الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيع الوفاء وحكمه
إعداد
فضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي كرمنا بقوله: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} [الإسراء: 70] ، وشرفنا بالهداية إلى الحلال والحرام. والصلاة والسلام على محمد الذي كشف النور عن الظلام وعلى آله وأصحابه وفقهاء أمته إلى يوم القيامة.
أما بعد فإن بيع الوفاء عند الحنفية هو أن يقول البائع للمشتري بعت منك هذا العين بما لك علي من الدين على أني متى قضيت الدين فهو لي كما في قواعد الفقه للمفتي عميم الإحسان، وبيَّن علاء الدين الحصكفي في كتابه الدر المختار صورته أن يبيعه العين بألف على أنه إذا رد عليه الثمن رد عليه العين.
وسماه الشافعية بالرهن المعاد ويسمى بمصر بيع الأمانة وبالشام بيع الإطاعة ووجه تسمية بيع الوفاء أن فيه عهدًا بالوفاء من المشتري بأن يرد المبيع على البائع حين رد الثمن. وبعض الفقهاء يسميه بيع الجائز ولعله مبني على أنه بيع صحيح لحاجة التخلص من الربا حتى يسوغ للمشتري أكل ريعه - وبعضهم يسميه بيع المعاملة ووجهه أن المعاملة ربح الدين وهذا يشتريه الدائن لينتفع به بمقابلة دينه [كذا في رد المحتار: 4/341] .
وبيع الوفاء هو الرهن حقيقة في صورة البيع وهو الصحيح كما نقله ابن العابدين في رد المحتار على الدر المختار عن جواهر الفتاوى قال في الخيرية: والذي عليه الأكثر أنه رهن لا يفترق عن الرهن في حكم من الأحكام. قال السيد الإمام: قلت للإمام الماتريدي: قد فشا هذا البيع بين الناس. وفيه مفسدة عظيمة وفتواك أنه رهن وأنا أيضًا على ذلك فالصواب أن يجمع الأئمة ونتفق على هذا ونظهره بين الناس، فقال: المعتبر اليوم فتوانا وقد ظهر ذلك بين الناس فمن خالفنا فليبرز نفسه وليقم دليله. وبه صدر في جامع الفصولين فقال رامزًا لفتوى النسفي: البيع الذي تعارفه أهل زماننا احتيالًا للربا وسموه بيع الوفاء هو رهن في الحقيقة لا يملكه ولا ينتفع به إلا بإذن مالكه، وهو ضامن لما أكل من ثمره وأتلف من شجره ويسقط الدين بهلاكه لو بقي، ولا يضمن الزيادة وللبائع استرداده إذا قضى دينه. لا فرق عندنا بينه وبين الرهن في حكم من الأحكام. اهـ، ثم نقل ما مر عن السيد الإمام وفي جامع الفصولين ولو بيع كرم بجنب هذا الكرم فالشفعة للبائع لا للمشتري لأن بيع المعاملة والتلجئة حكمهما حكم الرهن وللراهن حق الشفعة وإن كان في يد المرتهن. اهـ
…
[رد المحتار: 3/342] .
إذا ثبت بأن بيع الوفاء والرهن سواء في الأحكام فلتشرع في بيان أحكام بيع الوفاء باسم الرهن والراهن والمرتهن والمرهون وذلك لأن اسم بيع الوفاء اسم جديد لا يرى استعماله في المصطلحات القديمة من عهد الصحابة والتابعين ولا في زمان فقهاء الدور الأول.
اختلف الأئمة في الجواز وعدم جواز الانتفاع بالمرهون للمرتهن أو للراهن، فرأى أبو حنيفة أنه لا يملك الراهن الانتفاع به، وقال الشافعي (رح) للراهن أن ينتفع به ما لم يضر المرتهن وأنكر أبو حنيفة ومالك والشافعي انتفاع المرتهن به خلافًا لأحمد (رح) .
والأصل في الباب في حديث الظهر يركب إذا كان مرهونًا ولبن الدر يشرب إذا كان مرهونًا وعلى الذي يركب ويشرب نفقته.
أخرج أبو داود عن أبي هريرة وابن ماجه عنه مرفوعًا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لبن الدر يحلب بنفقته إذا كان مرهونًا وعلى الذي يحلب ويركب النفقة)) . قال أبو داود هو عندنا صحيح. نقل صاحب المشكاة هذا الحديث عن صحيح البخاري. وروى الشافعي مرسلًا عن سعيد بن المسيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه)) وروى مثله ومثل معناه لا يخالفه عنه عن أبي هريرة متصلًا. والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق وقال بعض أهل العلم: ليس له أن ينتفع من الرهن.
قال ابن حجر في تلخيص الحبير في تخريج أحاديث شرح رافع الكبير في هذا الحديث بأنه أعل بالوقف وأشار ابن أبي حاتم إلى رفعه.
فهذا الحديث بظاهره يدل على جواز الانتفاع بالمرهون، وبه أخذ أحمد وغيره للمرتهن، وحمله الشافعي على الراهن وجواز الانتفاع له، قال السيوطي في مرقات الصعود شرح سنن أبي داود: تأوله الشافعي على الراهن وأحمد على المرتهن، وفي إرشاد الساري احتج به الإمام أحمد حيث قال: يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن إذا قام بمصلحة ولو لم يأذن له المالك، وأجمع الجمهور على أن المرتهن لا ينتفع من الرهن بشيء.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث منسوخ عند جمهور الفقهاء، ويرده أصول مجمع عليها وآثار لا يختلف في صحتها على نسخه حديث ابن عمر لا تحلب ماشية امرىء بغير إذنه، وقال: عن الشافعي ما يشبه أن يكون المراد لم يمنع الراهن من درها وظهرها فهي محلوبة ومركوبة له كما كانت قبل الرهن، وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية عنه: ليس للراهن ذلك لأنه ينافي حكم الرهن وهو الحبس الدائم وفي الجامع الصغير للسيوطي وشرح للعزيري: الرهن أي الظهر المركوب يركب بنفقته ويشرب لبن الدر، قال العلقمي: يجوز للمرتهن ذلك بإذن الراهن وإذا هلك لا ضمان عليه، وقال أحمد وإسحاق وطائفة: يجوز للمرتهن الانتفاع بالمرهون إذا قام بمصلحة وإن لم يأذن له المالك، ومنه أيضًا الظهر أي ظهر الدابة المرهونة مركب بنفقته إذا كان مرهونًا أي يركبه الراهن وينفق عليه عند الشافعي ومالك لأن له الرقبة، وليس للمرتهن إلا التوثق، أو المراد المرتهن له ذلك بإذن الراهن واستدلت طائفة بالحديث على جواز انتفاع المرتهن بالمرهون إذا قام بمصلحة وإن لم يأذن له المالك، وحمله الجمهور على ما تقدم، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة، وهو الراهن وكذا عليه نفقته وإن لم ينتفع به، وبظاهر الحديث عمل أحمد ابن حنبل، قال غيره: لا يجوز الانتفاع به لكن منافعه كاللبن ونحوه يكون للراهن عند الشافعي ويكون رهنًا كالأصل عندنا انتهى.
وأطال أبو جعفر الطحاوي في كتابه شرح معاني الآثار بحث الرهن والانتفاع بالمرهون للمرتهن أو الراهن، وقال: وقد ظهر من هذه العبارات وغيرها من كلمات الثقات أنهم اختلفوا في الحديث المذكور على أقوال، أحدها: حمله على انتفاع الراهن وهو مسلك الشافعية، وثانيها: حمله على المرتهن مطلقًا وإن لم يأذن له الراهن وهو مسلك الحنابلة، وثالثها: حمله على انتفاع المرتهن بإذن الراهن وهو مسلك جمهور علماء الأمة، ورابعها: كونه منسوخًا بتحريم القرض مع جر المنفعة، ولا يخفى على المنصف غير المتعصب أن أولى الأقوال فيه: حمله على انتفاع المرتهن عند إذن الراهن، لكن بشرط أن لا تكون مشروطًا حقيقة أو حكمًا كما سيأتي، أما حمله على جواز انتفاع المرتهن مطلقًا يخالفه الأصول الشرعية والقواعد الممهدة النقلية الثابتة: - لا يجوز الانتفاع بملك الغير بدون إذنه صريحًا أو دلالة فإنه لا شك أن المرهون مملوك للراهن وليس للمرتهن إلا حق حبس التوثيق، فكيف يجوز له التصرف بغير إذن الراهن وإليه أشار ابن عبد البر المالكي في إرشاد السالك - وحمله على انتفاع الراهن يخالف تصريح ما ورد في بعض طرقه من ذكر المرتهن.
وقال صاحب الهداية وشرحها: إن حكم المرتهن عندنا صيرورة الرهن محتبسًا بدين المرتهن حبسًا دائمًا بإثبات يد الاستيفاء منه فحسب، ولهذا لا يجوز عندنا انتفاع الراهن واسترداده لأنه يفوت موجبه وهو الحبس الدائم، ويجوز عنده لعدم كونه منافيًا لموجبه وهو تعينه للبيع، وأما إبداء احتمال أنه منسوخ كما ذكره الطحاوي فيخدشه أن النسج لا يثبت بالاحتمال، أن هذا الحكم كان في زمان إباحة الربا وإباحة القرض الذي جر منفعة وحكم بمنع كل ذلك لا يحكم بنسخه، نعم يصح أن يقال إنه معارض لخبر النهي عن القرض الذي جر منفعة، ومن المعلوم أنه عند التعارض بين الحل والحرمة ترجح الحرمة، والخبر المذكور هو ما ذكره صاحب الهداية وغيره في بحث الكراهية أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قرض جر نفعًا وهو وإن كان متكلمًا فيه سندًا لكنه مؤيد بآثار الصحابة وعمل الأئمة.
وحقق عبد الحي اللكنوي بأن أصحاب الحنفية بعدما اتفقوا على أنه لا يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن بدون إذن الراهن، اختلفوا في جوازه بالإذن على أقوال عديدة كما دلت عليه عباراتهم المختلفة، الأول: أنه جائز. الثاني: أنه ليس بجائز. والثالث: أنه جائز قضاء غير ديانة. والرابع: أن الإذن إن كان مشروطًا فهو غير جائز وإلا فهو جائز. والخامس: إن كان الإذن مشروطًا فهو حرام وإن لم يكن مشروطًا فهو مكروه وذكر عبارات مشاهيرهم الدالة على تفرقهم.
ثم قال: وأولى الأقوال المذكورة وأصحها وأوفقها برواية الحديث هو القول الرابع، ما كان مشروطًا يكره وما لم يكن مشروطًا لا يكره، أما كراهة المشروط فلحديث كون القرض الذي جر منفعة ربا، وأما عدم كراهة غير المشروط فلحديث الظهر يركب ولبن الدر يشرب، والمراد بالكراهة التحريمية كما يفيده تعليلهم بأنه ربا وهو المراد من الحرمة في قول من تكلم بحرمة المشروط فإن المكروه التحريمي قريب من الحرام بل كأنه هو
…
إلخ.
وملخص ما ذكر في الموسوعة الفقهية: ص260 - 261 - 263:
حكم بيع الوفاء: اختلف الفقهاء في الحكم الشرعي لبيع الوفاء فذهب المالكية والحنابلة والمتقدمون من الحنفية والشافعية إلى أن بيع الوفاء فاسد، لأن اشتراط البائع أخذ المبيع إذا رد الثمن إلى المشتري يخالف مقتضى البيع وحكمه، وهو ملك المشتري للمبيع على سبيل الاستقرار والدوام، وفي هذا الشرط منفعة للبائع ولم يرد دليل معين يدل على جوازه فيكون شرطًا فاسدًا يفسد البيع باشتراطه فيه.
ولأن البيع على هذا الوجه لا يقصد منه حقيقة البيع بشرط الوفاء، وإنما يقصد من ورائه الوصول إلى الربا المحرم وهو إعطاء الحال إلى أجل ومنفعة البيع هي الربح، والربا باطل في جميع حالاته.
وذهب بعض المتأخرين من الحنفية والشافعية إلى أن بيع الوفاء جائز مفيد لبعض أحكامه وهو انتفاع المشتري بالمبيع دون بعضها، وهو البيع من آخر. وحجتهم في ذلك أن البيع بهذا الشرط تعارفه الناس وتعاملوا به لحاجتهم إليه فرارًا من الربا فيكون صحيحًا لا يفسد البيع باشتراطه فيه وإن كان مخالفًا للقواعد لأن القواعد تترك بالتعامل كما في الاستصناع.
وذهب أبو شجاع وعلي السغدي والقاضي أبو الحسن الماتريدي من الحنفية إلى أن بيع الوفاء رهن وليس ببيع، فيثبت له جميع أحكام الرهن، فلا يملكه المشتري ولا ينتفع به ولو استأجره لم تلزمه أجرته كالراهن إذا استأجر المرهون من المرتهن ويسقط الدين بهلاكه ولا يضمن ما زاد عليه - وإذا مات الراهن كان المرتهن أحق به من سائر الغرماء، وحجتهم في ذلك أن العبرة في العقود للمعاني لا للألفاظ والمباني، ولهذا كانت الهبة بشرط العوض بيعًا وكانت الكفالة بشرط براءة الأصيل حوالة وأمثال ذلك كثير في الفقه.
وهذا البيع لما شرط فيه أخذ المبيع عند رد الثمن كان رهنًا لأنه هو الذي يؤخذ عند أداء الدين.
قال ابن عابدين: في بيع الوفاء قولان الأول: أنه بيع صحيح مفيد لبعض أحكامه من حل الانتفاع به إلا أنه لا يملك المشتري بيعه، قال الزيلعي في الإكراه وعليه الفتوى. الثاني: القول الجامع لبعض المحققين أنه فاسد في حق بعض الأحكام حتى ملك كل منهما الفسخ - صحيح في حق بعض الأحكام كحل الإنزال ومنافع المبيع ورهن في حق البعض حتى لم يملك المشتري بيعه من آخر ولا رهنه، وسقط الدين بهلاكه فهو مركب من العقود الثلاثة كالزرافة فيها صفة البعير والبقرة والنمر، جوز لحاجة الناس إليه بشرط سلامة البدلين لصاحبهما، قال في البحر: وينبغي أن لا يعدل في الإفتاء عن القول الجامع، وفي النهر: والعمل في ديارنا على ما رجحه الزيلعي.
وقال صاحب بغية المسترشدين من متأخري الشافعية: بيع العهدة صحيح جائز وتثبت به الحجة شرعًا وعرفًا على قول القائلين به، ولم أر من صرح بكراهته، وقد جرى عليه العمل في غالب جهات المسلمين من زمن قديم، وحكمت بمقتضاه الحكام وأقره من يقول به من علماء الإسلام مع أنه ليس من مذهب الشافعي وإنما اختاره من اختاره ولفقه من مذاهب للضرورة الماسة إليه ومع ذلك فالاختلاف في صحته من أصله وفي التفريع عليه لا يخفى على من له إلمام بالفقه.
شرط بيع الوفاء عند من يجيزه:
لتطبيق أحكام بيع الوفاء شرطان عند من يجيزه لا بد من توافرهما وهما:
(أ) أن يُنَصَّ في العقد على أنه متى رد البائع الثمن رد المشتري المبيع.
(ب) سلامة البدلين، فإن تلف المبيع وفاء وكانت قيمته مساوية للدين (أي الثمن) سقط الذي في مقابلته، وإن كانت زائدة على مقدار الدين وهلك المبيع في يد المشتري سقط من قيمته قدر ما يقابل الدين، وهو في هذا كالرهن عند الحنفية.
الآثار المترتبة على بيع الوفاء:
هناك آثار تترتب على بيع الوفاء عند من يجيزه من متأخري الحنفية وغيرهم نجملها فيما يلي:
أولًا - عدم نقله في الملكية:
إن بيع الوفاء لا يسوغ للمشتري التصرف الناقل للملك كالبيع والهبة عند من يجيزه ويترتب على ذلك عدة مسائل:
(أ) عدم نفاذ بيع المبيع وفاء من غير البائع - وذلك لأنه كالرهن والرهن لا يجوز بيعه.
(ب) لا يحق للمشتري في بيع الوفاء الشفعة وتبقى الشفعة للبائع - ففي الفتاوى الهندية نقلًا عن فتاوى أبي الفضل أنه سئل عن كرم بيد رجل وامرأة باعت المرأة نصيبها من الرجل واشترطت أنها متى جاءت بالثمن رد عليها نصيبها - ثم باع الرجل نصيبه هل للمرأة فيه شفعة؟ قال أبو الفضل: إن كان البيع بيع معاملة ففيه الشفعة للمرأة، سواء كان نصيبها من الكرم في يدها أو في يد الرجل.
(ج) الخراج في الأرض المبيعة بيع الوفاء على البائع.
(د) لو هلك المبيع في يد المشتري فلا شيء لواحد منهما على الآخر.
(هـ) منافع المبيع بيع الوفاء للبائع كالإجارة وثمرة الأشجار ونحوها، فلو باع داره من آخر بثمن معلوم بيع وفاء وتقابضا ثم استأجرها من المشتري مع شرائط صحة الإجارة وقبضها ومضت المدة هل يلزمه الأجر؟ قال: لا، فتبين أن الملك لم ينتقل للمشتري إذ لو انتقل أوجبت الأجرة، وكذلك ثمر الشجر للبائع دون المشتري، فإن المشتري لو أخذ من ثمر الأشجار شيئًا فإن أخذه بإذن البائع برئت ذمته وإن أخذه بغير إذنه ورضاه ضمنها.
(و) انتفال المبيع وفاء بالإرث إلى ورثة البائع، فلو باع رجل بستانه من آخر بيع وفاء وتقابضا ثم باعه المشتري من آخر بيعًا باتًّا وسلم وغاب، فللبائع وورثته أن يخاصموا المشتري الثاني ويستردوا منه البستان، وكذا إذا مات البائع والمشتريان ولكل ورثة فلورثة المالك أن يستخلصوا من أيدي ورثة المشتري الثاني، ولورثة المشتري الثاني أن يرجعوا بما أدي من الثمن إلى بائعه في تركته التي في أيدي ورثته، ولورثة المشتري الأول أن يستردوه ويحسبوه بدين مورثهم إلى أن يقضوا الدين.
ثانيًا - حق البائع في استرداد المبيع:
يحق للبائع أن يسترد مبيعه إذا دفع الثمن للمشتري في حالتي التوقيت وعدمه.
ثالثًا - أثر موت أحد المتعاقدين في بيع الوفاء:
سبق قريبًا أنه إذا مات المشتري أو البائع بيع وفاء فإن ورثته يقومون مقامه في أحكام الوفاء نظرًا لجانب الرهن.
رابعًا - اختلاف المتعاقدين في بيع الوفاء:
من أهم الأحكام التي تتعلق باختلاف المتعاقدين في بيع الوفاء ما يلي:
(أ) إذا اختلف المتعاقدان في أصل بيع الوفاء كأن قال أحدهما كان البيع باتًّا أو وفاء فالقول لمدعي الجد والبتات إلا بقرينة الوفاء، وهناك قول آخر عند الحنفية أن القول لمدعي الوفاء استحسانًا.
(ب) إذا أقام كل من المشتري والبائع البينة تقدم بينة الوفاء، لأنها خلاف الظاهر.
(ج) إذا لم يكن لأحدهما بينة فالقول قول مدعي البتات.
قال ابن عابدين: فتحصل أن الاستحسان في الاختلاف في البينة ترجيح بينة الوفاء، وفي الاختلاف في القول ترجيح قول مدعي البتات، ومن القرائن الدالة على الوفاء نقصان الثمن كثيرًا، وهو ما لا يتغابن فيه الناس عادة إلا أن يدعي صاحبه تغير السعر.
المحور الثالث:
الانتفاع للاقتصاد بأوجه بيع الوفاء:
أما مسألة انتفاع الاقتصاد المعاصر من البيع بالوفاء فمعقدة للغاية نظرًا إلى تعقيد المسائل الاقتصادية والمعاملات المالية والتجارية الحديثة والمتداولة على المستوى الدولي، وتتم معظم هذه المعاملات عن طريق البنوك التجارية التي تتعامل بالربا المحرم. ومن أجل التخلص من لعنة الربا في هذه المعاملات التي لا مفر منها للاقتصاد، يتوجب على طائفة من علماء العصر وفقهاء الأمة التفرغ للبحث في أوجه هذه المعاملات بكل تفاصيلها وتعقيداتها لإيجاد بدائل إسلامية لهذه المعاملات، ومن الممكن الاستفادة في هذا المجال بأوجه البيع بالوفاء الشرعية باعتبار البنك وسيطًا بين طرفي المعاملة، فيكون البنك راهنًا لطرف ومرتهنًا لطرف آخر ويبايع بالوفاء مع الطرفين على حدة بحيث يحقق البنك ربحه بدون ربط الثمن بنسبة مئوية من الفائدة.
الشريف محمد عبد القادر