المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌دراسة حول الغزو الثقافي للعالم الإسلاميبداياته، دوافعه، أبعاده، سبل مواجهتهإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي - مجلة مجمع الفقه الإسلامي - جـ ٧

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌العدد السابع

- ‌بحثالأسوَاق المالِيَّةفيمِيزان الفقه الإسلَاميإعدَادالدكتور علي محيي الدّين القره داغي

- ‌الأسهم، الاختِيارات – المستَقبَليّاتأنواعهَا وَالمعامَلات التي تجري فيهَاإعدَادالدكتور محمَّد علي القري بن عيد

- ‌الاختِياراتإعدادفضيلة الشيخ محمّد المختار السّلامي

- ‌عقُود الاختياراتإعدَادفضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌الاختِياراتإعدَادفضيلة الدكتور الصديق محمّد الأمين الضرير

- ‌الاختِياراتدَراسَة فِقهيّة تحليليّة مُقَارنَةإعدَادعَبد الوهاب ابراهيم أبو سليمان

- ‌الاختيارَات في الأسوَاق الماليَّةفي ضَوء مُقرّرات الشريعَة الإسلَاميِّةإعدَادالدكتور عبد الستار أبو غدّة

- ‌عقُود المستَقبليات في السّلعفي ضَوء الشّريعَةِ الإسلاميَّةإعداَدالقاضي محمَّد تقي العثماني

- ‌بطَاقَة الائتمان وَتكييفها الشَّرعيإعدادالدكتور عبد السّتار أبُوغُدَّة

- ‌بطَاقات الائتمانإعدَادالدكتور محمَّد علي القري بن عيد

- ‌بِطاقَة الائتِماندرَاسة شرعِيَّة عَمليَّة مُوجَزةإعدَادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌المشاركة في شركات أصل نشَاطها حَلَالإلاّ أنّهَا تتعَامل بالحَرامإعدَادالشيخ عبد الله الشيخ محفوظ بن بية

- ‌التعامُل مَع شركات تَقوُم بأعمال مَشروعَةوَتتعامَل مَع البُنوُك بالفَوائدإعداَدفضيلة الشيخَ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بية

- ‌بَحثٌ عَن بَطاقات الائتمان المصرفيّةوالتكييف الشرعي المعمُول به فيبَيت التمويل الكويتي

- ‌دَراسَة مُقَدّمة إلىالنّدوة الثانِية للأوَراقِ المالِيّةمِن بنك البحَرين الإسلَاميحَولتَحرير محافظ الأوَراق الماليّة للبُنوك الإسلاميّةمِن المَالِ المشتبَه في حِلِّهوَالمعالجَة المالية المقترحَة لعَزل أثر التعَامُل بالفَائدةعَلى عَائداتِ الأسهُم

- ‌أسئلة عَلى الأسهم وَالاختيارات وَالمستَقَبليّاتمُقَدّمَة مِنَ البنك الإسلامي للتَنميَة

- ‌التّوصيَات الصَّادرة عَن النَّدوة الفِقهيَّة الاقتصَاديَّةالمنعقدَة بَينمجمَع الفِقِه الإسلَامي وَالبنك الإسلَامي للتِنميَة

- ‌البَيَان الخِتامي وَالتّوصيَاتللنّدوة الثانيَة للأِسَواقِ المالِيَّةالمنعقدَة بدَولة البحَرين

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الأول: (المداينة ونظرة الإسلام إليها) .المحور الثاني: (بين صلح الحطيطة وحسم الكمبيالة) .المحور الثالث: (ضابط الإعسار الذي يوجب الإنظار) .إعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌أحكام البيع بالتقسيطوسائله المعاصرة في ضوء الفقه الإسلاميإعدادفضيلة القاضي محمد تقي العثماني

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الثاني: الحطيطة والحلولإعدادالدكتور رفيق يونس المصري

- ‌توثيق الدين والمعاملات المالية الأخرىإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌البيع بالتقسيطالمحور الثانيتوثيق الدين في الفقه الإسلاميإعدادالدكتور نزيه كمال حماد

- ‌عقد الاستصناعومدى أهميته فيالاستثمارات الإسلامية المعاصرةإعدادفضيلة الشيخ مصطفي أحمد الزرقاء

- ‌عقد الاستصناعإعدادالأستاذ الدكتور علي السالوس

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور وهبة مصطفى الزحيلي

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور علي محيي الدين القره داغي

- ‌عقد الاستصناعإعدادالدكتور عبد الله محمد عبد الله

- ‌الاستصناع ودوره فيالعمليات التمويلية المعاصرةإعدادالدكتور عبد السلام العبادي

- ‌أثر الاستصناعفي تنشيط الحركة الصناعيةإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌عقد الاستصناعإعدادفضيلة الشيخ كمال الدين جعيط

- ‌الاستصناع والمقاولاتفي العصر الحاضرإعداد فضلة الشيخ مصطفى كمال التارزي

- ‌الاستصناعتعريفه - تكيفه - حكمه - شروطهأثره في تنشيط الحركة الاقتصاديةإعدادالدكتور سعود بن مسعد بن مساعد الثبيتي

- ‌عقد الاستصناعوعلاقته بالعقود الجائزةإعدادالدكتور محمد رأفت سعيد

- ‌بيع الوفاء وعقد الرهنإعدادفضيلة الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء

- ‌ موضوع بيع الوفاء

- ‌بيع الوفاءإعدادالشيخ خليل محيي الدين الميس

- ‌بيع الوفاء عند الإماميةإعدادحجة الإسلام الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌(مدى انتفاع الاقتصاد من بيع الوفاء)أوتوظيف بيع الوفاء في اقتصاد العصرإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الوفاء بما يتعلق ببيع الوفاءشيخ الإسلام أبو عبد الله محمد بيرم الثاني(المتوفى 1247هـ)تقديم وتحقيقمحمد الحبيب ابن الخوجة

- ‌بيع الوفاءفي الفقه الإسلاميإعدادمحيي الدين قادي

- ‌بيع الوفاءإعدادد. عبد الله محمد عبد الله

- ‌أحكام الرهنوحكم الإنتفاع بالمرهونإعدادالدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد

- ‌بيع الوفاء وحكمهإعدادفضيلة الشيخ الشريف محمد عبد القادر

- ‌بيع الوفاءإعدادفضيلة الشيخ المفتي محمد رفيع العثماني

- ‌بيع الثنيا أو بيع الوفاءإعدادالأستاذ محمود شمام

- ‌عقد الرهنوأوجه الشبه بينه وبين عقد الوفاءإعدادالدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين

- ‌العلاج الطبيمبحث التداويإذن المريض وعلاج الحالات الميئوس منهاإعدادالدكتور محمد علي البار

- ‌حكم التداوي في الإسلامإعدادالدكتور علي محمد يوسف المحمدي

- ‌العلاج الطبيإعدادالدكتور محمد عدنان صقال

- ‌الحقوق الدولية في الإسلامإعدادفضيلة الشيخ محمد علي التسخيري

- ‌المعاهدات والاتفاقاتمنالعلاقات الدولية في أثناء السلمإعدادسماحة الدكتور عبد العزيز الخياط

- ‌أصول العلاقات الدوليةبين الإسلام والتشريعات الوضعيةإعدادالدكتور محمد الدسوقي

- ‌السلم، والحرب، والعلاقات الدوليةفي الإسلامإعدادالدكتور محمد رأفت سعيد

- ‌رسالةمعالي الدكتور محمد معروف الدواليبيحولالغزو الفكري

- ‌دراسة حول الغزو الثقافي للعالم الإسلاميبداياته، دوافعه، أبعاده، سبل مواجهتهإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

- ‌الغزو الفكريفي المعيار العلمي الموضوعيإعدادالدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور

- ‌الغزو الفكري وأساليب المواجهةإعدادالشيخ محمد علي التسخيري

- ‌الغزو الفكريإعدادالدكتور أبو بكر دكوري

- ‌الغزو الفكرىفى التصور الإسلامىإعدادالدكتور أحمد عبد الرحيم السايح

- ‌المسلمون وتحديات الفكر المعاصرإعدادالشيخ القاسم البهيقي المختار

- ‌الغزو الفكري في حياة المسلمينمنافذ دخُوله.. وَوَسَائل مُقاومتهإعدادالدكتور عُمَر يُوسف حَمزة

الفصل: ‌دراسة حول الغزو الثقافي للعالم الإسلاميبداياته، دوافعه، أبعاده، سبل مواجهتهإعدادالدكتور عبد السلام داود العبادي

‌دراسة حول الغزو الثقافي للعالم الإسلامي

بداياته، دوافعه، أبعاده، سبل مواجهته

إعداد

الدكتور عبد السلام داود العبادي

ممثل المملكة الأردنية الهاشمية

في مجلس المجمع

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على رسوله الكريم وبعد.. فهذه دراسة عامة حول الغزو الثقافي للعالم الإسلامي تعرض بإيجاز لبداياته ودوافعه وأبعاده والنتائج التي حقها في بلاد المسلمين مع عرض موجز لسبيل مواجهته، أقدمها للدورة السابعة لمجمع الفقه الإسلامي راجيًا أن ينفع بها وأن تساعد في تكوين تصور شامل للخطة اللازمة لمواجهة هذا الغزو ليس في العالم الإسلامي فحسب إنما في كشف تجنيه على الإسلام وعمله على تشويه مبادئه وقيمه في جميع أنحاء العالم، وفاء بواجب الدعوة إلى هذا الدين الذي شاء الله سبحانه أن يكون خاتمة الرسالات الإلهية وللناس كافة وحرصًا على إحقاق الحق ووضع الأمور في نصابها العلمي الصحيح وبخاصة أن عصرنا هذا يدعي بأنه عصر الموضوعية والأمانة في مجالات العلوم والمعرفة.

والواقع أن المواجهة الفكرية التي يتعرض لها الإسلام مواجهة شاملة وشرسة تتطلب الإعداد والتخطيط وبذل للجهود الواسعة المضنية في مجالات التأليف والبحث والنشر والإعلام والاستفادة من كل وسيلة متاحة لعرض المواقف الإسلامية بأمانة وموضوعية ورد كل الشبهات والمطاعن التي افتعلها ويفتعلها أعداء الإسلام حوله.

وإني أسأل الله سبحانه وتعالى أن يكون في هذه الدراسة مشاركة في هذا الواجب الكبير.

ص: 1864

بدايات الغزو الثقافي:

بدأت ملامح الغزو الثقافي تظهر بوضوح عقب الاتصال الذي تم بين الإسلام والغرب في الأندلس، فهنالك اطلع الغرب على حقيقة الإسلام فأخذ ينتشر بينهم في أوروبا انتشارًا سريعًا فأراد المستنفذون فيه من حكام ورجال دين أن يوقفوا انتشاره، فندبوا الكثيرين لدراسة الإسلام: دراسة المفتعل للمطاعن والمدعي لها هادفين شرحه إلى قومهم شرحًا منحرفًا وذلك حتى يوقفوا انتشاره الذي أخذ يكتسح أوروبا اكتساحًا يسهل عليه ذلك ما كانت تعيشه أوروبا من اضطهادات من الكنيسة ورجالها ومن الحكام وأعوانهم (1)، يقول سيرت أرنولد:" ولقد بلغ من تأثير الإسلام في نفوس معظم الذين تحولوا إليه من مسيحي أسبانيا مبلغًا عظيمًا حتى سحرهم بهذه المدنية الباهرة واستهوى أفئدتهم بشعره وفلسفته، وفنه الذي استولى على عقولهم وبهر خيالهم، كما وجدوا في الفروسية العربية الرفعية مجالًا فسيحًا لإظهار بأسهم وما تكشف عنه هذه الفروسية من قصد نبيل وخلق قويم. أضف إلى ذلك أن علوم المسيحيين وأدابهم لا بد أن تكون قد بدت فقيرة ضئيلة إذا ما قيست بعلوم المسلمين وأدابهم التي لا يبعد أن تكون دراستها في حد ذاتها باعثًا على الدخول في دينهم" ويقول أيضا: "ولما كان أشهر رجال الدين قد تأثروا تأثرًا عميقًا من جراء اتصالهم بالمسلمين جاز لنا أن نحكم بأن تأثير الإسلام في مسيحي أوروبا كان عظيمًا وليس أدل على صحة هذا القول من التفكر في عقد ذلك المجمع بمدينة طليطلة سنة 936م للبحث في أحسن الوسائل التي تحول دون أن تفسد هذه العلاقات من صفاء الدين المسيحي ونقائه (هكذا!!) .

ويقول: " من ذلك نستطيع أن ندرك بسهولة كيف أن عوامل التأثير في الآراء وإقامة الشعائر الإسلامية بالإضافة إلى هذه الجهود الواضحة التي بذلت في سبيل تحول هؤلاء المسيحيين قد

أدت إلى ما هو أكثر من مجرد التقارب والاتصال بل إنها سرعان ما عملت على زيادة الداخلين في الإسلام" (2)

(1) يراجع في ذلك كتاب الدعوة إلى الإسلام: ص 116، وما بعدها

(2)

الدعوة إلى الإسلام: ص 123 ـ 124.

ص: 1865

فالإسلام دين الفطرة والعقل تتقبله العقول السليمة البعيدة عن التعصب بكل يسر وهو دين السهولة والبعد عن الخرافات والتعقيد، وهو الدين المنظم لكل ناحي الحياة الإنسانية، فحقيقة الإسلام وأنظمته هي التي يسرت لها هذا الانتشار السريع في كل مكان يقول الفيلسوف الإنكليزي الشهير كارليل:"وما كاد يظهر الإسلام حتى احترقت فيه وثنيات العرب وجدل النصرانية وكل ما لم يكن بحق كان حطبًا ميتًا أكلته نار الإسلام"(1) .

ويرى المستشرق الألماني كارل بكر أن السبب في الحروب الصليبية هو أن الإسلام لما انبسط في العصور الوسطى أقام سدًّا في وجه انتشار النصرانية ثم امتد إلى البلاد التي كانت خاضعة لصولجانها (2) .

لذلك اقتنع رجال الكنيسة وملوك أوروبا بأن مد الإسلام يهددهم في عقر دارهم فسلكوا في مواجهته سبيلين: سبيل الحرب العادية، وسبيل الحرب الفكرية المتجنية، وكثيرًا ما تلاقى هذان السبيلان.

(1) عن كتاب آراء مشاهير كتاب الغرب في الإسلام: ص 22

(2)

التبشير والاستعمار: ص 36

ص: 1866

سبيل الحرب العادية:

فالسبيل الأول فشلت فيه أوروبا كثيرًا، فلقد استطاع الإسلام في سنتين أن يثبت أقدامه في أوروبا لمدة ثمانية قرون، هذا في غرب أوروبا، وفي شرقها استطاع أن يستولي على مركز الكنيسة الشرقية في القسطنطينية. واستطاع الإسلام أيضًا أن يقضي على الحملات الصليبية الأولى قضاء مبرمًا وهو في هذه الأيام يقضي على الحملات الصليبية الثانية الواحدة تلو الأخرى.

فهو حطم صليبية فرنسا في الشمال الأفريقي وغيره من المناطق، وصليبية بريطانيا في دول إسلامية عديدة، وها هو قد بدأ يعود إلى صفوف اتباعه كلهم روحًا دافعة تعيدهم إلى رحاب الحق وتنشر بهم كل خير. وإن وصف هذه الاحتلالات الاستعمارية الحديثة بالصليبية ليس تجنيًا من غير دليل ، بل يكفي دليلا على ذلك:

ـ القول المشهور الذي قاله الجنرال الفرنسي غورو قائد القوات الفرنسية التي دخلت دمشق بعد الحرب العالمية الأولى عندما زار قبر صلاح الدين الأيوبي "ها قد عدنا يا صلاح الدين"(1) .

ـ قول الجنرال اللنبي عندما دخل القدس في فترة الحرب العالمية الأولى سنة 1918م "اليوم انتهت الحروب الصليبية"(2) .

ـ ما قاله جورج بيدو الذي تولى وزارة الخارجية الفرنسية سنة 1963م: "أنه لن يترك الهلال يتغلب على الصليب"(3) .

ـ ما اعترف به الفرنسيون من أن الإسلام هو الذي يخيفهم في أفريقيا مثل قول "غي موليه رئيس الوزراء الفرنسي الأسبق": "إن الحركة الإسلامية التي تتسع في أفريقيا هي التي تهدد الإمبراطورية الفرنسية في المغرب "(4) .

ـ ما فعله هؤلاء المحتلون من اضطهادات للمسلمين ومحاربة للإسلام في جميع المناطق التي احتلوها وذلك ليسهل عليهم البقاء فيها.

ـ يقول زايير: "إن شعوبنا هي الوحيدة التي أرادت أن تحمل إلى الشرق عقائدنا وآراءنا كما تحمل إليه تجارتنا فكأننا نريد أن نستعمره في كل شيء"(5) .

ـ تشجيع هؤلاء المحتلين للمبشرين تشجعًا كبيرًا مما هو معروف على مستوى العالم الإسلامي، بل ظل تشجيعهم حتى بعد أن استقلت البلاد الإسلامية بحجج الثقافة ونشر العلوم والمساعدة في الإغاثة وعون المحتاجين وعلاج المرضى وغير ذلك من الحجج.

(1) التبشير والاستعمار: ص 36

(2)

الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي

(3)

عن كتاب التبشير والاستعمار: ص 178 نقلا عن مصادر غربية

(4)

عن كتائب التبشير والاستعمار: ص 178 نقلًا عن مصادر غربية

(5)

التبشير والاستعمار: ص 38

ص: 1867

سبيل الحرب الفكرية المتجنية:

وأما السبيل الثاني والذي هو سبيل الحرب الفكرية المتجنية فقد كان فرسانها الأوائل الرهبان الذي كان العلم مقتصرًا عليهم في أوروبا، فأخذ هؤلاء يشوهون حقائق الإسلام ويعرضونها عرضًا منفرًا على الأوروبيين، وألفوا ودبجوا في ذلك المقالات والكتب والصحف فأغروا قلوب المسيحيين على الإسلام وزرعوا فيهم حقدًا وضغينة أصبح فيما بعد من البدهيات عندهم والذي نرى أثره حتى إلى هذه الأيام، فلقد بلدوا الشعور الغربي نحو المسلمين فأصبحوا لا يتحركون لما يصيب المسلمين من كوارث ومصائب وذلك لما ترسخ في نفوسهم من حقد ورغبة في انقراض المسلمين.

وسائلهم:

ثم تبع هؤلاء الرهبان في عملهم هذا خلق كثير تخصص في ذلك ووقف حياته عليه، ويدلل على مدى الجهد الذي بذلوه في حربهم هذه عدد الكتب والمؤلفات التي أصدروها لهذه الغاية ، فإن خيال الإنسان قد لا يطيق تصور عدد الكتب التي ألفوها والنشرات الي طبعوها والمجلات والجرائد التي أصدروها طاعنين ومتهكمين ومستهزئين بكل مظاهر الإسلام ، حتى أن القارئ لكثير مما كتبوا لا يستطيع منع نفسه من الضحك على جهلهم بل تجاهلهم لحقائق الإسلام.

ومثال ذلك الكتاب الذي ألفه بوديه سنة 1625م مؤرخًا عن الإسلام وهو الكتاب الفرنسي الأول عن الإسلام والذي منه وقف الفرنسيون على حقيقة الإسلام ولقد اعتمد مؤلفه على الكهنة البيزنطيين والأسبان ، وهؤلاء هم الذين احتقروا الإسلام والمسلمين احتقارًا وأسفروا لهم عن حقد وضغينة (1) ، ولا أريد أن أمثل على هذه الكتب التي نهجت هذا النهج فالأمثلة على ذلك كثيرة لا تحصى (2) .

فإننا لا نكاد نمسك ونقرأ أي كتاب غربي يتكلم عن الإسلام أو الشرق "فإننا سنجد فيه أشياء كثيرة مبعثها التحامل، لا يقرها منطق ولا عقل بل تشنيع خال من الحق والعدل تتجلى فيه سوء النية تجليًا لا يقبل الرد"(3) .

وقد قاد هذه الحرب الفكرية المتجنية فريقان، رجال الكنيسة، وملوك أوروبا وأمراؤها خوفًا من الإسلام الذي أصبح يهددهم في عقر دارهم وذلك بما امتاز به الإسلام من سرعة الانتشار في البلاد التي صل إليها وهذا ما نبه إليه الكثيرون منهم، يقول غاردنو:"إن القوة التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوروبا"(4) .

ـ فقام الفريق الأول (قادة الكنيسة ورجالها) بتشجيع حركة التبشير والاستشراق ، ووقف أعداد كبيرة من الرهبان عليها فقد ورد في كتاب المستشرقون البريطانيون: فبينما كان التاجر يسعى في تحصيل النفع المادي من علاقاته بالشعوب الشرقية إذ المبشر الإنجيلي يسبقه تارة أويتبعه حثيثًا تارة أخرى وقد امتلأ حماسة شريفة أن يحقق أمر معلمه المسيح بالذهاب إلى كل العالم والتبشير بالإنجيل إلى كل مخلوق، وقد وجد أن مما يساعده على تحقيق ما يرمي إليه من الخلاص الروحي أن يتعلم ما للجماعة التي سيلقاها من لغة وطرق تفكير، وقد ازداد هذا التعليم لزومًا حين وجد الداعي المسيحي نفسه وجهًا لوجه أمام دين تبشيري آخر، هو الإسلام وأمام دعاة قاموا بدعوتهم، مستندين إلى ثقافة ناضجة وفلسفة لاهوتية دقيقة (5) .

وذلك ليقوموا بكل ما يستطيعون من تشويه وتزييف يهدفون منه هدفين:

الأول: حماية الكنيسة والمكاسب التي حصلت عليها من الزوال بانتشار الإسلام.

والثاني: غزو الشرق بهذه الأفكار محاولين نشر دينهم وثقافتهم وأفكارهم، وتظهر نتائج هذه المحاولة بما قامت به أوروبا من حروب صليبية أشعلها وزاد في جذوتها ما اطلع عليه الأوروبيون من الإسلام عن طريق هؤلاء الرهبان ومن تبعهم (6) .

يقول البابا: "أوربنانيوس الثاني في مجمع كليرمون 1095م وذلك عندما دعا للحروب الصليبية: "إن أهل الإسلام رجال ضعفاء تعوزهم الشجاعة للقتال وجهًا لوجه فيعمدون إلى الهرب واستعمال السهام السامة" هكذا تشويههم وتهميشهم شمل حتى الحقائق المسلمة للمسلمين في سبيل الحروب الصليبية.

(1) المستشرقون لنجيب العقيقي: ص 40

(2)

اشترايت ودندنغر أصدر بين عام 1916 وعام 1931م سبعة مجلدات ذكر فيها أسماء مصادر ومراجع تدور حول المبشرين وتسهيل أعمالهم مما يدلل على مدى الجهود التي بذلت في التبشير والذي هو وجه من وجوه هذه المعركة الفكرية "التبشير والاستعمار: ص 26

(3)

المستشرقون والإسلام، لحسن الهراوي: ص 30

(4)

عن كتاب التبشير والاستعمار: ص 42

(5)

المستشرقون البريطانيون د. أح. اربري: ص 14 ـ 15

(6)

قريب من هذا في كتاب المستشرقون للعقيقي: ص 36

ص: 1868

واستمرت هذه الحروب ما يقرب من قرنين فساعدت هي بدورها على ترسيخ هذه العداوة وتقويتها فلم تَخْبُ جذوتها من تلك الأيام، فبهذا الاتصال عرف المسيحيون قوة الإسلام وحقيقته واطلعوا على مظاهر القدرة ومكامن العطاء عند المسلمين والتي تتجلى بفهمهم للإسلام وتطبيقه، واطلعوا أيضًا على خيرات البلاد الإسلامية فطمعوا بها وعزموا من تلك الأيام على احتلال هذه البلاد بكل الوسائل وعلى الاستمرار في حرب الإسلام بكل ما يستطيعون.

وأما الفريق الثاني (ملوك أوروبا وأمراؤها) فقد شجعوا المستشرقين الأوائل والمبشرين تشجيعًا قويًّا ، وذلك أولًا: للوقوف في وجه الإسلام الذي أصبح يدق عليهم الأبواب.

وثانيا: للهجوم في المستقبل عليه واستعادة ما أخذ منهم بل والقضاء عليه تمامًا وذلك لأن هؤلاء المستشرقين (1) والمبشرين قد ساعدوا ملوكهم وولاتهم في استيلائهم على الشرق، يقول ذلك نجيب العقيقي في كتابه المستشرقون ومن ثم يمجدهم تمجيدًا واضحًا ويقر لهم بالفضل الواسع علينا فيقول مثلا:"في سبيل هذه الثمار التي يقتطفها الغرب من الشرق أحسن ملوكه صلات المستشرقين فضموهم إلى حاشيتهم أمناء أسرار لهم وانتدبوهم سفراء وقناصل وتراجمة وموظفين في سلكي الجيش والسياسة إلى بلدان الشرق، ومنحوهم ألقاب الشرف الفخمة كبارون وكونت وكراسي التدريس....."(2) .

وواضح أن المسيحية الروحانية لا تقر مثل هذه التصرفات كما لا يقرها المسيحيون المتنورون.

(1) جلى هذه الفكرة كتاب التبشير والاستعمار خاصة بالنسبة للمبشرين

(2)

المستشرقون، للعقيقي: ص 50

ص: 1869

ومضت الأيام وتعددت اتصالات الغرب بالشرق المسلم من اتصال الأندلس إلى اتصال صقلية إلى الاتصال الذي تم بالحروب الصليبية إلى الاتصلات التجارية التي بدأت بشكل قوي في نهاية القرن السادس عشر واستفاد الغرب من هذه الاتصالات الشيء الكثير باعتراف الكثير من مفكريه وفلاسفته، فلقد أخذ الغرب مظاهر الحضارة المادية عن الإسلام فقوى وأبدع في مجالات العلوم والتكنولوجيا، وفي هذه الفترة أخذ المجتمع الإسلامي يبتعد عن الإسلام بمفهومه الحضاري الشامل، فضعفت شوكته وتفرقت بلاده فاستطاع الغرب احتلال أكثر بلاد الإسلام بعد أن استطاع افتعال المبررات والوصول إلى بعض مراكز القوة فيه وبعد خدعة حكام هذه البلاد وعقده معهم المعاهدات الزائفة الخادعة، وكان يدفعه إلى هذا الاحتلال رغبته الأولى في محاربة الإسلام والقضاء عليه في عقر داره، والثانية رغبته في السيطرة على خيرات العالم الإسلامي وكنوزه التي يتصور أن المسلمين ليسوا أهلًا لها. هكذا استطاع العدو السيطرة على بلاد المسلمين لفترات طويلة، فأخذ يفكر في كيفية استمرار هذا الاحتلال وفي كيفية التنفيس عن حقده على الإسلام، وفي كيفية الإبقاء على التخلف والضعف بين أظهر المسلمين ، فانصب تفكيره على الإسلام وعلى الوحدة التي ينشئها الإسلام بين متبعيه، الإسلام الذي انتشر في هذه البلاد وخلق من أهلها قوة تهدد كل شر، فالإسلام هو عدوهم الأول والأخير فيجب أن يكون هو الهدف الأول لمخططاتهم العدائية التي تهدف إلى القضاء عليه تمامًا ، وقد شملت هذه المخططات التشويه والتزييف لكل قيمة من قيم هذا الإسلام الخالد ، وشملت أيضًا محاولة التبشير بالمسيحية بين المسلمين عسى أن يكون بذلك القضاء النهائي على الإسلام ، وقد استعانوا على ذلك بحالة الضعف التي يعيشها المجتمع الإسلامي. وحالة القوة والرقي المادي التي يعيشها الغربيون فصوروا للمسلمين أن الإسلام هو دين الضعفاء ، وأن المسيحية هي دين الأقوياء ، فما على المسلمين إذا أرادوا القوة والتقدم إلا ترك الإسلام إلى غير رجعة.

ومن هنا قوى وضع اتجاه المبشرين والمستشرقين الذين كانوا أهم وسيلة من وسائل المستعمرين في هذه الحرب الفكرية، والتبشير سلك لهدفه هذا طرقًا عدة منها التعليم المدرسي في دور الحضانة ورياض الأطفال والمدارس الابتدائية والثانوية للذكور والإناث والجامعات والعمل الخيري في المستشفيات والملاجئ والعيادات (1) . وتميز الاستشراق بصورة الأكاديمي فألفوا الكتب وكتبوا المقالات في المجلات والصحف وأخذوا ينشرون أفكارهم من فوق كراسي الجامعات وفي أجواء المؤتمرات التي يدعون إليها.

(1) يراجع في ذلك كتاب التبشير والاستعمار

ص: 1870

والأدلة على هذا الهدف الاستعماري الخبيث يستطيع كل متجرد عاقل أن يتصيدها من كتاباتهم وأعمالهم فمثلًا يقول الرئيس فيليب فونداسي رئيس المكتب الخاص الفرنسي أي مصلحة التجسس الفرنسي في كتاب صدر سنة 1951م ناصحًا الحكومة الفرنسية بمحاربة الإسلام في أفريقيا السوداء فيقول: "فإننا إذا ما نظرنا إلى الإسلام تحت تأثير العطف المجرد أو تحت دافع رد الفعل بعد نظرتنا إلى المعتقدات الوثنية، فإننا نسر برؤيتنا هذا الدين ضعيفًا جدًّا وقد طرأ عليه ذلك التغيير الكبير وأصبح ذا شكل كبير الاختلاف عن أصله. ولكن الإسلام يمكن أن يكون خاصًّا (كما في أفريقيا السوداء) ولكنه لا يكون أبدًا هادئًا جامدًا فهو في رقي دائم يجمع شتات قواه وذلك بتطهير عقيدته تدريجيًّا ويؤلف كتلة طبيعية بالرغم من شوائبه ومن أشكاله المختلفة

" (1) .

ويقول سيكارد: "إنه يجب التقليل من الإسلام بين الشعوب الخاضعة لنا لأنه ضد مصلحتنا"(2) .

ويقول القس سيمون في كتاب له: "إن الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب السمر وتساعدهم على التملص من السيطرة الأوروبية"(3) .

ويقول لورانس براون: "إذا اتحد المسلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطرًا أو أمكن أن يصبحوا أيضا نعمة له، أما إذا بقوا مفترقين فإنهم يظلون حينئذ بلا وزن ولا تأثير"(4) .

وتقول مجلة العالم الإسلامي الإنكليزية: "إن شيئًا من الخوف يجب أن يسيطر على العالم الغربي ولهذا الخوف أسبابه منها أن الإسلام منذ أن ظهر في مكة لم يضعف عدديا بل دائمًا في ازدياد واتساع ثم إن الإسلام ليس دينا فحسب بل إن من أركانه الجهاد ولم يتفق شعبًا دخل في الإسلام ثم عاد نصرانيًّا"(5) .

وقال مجلة مراكش الكاثوليكية التي يصدرها الفرنسيسكان: "إن فرنسا لا يمكنها أن تنجح في إخضاع أهالي المغرب إلا بإبعادهم عن الديانة الإسلامية"(6) .

ولا ننسى في هذا المجال قول غلادستون رئيس وزراء بريطانيا الأسبق بأنه لا يمكن السيطرة على المسلمين إلا بنزع القرآن من ما بينهم.

(1) الاستعمار الفرنسي في أفريقيا السوداء: ص 28

(2)

المستشرقون والإسلام، لحسن الهراوي: ص 32

(3)

عن كتاب التبشير والاستعمار

(4)

عن كتاب التبشير والاستعمار

(5)

عن كتاب التبشير والاستعمار

(6)

دعوة نصارى العرب إلى الإسلام، لخليل قبرصي

ص: 1871

هكذا قرر الغربيون حرب الإسلام حربًا فكرية متجنية فأخذوا يشوهون الإسلام في أذهان الناس وكانت حربهم هذه على الإسلام من جهات ونواح مختلفة ، وفي ذلك يقول أحد كرادلة الإفرنج في حفلة تدشين كنيسة الإسماعيلية "لا يمكننا القضاء عليه ـ أي الإسلام ـ إلا إذا قوضه كلٌّ من جهته حتى نصل إلى محوره"(1) .

وقد خرجوا على الناس بأفكار جديدة حاولوا أن يلبسوها أثواب الحقائق المسلمة وهي بعيدة عن ذلك كل البعد ومنها:

1 ـ القرآن كتاب مسيحي يهودي كتبه محمد، فالإسلام دين مخترع ملفق من الأديان السابقة ، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل يقول جون تاكلي:"يجب أن نُري هؤلاء الناس أن الصحيح في القرآن ليس جديدًا وأن الجديد ليس صحيحًا"(2) . فليس للمسلمين أصالة فكرية أو ثقافية، فلا قيمة ذاتية لهم فيجب عليهم أن يندمجوا في الحضارة الأوروبية القائمة.

2 ـ الإسلام دين مادي لا روحية فيه مطلقًا فلا مجال للصفاء النفسي والمحبة فيه.

3 ـ الإسلام دين الحيوانية والاستغراق في الملذات.

4 ـ هاجموا شخصية الرسول ووصفوه بكثير من الأوصاف السيئة كما هاجموا القواد المسلمين في كل العصور.

5 ـ القول بأن الفلسفة الإسلامية فلسفة فكر يوناني بأحرف عربية ،وأن الفقه الإسلامي هو قانون روماني بأحرف عربية.

6 ـ مهاجمة اللغة العربية والدعوة إلى العامية ومهاجمة ، الأحرف العربية والدعوة إلى الكتابة بالأحرف اللاتينية.

7 ـ إثارة النعرات القومية في مختلف نواحي العالم الإسلامي ليتم تفريقه إلى دويلات متنازعة متصارعة ، وهكذا تتعدد مقولات الطعن والتجني ، وقد ركزوا على ربط تأخر المسلمين في هذه الأيام بالإسلام: فالمسلمون يتأخرون في هذه الأيام لأنهم يتمسكون بالإسلام فعليهم أن يتركوا الإسلام إذا أرادوا التقدم، يقول هنري جب:"المسلمون لا يفهمون الأديان ولا يقدورنها قدرها ، إنهم لصوص وقتلة ومتأخرون ، وإن التبشير سيعمل على تقديمهم"(3) .

(1) دعوى نصارى العرب إلى الإسلام، لخليل قبرصي

(2)

التبشير والاستعمار: ص 45

(3)

التبشير والاستعمار: ص 45

ص: 1872

والمهم أن من غاياتهم:

1 ـ إخراج المسلمين من دينهم ليمكن غزوهم فكريًّا ودينيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا، والدعوة للتنصير بالتبشير بالمسيحية ما هي إلا وسيلة لا أكثر ولا أقل.

2 ـ محاولة إيجاد أناس بأسماء وطنية وبعقليات ونفسيات وثقافات وعادات أوروبية لا يثقون بالثقافة الإسلامية مطلقًا ، وهؤلاء هم من الذين يتخرجون على كتبهم أو في جامعاتهم سواء في الشرق أو الغرب ، وهؤلاء هم الذين أعدوهم ليكونوا متنفذين في بلاد المسلمين بحجة حصولهم على الشهادات ووصولهم للمراكز العلمية والمادية.

وهؤلاء هم الذين دعوا إلى التجديد في الإسلام ومثلوا الاتجاه الذي يمالئ الاستعمار في دعواته ويسير في طريق اتباع الغرب في كل شيء.

3 ـ وإذا لم يتولد الإخراج من الدين يتولد التشكيك وزعزعة العقيدة، وبعد ذلك تعرض الحضارة الغربية وتبين بأنها هي الأفضل، فيحدث الانضمام إليها والتبني لبعض فلسفاتها ونظمها.

4 ـ تجميد كل فعاليات المسلمين وتقطيع العلاقات بين الشعوب الإسلامية بأي وسيلة ممكنة.

5 ـ إفساد الخصائص الدينية في النفوس والمجتمعات وإيجاد جماعات متدينة متزمة ومتعصبة للإسلام تظهر بمظهر التأخر والجهل بكل مظاهر الحضارة ، فينفر الجيل الجديد من الإسلام لأنهم صوروا له أن هذه الفئة هي التي تمثل الإسلام.

والهدف من كل ما مر هو السيطرة على البلاد الإسلامية والقضاء على الإسلام تمامًا.

ص: 1873

ونال هؤلاء النتائج التالية:

(أ) ما نالوه في الغرب:

1 ـ لقد استطاعوا تشويه الإسلام والمسلمين في نظر شعوب الغرب فلقد صوروا لهم الدين الإسلامي بصورة سيئة وبأن المسلمين أبطال التعصب والتزمت حتى كره الغرب المسلمين. يلاحظ هذه الناحية كل من يتعمق في موقف الأوروبيين فيما يجري من مذابح على الأرض الإسلامية دون تحريك ساكن في الغرب بينما إذا قتل إنسان غير مسلم في أي مكان في العالم تقوم قيامة أوروبا مطالبة بالعدل والرحمة والسلام. يقول محمد أسد في كتابه الإسلام على مفترق الطرق: "لا تجد موقف الأوروبي موقف كره في غير مبالاة فحسب ـ كما هي الحال في موقفه لسائر الأديان والثقافات عدا الإسلام ـ بل هو كره عميق الجذور يقوم في الأكثر على صور من التعصب الشديد. وهذا الكره ليس عقليًّا فقط، ولكنه أيضا يصطبغ بصبغةعاطفية قوية ،لا تقبل أوروبا تعاليم الفلسفة البوذية أو الهندوكية ولكنها تحتفظ دائما في ما يتعلق بهذين المذهبين بموقف عقلي متزن مبني على التفكير ، إلا أنها حالما تتجه إلى الإسلام يختل التوازن ويأخذ الميل العاطفي بالتسرب". (1) .

2 ـ استطاعوا بخلقهم هذا الشعور في الغرب تشجيع الغربيين على غزو المسلمين والقضاء عليهم وكأنهم وهم يقومون بهذا العمل يشعرون أنهم يحققون عملًا إنسانيًّا رفيعًا وذلك بتخليص الإنسانية من الخطر على التقدم والحضارة الإنسانية.

(1) عن الفكر الإسلامي وصلته بالاستعمار الغربي، لمحمد البهي: ص 185

ص: 1874

(ب) ما نالوه في العالم الإسلامي:

1 ـ جعلوا كثيرا من المسلمين يتشككون بكل القيم الإسلامية وينظرون إلى الإسلام وكأنه متهم في قفص وجعلوا أيضا كتاب المسلمين يعتمدون على أقوالهم في بحوثهم وكتبهم حتى في ما يتعلق بتاريخ الإسلام والمسلمين.

2 ـ ولدوا بهذا رغبة عند كثير من المسلمين لترك دينهم، ولكنهم بقوا منتسبين إليه شكلًا، وذلك عندما صور الغرب لهم بأنه مركز الخير. ولما كانت القيم الغربية مختلفة وقد أخذ المسلمون باعتناقها اختلف المسلمون في ما بينهم فسهل استعمارهم، وذلك لأن الفكرة هي أهم ما يحرك البشر فهي مادة التوجيه، فالاستعمار الفكري أشد أنواع الاستعمار وأطوله ، ولذلك حرر الإسلام أتباعه فحرك طاقاتهم وأطلقها نحو خير الإنسانية وتحقيق سعادة الأفراد والجماعات.

3 ـ استطاعوا تقسيم المسلمين إلى أعراق وقوميات، وإن نظرة إلى العالم الإسلامي في هذه الأيام توضح المدى الذي وصلوه في ذلك.

4 ـ استطاعوا تجميد فعاليات المسلمين تمامًا فضعفوا وطال استعمارهم فانتشر بينهم المرض والجهل والفقر ومظاهر التخلف ، ومن حيث لا يشعرون ولدوا بهجومهم هذا رد فعل قوي عند المسلمين، فأخذ علماء المسلمين يعيدون غرس القيم الإسلامية في نفوس المسلمين، فالمتهم الذي وضع في القفص ظلمًا وعدوانًا لم يعدم ممن يثبت براءته من كل ما اتهم به ، ويضع مكانه من اتهموه ظلمًا وعدوانًا ، وقوي رد الفعل هذا حتى استطاع بما عمله أن يعيد الروح الإسلامية من جديد إلى المجتمعات الإسلامية ، فأخذت هذه المجتمعات تدحر المعتدين في المعركة تلو المعركة ، وتبدأ بإعادة بناء حياتها على قيم الإسلام وقواعده.

5 ـ شغل المسلمين عن الجهاد والدعوة إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة بإحدام النقاش والجدال بينهم في الأمور الخلافية البسيطة ، ومحاولتهم تطوير هذا الاختلاف بالفكرة إلى عداوة وبغضاء بين المسلمين؛ فقد قام المستشرقون وتلامذتهم بإثارة الأمور البسيطة التي كان المسلمون قد اختلفوا فيها من جديد ، وذلك حتى يشغلوا المسلمين ويفرقوا كلمتهم مثل الخلافات المذهبية في العبادات والمعاملات ، وكذلك بإثارة أمور لا علاقة لها بتبليغ الرسالة وإنما هي ترف فكري لشغل المسلمين عن هذا التبليغ كالجبر والاختيار، بل إثارة خلافات في منتهى البساطة وعدم الاهمية كالخلافات في ضم اليدين أو إسبالهما في الصلاة.

ص: 1875

هكذا قصد المعتدون إلى إشغال المسلمين عن دينهم والجهاد في سبيله وتبليغه إلى جميع البشر بخلافات سفسطائية لا طائل تحتها كان المسلمون الأوائل يأبون التحدث فيها فلما سئل مالك عن الاستواء وكيفيته قال: "الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة" وطرد السائل لأنه لا يريد شغل المسلمين بهذه الأمور التي تضيع وقتهم الذي يجب أن يصرفوه في تبليغ الدعوة والجهاد في سبيلها تنفيذًا لأمر الله ورسوله.

ويظهر هذا السلوك الاستعماري بوضوح في ما قامت به القاديانية من إثارة موضوع المسيح عليه السلام: "هل قتل وصلب أم لا، وهل رفع إلى السماء أم لم يرفع، ثم هل رفع وهو ميت أم وهو حي، ثم بإثارة موضوع نبوة ميرزا غلام أحمد، فبهذا يشغل المسلمون بغير الأمور الهامة بالنسبة لهذا العصر عصر الإعداد والقوة والعمل والكفاح ، يقول أبو الحسن الندوي عن القاديانية: إنها بقيت مقتصرة على إثارة المناقشات الدينية والمباحثات حول موت المسيح وحياته ونزوله ونبوة ميرزا غلام أحمد مما لا اتصال له بالحياة العامة والمسائل الإسلامية والحركات التي كانت مظهرا للغيرة الإسلامية، والشعور السياسي في هذه البلاد"(1) .

فهم يريدون بإبراز هذه الأمور الخلافية إضاعة جهودهم في معارك جانبية بعيدة عن معركة الإسلام الكبرى معهم أنفسهم.

يقول الأستاذ محمد المبارك في رسالته ذاتية الإسلام أمام المذاهب والعقائد: "ومن هنا يتبين خطأ من يصرفون همهم إلى أمر قد يكون في ذاته مطلوبًا أو ممنوعًا في الإسلام، ولكن في مقابلة أمر أخطر منه بكثير ، فالبلاد الإسلامية مبتلاة في هذا العصر بخطرين عظيمين هما الاستعمار والإلحاد، أي الاستيلاء على الأرض والاستيلاء على العقيدة ، أي إتلاف ثرواتها المادية والمعنوية وسلبها. ولو تم الاستيلاء على البلاد وتهديم العقيدة واستمر لما أمكن إقامة شعائر الدين ولا القيام بأوامره وتطبيق أحكامه. ولذلك فإن صرف أذهان الناس إلى قضايا أخرى وجعلها محور النضال الإسلامي إلهاء عن أهم القضايا الأساسية التي هي الاستيلاء على البلاد الإسلامية أو السيطرة عليها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. فهل يجوز في مثل هذه الحال تقسيم المسلمين إلى من يقولون بأن التراويح ثمانية ومن يقولون بأنها عشرون وإلى القائلين بتكرار الجماعة أو عدمها أو احتدام معركة السنة والبدعة في أمور لا تمس العقيدة، أنا لا أقول إنه لا تبحث هذه الأمور بحثًا علميًّا بل أقول إنه يجب التنبيه حينما يكون الأمر ماسًّا بالعقيدة ويحسن التنبيه إلى الطريقة الصحيحة في العبادات لأن العبادات توقيفية فلا زيادة ولا نقصان فيها عمَّا أمر النبي ـ صلوات الله عليه ـ أو فعله ومع ذلك فإذا كان ذلك يحدث فتنة أو يحدث خصومة بين فئتين من المسلمين وجب ترك ذلك لما يترتب عليه من منكر أعظم ، ولما ينشأ عنه من تقسيم المسلمين إلى فئات متعددة في ظروف وأحوال لا يجوز فيها تفتيت القوى ولا الاشتغال إلا بالقضايا الأساسية الكبرى". (2)

(1) الفكر الإسلامي الحديث: ص 28

(2)

ذاتية الإسلام: ص 13 ـ 14

ص: 1876

6 ـ تمجيد القيم المسيحية والدعوة للدعوات الإنسانية المتعددة وإشغال المسلمين بها وتبين أن الأديان كلها قد جاءت للرحمة والسلام والجهاد ليس فيه أي معنى من معاني الرحمة فهو ليس من الإسلام دين الرحمة والسلام.

إن الأوروبيين قد سلكوا كل سبيل في تشويه القيم الإسلامية والصرف عنها ، وقد نال الجهاد الشيء الكثير من هذا، ولا أريد هنا أن أذكر الشبه التي افتعلوها على نظام الجهاد - فهي محل بحث مستقل - ليصوروا الجهاد في أنظار المسلمين بأنه أمر يجب التخلص منه بدون تردد.

ومع تصويرهم لنظام الجهاد بهذا الشكل يأخذون في تمجيد القيم المسيحية الغربية والتدليل على أنها دعوة للسلام ورسالة المحبة ، ويربطون بين هذا وبين رقي الغرب المادي في كل مجال من مجالات الرقي والتقدم، ثم يقارنون ذلك مع تأخر المسلمين في كل مجال من مجالات الحياة ، ويعللون ذلك بأن الإسلام هو سبب تأخرهم. ويصفون من يسير وإياهم في هذا الطريق ويؤمن بما يقولون بالتقدمية والتسامح ، بينما يوصف من يرفض ذلك ويتهم بالرجعية والتزمت.

ومع كل ما مر يشجعون بل وينشرون الدعوات التي تدعي الإنسانية والتعاون بين كل البشر والتي تقول أيضًا: إن الأديان جاءت للرحمة والسلام والمحبة، ولهذا نرى الحركات الإنسانية المختلفة الأشكال والأساليب تنتشر في أغلب مناطق الإسلام، ولقد أصبحت الدعوات الإنسانية ستارًا لكثير من الدعوات الهدامة المنحرفة.

ويسير مع هذا تشجيعهم للدعوات الجديدة والمذاهب الحديثة كالوجودية والشيوعية وتكوين أحزاب تتبنى آراء غربية في السياسة والاقتصاد. ويشابه هذه الدعوات في أهدافها دعوى أن الإسلام دين لا دولة ، ففي هذه الدعوات قصر للإسلام على الأفراد دون الجماعة، ففيه إلغاء للشخصية الإسلامية بشكلها الجماعي ، وبالتالي يؤدي ذلك إلى إلغاء الجهاد الذي يقوم على أكتاف الجماعة.

ولتشجيعهم هذا وجه آخر وهو ترجمة الكتب الأجنبية الفكرية التي تبحث فيها الدعوات المختلفة والنظريات المتعددة ، فهم يحاولون قصر الترجمة على هذا الشكل بهدف إبعاد ما يفيد المسلمين في حياتهم المادية (1) .

ومما عجلوا به نشر الفوضى الأخلاقية بين المسلمين، فالأمم بأخلاقها فإذا ذهبت أخلاقها ذهبت هذه الأمم، فشجعوا الانحرافات الجنسية ، وروجوا بضاعة الجنس ترويجًا تامًّا في السينما والإذاعة والتلفزيون والمسارح والمجلات والكتب والصحف.

ولا أريد أن أطيل في هذا فهو معروف تمامًا ، وهو من أخطر ما يمكن أن يصرف المسلمين عن دينهم وجهادهم وحتى أوطانهم وبلادهم، وأثره فيما نراه من جيوش الشباب الضائعين الذين يتكالبون على هذه الشهوات.

(1) يراجع في ذلك كتاب في وكر الهدامين، للدكتور محمد حسين

ص: 1877

7 ـ ولكي ينجحوا في دعواتهم السابقة أصر هؤلاء على أن يبقى المسلمون متأخرين فكريًّا ، فالجهل هو سبب كل بلاء ، وإنني لا أجزم أن قضية دعاة الإسلام ليست في عدم عمل الناس به مع علمهم إياه ، بل قضيتهم عدم علمهم به؛ لأنهم لا يعلمونه حق العلم، لهذا كان تأخير التعليم الديني في المدارس هو خطوة من خطوات التي سلكها المستعمرون في سبيل صرف الناس عن الإسلام، وكذلك أن في تأخير المسلمين اقتصاديًّا وجعل بلادهم في التخطيط الاقتصادي مقصورة على الزراعة البدائية وإبعادهم عن المجال الصناعي المتقدم هو من أهدافهم في إبعاد مظاهر القوة عن المسلمين.

وهناك تأخير لفئة خاصة من المسلمين عملوا له بكل اندفاع وتخطيط وهو تأخير الفئات التي تمثل الإسلام حتى يبتعد الناس عن الإسلام عندما يرون مظهره في دعاته وحملته ، وهذا واضح مما نلاحظه في مختلف بقاع الإسلام ومجتمعاته.

هذا عدا عن محاولة دعم جماعات توصف بأنها حاملة للإسلام وممثلة له ، وهي أبعد ما تكون عن روح الإسلام وذلك بتزمتها ومحاربتها التقدم المادي في كل ناحية ، مما يكره الناس بها وبما تمثل.

ص: 1878

سبل المواجهة:

بعد هذا الاستعراض لبدايات الغزو الثقافي وأبعاده وما حققه من نتائج في بلاد العرب والمسلمين وغيرها من بلاد الدنيا ، كيف تكون المواجهة؟ ليست القضية بهذه السهولة، ومما يمكن معالجته في بحث عاجل ولا في دراسة محدودة، إنما هو أمر في غاية الأهمية ، ويتطلب تكاتف الجهود وإعداد الخطط والبرامج والدراسات والبحوث، وإنني أقترح نقاطًا للبحث في هذه القضية الكبرى:

1 ـ الحرص على بيان سماحة الإسلام وأنه جاء لخير الإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة. وبحيث يكون ذلك على المستوى العالمي وباللغات الحية جميعها.

2 ـ الاستفادة الفاعلة والمدروسة من أساليب العصر في البيان وبخاصة في مجالات الإذاعة والتلفزيون وعبر الأقمار الصناعية والتي لا تعرف الحدود مما يمكن من إيصال كلمة الحق والخير إلى جميع أنحاء الدنيا دون إهمال لكل وسيلة متاحة مثل الصحف والمجلات وكتب التعريف وعقد المؤتمرات والندوات وإقامة المراكز والمساجد.

3 ـ الاستفادة من انتشار أفكار الحرية والديمقراطية في المجتمعات الإنسانية لنشر الفكر الإسلامي والتعريف به بعلمية وموضوعية.

4 ـ الاهتمام بمواجهة القضايا المعاصرة بحلول إسلامية والعمل على نقل حلول الإسلام لهذه المشكلات إلى التنفيذ والممارسة لأن التطبيق الناجح هو أفعل طرق الدعوة والبيان.

5 ـ العمل على تأكيد مظاهر وحدة المسلمين وتكاملهم على كل الأصعدة وحل خلافاتهم ومنازعاتهم فيما بينهم بالطرق السلمية وفق أحكام الشريعة المعروفة إفسادًا لمخططات الغزو الثقافي في تفتيت وحدة المسلمين وزرع الخلافات والمنازعات بينهم.

6 ـ العمل على بناء قوة المسلمين واكتفائهم الذاتي اقتصاديا وعسكريًّا.

7 ـ الحرص على النهوض بمناهج التربية والتعليم بهدف إعداد الأجيال الإعداد المناسب الذي يحصنهم من كل مظاهر الغزو الثقافي.

8 ـ تطوير مناهج إعداد الدعاة بهدف التأكد من إدراكهم لروح الإسلام ومنهجه في بناء الحياة الإنسانية بالإضافة إلى اطلاعهم على ثقافة العصر ليكون تعاملهم مع المجتمعات المعاصرة عن وعي وبصيرة.

9 ـ الاهتمام بخطب الجمعة وتطوير الأداء فيها لمواجهة كل مظاهر الغزو الثقافي وآثاره وتعريف المسلمين بدينهم التعريف السليم المتكامل.

10 ـ رد كل الشبهات التي أثارها أعداء الإسلام بثقة وقوة ودون اللجوء إلى أساليب الدفاع التبريري مما يصلح لبيان مستقل ليس هنا مجال الحديث عنه.

11 ـ الاهتمام بدراسة الأفكار الوافدة والمبادئ المستوردة والتعريف بمظاهر قصورها ونقصها بأمانة وموضوعية.

12 ـ ترشيد الصحوة الإسلامية ومعالجة كل مظاهر التزمت والانغلاق وبناء الشخصية الإسلامية السوية التي تقدم للمجتمع الإنساني صورة مشرقة للتطبيق الإسلامي على المستوى الفردي والجماعي وفي كل مجالات الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الدكتور عبد السلام داود العبادي

ص: 1879