المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌البيع بالتقسيطالمحور الثاني: الحطيطة والحلولإعدادالدكتور رفيق يونس المصري - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السابع

- ‌بحثالأسوَاق المالِيَّةفيمِيزان الفقه الإسلَاميإعدَادالدكتور علي محيي الدّين القره داغي

- ‌الأسهم، الاختِيارات – المستَقبَليّاتأنواعهَا وَالمعامَلات التي تجري فيهَاإعدَادالدكتور محمَّد علي القري بن عيد

- ‌الاختِياراتإعدادفضيلة الشيخ محمّد المختار السّلامي

- ‌عقُود الاختياراتإعدَادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الاختِياراتإعدَادفضيلة الدكتور الصديق محمّد الأمين الضرير

- ‌الاختِياراتدَراسَة فِقهيّة تحليليّة مُقَارنَةإعدَادعَبد الوهاب ابراهيم أبو سليمان

- ‌الاختيارَات في الأسوَاق الماليَّةفي ضَوء مُقرّرات الشريعَة الإسلَاميِّةإعدَادالدكتور عبد الستار أبو غدّة

- ‌عقُود المستَقبليات في السّلعفي ضَوء الشّريعَةِ الإسلاميَّةإعداَدالقاضي محمَّد تقي العثماني

- ‌بطَاقَة الائتمان وَتكييفها الشَّرعيإعدادالدكتور عبد السّتار أبُوغُدَّة

- ‌بطَاقات الائتمانإعدَادالدكتور محمَّد علي القري بن عيد

- ‌بِطاقَة الائتِماندرَاسة شرعِيَّة عَمليَّة مُوجَزةإعدَادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌المشاركة في شركات أصل نشَاطها حَلَالإلاّ أنّهَا تتعَامل بالحَرامإعدَادالشيخ عبد الله الشيخ محفوظ بن بية

- ‌التعامُل مَع شركات تَقوُم بأعمال مَشروعَةوَتتعامَل مَع البُنوُك بالفَوائدإعداَدفضيلة الشيخَ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بية

- ‌بَحثٌ عَن بَطاقات الائتمان المصرفيّةوالتكييف الشرعي المعمُول به فيبَيت التمويل الكويتي

- ‌دَراسَة مُقَدّمة إلىالنّدوة الثانِية للأوَراقِ المالِيّةمِن بنك البحَرين الإسلَاميحَولتَحرير محافظ الأوَراق الماليّة للبُنوك الإسلاميّةمِن المَالِ المشتبَه في حِلِّهوَالمعالجَة المالية المقترحَة لعَزل أثر التعَامُل بالفَائدةعَلى عَائداتِ الأسهُم

- ‌أسئلة عَلى الأسهم وَالاختيارات وَالمستَقَبليّاتمُقَدّمَة مِنَ البنك الإسلامي للتَنميَة

- ‌التّوصيَات الصَّادرة عَن النَّدوة الفِقهيَّة الاقتصَاديَّةالمنعقدَة بَينمجمَع الفِقِه الإسلَامي وَالبنك الإسلَامي للتِنميَة

- ‌البَيَان الخِتامي وَالتّوصيَاتللنّدوة الثانيَة للأِسَواقِ المالِيَّةالمنعقدَة بدَولة البحَرين

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الأول: (المداينة ونظرة الإسلام إليها) .المحور الثاني: (بين صلح الحطيطة وحسم الكمبيالة) .المحور الثالث: (ضابط الإعسار الذي يوجب الإنظار) .إعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌أحكام البيع بالتقسيطوسائله المعاصرة في ضوء الفقه الإسلاميإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الثاني: الحطيطة والحلولإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌توثيق الدين والمعاملات المالية الأخرىإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الثانيتوثيق الدين في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌عقد الاستصناعومدى أهميته فيالاستثمارات الإسلامية المعاصرةإعدادفضيلة الشيخ مصطفي أحمد الزرقاء

- ‌عقد الاستصناعإعدادالأستاذ الدكتور علي السالوس

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الاستصناع ودوره فيالعمليات التمويلية المعاصرةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌أثر الاستصناعفي تنشيط الحركة الصناعيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌عقد الاستصناعإعدادفضيلة الشيخ كمال الدين جعيط

- ‌الاستصناع والمقاولاتفي العصر الحاضرإعداد فضلة الشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الاستصناعتعريفه - تكيفه - حكمه - شروطهأثره في تنشيط الحركة الاقتصاديةإعدادالدكتور سعود بن مسعد بن مساعد الثبيتي

- ‌عقد الاستصناعوعلاقته بالعقود الجائزةإعدادالدكتور محمد رأفت سعيد

- ‌بيع الوفاء وعقد الرهنإعدادفضيلة الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌ موضوع بيع الوفاء

- ‌بيع الوفاءإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌بيع الوفاء عند الإماميةإعدادحجة الإسلام الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌(مدى انتفاع الاقتصاد من بيع الوفاء)أوتوظيف بيع الوفاء في اقتصاد العصرإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الوفاء بما يتعلق ببيع الوفاءشيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بيرم الثاني(المتوفى 1247هـ)تقديم وتحقيقمحمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌بيع الوفاءفي الفقه الإسلاميإعدادمحيي الدين قادي

- ‌بيع الوفاءإعدادد. عبد الله محمد عبد الله

- ‌أحكام الرهنوحكم الإنتفاع بالمرهونإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌بيع الوفاء وحكمهإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌بيع الوفاءإعدادفضيلة الشيخ المفتي محمد رفيع العثماني

- ‌بيع الثنيا أو بيع الوفاءإعدادالأستاذ محمود شمام

- ‌عقد الرهنوأوجه الشبه بينه وبين عقد الوفاءإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العلاج الطبيمبحث التداويإذن المريض وعلاج الحالات الميئوس منهاإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌حكم التداوي في الإسلامإعدادالدكتور علي محمد يوسف المحمدي

- ‌العلاج الطبيإعدادالدكتور محمد عدنان صقال

- ‌الحقوق الدولية في الإسلامإعدادفضيلة الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌المعاهدات والاتفاقاتمنالعلاقات الدولية في أثناء السلمإعدادسماحة الدكتور عبد العزيز الخياط

- ‌أصول العلاقات الدوليةبين الإسلام والتشريعات الوضعيةإعدادالدكتور محمد الدسوقي

- ‌السلم، والحرب، والعلاقات الدوليةفي الإسلامإعدادالدكتور محمد رأفت سعيد

- ‌رسالةمعالي الدكتور محمد معروف الدواليبيحولالغزو الفكري

- ‌دراسة حول الغزو الثقافي للعالم الإسلاميبداياته، دوافعه، أبعاده، سبل مواجهتهإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الغزو الفكريفي المعيار العلمي الموضوعيإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الغزو الفكري وأساليب المواجهةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الغزو الفكريإعدادالدكتور أبو بكر دكوري

- ‌الغزو الفكرىفى التصور الإسلامىإعدادالدكتور أحمد عبد الرحيم السايح

- ‌المسلمون وتحديات الفكر المعاصرإعدادالشيخ القاسم البهيقي المختار

- ‌الغزو الفكري في حياة المسلمينمنافذ دخُوله.. وَوَسَائل مُقاومتهإعدادالدكتور عُمَر يُوسف حَمزة

الفصل: ‌البيع بالتقسيطالمحور الثاني: الحطيطة والحلولإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

‌البيع بالتقسيط

المحور الثاني: الحطيطة والحلول

إعداد

الدكتور رفيق يونس المصري

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد:

فإن المقصود بالحطيطة، في هذا البحث، هو خصم الديون المؤجلة الناشئة عن بيوع التقسيط، أو خصم الأوراق التجارية لدى المصارف، وإعطاء القيمة الحالية للخاصم، في مقابل الحصول على القيمة الاسمية في الأجل. والمقصود بالحلول هو حلول الديون (المؤجلة) بالموت أو الإفلاس أو المماطلة.. إلخ.

وهذان المبحثان: الحطيطة والحلول، إنما نعرض لهما في نطاق بيع التقسيط، واستكمالًا لمباحثه، وفي كل منهما تنضيض (= تسييل) للدين، أي تعجيل (تعجيل دفع) . وهذا التعجيل إنما أن يكون بعقد (حالة الخصم المصرفي أو تعجيل الدفع أو المماطلة) أو بحكم (حالة الموت أو الإفلاس) .

والسؤال المطروح ههنا: هل يجوز الوضع (= الحط، الحطيطة) للتعجيل في كل الحالات؟ أم يمتنع، أم يجز في بعضها دون البعض الآخر؟ هذا ما سنتعرض له بشكل أساسي في هذه الورقة.

ولئن عرضنا لبيع التقسيط، في ورقة سابقة، من زاوية الزيادة للتأجيل (الجزء الأول) ، فإننا نعرض له هنا من زاوية الحطيطة للتعجيل (الجزء الثاني) ، والله المستعان.

ص: 623

الفصل الأول

البيع بالتقسيط ونظرة الإسلام إلى المداينة

1-

1- البيع بالتقسيط هو بيع بالدين:

في البيع بالتقسيط يُسَلّم البائع المبيع معجلًا، ويسلم المشتري الثمن كله أو بعضه مؤجلًا، أي قد تكون هناك دفعة مقدمة، والباقي يدفع في أجل محدد أو آجال محددة. فالثمن المؤجل هو دين للبائع في ذمة المشتري.

1-

2 تعريف الدين:

قال ابن الهمام: (الدين اسم لمال واجب في الذمة، يكون بدلًا عن مال أتلفه، أو قرض اقترضه، أو مبيع عقد بيعه، أو منفعة عقد عليها)[فتح القدير: 5/431] .

وقال القرطبي: (حقيقة الدين عبارة عن كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقدًا (= معجلًا) ، والآخر في الذمة نسيئة، فإن العين عند العرب ما كان حاضرًا والدين ما كان غائبًا) [الجامع لأحكام القرآن: 3/377، ومثله في تكملة المجموع، للمطيعي: 13/97] .

1-

3- أشكال المداينة:

1-

القرض: وهو أخص من الدين [حاشية ابن عابدين: 5/157] ، يدفع فيه المقرض إلى المقترض مبلغًا من المال، يلتزم المقترض برد مثله إليه عند المطالبة أو عند اليسر (قرض حال) ، أو في وقت محدد (قرض مؤجل عند من يرى جواز التأجيل) .

[انظر: فتح الباري: 5/66 و 5/352 و 4/469 و 472؛ ومصنف عبد الرزاق: 8/3؛ ومصنف ابن أبي شيبة: 6/432؛ وشرح السنة للبغوي: 8/176؛ والأحكام لابن حزم: 5/47 و 8/494؛ ومجموع فتاوى ابن تيمية: 20/32؛ وإغاثة اللهفان لابن القيم: 2/47 – 48] .

2-

البيع بالأجل أو بالتقسيط: يكون فيه الثمن كله أو بعضه دينًا في ذمة المشتري، مؤجلًا إلى أجل معلوم، أو إلى آجال معلومة.

3-

بيع السلم (= بيع السلف) : يكون المبيع فيه دينًا في ذمة البائع، مؤجلًا إلى أجل معلوم، أو إلى آجال معلومة.

4-

وهناك أشكال أخرى من الديون، كالمهر المؤجل، والأجرة المؤجلة،.. إلخ.

ص: 624

1-

4- مشروعية الدين:

الدين مشروع لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} [البقرة: 282] .

ولقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: 11] .

وفي الحديث ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعامًا إلى أجل، ورهنه درعًا له من حديد)) [صحيح البخاري: 3/101 و 186؛ وصحيح مسلم بشرح النووي: 4/123 واللفظ له] .

وفي الحديث أيضًا: (من أسلف

فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) [صحيح مسلم: 4/124] .

وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقترض الإبل وغيرها [صحيح البخاري: 3/153] .

1-

5- حرمة الربا:

إذا كان الدين مشروعًا، والقرض منه مستحبًّا، فإن الربا حرام، لقوله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] .

وفي الحديث: ((لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه)) [صحيح مسلم: 4/110؛ وصحيح البخاري: 3/77] .

فالربا حرام في القرض. أما في البيع فتجوز الزيادة لقاء التأجيل، لكن عند استحقاق الدين، أو بعد ثبوته في الذمة، لا يجوز أي زيادة لقاء التأجيل أو التأخير. أما الحطيطة للتعجيل فحكمها هو موضع اهتمامنا في هذه الورقة، كما سيأتي:

ص: 625

1-

6- نظرة الإسلام إلى الدين:

1-

القرض مستحق لأن فيه إرفاقًا بالمقترض وتنفيسًا عنه، وقد يصبح واجبًا إذا كان طالب القرض مضطرًا والمطلوب منه قادرًا على مواساته وتفريج كربته. وإذا أعسر المقترض وجب إنظاره.

2-

البيع الآجل، سواء كان الثمن مؤجلًا (البيع بالنسيئة أو بالتقسيط) أو كان المبيع مؤجلًا (بيع السلم أو السلف) ، جائز، وقد مر الحديث النبوي في جواز كل منهما.

ويجوز في البيع الآجل الزيادة لأجل الأجل، فقد ذكر الفقهاء أن للزمن حصة من الثمن، وهو ما عنينا بإثباته في ورقة سابقة عن بيع التقسيط.

فالبيع الآجل مع الزيادة مباح، فإن تم بدون زيادة، أو بدون طلب ضمان أو رهن من المدين، كان البيع مستحبًّا، كالقرض، لما فيه من إرفاق.

3-

لكن يجب أن يعقد الدين لغرض مشروع، فلا يجوز الدين لأجل شراء خمر، أو مخدرات، أو خنزير، أو آنية ذهب أو فضة، أو ذهب أو حرير للرجال، أو لهو حرام، أو لعب قمار، أو إقراض بالربا.

4-

كما يجب أن يتوقع المُقدِمُ على الدين قدرته على الوفاء في الأجل المحدد. فإن كان بيع سلم وجب أن يغلب على ظنه قدرته على تسليم المبيع في الميعاد المضروب، وإن كان بيع نسيئة أو تقسيط وجب أن يغلب على ظنه قدرته على تسليم الثمن أو القسط أو الأجل المحدد.

5-

فيجب إذن عدم التوسع في الدين إلى الحد الذي يوقع المدين في التخلف عن السداد. فعندئذ يكون الدين ذلًّا في النهار، وهمًّا وغمًّا في الليل، وسنفرد لهذا المبحث التالي.

6-

على المدين أن ينوي وفاء الدين عند الاستدانة، وأن يهتم به بعدها.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله)) [صحيح البخاري: 3/152] .

وقال أيضًا: ((خيار الناس أحسنهم قضاء)) [صحيح البخاري: 3/153]

وقال أيضًا: ((مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ)) [صحيح البخاري البخاري: 3/155] .

وقال أيضًا: ((يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين)) . [صحيح مسلم: 4/549] .

ص: 626

7-

إذا ماطل المدين في سداد ما عليه من دين، وكان موسرًا، طالبه الدائن بالرفق أولًا، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله رجلًا سمحًا إذا

اقتضى)) [صحيح البخاري: 3/75] .

فإذا لم ينفع الرفق، أغلظ عليه بالقول، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ يتقاضاه، فأغلظ له، فهمَّ به أصحابه، فقال:((دعوه، فإن لصاحب الحق مقالًا)) [صحيح البخاري، باب في الاستقراض وأداء الديون والحجر والتفليس: 3/155] .

وقال صلى الله عليه وسلم: ((لَيُّ الواجد يحل عقوبته وعرضه. قال سفيان: عرضه، يقول: مطلتني، وعقوبته: الحبس)) [صحيح البخاري: 3/155] .

فإذا كان المدين مجهول الحال، لم يعلم يسره ولا عسره، وشك في أن له مالًا باطنًا مكتومًا، حبسه القاضي حتى يعلم حاله يسرًا أو عسرًا، فإن ظهر عسره أخرجه من الحبس، وإن ظهر يسره أبقاه فيه، لأنه صار معلوم اليسار. فإذا لم يُجْدِ الحبس، وكان له مال ظاهر، باعه القاضي عليه بما يكفي لوفاء دينه [الإفلاس في الشريعة الإسلامية، للدكتور عبد الغفار إبراهيم صالح: ص63 و 117 و 203؛ والديون المالية في الفقه الإسلامي، للدكتور سليمان العيسى ص477] .

8 – إذا ثبت عجز المدين عن السداد، أي كان معسرًا أو مفلسًا، زادت ديونه على أمواله، فلا مال له يفي به دينه (الحال) ، فلا يجوز الربا عليه، ولا استرقاقه أو بيعه في دينه. كما لا يجوز ملازمته، ولا سجنه، ولا الاعتداء عليه، أو على أحد من أقاربه. وعند الجمهور، لا يجبر على العمل، إذا كان قادرًا عليه، لاكتساب ما يفي بدينه.

9-

وقد يعطى المدين المعسر من الزكاة (مصرف الغارمين) لسداد ديونه. فإذا قصرت أموال الزكاة عن هذا، ندب الناس والدائنون إلى التصدق على المدين. قال تعالى:{وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 280] .

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" تصدقوا عليه "، فتصدق الناس عليه، فلم يبلغ ذلك وفاء دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لغرمائه (= لدائنيه) :((خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلَّا ذلك)) [صحيح مسلم: 4/64] .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أنظر معسرًا أو وضع عنه أظله الله في ظله)) [صحيح مسلم: 5/853] .

وقال لكعب بن مالك: ((ضع الشطر من دينك)) [صحيح مسلم: 4/66] .

ص: 627

1-

7- الآثار الواردة في التشديد في الدين وتعظيم أمره:

وردت أحاديث وآثار فيمن يموت وعليه دين، لا يدخل الجنة حتى يوفى عنه دينه. فهذا التخويف من أمر الدين انتهاء أدى إلى التخويف منه ابتداء. فإني أخاف من عقد الدين خوفي من عدم وفائه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، لو أن رجلًا قُتل ثم أحيي، ثم قتل ثم أحيي، ثم قتل وعليه دين، ما دخل الجنة حتى يقضى عنه دينه)) [سنن النسائي: 7/315] .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في الصلاة: ((اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم)) ، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ يا رسول الله من المغرم! قال: ((إن الرجل إذا غرم حدث فكذب، ووعد فأخلف)) [صحيح البخاري: 3/154] .

وكان يدعو: ((اللهم (

) اقض عنا الدين)) [صحيح مسلم: 5/564] ، ((اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن وضلع (= ثقل) الدين، وغلبة الرجال)) [صحيح البخاري: 8/97 و 98] .

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يمتنع عن الصلاة على ميت مات وعليه دين، ما لم يوفَّ عنه، حتى فتح الله على رسوله الفتوح، فقال:((من ترك دينًا فعليَّ، ومن ترك مالًا فلورثته)) [سنن النسائي: 4/66، وانظر: صحيح البخاري: 3/155] .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يغفر للشهيد كل ذنب إلَّا الدين)) [صحيح مسلم 4/549] .

وهذا لا يعني أن الدين ممنوع، بل يعني أن على المسلم ألا يستدين إلا عندما يكون محتاجًا إلى الدين، راغبًا في الوفاء، مهتمًّا به، ناويًا له، متوقعًا قدرته عليه في الأجل. كما يعني أن على الجماعة المسلمة (الأفراد والدولة) مساعدة المدين المعسر على وفاء دينه، قبل وفاته، وبعدها.

ص: 628

الفصل الثاني

خصم الأوراق التجارية

2-

1- توثيق الدين:

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنتُمْ بِدَيْنٍ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ولْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ولا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ ولْيُمْلِلِ الَذِي عَلَيْهِ الحَقُّ ولْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ ولا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإن كَانَ الَذِي عَلَيْهِ الحَقُّ سَفِيهًا أو ضَعِيفًا أو لا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ ولِيُّهُ بِالْعَدْلِ واسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إحْدَاهُمَا الأُخْرَى ولا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا ولا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أو كبِيرًا إلى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وأَدْنَى أَلَاّ تَرْتَابُوا إلَاّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ألَاّ تَكْتُبُوهَا وأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ ولا يُضَارَّ كَاتِبٌ ولا شَهِيدٌ وإن تَفْعَلُوا فَإنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ واتَّقُوا اللَّهَ ويُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [البقرة: 282 – 283] .

هذه الآية المعروفة بآية المداينة، اشتملت على ثلاثة أنواع من توثيق الدين: التوثيق بالكتابة، التوثيق بالشهادة، التوثيق بالرهن. فهذه الأنواع كلها تفيد في إثبات الدين والاطمئنان إلى تحصيله. يضاف إليها التوثيق بالكفالة، والتوثيق بالحوالة (على مليء) .

ص: 629

2-

2 – توثيق الدين بالأوراق التجارية:

الأوراق التجارية، عند رجال القانون، صكوك مكتوبة قابلة للتداول تمثل حقًّا نقديًا، وتستحق الدفع بمجرد الاطلاع أو في أجل قصير. وهي أداة وفاء وأداة ائتمان. وتضم: السفتجة (= الكمبيالة) ، والسند الإذني (= السند لأمر) ، والشيك.

تعرف السفتجة بأنها صك يصحبه شخص على آخر، لدفع مبلغ محدد من النقود، في تاريخ محدد.

ويعرف السند الإذني بأنه صك يتعهد به شخص لآخر بدفع مبلغ محدد من النقود، في تاريخ محدد.

ويعرف الشيك بأنه صك يسحبه شخص على آخر (مصرف) لدفع مبلغ محدد من النقود بمجرد الإطلاع.

فالأوراق التجارية من جملة وظائفها أنها ضرب من ضروب توثيق الدين بالكتابة، وضرب من توثيق الدين بالضمان. فجميع الموقعين على الورقة (ساحب الورقة وقابلها ومظهرها وضامنها الاحتياطي) مسؤولون جميعًا، وبالتضامن، أمام حاملها الذي يمكنه مطالبتهم منفردين أو مجتمعين، دون مراعاة أي ترتيب [أنظر: نظام الأوراق التجارية السعودي، على سبيل المثال، أو الكتب القانونية التي عالجت التجارية، أو أفردتها بالبحث، وهي كثيرة] .

ص: 630

2-

3 – خصائص الأوراق التجارية:

1-

قابلة للتداول، بالتظهير إذا كانت إذنيه، وبالتسليم إذا كانت لحاملها (تستخدم أداة لتسوية الديون) .

2-

تمثل حقًّا نقديًا، أي تتضمن دفع مبلغ محدد من النقود.

3-

يمكن استخدامها أداة لنقل النقود، نقلًا غير حسي، بل بواسطة الذمم، من مكان لآخر، بدون تكلفة ولا خطر، وذلك عندما تكون مستحقَّة الوفاء في مكان آخر، وهذا هو معنى السفتجة في الفقه الإسلامي.

4-

تستحق الدفع بمجرد الاطلاع كالشيك، أو في أجل قصير 1 – 6 شهور، كالسفتجة والسند (أداة ائتمان) .

وبهذه الخصيصة تخرج الأوراق المالية، الأسهم والسندات لأنها صكوك طويلة الأجل، تصدر لمدة حياة الشركة، كالأسهم، أو لمدة طويلة 10- 30 سنة، كالسندات المالية.

5-

يجري العرف على قبولها أداة وفاء، بخلاف قسائم (= كوبونات) الأسهم، فإنها وإن كانت قابلة للتداول، وتمثل مبلغًا نقديًّا، هو مقدار ربح السهم، وتستحق الدفع بمجرد تقديمها إلى الشركة المصدرة، إلَّا أن العرف لم يعتبرها أداة للوفاء.

6-

الموقعون على الورقة التجارية متضامنون، سواء كانوا تجارًا أو غير تجار. ولكن لا يحق لحامل الورقة الرجوع على الضامنين غلا بعد تقديمها للمسحوب عليه لوفائها، وبعد عمل احتجاج (= بروتستو) عدم الوفاء، إذا توقف المسحوب عليه عن الوفاء.

7-

قابلة للخصم لدى المصارف ولإعادة الخصم لدى المصرف المركزي أو مصرف آخر، مما يزيد من درجة سيولة الأوراق (تستخدم أداة للحصول على النقد) . فهي دين لطرف على طرف آخر، ولكنه قابل للتنضيض (= للتحويل إلى نقد) بالنسبة للدائن بواسطة طرف ثالث، قبل الاستحقاق.

ص: 631

2-

4- هل عرف الفقه الإسلامي الأوراق التجارية؟

إذا نظرنا في تعريف كلٍ من الكمبيالة والسند لأمر والشيك وجدنا أن هذه الأدوات ليست غريبة على الفقه الإسلامي، فهي عبارة عن صكوك بدفع مبلغ معين في تاريخ معين.

هذا وإن بعض القوانين الحديثة، كالسوري واللبناني، سمَّت الكمبيالة سفتجة، والسفتجة معروفة في الفقه الإسلامي، بحثها الفقهاء إما في باب الحوالة، وإما في باب القرض، وهي عبارة عن قرض يسدد في بلد آخر [انظر: كتابي ربا القروض، الفصل الثالث، السفتجة: ص25 – 42] .

غير أن وراء كل تعريف من تعاريف الأوراق التجارية نظامًا متكاملًا حددته القوانين الوضعية، مما قد يجعل نظام السفتجة وغيره مختلفًا في تفصيلاته عن نظامها في الإسلام. وهذا ما يستدعي دراسة فقهية مفصلة لوظائف الأوراق التجارية وإضافاتها وأحكامها، على غرار الدراسات الفقهية المتعلقة بأحكام الشركات الحديثة، وقد بدأ فعلًا بعض الباحثين بمثل هذه الدراسات [انظر: أحكام الأوراق النقدية والتجارية، لستر بن ثواب الجعيد؛ والأوراق التجارية في الشريعة الإسلامية، للدكتور محمد أحمد سراج] .

ص: 632

2-

5- خصم الأوراق التجارية:

الخصم لفظ جرى به العرف التجاري والمصرفي، ويراد به الحطيطة أو الوضيعة، وهو قيام أحد عملاء مصرف بتظهير ورقة تجارية له، لم يحن أجلها، تظهيرًا ناقلًا للملكية (التظهير ثلاثة أنواع: تظهير ناقل للملكية، وتظهير توكيلي بغرض التحصيل، وتظهير تأميني) ليحصل منه على قيمتها الحالية، وهي القيمة الاسمية مطروحًا منها ثلاثة عناصر تسمى "آجيو":

1-

الفائدة (عن المدة الواقعة بين تاريخ الخصم وتاريخ الاستحقاق) .

2-

الأجرة (أو العمولة، لتغطية النفقات العامة للمصرف) .

3-

المصاريف (مصاريف التحصيل) .

2-

6- التكييف القانوني للخصم:

هناك ثلاث نظريات:

الأولى: أن الخصم قرض بضمان الورقة التجارية.

الثانية: أن الخصم بيع حق، أو حوالة حق.

الثالثة: أن الخصم عملية ذات طبيعة خاصة (Sui Generis) .

ويهمُّنا في بحثنا هذا أنه أيا ما كان التكييف القانوني للخصم، فإن فيه قرضًا بفائدة تحسب عن المدة الواقعة بين تاريخ الخصم وتاريخ الاستحقاق.

2-

7- الخصم فيه ربا نسيئة:

في الخصم يقرض المصرف، في الحال مبلغًا من المال، يساوي القيمة الحالية للورقة التجارية، على أن يسترد في الأجل، مبلغًا أعلى منه، يساوي القيمة الاسمية للورقة، وهذا هو ربا النسيئة المحرم.

2-

8- النظر في الخصم من طريق الحوالة:

إذا نظرنا إلى الخصم على أنه حوالة حق، حيث يحيل مظهر الورقة حقه فيها إلى المصرف، في مقابل ما أقرضه المصرف، نجد أن هناك أيضًا معاوضة بين مبلغين من النقود، أحدهما حال بمبلغ معين، والآخر مؤجل بمبلغ أعلى، وهذا ربا نسيئة محرم.

ص: 633

2-

9 – النظر في الخصم من طريق بيع الدين:

يفرق الفقهاء، في بيع الدين، بين بيع الدين بمن هو عليه، وبيع الدين لغير من هو عليه.

ويمكن النظر إلى خصم الأوراق التجارية على أنه من باب بيع الدين (المؤجل) لثالث أي لغير من هو عليه هذا الدين. غير أن الفقهاء الذين أجازوا هذا البيع (المالكية) اشترطوا شروطًا لصحته، منها أن يباع الدين بغير جنسه، أو بجنسه إذا كان مساويًا له [الخرشي على خليل: 5/77؛ والزرقاني على خليل: 5/83؛ وشرح منح الجليل: 2/564؛ والبهجة شرح التحفة: 2/47] .

وفي الخصم يباع الدين بجنسه مع التفاضل: نقود بنقود أكثر منها، فهو إذن سلف ربوي، أي تجارة بالديون، والمصرف الربوي تاجر ديون.

أما الفقهاء المانعون (الحنفية، والشافعي في أحد القولين، وأحمد في إحدى الروايتين) من بيع الدين لغير من هو عليه. فقد احتجوا بأن الدين المبيع غير مقدور التسليم. فقد يجحده المدين أو يتخلف عن دفعه، فهو إذن من بيع الغرر.

[انظر في الفقه الحنفي: تبيين الحقائق: 4/83؛ والأشباه والنظائر لابن نجيم: ص358. وفيه الفقه الشافعي: نهاية الحتاج: 4/89؛ والمجموع: 9/275؛ وفتح العزيز بهامش المجموع: 8/438. وفي الفقه الحنبلي: شرح منتهى الإرادات: 2/222؛ والمبدع في شرح المقنع: 4/199؛ وكشاف القناع: 3/307؛ والمغني مع الشرح الكبير 4/342؛ والمحرر في الفقه 1/338. وانظر: التصرف في الدين، للدكتور نزيه حماد: ص46.

لكن ربما يخفف من هذا الغرر الضمانات الموجودة في نظام الأوراق التجارية، وقد أشرنا إليها لدى الكلام عن توثيق الدين (2 – 2) ، وعن خصائص الأوراق التجارية (2 –3) .

وليس يعني هذا أن الخصم يصبح جائزًا، إذ يمنع من جوازه ما ذكرناه لدى بيان رأي الفقهاء المجيزين لبيع الدين.

ص: 634

2-

10- رأي الموسوعة الفقهية الكويتية في الخصم:

(هذه المعاملة باطلة من وجهة النظر الإسلامي:

* فهي لا تصح حوالة (من المظهر للمصرف الخاصم على المسحوب عليه، ولو كان مدينًا) لفوات شريطة التساوي بين الدين المحال به والدين المحال عليه، لأن الدين المحال به هو المبلغ الذي يدفعه المصرف الخاصم إلى من قام بتظهير الورقة إليه، والدين المحال عليه هو الذي تثبته الورقة، وقد علمنا فرق ما بينهما [انظر أيضًا ص111 من الموسوعة] .

* وكذا لا تصح قرضًا من المصرف الخاصم، وتوكيلًا من المظهر في استيفاء بدل القرض من المسحوب عليه لأنه حينئذ قرض جر نفعًا، لمكان عدم التساوي، كما أسلفنا.

* ولا تصح أيضًا على بيع الدين لغير من هو عليه، عند من يصححه، لأن العوضين هنا من النقود، ولا يجوز بيع النقود بجنسها مع التفاضل، وعند اختلاف الجنس يجب التقابض (1) .

فهذه العملية (الخصم) تضاف إلى عمليات التسليف بالفائدة التي تقوم بها المصارف، ويشملها كلها نظر شرعي واحد " [الموسوعة الفقهية الكويتية: ص242 – 243] .

(1) ففي الذهب بالذهب، أو الفضة بالفضة، لا يجوز التفاضل، سواء تمت المبادلة يدًا بيد أو نَساء. وفي الذهب بالفضة يجوز التفاضل، ولكن لا يجوز النساء. وفي الخصم تفاضل ونساء، الأول لا يجوز عند اتحاد الجنس، والثاني لا يجوز عند اختلاف الجنس، ولا يجوز اجتماعهما معًا، لا عند اتحاد الجنس ولا عند اختلافه، لأن اجتماعهما يعني ربا النسيئة المحرم (هذا الهامش للكاتب لا للموسوعة) .

ص: 635

الفصل الثالث

ضع وتعجل

(الوضع أو الحطيطة للتعجيل)

3-

1- إسقاط الدائن بعض دينه:

إذا كان لأحد الدائنين دين على آخر، نتيجة قرض أو بيع، أو غيره، فأسقطه بعضه أو كله، على سبيل التبرع، عند الاستحقاق أو قبله، بدون شرط ولا اتفاق ولا مراوضة، فهذا جائز لا شيء فيه من ربا أو غيره. بل قد يكون مستحبًّا، ولاسيما إذا كانت حالة المدين تستدعي الإرفاق.

قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 280] .

فهذا يناظر ما لو زاد المدين، من تلقاء نفسه، في المبلغ المسدد، عند وفاء الدين. فإذا كان هذا يعد من باب حسن القضاء، فإن ذلك يعد من باب حسن الاقتضاء (والسماحة فيه) . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله عبدًا

سمحًا إذا قضى، سمحًا إذا اقتضى)) [فيض القدير: 4/26، ورمز له بعلامة الصحة] .

3-

2- الاتفاق على إسقاط بعض الدين في مقابل تعجيله (ضع وتعجل) :

تختلف هذه الحالة عن سابقتها بأنها من باب الاتفاق أو الشرط، في حين أن السابقة من باب التبرع بدون اتفاق ولا شرط. وحكم المعاوضات في الفقه هو غير حكم التبرعات، فالزيادة لقاء التأجيل مشروعة بلا شرط، وممنوعة بالشرط. كذلك النقصان لقاء التعجيل مشروع بلا شرط، ممنوع بالشرط (عند الجمهور) .

ص: 636

ولا فرق في الحكم بين ما إذا كان الطالب لهذا النقصان هو المدين أو الدائن، لأن هذا يدخل في الشرط والاتفاق. فالمدين يطلب الإسقاط في مقابل التعجيل، والدائن يطلب التعجيل في مقابل الإسقاط.

ومع ذلك، فإني أرى أن إسقاط بعض الدين في مقابل التعجيل جائز، ولو بالشرط أو الاتفاق، لاسيما إذا كان قد زيد في الدين في مقابل التأجيل، كما في البيوع المؤجلة.

ولست أعني بهذا أن الدين إذا لم يزد فيه للتأجيل لم يسقط منه للتعجيل، فالإسقاط للتعجيل جائز سواء كان زيد فيه للتأجيل أو لا، ذلك بأن عدم الزيادة للتأجيل، كما في البيوع المؤجلة (دون القروض) ، يعتبر تنازلًا من الدائن عن حقه.

عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج بني النضير، جاءه ناس منهم، فقالوا: يا نبي الله، إنك أمرت بإخراجنا، ولنا على الناس ديون لم تحل. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ضعوا وتعجلوا)) . [رواه الطبراني في الكبير، والحاكم في المستدرك 2/52، وقال: صحيح الإسناد. وانظر: سنن الدارقطني: 3/246؛ ومجمع الزوائد للهيثمي: 4/130؛ والمطالب العالية لابن حجر: 1/411؛ وإغاثة اللهفان لابن القيم: 3/12] .

والحطيطة (= الوضعية) للتعجيل منعها جمهور العلماء، وأجازها بعضهم كابن عباس، وزيد بن ثابت من الصحابة، ونفر من فقهاء الأمصار، وإبراهيم النخعي، وطاوس، والزهري، وأبو ثور. وعن الإمام أحمد فيها روايتان، اختار رواية الجواز شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم. كما أجازها ابن عابدين الفقيه الحنفي، وفيه قول عن الإمام الشافعي.

[انظر: مصنف ابن أبي شيبة: 7/28 – 29؛ وأحكام القرآن للجصاص: 1/467؛ والمبسوط للسرخسي: 13/126؛ وبداية المجتهد: 2/108؛ والاختيارات الفقهية لابن تيمية: ص134؛ وإغاثة اللهفان لابن القيم: 2/11، وإعلام الموقعين له أيضًا: 3/371؛ وحاشية ابن عابدين: 1/278 و 5/160 و 7/757؛ والعقود الدرية له: 12/278] .

ص: 637

3-

3- تعليل ابن عباس لجواز الحطيطة للتعجيل:

قال ابن عباس رضي الله عنهما: (إنما الربا أَخِّرْ لي وأنا أزيدك، وليس عَجِّلْ لي وأنا أضع عنك)[مصنف ابن أبي شيبة: 7/28؛ وكنز العمال: 2/235] .

يريد ابن عباس بالربا هنا: (الربا الحرام)، ذكرنا ذلك لأنه من أوائل القائلين بأن الربا ربوان: ربا حلال، وربا حرام. نقل مثله أيضًا عن عكرمة والضحاك في تفسير آية الروم 39. [انظر على سبيل المثال: تفسير الطبري: 21/47؛ والقرطبي: 14/36؛ والدر المنثور للسيوطي: 5/156؛ والماوردي: 1/289 و 3/268؛ وفتح القدير للوشكاني: 4/227؛ والآلوسي: 3/50] .

إن " أخِّر لي وأنا أزيدك " لا يجوز في القرض، عند العقد ولا عند الاستحقاق. أما في البيع فلا يجوز عند الاستحقاق (ربا حرام) ، ولكن يجوز عند العقد، حيث يزاد في الثمن لأجل التأجيل، ولا يدخل هذا في الربا الحرام.

أما " عجل لي وأنا أضع عنك " فنختار فيه الرأي القائل بجوازه، في البيع، قبل الاستحقاق، فيوضع للتعجيل ما كان قد زيد للتأجيل.

كذلك في القرض، سواء كان حالًّا، أو مؤجلًا عند من يرى جواز تأجيله، ما الذي يمنع من الوضيعة مع التعجيل، وفيه زيادة إرفاق بالمقترض؟ نعم اقترنت منفعة المقترض (الوضيعة) بمنفعة المقرض (التعجيل، وهذا جائز كما بينا في بحث السفتجة، فالسفتجة اخترنا جوازها ما دام ليس فيها مؤنة (= كلفة) على المقترض، وهذا يعني أنها جائزة من باب أولى إذا كان فيها منفعة للمقترض، ولو جرت معها منفعة للمقرض [انظر: كتابي ربا القروض، فصل السفتجة: ص28 و 29] .

ص: 638

3-

4 – تعليل ابن القيم لجواز الحطيطة للتعجيل:

ذكر ابن القيم في إعلام الموقعين 3/371، وإغاثة اللفهان 2/11، أن الحطيطة عكس الربا. وهذا صحيح في اللغة وفي الحكم. فأما في اللغة فواضح أن الحطيطة نقصان والربا زيادة، فالحطيطة إذن هي عكس الربا. وأما في الحكم فقد بينا، لدى كلامنا عن تعليل ابن عباس في المبحث السابق، أن الحطيطة للتعجيل جائزة في كل من البيع والقرض، في حين أن الزيادة للتأجيل جائزة في البيع دون القرض.

وعلى هذا يستقيم كلام ابن القيم، إذا افترضنا وصفًا محذوفًا للربا هو " الحرام "، فتصبح العبارة: الحطيطة عكس الربا "الحرام"، في الحكم. ومع أنني لم أعثر فيما قرأت لابن القيم على قول صريح بأن الربا ربوان، حلال وحرام، إلا أنني افترضه، حملًا لقوله على قول ابن عباس (والقولان متقاربان)، ولقوله في بعض كتبه:(إذا تساوى النقد والنسيئة، فالنقد خير)[الجواب الكافي: ص38، وانظر: كتابي عن بيع التقسيط: ص68] .

فالحطيطة نقصان للتعجيل، والربا زيادة للتأجيل، فكلاهما تغير مناسب في المبلغ لأجل الزمن. وفي حين أن الأول جائز في كل من البيع والقرض، فإن الآخر جائز في البيع دون القرض. فكأن الأول جائز دائمًا (بافتراض العلاقة ثنائية، لا ثلاثية كما في الحطيطة المصرفية) ، والآخر حرام في حال، حلال في حال. فصار المعنى: الحطيطة جائزة، فهي إذن عكس الربا "الحرام" [قارن كتابي بيع التقسيط: ص47 – 48] .

3-

5- الحطيطة للتعجيل بين الخصم المصرفي وخصم تعجيل الدفع:

ظاهر مما تقدم (3-2 و 3–3 و 3-4) أننا فرقنا في الحكم بين الخصم المصرفي وخصم تعجيل الدفع، حيث منعنا الأول وأجزنا الآخر. تعليل ذلك أن خصم تعجيل الدفع علاقة بين متبايعين، لا وسيط بينهما، مثله في ذلك مثل الزيادة للتأجيل في البيوع المؤجلة، اخترنا جوازها مع الجمهور، كما اخترنا جواز الحطيطة مع البعض. أما الخصم المصرفي (أو خصم الأوراق التجارية) فهو علاقة بين متبايعين، دخلها ثالث وسيط (هو المصرف) ، يقرض مبلغًا ليسترد أعلى منه، فهذا ربا نسيئة محرم.

ص: 639

الفصل الرابع

حلول الدين بالموت والإفلاس والمماطلة

4-

1- مقدمة:

لا يحل أجل الدين عند أحد من الفقهاء:

* بالإغماء (إغماء الدائن أو المدين) ؛

* ولا بالجنون (جنون الدائن أو المدين) ؛

* ولا بموت الدائن؛

* ولا بإفلاس الدائن.

أما موت المدين أو إفلاسه ففيهما خلاف. سنعرض في هذا الفصل لحلول الدين بالموت ثم بالإفلاس، ثم بالمماطلة.

4-

2- حلول الدين بالموت:

1-

موت الدائن يسقط أجل الدين عند الظاهرية، ولا يسقطه عند الجمهور، لأن ذمة المدين باقية لم تتأثر بوفاة الدائن.

2-

موت المدين فيه ثلاثة آراء:

(1)

عدم سقوط الأجل، وهو قول الحسن والزهري.

(2)

عدم سقوط الأجل، إذا تم توثيقه برهن أو كفيل مليء، وهو قول ابن سيرين، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد.

(3)

سقوط الأجل، وهو قول الجمهور (الحنفية، والشافعية، والظاهرية، والرواية الأخرى عن الحنابلة، وهو مذهب المالكية ما لم يشترط المدين عدم حلول دينه بموته: (المؤمنون عند شروطهم)، وما لم يقتل الدائن مدينه عمدًا:(من استعجل شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه) .

ص: 640

واستدل الجمهور، لما ذهبوا إليه من سقوط الأجل بموت المدين بحديث:((نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه)) [رواه الترمذي: 3/380 وقال: هذا حديث حسن، والإمام أحمد: 2/508؛ وابن ماجه: 2/813؛ والحاكم: 2/26 وقال: صحيح على شرط الشيخين] .

فبقاء الدين إلى أجله يضر إذن بالميت، لأن ذمته مرتهنة به، كما يضر بالورثة إذ يمنعهم من التصرف بالتركة، ويضر بالدائن لأن حقه قد يضيع بالتأخير واستغراق التركة بالديون الحالة. وبما أن الدائن أحق بمال مدينه في حياته منه، فهو كذلك أحق بمال مدينه بعد وفاته من ورثته.

[انظر في الفقه الحنفي: الأشباه والنظائر لابن نجيم: ص357؛ وحاشية ابن عابدين: 5/160 و 6/152؛ وفي الفقه المالكي: المدونة: 4/121،؛ ومواهب الجليل: 5/39؛ وحاشية الدسوقي: 3/266؛ وفي الفقه الشافعي: الأم: 3/216؛ والمهذب: 1/431؛ وفتح العزيز بهامش تكملة المجموع: 10/201؛ وقليوبي وعميرة: 2/285؛ وحاشية الشرقاوي: 2/168. وفي الفقه الحنبلي: المغني مع الشرح الكبير: 4/485؛ وكشاف القناع: 3/437؛ والروض المربع: 2/224] .

ومن المراجع الحديثة: الموسوعة الفقهية الكويتية: 5/301 – 309؛ والإفلاس في الشريعة الإسلامية للدكتور عبد الغفار إبراهيم صالح: ص192 – 202؛ والديون المالية في الفقه الإسلامي للدكتور سليمان العيسى: ص495.

ص: 641

حلول الدين بالإفلاس:

" إذا أحاط الدين بمال المدين، وطلب الغرماء (= الدائنون) الحجر عليه، وجب على الحاكم تفليسه، عند المالكية والشافعية والحنابلة، وصاحبي أبي حنيفة، وهو المفتى به عند الحنفية. واشترط المالكية لوجوب ذلك ألا يمكن للغرماء الوصول إلى حقهم إلا به. أما إذا أمكن الوصول إلى حقهم بغير ذلك، كبيع بعض ماله، فإنه لا يصار إلى التفليس. وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يفلس، لأنه كامل الأهلية، وفي الحجر عليه إهدار آدميته "[الموسوعة الفقهية الكويتية: 5/301] .

فإذا حكم القاضي بتفليس شخص والحجر عليه، هل يحل الدين المؤجل؟

1-

إفلاس الدائن لا يحل ديونه المؤجلة على الغير [المهذب: 1/431؛ وحاشية الدسوقي: 3/267] .

2-

إفلاس المدين هل يحل الديون التي عليه؟ فيه قولان:

(1)

قول بأنها لا تحل، بل تبقى مؤجلة إلى أجلها، وهو قول الحنفية، والشافعي وهو الأظهر عند أصحابه، ورواية عن أحمد.

واحتج هؤلاء بأن الأجل حق للمفلس، فلا يسقط بتفليسه، وكما أن التفليس لا يوجب حلول الديون التي للمفلس، فكذلك لا يوجب حلول الديون التي على المفلس. وليس الفلس كالموت، فالموت تخرب به الذمة، بخلاف الفلس، ولأن القصد من الأجل هو التخفيف والتنفيس، ليكتسب المدين، في مدة الأجل، ما يقضي به دينه.

(2)

قول بأنها تحل، وهو قول المالكية المشهور عندهم، وقول للشافعي هو خلاف الأظهر عند أصحابه، ورواية عن أحمد.

واحتج هؤلاء بأن الدين يتعلق بالمال، والتفليس كالموت يسقط أجل الدين.

انظر المراجع المشار إليها في مبحث " حلول الدين بالموت "

ص: 642

4-

4- ضابط الإعسار الذي يوجب الإنظار:

الإعسار لغة هو قلة ذات اليد، واصطلاحًا هو العجز عن الإنفاق أو عن سداد الدين. أو هو زيادة ديونه والتزاماته على ثروته ودخله.

ويختلف الإعسار عن الإفلاس في أن الإعسار يكون عن دين أو فقر، في حين أن الإفلاس يكون عن دين فقط، أو دين وفقر معًا. فالدين يلازم الإفلاس، بينما لا يلازم الإعسار ضرورة. والتفليس هو حكم القاضي على المدين بالإفلاس، بمنعه من التصرف في ماله (الحجر عليه) ، وذلك بناء على طلب الدائنين.

وضابط الإعسار الذي يوجب الإنظار أن لا يكون له مال فائض عن حوائجه الأصلية يفي به دينه. فلا يعد معسرًا من كانت أمواله النقدية قاصرة عن وفاء ديونه، وله أموال أخرى غير نقدية يستطيع بيعها لوفاء دينه.

4-

5- حلول الدين بالمماطلة:

هل يجوز للدائن اشتراط حلول بقية الأقساط، إذا لم يسدد المدين قسطًا في أجله؟ أي هل يجوز الاتفاق بين الدائن والمدين على حلول الدين كله عند عدم سداد بعضه؟

1-

إذا كان المدين معسرًا: لم يجز.

2-

إذا كان مماطلًا: جاز، فليس هناك ما يمنع من جوازه، بل أن المماطلة في سداد أحد الأقساط دالة على المماطلة في سداد الأقساط المتبقية، فالمماطلة طبع وعادة. ولهذا من المفيد للدائن ألا يتعب نفسه مع مثل هذا المدين. وقد يكون في اشتراط حلول الأقساط الأخرى ضغط أدبي على المدين، لكي لا يماطل في سداد أي قسط.

وهذا الشرط جرت به اليوم أعراف المصارف مع المقترضين منها، لكنها ربما لا تفرق بين معسر ومماطل.

والخلاصة أنه لا نرى مانعًا من اشتراط حلول بقية الأقساط، إذا ماطل المدين في سداد قسط. فالمؤمنون على شروطهم، إلا شرطًا أحل حرامًا، أو حرَّم حلالًا، ولا نرى أن هذا الشرط يحل حرامًا، أو يحرم حلالًا، والله أعلم.

ص: 643

4-

6- الحلول والحطيطة:

إذا حل الدين لأي سبب من الأسباب المذكورة: موت المدين، أو إفلاسه، أو مماطلته، أو غير ذلك، وكان هذا هو المذهب المختار في القانون أو في العقد، فماذا يجب على المدين عند ذلك، هل تجب القيمة الاسمية للدين؟ أم تجب القيمة الحالية؟

1-

إذا كان الدين قرضًا مؤجلًا (عند من يجيز تأجيله) ، لم يزد فيه للأجل، فالواجب هو القيمة الاسمية، والإحسان هو القيمة الحالية، أي ليس هناك ما يمنع المقرض من استعجال قرضه، والحط عن المقترض، فهذا مندوب.

2-

إذا كان الدين بيعًا مؤجلًا، زيد فيه للأجل، فالواجب فيما نرى هو القيمة الحالية التي نحصل عليها بأن نطرح من القيمة الاسمية (المؤجلة) بنسبة الأجل المتبقي. فإذا زيد عشرون لأربعة أشهر، ثم تم السداد بعد شهرين، طرحنا من القيمة الاسمية ما مقداره عشرة.

في حاشية ابن عابدين: 5/160: (اشترى شيء بعشرة نقدًا، وباعه لآخر بعشرين إلى أجل، هو عشرة أشهر. فإذا قضاه بعد تمام خمسة (أشهر) ، أو مات بعدها، يأخذ خمسة ويترك خمسة) . والكلام هنا عن المرابحة، حيث الثمن النقدي (= الحال) هو عشرة ريالات، والثمن المؤجل لعشرة أشهر هو عشرون ريالًا، وهذا معناها أن الزيادة لأجل عشرة أشهر هي عشرة ريالات. فإذا حل الثمن المؤجل (= الدين) قبل الاستحقاق بخمسة أشهر، وجب أن يحط منه خمسة:

10×5 50

ــ = ــ = 5

10 10

فنسبة الزيادة للأجل هي ريال لكل شهر:

10

ــ = 1

10

فإذا تم التعجيل خمسة أشهر، كان مقدار الحطيطة هو:

1 × 5 = 5 ريالات.

وفي المثال المذكور في نص ابن عابدين افتراض للتبسيط، مفاده أن الربح كله للأجل، وإلا فلو اشترى شيئًا بعشرة نقدًا جاز له أن يبيعه بأحد عشر نقدًا، وههنا المرابحة حالة لا مؤجلة. وعليه ففي مثال ابن عابدين لو كان الربح للأجل هو تسعة ريالات فقط، لكانت الحطيطية:4.5 بدلًا من 5.

ص: 644

الخاتمة

1-

القرض في الإسلام، لمن هو محتاج إليه في غرض مشروع، يعد مشروعًا، بل مستحبًّا، وربما يصير واجبًا، إذا كان طالب القرض مضطرًّا، والمطلوب منه غنيًّا قادرًا على مواساته وتفريج كربته. ويجب أن يكون القرض خاليًا من الربا.

2-

البيع المؤجل، نسيئة أو سلمًا، جائز، ولو بالزيادة فيه للأجل، فهذه الزيادة ليست من باب الربا المحرم.

3-

بعد ترتب الدين في الذمة، لا تجوز الزيادة على المدين لأجل تأخيره، سواء كان موسرًا أو معسرًا. فالموسر لا يعاقب بالربا، والمعسر يجب إنظاره ومساعدته.

4-

عند عقد الدين، يجب أن ينوي المدين الوفاء، وإلا كان آثمًا. كما يجب أن يتوقع قدرته على الوفاء، وألا يتوسع في الديون بما يتجاوز هذه القدرة، ويمكن للدائن أن يتحرى هذه القدرة، وأن يتوثق منها بضمان أو كفالة.

5-

خصم الأوراق التجارية في المصارف وغيرها لا يجوز، حتى لو ضمن الورقة صاحبها، (وهذا الضمان من لوازم نظام الأوراق التجارية نفسه) ، لأنه يدخل في ربا النسيئة المحرم شرعًا، بالقرآن والسنة والإجماع، ولأن الضمان وإن كان يمنع الغرر إلا أنه لا يمنع الربا.

6-

الحطيطة من الدين لأجل تعجيله، سواء كانت بطلب الدائن أو المدين، جائزة لا تدخل في الربا الحرام، مادامت العلاقة بين المقرض والمقترض، أو بين البائع والمشتري. فإذا دخل بينهما ثالث لم تجز، لأنها تأخذ عندئذ حكم خصم الأوراق التجارية، وتدخل في الربا الحرام.

7-

الحطيطة من الدين، عند اقتضاء الدين في الأجل أو قبله، تبرعًا من الدائن، بدون شرط ولا اتفاق ولا مراوضة، تعد جائزة (من باب أولى) بلا خلاف عند أحد من العلماء.

8-

يجوز الاتفاق على حلول الدين، بخراب ذمة المدين خرابًا حسيًّا أو معنويًّا، مثل موته أو إفلاسه أو مماطلته. ويجوز في جميع هذه الحالات الحط منه للتعجيل، بمقدار ما يسقط من أجله. ويجب هذا الحط من الدين لتعجيله، إذا كان قد زيد فيه لتأجيله.

9-

إعسار المدين يوجب إنظاره، إذا لم يكن له مال نقدي أو غيره، فائض عن حوائجه الأصلية، يفي به دينه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الدكتور رفيق يونس المصري

ص: 645

المصادر والمراجع

1-

أحكام الأوراق النقدية والتجارية، لستر بن ثواب الجعيد، رسالة ماجستير مقدمة إلى كلية الشريعة، جامعة أم القرى، 1405 – 1406هـ (غير منشورة) .

2-

أحكام القرآن، للجصاص (370هـ) دار الفكر، بيروت، د. ت.

3-

الإحكام في أصول الأحكام، لابن حزم (456هـ) ، بتحقيق أحمد محمد شاكر، دار الآفاق الجديدة، بيروت، ط 1، 1400 هـ = 1980م.

4-

الاختيارات الفقهية، لابن تيمية (728هـ) ، جمع البعلي الدمشقي (803هـ) ، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، د. ت.

5-

الأشباه والنظائر، لابن نجيم (970هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت، 1400هـ = 1980م.

6-

إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم (751هـ) ، بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت، ط 2، 1397هـ = 1977م.

7-

إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان، لابن القيم (751هـ) ، بتحقيق محمد حامد الفقي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، 1357هـ – 1939م.

8-

الإفلاس في الشريعة الإسلامية، للدكتور عبد الغفار إبراهيم صالح، د. ن، القاهرة، 1400هـ = 1980م.

9-

الأم، للإمام الشافعي (204هـ) ، طبعة الشعب، القاهرة، د. ت.

10-

الأوراق التجارية في الشريعة الإسلامية، للدكتور محمد أحمد سراج، دار الثقافة للنشر والتوزيع، القاهرة، 1988م.

ص: 646

11-

بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد (595هـ) ، دار الفكر، بيروت، د. ت.

12-

البهجة شرح التحفة، للتسولي (1258هـ) ،مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، ط 2، 1370هـ = 1951م.

13-

بيع التقسيط تحليل فقهي واقتصادي، لكاتب هذا البحث، دار القلم، دمشق، الدار الشامية، بيروت، ط 1، 1410هـ = 1990م.

14-

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، للزيلعي (743هـ) ، دار المعرفة، بيروت، ط 2، د. ت.

15 – التصرف في الدين، للدكتور نزيه حماد، بحث في مجلة كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، السنة 6، العدد 6، لعام 1402هـ – 1403هـ.

16-

تفسر الآلوسي (1270هـ) : روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت، د. ت.

17-

تفسير السيوطي (911هـ) : الدر المنثور في التفسير بالمأثور، دار المعرفة، بيروت، د. ت.

18-

تفسير الشوكاني (1250هـ) : فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، دار الفكر، بيروت، 1401هـ = 1981م.

19-

تفسير الطبري (310هـ) : جامع البيان عن تأويل آي القرآن، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، ط3، 1388هـ = 1968م.

ص: 647

20-

تفسير القرطبي (671هـ) : الجامع لأحكام القرآن، دار القلم، بيروت، 1386هـ = 1966م.

21-

تفسير الماوردي (450هـ) : النكت والعيون، بتحقيق خضر محمد خضر، ومراجعة عبد الستار أبو غدة، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الكويت، ط 1، 1402هـ = 1982م.

22-

تكملة المجموع للمطيعي، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، د. ت.

23-

حاشية ابن عابدين (1252هـ) ، دار المعرفة، بيروت، ط 2، د. ت.

24-

حاشية الخرشي (1101هـ) على خليل (776 هـ) دار صادر، بيروت، د. ت.

25-

حاشية الدسوقي (1230هـ) على الشرح الكبير، للدردير (1201هـ) ، دار الفكر، بيروت، د. ت.

26-

حاشية الشرقاوي (1226هـ) ، دار المعرفة، بيروت، د. ت.

27-

حاشيتا قليوبي (1069هـ) وعميرة (957هـ) على منهاج الطالبين للنووي (676هـ) ، دار الفكر بيروت، د. ت.

28-

الديون المالية في الفقه الإسلامي، للدكتور سليمان العيسى، رسالة دكتوراه مقدمة إلى المعهد العالي للقضاء، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، 1403هـ = 1983م (غير منشورة) .

29-

ربا القروض وأدلة تحريمه، للكاتب، مركز النشر العلمي، جامعة الملك عبد العزيز، جدة، ط 1، 1410هـ = 1990م.

ص: 648

30-

الروض المربع شرح زاد المستنقع للبهوتي (1051هـ) ، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض، 1390هـ = 1970م.

31-

سنن ابن ماجه (275هـ) ، بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، د. ت.

32-

سنن الترمذي (279هـ) : الجامع الصحيح، بتحقيق أحمد محمد شاكر، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، ط 2، 1398هـ = 1978م.

33 – سنن الدارقطني (385 هـ) ، نشر عبد الله هاشم يماني المدني، المدينة المنورة، د. ت.

34-

سنن النسائي (303هـ) ، بعناية عبد الفتاح أبو غدة، بيروت، ط 2 مصورة، 1406هـ = 1986م.

35 – شرح الزرقاني (1099هـ) على خليل (776هـ) ، دار الفكر، بيروت، 1398هـ = 1978م.

36 – شرح السنة للبغوي (516هـ) ، بتحقيق زهير الشاويش وشعيب الأرناؤوط، المكتبة الإسلامية، بيروت، ط 1، 1390 هـ = 1971م.

37-

شرح منتهى الإرادات، للبهوتي (1051هـ) ، دار الفكر، بيروت، د. ت.

38 – شرح منح الجليل على مختصر خليل (776هـ) ، لمحمد عليش (1299هـ) ، د. ن، د. ت.

39-

صحيح البخاري (256هـ) ، دار الحديث، القاهرة، د. ت.

40-

صحيح مسلم (261هـ) بشرح النووي (676هـ) ، طبعةالشعب، القاهرة، د. ت.

41-

العقود الدرية، لابن عابدين (1252هـ) ، دار المعرفة، بيروت، ط 2، د. ت.

42-

فتح الباري بشرح صحيح البخاري (256هـ) ، لابن حجر العسقلاني (852هـ) ، دار المعرفة، بيروت، د. ت.

43-

فتح العزيز شرح الوجيز، للرافعي (623هـ) بهامش المجموع للنووي (676هـ) ، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، د. ت.

44 – فيض القدير شرح الجامع الصغير، للمناوي (1031هـ) ، دار المعرفة، بيروت، د. ت.

45 – كتاب الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، لابن القيم (751هـ) ، دار الندوة الجديدة، بيروت، ط 3، 1400هـ.

46-

كشاف القناع عن متن الإقناع، للبهوتي (1051هـ) ، بتحقيق هلال مصيلحي، مكتبة النصر الحديثة، الرياض، د. ت.

ص: 649

47-

كنز العمال، للهندي (975هـ) ، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 5، 1405هـ = 1985م.

48-

المبدع في شرح المقنع، لابن مفلح (884هـ) ، المكتب الإسلامي، بيروت، دمشق، 1980م.

49-

المبسوط، للسرخسي (490هـ) ، دار المعرفة، بيروت، ط 3، 1398هـ = 1978م.

50-

مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي (807هـ) ، مكتبة القدسي، القاهرة، د. ت.

51-

مجموع فتاوى ابن تيمية (728هـ) ، طبعة السعودية، ط 1، 1398هـ.

52 – المجموع، للنووي (676هـ) ، المكتبة السلفية، المدينة المنورة، د. ت.

53 – المحرر في الفقه على مذهب الإمام أحمد، لمجد الدين أبي البركات (652هـ) ، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1369هـ = 1950م.

54-

المدونة الكبرى، للإمام مالك (179هـ) ، دار الفكر، بيروت، 1398هـ = 1978م.

55 – المستدرك على الصحيحين في الحديث للحاكم النيسابوري (405هـ) ، دار الفكر، بيروت، 1398هـ = 1978م.

56 – مسند الإمام أحمد (241هـ) ، دار الفكر، بيروت، ط 2، 1398هـ = 1978م.

57-

مصنف ابن أبي شيبة (235هـ) ، بتحقيق عبد الخالق الأفغاني، الدار السلفية، بومابي، ط 2، 1403هـ = 1983م.

58-

مصنف عبد الرزاق (211هـ) ، بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 2، 1403هـ = 1983م.

59-

المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية، لابن حجر العسقلاني (852هـ) ، بتحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، د. ن، د. ت.

60-

المغني مع الشرح الكبير، لابن قدامة (620هـ) ، دار الكتاب العربي، بيروت، 1392هـ = 1972م.

61 – المهذب في فقه الإمام الشافعي، للشيرازي (476هـ) ، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، ط 3، 1396هـ = 1976م.

62 – مواهب الجليل لشرح مختصر خليل، للحطاب (954هـ) ، دار الفكر، بيروت، ط 2، 1398هـ = 1978م.

63 – الموسوعة الفقهية الكويتية، وزارة الأوقاف، الكويت، التاريخ مختلف باختلاف الجزء.

64 – نهاية المحتار إلى شرح المنهاج، للرملي (1004هـ) ، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، 1357هـ – 1938م.

ص: 650