الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوَثيقَة رقم (2)
دَراسَة مُقَدّمة إلى
النّدوة الثانِية للأوَراقِ المالِيّة
مِن بنك البحَرين الإسلَامي
حَول
تَحرير محافظ الأوَراق الماليّة للبُنوك الإسلاميّة
مِن المَالِ المشتبَه في حِلِّه
وَالمعالجَة المالية المقترحَة لعَزل أثر التعَامُل بالفَائدة
عَلى عَائداتِ الأسهُم
بسم الله الرحم الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
أما بعد:
فقد مضى على إنشاء أول مصرف إسلامي ما يزيد على الخمسة عشر عامًا، وهي حقبة وإن كانت قصيرة في عمر الصناعة المصرفية إلَّا أن إرادة المهتمين بالمصارف الإسلامية حققت من الإنجازات ما يمكن تسجيله بفخر، إذ لم تقتصر تلك الإنجازات على نوع واحد من النشاط بل تعددت الأنشطة بحيث حققت منجزات في الميادين الاجتماعية والفقهية والاقتصادية وغيرها.
وما يعنينا هنا هو الاهتمامات الفقهية فقد كان الاهتمام مركزًا وما زال على هذه الناحية إيمانًا من المسؤولين عن هذه المصارف بأنه لن تتحقق الأهداف المرجوة من العمل المصرفي الإسلامي إلَّا إذا كان المسار الفقهي والضبط الشرعي قائمًا.
لذا عقد العديد من الندوات وعولج الكثير من المسائل الاقتصادية والتطبيقية حيث أفتى فيها فقهاء الأمة. ونحن في هذه الورقة بصدد فتوى خاصة تتعلق بتعامل المصارف الإسلامية في سوق الأوراق المالية (البورصة) .
ولما كنا نؤمن بأنه يجب علينا أن نتعامل مع الأحداث والحضارات والمستجدات من الأمور بشكل إيجابي. وحيث إن المتفرج في مثل هذه القضايا لا يعمل له حساب إنما يجب الدخول في خضم التجربة والتأثير عليها وتحويلها إلى المسار الصحيح المتفق مع الشرع الحنيف.
لذا فقد وجدنا أن نجعل مهمة هذه الورقة هي الأخذ بفتوى أولئك العلماء الأفاضل الذين أباحوا التعامل في سوق الأوراق المالية بالضوابط التالية:
1-
أن يكون غرض الشركة مشروعًا ومتفقًا مع تعاليم الدين.
2-
إذا شاب العمل أي إنتاج محرم فيعزل الحرام عن الحلال ويصرف المال الحرام في صالح المسلمين دون أن يكون لصاحبه أجر إلَّا تطهير ماله إن شاء الله.
ولما كانت عملية الفصل عملية اجتهادية. لذا وجب أن تمر العملية بتمارين حتى نقف على الشكل المقبول منها. وتهدف هذه الورقة – ضمن ما تهدف إليه – إلى عرض لتلك التمارين من الواقع العملي.
وقبل الخوض في الموضوع نرى أن نستعرض معًا طبيعة السوق المالي وتركيباته.
مفهوم السوق المالي:
يتكون السوق المالي من:
(أ) السوق النقدي (MONEY MARKET) :
وهو سوق الأموال القصيرة الأجل.
(ب) سوق رأس المال (CAPITAL MARKET) :
ويتخصص في الأموال المتوسطة والطويلة الأجل بجانب توفير سرعة التداول فيه مما يسهل التسييل ويمكن من توفير النقد عند اللزوم فهو سوق متصف بالمرونة مما يشجع على الاستثمار فيه. كما أنه وسيلة لتحقيق التوازن المالي تكون وظيفته التوسط بين عرض السيولة النقدية والطلب التجاري عليها. ومن هنا تتضح أهمية هذا السوق للمستثمرين ذوي السيولة.
الأسواق المالية المعاصرة في العالم:
انتشرت هذه الأسواق في معظم الدول الكبرى نظرًا لأهميتها واكتسب بعضها السمعة العالمية ومن أهم هذه الأسواق العالمية التي أصبحت تؤم من قبل المستثمرين.
* السوق الأمريكية.
* السوق الإنجليزية.
* السوق اليابانية
حيث يجري التداول فيها بأحجام كبيرة وأصبحت مؤشرًا لمعرفة حركة النشاط الاقتصادي العالمي وتوجهاته.
وفيما يتعلق بعالمنا العربي فإلى جوار سوقي الأوراق المالية بمصر ولبنان بدأت بعض الدول حديثًا بالاهتمام بهذا الجانب فتم فتح أسواق بالبحرين وسلطنة عمان والكويت والأردن وتونس والمغرب وهي أسواق ما زالت في بداياتها الأولى وما زال هناك قيودٌ تعوق انطلاقتها.
إلَاّ أنه تجدر الإشارة إلى أن سوق البحرين للأوراق المالية أصبحت لها اهتماماتها المتميزة حيث تميل نحو الانفتاح التدريجي السريع مما يوحي بالتفاؤل إلى تحولها إلى سوق عالمية، خاصة وأنها تقع وسط مجموعة من الدول تتميز بوفرة السيولة والقدرة على تصدير رأس المال دون معوقات قانونية. كما أن دولة البحرين ذات مناخ اقتصادي جيد ومركز للعديد من المصارف والمؤسسات المالية العالمية.
***
وتتناول هذه الورقة الموضوع المطروح في ثلاثة مباحث:
* المبحث الأول: أسس تكوين محافظ الأوراق المالية بالبنوك الإسلامية.
* مفهوم سوق الأوراق المالية.
* نشاط البنوك في مجال الأوراق المالية.
* أسس وأهداف تكوين محافظ الأوراق المالية في البنوك.
* محافظ الأوراق المالية في البنوك الإسلامية.
* المبحث الثاني: المعالجة المحاسبية لتحرير عائدات الاستثمارات في الأسهم من المال المشبوه:
* الخطوات الإجرائية لتنفيذ المعالجة المحاسبية بسجلات البنك.
* تطبيقات عملية مبسطة للمعالجة المحاسبية المقترحة.
* المبحث الثالث: البدائل الإسلامية.
المبحث الأول
أسس تكوين محافظ الأوراق المالية بالبنوك الإسلامية
مفهوم سوق الأوراق المالية (البورصة) :
هي سوق مستمرة ثابتة المكان تقام في مراكز التجارة والمال في مواعيد محددة عادة ما تكون يومية يجتمع فيها أصحاب رؤوس الأموال والسماسرة ومساعدوهم للتعامل في الأورق المالية وفقًا لنظم ثابتة ولوائح محددة.
ولهذه السوق دور هام في البلاد الرأسمالية حيث تقوم باجتذاب وتجميع المدخرات في صورة أوراق مالية توجه إلى تمويل النمو الاقتصادي طبقًا لاحتياجاته. كما أنها تمكن من إعادة تسييل تلك الأوراق وفقًا لمشيئة أصحابها ومن ثم فإن آليات هذه السوق تسهل إعادة ترتيب القطاعات الاقتصادية.
وتنقسم سوق الأوراق المالية إلى قسمين:
السوق الأولية: التي تطرح فيها الأوراق المالية المصدرة للاكتتاب فيها لأول مرة بغرض جذب المدخرات لاستثمارها في مشاريع ذات طابع اقتصادي.
السوق الثانوية: وفيها يجري تداول الأوراق المالية التي اكتتب فيها في السوق الأولية وذلك لأغراض الربحية أو التسييل.
وهناك نوعان من الأوراق المالية التي يجري التعامل فيها بسوق الأوراق المالية.
الأسهم: وكل منها عبارة عن صك يمثل حصة في رأس مال الشركة المساهمة لصاحبه كافة الحقوق التي يتمتع بها كل شريك في رأس المال. وخاصة حقه في الأرباح وفي التصويت (الإدارة) وفي صافي موجودات الشركة عند تصفيتها، كما يلتزم مثله في ذلك مثل بقية الشركاء بالالتزامات التي ترتبها الأسهم بصفة عامة. على أن هناك أنواعًا من الأسهم لها خصائصها التي تميزها عن غيرها من الأسهم إما بتمتعها بمزايا إضافية أو بحجب بعض الحقوق عنها.
السندات: وكل منها يمثل صكًّا بدين على الجهة التي أصدرته. ويعد صاحب السند دائنًا لهذه الجهة، له حق قبلها مضمون بجميع ممتلكاتها، وعلى ذلك يتقدم صاحب السند على صاحب السهم في سداد دينه (استرداد قيمة السند) في موعد استحقاقه كما يحصل صاحب السند على فائدة دورية محددة مقدمًا سواء حققت الجهة المصدرة للسند أرباحًا أم منيت بخسارة.
وهناك نوع من السندات أصبح قابلًا للتداول في أسواق المال الغربية هو " السندات المشاركة في الدخل (SHARING INCOME BONDS) بموجبها لا تتحدد الفائدة المستحقة عنها مسبقًا وإنما يشارك حملتها أصحاب رأس المال في صافي الربح طوال آجال سريانها وإلى أن يتم سداد قيمتها في التاريخ المحدد لذلك سلفا ومن هذه السندات نوع قابل للتحويل إلى أسهم (CONVERTIBLE) بعد فترة معينة من إصدارها حسب إرادة حملتها وبالتالي تتحول إلى أسهم بكل خصائصها.
نشاط البنوك في مجال الأوراق المالية:
للبنوك دور نشط في مجال التعامل في هذا المجال حيث تقدم إلى جمهور عملائها (أفرادًا وتنظيمات) خدمات متعددة منها.
* تنظيم وتَلَقّي الاكتتابات في الأوراق المالية التي تصدرها الشركات. ومن البنوك ما يذهب إلى تغطية كامل قيمة الأوراق المطروحة من الشركات الناجحة ليقوم بعد ذلك بإعادة طرحها تدريجيًّا على الجمهور.
* شراء وبيع الأوراق المالية لحساب العملاء سواء نقدًا أو بالتقسيط.
* حفظ الأوراق المالية بصفة أمانة وتحصيل عوائدها نيابة عن العملاء.
* قبول الأوراق المالية ذات الجودة كضمان لتسهيلات مصرفية أو ائتمانية تقدمها للمستثمرين.
وإلى جانب هذه الخدمات التي تقدمها البنوك لعملائها فإن لها أن توظف جانبًا من مواردها المتوسطة والطويلة الأجل في اقتناء الأوراق المالية الخاصة بها طبقًا لمعايير موضوعية وأهداف البنك ذاته.
وفي هذا الصدد ننوه إلى تعاظم نشاط البنوك في مجال التعامل في الأوراق المالية والمساهمة في خطط التنمية الاقتصادية في أعقاب الحرب العالمية الثانية حينما نشأت الحاجة لتمويل عمليات التعمير والتصنيع ووجدت الشركات الصناعية بصفة خاصة في البنوك عاملًا هامًا مساعدًا لها على النمو والتطوير.
أسس وأهداف تكوين محفظة الأوراق المالية في البنوك:
يبني البنك سياسة تكوين محفظته المالية على مجموعة الأسس التالية:
* نوعية البنك ذاته، حال كونه بنكًا تجاريًّا أو بنكًا للاستثمار والأعمال.
* حجم البنك، من حيث كونه بنكًا صغيرًا أو بنكًا كبيرًا.
* تركيبة الودائع لديه وعائدات أصحابها.
* الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية الحالة والمتوقعة
* الضوابط التي تحرص التشريعات المصرفية على التزام البنوك بها في هذا المجال تحقيقًا للتوازن بين موارد البنوك وتوظيفاتها من ناحية ولضمان عدم تحول البنوك إلى شركات قابضة تسيطر على النشاط الاقتصادي من ناحية أخرى.
ويرمى تكوين محفظة الأوراق المالية بالبنك – في إطار تلك الضوابط – إلى تحقيق أي من الهدفين الآتيين أو كليهما معًا:
1-
توظيف جزء من الموارد المالية المتاحة في أوعية ذات معدل مناسب من السيولة المدرة للدخل حيث يعتبر التوظيف في الأوراق المالية من التوظيفات الجيدة التي هي إحدى صور التوافق بين عنصري الربحية والسيولة فيما لو أحسن اختيار مكوناتها على أساس:
* درجة سهولة إعادة التسييل (مدى سهولة التسويق) وتقاس بمقدار العمليات التي تتم على الورقة المالية في السوق الثانوية.
* مردود الاستثمار شاملًا عائد المخاطر المالية.
* طول فترة الاستحقاق الذي يتوقف عليه مدى تعرض الورقة المالية لمخاطر التغير في سعر الفائدة.
2-
توظيف استراتيجي طويل الأجل للموارد المالية المتاحة للبنك من مصادره الذاتية ومن الجانب غير المتحرك من أرصدة الأوعية الادخارية لديه في اقتناء أسهم رأس مال شركات ناجحة قائمة و/ أو تأسيس و/ أو الاشتراك في تأسيس شركات تابعة له أو ذات مصلحة مشتركة معه لتمارس أنشطة في مختلف القطاعات الاقتصادية كأجنحة مساندة للبنك تساعده في مباشرة أعماله التي يسمح بها نظامه الأساسي والقيام بدوره في تمويل خطة التنمية ومن ثم تعود عليه بربحية ملائمة لها صفة الاستمرارية.
محافظ الأوراق المالية في البنوك الإسلامية:
تتميز البنوك الإسلامية – بصفة عامة – بأنها تجمع في سماتها بين خصائص البنوك التجارية وخصائص بنوك الاستثمار والأعمال، ومن ثم فلا تختلف أسس وأهداف سياسة توظيف الأموال في البنوك الإسلامية عنها في البنوك التقليدية، اللهم إلَّا في التزامها المطلق في ممارسة أنشطتها بأحكام الشريعة الإسلامية التي في إطار محدداتها تقدم تمويلاتها إلى جمهور المتعاملين معها بأي من أساليب توظيف المال المجازة شرعًا، ساعية في ذلك إلى الانتشار بمنهجها خلال مجتمعات تسودها الأعراف المصرفية التقليدية القائمة على أساس من الفائدة المحددة سلفًا.
وفي هذا السبيل للبنوك الإسلامية أن تُكَوِّنَ محافظ أوراقها المالية طبقًا للضوابط الشرعية التي تحظر عليها التعامل – بأي من صوره – في السندات التي تمثل صكوكًا بمديونية يلتزم مصدرها بسداد الفوائد المستحقة عنها والمحددة سلفًا في مواعيدها، فضلًا عن التزامه بسداد قيمة السندات نفسها كاملة في مواعيد استحقاقها.
وبناء على ذلك تجدر دراسة إمكانية تعامل البنوك الإسلامية في السندات المشاركة في الدخل سالف الإشارة إليها والتي لا تحدد الفائدة المستحقة عنها مسبقًا وإنما يشارك حملتها رأس المال في صافي الربح ومن باب أولى في الخسارة طوال آجال سريانها بضوابط شرعية محددة.
أما أسهم رأس المال الثابت وكل منها يمثل حصة شائعة في صافي أصول الشركة فهي صورة متفقة وأحكام الشريعة ومقبول تداولها على النحو الذي يجري التعامل به حاليًا. (وذلك حسب أقوال الفقهاء) إذا ما توافر فيها الشرطان الآتيان:
1-
أن يكون غرض الشركة مشروعًا ومتفقًا مع تعاليم الدين الحنيف، وبالتالي يمتنع كلية على البنوك الإسلامية أن تضم في محافظها المالية أسهم رأس مال شركات تقضي طبيعة أغراضها أن تتعامل بالربا كالبنوك الربوية على سبيل المثال أو شركات ذات طبيعة عمل مُحَرَّم كشركات التأمين غير الإسلامية أو الملاهي أو الشركات التي تبيع السلاح لغير المسلمين.
2-
أن يكون صافي الأصول الذي تمثله الأسهم خاليًا من المحظورات، ومن ذلك أن لا يتضمن أي من جانبي الأصول والخصوم حقوقًا أو ديونًا محملة بفوائد.
فإن شاب العمل أي إنتاج محرم يعزل الحرام عن الحلال ويصرف المال الحرام في صالح المسلمين دون أن يكون لصاحبه أجر إلَّا أجر تطهير ماله إن شاء الله.
ويبلغ التيقن من توافر هذين الشرطين أقصى درجاته في حالة قيام البنك الإسلامي بتأسيس و/أو الاشتراك في تأسيس شركات مساهمة لتعمل من البداية وبمقتضى نظمها الأساسية وفقًا للمنهج الإسلامي الصحيح.
على أنه في مجال اضطلاع البنوك الإسلامية بدورها الحيوي في تنمية مجتمعاتها والانتشار الإيجابي بمفاهيم معاملاتها خلال المجتمعات المعاصرة، فإنها قد تتجه (في حالة جواز ذلك) إلى الاشتراك بأموالها في أسهم شركات قائمة بالفعل، الأمر الذي قد تنخفض معه – كواقع حال – درجة التيقن من خلو صافي أصول مثل هذه الشركات من المحظورات، إذ قد يكون جانب من معاملاتها مشوبًا بالفائدة أخذًا و/أو عطاء فيما لو كانت الشركة تستثمر – بين الحين والآخر – ما يتاح لديها من فائض نقدي، في شكل ودائع ذات أجل لدى البنوك التقليديّة أو في شراء سندات محددة العائد سلفًا، أو قد تلجئها ضرورات النشاط الأصلي إلى الحصول على قروض – أيًّا كانت آجالها – من مؤسسات مالية تقليدية أو إلى إصدار سندات على نفسها تلتزم بموجبها بسداد فوائدها سابقة التحديد في مواعيد استحقاقها وضمنت رد قيمة السندات نفسها في مواعيدها.
وبالنظر إلى أن تعامل الشركة بالفائدة أخذًا أو إعطاء ينعكس بطبيعة الحال على نتائج أعمالها ويؤثر على حقوق مساهميها – ومنهم البنك الإسلامي – فإن من الشركات ما تعني بالإفصاح في قوائمها المالية المعلنة عن مقدار الفائدة التي حصلت عليها أو تلك التي تحملت بها، وأيضًا فمنها ما يغفل عن هذا الإفصاح فيدرج مقدار الفائدة المقبوضة منها أو المدفوعة بقائمة الدخل ضمن بند عام شامل إيرادًا كان أم مصروفًا.
وفي الحالين يؤثر ذلك وبالضرورة على مقدار صافي ربح/خسارة الشركة الذي يؤول نصيب منه إلى البنك الإسلامي المساهم في رأس المال بقدر حصة مساهمته سواء تمثل ذلك في صورة نقدية أو في شكل زيادة أو نقص في حقوق الملكية.
وتبعًا لذلك ففي حالة إجازة اشتراك البنوك الإسلامية في أسهم رأس مال مثل تلك الشركات، فإنه يصبح وجوبًا عليها أن تبحث عن معالجة مناسبة تكفل استمرار قيامها بدورها التنموي والتوسع فيه دون خروج عن محدداتها الشرعية وفي نفس الوقت تطهر أموالها – قدر اجتهادها – من أثر معاملات تلك الشركات بالفائدة.
ذلك الأمر الذي تطرحه هذه الورقة بمبحثها التالي.
المبَحث الثَّاني
المعَالجة المحاسبيّة المقتَرحَة
لتَحرير عائِدات الاستثمارات
في الأسهُم مِن المال المشبُوه
تنبنى هذه المعالجة على أساس: تعاون الشركة مع البنك الإسلامي المساهم في رأس مالها.
فمن الأهمية بمكان أن تكون إدارة الشركة على تفهم تام لمتطلبات المنهج الإسلامي للبنك ولذلك فمن الضروري التزامها – في جميع الحالات – بالإفصاح (ولو ببيان محدد الغرض) عن مقدار كل من الفائدة المقبوضة والفائدة المدفوعة التي تتضمنها قائمة حسابها الختامي.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن العرف المصرفي يجري على إيضاح بنود المصروفات والإيرادات ذات الأهمية النسبية مقارنة بباقي البنود الأخرى بشكل تفصيلي ضمن الإيضاحات المتممة للميزانية وتقرأ معها.
أما في حالة عدم الإيضاح بالشكل الموفي للغرض، فإن من حق البنك بصفته مساهمًا طلب الاستيضاح اللازم سواء من إدارة الشركة أو من خلال الجميعة العمومية لمساهميها.
هذا واعتمادًا على نشاط البنوك الإسلامية في الأسواق المالية يمكن أن يصبح مثل هذا الإيضاح مطلبًا مشروعًا للمساهمين لا يغفل عنه المدقق الخارجي، علمًا بأنه من التشريعات ما يُلزِمُ الشركات المساهمة بالإفصاح تفصيلًا بقوائمها المالية عن مقدار كل من الفوائد المقبوضة والمدفوعة.
* كما أنه من منطلق مسؤولية البنك عن تطهير أمواله من أية شبهة حرام عليه أن يفتح حسابًا بسجلاته يخصص لعزل أثر هذه الفوائد على ما يؤول إليه من استثماراته المالية في هذه الشركات سواء كانت رابحة أو خاسرة وذلك طبقًا لما تفصح عنه كل منها، ومن خلال هذا الحساب المخصص يتحقق سنويًّا:
* استبعاد أثر تعامل الشركة / الشركات بالفوائد على أرباح حصة البنك في أسهم رأس مالها. ومن ثم تحقيق أكبر قدر من اليقين من تنقية أموال البنك أولًا بأول من أية شائبة.
* جبر الآثار السالبة لتعاملات مجموع الشركات بالفوائد من الآثار الموجبة لهذه التعاملات، وذلك في حدود القدر الإجمالي للأخيرة، وبالتبعية يصبح باقي تلك الآثار الموجبة معزولًا عن ذمة البنك المالية في نطاق الرصيد الدائن الذي قد يظهره الحساب المذكور ومن ثم يصرف هذا المال المشبوه في صالح المسلمين.
الخطوات الإجرائية لتنفيذ المعالجة المحاسبية المقترحة بسجلات البنك:
وتبدأ متزامنة فور ورود البيان الإيضاحي سالف التنويه عنه من كل شركة وذلك على النحو التالي:
1-
يضاف النصيب المستحق لحصة البنك في رأس مال الشركة من التوزيع النقدي لصافي الأرباح (طبقًا لما تظهره قوائمها المالية) إلى حساب الدخل كأحد عناصر الإيرادات.
2-
من واقع البيان الإيضاحي المشار إليه يقارن مقدار الفوائد التي قبضتها الشركة بمقدار الفوائد التي دفعتها حيث ينتج عن المقارنة:
2/1 إما تساوي مقدار الفوائد المقبوضة بمقدار الفوائد المدفوعة أو أن الشركة لم تتعامل خلال العام بالفائدة أصلًا، وبالتالي فلا تأثير للتعامل بالفائدة على ناتج الأعمال.
2/2 أو فرق بالزيادة في الفوائد المقبوضة عن المدفوعة، أي يكون أثر التعامل بالفائدة موجبًا على صافي ناتج أعمال الشركة (وهو نفس الأثر فيما لو اقتصر تعامل الشركة على الفائدة المقبوضة فقط) .
2/3 أو فرق بالزيادة في الفوائد المدفوعة عن المقبوضة وفي هذه الحالة يكون أثر التعامل بفائدة سالبًا على صافي ناتج أعمال الشركة (وهو ذات الأثر فيما لو اقتصر تعامل الشركة على الفائدة المدفوعة فقط) .
3-
تستنبط الأهمية النسبية للأثر الموجب أو السالب للتعامل بالفائدة مقارنًا برقم صافي ناتج الأعمال الذي تظهره قائمة دخل الشركة.
4-
طبقًا للأهمية النسبية لأثر التعامل بالفائدة يتم حساب مقدار فرق الفائدة المؤثر (إيجابًا أو سلبًا) على ما آل للبنك من نصيب في صافي الربح ليعالج بحسابه الختامي خصمًا وإضافة من خلال حساب مخصص العزل المنوه عنه في حدود ما يسمح به رصيده الدائن فقط، فإن أسفرت المعالجة السنوية على هذا النحو لعوائد البنك من مجموع مساهماته في تلك الشركات عن وجود فائض بالحساب يوجه للصرف في صالح المسلمين.
5-
ولما كانت ربحية الشركة / الشركات لا تقتصر فقط على الموزع نقدًا على المساهمين من صافي الربح السنوي وإنما يمتد أثرها ليشمل الزيادة في حقوق الملكية ترتيبًا على ما يحتجز من الأرباح كاحتياطيات وأرباح مستبقاة، وبالتالي فإن هذه الزيادة تكون محملة بنصيب من أثر تعامل الشركة بالفوائد.
وبالنظر لأن هذه الزيادة في حقوق الملكية ليست بذات أثر مادي على البنك طالما كان محتفظًا بحصته في أسهم رأس مال الشركة، ولا تنشأ بشأنها ثمة مشكلة تستوجب المعالجة سوى لدى التصرف الكلِّي أو الجزئي في تلك الحصة أو لدى تصفية الشركة.
لذلك، فإن احتفاظ البنك بسجل إحصائي منتظم ومبوب عن الشركات التي يساهم فيها يوضح الأهمية النسبية للأثر السنوي لتعامل كل منها بالفوائد وانعكاسه التراكمي على حقوق الملكية فيها ومن ثم على قيمة السهم الدفترية في نهاية كل عام سيكون له فضل تحديد القيمة الحقيقية لمال البنك المستثمر في كل شركة مطهرًا من أية شبهة مال حرام تعالج وفقًا لليقين الظني من خلال حساب المخصص المذكور على النحو سالف البيان لدى التصرف أو التصفية.
وجدير في هذا المجال دراسة إمكانية إرجاء تطبيق هذه المعالجة لحين وقوع التصرف أو التصفية أو فيما لو تغير اتجاه مجموع حقوق الملكية إلى التناقص، وذلك طالما ظل مجموع صافي الأرباح المحتجزة بالشركة في صورة احتياطيات أو أرباح مستبقاة أكبر من الحصيلة المتراكمة لأثر التعامل بالفائدة.
ولا شك أن انتظام ودقة بيانات سجل المراقبة المذكور سيكون مؤشرًا ملائمًا في تحديد توقيت وحجم المعالجة اللازمة للأثر التراكمي للفوائد على حقوق ملكيته لأسهم الشركة.
تطبيقات مبسطة للمعالجة المحاسبية المقترحة:
كتمرين عملي للمعالجة المطروحة نفترض أن محفظة الأوراق المالية للبنك الإسلامي تشتمل على أسهم لعدة شركات كل منها على البيان التالي:
- رأس المال المصدر والمكتتب فيه 5 مليون دينار (مدفوع بالكامل) .
- عدد أسهم رأس المال 100 ألف سهم.
- القيمة الاسمية للسهم 50 دينارًا.
- حصة البنك في رأس المال 10 % (10 آلاف سهم= نصف مليون دينار) .
يقضى النظام الأساسي للشركة بتجنيب 10 % من صافي الأرباح السنوية القابلة للتوزيع كاحتياطي قانوني وتحويل فائض الأرباح إلى الاحتياطي العام أو يرحل كأرباح مستبقاة إلى الأعوام التالية.
وفي إحدى السنوات المالية حققت هذه الشركات نتائج كالفروض الآتية حيث أفصحت كل منها عن أنها تعاملت خلال العام بالفوائد أخذًا وعطاءً على النحو المبين فيما بعد. الأمر الذي حدا بالبنك إلى تطبيق المعالجة المحاسبية اللازمة لتطهير أمواله في هذه الشركات من آثار معاملاتها بالفائدة.
الفرض الأول: التطبيق في حالة الشركات الرابحة:
ثلاث شركات (أ) ، (ب) ، (ج) حققت كل منها صافي ربح قابل للتوزيع قدره مليون دينار وقررت إجراء توزيعات نقدية على مساهميها بواقع 12 % من رأس المال المدفوع ومكافأة لمجلس الإدارة قدرها 50 ألف دينار.
وبفحص البيان الإيضاحي الوارد من كل شركة عن معاملاتها بالفائدة خلال العام تبين الآتي:
- الشركة (أ) تعادل مقدار الفوائد التي قبضتها مع مقدار الفوائد التي تحملت بها.
- الشركة (ب) زادت فيها الفوائد المقبوضة عن المدفوعة بمقدار 20 ألف دينار.
- الشركة (ج) نقصت فيها الفوائد المقبوضة عن المدفوعة بمقدار 50 ألف دينار.
* في الشركات الثلاث يصور حساب توزيع صافي الأرباح على النحو التالي:
- احتياطي قانوني 100 ألف دينار
- توزيع نقدي على المساهمين 600 ألف دينار (نصيب البنك =60ألف دينار)
- مكافأة مجلس الإدارة 50 ألف دينار
- أرباح مستبقاة / احتياطي عام 250 ألف دينار
ــ
(1.000) ألف دينار
* تأخذ المعالجة المحاسبة اتجاهين:
- عزل أثر التعامل بالفائدة على نصيب البنك من الأرباح الموزعة نقدًا.
- تحديد أثر هذا التعامل على الزيادة في حقوق الملكية.
الاتجاه الأول: عزل أثر التعامل بالفائدة على نصيب البنك من الأرباح الموزعة نقدًا:
1-
تحديد أثر التعامل بالفائدة:
البيان الشركة (أ) الشركة (ب) الشركة (ج)
1/1 نصيب البنك من صافي الأرباح الموزعة 60.000 60.000 60.000
1/2 صافي الربح طبقًا لقائمة الأرباح والخسائر 1.000.000 1.000.000 1.000.000
1/3 مقدار واتجاه أثر التعامل بالفائدة على صافي الربح - +20.000 - 50.000
1/4 الأهمية النسبية لأثر التعامل بالفائدة بالنسبة لصافي الربح طبقا للقائمة - + 2 % - 5 %
1/5 أثر واتجاه التعامل بالفائدة على نصيب البنك - + 1.200 - 3.000
إذن نصيب البنك من التوزيع النقدي مطهر من أثر التعامل بالفائدة 60.000 58.800 63.000
2 الإثبات الدفتري بسجلات البنك:
* الشركة (أ) : يضاف نصيب البنك من صافي الأرباح الموزعة بالكامل إلى الإيرادات دون حاجة إلى أية معالجة حيث لا تأثير للتعامل بالفائدة عليه.
* الشركة (ب) :
- تضاف قيمة التوزيع النقدي المستحق للبنك بالكامل (60 ألف دينار) إلى حساب الأرباح والخسائر.
- يخصم مقدار الأثر الموجب لتعامل الشركة بالفائدة على نصيب المصرف من الربح الموزع (1.200 دينار) على حساب الأرباح والخسائر ويضاف إلى حساب مخصص عزل الفوائد وبذلك يكون صافي ما تمت إضافته إلى أموال البنك في هذا الصدد قدره 58.800 دينار وهو مطابق لنصيبه من التوزيع النقدي مطهرًا من أثر التعامل بالفائدة.
* الشركة (ج) :
- تضاف قيمة التوزيع النقدي المستحق للبنك طبقًا لما تظهره سجلات الشركة وقدره 60 ألف دينار إلى حساب الأرباح والخسائر، وهي أقل مما يستحق للبنك مطهرًا من أثر تعامل الشركة بالفائدة بمقدار 3 آلاف دينار.
- وطالما يظهر حساب مخصص عزل الفوائد رصيدًا دائنًا فإن هذا الرصيد يستخدم في جبر الأثر السالب للتعامل بالفائدة في حدود قيمة هذا الأثر أو ما يسمح به الرصيد أيهما أقل، وتضاف قيمة ما يتم جبره وفقًا لهذه الحدود إلى حساب الأرباح والخسائر.
وهكذا تجري المعالجة السنوية لأرباح استثمارات البنك المالية في مثل هذه الشركات حتى تمامها فإن أسفر ذلك عن وجود رصيد بحساب المخصص المذكور يوجه للصرف في صالح المسلمين.
الاتجاه الثاني: تحديد أثر التعامل بالفائدة على الزيادة في حقوق الملكية:
في كل من الشركات الثلاث السابقة بلغت الزيادة في حقوق الملكية 350 ألف دينار (الاحتياطي القانوني + الأرباح المستبقاة / الاحتياطي العام) ويبلغ نصيب السهم الواحد من أسهم رأس المال من هذه الزيادة 3.500 دينار وبالتالي ترتفع قيمته الدفترية من 50 دينار إلى 53.500 محملة بأثر تعامل الشركة بالفائدة (أو المحصلة التراكمية لهذا الأثر) .
مما يتعين حسابه وإثبات ذلك سنويًّا وبشكل تراكمي في السجل الإحصائي الذي يحتفظ به البنك لهذا الغرض، للرجوع إليه لدى اتخاذ القرار بالتصرف الكلي أو الجزئي في حصة البنك في أسهم رأس مال الشركة أو لدى تصفية الشركة ومن ثم تحديد قيمة السهم مطهرة من أثر التعامل بالفائدة.
البيان الشركة (أ) الشركة (ب) الشركة (ج)
الأهمية النسبية لأثر التعامل بالفائدة صفر
+2 % - 5 %
القيمة الدفترية للسهم طبقا لسجلات الشركة 53.500 53.500 53.500
± أثر التعامل بالفائدة على الزيادة في قيمة السهم صفر صفر (0.070)0.175
إذن القيمة الدفترية للسهم بمعالجة أثر التعامل بالفائدة 53.500 53.430 53.675
وبافتراض اتخاذ القرار بالتصرف في حصة البنك فإنه:
في حالة الشركة (أ) : يمكن أن تدخل حصيلة التصرف بالكامل في ذمة البنك المالية طبقًا لأي سعر شراء معروض ومناسب للبنك (حيث لا تأثير للتعامل بالفائدة على قيمة السهم) .
وفي حالة الشركة (ب) : فإنه يتعين استبعاد أثر التعامل بالفائدة من حصيلة التصرف المجاز دخولها ذمة البنك المالية، وذلك طبقًا لأي من الاحتمالات الآتية:
- يجوز قبول حصيلة البيع بالكامل إذا كان سعر البيع في حدود 53.430 ديناراً/السهم.
- فإذا زاد سعر البيع عن 53.430 دينارًا / السهم بما لا يجاوز 0.070 دينارًا توجه هذه الزيادة بكاملها إلى حساب مخصص عزل الفوائد وتضاف باقي الحصيلة إلى أموال البنك.
- أما إذا جاوز سعر البيع مبلغ 53.500 دينار / السهم فيوجه 0.070 دينار/ السهم إلى حساب المخصص وتدخل باقي حصيلة البيع ضمن أموال البنك.
وزيادة في الاحتراز يمكن أن تستبعد نسبة تأثير الفوائد المتراكمة على قيمة السهم بشكل تناسبي فيما يزيد عن قيمته الدفترية المطهرة.
أما في حالة الشركة (ج) : فإنه يمكن للبنك – دون حرج شرعي – قبول البيع أو ارتضاء التصفية بأي سعر للسهم، طالما أن تعامل الشركة بالفائدة أثر بالسالب على صافي أرباحها، الأمر الذي انعكس في انخفاض مجموع حقوق الملكية عن المقبول شرعًا، لا سيما وأنه في الواقع العملي نادرًا ما يزيد سعر الشراء المعروض عن القيمة الدفترية للسهم وفقًا لما تظهره قوائم الشركة المالية.
وفيما لو كان السعر المعروض لأسهم هذه الشركة أقل من 53.675 دينار/السهم وكان بحساب مخصص عزل الفوائد رصيد دائن، جاز للبنك تعويض الفرق بين السعرين – جزئيًّا أو كليًّا – من هذا الرصيد.
ومن هنا تبرز الأهمية القصوى لاحتفاظ البنك بسجل إحصائي منتظم ودقيق يتابع من خلال بياناته التغيرات التي تجدُّ على حقوق الملكية وأثر التعامل بالفائدة عليها لكل شركة على حدة لا سيما لو اتجه البنك إلى إرجاء تطبيق معالجة الأثر المذكور إلى حين وقوع التصرف أو التصفية.
الغرض الثاني: التطبيق في حالة الشركات الخاسرة:
الشركتان د، هـ من الشركات التي يساهم البنك في رؤوس أموالها وقد حققت كلتاهما خسارة في إحدى السنوات مقدارها 500 ألف دينار.
وقد أوضحت الشركة (د) أن تعاملها مع البنوك التقليدية خلال العام أسفر عن زيادة في الفائدة المقبوضة عن المدفوعة مقدارها 20 ألف دينار، بينما أوضحت الشركة (هـ) أن تعاملها المماثل أنتج فرقًا عكسيًّا قدره 30 ألف دينار.
ولما كانت مثل هذه الخسارة يترتب عليها نقص في مجموع حقوق الملكية بكل من الشركتين، وقد ينجم عنها انخفاض القيمة الدفترية للسهم عن قيمته الاسمية، وطالما أن هذه الخسارة محملة بأثر للتعامل بالفائدة فإن الانخفاض الذي تظهره قوائم الشركة المالية في قيمة السهم يكون غير متفق مع حسابه مطهرًا من أثر التعامل بالفائدة عليه كالبيان التالي:
البيان الشركة (د) الشركة (هـ)
القيمة الاسمية للسهم 50.000 50.000
يخصم: نصيب السهم من الخسارة المحققة طبقًا لسجلات الشركة 5.000 5.000
إذن القيمة الدفترية للسهم 45.000 45.000
± أثر التعامل بالفائدة على القيمة الدفترية للسهم (0.200)0.300
إذن قيمة السهم بعد استبعاد أثر التعامل بالفائدة 44.800 45.300
وحيث أن القواعد المحاسبية المرعية تقضي بتكوين " مخصص هبوط الاستثمارات المالية " لمقابلة مخاطر النقص في هذا النوع من الأصول فإن الدراسة التي يجريها البنك لأغراض تكوين هذا المخصص يجب أن تأخذ في اعتبارها الأثر السالب لتعامل الشركة (د) بالفائدة مع إهمال الأثر الموجب لهذا التعامل بالنسبة للشركة (هـ) .
على أنه يجوز للبنك في حالة الشركة (د) استخدام الرصيد (الدائن) الذي قد يكون قائمًا بحساب مخصص عزل الفوائد في تكوين مخصص هبوط تلك الاستثمارات وذلك فقط في حدود أثر تعامل الشركة بالفائدة (أي في حدود 0.200 دينار / السهم فقط) .
وكقاعدة عامة يعزف المستثمرون في سوق الأوراق المالية عن شراء أسهم الشركات الخاسرة مما يترتب عليه اشتداد قوى العرض على قوى الطلب عليها وبالتبعية تتجه أسعارها إلى الهبوط بفعل ديناميكية السوق.
وعلى ذلك وباعتبار الاستثمار في الأسهم هو رأس مال مضارب فإن قرار التصرف في حصة البنك في أسهم رأس مال مثل هذه الشركات يبنى على أساس السعر الأقل خسارة، وهو غالبًا ما يكون أدنى من القيمة الدفترية للسهم، وطالما كان الأمر كذلك فإن حصيلة البيع /التصفية تدخل ضمن أموال البنك دون وجود حرج شرعي.
فإن زاد السعر المعروض – لسبب أو لآخر – عن القيمة الدفترية للسهم مطهرة من أثر التعامل بالفائدة فإن هذه الزيادة تكون مقبولة تمامًا – أيًّا كان مقدارها – بالنسبة لأسهم الشركة (هـ) .
وأيضًا بالنسبة لأسهم الشركة (د) عدا 0.200 دينار لكل سهم منها فيوجه إلى حساب مخصص عزل الفوائد، ومنه لجبر الآثار الموجبة لتعامل الشركات الأخرى بالفوائد أو للصرف في صالح المسلمين.
الغرض الثالث: (حالات خاصة) :
قد يكون البنك الإسلامي مساهمًا في رأس مال شركة تمارس نشاطًا في مجال خدمي أو في مجال الصناعات الاستراتيجية أو الثقيلة، وبطبيعة هذه الأنشطة فإنها تحقق عائداتها على المدى الطويل، أما في الأجل القصير فإنها تحقق خسارة تشغيلية سنوية. ومن ثم تتلقى الشركة العاملة في هذه المجالات دعمًا حكوميًّا، خاصة في مراحلها الأولى تشجيعًا لها على الاستمرارية في النشاط الذي يمثل ضرورة حيوية للمجتمع، فإن كانت هذه الشركة تتعامل بالفائدة فإن المعالجة المناسبة لتطهير مال البنك المستثمر منها وعوائده تأخذ إحدى صور المعالجة السابق عرضها في ضوء مقارنة مقدار الدعم الحكومي السنوي بمقدار الخسارة التشغيلية التي تظهرها القوائم المالية الدورية. (علمًا بأن هذا الدعم يعتبر ضمن إيرادات الشركة) .
وذلك على النحو التالي:
البيان أثر تعامل الشركة بالفوائد صورة المعالجة المناسبة
1-
الدعم الحكومي أكبر من الخسارة التشغيلية لاتأثير كما في حالة الشركة (أ)
الأثر موجب كما في حالة الشركة (ب)
الأثر سالب كما في حالة الشركة (ج)
2-
الدعم الحكومي مساوٍ للخسارة التشغيلية لا تأثير -
الأثر موجب كما في حالة الشركة (د)
الأثر سالب كما في حالة الشركة (هـ)
3-
الدعم الحكومي أقل من الخسارة التشغيلية لا تأثير كما في حالة الشركة (أ)
الأثر موجب كما في حالة الشركة (د)
الأثر سالب كما في حالة الشركة (هـ)
المبَحثُ الثاِلث
البَدَائِل الإسلَامِيّة
كان ما تقدم تصورًا مطروحًا لمعالجة قضية عزل الفوائد من عائد استثمارات البنوك الإسلامية في أسهم الشركات المتعاملة مع البنوك التقليدية.
وإن كانت البنوك الإسلامية قد أتاحت من الأوعية الادخارية المتعددة المزايا والآجال ما يجذب فوائض السيولة النقدية المتوافرة سواء لدى الأشخاص الطبيعيين أو الأشخاص الاعتباريين كبديل ملائم عن إيداعاتهم ذات الأجل لدى البنوك التقليدية مما يعد حلًّا لمشكلة الفوائد المقبوضة.
وفي ظل سياسة العائد المتغير على الودائع التي زاد انتشارها في الوقت الحاضر فقد أصبحت الفرصة متاحة أمام البنوك الإسلامية للعمل على جذب المزيد من هذه الفوائض على اختلاف أحجامها وآجالها لا سيما لو عددت من أوعيتها الادخارية بالشكل الذي يلبي متطلبات المدخرين أفرادًا كانوا أو مؤسسات.
إلَاّ أن القضية الأساسية التي تظل فارضة نفسها تتبلور في مقدرة البنوك الإسلامية على تقديم أدوات تمويلية بديلة للشركات لتحل محل القروض المصرفية التقليدية ووسائل الاقتراض الأخرى المماثلة.
ومن المعروف أن الشركة تلجأ إلى الاقتراض في حالتين:
(أ) فيما لو تعرضت لقصور مؤقت في السيولة النقدية لديها عن تمويل رأس مالها العامل (تمويل الصفقات / مستلزمات التشغيل) فتلجأ إلى الاقتراض قصير الأجل الذي تتحدد مدته في ضوء فترة دوران رأس المال العامل.
وفي هذا المجال قدمت البنوك الإسلامية أساليب التمويل بالمشاركة أو بالمضاربة أو البيع بالمرابحة كبدائل تمويلية جيدة لتحل محل القروض التقليدية قصيرة الأجل.. ويتوقف قبول الشركة راغبة الاقتراض لأي من هذه الأساليب على نتيجة المفاضلة بين عبء خدمتها وتكلفة الفرصة البديلة.
(ب) الحاجة إلى تمويل عمليات التوسع أو التجديد أو إحلال الأصول الثابتة الإنتاجية عن غير طريق زيادة رأس المال المصدر والمكتتب فيه، حيث تلجأ الشركة إلى الاقتراض متوسط أو طويل الأجل عن طريقين.
* الاقتراض من البنوك التقليدية لفترة موقوتة وبجدولة سداد نظير فائدة محددة سلفًا.
* إصدار سندات على نفسها تلتزم بموجبها بسداد فوائدها المعلن عنها لدى طرح السندات إلى حامليها في مواعيده محددة مع التزامها برد قيمة السندات نفسها في تواريخ استحقاقها.
وتكلفة الاقتراض في كلتا الصورتين تكون عبئًا على ناتج نشاط الشركة بغض النظر عن كون هذا الناتج ربحًا أو خسارة، كما أنه كلما زاد حجم الاقتراض أو طالت مدته كان للمقرض أو مجموعة حملة السندات حق التدخل في إدارة الشركة.
وعادة تفضل المؤسسات الاقتراض بأي من هذين الأسلوبين لاعتياد السوق عليهما وباعتبار أن كليهما يمكنها من تحديد الأعباء بشكل مسبق وواضح مما يتيح تقدير اقتصادياتها المنتظرة بدقة.
على أنه هناك من البدائل المتفقة وأحكام الشريعة ما يحل محل الاقتراض متوسط وطويل الأجل على النحو سالف البيان، مع التنويه إلى أنه ما لم يكن للبنك الإسلامي السيطرة على إدارة الشركة فإن قبولها للتمويل بأي من هذه البدائل يتوقف وبالدرجة الأولى على مقدرة أجهزة البنك الترويجية على إقناع إدارة الشركة – عن حق – بجدواه الاقتصادية.
1-
التمويل بأسلوب المساهمة المتناقصة:
وبمقتضاه يمول البنك الإسلامي – سواء بمفرده أو بصفته ممثلًا لمجموعة بنوك مشاركة – مشروعات التوسع أو الإحلال أو التجديد للأصول الإنتاجية للشركة طبقًا لضوابط محددة نوجز لإطارها العام فيما يلي:
- أن تثبت الدراسة الجدوى الاقتصادية لهذه المشروعات ووجود ضمانات قوية – غير محملة بحقوق – مقابل التمويل المطلوب لتغطية الثغرة التمويلية.
- يجري التمويل على دفعات وفقًا للمراحل الفنية للمشروع وطبقًا للتكلفة الاستثمارية الفعلية لكل مرحلة.
- البنك (أو مجموعة البنوك الممولة) شريك للشركة في مخاطر التشغيل ربحًا كان أو خسارة.
- يحسب عائد التمويل في نهاية كل فترة مالية بالمعادلة.
- صافي ربح – خسارة التشغيل
(قبل عناصر التكلفة التحميلية) × رصيد تمويل المساهمة المتناقصة
ــ
مجموع التكاليف الاستثمارية للشركة
- يسترد التمويل على دفعات محددة المقدار والتوقيت ومحملة بنصيب التمويل من ناتج التشغيل وذلك بعد فترة سماح تتفق وطبيعة النشاط وإمكانات الشركة.
- للبنك (مجموعة البنوك الممولة) حق الاشتراك في الإدارة بمقدار نسبة مجموع تمويله الفعلي للشركة (حصة في حقوق الملكية + رصيد التمويل بالمساهمة المتناقصة) إلى مجموع التكاليف الاستثمارية للشركة (مجموع حقوق الملكية + مبلغ التمويل بالمساهمة المتناقصة) .
وبالتبعية يتخارج البنك تدريجيًا – تمويلًا وإدارة – من الشركة بقدر ما يسدد له من استحقاقات عن هذا النوع من التمويل، ويكتمل هذا التخارج بإتمام السداد مع استمرار احتفاظ البنك بحقوق مساهمته في رأس المال المصدر والمكتتب فيه.
2-
التمويل بإصدار السندات المشاركة في الدخل:
(صكوك التمويل ذات العائد المتغير) :
التي بموجبها يشارك حملتها أصحاب أسهم رأس المال في صافي الربح (ومن باب أولى في الخسارة) طوال آجال سريانها وإلى أن يتم سداد قيمتها أو تتحول إلى أسهم في التاريخ المحدد لأي من الغرضين وذلك طبقًا للاشتراطات الشرعية لعقد المشاركة.
ونظرًا لأن إصدار هذه السندات – كبديل عن الاقتراض التقليدي – رهن بتقدير القائمين على أمور الشركة، فإن هذه الأداة التمويلية تكون أكثر قابلية للتطبيق في الشركات التي يكون للبنك الإسلامي ثقل في إدارتها، كما أنه من العوامل المساعدة في إنجاح هذا الأسلوب:
- قيام البنك بمعاونة الشركة في الترويج لهذه السندات بين جمهور المستثمرين وشراؤه ما لم يتم تغطيته من إصداراتها، ومن ثم فله أن يعيد طرح هذا الجزء غير المغطى أو بعضه – على عملائه وفق ما يتراءى له ولحسابه وعلى مسؤوليته.
- قابلية السندات المصدرة للتداول.
- وجود ثمة تمييز لأصحاب أسهم رأس المال عن حملة السندات من حيث العائد وبصفة خاصة في المراحل الأولى لتطبيق هذه الأسلوب التمويلي.
3-
صكوك الاستثمار مخصصة الغرض:
وهي صكوك يصدرها البنك ويروج لها بين جمهور راغبي الاستثمار (أفرادًا وهيئات) ، وتصلح كأداة لتجميع المدخرات بالحجم المطلوب لتغطية الثغرة التمويلية لمشروع مفرز بذاته مستهدف إقامته لغرض إعادة البيع، وتثبت الدراسة الفنية والمالية جدواه الاقتصادية وذلك طبقًا للمحددات الآتية:
* مدة محددة لإقامة المشروع وترويجه للبيع مع التيقن بدرجة كافية من القدرة على ترويجه كاملًا.
* تقدير عالي الدقة للتكلفة الاستثمارية الشاملة للمشروع يأخذ في توقعاته متغيرات السوق المحتملة.
* تصدر الصكوك على مراحل وبفئات متعددة تتلاءم والقدرات الادخارية المختلفة لتغطي حصيلة إصداراتها الثغرة التمويلية المتوقعة بكل مرحلة من مراحل تنفيذ المشروع آخذًا في الاعتبار ما يلي:
- البنك بصفته مصدرًا للصكوك يكون ضامنًا للاكتتاب فيها ومديرًا للتمويل.
- إتاحة المعلومات الفنية والمالية عن المشروع لجمهور راغبي الاكتتاب.
- أجل الصك مرتبط بالانتهاء من تنفيذ وتصفية المشروع بالكامل.
* يلتزم البنك بصفته مديرًا للتمويل بتقديم تقارير تقويم دورية إلى المكتتبين عن سير العمل بالمشروع.
* يقبل البنك إعادة شراء الصك الذي يرغب حامله في بيعه وذلك دون الارتباط بسعر محدد للشراء وإنما يتحدد سعر إعادة الشراء طبقًا لمراحل تقدم العمل بالمشروع وحسب آخر تقويم مالي له.
* في الأصل إن العائد على هذه الصكوك لا يتحدد أو يتحقق إلَّا بإتمام بيع المشروع بالكامل، إلَّا أنه من الملائم – خاصة في المشروعات التي تستغرق عدة سنوات، أن تصرف نسبة معينة من قيمة الصك كل فترة دورية يصير تحديدها في ضوء تقارير التقويم المالية الدورية للمشروع وذلك تحت حساب عائد الصك.
* للبنك عائد عمل يتفق عليه مقدمًا نظير إدارته للتمويل ووكالته عن المكتتبين في الصكوك.
* لحملة الصكوك الحق في أولوية تملك وحدات المشروع إن كان بطبيعته قابلًا لذلك.
تابع للوَثيقَة رَقم (2)
الاعتبارات التي بُنِيَت عَليهَا
وَرقة بنك البَحرين الإسلَامي
حَول
تحرير محافظ الأوَراق الماليَّة للبُنوك الإسلاميّة
حَول المال المشتبَه في حلِّهِ
إعدَاد
عبد اللطيف عبد الرّحيم جنَاحي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وبعد:
فبنزول قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3] .
تم التبليغ التام الكامل لرسالة السماء إلى البشر، وكانت سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ترجمة تطبيقية لتلك الرسالة، حتى يزول الإبهام ويذهب الغموض وتتضح الرؤية في فهم محتوى الرسالة ومعرفة فحواها.
وجاءت تطبيقات آل البيت والصحابة والتابعين والسلف الصالح – رضوان الله عليهم أجمعين – المتأسين بالمصطفى صلى الله عليه وسلم، نماذج أكدت سلامة التنفيذ ومرونة التطبيق، كما عززت الإيمان على مرور الزمن بصلاحية الرسالة المحمدية لكل زمان، وباتساع الرقعة الجغرافية للعالم الإسلامي والتي شملت في عصر سلفنا الأوائل من حدود الصين حتى إسبانيا تأكدت صلاحية هذه الرسالة لكل مكان، فالامتداد الزمني للتطبيق، والاتساع الجغرافي يعني تنوع المصالح وتعدد الاحتياجات، ولقد وضع فقهاؤنا الحلول لكل ما اعترضهم من القضايا مما لم يعد لأي مقولة تدعي عدم اتضاح الرؤية أو الغموض في بعض تعاليم الإسلام أي سند يذكر.
فأسلافنا مثلًا فهموا الربا الفهم الصحيح فاجتبنوه وسجلوا ذلك الفهم ليقرأ على مدى الأجيال، ومارسوا المعاملات بشتى صورها ودونت تفصيلًا، بل ووضعت الافتراضات والاحتمالات لما قد يقع، ودونت حلولها، فأي رأي يضفي على تعاليم الإسلام الإبهام مرفوض وأي ادعاء بالقصور في التطبيق أو عدم الوضوح فيه مردود عليه من واقع التطبيق، ومثبتات التاريخ.
ومن يقرأ التاريخ يجد أن حضارة العرب (حملة رسالة الإسلام) لم تكن شيئًا مذكورًا قبل نزول هذا الدين مقارنة بحضارات الأمم المجاورة كالفرس والروم ولكن تلك الحضارة العربية البدائية تمكنت من أن تستوعب الحضارات العظيمة القائمة آنذاك وتتفاعل معها تفاعلًا إيجابيًّا فأفادت واستفادت، بل وطورت، منطلقة إلى حضارة أكثر اتساعًا، وأبعد عمقًا، وأشد رسوخًا، وأشمل عطاء، وأكثر إنصافًا وعدالة، حتى بتنا إلى يومنا هذا نراها تسرى في الحضارات القائمة سريان الدم القاني المغذي للجسد.
ويقينًا أن أسلافنا أدركوا أن وقوفهم وقوف المتفرج أمام تلك الحضارات لن يغني ولن يقدم للعالم ما ينفع.
ويقينًا أن تلك الحضارات ما كانت تخلو من المحرم المرفوض إسلاميًّا.
ولكن بالرغم من ذلك تفاعل أسلافنا مع تلك الحضارات حتى أصبحوا هم سادة العالم حضاريًّا فاستغرقوا حضارة الأمم وبنوا حضارة متميزة بصفاء الإسلام وطموحات المسلم.
وبانقلاب الوضع وإبعاد الإسلام عن ساحة التطبيق وانتفاء الإرادة السياسية الحازمة المطبقة للشرع الإسلامي، أصبحت الرسالة التي سادت العالم تطبيقًا أميل إلى النظرية المسطرة، وظلت في أمهات كتب السلف الصالح أحداثًا وتاريخًا للمطلعين، إلى أن جاءت صحوة مباركة في عصرنا الحاضر لتعاود التطبيق السليم لتعاليم الإسلام من جديد، ونظرًا لشمول النظرية واتساعها ونظرًا لمحدودية القدرة الاستيعابية التطبيقية للمسلمين انقسمت الجهود المخلصة إلى فئات لتعمل كل فئة على بلورة جانب من جوانب النظرية وخدمتها بتخصيص دقيق دون إغفال أن تعاليم الإسلام تؤخذ جملة.
وكان ميدان الاقتصاد الإسلامي من أهم الميادين في عصرنا التي جوبهت بالعديد من الامتحانات والتساؤلات، واتسمت بالممارسة التطبيقية فبرزت سلبيات ليس لنقص في النظرية إنما لأسباب عدة أهمها:
1-
وجود شيء من المسافة المبهمة بين النظرية والتطبيق والتي سببها قصور المطبقين للنظرية.
2-
اقتصار المهتمين بالاقتصاد الإسلامي من علماء واقتصاديين على التحدث عن العموميات دون الخوض في التفاصيل.
3-
عدم وجود برنامج زمني للوصول إلى الأهداف وتحقق الإرادة القادرة على التطبيق مع تهيئة الأرضية الصالحة المستقبلة بوعي لتلك الأهداف.
4-
بروز عناصر إسلامية متطرفة تشد الإنسان المسلم إلى الوراء وتجعل منه الإنسان الرافض لمستجدات الأمور والقارئ لتاريخه المتطور قراءة جامدة تخلو من روح الفهم المعاصر والإبداع المتجدد الذي تميز به ذلك التاريخ، مما أدى إلى أن يعيش المسلم داخل نفسه منكفئًا على ذاته جاهلًا ما للإسلام من دوافع خلاقة تدفع معتنقه إلى التطور والتقدم.
مثل تلك الأسباب خلقت صعوبات أمام التطبيق. ونشرت نوعًا من البلبلة الفكرية بين صفوف المسلمين. وأضفت عتمة على الأفكار المطروحة أدت إلى التهيب من الفتوى وإبداء الرأي لدى عدَدٍ ليس بالقليل من ذوي الهمة العلمية والفهم الواعي للإسلام.
وموضوع تحرير عوائد الأسهم من الأموال المشبوهة هي من تلك القضايا التي تَحَرَّجَ عن الخوض فيها العديد من العلماء منفردين لدواعي الورع والتريث. إلا أن وعي القائمين على المؤسسات المالية الإسلامية ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي وإدراكهم لأهمية الموضوع جعلهم يطرحونه للحوار العلمي الدقيق بغرض الوصول إلى رأي جماعي ذلك لأن الحاجة للوصول إلى رأي شرعي قاطع في هذا الموضوع من الأهمية بمكان لأسباب منها:
1-
صغر العالم وتقاربه نتيجة الثورة التكنولوجية في وسائل المواصلات والتي جعلت تداخل الاستثمارات أمرًا حتميًّا.
2-
حجم التأثير الإعلامي الغربي المتقدم على العالم الإسلامي والتفنن في جذب رؤوس الأموال الإسلامية مما أغرى الكثير من المسلمين من مؤسسات وأفراد على الإقبال على الاستثمارات في الغرب.
وما سبق يدعونا لطرح سؤالين هامين:
1-
هل يقف العالم الإسلامي بما لديه من ثراء وإمكانات وقوف المتفرج أمام النشاط الاستثماري الغربي دون أن يأخذ دورًا إيجابيًّا محركًا ومؤثرًا ومصححًا؟
2-
إذا كان الهدف الذي نسعى إليه هو أسلمة السوق: أفلا يجب أن نعطي رؤوس الأموال الإسلامية الدور اللازم الممكن من التأثير في السوق لتحقيق الهدف؟
ليس الأمر فيما ذكرنا تمهيدًا لنحل حرامًا، فذاك ما يرفضه إيمان المسلم، ولكن المراد هو إعطاء المال الإسلامي فرصته لكي يؤثر في الأسواق العالمية ومن خلال ذلك التأثير تفرض السلوكيات الاقتصادية الإسلامية.
ولما كانت تلك الأسواق لا تخلو من الحرام في التعامل فهل يمكن وجود المخرج المؤقت مع التحرز والاجتهاد وتبييت النية للمضي بجد لتحقيق الهدف الأسمى وهو تطبيق تعاليم الشرع الحنيف تطبيقًا شاملًا في عالمنا المعاصر؟
إننا على ثغرة من ثغور الإسلام، ولنا من الجهاد في سبيله سبحانه في ميدان الاقتصاد نصيب بإذن الله وسَعْيُنا هو إثبات وجود إسلامي فعال مؤثر في الأسواق المالية العالمية.
والجدير في مثل هذه المواقف، أن نقرأ تاريخنا بإيمان السلف وبروح العصر لنصل إلى الموقف الشرعي السليم المحقق للهدف، وقد يكون من المناسب أخذ النقاط التالية في الاعتبار كمدخل للنظر في الموضوع:
أولًا: دخول الأسواق المالية العالمية لإثبات الوجود الإسلامي كقوة فكرية ومادية.
ثانيًا: الاجتهاد في عزل المال المشبوه.
ثالثًا: وضوح الهدف النهائي لمن يلج مثل هذا الميدان لإخضاع الوسائل للغايات والأهداف كحملة رسالة لا كقصاد ربح.
إن وضوح الهدف والسعي لتحقيقه لما فيه مصلحة الإسلام والمسلمين يبعث في نفس الإنسان المسلم الطمأنينة عند طرح الآراء، والإسلام دين يسر فالله يقول:
* {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] .
* {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] .
* {يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ} [النساء: 28] .
* وفي الصحيحين:
* ((إنما بعثتم ميسرين)) .
* ((يسروا ولا تعسروا)) .
* ((ليعلم اليهود أن في ديننا سعة)) .
وهدي المصطفى صلى الله عليه وسلم مبني على اليسر فهو صلوات الله وسلامه عليه حرم سؤر السباع وبالرغم من أن الهرة سبع إلَّا أنه استثناها وعلل ذلك بأنها من الطوافين عليكم والطوافات وذلك تيسيرًا على الأمة. كما أنه صلوات الله وسلامه عليه نهى عن قطع الشجر والحشيش في حرم مكة ولما كانت حاجة الناس إلى الأذخر لسقوف بيوتهم قائمة استثنى صلى الله عليه وسلم الأذخر.
ومن المعروف لدى الفقهاء ((بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أباح بيع العرايا بالتمر)) رغم أن الأصل فيه عدم الجواز.
للسرخسي في المبسوط عبارة يجدر الاستشهاد بها في هذا المقام وهي قوله: (ما لا يستطاع الامتناع عنه فهو عفو) .
وفي القواعد النورانية الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية
(ص122) : (والشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضها حاجة راجحة أبيح المحرم) .
وأخذًا لما ذكر في الاعتبار جاءت ورقة بنك البحرين الإسلامي تحت عنوان " تحرير محافظ الأوراق المالية للبنوك الإسلامية من المال المشتبه في حله "، لتطرح أسلوب عزل المال الحرام ليكون التصور واضحًا بقدر المستطاع فيسهل اتخاذ القرار.
ونسأل الله الصواب في القول والعمل إنه سميع مجيب.
عبد اللطيف عبد الرّحيم جنَاحي