بها وقد أفادنا الشيخ السلامي الآن بما قاله المتحف في الدين وأفادنا – أيضًا – بعض الأساتذة بخيار الرؤيا وخيار العين وخيار الأجل، فالشريعة ليست فقيرة من هذا ولكن الذي ينبغي – في نظري – وهو الذي ينبغي على مجمعنا أن نعدّه هو أن نبرز مواطن الغرر والربا وبيع الإنسان ما لا يملك ونضع قواعد ثابتة، أي مستجد من هذه المستجدات خلا مما يخالف الشريعة الإسلامية أقررناه وتبنيناه وتعاملنا تحت طائلة أحكامه وأي معاملة فيها ربا أو غرر بعد توضيح المجمع لهم يجب أن نستبعدها. وشكرًا لكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور رفيق يونس المصري:
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك نقطتان أود أن أشير إليهما بسرعة.
النقطة الأولى: ما يتعلق باصطلاح المخاطرة في الفقه والاقتصاد، لقد ظلمت هذه العبارة كثيرًا في عدد من الأوراق والمداخلات وكأن الأصل في المخاطرة أنها حرام وكأن المخاطرة هي القمار مع أن الأصل كما أعرف في الشريعة أن المخاطرة حلال، أما مخاطرة القمار فهذه مسألة أخرى. هذه نقطة.
النقطة الثانية: بعض العقود أولى بالنظر في هذا المجمع من عقود أخرى، فهناك عقود معقدة حبذا لو يرجى النظر فيها إلى ما بعد عقود أبسط وفيها مجال للمناقشة.
العقود التي أود أن أطرحها للمناقشة على المجمع قد أشار إليها الشيخ السلامي كما أشار إليها الشيخ الصديق الضرير، ولكن في لحظة ما توقفا عن المتابعة وأنا أود أن أقول إن هناك عقودًا يتأجل بدلاها ويراد منها التقابض الفعلي ولا يراد بها أبدًا المراهنة على الأسعار أو على فروقها وهي ما يسمى اليوم في القوانين الوضعية الحديثة (بعقود التوريد) وقد عمت بها البلوى في جميع دول العالم ومنها الدول الإسلامية والعربية وهي لا ينطبق عليها أنها سلم كما لا ينطبق عليها أنها استصناع، ذلك لأن هناك أنواعًا من العقود الحديثة يحتاج فيها المشتري إلى أن يتسلم البضاعة في وقت معين محدد في المستقبل، كما أنه لا يريد أن يدفع المال أن يسلف المال في مجلس العقد كما هو الحال في السلف أو في السلم ولا يريد الطرف الآخر: البائع أن يقبض هذا المال لأنه لا يريد أن يتموّل، فبيع السلم فيه تمويل المشتري للبائع أما عقد التوريد فلا يراد منه التمويل وإنما يراد منه أن يطمئن المشتري إلى تسلم البضاعة في موعد معين ولا يريد أن يتحمل تكلفة تخزينها وما إلى ذلك، والمخاطرات المرتبطة بملكيتها منذ الآن، والبائع أيضًا لا يريد أن يقبض المال سلفًا، فهناك عقود كعقود التوريد في الجيش أو المستوصفات أو المشافي وما إلى ذلك، هي قائمة في الواقع وهذه العقود عقود – كما قلت – لا يراد منها المراهنة على الأسعار وإنما يراد منها التقابض الفعلي وهي عقود أيضًا تجري في خارج البورصات وفي خارج المصافق. فأنا أدعو السادة إذا رأوا ذلك أن ينظروا أولًا في هذه العقود ثم بعد ذلك ننتقل إلى عقود أكثر تعقيدًا. وشكرًا لكم.
الرئيس:
لعله لانتهاء الوقت نكتفي بهذه المناقشات التي حصلت من أصحاب الفضيلة المشايخ والاقتصاديين وفيها – إن شاء الله تعالى – البركة والخير، واللجنة التي خصصت للاختيارات قد ترون أنها هي التي تتولى ما بعدها من الأسواق المالية بما فيه موضوع السلع ويضاف إلى هذه اللجنة الشيخ صالح المرزوقي بصفته مقررًا لها والأستاذ منذر قحف.
وبهذا ترفع الجلسة وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ثَالثًا: بطَاقة الائتِمان
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
في هذه الجلسة المسائية موضوعان، أحدهما: بطاقة الائتمان، والثاني: الأسهم.
الشيخ محمد المختار السلامي:
سيدي الرئيس،
فإنه قد بقى من أمس من الاختيارات موضوعان أو مكملان للموضوع الأصلي هما: حق التملك وحق الأولية في شراء الإصدارات. فإذا تكرمتم بتمكيني من تقديم هذين الملحقين أكون شاكرًا.
الرئيس:
على كل إذا رأيتم يا فضيلة الشيخ الذي لديكم يكون لدى اللجنة أما اليوم فالإخوان استعدوا لهذا الموضوع.
الشيخ محمد المختار السلامي:
أكثر من كذا يا سيدي، هذه القضية طرحت واستكتبنا فيها وهي من تمام الموضوع وليست من أصل الموضوع وهي مبنية على أصل الاختيارات.
الرئيس:
الآن توجد اقتراحات فيما يتعلق بـ " السلع " تكملة الموضوع إلى آخره، فنحن نترك إذا بقى عندنا شيء من الوقت في الغد – إن شاء الله تعالى – ليس لدينا مانع، نحن اليوم تهيأ الإخوان لـ " بطاقة الائتمان " وإن شاء الله تعالى نستكمل النقطة التي أشرتم إليها.
لدينا الآن " بطاقات الائتمان " و " الأسهم "، وسيكون الوقت إذا رأيتم أن يكون لبطاقة الائتمان حتى رفع الجلسة لصلاة المغرب – إن شاء الله تعالى – ثم بعد صلاة المغرب نعود على موضوع الأسهم، لا سيما وهذه المواضيع سبق أن عقد لها عدة ندوات في البحرين وفي البنك الإسلامي للتنمية بجدة. وبطاقة الائتمان العارض لها هو الشيخ عبد الستار أبو غدة والمقرر الشيخ محمد القري بن عيد. فهل الشيخ القري موجود؟ الشيخ صالح المرزوقي موجود؟ يكون الشيخ صالح هو المقرر. تفضل يا شيخ عبد الستار.
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم معلم جبريل ومكيائيل وإسرائيل، فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم. بطاقات الائتمان لها شأن عملي كبير في عصرنا الحاضر فهي في المجتمعات الغربية تعتبر من الأساسيات كما أنها في بلادنا الإسلامية أصبحت على مستوى الأفراد من متطلبات السفر والترحال ذلك أنها تحقق للإنسان أمانًا على أمواله فتحميه من الفقدان والسرقة وتمكنه من شراء ما يعن له شراؤه في ظروف مفاجئة، كما أنها تيسر لحاملها السداد بأي عملة دون أن تعترضه إجراءات حمل العملات وإدخالها لبعض البلاد التي في أنظمتها النقدية بعض القيود، كما أنها تشكل وسيلة للمحاسبة وضبط المصاريف وتوثيق السداد للمطالبات. بطاقة الائتمان من أهم الخدمات المصرفية التي تعني بها البنوك في العالم وقد تطلعت البنوك الإسلامية إلى أن تقدم هذه الخدمة لعملائها لتغنيهم عن اللجوء إلى البطاقات التي فيها بعض الشوائب. إن في صيغ المعاملات الإسلامية ما يتسع لاستيعاب المستجدات العصرية سواء تم الحكم عليها من خلال صيغة واحدة معروفة أو من خلال صيغ مركبة أو من خلال قواعد العقود العامة التي يمكن بها إدراك طبيعة تلك المعاملات المستحدثة والوصول إلى تكييفها الشرعي والحكم عليها.
ربما يكون من المفيد للربط بهذا الموضوع وبين دورة المجمع الإشارة على أن هذا الموضوع اهتمت به أمانة المجمع فيما اهتمت به من الموضوعات وعقدت له ندوة خاصة في البحرين وقدمت أبحاث فنية وشرعية وكانت التوصية آنئذ بخصوص بطاقات الائتمان، أن القواعد التي تقوم عليها في صورتها المجردة يمكن أن تستند إلى بعض المبادئ الشرعية بعد تنقيتها من الشوائب التي ليست من جوهرها، وهذا ما قام به عدد من المصارف الإسلامية التي بادرت إلى إصدار بطاقات ائتمانية خاصة بها بعد أن أجرت التعديلات الضرورية التي أدخلتها هيئاتها الشرعية للوصول إلى صيغ مشروعة لعقودها وإجراءتها، وختمت تلك التوصية في ندوة البحرين بأن هذا الموضوع بحاجة إلى مزيد من الدراسة وأن من الضروري بيان التصور الفني لطبيعة العقد الذي يظلل بطاقات الائتمان وكان هناك دعوة لبيان الحكم الشرعي.
أمانة المجمع – أيضًا – قامت بخطوة أخرى وهي أنها جمعت لجنة من الفنيين والشرعيين وطلبت منهم أن يصوغوا التصور الفني وأن يوضحوا هذا التعريف لبطاقات الائتمان ويضعوا بعض الأسئلة ليسهل على الأعضاء والخبراء كتابة أبحاث في هذا الموضوع. ولعل من المفيد أن نستفتح بهذا المنجز الذي قدمته لجنة مزدوجة لأنه يختصر لنا الطريق.
لقد عرفت هذه اللجنة بطاقات الائتمان بأن بطاقة الائتمان هي:
مستند يعطيه مصدره لشخص طبيعي أو اعتباري – بناء على عقد بينهما – يمكنه من شراء السلع أو الخدمات، ممن يعتمد المستند، دون دفع الثمن حالًا، لتضمنه التزام المصدر بالدفع. ومن أنواع هذا المستند ما يمكن من سحب نقود من المصارف على حساب المصدر. وهذا التعريف يوجه البصر إلى جوهر بطاقة الائتمان بعيدًا عن الفروق الفردية بين بطاقة وأخرى مما هو معروف للفنيين في هذا المجال. فهناك بطاقات ائتمان تضع رسمًا سنويًّا على من تعطى له وهناك بطاقات تحله من هذا الرسم تشجيعًا لاقتناء هذه البطاقة.
هناك بطاقات ائتمان يكون السحب أو الدفع بموجبها من حساب حاملها في المصرف ويشترط ليحصل على بطاقة الائتمان أن يفتح حسابًا في المصرف وأن يعطي تفويضًا للمصرف بأن يخصم من هذا الحساب كل ما يترتب عليه من تبعات مالية. وهناك بطاقات لا تطلب هذا وإنما يبادر مصدر البطاقة إلى الدفع ثم المطالبة.
هناك بطاقات ائتمان تلزم حاملها بدفع ما يترتب عليه لمصدر البطاقة من ثمن المشتريات أو الخدمات أو المسحوبات النقدية خلال فترة معينة (شهر في الغالب) .
وهناك بطاقات ائتمان لا تلزمه بهذا الدفع وتتيح له ما يعتبر من قبيل التسهيلات فيأخذ ما يأخذ فإذا بادر ودفع فقد أسقط ما عليه وإذا تأخر ترتب عليه فوائد طيلة المدة التي زادت عن فترة السماح.
من هذه البطاقات – أيضًا – ما تصدره جهة لخدمة تلك الجهة فقط كبعض المحلات التجارية الكبرى أو الفنادق فلا تستخدم هذه البطاقة إلَّا في هذا الإطار. وهناك بطاقات واسعة المدى تصلح لآلاف بل ملايين المحلات التجارية وأماكن الخدمات. هذه البطاقات لها مزايا كثيرة تحققها لصاحبها كما أن لها في نظر الاقتصاديين بعض المحاذير فمن تلك المزايا:
- تخفيض الثمن على بعض أنواع المشتريات والخدمات تشجيعًا للتعامل بهذه البطاقة وهي أيضًا بمثابة بطاقة تعريف لحاملها ولذلك تحرص الفنادق العالمية على نزلائها أن تأخذ منهم صورة من البطاقة حتى لو أبدوا الاستعداد للدفع لأنه قد يدفع عن يوم أو يومين أما هذا التعريف بالبطاقة فهو ضمان غير محدود.
- كذلك بعض البطاقات تقدم مزايا كالتأمين على الحياة أو على الحوادث عند شراء تذاكر السفر بتلك البطاقة.
- هناك بطاقات تقدم جوائز وهدايا.
- أيضًا هناك بطاقات تضمن أن حامل البطاقة إذا أضاعها أو افتقدها وأسرع بالتبليغ فإن مسؤوليته تكون محدودة بمبلغ محدد إذا استخدمها من التقطها بغير حق.
من هذا التعريف نتبين أن هناك عقدين:
- عقد يتم بين مصدر البطاقة وبين حاملها، ومن أهم ما يرد في هذا العقد – بين أمور كثيرة – وضع سقف (أي حد أقصى للائتمان الممنوح لحامل هذه البطاقة) ومن هنا كانت بعض البطاقات تتنوع فبعضها عادي وبعضها ذهبي، إلى آخره.
- العقد الثاني بين مصدر البطاقة وبين من يعتمدها من المؤسسات أو الشركات أو المصارف، وهذا العقد من أهم ما يحتوي عليه العمولة التي يأخذها المصدر من الذين يتعاملون بهذه البطاقة من أصحاب المحلات والخدمات.
هناك ملحظ مهم وهو أن الصلة منقطعة بين حامل البطاقة وبين التاجر، فالتاجر إذا لم يتمكن من تحصيل حقه من مصدر البطاقة لا يستطيع أن يرجع على حامل البطاقة. كذلك مصدر البطاقة إذا لم يتمكن من تحصيل حقه من حامل البطاقة لا يستطيع أن يرجع على التاجر. إذن في هذه البطاقة استقلالية وشخصية وقوة تمكنها من التداول والتعامل بها على نطاق واسع.
إذا أردنا أن نأخذ لمحة تاريخية عن هذه البطاقات فإن عهدها يرجع في صورتها المبسطة إلى عام 1914م حيث أصدرت شركة (وستر رينيون) لعملاء الشركة وحدهم بطاقة لتسهيل تعاملهم مع الشركة، ثم في عام 1917م بعض الفنادق والمحلات الكبرى وشركات البترول وسكك الحديد أصدرت بطاقات أيضًا لعملائها للتعامل بهذه البطاقة وخصوصًا شركة (جنرال بتروليوم كربريشن كلفورنيا) عام 1924م لتمكين الجمهور من دفع قيمة البنزين بهذه البطاقة. في عام 1950م اجتمعت بعض الجهات التي اهتمت بأمر البطاقة وكونت ناديًا سمي نادي (الداينرز) وبدأت شخصية البطاقة تنتقل إلى الطابع العالمي، وفي عام 1959م بدأت تصدرها البنوك، وفي عام 1977م وجدت منظمة بين بعض البنوك هي منظمة (فيزا) التي تعتبر من البطاقات المتداولة بكثرة.
هذه البطاقات على أنواع، منها بطاقة عادية جدًّا وهي للخصم من الحساب كتلك البطاقات التي تسمى " بطاقات الصرف الآلي " تعطيها البنوك لعملائها ليأتوا في غير وقت دوام البنوك مثلًا ويسحب من حسابه فإذا لم يكن في حسابه شيء يكون الجواب سلبيًّا، هذه البطاقة ليست محل بحثنا. بعد هذه البطاقة هناك بطاقتان:
إحداهما: تسمى بطاقة الاعتماد الشهري أو الخصم الشهري وهي بطاقة عادية يطالب صاحبها بأن يسدد خلال فترة معينة لا تزيد عن شهر غالبًا.
ثانيهما: هناك بطاقة أقوى منها وهي بطاقة ائتمان لأنها عبارة عن تسديد بالأقساط وهي تلك التي تفسح المجال لحاملها بأن يتأخر في السداد نظير تحميله بعض الفوائد، وتسمى هذه البطاقة " بطاقة الائتمان القرضية " لأنها بمثابة تسهيلات وقروض.
الخطوات العملية في استخدام البطاقة لعلها معروفة لأكثركم وهي أن يتقدم حامل البطاقة إلى الجهة التي تستحق عليه الدفع من فندق أو مكتب طيران أو محل تجاري بدلًا من أن يعطي النقد يعطي هذه البطاقة فيؤخذ منها صور ويكتب عليها المبلغ وتعطى نسخة لصاحبها ليحتفظ بمستند لحساباته ثم يرسل التاجر نسخة إلى المنظمة أو الوكيل لهذه البطاقة ليستوفي ما دفعه خلال مدة محددة وبعدئذ الجهة التي ترعى هذه البطاقة تطالب حاملها حسب عنوانه أو حسب رقم حسابه لتستوفي منه المبالغ التي دفعتها عنه إلى التاجر، والتاجر حينما يستوفي لا يستوفي كاملًا وإنما يخصم منه نسبة وسنرى الكلام من الناحية الشرعية عن هذه الأمور.
حينما نريد أن نحكم على أمر يجب أن نتبين العقود التي ترعى هذا الأمر والإجراءات التي يسير بها، ونسلط الضوء أكثر شيء على المال لأن المال يخفي وراءه جهدًا إما أن يكون جهدًا مشروعًا أو جهدًا غير مشروع، ولذلك سنهتم بالحديث عن المدفوعات تحت اسم هذه البطاقة سواء كانت رسومًا أو مستحقات ونحلل كل واحد منهما على حدة.
هناك العمولات التي يدفعها حامل البطاقة تنقسم إلى أربعة أقسام، منها ما يدفعه البنك الذي يرعى البطاقة إلى المنظمة وهذا عبارة عن أجور مقابل خدمات محددة من تزويد البنوك الأعضاء بالخبرة الفنية والإدارية والقيام بدور الوسيط في الاتصالات والمراسلات والمقاصة والتفويض. هناك أيضًا ما يدفعه العميل – حامل البطاقة – إلى البنك الذي يرعى البطاقة، فهناك رسم الاشتراك عن العضوية وتجديد هذه العضوية، وهذا عبارة عن أجر على خدمة لأن البنك يعرف بهذا العميل ويفتح له ملفًّا ويعرف الجهات التي تتعامل معه ويبين حدود استخدام البطاقة وغير ذلك من المهام. هناك عمولة على استخدام البطاقة من طرف المحل التجاري الذي يتعامل بها، وهو عبارة عن خصم من قيمة المشتريات، فمثلًا تكون المشتريات مائة فيدفع – مثلًا – للتاجر تسعة وتسعين، فهذا – أيضًا – عبارة عن لقاء خدمة تقدّم لهذا التاجر لأنها تسهل تعامله وتسوق لمحله وتقدم له بعض البيانات والمعلومات.
هناك – أيضًا – عمولة تؤخذ على السحب النقدي سواء كان خارج منطقة البطاقة من عملائها أو كان من عملاء البطاقة خارج البلاد لدى البنك الذي يرعى البطاقة في البلد المحلي. هذه العمولة – أيضًا – عبارة عن أجر على تحصيل الدين أو توصيل الدين. وطبعًا سأزيد الكلام عن هذه الأمور أكثر بعد أن نبين أهم ما في هذه الأمور وهي الخطوات العملية التي يتم بها عمل البطاقة.
الأصل في استخدام البطاقة أن هناك توكيلًا وكفالة وهناك قرضًا حسنًا في بعض الأحيان من البنوك التي لا تشترط أن يكون السحب من حساب العميل مباشرة وإنما أن يدفع المصدر ثم يستوفي. حينما يتقدم حامل البطاقة إلى المحل التجاري ويستخدمها بدلًا من الدفع نقدًا الأصل في ذلك أن التاجر حينما يأتي بهذا الإيصال على مصدر البطاقة ليستوفي مستحقاته على حامل البطاقة أن ينتظر وأن يأخذ مصدر البطاقة هذا الإيصال ويطالب العميل بما في ذمته وبعد أن يحصل هذا الدين لصاحب المتجر أو مقدم الخدمة يقدمه إليه ويعطيه إياه، هذا هو الأصل في عمل الوكلاء فالوكيل بأمر لا يلزمه أن يدفع من ماله لأن الوكيل إنما يقدم خدمة بأنه يفوض عن موكله بأن يعبر عن إرادته وينجز التصرف المطلوب منه سواء كان تصرفًا عقديًّا أو عاديًّا، ولكن الجهات التي ترعى هذه البطاقات وجدت أن هذا المسار يسبب بطئًا وتعقيدًا في الأمور ولا يحقق السهولة واليسر في استخدام هذه البطاقة فاتخذت وسيلة بأنها قلبت الموضوع فحينما يتقدم التاجر بالإيصال الذي يثبت مستحقاته على حامل البطاقة يبادر مصدر البطاقة فيسدد هذه المستحقات ثم يذهب ويطالب هذا العميل بما دفعه عنه وهذا نوع من ضبط المعاملات لأن مصدر البطاقة يستطيع أن يتحكم في تصرفاته هو دفعًا ولا يستطيع أن يتحكم في ظروف العميل، والتاجر لا يمكن أن يحقق هذا الأمر – الضبط – من حيث المواعيد والأزمنة إذا طلب منه أن ينتظر ويتربص إلى أن تحصل ديونه على هذا العميل. إذن هنا نحن أمام عملية تحصيل دين لهذا التاجر على هذا الذي يحمل البطاقة ومصدر البطاقة قام بدفع هذا الدين من ماله لاختصار الإجراءات ثم ذهب ليحصل مستحقاته على هذا الذي حمل البطاقة، وهذا الأمر موجود في كثير من مجالات الوكالات والسمسرة، فكثير من الذين يستقبلون البضائع للبيع بالعمولة لصالح أصحابها، مجرد أن يتسلموا هذه البضائع إذا كانت – يعني – سهلة التسويق يقدمون الثمن لأصحاب هذه البضائع ويقطعون صلتهم بهم ثم يبيعونها هم ويأخذون الثمن ممن يشتري منهم، وبعض هؤلاء الوكلاء يزيد في العمولة لأنه عجل بالثمن للموكل فيكون هذا ربًا ضمنيًّا، وهذا طبعًا حرام، لأنه أخذ هذا الفرق الزائد لقاء الدفع وتعجيل السداد.
إذن هنا نحن أمام أجل يستفيد منه حامل البطاقة ولكن هذا الأجل ليس من طبيعة العملية وليس من جوهرها ولا من مستلزماتها، وإنما اقتضاه هذا القلب وهذا العكس في عملية تحصيل الدين ثم توصيله إلى صاحبه، ولو تمكنت الجهات المصدرة للبطاقة بأن تسرع في الإجراءات فإنها تستطيع أن تطالب حامل البطاقة في اليوم الثاني أو الثالث بالمستحقات عليه ولا يستطيع أن يتأخر إذا كان ملزمًا بالسداد بمجرد المطالبة أو خلال فترة سماح معروفة.
هذا هو التكييف الشرعي الموجز لبطاقة الائتمان. والآن نوجه البصر إلى البنوك الإسلامية التي رأت أن تقدم هذه الخدمة إلى عملائها. بادر بنكان إسلاميان إلى تبني بطاقة ائتمان أحدهما بيت التمويل الكويتي والآخر شركة الراجحي المصرفية للاستثمار وأخذت العقود التي هي عقود موحدة أو نمطية وقدمت إلى الهيئات الشرعية لدى هذين البنكين فأجرت فيها التعديلات اللازمة التي لا تغير من سلاسة التطبيق وسهولة الاستخدام وأهم ما حذفت من هذه البنود بند فوائد التأخير لأن معظم بطاقات الائتمان ترتب فوائد على تأخير دفع حامل البطاقة لما استحق عليه إذا تجاوز فترة السماح أو المطالبة. فهذه البنوك الإسلامية ألغت هذا البند واستعاضت عنه إما بأن تلزم العميل بأن يكون لديه حساب وأن يكون هذا الحساب مليئًا بمقدار من المال يشكل تأمينًا لمدفوعاته أو أنها تطالبه فورًا وإذا تأخر تتخذ معه بعض الإجراءات وهي طبعًا لا تعطي هذه البطاقة إلَّا لمن تثق بملاءته والتزامه وانضباطه فإذا تخلف فإنها تدخل في القرض الحسن لفترة محدودة ليست من جوهر هذه العملية وإنما هي من توابعها للتخلص من الوقوع في الحرام.
هذا ما أردت أن أبينه بإيجاز في هذا الموضوع وأريد أن أختم بذكر الأسئلة التي وضعتها اللجنة التي كلفت بوضع التصور الفني وتهيئة هذا الموضوع للعلماء وأعضاء المجمع وخبرائه لكي يجيبوا أو يتمكنوا من تقديم التكييف الشرعي بصورة متدرجة.
السؤال الأول: ما هو التكييف الشرعي لهذه البطاقة بالنسبة للطرفين المصدر والحامل هل هو من قبيل القرض أو الحوالة أو الضمان؟ كما رأينا أن البطاقة تتضمن مرورًا بهذه التصرفات حسب الحاجة فهي تقوم أساسًا على الحوالة مع جزء من الوكالة وفيها ضمان من مصدر البطاقة لحاملها كما أنها قد تصبح قرضًا ولكنه بالنسبة للبنوك الإسلامية يكون في إطار القرض الحسن.
السؤال الثاني: ما الحكم عندما يكون ثمن السلعة أعلى في حالة استعمال بطاقة الائتمان من الدفع نقدًا؟ هذا أيضًا يعني الدفع ببطاقة الائتمان يكون أعلى من المتاجر والمحلات لأن التاجر يريد أن يغطي نفسه لأنه باعتبار أنه يدفع أجرًا على تحصيل دينه على العميل فإنه لا يعطي الحسم المعتاد لحامل البطاقة وأحيانًا يزيد عليه مع أن هذا الأمر بعض الجهات التي تصدر البطاقات تمنع منه ولكنه قد يقع، وإذا وقع فإنه لا يؤثر لأن هذا بيع وهو تجارة عن تراض ولا علاقة له بوجود البطاقة وإنما هو تصرف مستقل.
السؤال الثالث: لو تضمن عقد إصدار البطاقة نصًّا ربويًّا. كأن يقول: إذا لم تدفع الحساب المستحق خلال مدة معينة تترتب عليك فوائد. فهل يجوز الدخول في العقد لمن ينوي أن يدفع في الوقت بحيث لا تترتب عليه أية فوائد وبخاصة إذا كانت له مصلحة حقيقية من ذلك كرفع الحرج عنه للتعريف بشخصه والتمكن أو استئجار سيارة من المطارات مما قد يشترط فيه وجود البطاقة؟
هذا الموضوع تكلمت عنه في بحثي وقلت بأن بعض جهات الإفتاء رأت أنه لا مانع شرعًا من الاستفادة من مثل هذه البطاقات التي فيها شرط فاسد إذا اتخذ الشخص الإجراءات الكافية للتحلل من هذا الشرط حتى لا يطبق عليه وقد وجدت – أنا – مستندًا شرعيًّا في هذا وهو أن الشرط الباطل مهدر الاعتبار ولو كان موثقًا ومكتوبًا فإنه في نظر الشرع لا قيمة له ويدل على هذا حديث النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة حينما أرادت أن تشتري بريرة وتعتقها فأبى أصحابها أو ملاكها أن يبيعوها إليها إلَّا أن يكون الولاء لهم، والحكم الشرعي في هذا أن الولاء لمن أعتق، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة:((خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق)) ، وفي رواية:((اشتريها واعتقيها واشترطي لهم الولاء)) شراح الأحاديث قالوا: معنى هذا الحديث لا تبالي بهذا الشرط لأنه اشتراط مخالف للحق، فليس المراد من هذه الإباحة وإنما المقصود الإهانة وعدم المبالاة بالاشتراط وأن وجوده كعدمه. أما إذا دخل الإنسان ولم يحتط لتطبيق فوائد التأخير عليه فإنه يكون قد تلبس بالفائدة المحرمة.
هناك بعض الأسئلة تتعلق بكفالة مصدر البطاقة وهو أنه: هل يستطيع أن يعود على التاجر إذا امتنع حامل البطاقة؟ قلت بأن نظام البطاقات تمنع من هذا لكن إذا وجد نص فلا مانع من هذا لأنه يكون هناك كفالة، كفالة مع حق الرجوع.
وهناك أمور تتصل بالصرف أو المصارفة لأن استخدام هذه البطاقة يتم في بلاد أجنبية عن بلد حامل البطاقة أو الجهة التي تصدر البطاقة فيشتري بعملات مختلفة وهذه العملات تسجل هذه المديونية بعملة موحدة كالدولار – مثلًا – أو بالعملة المحلية، فلا بد من عملية المصارفة وفي العقود والاتفاقيات التي تنظم بين حامل البطاقة وبين الجهة المصدرة هناك بند يتضمن تفويضًا لهذه الجهة بأن تصرف هذه العملات بسعر يومها لكي تقيدها بعملة موحدة تسهيلًا للمطالبة والمحاسبة. هذا وبالله التوفيق.
الدكتور علي أحمد السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أحب أولًا أن أوجه بالشكر والتقدير للبنوك الإسلامية التي أقدمت على هذه الخطوة وأعانت كثيرًا من المسلمين على تجنب الحرام والابتعاد عن بطاقات الائتمان الربوية، مهما كان في هذه التجربة من أخطاء أو مخالفة في الرأي. وأحب أن أركز هنا بعد ذلك على نقاط أساسية أرجو أن يتخذ مجمعكم الموقر حكمًا فيه.
أولًا: ما يتصل بسعر الصرف. لاحظت أن بعض البنوك الإسلامية التي أصدرت هذه البطاقة تأخذ نسبة أعلى من سعر الصرف مقداره 1 %. مفروض أن سعر الصرف، عندنا سعر البيع عندنا وسعر الشراء والسعر الوسطي، فأي الأسعار يأخذها البنك الإسلامي؟ وجدت بعض البنوك أنها لا تأخذ بالسعر الوسطي وإنما بأعلى الأسعار ثم تأخذ أيضًا 1 % زيادة، وأعتقد أن الواحد في المائة هذا لا نجد له مبررًا شرعيًّا، على أي أساس يؤخذ هذا؟ البنك الإسلامي يأخذ المال الذي دفعه وبسعر صرف ميسر له فلماذا يأخذ 1 % زيادة؟ الأمر الآخر، عمولة السحب النقدي. ولاحظت أن عمولة السحب النقدي نسبية يعني نسبة كذا في المائة، فإذا كانت هذه العمولة مقابل العمل الذي يقوم به البنك فإن البنك إذا حصل مائة ألف، مجهوده لا يختلف عن تحصيل مائة، لذلك إذا كان هناك عمولة لا بد منها فلا يجوز – والله أعلم – أن تكون نسبة مئوية، والأولى أن لا يكون هناك عمولة على السحب النقدي لأنه كما بين فضيلة الأخ الكريم الأستاذ الدكتور عبد الستار أن هناك وقتًا ولكن ليس مقصودًا وربما يكون هناك وقت، يعني ما دام هناك وقت إذن توجد فترة زمنية يدفع المصرف فيها المبلغ ثم يحصله فهنا قرض، قرض ولو لأيام أو لأسابيع فأي زيادة هنا يمكن أن تختلط بالربا إن لم تكن من الربا. فلو أن المصارف الإسلامية بالنسبة للسحب النقدي بالذات منعت العمولة تنازلت عن هذا لأني أذكر على سبيل المثال البنوك الإسلامية في نشأتها بدأت تبحث أخذ عمولة على الاقتراض وبينت أن القرض في السابق شخص يعطي لشخص آخر إنما الآن البنك بمؤسساته وموظفيه والإنارة والبنيان وغير ذلك، وإزاء هذا الموضوع قالوا: إذن الآن الوضع اختلف فيمكن أخذ عمولة مقابل هذا ثم انتهت البنوك الإسلامية آنذاك في البحث مع هذا الاختلاف إلى أن البنك الإسلامي لا يأخذ شيئًا على الإقراض حتى لا يختلط هذا بالربا أو لا يكون ستارًا للربا. كذلك هنا في السحب النقدي أرجو أن نراجع أنفسنا في هذا.
أمر آخر أريد أن نعرفه وهو: ما حكم القبض بالنسبة للبطاقة؟ لأن هذه البطاقة إذا اشترى الإنسان بالبطاقة يعتبر هذا قبضًا حكميًّا أم ليس بقبض؟ المجمع الموقر له فتوى بالنسبة للشيك، الشيك إذا كان له رصيدٌ ومضمون الدفع وإلى آخره فهو كالقبض ولكن لو فرضنا أن البطاقة هذه ليس لها رصيد، حامل البطاقة سوف يدفع فيما بعد، إذن الدفع بالبطاقة لا يعتبر قبضًا وبذلك نراجع بالنسبة لشراء الذهب وشراء الفضة، الأحكام التي فيها قبض في المجلس تراعى في هذه النقطة.
أمر آخر وهو أن بعض البطاقات يشترط فيها التأمين على الحياة مثل البطاقة الذهبية، والتأمين على الحياة المجمع الموقر له حكم في هذا. ولذلك لا بد من البحث عن بديل إذا كان لا بد من التأمين على الحياة البحث عن بديل وليكن التأمين الإسلامي.
ثم النقطة التي ذكرها فضيلة الأخ الأستاذ عبد الستار أبو غدة – جزاه الله خيرًا – مسألة البطاقات التي تتضمن نصًّا ربويًّا وما ذكره الشرط في شراء بريرة، ذلك الشرط شرط باطل والمشتري يستطيع أن يبطله وهو فعلًا أبطله إنما هنا هذا الشرط الباطل في بطاقة الائتمان الربوية لا يملك أحد أن يبطله لأن العقد لازم ولا يستطيع حامل البطاقة أن يمتنع عن الدفع الربوي. إذن العقد في ذاته باطل منذ البداية والشرط ملزم وإن كان باطلًا ولا يملك أحد أن يلغيه. لذلك لا نقول بأن هذا جائز ولكن القاعدة العامة (الضرورات تبيح المحظورات) ولو أنه مضطر للتعامل بمثل هذه البطاقة فنقول له مع التحريم يمكن التعامل بالبطاقة ولكن لا تقع في الربا ويكفي أنك وقعت في عقد ربوي ولكن لم تتعامل بالربا، أما أن نقول بأن هذا جائز لأن الشرط باطل والرسول صلى الله عليه وسلم قال كذا، أعتقد أن هناك فرقًا بين هذا وذاك.
وأكرر الشكر للأخ الدكتور عبد الستار، والله أعلم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
الدكتور نزيه كمال حماد:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أشكر الأخ الفاضل الدكتور عبد الستار على التصوير القيم لحالات بطاقات الائتمان المتعامل بها بصورة عامة في دول العالم المختلفة في البنوك الإسلامية وغيرها.
أما بالنسبة للتكييف الفقهي لبطاقة الائتمان فإني أخالفه مخالفة جوهرية فيه، فقد رأى فضيلته أن بطاقة الائتمان هذه عندما تصدر فهناك توكيل من التاجر أو صاحب الخدمات لمصدر بطاقة الائتمان في أن يحصل المبلغ الذي اشترى به أو التزمه حامل بطاقة الائتمان وهذا الوكيل يبادر بدفع المال من جيبه ثم يعود على المدين بتحصيل المبلغ، وطبق على القضية أو ليطبق على القضية أحكام الوكالة والوكالة بأجر. الواقع لو نظرنا إلى العقد المبرم بين مصدر بطاقة الائتمان والمحلات التجارية أو التي تقدم الخدمات المتعاقدة مع الشركة المصدرة على قبول هذه البطاقة لوجدنا أن هذا العقد صريح في أن الشركة مصدرة بطاقة الائتمان ملتزمة بذاتها بدفع هذا المبلغ الذي اشترى به حامل هذه البطاقة. إذن هناك التزام من مصدر البطاقة نحو المحلات التجارية ونحوها بدفع الدين الذي التزم به المشتري، فإذن الشركة المصدرة لبطاقة الائتمان هي عبارة عن كفيل لهذا الدين (كفيل بالدين) . بالنسبة للعقد المبرم بين حامل بطاقة الائتمان ومصدر بطاقة الائتمان، تلتزم الشركة المصدرة بسداد فوري لكل دين يلتزم به ويقدم هذه البطاقة فتقبل منه للمحلات المتعاقدة مع الشركة المصدرة، هذا الالتزام بالدين الذي يلزم ذمة المشتري من قبل الشركة المصدرة للبطاقة هو عبارة عن كفالة فهي كفيل لحامل هذه البطاقة، من أجل ذلك لا أرى بتاتًا أن تطبق على القضية أحكام عقد الوكالة ووكالة بأجر إنما تطبق عليها أحكام الكفالة، فالشركة المصدرة هي كفيل لكنها لا تأخذ أجرًا على الكفالة من المدين (من المكفول) وإنما تأخذ من طرف ثالث وهو البائع الذي من مصلحته أن يدفع هذه العمولة للشركة مصدرة البطاقة حتى تشجع الزبائن على المبادرة للشراء بها واستعمالها لتيسر حملها وتيسر الشراء بها إذ كثيرًا ما يريد أن يشتري الإنسان ولكنه لا يحمل مالًا فبوجود هذه البطاقة يتشجع على الشراء ويندفع، فهناك وضع نفسي لحامل هذه البطاقة أدركه التجار في الغرب ولذلك هم يعمدون إلى عمل اتفاقيات مع الشركات المصدرة للبطاقات لإعطائهم خصومات فيما إذا أعطوا هذه البطاقة لزبائنهم حتى يشتروا من هذه المحلات. فهناك لون من ألوان الجعالة من المحلات التجارية لهذا الشخص الذي يعطي للشركة المصدرة للبطاقة التي تسوق إليه الزبائن (مقابل سوق الزبائن إليه) .
هذا وجه لدور المحلات التجارية القابلة التي تعطي هذه العمولة، ما هذه العمولة؟ يمكن أن تكيف على أنها لون من الجعالة، ويمكن أن تكيف العملية بصورة أخرى نص عليها الحنفية في مدوناتهم، وهي أن الكفيل إذا كفل شخصًا بالمال بمبلغ معين ثم سدده عنه فيجوز له – أي الكفيل – أن يتصالح مع الدائن الملتزم له بالدين من قبل الكفيل بأقل من المبلغ الذي التزم به المكفول والتزم به الكفيل أيضًا وضم ذمته إلى ذمته. فقالوا بجواز صلح الحطيطة بين الكفيل وبين الدائن. فهنا تتصور هذه القضية أن الشركة المصدرة للبطاقة قد تصالحت بعد ثبوت الدين في ذمة المشتري وضم ذمتها إلى ذمة المشتري تتصالح مع الدائن على مبلغ أقل، والحنفية يقولون بهذا في (الفتاوى الهندية) وفي (قاضي خان) سواء كان صلح حطيطة أو عندهم صلح على عين أخرى. فقد يكون هذا وجهًا آخر للتخريج بناء على عقد الكفالة، إما هذا وإما الجعالة.
أما فكرة الوكالة والوكالة بأجر فإنني أستبعدها نظرًا لحقيقة العقد المبرم بين الشركة المصدرة وبين التجار الذين يقبلونها من جهة وبين العقد المبرم من الشركة المصدرة للبطاقة وبين حامل البطاقة.
وشكرًا لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ محمد مختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير.
بطاقة الائتمان هذه التي تفضل فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة بتقديمها والتي كان تصورها واضحًا ومنطقه المنطق المساعد على التوضيح فله مني كامل الشكر والتقدير. وقد تحدث عن الجوانب التي تدعو إلى هذه البطاقة وأنا أريد أن أكمل أولًا ما أراده. فهذه البطاقة في نظري هي تقوم على خمسة أصول وهذه الأصول الخمسة هي في وضعنا أو في وضع العالم الاقتصادي وفي وضع العالم الاجتماعي.
أولًا: السفر، فكان السفر وسهولته ويسره والانتقال داعيًا إلى توفير أكثر سهولة ويسر للمسافرين، فكانت هذه البطاقة نوعًا من الأنواع المساعدة على السفر والترحال.
ثانيًا: الوضع الأمني، فالوضع الأمني في العالم اهتز اهتزازًا كبيرًا فكانت لهذه البطاقة ما يساعد على ضمانات أكثر ليكون المسافر والمقيم معًا كلاهما في وضع أمني على أمواله.
ثالثًا: قام الاقتصاد العالمي والنظرة العالمية إلى الاقتصاد على أساس الاستهلاك والتشجيع على الاستهلاك وبمقدار ما يقبل الناس على الاستهلاك بمقدار ما تعمل المصانع أكثر، وبطاقة الائتمان تيسر للإنسان الاستهلاك قبل أن يحصل على المقابل له.
رابعًا: امتلاك السيولة المالية عندما تكون البطاقة بغطاء كامل بالنسبة للعميل العادي شبه مستحيل ولكن له من العزيمة المؤكدة على أن يدفع في نهاية الشهر كل الرصيد المطالب به. فهل أحد من البشر يستطيع أن يضمن لنفسه أن يدفع في نهاية الشهر المال المطالب به؟ بل هو دخل من أول الأمر على احتمالين: احتمال الدفع واحتمال الربا، وكل عقد من هذا النوع فيه احتمال في الحلال هو لا يصح. لو وقعت معاملة على ثمنين بدون تعيين ثمن بالأجل وثمن بالحال فإنه لا يجوز، فما بالك إذا كانت المساواة بين الدفع في نهاية الأجل – أي في نهاية الشهر – والتأخير مع الربا. فهو عقد حرام أصلًا في الدخول فيه.
خامسًا: تحدث الدكتور عبد الستار عن الشرط الباطل وعن الشرط الصحيح، القضية ليست قضية شرط باطل وقضية شرط صحيح لا بد أن نخرج بالفقه الإسلامي أولًا لما جاءت به الشريعة وهو التحريم والتحليل. فهل يحل للإنسان أن يقدم على مثل هذه المعاملة أي أنه يمتلك بطاقة ائتمان يكون عند تعامله بها هو قد دخل على أساس أنه ملزم بدفع الربا وأنه سيدفعه إذا تأخر؟ ولا نريد أن نغطي الواقع فما يوجد بنك من البنوك غير الإسلامية جاء لفعل البر والخير، إنما هي بنوك قامت على الربح وقامت على الفائدة فكيف يقال إنه من قبيل القرض الحسن؟ أي قرض حسن؟! هل فتحت هذه البنوك أبوابها لتقرض الناس قرضًا حسنًا؟ لا نغطي الأشياء ولا نسميها بغير اسمها وعلينا أن نسميها باسمها الحقيقي فهي ربا وربا واضح.
فلذلك أعتقد أن البطاقة الثانية باطلة ولايصح ولا يجوز شرعًا التعامل بها ولا يجوز لبنك إسلامي يدعى أنه إسلامي أن يصدرها. النوع الثالث من البطاقة وهي البطاقة التي يصدرها المصدر وهي من الأول على أساس ربوي وهذه واضحة لا شك فيها.
هذا ما أردت من حيث تتبعي شاكرًا لفضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة، وبالنسبة لصديقي وأخي فضيلة الشيخ على السالوس أتوقف معه في أمرين:
أولًا: أنه هل يجوز أن يقع العقد مقدمًا على أن سعر الصرف هو كذا الموجود في السوق مع واحد؟ فلا أرى مانعًا يمنع من أن يكون سعر الصرف هو الموجود في سوق لندن مع واحد أو الموجود في سوق أمريكا مع واحد أو الموجود في سوق روتردام مع واحد أو مع اثنين، فهذا أصل التعامل لا أرى فيه مانعًا شرعيًّا.
ثانيًا: ما تفضل به سماحته من أن العمولة النسبية، لا بد من أن نتفق هل هناك تحديد يمنع الزيادة عليه في القيام بخدمات؟ فأنا وأقوم بخدمات أستطيع أن أقول: إن الاتفاق بيني وبين من يعمل معي هو على أساس موحد بمعنى أنني أكتب هذه الكتابة وآخذ بها بثمن مقطوع ويجوز أيضًا أن يكون على نسبة القيمة الموجودة، وكتابة العقود الآن في كافة أنحاء العالم هي على النسبة فكونها على النسبة لا أرى فيه مانعًا شرعيًّا.
هذا ما حصل في نفسي وشكرًا لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
في الحقيقة سررت لما قدمه الأخ الدكتور عبد الستار من تصوير بطاقة الائتمان وبراعته في هذا التحليل الذي هو من شأنه في وضوح المعلومات والأحكام الشرعية وضوحًا كاملًا في ذهني، ولكني بعد أن سمعت للسادة الإخوة المتحدثين في تكييف بطاقة الائتمان أؤيد ما ارتآه بعضهم وأخالف ما ارتآه البعض الآخر. فلا شك أن بطاقة الائتمان إذا كانت بغطاء نقدي من حساب العميل فكلنا نتفق على جوازها كما تفضل الشيخ السلامي، وأما إذا كانت من غير غطاء نقدي فتلك هي محل الخلاف، وحينئذ هل نعتبر هذه البطاقة من قبيل الكفالة أو الضمان؟ أم نعتبرها من قبيل القرض الحسن؟ أم نعتبرها من قبيل الوكالة بالأجر، الوكالة بالدفع أو القبض أو ما شاكل ذلك؟
الحقيقة تتردد بطاقة الائتمان بين هذه الاحتمالات الثلاثة ولكني لا أوافق على ما ذكره الأخ الفاضل الدكتور نزيه بأن بطاقة الائتمان تعد من قبيل الضمان أو من قبيل الكفالة لأن الفقهاء أجمعوا على أنّ الكفالة هي عقد تبرع وهي لا يجوز أخذ العوض أو العمولة فيها. فهذا محل اتفاق، والناس في عصرنا الحاضر لا يعمل أحد عملًا إلَّا بمقابل، فلا يتصور هذه المثالية الموجودة لدى البنوك الإسلامية أنهم يضمنون للناس ما يدفعونه من أموال دون أن يكون لهم مصلحة في ذلك.
والتكييف الذي ذكره الأخ الدكتور نزيه في أن هذا الوضع يمكن أن يغطي عن طريق أحد عقدين إما الجعالة وإما صلح الحطيطة. هذا الكلام سليم في الأمور العادية التلقائية التي لا يكون فيها تشابك بين عدة عقود، فهذه عدة عقود وعقدان في عقد، وعدة عقود في أمر واحد يصعب على الإنسان أن يتقبل تكييف بطاقة الائتمان من خلال هذه العقود الكثيرة، عقد كفالة يتضمن عقد الجعالة أو صلح حطيطة عدة عقود، قد يكون أيضًا يتضمن ما ذكره الفقهاء من السفاتج، السفتجة أيضًا قالوا بكراهتها التحريمية ومنعها، فلذلك لا أستطيع الاطمئنان لهذا التكييف، هذا في وضع بدائي ووضع تلقائي، الناس يصدرون بعض الوعود والمكافآت في عقود الجعالة، فهذا لا مانع منه لكن لا أن يكون داخلًا تحت ستار عقد آخر وهو عقد الضمان أو عقد الكفالة. كذلك صلح الحطيطة يدخله – أيضًا – تحت ستار عقد الكفالة أيضًا ليس من السهولة قبوله.
أيضًا هذه البطاقة لا يمكنني كما تفضل الأستاذ السلامي أن أتقبل أنها من قبيل القرض الحسن لأنه لا يوجد هذا التصور إلَّا في احتمالات نادرة جدًا لأن المنافع تدفع هذه البنوك إلى أن يكون لهم مصلحة في هذا الأمر ومن المعروف أن كل قرض جرّ نفعًا فهو ربا، فلا بد أن تحقق نفعًا من إصدار هذه البطاقات، فتصور حسن النية أو المثالية في تصرفات هذه البنوك – أيضًا – غير متوفر فلذلك لا أقر كونها أنها من قبيل القرض الحسن.
أيضًا اتفق مع الدكتور السالوس في أن هذه البطاقات لا يصح بحال من الأحوال أن تستخدم في شراء النقود لأن هذه البطاقات من قبيل القبض الحكمي، ولا يمكن قبول القبض الحكمي في قضايا النقود. فإذن أريد أن أحصر تكييف هذه البطاقة في شراء أموال وشراء سلع وبضائع لا يمكنني أن أدخل فيها عنصر النقود لأن هذه مستثناة بعدًا عن الربا، والأموال الربوية لا بد فيها من القبض الفعلي إلَّا أن يكون كما ذكر الشيخ السلامي شيكًا مضمونًا ومسحوبًا على حساب صاحبه فهذا قبض يعني يمكن أن يقبل، ومثل هذه الأمور في البطاقات غير متوفر.
إذن بعد رفض كل هذه التكييفات السابقة – قبل أن يتكلم الأخ الدكتور عبد الستار – فإني أتصور أن هذه البطاقة فعلًا إذا أردنا التسامح والتكييف السريع لها فأوافقه في أنها إما من قبيل الحوالة واليوم الحوالات المصرفية كلها تكون مقابل أجر فيمكن أن نعتبرها من هذا القبيل أو أن نعتبرها كما ذكر من قبيل الوكالة بالأجر باستيفاء مبلغ أو بوكالة بالقبض أو وكالة بالدفع وهذا كله سائغ عند الفقهاء، وهذه أيسر الطرق للتوصل إلى تكييف هذه البطاقة من الناحية الشرعية، أما الحملة التي حمل عليها الشيخ السلامي على الأستاذ الشيخ عبد الستار في أن قضية الشرط الباطل، ينبغي أن نكون صريحين منذ البداية الأمر في تصرفاتنا وعقودنا في أن نعلنها إما حلالًا وإما حرامًا، لا شك هذه غيرة دينية طيبة ولكن أيضًا لا نستطيع أن ننكر تأصيل هذا الحكم لدى الفقهاء فالشرط الباطل إذا كان لغوًا ونعتبره كأن لم يكن وكثير من التصرفات في الوقت الحاضر إعطاء مبلغ لشركة لتشغيله مع شرط ضمان رأس المال وإعطاء ما يمكن أن يكون ربحًا حلالًا نتيجة تشغيل رأس هذا المال، نص فقهاء الحنفية على أن مثل هذا الشرط يعد باطلًا ويستخدمه كثير من الناس فكأن لم يكن، ويأخذ واضع هذا المال مع هذه الشركة ربحه، وأما الشرط الذي ذكره أنك تضمن لي رأس المال هذا هو من قبيل الشرط الباطل. فالحملة العنيفة في مثل هذه الأمور مع وجود تأصيل شرعي خصوصًا حديث صحيح يعني ليس من السهل تجاوزه أو الغض من شأنه أو التعصب ضد مبدأ من المبادئ المقررة فقهًا وشرعًا، ونحن بأشد الحاجة إلى أن نكون بقدر الإمكان مع الحلال إذا أمكن وليست البراعة في أن نحرم كل شيء وإنما البراعة في أن نحافظ على جوهر الأحكام الشرعية بقدر الإمكان بمختلف الاجتهادات التي يمكن أن نتوصل إليها من طريق ما ذكره فقهاؤنا ونصت عليه النصوص الشرعية. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
بسم الله الرحمن الرحيم.
إخواني الأساتذة الكرام.
لا شك أن بطاقة الائتمان بوضعها العام المعروف عالميًّا لا يمكن قبولها وتسويغها بالنظر الشرعي في كل أحكامها المعروفة والتي شرحها الإخوان الذين تكلموا في الموضوع. هذا لا أظن أحدًا يخالف فيه ولكن هل يمكن أن تتخذ طريقة لدى المؤسسات المالية الإسلامية أو المصارف الإسلامية أن يتخذوا طريقة لإصدار البطاقة مجتنبين فيها المحاذير الأخرى التي معظمها تتكون من نظام الربا أو لا يمكن هذا؟
الواقع فيما أعتقد أن هذا ممكن وقد درجت عليه بالفعل بعض البنوك الإسلامية، ومن ذلك على سبيل المثال شركة الراجحي المصرفية للاستثمار قررت إصدار فيزا من النوعين الفضية والذهبية وبتوجيه من الهيئة الشرعية التي تشرف على أعمال تلك المؤسسة، ووضعت ضوابط اجتنب فيها كل شبهة فيما يتعلق بأمر الربا ولكن بقيت حالة واحدة هذه تدوركت بطريق آخر وهي أن الفيزا أو بطاقة الائتمان كما هو معلوم لها مركز دولي، يعني هناك مركز دولي عالمي، البطاقات عندما تبرز للتجار هؤلاء يحولون المبلغ الذي يستحقونه بمقتضى رقم البطاقة وما إلى ذلك يحولونه إلى المركز العالمي ولا يرسلونه مباشرة إلى مصدر البطاقة، لا علاقة بين التاجر الذي أبرزت له البطاقة واستعملت عنده وبين مصدر البطاقة لا توجد علاقة مباشرة، وإنما هناك مركز دولي تحول إليه وهو الذي يجري التسوية ويستوفي من جهة ويحول إلى جهة إلى آخره. فهنا المركز الدولي يحتسب فائدة لمصدر البطاقة على المبلغ بشكل تلقائي، ولا يمكن التعديل فيه، يعني لا يستطيع مصدر البطاقة أن يطلب من المركز الدولي إلا يحتسب له فائدة؛ لأن هذا نظام عالمي دولي ويحتسبونه بشكل – كما يقال – أوتوماتيكي. فهذه المشكلة قد تدوركت بأن البنك الإسلامي الذي يريد أن يصدر البطاقة يشترط عليه أن ينشئ صندوقًا خاصًّا لديه لتلك الفوائد التي تحتسب له رغمًا عنه وليس بطلب منه وتأتيه على المبالغ التي استعملت فيها البطاقة، وهذا الصندوق ما يتجمع فيه بوجه إلى جهات الخير الإسلامية شأن سائر الفوائد التي تحتسب لبعض المودعين في البنوك ولا يريدون أن يقعوا في المحرَّم فهي يصرفونها كما هي فتوى المجمع الفقهي في مكة، فإذن من الممكن أن تجتنب قضية الشوائب التي تحيط بالبطاقة بأن تصفي منها ويتعامل بها البنوك الإسلامية وبذلك – كما قال الدكتور الزحيلي – نجتنب أن نضع عراقيل أو سدودًا وحواجز في وجه أمور أصبحت عالمية ويصعب عدم الدخول فيها أو تحرم كثيرًا من المتعاملين الإسلاميين من الدخول فيها وهي ذات فائدة أقصد بالمعنى اللغوي ذات مصلحة وفائدة وتسهيل وتيسير في التعامل، فليس من الضروري أن نسد كل باب لكن من الممكن تنقيته من الشوائب.
بالنسبة للتكييف. أولًا: تكلم الأخ الدكتور نزيه بأنه يخالف الدكتور عبد الستار في التكييف وأنه يخالفه في وجود فكرة الوكالة وأنها هي فقط كفالة. أنا أرى أن هذا – يعني - فكرة الكفالة ذكرها الدكتور عبد الستار ولم ينفها ولكن الوكالة – أعتقد - لا يمكن أيضًا نفيها عن بطاقة الائتمان. الواقع أن بطاقة الائتمان تتضمن وكالة وكفالة، فحامل البطاقة الذي يفتح حسابًا في المصرف ويأخذ البطاقة منه، هذا عملية إصدار البطاقة وأخذها من المصرف تتضمن توكيلًا للمصرف مصدر البطاقة بأن يدفع عن مستعملها وحاملها أن يدفع عنه ما يقع عليه من التزامات مالية وأن يحتسب ما دفعه عنه يقتطعه من حسابه، يعني إذن هي فيها توكيل وفيها كفالة وضمان. توكيل من طرف حامل البطاقة وهذا لا شك فيه أبدًا لأنه كيف يستطيع المصرف أن يقتطع من حساب العميل حامل البطاقة مبلغًا من حسابه دون إذن منه؟ فلذلك عملية إصدار البطاقة وأخذها تتضمن توكيلًا للمصرف مصدرها بأن يدفع عنه، والأمر بالدفع معلوم ودفع الوكيل عن المدين بأمره، هذا لا يعتبر تبرعًا كما هو معروف وإنما يجعل حقًّا للوكيل في أن يرجع على الموكل بما دفع عنه من دين، والكفالة أمرها واضح جدًّا، الكفالة من جهة مصدر البطاقة فإنه متكفل بأن يؤدي لمن تبرز له البطاقة ويقبلها سدادًا لدينه يتكفل مصدر البطاقة بها، وهذا لا أظن أنه ليس محل خلاف أنه كفالة إلَّا إذا كان أخونا الدكتور الزحيلي يطعن في أنها كفالة ولا أظن أن هذا يمكن المناقشة فيه فهي كفالة واضحة جدًّا.
هناك بعض النواحي
…
أخونا الدكتور عبد الستار ذكر أن الفيزا تتضمن بعض شروط فاسدة تتعلق بالمراباة وأن هذا الشرط يمكن أن يعتبر باطلًا وعندئذ تكون الفيزا لا شائبة فيها، فأنا طبيعي لست معه في هذا الرأي وأنا من رأي الدكتور السالوس على أن هذا الشرط لا نستطيع نحن أن نعتبره باطلًا؛ لأن هذا سيقضي به بالقضاء القائم في البلاد ويحصل بمقتضى هذا الشرط ولو كان فاسدًا بالنظر الإسلامي، وبالنظم القانونية معتبر وملزم ويحصل بمقتضاه ما يثبت من دين، ولذلك لا يمكن هذه أن نقيسها على عقد بين اثنين في نطاق وفي ظل سيادة الأحكام الشرعية أن نقول: إن الشرط إذا كان فاسدًا أو باطلًا فهذا لا قيمة له – كما في حادثة بريرة – هذا قياس مع الفارق، ولا شك أن هذا الشرط لما يدخل تحته فهو ملزم بأن ينفذه رغمًا من أنفه شاء أو أبى ولو كان في النظر الشرعي نعتبره باطلًا لو أمكن أن نحكم بالشريعة، ولذلك لا شك أن هذا يشكل محذورًا كبيرًا.
إجمالًا أستطيع أن أقول: إننا بحسب معرفتي أن نظام فيزا لا شك له مزاياه وله فوائده في التسهيل وتيسير المعاملات واجتناب حمل النقود في الأسفار إلى آخره، ولذلك أرى نظير ما قال الأخ الدكتور الزحيلي أننا يجب أن ننظر في الشوائب فنستبعدها وهناك من البنوك من يستطيع أن يتعامل بإصدار البطاقات هذه خالية من تلك الشوائب وما يحصل فيها من شوائب جانبية يمكن – كما ذكرت – أنه يوضع صندوق كما حصل بالفعل لدى بعض البنوك الإسلامية ومنها مؤسسة الراجحي أنه يوضع له صندوق فيما يأتي رغمًا عن إرادته؛ لأنني كما ذكرت المركز الدولي يحتسب له فائدة شاء أو أبى، فهذا لا يقضي أن نمنع طريقة التعامل بإصدار البطاقة بوجه عام وتبقى فقط هذه المزايا فيها لغير المسلمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
القاضي محمد تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
الواقع أني قرأت البحوث المقدمة في قضية بطاقة الائتمان وما ذكره أخونا الدكتور عبد الستار أبو غدة إني أوافقه فيما كتبه في معظم النتائج التي توصل إليها.
والواقع أن قضية بطاقة الائتمان فيها ثلاث مسائل من الناحية الشرعية ينبغي أن ننظر فيها.
المسألة الأولى: هي تكييف الرسوم التي يدفعها حامل البطاقة إلى الشركة المصدرة، يعني ما هو تكييف هذه الرسوم؟ وقد يقال: إنها فائدة أو ربا من حيث إن هذه المبالغ إنما تدفع مقابل المبالغ التي تدفعها الشركة إلى التجرة، ولكن في نظري أن هذه الرسوم لا ينطبق عليها تعريف الربا ويمكن تخريجها على أساس أنها رسوم العضوية التي تخول حامل البطاقة بعدة تسهيلات، فإن بطاقة الائتمان لا تقدم تسهيل الاقتراض فقط وإنما تخول عدة تسهيلات فهي رسوم العضوية للحصول على هذه التسهيلات، وكذلك لا ترتبط هذه الرسوم بالمبالغ التي تدفعها الشركة نيابة عن صاحب البطاقة فتكون هذه الرسوم معنية سنويًّا وليس هناك أي ارتباط بما دفعته الشركة المصدرة نيابة عن صاحب البطاقة فلا يمكن أن يقال: إنها ربا.
المسألة الثانية: هي مسألة غرامات التأخير، ومن الواضح جدًّا أن الشركة المصدرة لا تحمل صاحب البطاقة هذه الغرامات إلَّا في حالة التأخير، وقد تعطي الشركة المصدرة مدة مثل شهر أو شهرين فإن سدد صاحب البطاقة ما يجب عليه في خلال هذه المدة فلا مطالبة عليه إطلاقًا ولا يزاد عليه أي مبلغ وإنما تحمل هذه الغرامة في حالة تأخره عن الأداء في تلك المدة المحدودة. ولا شك أن هذه الغرامة إذا حصلت فعلًا ينطبق عليها تعريف الربا، ولكن الرجل المسلم إذا دخل في مثل هذه المعاملة وحصل على هذه البطاقة ومن نيته وعزمه أنه لا يؤخر في التسديد، وإنما يؤدي في خلال هذه المدة المحددة فلا أرى أن هناك مانعًا شرعيًّا من الدخول في هذه المعاملة. وما ذكره فضيلة شيخنا العلامة محمد المختار السلامي – حفظة الله تعالى – أنه ما دام هذا الشرط في صلب العقد أنه متى تأخر عن السداد فإنه يغرم هذا المبلغ فهذا شرط ربوي في صلب العقد، ومن أجل هذا الشرط لا يحل لمسلم أن يدخل في هذه المعاملة، فإني أختلف معه في هذا فإننا نرى في كثير من المعاملات أن مثل هذه الغرامة يحملها رجل مسلم والمعاملة في أصلها غير ربوية فقد رأيت كثير من البلاد أن شركة الكهرباء – مثلًا – تفرض على المستهلك الكهرباء أنه إذا لم يسدد فواتير الكهرباء في مدة محددة فإنه يحمل غرامة فهل نستطيع أن نقول: أن شراء هذه الكهرباء بسبب هذا شرط حرام؟ لا نستطيع أن نقول أن الدخول في هذه العملية حرام من أجل أن شركة الكهرباء تفرض غرامة في صورة عدم التسديد. فكذلك هنا إذا فرضت الشركة المصدرة على حامل البطاقة أن لم يسدد في خلال تلك المدة المحددة فإنه يفرض عليه غرامة فبمجرد هذا الشرط لا يقال: إنها عملية محرمة لا يجوز الدخول فيها لمسلم، فإذا كان من نيتي وعزمي الصادق أني سوف أؤدي هذا المبلغ في خلال المدة فإنه يحل لي شرعًا أن أدخل هذه العملية فإن العقد في أصله ليس عقدًا ربويًّا وإنما جاءت الغرامة لعارض التأخير في السداد من غير يكون لحامل البطاقة أي خيار. فأظن أن هذا ليس مانعًا شرعيًّا من الدخول في هذه المعاملة ومن الحصول على هذه البطاقة.
المسألة الثالثة: هي مسألة خصم الشركة المصدرة نسبة معينة من الثمن الواجب على صاحب البطاقة وإن هذا الخصم يتحمله التاجر الذي باع السلعة إلى صاحب البطاقة وإن هذا الخصم هو الذي اختلف فيه فقهاء عصرنا في تكييفه، فمن قائل يقول: إنه مماثل لخصم الكمبيالة، فإذا قلنا إنه مماثل لخصم الكمبيالة، وخصم الكمبيالة عقد ربوي لا يجوز فنضطر إلى القول بعدم الجواز. وقد خرَّجه بعض الأخوة هنا أنه أجرة على الكفالة ولعلي سمعت الدكتور نزيه كمال حماد أنه يميل إلى هذه الناحية – أو الدكتور وهبة – أنه أجرة على الكفالة، وبما أن الأجرة على الكفالة لا تجوز شرعًا فلعله يريد أن هذا الخصم غير جائز. ولكن الذي أريد أن ألفت الأنظار إليه هو أن الأجرة على الكفالة لا تجوز هي الأجرة المدفوعة إلى المكفول عنه وهنا الأجرة لا تدفع للمكفول عنه إنما يطالب به المكفول له لا المكفول عنه، والأجرة المحرمة شرعًا هي التي يطالب بها المكفول عنه. فلذلك لا تنطبق عليه ما قيل في الأجرة على الكفالة، والذي أميل إليه أنه يمكن له تكييف آخر وهو أنه أجرة السمسرة وإني أميل إلى هذا التكييف لسببين:
الأول: أن الشركة المصدرة تقوم للتجار بخدمة وهي أنها تجلب إليهم الزبائن من خلال إصدار هذه البطاقة، فمن خلال هذه الخدمة تطالب بأجرة وهي الخصم الذي تحصل عليه من قبل التجار.
الثاني: أن سعر هذه الخصم يختلف غالبًا عن سعر الفائدة السائد في السوق، يعني سعر الفائدة الذي هو سعر هذا الخصم ليس مطابقًا لسعر الفائدة السائد في السوق. فيمكن تكييف هذا الخصم على أساس أنه أجرة السمسرة تطالب بها الشركة المصدرة التجار. ومن هذه الناحية أرى أنه إذا حصل رجل على هذه البطاقة ومن نيته وعزمه أنه لا يتجاوز في الأداء عن المدة المحددة من قبل الشركة المصدرة فلا مانع منه شرعًا.
والله – سبحانه وتعالى – أعلم. وشكرًا.
الدكتور سامي حسن حمود:
بسم الله الرحم الرحيم.
كما اعتدت في هذه المسائل أن أضع بين يدي إخواني الصورة العملية التطبيقية في المسألة المبحوثة ليكونوا على بصيرة من الرأي الذي ينتهون إليه بالتوفيق – إن شاء الله-.
بطاقة الائتمان التي تتحدث عنها من حيث المصدر هناك نوعان:
- بطاقة يصدرها بنك ويكون للمستفيد منها حساب لدى البنك تخصم القيمة من حسابه وهي التي تصدرها معظم البنوك ذات العلاقة فيما يسمى بـ "الفيزا".
- وهناك بطاقة أخرى لا يكون المصدر بنكًا وليس للمستفيد من هذه البطاقة حساب لدى البنك وإنما هي مؤسسة وإن كان لها بنك وإنما الإدارة إدارة خدمة مستقلة لحملة البطاقات، ومنها وأبرزها في ذلك " الأمريكان إكسبرس " التي ربما بعضكم يحمل بطاقتها.
هذا من حيث المصدر.
أما من حيث العلاقة، هناك علاقتان متمايزتان:
- علاقة حامل البطاقة بمصدر البطاقة. أنه يقوم بالدفع عنه فالعلاقة عنا علاقة وكالة يدفع عنه ليعود عليه سواء خصمًا من حسابه أو مطالبة له بالدفع في خلال مدة معينة والمدة الغالبة هي واحد وعشرون يومًا من تاريخ وصول المطالبة فإذا لم يدفع فيكون العقد المتفق عليه تحقق الفائدة الربوية. هذا العقد شامل في كل العقود ولكني أحببت لوجه المناقشة في عام 1980م عندما حصلت على بطاقتي لأول مرة أن أناقش كمبدأ أنني لا ألتزم بالفائدة فكان موقفهم موقف التجاوب بشرك – أضفت شرطًا إلى العقد – أنني أتعهد بأن لا يكون حسابي مكشوفًا أبدًا، وقد حرصت على الوفاء بهذا الشرط ووافقوا على شطب التزامي بالفائدة ومنذ ذلك الوقت أبقي بضع عشرات من الدولارات زيادة في الحساب والحال مستور حتى الآن الإثنى عشر عامًا فقد وافقوا عليه، لكن هنا نعرج على مسألة القول بإهدار الشرط. لو كان العقد تنفيذه أمام محاكم إسلامية شرعية فلا تأخذ بهذا الشرط وهو شرط مهدر فعلًا، ولكن العقود الموجودة إما أن يكون مرجعه تطبيق القانون الإنجليزي أو تطبيق القانون الأمريكي وبذلك يكون هذا الشرط ملزمًا، والقول بإهداره من جانب من وقع على هذا العقد هو نوع من اللغو لأنه لا يملك الإهدار وإنما هو ملزم إنما من شاء أن يجرب مع الشركات الأجنبية المصدرة أن يصر على موقفه بأنه لا يلتزم فسيجد مرونة لديها بأن تقبل عدم التزامه بدفع الفائدة مقابل شرط لا يضر المسلم أنه – أيضًا – لا يقود حسابه إلى أن يكون مدينًا.
- من حيث العلاقة بين مصدر البطاقة والذي يقبلها – الذي هو التاجر – هي العلاقة علاقة ضمان أولًا، بمعنى أن (الأمريكان اكسبرس) أو (الفيزا) تضمن لهذا التاجر أن تدفع له قيمة ما يبيعه تحت هذه البطاقة، وظاهريا أن هذا الضمان مطلق والحقيقة أنه ليس مطلقًا، هناك ألوان، هذه البطاقة الخضراء لغاية مبلغ خمسمائة جنيه أو ألف جنيه. وهناك البطاقة الذهبية لها حدود وهناك سؤال بالتليفون يتم على مدار الأربع وعشرين ساعة هل هذه سارية؟ هل هذه مقبولة؟ هل حاملها يستحق الثقة أم لا؟ ضمن الحدود المسموح بها تتعهد الشركة المصدرة بضمان ما تم شراؤه من خلال بطاقتها. مقابل هذا الضمان تخصم النسبة 7 %، هي قيل إنها حطيطة أو مصالحة، صحيح ولكن ليست لصالح المستفيد إنها لصالح الجهة المصدرة وهنا بيت القصيد إن كانت هذه المصالحة أو هذا الحط أو التنزيل أو الخصم مقبولًا من الناحية الشرعية بأن يستفيد الضامن من هذا فتتساوى في ذلك البطاقات سواء أصدرتها جهات أجنبية أو بنوك إسلامية، وإذا كان هذا الشرط غير مقبول شرعًا فتصبح بطاقات البنوك الإسلامية وبطاقات البنوك الأجنبية في الحرمة سواء.
بالنسبة للرسم الذي يدفعه المستفيد من البطاقة هو رسم – كما تفضل الشيخ تقي – رسم مقطوع ليس له علاقة في قيمة الخدمة سواء استعملت هذه البطاقة بمائة ألف جنيه أو بعشرة جنيهات، الرسم السنوي هو مائة وعشرون دولارًا يؤخذ مقدمًا في كل عام وهو مقابل الخدمة فليس له علاقة في المبلغ زاد أو نقص، قل أو كثر.
التصور أن هناك دينًا في العملية. الحقيقة ليس هناك دين؛ لأن هناك اتفاقًا مزدوجًا، يعني هناك نوع من الموازنة بالنسبة لهذه الشركات وهي شركات كبيرة وتعرف ماذا تصنع. هي تشترط للتاجر أنها ستدفع له في خلال ثلاثين يومًا من بيعه وتصفى العملية في نهاية الشهر القادم، فإذا اشتريت أنا في شهر مايو – الآن – ففي نهاية شهر حزيران القادم تصفى العملية فتعطى نفسها مهلة كسور الشهر وثلاثين يومًا إضافيًّا، وعندما تتلقى المطالبة فإنها تعطي المستفيد من البطاقة مهلة واحد وعشرين يومًا فقط للدفع، يعني تعطي لنفسها ثلاثين يوما وتعطي للمستفيد واحدًا وعشرين يومًا، فمن الناحية العملية فتحصل النقود قبل أن تدفع النقود، وإذا حصل العكس فإنها تتحمل الفرق لأن الحجم الذي تتعامل به كبير.
من حيث قول الأخ الفاضل الشيخ تقي أن هذه النسبة 7 % بعيدة عن الفائدة أم لا. نحن إذا حسبناها بالمفهوم الحسابي هو الدفع على ماذا؟ هو يتعهد بأن يدفع له في خلال الشهر يعني معجلًا ثلاثين يومًا مقابل أن ينتظر الواحد والعشرين يومًا التي يأخذها من المستفيد (مستعمل البطاقة) فإذا قلنا: خذ الأقصى هي ثلاثون يومًا، الثلاثون يومًا يأخذ عليه 7 % في الغالب في البطاقات الائتمانية، معنى ذلك أن معدل الفائدة – لو كانت فائدة – هي 84 % في السنة فهي أعلى من أعلى نسبة ربوية في العالم حتى في تركيا الفائدة فيها 60 % لذلك ليس منظورها منظور الفائدة أو مقارنتها بالفائدة وإنما هي رسم خدمة مبنية على أساس الخصم التجاري الذي قد أفاصل به شخصيًّا وأحصل عليه من البائع لكن تلاحظون إذا قلت للبائع سأشتري منك هذا الجهاز، قال: أعطيك خصمًا تجاريًّا 10 % أبرزت له بطاقة الأمريكان إكسبرس يمتنع عن الخصم لأنه سيخسر في القبض من الأمريكان إكسبرس نسبة 7 % فيقول: إذا كان الدفع نقدًا أخصم لك خصمًا تجاريًّا وإذا كان الدفع ببطاقة الائتمان فليس هناك عندي استعداد للخصم.
هذه هي الصورة وشكرًا لكم.
الشيخ حمزة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أحمد الله وأثنى عليه وأصلي وأسلم على نبيه.
أشكر لفضيلة الدكتور عبد الستار هذا البيان الواضح عن مفهوم بطاقة الائتمان، وأشكر له أيضًا محاولة تخريج وتكييف وضع هذه البطاقة. كما أشكر أيضًا لكل الإخوة الذين أسهموا بمداخلاتهم وإيضاحاتهم وتعليقاتهم. ولكني أود في بداية تعقيبي هذا أن أنبه إلى أن أية معاملة جديدة لا بد أن ننظر فيها إلى ما هو مقصود منها عند أصحابها، وألفت النظر هنا إلى ما تفضل به فضيلة الشيخ السلامي من الأصول الخمسة التي بنيت عليها هذه البطاقة، وفي هذا نجد أن أكثر البنوك التي تصدر هذه البطاقات تنظر إلى موضوع الفوائد التي تحصل عليها عند تأخر السداد، فلا بد من أن ننظر إلى هذا وبخاصة عندما نقول بجواز بعض أنواع البطاقات التي تشترط على المستفيد الدفع بالفائدة عندما يتأخر في السداد لأن هذا الأمر ليس تابعًا وإنما هو مقصود أصلي في كثير من الأحيان لدى بعض البنوك.
الأمر الآخر هو محاولة تخريج بطاقة الائتمان على الوكالة بأجر. الحقيقة أنا أؤيد ما ذكره الأخ الدكتور نزيه حماد من منع تخريجها على الوكالة بأجر؛ لأننا نجد أن الشركة المصدرة تتعهد هنا بالالتزام بالدفع ولو قلنا: إن هذه وكالة، للزم من ذلك أن تتأخر الشركة البائعة في تسلم هذا المبلغ حتى يقوم الوكيل وهو المصدر بتسلم هذا المبلغ من المشتري أو من حسابه في البنك ثم بعد ذلك يقوم بدفعه للشركة ولكننا نجد عكس ذلك نجد أن الشركة تأخذ من الشركة المصدرة أو البائع يأخذ من الشركة المصدرة بمجرد دفع هذه البيانات والمستندات.
إضافة إلى ما ذكره الدكتور نزيه من أن عقد إصدار هذه البطاقة يتضمن تعهد المصدر بالدفع، والوكيل لا يكون كذلك لأنَّا إذا ضممنا الأجر هذا إلى ما يدفعه هو فكأنه أقرض المستفيد وأخذ على هذا القرض فائدة، يقرضه مائة ثمن السلعة ثم بعد ذلك يأخذ مائة وعشرة، سواء سميناها أجرًا أم سميناها فائدة فالمهم أن هذا القرض يترتب عليه فائدة للمقرض وهذا أمر ممنوع شرعًا فلذلك لا أرى وجهًا لتخريجها على الوكالة بأجر، يمكن أن نخرجها على مسألة الحوالة وهذا ربما كان أقرب من تخريجها على الكفالة أو على الوكالة بأجر لأن في كل واحدة من هذه أمورًا تمنع من صحة التكييف هذا
…
والحقيقة أنني أرجو ألا نتعجل في اتخاذ قرار في هذا الموضوع قبل زيادة البحث والتمحيص فيه ذلك أننا نعتبر أن هذا قبضًا حكميًّا، كما أشار إليه الدكتور، ما يحصل بالبطاقة هو قبض حكمي. ونحن قد اعتبرنا القبض الحكمي في مسائل أخرى منها مسألة التحويلات وشراء الشيكات ونحو ذلك، فما المانع من أن نعتبر الدفع بالبطاقة في الحصول على أموال نقدية دفعًا حكميًّا؟ والدفع الحكمي لماذا لا نعتبره أنه في هذه الحال دفعًا حقيقيًّا وإلَّا لا نسد باب التعامل في أوجه كثيرة؟
هذه إضافات في الحقيقة أردت أن أوضح بها بعض ما يتعلق بتكييف بطاقات الائتمان على الوكالة بأجر وأرى أنه يمكن أن نعتبر ذلك من باب الحوالة في جميع الشؤون وسواء في الحصول على مبالغ نقدية أو في دفع وتسديد ما ترتب من أثمان السلع ونحوها، والتعامل الاقتصادي الآن في العالم يقتضي أن نعيد النظر في مفهوم القبض وإلَّا كما قلت فإننا سنواجه مشكلات كبيرة.
وأختتم كلمتي هذه وأصلي وأسلم على نبينا محمد.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه.
أقدِّر كل ما تقدم به إخواني وكان صديقي فضيلة الدكتور وهبة الزحيلي كان تعليقه على كلامي أشد ما وقع على نفسي في هذا الاجتماع
…
فما قصدت في يوم من الأيام وفي لحظة من اللحظات أن أسيء إلى علاقة أعتز بها بيني وبين الدكتور عبد الستار أبو غدة، وما شددت عليه أصلًا وما كنت له في جميع الظروف والأوقات إلَّا مقدرًا وهو من خيرة ما أنتجته المدرسة الفقهية الإسلامية المرتبطة بالواقع، ولكن عندما نتناقش فليس ذلك شدة، وعندنا الشرط الباطل نوعان: شرط باطل لمنافاته العقد وشرط باطل لأنه حرام. فأنا أردت أن أضيف إلى أن هذا الشرط هو في نظري الشرط المحتمل، يعني يترتب عليه ربا ولو التزم الشخص – قصد والتزم – قصد وعزم على ذلك فإن هذا لا يخرجه عن دائرة الحرمة. فالمشكل عندي هو علاقة المؤمن بالله، أيجوز له أن يقدم على شرط كهذا أو لا يجوز؟ فقد بنيت وأنا مطمئن اطمئنانًا كاملًا إلى أن الشرط الذي هو ملزم به ولكنه عازم على عدم تنفيذه هو شرط حلال، أبدًا لا ينقلب الحكم. حكم الإقدام على شرط حرام هو حرام، وما قصدت الشدة على أخي وصديقي الدكتور عبد الستار أبو غدة.
مع فضيلة الدكتور القاضي تقي الدين العثماني فصل لنا من أن الأجر إما أن يأخذه المكفول له وإما إن يأخذه المكفول عنه وأنه في أحدهما حرام وفي أحدهما حلال. طبيعة: عقد الكفالة هو ليس من طبيعة عقود المعاوضات ومن عقود التبرع وهو من الأشياء التي تحرم وتمنع أن تكون لغير الله كالجاه والكفالة. فسواء أكان هذا أو ذاك فجعل إخراج العقد من طبيعته إلى طبيعة أخرى لا بد لها من زيادة بحث. وشكرًا.
الدكتور عبد السلام داود العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الواقع لا أريد أن أطيل وأدخل في التفاصيل فقد كفى الإخوة الموضوع بحثًا إنما أريد أن أشير إلى قضية في الواقع بالنسبة لتكييف العقد على أساس أنه كفالة. الواقع كما صورت لنا المسألة لا علاقة بين التاجر وحامل البطاقة بالنسبة للمطالبة ونحن نعلم أن الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة. فلذلك ما تفضل به الأخ الدكتور حمزة في نهاية هذا الحوار من أنها أقرب إلى التكييف على أساس أنها حوالة هو الأنسب، وشكرًا.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم.
بهذا تنتهي المداولات حول بطاقة الائتمان ويحال إلى لجنة الأسواق المالية ونرجو أن تأخذ اللجنة باعتبارها ما صدر في الدورة الثالثة تستعرضه حول خطاب الضمان فهناك تنظير جيد لقضية بطاقات الائتمان. ونستأنف الجلسة بعد الصلاة – إن شاء الله تعالى – وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله.
رَابعًا: الأسهم
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
موضوع هذه الجلسة هو " الأسهم " والعارض هو الشيخ محيي الدين القره داغي والمقرر الأستاذ ناجي عجم. الأستاذ ناجي موجود؟ تفضل يا شيخ محيي الدين.
الدكتور علي محيي الدين القره داغي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين.
اللَّهُمَّ علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه واجعل يومنا هذا خيرًا من أمسنا، وغدنا خيرًا من يومنا، واقبلنا في عبادك المخلصين يا رب العالمين.
سعادة الرئيس،
أيها الأعضاء الكرام،
أحييكم بتحية الإسلام فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،
لا شك أن موضوع الأسهم من أهم الموضوعات التي ينبغي الاعتناء بها ولذلك أولى مجمع الفقه الموقر عناية كبيرة من خلال عقد ندوتين إحداهما في المغرب والثانية في البحرين وهذه المرة أيضًا يبدو أن المجمع الموقر – جزى الله القائمين عليه – قد أولوا عناية كبيرة بهذا الموضوع وبالأسواق المالية ومنها قضية الأسهم، ولذلك أعادوا دراسة هذا الموضوع من الجوانب الاقتصادية والفقهية.
أهم شيء في قضية الأسهم نشاط الشركات التي تتبعها هذه الأسهم، فبلا شك أن هذه الشركات التي تتعامل بالحرام قد فرغ الفقهاء في حكم هذا النوع حيث حكموا على أن هذا النوع محرم ما دام نشاط الشركة ينص نظامها الأساسي على التحريم ويتعامل بالمحرمات كالخمور والخنازير – أعزكم الله – وغير ذلك من المحرمات فهذه بالتأكيد محرمة لا خلاف فيها ولا شكَّ فيها. وهناك نوع ثان – أيضًا – لا خلاف بين العلماء في – إن شاء الله – حلالها إلَّا بعض ملاحظات أو بعض أشخاص أثاروا حول هذه المسألة عدة ملاحظات، وهي أسهم شركات تقوم على شرع الله – سبحانه وتعالى – لا تتعامل هذه الشركات بالمحرمات وفي نفس الوقت لا ينص نظامها الأساسي على ذلك ولا تتعامل فعلًا بالمحرمات كالبنوك الإسلامية والشركات الإسلامية التي تحافظ على شرع الله – سبحانه وتعالى – فهذا النوع طبعًا – أيضًا – من المفروض أن نفرغ من وصول الحكم إليها وهو أن نقول: بأن التعامل بهذه الأسهم جائز ولكن مع وضع بعض الضوابط خاصة إذا كانت الأسهم قبل التداول أو ما أشبه ذلك، وهناك طبعًا بعض الملاحظات التي أثيرت حول هذه المسألة، من هذه الملاحظات أن بعض الفقهاء أثار وقال: إن بيع الأسهم فيها نوع من الجهالة وبالتأكيد أن المشتري لا يعلم علمًا تفصيليًّا بحقيقة السهم وبالتالي هذه الجهالة تمنع البيع. بالتأكيد هذه ملحوظة غير دقيقة أو جانبها الصواب؛ لأن الجهالة إنما تكون مانعة إذا أفضت إلى النزاع، ومثل هذه الجهالة فيما لو كانت جهالة لا تؤدي إلى النزاع. وكذلك لاحظوا ملحوظ ثانية وهي أن بيع السهم يعني بيع جزء من الأصول وجزء من النقود وحينئذ لا بد من مراعاة قواعد القبض، وهنا أيضًا الجواب عن ذلك أن العبرة بالأصل وأن الأصل في الشركات هي السلع والعروض بينما النقود تأتي تبعًا ولذلك فعلًا الأسهم قبل بدء الشركة بالعمليات حينئذ لا بد من أن تطبق عليها قواعد الصرف من أن تكون يدًا بيد على ضوء الضوابط التي لا تخفى على حضراتكم.
ملحوظة أخرى، أن الجزء من السهم يمثل دينًا للشركة ولا يجوز أيضًا بيع الدين. وأيضًا هذه المسألة ربما استدلوا بالحديث الذي ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ)) وطبعًا هذا الحديث أولًا: ضعيف لا يحتج به. وثانيًا: تفسيره أو تفسيراته المتعددة لا يدخل موضوعنا في كثير من المسائل.
حقيقة إذن لا نقف عند هذا النوع – في اعتقادي – كثيرًا وإنما ننتقل إلى الموضوع الأساسي وهو أسهم للشركات قد تتعامل بالمحرمات قد ينص نظامها الأساسي على أن تتعامل بالإيداع لبعض أموالها في البنوك الربوية وعلى أن تقبل كذلك نوعًا من الربا، أو قد لا ينص على ذلك وهنا أيضًا يتفرع من هذه المسألة موضوعان: أسهم شركات في عالمنا الإسلامي وأسهم شركات في عالم غير إسلامي أو في دولة أجنبية، هنا حقيقة هذه المسألة هي المسألة الأساسية التي لا بد أن نوجه لها عناية أكبر ونصل من خلالها إلى قرارات تحقق – إن شاء الله – الالتزام بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والقواعد العامة في الفقه الإسلامي وفي نفس الوقت تحقق المصلحة المطلوبة لعالمنا الإسلامي.
هنا في هذه المسألة رأيان: يقول بأن أسهم الشركات التي قد تتعامل بالحرام أو قد ينص نظامها الأساسي على أنه في بعض الأحيان يقرض أو يقترض بالربا، هناك رأيان في هذه المسألة: رأي يمنع هذه الشركات منعًا باتًّا ويمنع كذلك المشاركة والمساهمة في مثل هذه الشركات أبدًا وشراء وتداول هذه الأسهم بصورة قطعية – هؤلاء هكذا يرون – وجماعة آخرون من علمائنا الكرام – جزاهم الله خيرًا – ومن أصحاب البحوث أيضًا والتي قرأناها حقيقة قبل أن نصل إلى هنا نجد أن بعضهم أو جماعة منهم يجيزون التعامل وتداول هذه الأسهم ولكن بضوابط شرعية، طبعًا هذا ما نحن الآن بصدده ونحاول أن نلقي على هذا الموضوع بصيصًا من الضوء وبعض المناقشات والأدلة التي وردت في هذه المسألة.
وطبعًا هنا قبل أن نبدأ بهذا الموضوع عرضنا مجموعة من المبادئ العامة حتى تكون هذه المبادئ تسهل لنا الحكم على هذا الموضوع بصورة – إن شاء الله – طيبة، من هذه المبادئ أنه بالتأكيد نحن نتطلع إلى أن نحقق ونحصل الشركات التي فعلًا تتعامل بالحرام وأن نحقق لأنفسنا الحلال الطيب وليس الحلال فقط وإنما الحلال الطيب الذي لا شبهة فيه، ولكن هذه المسألة إذا لم تتحقق في الوقت الحاضر فلا بد أن نتطلع إليه في أي وقت باعتبار أن الله – سبحانه وتعالى – أمرنا بتحقيق هذا الهدف.
ثانيًا: إن الشريعة الغراء – أيضًا – في جانب آخر مبناها على دفع الحرج ودفع المشقة وتحقيق اليسر وتحقيق مصالح الأمة وأن القضايا الجزئية والقضايا الفرعية – حقيقة – لا ينبغي أن ننظر إليها من زاوية الفروع أو من زاوية واحدة وإنما لا بد أن ننظر إليها من زوايا مقاصد الشريعة ومصالح الأمة وما يترتب على ذلك، كما فصل في ذلك الإمام الشاطبي وجعل الاجتهاد لا بد أن يكون من منطلق مقاصد الشريعة، فطبعًا من ضمن مقاصد الشريعة مصلحة الأمة والمال هو طبعًا عنصر أساسي في حياة الأمة، والإسلام حقيقة والله ما رأيت وصفًا أدق من وصف القرآن الكريم للمال حينما وصف المال بالقيام:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] .
أي لا يقوم المجتمع إلَّا به ولا ينهض ولا يتحرك إلَّا به كما نراه اليوم. إذن من هنا الحفاظ على هذا المال واستثماره مطلب أساسي من مطالب شريعتنا الغراء. كذلك العناية بالعرف كما لا يخفى على حضراتكم. أيضًا ملاحظة أخرى أن المسلمين اليوم لا يعيشون عصرًا يطبق فيه المنهج الإسلامي، والإسلام يراعي هذه الجوانب ولذلك نرى أن الشريعة الإسلامية تلاحظ قضية الحدود في دار الحرب، ما هي إلَّا رعاية للمكان. فإذن نحن اليوم نعيش عصرًا لا يطبق فيه الإسلام بحذافيره وإنما المناهج غير الإسلامية هي السائدة، ومن هنا علينا أن نعطي هذا الجانب أهميته. إذا كان الأمر كذلك فما هي أدلة المبيحين؟ وما هي أدلة المانعين؟ طبعًا باختصار شديد، هؤلاء الذين منعوا التعامل بمثل هذه الأسهم نظروا إلى أن الله – سبحانه وتعالى – بين الحلال الطيب والحرام، وكما قال رسول صلى الله عليه وسلم ((الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير – فيه روايتان، المشتبهات والمتشابهات – من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)) والحديث معروف وحديث ثابت وصحيح، ومن هنا جعلوا هذه القضية من باب الشبهات بينما لما نرجع إلى كتب الحديث نرى أن الشبهات لها عدة تفسيرات يمكن أن يدخل فيها هذا الموضوع ويمكن أن يحتمل، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال – كما يقول علماؤنا – بطل به الاستدلال، وينظرون كذلك إلى أن العبرة بالنتيجة، والنتيجة ما دام فيها حرام فكيف نحن نبيح جزءًا من الحرام؟ وأن الحرام في هذه المسألة أو في قضية الأسهم لابد أن يتجنبها المسلمون وبالتالي لا نوسع عليه دائرة التعالمل بمثل هذه الأسهم وإنما نبتعد عنها ابتعادًا كبيرًا. لا شك أن هذا رأي من ناحية الأحوط وهو أحوط الآراء ولكن هل هذا – حقيقة – يحل لنا هذه المشكلة العويصة التي نحن نعاني منها؟ هل أن المسلمين اليوم فعلًا ابتعدوا عن هذه الشركات التي قد تتعامل بالحرام؟ أو أننا يمكن أن نحاول أن ندفع بهؤلاء المسلمين ليتخذوا قرارًا بتغيير هذه الشركات نحو الشركات التي تقوم على شرع الله كما قام بعض الخيرين حقيقة وفي البحث موجود أن أحد الإخوة الطيبين صاحب المال الشيخ صالح كامل – حفظه الله – ذكر أنه استطاع من خلال تأثيره في بعض الشركات أن يحول أكثر من خمسين شركة غير إسلامية إلى شركات إسلامية، وطبعًا العبرة بالنتيجة والغايات لها أثرها في الوسائل كما يقول ابن القيم رحمه الله. وهنا حقيقة تطرقت إلى هذه المسألة وذكرت آراء الفقهاء بشيء من التفصيل وذكرنا بأن المبيحين يعتمدون على أن الأسهم في واقعها ليست مخالفة للشريعة، وما شابها من بعض الشوائب والشبهات والمحرمات قليل بالنسبة للحلال فإذن العبرة بالأكثرية وهنا أتينا بنصوص للحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وكل هؤلاء أجازوا التعامل مع من غالب ماله حلال وقد يشوب ماله بعض الحرام. وهنا ذكر شيخ الإسلام عز بن عبد السلام وكذلك شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمهما الله رحمة واسعة – وفصلوا في ذلك وفرقوا بين ما هو حرام لذاته وما هو حرام لكسبه، وكذلك فرقوا بين ما هو محرم عينًا كحيوان مسروق وما هو محرم ولكنه دين كالفلوس وأمور المثليات ونحو ذلك كل ذلك بحثها علماؤنا السابقون وجزاهم الله خيرًا.
إضافة إلى رأي آخر بأن قضية التوكيل كأنك حينما ما دام النظام الأساسي لا ينص على الحرام خاصة فحينما أنت أودعت فلوسك واشتريت الأسهم، فإن الوكيل هو الذي لم يقم بهذا الواجب من هنا يكون الإثم على المباشر ولا يكون الإثم على من أودع هذه الأموال في هذه الشركات التي لا ينص نظامها الأساسي خاصة على أن تتعامل بالحرام ولكنها قد تتعامل بالحرام. هذه النصوص كلها تقريبًا تشير إلى ذلك يعني ربما قد يقال إن هذه النصوص وهذا وارد في الحقيقة في المناقشات السابقة، قالوا إن هذه النصوص واردة في عملية التعامل وليست واردة في عملية الأسهم ولكن أيضًا في الحقيقة الأسهم هي جزء من التعامل حينما نبيع ونتداول ونشتري فإن المسألة أيضًا لا تدخل من هذا الباب وإضافة إلى أنه يمكن إخراج هذا الجزء المحرم من خلال معرفة أو الاطلاع على نظام الشركة أو ميزانية الشركة، ومن هنا نستطيع من خلال ميزانية الشركة أن نعرف ما هو الحلال وما هو الحرام ونخرج ما هو الحرام أو الجزء الحرام عن هذه الشركة وبالتالي تكون المسألة واضحة أمامنا.
وطبعًا هناك أيضًا استدللنا أو استدل المبيحون بأنه قاعدة " يجوز تبعًا ما لا يجوز استقلالًا " ومن هنا فما أوتي من حرام ليس هو الأصل وليس هو الأساس وإنما جاء هذا الجزء المحرم تبعًا. كذلك قاعدة " للأكثر حكم الكل " وهذه القاعدة من القواعد المعتبرة التي اعتبرها الكثيرون. واستطعنا كذلك أن نناقش الرأي الأول المانع من تداول هذا النوع من الأسهم أن وجود نسبة ضئيلة من الحرام في المال الحلال لا يجعله حرامًا وإنما يوجب نبذ المحرم فقط كما سبق تفصيله.
بالنسبة للرأي الراجح الذي نرى رجحانه:
أولًا: أن مجلس الإدارة والمدير المسؤول لا يجوز لهم قطعًا مزاولة أي نشاط محرم.
ثانيًا: أما مشاركة المسلمين في هذه الشركات السابقة وشراء أسهمها والتصرف فيها فجائزة ما دام غالب أموالها وتصرفاتها حلالًا وإن كان الأحوط الابتعاد عنها.
ولكن هناك بعض الضوابط لا بد أن يكون الشخص الذي يشتري مثل هذه الأسهم أن يقصد بشراء أسهم هذه الشركات تغييرها نحو الحلال المحض من خلال صوته في الجمعية العمومية وأن يبذل جهده وماله لتوفير المال الحلال وأن صاحب هذه الأسهم عليه أن يراعى نسبة الفائدة التي أخذتها الشركة ثم يتخلص منها للجهات الخيرية العامة. وكذلك لا يجوز للمسلم أن يؤسس شركة تنص في نظامها الأساسي على أنها تتعامل بالربا إقراضًا واقتراضًا، إذن هذه أيضًا بالنسبة للشركات التي يمتلكها غير المسلمين، أيضًا نفس الخلاف موجود وإن كان بعض من أجازوا شراء أسهم قد تتعامل هذه الشركة أو شركاتها بالمحرم هنا لم يبيحوا ذلك لغير الشركات الإسلامية، أما الشركات خارج البلاد الإسلامية فلم يجيزوا ذلك وأنا حقيقة رأيت أن القضية ما دامت ليست قضية المسلمين وقضية غير المسلمين وإنما قضية هل يجوز لنا أن نتصرف وأن نتداول أسهم هذه الشركات أم لا؟ فإذا أبيح لنا بهذه الضوابط التي ذكرناها لا أعتقد أن هناك فروقًا جوهرية بين شركات في بلاد إسلامية وشركات في بلاد غير إسلامية.
أردت أن أعرض هذه الفكرة بصورة موجزة أيها الإخوة الأجلاء وأحب أن أنوه أيضًا كما أن هذه في الحقيقة ليس فتوى مني وإنما هو عرض لوجهة نظر إذا وافق المجمع على ذلك وحضراتكم وافقتم على ذلك فربما حينئذ نأخذ به ولذلك أحب أن أذكر لحضراتكم أن مثل هذه الأمور نوقشت مرة أخرى في البحرين ووصلت الندوة الثانية إلى مجموعة من القرارات الطيبة، إذا سمح السيد الرئيس لقراءتها أقرأها على حضراتهم لمجرد التذكير وإلَّا فالموضوع عندهم.
هل تسمح لي يا سيادة الرئيس؟
الرئيس:
هي موزعة على المشايخ.
الدكتور علي محيي الدين القره داغي:
جيد، إذن حقيقة هذه ما دام وزعت فهذه هي الصورة التي تضع أمامنا مسؤولية كبيرة، نحن اليوم أمام آلاف بل مئات الآلاف من الشركات الإسلامية فأخاف من أننا إذا أصدرنا أمرًا لعدم تداول مثل هذه الأسهم، حينئذ يصبح المسلمون دون أن يكون لهم أي نوع وحينئذ يتبنى غير المسلمين أو هؤلاء الذين ليس لهم دين قويم أن يشتروا مثل هذه الأسهم وبالتالي تصبح شركات أو الشركات الموجودة في البلاد الإسلامية تصبح بأيدي غير المسلمين وهذا بالتأكيد فيما لو منعنا ذلك بينما لو شجعنا المسلمين على الدخول في مثل هذه الشركات بمثل هذه الضوابط وطلبنا منهم أن يغيروا فالأمل كبير أن تبقى هذه الشركات بأيدي المسلمين المخلصين – إن شاء الله – وبالتالي يكون فيها نفع كبير وفوائد كبيرة وفعلًا نحن في قطر عندنا بعض الشركات بفضل الله سبحانه وتعالى بفضل جهود الدعاة تحولت إلى شركات إسلامية منها جمعية الريّان حيث وصل إليها الشباب المتدينون وحولوها تمامًا من شركة كانت تتعامل بالربا إلى شركة لا تتعامل إلَّا بالحلال بل إنهم دائما يستيشرونني وكذلك يستشيرون أخانا الكريم الأستاذ على السالوس. كذلك شركة المنتزه، أنا مضى عليَّ حوالي ثلاثة أو أربعة أشهر لا يمر أسبوع إلَّا ونحن نلتقي بهم وصل إلى جمعية الإدارة مجموعة من الشباب المتدينين وبدأوا يحولون ويغيرون من مبالغ رهيبة جدًّا في البنوك الربوية ويحولونها إلى البنوك الإسلامية وبدأ العالم هكذا يسير. فهذا هو العرض الذي أعرضه على حضراتكم بصورة موجزة وأشكركم على حسن الاستماع ونستفيد من توجيهاتكم وآرائكم ومناقشاتكم. شكرًا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس:
كان بودي يا شيخ محيي الدين في الجزئية الأخيرة فيما إذا كان الربا غير مشروط وإنما يعرف المساهم أن هذه المؤسسة تتعامل بالربا. أنتم ذكرتم وجهة نظركم لكن كان بودي بصفتكم عارضًا للبحث أنكم ذكرتم وجهة نظر المانعين والتي وصلت إليها الندوة التي عقدها مجمع الفقه الإسلامي هنا بجدة والتي إذا كانت ما ذكرتموه مؤيد بالقاعدة (أنه يثبت تبعًا ما لا يثبت استقلالًا) فإنه يواجه القاعدة الأخرى (المشروط عرفًا كالمشروط لفظًا) . لكن البحث موجود أمام المشايخ وكان بودي أنك لخصته حتى لا تكون المسألة جزمًا ولكن يثار فيها الخلاف.
الدكتور علي محيي الدين القره داغي:
السبب في ذلك هو أنني الآن قادم من المطار إلى المجمع في الحقيقة، ولي تكملة إن شاء الله تعالى.
الشيخ خليل الميس:
بسم الله الرحمن الرحيم.
لا أدري هل السرعة أم التسرع من الدكتور القره داغي – حفظه الله – عندما قاس قضية الحدود في دار الحرب وقال – طبعًا – بحجة أن ليس كل أحكام الإسلام تنفذ عندنا، هذا قياس مع الفارق لأننا نعرف أن الحدود في دار الحرب انعقدت غير موجبة فلا تنقلب موجبة، هذا شيء معروف. فإذن قياس هذه القضية أن (ليس كل أحكام الإسلام تطبق) ونحن في دار الإسلام وتلك قضية حصلت في دار حرب فقياس مع الفارق. وشكرًا.
الشيخ صالح:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد،
فقد استمعنا إلى العرض الذي بينه سعادة الأستاذ القره داغي حول موضوع أسهم الشركات أو الاشتراك في شركات تقترض بفوائد ربوية أو تودع أموالها وتأخذ عليها فوائد ربوية وإن كان أصل موضوع هذه الشركة حلال ولم يتعرض نظامها أو ينص نظامها على التعامل بالفوائد الربوية لكنها تودع في البنوك الربوية وتحصل مقابل هذه الودائع على فوائد أو تقترض عند الحاجة كذا. الواقع أن هذا القول فيما أرى يصادم النصوص الشرعية وقد قرر العلماء أن اعتناء الشرع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات، ولذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم:((إذا أمرتكم بأمر فاتقوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) . فالمنهيات تجتنب على الإطلاق أما المأمورات فيأتي الإنسان منها بقدر الاستطاعة ولذا لم يسامح في الإقدام على المنهيات وخصوصًا الكبائر، والله سبحانه وتعالى يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} [البقرة: 278] .
والحصول على بعض الفوائد مقابل الإيداع أو الاقتراض عند الحاجة فيه ربا والربا لا نختلف جميعًا أنه حرام ولا يجوز التعذر بأي وسيلة من الوسائل. ثم إن التوجيه الاقتصادي الإسلامي والبنوك الإسلامية هي لانتشال الأمة الإسلامية وإيجاد الحلول لا أن نتأثر بالواقع وأن نستسلم لما هو موجود ولكن يجب علينا أن نصحح أما الاحتجاج بقاعدة (يجوز تبعًا ما لا يجوز استقلالًا) فهذا غير مسلم لأن القاعدة وردت في شيء نص على حله في حال ونص على حرمته في حال، أما الربا فلم يستثن شيء منه بل هو محرم على الإطلاق. فالذي أو التأكيد عليه أن هذا القول – في نظري – غير سليم وأنه يجب تطهير الشركات الإسلامية والبنوك الإسلامية من أي فوائد ربوية قليلة أو كثيرة ولا يمكن التسامح في شيء منها لأنه كما جاء في الحديث الشريف ((درهم ربا يأكله الرجل المسلم وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية)) . فالربا حرام كله قليله وكثيره لا يمكن أن يتسامح في شيء منه، ولهذا فقاعدة (يجوز تبعًا ما لا يجوز استقلالًا) لا يمكن تطبيقها وهي قياس مع الفارق، فلهذا أود أن أؤكد ما أقوله.
والحمد لله رب العالمين وصلَّى الله على نبينا محمد.
الدكتور درويش جستنية:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
موضوع شراء الأسهم في الشركات التي تتطلب أعمالها بطبيعة الحال أن تقترض من البنوك وليس من الضروري أن تنص أنظمتها على هذا الاقتراض والحقيقة أن العالم الإسلامي يعاني كثيرًا من هذه المشكلة لأن الشركات الكبرى في العالم الإسلامي كلها بيد غير إسلامية في معظم البلاد الإسلامية – شركات كبيرة – وأما في البلاد
…
مثل بلادنا والبلاد المحيطة بنا فالشركات بطبيعة الحال معظمها يملكها المسلمون والحمد لله. ولكن – أيضًا – قد تضطر إلى التعامل بالربا، ولقد كتبت في إحدى الندوات – وهي الندوة التي أقامها البنك الإسلامي للتنمية – ورقة في هذا المعنى وكنت أذهب في تلك الورقة إلى أنه مهما كان الأمر فلا نأخذ بالاحتجاج بأننا نصلح هذه الشركات لأنها أكبر وأكثر من أن نصلحها وليس من المفروض فينا أن نحاول بطريقة واحدة وإنما نحاول بعدة طرق. إن فكرة إنشاء البنوك الإسلامية قامت أساسًا من أجل محاربة الربا ووضع قواعد أساسية جديدة في الاقتصاد الإسلامي للبلاد الإسلامية، وما دام أن الموضوع انطلق من هذه القاعدة وهي قاعدة ستكبر إن شاء الله – قاعدة البنوك الإسلامية – فلدينا من الحلول ما يمكن أن نتجاوز به مثل هذه الأزمة، ولدي اقتراح قد يكون عمليًا بالنسبة للشركات القائمة سواء كانت تملكها بنوك إسلامية أو لا تملكها بنوك إسلامية أو ليست متعلقة بالبنوك الإسلامية وهي عن طريق الزيادات في رأس المال. يعني لو افترضنا أن شركة ما رأس مالها مائة فيمكن أن نسمح لها بزيادة رأس المال في حدود الخمسة في المائة. بمعنى أن هذه الخمسة في المائة بدلًا من أن تقترض من البنوك لأنها لا تحتاج إلى أكثر من هذه النسبة فتصدر أسهمًا جديدة تباع للمواطنين وتحصل على هذه المبالغ التي تريدها وعندما تتوفر لها المقدرة المالية تعود فتشتري هذه الأسهم، طبعًا أسهم مطلقة عامة فلا تشتري أسهمًا بعينها وإنما تشتري بقيمة 5 % التي أصدرتها الأسهم وبالتالي تمتص السيولة من السوق وتدفع بالسيولة إلى السوق، فعندما تكون في حاجة إلى أموال تصدره هذه السندات، إذا وجدت أن من مصلحتها الاستمرار في بيع هذه السندات فتصبح الأموال التي لديها جزءًا من رأس مال الشركة وبذلك لا تتضرر وتستطيع أن تجمع الجمعية العمومية وتزيد رأس مال بهذه الكمية التي أصدرت وهذا شيء معروف في كل الشركات أنها تزيد رأس المال كما تريد في أي وقت تريد في حدود المبلغ المسموح به - رأس المال المسموح به – لأن هناك رأس مال مسموح به يكون ألفًا مثلًا ورأس مال مكتتب فيه يكون مائة فالفرق بين المائة والألف هو هذه الكميات التي يمكن أن تزاد على رأس المال. إذا رأت الشركة أن من مصلحتها البقاء على رأس المال المكتتب فيه فتستطيع أن تتخلص من هذه الأسهم وتبيعها، وهذه عملية إجرائية تحتاج فقط إلى موافقة من الجمعية العمومية لأي شركة وهي عملية بسيطة، بذلك نضمن أن الشركات لا تضطر أصلًا من الاقتراض من البنوك أو من غيرها ولكن الذي يجعلها تضطر لهذا هو فقط مدة الإجراء التي تأخذها من أجل إصدارها الجديد فقد تأخذ شهرًا أو شهرين فهذه يمكن أن تجعل بعض الشركات تتردد ولكن إذا أردنا الوصول إلى الحلال فهناك طرق كثيرة نستطيع أن نستعملها بحيث نصل إلى الحلال من أقرب طريق. وأرجو الله التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور عبد السلام داود العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
في ظني في هذا الموضوع أنه من غير المناسب أن نطلق العبارة بأن هنالك شركات تتعامل بالحرام وخاصة في مجال الربا، وأنه لا بد من التفصيل في هذه المسألة حتى نميز بين حالتين: حالة الشركات التي تودع أموالها بفائدة ربوية وتتحصل لديها هذه الفوائد كدخل للشركة. هذه العملية كما هو معلوم في هذا المجال تكتنفها تفصيلات كثيرة، يعني هل هذه الشركة لديها مجال للإيداع في بنك إسلامي؟ هل لديها في منطقتها ما يمكنها من إيداع أموالها في بنك إسلامي لتتعامل معه؟ قد تكون مضطرة لإيداع أموالها في هذا البنك، وبالتالي قضية أخذها الفوائد ليس إشكالًا على أن يتحرى المسلم ألَّا يدخل هذه الفوائد إلى حوزته وملكه إنما لا بد كما نص كثير من فقهائنا أن يصرفها في جهة خير أو في مصلحة عامة.
الإشكال في الواقع ليس في هذا النوع من الشركات، القضية واضحة، وفي ظني عملية الحسبة – أيضًا – واضحة، معرفة ماذا دخل من مال عن طريق محرم في أرباح الشركة عملية سهلة للغاية ويمكن الاطلاع عليها في الميزانية ومعرفتها. المشكلة – في الواقع – في الشركات التي تأخذ تسهيلات ربوية وقروض ربوية، ومن المعلوم في هذا المجال أن بعض الشركات تكون تسهيلاتها الربوية أضعاف رأس مالها، ولذلك كيف يمكن أن نطلب من المسلم في هذه الشركات أن يحسب ما جاء عن طريق محرم وما لم يأت من طريق غير محرم؟ هذه عملية – في الواقع – في غاية الصعوبة ولا تظهر أيضًا في حسابات الشركة. لذلك نحن قد نميل إلى الرأي الذي يقول: بأنه إذا كانت العملية محدودة والأغلب هو الحلال لكن هذا الباب لا نستطيع أن نفتحه بسعته لا بد من قيود أخرى عليه. أعرف بعض الشركات هنالك عليها قروض ربوية ثلاثة أضعاف رأس مالها وما زالت تعمل وقد لا توزع أرباحًا، فكيف نقول للمساهم أنه إذا جاء ربح افعل كذا وكذا؟ يعني لا بد من الدخول في هذه القضية من الناحية العملية ومعالجتها بشمول ووضوح.
ثم شيء آخر، نحن هنا نريد أن نتحدث عن الحكم الشرعي يجوز البقاء في هذه الشركات أو لا يجوز؟ يعني لا نريد أن نتحدث عن البدائل، واضح أن من أهم البدائل نشر البنوك الإسلامية والتوسع في وسائل الائتمان الإسلامية إلى آخره، لكن ليس هنا الحديث. هذا المسلم الذي يسألنا أيظل في هذه الشركة مساهمًا، أو يساهم في هذا النوع من الشركات أم لا؟ هذا الذي نريد أن نجيبه افعل أو لا تفعل. وشكرًا.
الشيخ علي الشيباني:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى.
أما بعد،
فإنني أشكر الباحثين على البحوث القيمة التي قدموها لأننا ما كان لدينا إلمام بهذه البحوث، لماذا؟ لأنها لا تمت للشرع الإسلامي بأي صلة وهذا ما جعلنا نجهلها تمامًا وعلينا أن نعمل بما قال حذيفة بن اليمان: كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه. فمعرفة هذه المسائل لها أهمية لكي نتجنب ما هو حرام فنبتعد عنه.
يلاحظ أن هذا الموضوع كسابقه لا يبيحهما الشرع الإسلامي لأن عملية البطاقة السابق ذكرها إذا كان مشروطًا أنه إذا لم يسدد المبلغ المطالب به في وقت محدد تضاف إليه فائدة وكلما تأخر التسديد تضاف أخرى وهذا هو ربا الجاهلية بعينه (أما أن تقضي أو تربي) . وعملية الأسهم – أيضًا – تتضمن فوائد ربوية تحددها الشركات في قروضها وغيرها، ولا يمكن أن نقول: إن صاحبها يتمادى فيها وعليه بعد ذلك أن يميز بين ما يحل من هذه العملية وما هو الحرام. هذه المسألة لا تقبل بأي حال فالذي كان يتعاطى هذه المسائل إذا كان يريد أن يتوب عنها له ما قال الله عز وجل: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] .
ليس علينا أو ليس من حقنا أن نلتمس الوسائل لحلية عمليات وضعت على غير أساس شرعي بل إن الذين وضعوها لا يهمهم حلية المعاملات أو حرمتها. فمعلوم أن العقود منها ما هو واضح الحلية ومنها ما هو واضح الحرمة وفيها ما فيه التباس على الباحثين والعلماء، فعلينا أن الذي وضحت حليته أو حرمته أن نحكم بذلك، والذي التبس علينا هو الذي نؤجل الحكم فيه حتى يتبين الحق ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فعندما هاجر إلى المدينة – صلوات الله وسلامه عليه – وجد التجارة يسيطر عليها اليهود فاتخذ المسلمون سوقًا ونعلم أن هذه السوق تخرج منها الخليفة عثمان بن عفان أصبحت له أموال طائلة وكذلك عبد الرحمن بن عوف، هذه الأموال اكتسبوها من مال حلال ومن بيع، الفرق بين البيع والربا كل منهما فيه ربح إلَّا أن هذا حلال وهذا حرام كما قال الله عز وجل:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
بسم الله الرحمن الرحيم.
إخواني الأساتذة الكرام.
موضوع أسهم شركات المساهمة موضوع معقد ويكثر السؤال عنه في كل مجال وهو في الحقيقة يمثل مشكلة أمام كثير من الذين لهم وفر محدود ويريدون ألا يجمدوه بل أن يستثمروه.
موضوع الشركات مشكلته ليست فقط بالنسبة للشركات التجارية التي تؤسس شركات مساهمة لمشاريع تجارية، مثلًا هناك شركات تؤسس للتجارة في السلع بيعًا وشراء وتفتح مخازن لها فروع كثيرة، شركات مساهمة لكن هدفها تجاري مثل شركات البنوك، جميع البنوك تقوم على أساس شركات مساهمة. المشكلة أن هناك شركات وهي كثيرة جدًّا موضوع عملها أداء خدمات، يعين هناك لدينا شركات الكهرباء وشركات المياه وشركات النقل إلى آخر ما هنالك حتى الشركات التي تستثمر بعض الثروات الطبيعية في الدولة، فهذه الشركات مهمتها أداء خدمة للمجتمع وهذه الشركات تمثل ضرورة قائمة لا نكران فيها ذلك أن الشركات التجارية يمكن أن يقال إن لم تؤسس لا يتضرر المجتمع ويبقى عمل التجارة ماشيًا بوجودها وبدونها، ولكن شركات الخدمات هذه التي أصبحت اليوم تمثل قطاعًا من الخدمات ضروريًّا جدًّا في المجتمع كالكهرباء مثلًا والنقل والمياه - كما قلنا - تمثل قطاعًا ضروريًّا جدًّا وهذا المشروع الذي هو موضوعها في الحقيقة تكاد تكون تكاليفه عظيمة جدًّا تنوء بالدولة، واليوم معظم الخدمات العامة في بلادنا – بلاد العالم الثالث - كلها تقوم على أساس شركات تطرح موضوعاتها الدولة وتقوم هي بالتزام هذه الخدمات التي ذكرنا أمثلتها وإذا لم تؤسس هذه الشركات لا يمكن أن تحقق تلك الخدمات من الكهرباء والماء والنقل وسواها لا يمكن أن تحقق لعظم تكاليفها. ولكن نحن في عالمنا الثالث هذه المشاريع من الخدمات كلها لا تستطيع أن تقوم بها الدولة وفي الوقت نفسه لا تريد الدول في تلك البلاد التي تسمى بلاد العالم الثالث أو البلاد المتخلفة اقتصاديًّا أو النامية إلى آخره، هذه لا تريد أن تتخلى إلى شركة خاصة إلى شركة تجارية تنشئ المشروع وتطرح أسهمًا فيه إلى آخره لا تريد بل تريد الدول اليوم في هذا العالم الثالث تريد أن تبقى يدها قائمة على المشروع وأن تستفيد منه ومن الهامش التجاري الذي يكون فيه، هذه شركات كثيرة وضرورية جدًّا ولا سبيل إلى الاستغناء عنها وإلَّا بقي البلد متخلفًا في أهم المرافق الحيوية التي انتشرت في العالم، هذه الشركات لا سيطرة لأفراد معينين عليها وإنما هذه ترخص وتعطي امتيازًا وتقوم لأجل أداء هذه الخدمات لكن من أجل الربح – تربح – ولكن ربحها ناشيء من أداء خدمات، هذه الشركات لا يوجد – فيما أعلم – شركة في بلد ما من هذا النوع لا تتعامل أخذًا وعطاء مع البنوك بالفوائد، قد تستغني عن الاقتراض بما لديها من رأس مال من مجموع أسهمها ولكن لا توجد واحدة تمتنع عن التعامل مع المصارف الربوية ولا سيما إيداع أموالها كما أشار إليه الدكتور عبد السلام فإنها تودع أموالها لدى المصارف إذ لا تستطيع أن تحتفظ بسيولتها في صندوقها بل هذا كله يجري إيداعات في حسابات المصارف وهكذا. الاقتراض من الممكن أن يقال: إنها إذا كانت قادرة ماليًّا عندها السيولة الكافية لا تقترض ولكن الإيداع لا يوجد شركة تستغني عنه أبدًا ولا يوجد للشعب سلطة يمنعها من ذلك ولكن هدفها هو هدف – كما قلنا – خدمات وليس تجارة.. هذه الشركات تشكل قطاعًا كبيرًا بالنسبة لذوي الدخل المحدود، هناك الأيتام وهناك الأرامل وهناك أشخاص لديهم شيء من الوفر لا يصلح أن يشتري به عقار ليستثمر ولا يستطيعون هم أن يتاجروا به ويفتحوا مشروعًا تجاريًّا لا يستطيعون أن يستثمروه بأنفسهم فليس أمامهم لقاء وفرهم هذا إلَّا أن يودعوه في البنوك ونقول عندئذ: بوجود البنوك الإسلامية يستطيعون أن يودعوه فيها وتمنع عليهم إيداعه في البنوك الربوية ولكن هؤلاء إذا حرموا من شراء الأسهم – الأسهم تشكل أيضًا موردًا استثماريًّا لهؤلاء ذوي الوفر المحدود وإذا منعوا من تداول هذه الأسهم وشرائها لأجل عوائدها فإن ذلك يسد بابًا كبيرًا جدًّا عليهم ويضيق. فلذلك الرأي فيما أرى أنه يميز بالنسبة لشركات المساهمة بين الأنواع التالية:
الشركات التي يكون موضوع نشاطها محرمًا، قد تكون شركة خمور – مثلًا – كما في البلاد الأجنبية هناك شركات لإنتاج الخمور فقط، أو تكون شركة بنوك ربوية إلى آخره، فهذا النوع من الشركات لا شك يجب أن يكون تداول أسهمه شراء وبيعًا واستثمارًا لأجل عوائده أن يكون هذا غير جائز شرعًا بلا شك ولا ريب، ولكن هناك شركات أخرى والتي هدفها تجاري كشركات الفروق التجارية الكبرى التي لها فروع في مختلف بلاد العالم منها شركات الفنادق إلى آخر ما هنالك، فهذه إذا كانت معظم معاملاتها – وقد تقترض بالربا وما إلى ذلك هذه أيضًا يمكن منعها – أي منع تداول أسهمها – على المستثمرين الصغار ويقال لهم: خذوا من شركات أخرى أو من بنوك إسلامية اشتروا أسهمًا، وأما شركات ذات الخدمات العامة التي يقوم مشروعها على خدمات ضرورية للمجتمع هذه ليس هدفها ربويًّا وإنما هي تؤدي خدمة تعجز عنها الدولة بنفسها، وطريقة الأسهم هي التي تجمع الشيء الكثير كما يقول المثل (القليل من الكثير كثير) ، تجتمع رؤوس أموال ضخمة تنشئ هذه المشاريع التي أصبحت ذات تكاليف عظيمة تعجز عنها الدولة فمثل هذه الشركات لا يملك أبناء المجتمع منعها بالمرّة من التعامل مع البنوك ولا سيما الإيداعات فالذي يبدو أن مثل هذه الشركات لا يحجر على الناس أن يتداولوا أسهمها ويمتلكوها سواء لبيع الأسهم وشرائها تجارة أو لأجل أخذ عائد السهم من الربح ولكن ينبغي هنا – نقطة الإشكال – إذا كانت هذه تودع أموالها وتأخذ عليها فوائد وقلنا الإيداع لأنه لا توجد شركة تخلو منه أبدًا فسد الباب يكون مشكلًا وإنما نحن نستطيع على أساس التنقية – تنقية المال – فيمكن أن يقال لمن يقتنون هذه الأسهم لأجل أرباحها كعائد لوفرهم القليل أن يستطيعوا – وهذا ممكن – بطريقة حسابية تقريبية ولا يشترط التدقيق التام بالفلس هذا لا يشترط وإنما الشيء التقريبي مقبول أن يفرزوا ما يقدر من عوائد دخلت على الشركة ومن فوائد ربوية وأن يوجهوه إلى الفقراء أو إلى المشاريع الإسلامية وبذلك نكون لم نسدد طرق إنشاء هذه الشركات وتداول أسهمها على ذوي الحاجة وبالقدر الممكن نقي الطريق من الشوائب. والله سبحانه وتعالى أعلم.
القاضي محمد تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
في الواقع إن موضوع الأسهم وجزئيته التي طرحت مساء اليوم من أخطر وأهم الموضوعات التي ناقشناها حتى الآن في هذه الدورة ولها أبعاد عميقة ينبغي ألا نسرع في الفتوى حتى نستكمل النظر في جميع هذه الأبعاد.
الواقع أن هذا المجمع لو خرج بفتوى منع المستقبليات ومنع الخيارات فإنه لا يكون لهذه الفتوى أثر عملي بليغ في النشاط الاقتصادي في العالم الإسلامي أما إذا خرج المجمع بقرار أن شراء هذه الأسهم ولو كانت أسهم الشركات المساهمة التي معظم نشاطها حلال فإن هذه الفتوى ستؤثر على النشاط الاقتصادي في العالم الإسلامي كله أثرا بالغًا لا ينبغي أن نغض النظر عنه، ومما يجب أن نتنبه له أننا نتكلم الآن في تلك الشركات المساهمة فحسب التي معظم نشاطها حلال وأعمالها الجوهرية حلال شرعًا ولكنها قد تضطر أو قد تختار إيداع أموالها في البنوك الربوية، وقد تقترض بعض الأموال على أساس الفائدة ويقال: بما أنه دخل هذه الشركات الربا فلذلك لا يجوز لرجل عامي أن يشتري سهم مثل هذه الشركة المساهمة ولي في هذه الوجهة وقفة طويلة من الناحية الشرعية والفقهية. الدليل الذي يستدل به في منع شراء الأسهم في مثل هذه الشركات هو أن حامل السهم موكل والشركة المساهمة وكيل لحامل السهم في جميع نشاطاتها فإذا كانت تقترض على أساس الفائدة أو تودع أموالها في البنوك الربوية فإن هذه المعاملة الربوية ستنسب إلى حامل السهم فلا يجوز لحامل السهم أن يدخل في هذه المعاملة الربوية. الواقع أن هذا الدليل ينبني على أن الشركة المساهمة قد اعتبرت شركة عنان كما ذكره فقهاؤنا، والذي ينبغي أن نتنبه له هو أن الشركة المساهمة اليوم لا تدخل في إحدى الأقسام الأربعة من الشركة التي ذكرها الفقهاء في كتبهم، لا هي شركة مفاوضة ولا هي شركة عنان ولا هي شركة وجوه ولا ثنايا لا تدخل في أحد من هذه الأقسام إنما هي قسم جديد، فلا تطبق عليه جميع الأحكام التي ذكرها الفقهاء في كتبهم حول هذه الأقسام الأربعة. هذا قسم مستحدث لا ينبغي أن نطبق عليه جميع الأحكام التي ذكرها الفقهاء في الأقسام الأربعة، صحيح أن الشريك يكون وكيلًا لشريكه ولكن الوكالة لها درجات، هل هي وكالة عامة، أو وكالة في شيء مخصوص؟ فإن اشتريت سهمًا في إحدى شركات المساهمة وصرحت في الجمعية العمومية بأنني لا أقبل معاملة ربوية ولا أرضى بها فكيف يقال أني موكل لتلك الشركة المساهمة ووكلتها للدخول في معاملة ربوية؟ فما دمت صرحت في الجمعية العمومية بأني غير راض على أية معاملة ربوية فإن الشركة المساهمة لو دخلت في معاملة ربوية فإنها لا يجوز أن تنسب إليَّ. فمن هذه الناحية لا نستطيع أن نقول: إن شراء السهم حرام من حيث إنه يكون توكيلًا للشركة في معاملات ربوية.
والنقطة الأخرى التي يجب أن ننتبه لها هي أن – كما ذكر فضيلة الدكتور عبد السلام العبادي – حفظه الله أن كمية المال التي تقترضها هذه الشركات المساهمة على أساس الفائدة ربما تتضاعف عن رأس مالها ولكن ينبغي أن نفرق بين حالتين: الاقتراض على أساس الفائدة حرام لا شك فيه ولكن من اقترض أموالًا على أساس الفائدة ثم استربح فيها وشغلها في التجارة وحصل منها على عوائد هل تحرّم تلك العوائد؟ هل تحرّم تلك الأرباح؟ نعم إنه ارتكب حرامًا صريحًا ويعاقب عليه في الآخرة ولكن إذا شغل هذه الأموال بطريق مباح وحصل من طريق ذلك على أرباح فإن تلك الأرباح تكون حلالًا، تكون جائزة استعمالها وإلَّا صارت جميع ما نستعمله في حياتنا اليومية حرام. الشركات المساهمة قد دخلت في حياتنا في المطاعم التي نأكلها، في الملابس التي نلبسها، في المراكب التي نركبها، وفي المساكن التي نسكنها، فلو قلنا: إن من اقترض مالًا على أساس الفائدة ثم شغله في التجارة فتكون الأرباح كلها حرامًا فتصير هذه الأشياء كلها حرامًا. فالقاعدة الفقهية المعروفة أنه من اقترض على أساس الربا فإنه ارتكب حرامًا ولكن بعد الاقتراض ملك ذلك المال وما ربح من ذلك المال فإنه لا يقال فيه إنه حرام، فلذلك لا نستطيع أن نقول: إن معظم أموال الشركة المساهمة حصلت عن طريق حرام، نعم هنالك أموال توجد هذه الشركات المساهمة في البنوك الربوية وتحصل منها على فائدة ويمكن التخلص منها بأن من اشترى هذا السهم يتصدق بنسبة الأرباح التي حصلت الشركة المساهمة عن هذا الطريق الحرام يتصدق بهذه النسبة.
بناء على هذا الذي أميل إليه وأراه وأدين الله تعالى عليه هو أن شراء هذه الأسهم يجوز بشروط ثلاثة:
الأول: أن تكون الشركة المساهمة نشاطها الجوهري حلال.
الثاني: يجب على مشتري السهم أن يدفع صوته في الجمعية العمومية ضد المعاملات الربوية.
الثالث: ما حصل من الربح عن طريق هذا السهم فإنه يتصدق بالنسبة التي حصلت عليها الشركة عن معاملات ربوية.
وبهذه الشروط الثلاثة أميل إلى جواز شراء السهم وقد نوقش هذا الموضوع في عدة ندوات والذي أريد أن أقترحه على رئاسة المجمع أنه لو اتخذ قرار في هذا الموضوع في هذه الدورة فإني أرجو أن يكون بعد التصويت على هذا الموضوع لأنه موضوع مهم جدًّا ويؤثر على حياتنا الاقتصادية ونشاطنا الاقتصادي فينبغي أن تطرح الصورة بصورة واضحة ويطرح للتصويت ثم يتخذ القرار. والله سبحانه أعلم.
الشيخ صالح:
بسم الله الرحمن الرحيم.
قال الله سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] .
وإذا كان الفقهاء – رحمهم الله – في شأن مشاركة الكتابي – اليهودي والنصراني – قال الشافعية: تكره مشاركة اليهودي والنصراني لأنهم يستحلون الربا والربا لا يحل. وقال المالكية – ونحو قولهم قال أحمد -: لا تجوز مشاركته إلَّا أن يلي المسلم التصرف أو ألَّا ينفرد الكتابي بالمال، خشية أن يقع في الربا. فإذا كان الفقهاء قد حذروا ومنعوا من مشاركة غير المسلم للمسلم ولم يأذنوا له بإطلاق التصرف في الإدارة خشية من الوقوع في الربا، فكيف نجيز أن تودع الشركات بفوائد ربوية أو تأخذ تسهيلات ربوية؟ وإذا كان الفقهاء – أيضًا – قالوا في السبب الباعث على العقد: إنه يحرم العقد ويبطل إذا كان السبب الباعث عليه محرمًا كبيع العنب لمن يتخذه خمرًا – لمن يعصره خمرًا – مع أنه قد لا يعصره خمرًا، وكبيع السلاح في أيام الفتنة ولقطاع الطرق. إذا كانوا حرموا العقد وأبطلوه وأصله جائز، فبيع العنب أو التمر جائز ومع هذا منعوه فكيف نجيز صورة واضحة فيها الربا؟ أما مسألة إخراج نصيبه من الحرام وتقديره فهذا قال به الفقهاء لكن هذا يتوب لمن أراد أن يتوب وأن يخلص أمواله من الربا. شخص وقع في أمر محرم أو في ربا واختلط ماله بالحرام يميز قدر هذا من قدر هذا، لكن لا يكون هذا في إنسان يعلم أن الشركة تتعامل بالفوائد الربوية ويشتري أسهمها أو يشارك في أسهمها. هذا الذي قاله الفقهاء هو في إنسان وقع خطأ أو جهلًا بأمر من الأمور فتبين له مستقبلًا أنه حرام كيف يطهر ماله؟ يتخلص بإخراج الحرام ثم إن هذا لا يجيز له أن يعيد الكرّة تلو الكرّة وإنما هي توبة وإخراج لهذا الجزء، أما أن يخرج كل مرة وكل سنة فهذا لم يقل به الفقهاء. أما ما قاله البعض من الإخوة الأفاضل من إمكانية تجويز هذا للحاجة ولأن كثيرًا من الناس لا يستطيعون أن ينموا أموالهم إلَّا بطريق توظيفها في هذه الشركات، لماذا لا تكون شركات سليمة من الربا؟ وهل كل الشركات القائمة حاليًّا تتعامل بالفوائد الربوية؟ ثم إنه ماذا تريد البنوك الربوية أكثر من أن يصدر لها فتوى بجواز مثل هذا؟! إذا وافق أو رأى بعض المشائخ جواز استثمار الأسهم في الشركات التي تودع أموالها بفوائد ربوية أو تقترض بفوائد ربوية ماذا بقي بعد هذا؟ وماذا تريد البنوك الربوية أكثر من هذا؟
هذا ما أحببت أن أضيفه وصلَّى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الرئيس:
في الواقع أن الشيخ صالح أشار إلى نقطة مهمة وهي التي تقضي أن تنزل نصوص الفقهاء منازلها، وهو أن كلام الفقهاء في مثل هذه فيما إذا وقع إنسان وأراد أن يتوب أو أن يرجع إلى الله، أما أن يستقبل في حياته معاملة يعرف سلفًا أنها تتعامل بما حرّم الله فكلامهم لا ينسحب على مثل هذه الصورة وإنما ينسحب على من وقع، كيف ينتشل مما وقع فيه؟
الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
حضرات أصحاب الفضيلة المشائخ من أعضاء وخبراء لن أتدخل في هذا الموضوع لاعتقادي أنه قد أخذ حظه وأن النقاش قد طال فيه وأن وجهات النظر واضحة وأن لجنة الصياغة – بإذن الله – ستتولى جمع واستحضار كل ما قيل وكل ما قدّم في ندوة البحرين أولًا ثم ما عرض هنا وما استفدناه من الدراسات التي قدمت، فبعد الصياغة كما تفضل الشيخ تقي العثماني – جزاه الله خيرًا – تقع مناقشة هذه الصياغة لإعطائها الشكل المناسب والوجهة التي يراها المجمع ولو أدى الأمر إلى التصويت، هذه ناحية.
الناحية الثانية التي أردت أن أشير إليها ليست متعلقة بهذا الموضوع ولكنها تتعلق بكل الموضوعات واسمحوا لي بهذا التدخل الذي يخرجنا عن ما نحن فيه الآن. هذا الموضوع هو أن الدراسات التي تقدم، أكثرها لا يعود أصحابها إلى قراءتها فتأتي فيها أخطاء مطبعية أو سهو ويأتي فيها عدم التوثيق وتأتي فيها أشياء كثيرة حتى في بعض الأحيان تغيير الآيات وتحريف للكلام عن موضعه وكذلك الأحاديث التي يستشهد بها يؤخذ منها كلمة ولا ينبه على الأصل الذي أخذ منه ذلك الحديث، إلى آخره. فنحن – وأنتم أحرص الناس على هذا – في مجمع والدراسات التي تصدر عنا حتى اليوم نحاول أن تكون في المستوى المجمعي ولذلك فإننا نحرص ونرجو من حضراتكم أن تقدموا لنا أعمالًا قيمة – بإذن الله – نستطيع أن نعدّها للنشر أو أن نقدّمها للنشر في غاية السهولة لأني بالنسبة للعدد الأخير وهو السادس صدقوني قضينا أكثر من سنة كاملة نراجع النصوص ونصححها ونكلمها ونوثقها ثم يأتي العذاب الثاني وهو الأشد وهو عذاب المطبعة، فأرجوكم أن تعودوا ما قدمتموه من دراسات في هذه الدورة وتتعقبوه بالمراجعة حتى تكون النصوص بين أيدينا نهائية، هذا واحد.
الأمر الثاني: كثير من الإخوة خارج البلاد العربية سواء من المسلمين أو من غير المسلمين يطالبون أو يريدون التطلع والتعرف على نشاط المجمع وعلى ما يقدم فيه من بحوث ودراسات، نحن لا نستطيع وليس في إمكاننا ماديًّا أن ننفق على الترجمة للغات الأجنبية بالنسبة لكل ما يقدم إلينا من نصوص فأنا أقترح على حضراتكم شيئًا واحدًا هو أن كل واحد قدّم بحثًا في هذه الدورة لينشر في العدد السابق ينبغي أن يكون مصحوبًا بملخص، ذلك الملخص ينقل إلى اللغة الفرنسية والإنجليزية وبذلك تكون اللغات الثلاث لغات منظمة المؤتمر الإسلامي موجودة وننقله كما يعلم فضيلة الشيخ تقي الدين – جزاه الله خيرًا – وقد أعاننا إعانة كبيرة نقلنا القرارات إلى الأردية وسننقلها إلى الفارسية وإلى غيرها من اللغات بإعانتكم. وشكرًا لكم على هذا الاهتمام.
الدكتور على أحمد السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
أولًا بالنسبة للشركات بعض الشركات المساهمة لا تدخل في هذه الشركات هي شركة عنان بكل ما فيها، المال للشركاء جميعًا والعمل يقوم به الموظفون ويأخذون أجورهم من أصحاب المال ومجلس الإدارة يأخذ مكافأته من أصحاب المال والضمان على أصحاب المال. إذن هي شركة عنان بجميع جوانبها لا ينقصها شيء إطلاقًا. شركات المساهمة شركات عنان ولكن غاية ما هناك أنهم لا يقومون بالعمل بأنفسهم وإنما يستأجرون من يقوم بهذا العمل فكأنهم هم الذي يقومون بهذا العمل.
الأمر الآخر وهو مسألة أن الحرام يقع على مجلس الإدارة وعلى المدير وعلى الهيئة هذه نعم ولكن ليس عليهم وحدهم لأنهم أجراء، يعملون بأجر لدى المساهمين ولذلك المساهمون هم الذين يقولون لهم افعلوا كذا أو لا تفعلوا كذا، هم الذين يعينونهم وهم الذين يفصلونهم. إذن المساهمون هم الذين يقع عليهم الحرام أصلًا وهؤلاء يقع عليهم تبعًا إذا قلنا الأصل والتبع فالأصل على المساهمين ومجلس الإدارة غير هؤلاء لأن المساهمين يستطيعون أن يعزلوا هؤلاء جميعًا. هذا أمر.
الأمر الآخر، رفع المشقة والحرج وكذا، كل هذه الأمور هذا يبيح لنا أن نتعامل بالربا؟ رفعًا للحرج. هل أهمية الشركات في حياة المسلمين تدفعنا أن يقول المجمع: يجوز التعامل في شركات فيها ربا أي أننا نبيح الربا؟ الأمر لا بد أن ننظر إلى هذا الأشياء وأثرها في العالم الإسلامي.
كذلك مسألة أن نحول شركة ربوية إلى شركة إسلامية هذا أمر آخر، يعني لو أن أحدًا استطاع أن يشتري أسهم شركة واشترى أكثر من خمسين في المائة من أسهم الشركة فحولها إلى شركة إسلامية هذا أمر آخر ولكن الذين يستثمرون أموالهم في شركات تتعامل بالربا هؤلاء شركاء في كل ما يصدر عن هذه الشركة من أعمال سواء أكان بالإيداع أو بالاقتراض بالربا، هم الذين يقومون بهذا والمدير وغير المدير إنما هو ينفذ ما يأمره من عينه وهم هؤلاء المساهمون.
الأمر الآخر، القليل والكثير إنما قليل من الربا حرام لا يستطيع أحد أن يقول القليل من الربا حلال. نتخلص من هذا الربا كما أشار الإخوة، نص قوله تعالى:{وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} [البقرة: 279] .
فلا بد أن نبدأ أولًا بالتوبة أما الاستمرار في أخذ الربا والتخلص من الربا والاستمرار والأخذ والتصرف، هذا يعارض نص كتاب الله تعالى.
الشركات ذات الأهمية البالغة لو قلنا بأن هذه نبيحها في المجتمعات الإسلامية وأن تقوم وفيها التعامل بالربا. إذن كيف يتحول المجتمع المسلم إلى إنشاء شركات إسلامية؟ لو قال هنا من البداية: إن شركات البنوك الربوية ضرورة ولا بد أن نبقيها ولا اقتصاد بغير بنوك ولا بنوك بغير فوائد لو قلنا هذا وسكتنا إذن ما كانت البنوك الإسلامية لتقوم، وكذلك بالنسبة للشركات لو قلنا: يجوز للمسلم أن يتعامل مع هذه الشركات مع وجود الربا وإنما يحسب الربا، ويخرج الربا، إذن لا تقوم شركات إسلامية ولا بد إذن أن نكون في هذا الوعي. المسألة إذا أحللنا هذا معناه أننا سنحل حرامًا بينًا وهو الربا.
الحرام لذاته والحرام لغير ذاته. هنا مسألة الاضطرار ليست حرامًا في ذاتها ولكن جاء من طريق حرام، هل هذا يعني أن الاضطرار إذا جاء من طريق حرام وهو في ذاته ليس حرامًا أنه يحل لمسلم أن يأخذه أو أن يتعامل به؟ ما الفرق إذن بين خنزير ودينار جاء من الربا؟ هذا حرام وهذا حرام في نظر الشرع سواء أكان هذا في ذاته أو ليس في ذاته. الدينار من الربا حرام في ذاته وإن كان الدينار نفسه ليس نجسًا إنما في ذاته لأنه جاء من طريق ربوي، هو حرام في ذاته.
الشروط التي وضعها فضيلة الشيخ الأخ الكريم الشيخ تقي، أن يكون نشاطها الجوهري حلالًا، والجزء الحرام ورفع الصوت بأنه لا يوافق على المعاملات الربوية، ولكن هي المعاملات قائمة وعندما دخل عرف أن المعاملات الربوية قائمة وقبل هذا، ونريد أن نصدر فتوى بأن نقول له: أقدم ولا تخف هذا حلال. إذن هنا رفع الصوت وحده لا يكفي لأنه يعلم أن هذا حرام وإذا رفع صوته ولم يستطع أن يغيّر فكيف نقول له هذا حلال وادخل هنا وهذا حلال؟
التصدق بالأموال الربوية كما أشار الأخ، إذن أيها الإخوة أرجو ونحن نبحث هذه الموضوعات ألا يضغط علينا الواقع المعاصر المؤلم الذي لم نضعه نحن وإنما وضعه غيرنا ألَّا يضغط علينا لنصدر فتوى تحل حرامًا بينًا مهما قل لأن درهم ربا كما أشار فضيلة الأخ الكريم درهم ربا واحد أشر من كذا زنية، إذن هنا أرجو أن نراعي هذا. والله عز وجل هو الأعلم بالصواب.
القاضي محمد تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أريد أن أذكر، ذكر أحد الإخوة أن الفقهاء قالوا: مشاركة اليهودي والنصراني لا تجوز، ومما أريد أن أذكره هنا أن فقهاء الحنفية ومنهم السرخسي ذكر في مبسوطه أنه تجوز المشاركة مع اليهودي والنصراني، وذكر أنه يكره تنزيهًا. فما دام هناك قول من أحد الفقهاء وييسر على الناس في مثل هذه المسألة التي دخلت في حياتنا فنستطيع أن نأخذ بهذا القول وموجود في مبسوط السرخسي أنه ذكر أنه يكره تنزيهًا. وشكرًا.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم.
بهذا تنتهي المداولات حول الأسهم وتعلمون أنه في ندوة البحرين وفي الندوة التي عقدها مجمع الفقه هنا اتفقت جميعها على جميع مفردات المسائل في الأسهم ما عدا المسألة الأخيرة التي طرحت للنقاش اليوم وأخذت حظًّا كبيرًا منه فإنه في ندوة البحرين توقفوا فيها حتى مزيدًا من البحث، وأما في الندوة التي عقدت في المجمع هنا فإنهم أبدوا رأيا باتًّا بها ومحضر الندوتين موجودان – إن شاء الله – وستكون بين يدي اللجنة للأسواق المالية ويضاف إليها الشيخ علي السالوس. وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
القَرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم: 65/1/7
بشأن
الأسواق المالية
إن مجلس الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 7 إلى 12 ذي القعدة 1412هـ الموافق 9-14 مايو 1992م.
بعد إطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: " الأسواق المالية " الأسهم، الاختيارات، السلع، بطاقة الائتمان.
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله.
قرر:
أولًا – الأسهم:
1-
الإسهام في الشركات:
(أ) بما أن الأصل في المعاملات الحل فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مشروعة أمر جائز.
(ب) لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم، كالتعامل بالربا أو إنتاج المحرمات أو المتاجرة بها.
(ج) الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحيانًا بالمحرمات، كالربا ونحوه، بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة.
2-
ضمان الإصدار (UNDER WRITING) :
ضمان الإصدار: هو الاتفاق عند تأسيس شركة مع من يلتزم بضمان جميع الإصدار من الأسهم، أو جزء من ذلك الإصدار، وهو تعهد من الملتزم بالاكتتاب في كل ما تبقى مما لم يكتتب فيه غيره وهذا لا مانع منه شرعًا إذا كان تعهد الملتزم بالاكتتاب بالقيمة الاسمية بدون مقابل لقاء التعهد، ويجوز أن يحصل الملتزم على مقابل عن عمل يؤديه – غير الضمان – مثل إعداد الدراسات أو تسويق الأسهم.
3-
تقسيط سداد قيمة السهم عند الاكتتاب:
لا مانع شرعًا من أداء قسط من قيمة السهم المكتتب فيه وتأجيل سداد بقية الأقساط، لأن ذلك يعتبر من الاشتراك بما عجل دفعه، والتواعد على زيادة رأس المال، ولا يترتب على ذلك محذور لأن هذا يشمل جميع الأسهم، وتظل مسؤولية الشركة بكامل رأس مالها المعلن بالنسبة للغير، لأنه هو القدر الذي حصل العلم والرضا به من المتعاملين مع الشركة.
4-
السهم لحامله:
بما أن المبيع (السهم لحامله) هو حصة شائعة في موجودات الشركة وأن شهادة السهم هي وثيقة لإثبات هذا الاستحقاق في الحصة فلا مانع شرعًا من إصدار أسهم في الشركة بهذه الطريقة وتداولها.
5-
محل العقد في بيع السهم:
إن المحل المتعاقد عليه في بيع السهم هو الحصة الشائعة من أصول الشركة، وشهادة السهم عبارة عن وثيقة للحق في تلك الحصة.
6-
الأسهم الممتازة:
لا يجوز إصدار أسهم ممتازة لها خصائص مالية تؤدي إلى ضمان رأس المال أو ضمان قدر من الربح أوتقديمها عند التصفية، أو عند توزيع الأرباح.
ويجوز إعطاء بعض الأسهم خصائص تتعلق بالأمور الإجرائية أو الإدارية.
7-
التعامل في الأسهم بطرق ربوية:
(أ) لا يجوز شراء السهم بقرض ربوي يقدمه السمسار أو غيره للمشتري لقاء رهن السهم، لما في ذلك من المراباة وثوثيقها بالرهن وهما من الأعمال المحرمة بالنص على لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه.
(ب) لا يجوز أيضًا بيع سهم لا يملكه البائع وإنما يتلقى وعدًا من السمسار بإقراضه السهم في موعد التسليم، لأنه من بيع ما لا يملكه البائع، ويقوي المنع إذا اشترط إقباض الثمن للسمسار لينتفع به بإيداعه بفائدة للحصول على مقابل الإقراض.
8-
بيع السهم أو رهنه:
يجوز بيع السهم أو رهنه مع مراعاة ما يقتضي به نظام الشركة، كما لو تضمن النظام تسويغ البيع مطلقًا أو مشروطًا بمراعاة أولوية المساهمين القدامى في الشراء، وكذلك يعتبر النص في النظام على إمكان الرهن من الشركاء برهن الحصة المشاعة.
9-
إصدار أسهم مع رسوم إصدار:
إن إضافة نسبة معينة مع قيمة السهم، لتغطية مصاريف الإصدار، لا مانع منها شرعًا ما دامت هذه النسبة مقدرة تقديرًا مناسبًا.
10-
إصدار أسهم بعلاوة إصدار أو حسم (خصم) إصدار:
يجوز إصدار أسهم جديدة لزيادة رأس مال الشركة إذا أصدرت بالقيمة الحقيقية للأسهم القديمة (حسب تقويم الخبراء لأصول الشركة) أو بالقيمة السوقية.
11-
ضمان الشركة شراء الأسهم:
يرى المجلس تأجيل إصدار قرار في هذا الموضوع لدورة قادمة لمزيد من البحث والدراسة.
12-
تحديد مسؤولية الشركة المساهمة المحدودة:
لا مانع شرعًا من إنشاء شركة مساهمة ذات مسؤولية محدودة برأس مالها، لأن ذلك معلوم للمتعاملين مع الشركة وبحصول العلم ينتفي الغرر عمن يتعامل مع الشركة.
كما لا مانع شرعًا من أن تكون مسؤولية بعض المساهمين غير محدودة بالنسبة للدائنين بدون مقابل لقاء هذا الالتزام. وهي الشركات التي فيها شركاء متضامنون وشركاء محدودو المسؤولية.
13-
حصر تداول الأسهم بسماسرة مرخصين، واشتراط رسوم للتعامل في أسواقها:
يجوز للجهات الرسمية المختصة أن تنظم تداول بعض الأسهم بأن لا يتم إلَّا بواسطة سماسرة مخصوصين ومرخصين بذلك العمل لأن هذا من التصرفات الرسمية المحققة لمصالح مشروعة.
وكذلك يجوز اشتراط رسوم لعضوية المتعامل في الأسواق المالية لأن هذا من الأمور التنظيمية المنوطة بتحقيق المصالح المشروعة.
14-
حق الأولوية:
يرى المجلس تأجيل البت في هذا الموضوع إلى دورة قادمة لمزيد من البحث والدراسة.
15-
شهادة حق التملك:
يرى المجلس تأجيل البت في هذا الموضوع إلى دورة قادمة لمزيد من البحث والدراسة.
ثانيًا – بيع الاختيارات
صورة العقد:
إن المقصود بعقود الاختيارات الاعتياض عن الالتزام ببيع شيء محدد موصوف أو شرائه بسعر محدد خلال فترة زمنية معينة أو في وقت معين إما مباشرة أو من خلال هيئة ضامنة لحقوق الطرفين.
حكمه الشرعي:
إن عقود الاختيارات – كما تجري اليوم في الأسواق المالية العالمية – هي عقود مستحدثة لا تنضوي تحت أي عقد من العقود الشرعية المسماة.
وبما أن المعقود عليه ليس مالًا ولا منفعة ولا حقًّا ماليًّا يجوز الاعتياض عنه فإنه عقد غير جائز شرعًا.
وبما أن هذه العقود لا تجوز ابتداءً فلا يجوز تداولها.
ثالثاً- التعامل بالسلع والعملات والمؤشرات في الأسواق المنظمة:
1-
السلع:
يتم التعامل بالسلع في الأسواق المنظمة بإحدى أربع طرق هي التالية:
الطريقة الأولى: أن يتضمن العقد حق تسليم المبيع وتسلم الثمن في الحال مع وجود السلع أو إيصالات ممثلة لها في ملك البائع وقبضه.
وهذا العقد جائز شرعًا بشروط البيع المعروفة.
الطريقة الثانية: أن يتضمن العقد حق تسلم المبيع وتسلم الثمن في الحال مع إمكانهما بضمان هيئة السوق.
وهذا العقد جائز شرعًا بشروط البيع المعروفة.
الطريقة الثالثة: أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة في موعد آجل ودفع الثمن عند التسليم وأن يتضمن شرطًا يقتضي أن ينتهي فعلًا بالتسليم والتسلم.
وهذا العقد غير جائز لتأجيل البدلين. ويمكن أن يعدل ليستوفي شروط السلم المعروفة. فإذا استوفى في شروط السلم جاز.
وكذلك لا يجوز بيع السلعة المشتراة سلمًا قبل قبضها.
الطريقة الرابعة: أن يكون العقد على تسليم سلعة موصوفة في الذمة في موعد آجل ودفع الثمن عند التسليم دون أن يتضمن العقد شرط أن ينتهي بالتسليم والتسلم الفعليين بل يمكن تصفيته بعقد معاكس.
وهذا هو النوع الأكثر شيوعًا في أسواق السلع، وهذا العقد غير جائز أصلًا.
2-
التعامل بالعملات:
يتم التعامل بالعملات في الأسواق المنظمة بإحدى الطرق الأربع المذكورة في التعامل بالسلع.
ولا يجوز شراء العملات وبيعها بالطريقتين الثالثة والرابعة.
أما الطريقتان الأولى والثانية فيجوز فيهما شراء العملات وبيعها بشرط استيفاء شروط الصرف المعروفة.
3-
التعامل بالمؤشر:
المؤشر هو رقم حسابي يحسب بطريقة إحصائية خاصة يقصد منه معرفة حجم التغير في سوق معينة. وتجري عليه مبايعات في بعض الأسواق العالمية.
ولا يجوز بيع وشراء المؤشر لأنه مقامرة بحتة وهو بيع شيء خيالي لا يمكن وجوده.
4-
البديل الشرعي للمعاملات المحرمة في السلع والعملات:
ينبغي تنظيم سوق إسلامية للسلع والعملات على أساس المعاملات الشرعية وبخاصة بيع السلم والصرف والوعد بالبيع في وقت آجل والاستصناع وغيرها.
ويرى المجمع ضرورة القيام بدراسة وافية لشروط هذه البدائل وطرائق تطبيقها في سوق إسلامية منظمة.
رابعًا – بطاقة الائتمان:
تعريفها:
بطاقة الائتمان هي مستند يعطيه مصدره لشخص طبيعي أو اعتباري – بناء على عقد بينهما – يمكنه من شراء السلع أو الخدمات ممن يعتمد المستند دون دفع الثمن حالًا لتضمنه التزام المصدر بالدفع. ومن أنواع هذا المستند ما يمكن من سحب نقود من المصارف. ولبطاقات الائتمان صور:
- منها ما يكون السحب أو الدفع بموجبها من حساب حاملها في المصرف وليس من حساب المصدر فتكون بذلك مغطاة. ومنها ما يكون الدفع من حساب المصدر ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية.
- ومنها ما يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع خلال فترة محددة من تاريخ المطالبة. ومنها ما لا يفرض فوائد.
- وأكثرها يفرض رسمًا سنويًّا على حاملها ومنها ما لا يفرض فيه المصدر رسمًا سنويًّا.
وبعد التداول قرر المجلس تأجيل البت في التكييف الشرعي لهذه البطاقة وحكمها إلى دورة قادمة لمزيد من البحث والدراسة.
والله أعلم