الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بيع الوفاء وعقد الرهن
إعداد
فضيلة الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء
بسم الله الرحمن الرحيم
- العلاقة بين العقدين.. أوجه التطابق فيما بينهما.
- هل يجوز انتفاع الراهن أو المرتهن بالعين المرهونة؟
إن
موضوع بيع الوفاء
أدرج في جدول أعمال هذه الدورة السابعة للمجمع الفقهي مقسمًا إلى ثلاثة محاور.
وقد اخترت أن أكتب أنا في المحور الثاني منها، والذي يتناول نقطتين:
1-
العلاقة بين بيع الوفاء وعقد الرهن.
2-
وهل يجوز انتفاع أحد الطرفين بالعين المرهونة؟
وإني أرى أن موضوع بيع الوفاء كله هو محور واحد مترابط يجب أن يكتبه كاتب واحد، ولا يتحمل هذه التجزئة التي تفكك ترابطه. وسيضطر كل كاتب لمحور أن يتعرض لما هو داخل في المحورين الآخرين.
وسأحاول في بحثي هذا - قدر الإمكان - أن لا أمس النواحي التي تدخل في المحاور الأخرى، مما سيتناوله سواي، اجتنابًا للتكرار.
* * *
أولًا
العلاقة بين العقدين
(أ) إن العلاقة بين عقد بيع الوفاء وبين عقد الرهن وثيقة جدًّا إلى درجة أن بيع الوفاء في أول ظهوره وتعامل الناس به في القرن الخامس الهجري في مدينة بلخ كان يسميه بعض الناس رهنًا، وكان فقهاء العصر بعضهم يعتبره رهنًا من كل وجه ويطبق فيه أحكام الرهن كاملة، وبعضهم يعتبره بيعًا فاسدًا بسبب اشتراط شرط مفسد فيه هو أن البائع متى أعاد الثمن إلى المشتري فإن المشتري يلتزم بإعادة المبيع إليه.
والواقع أن هذا الشرط هو عماد الخيمة في بيع الوفاء، فلولا هذا الشرط لكان العقد بيعًا من كل وجه، وبهذا الشرط أصبح يشبه الرهن شبهًا قويًّا إلى درجة أن الناس يسمونه رهنًا، فهذا الشرط هو أساس التمييز بينه وبين البيع المطلق الصحيح، وأساس الشبه بينه وبين الرهن، وأساس استقرار رأي فقهاء الحنفية في نهاية المطاف بعد فترة من الاختلاف على أنه عقد جديد، ليس بيعًا صحيحًا من كل وجه، ولا بيعًا فاسدًا من كل وجه، ولا رهنًا من كل وجه، ولكنه عقد فيه شبه بالبيع المطلق الصحيح، وشبه بالبيع الفاسد، وشبه بالرهن، فقرروا إعطاءه حكمًا مركبًا من بعض أحكام كل واحد من هذه العقود الثلاثة:
- فأعطى من أحكام البيع المطلق الصحيح أن للمشتري حق الانتفاع به واستغلاله دون حاجة إلى إذن البائع بل حكمًا بمقتضى العقد.
- وأعطى من أحكام البيع الفاسد أن لكل من الطرفين أن يفسخه متى شاء ويطلب استرداد ما قد أعطى، ولو قبل الأجل لو كانا اتفقا فيه على أجل للتراد.
- وأعطى من أحكام الرهن أنه لا يجوز للمشتري بيعه لأن شرط رده على البائع متى أعاد له الثمن الذي أخذه منه يقطع إمكان تنفيذه إذا كان للمشتري حق التصرف فيه بإخراجه عن ملكه. (1) .
- وأعطى من الرهن أيضًا جملة أحكام أساسية سيأتي بيانها.
(1) نص فقهاء الحنفية والمادة 397 من المجلة على أنه ليس لأحد من الطرفين في بيع الوفاء بيع المبيع من شخص آخر، ولم أر من تعرض لرهنه. ويبدو لي أنه يمتنع رهنه أيضًا لدى ثالث، لأن الرهن ينشىء حق حبس عين المرهون، فيؤدي أيضًا إلى امتناع الاسترداد ولا سيما إذا أفلس المشتري بعد رهنه إياه. ثم وجدت النص على أن المشتري وفاء لا يجوز له بيع المبيع ولا رهنه في رد المحتار: 4/247، طبعة بولاق.
وهذا الرأي الذي انتهى إليه فقهاء الحنفية (بعد فترة اختلاف في تكييف هذا العقد) هو الذي سمي بالقول الجامع واستقرت عليه الفتوى في المذهب. [ر: كتابي: الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد: ج 4، عقد البيع فقرة 151، ورد المحتار: ج 4 في أواخر البيوع] .
وبه أخذت مجلة الأحكام العدلية التي صدرت بالإرادة السلطانية السنية، وأصبحت قانونًا مدنيًّا شرعيًّا عامًّا في الدولة العثمانية، ثم في البلاد العربية التي انفصلت عنها نتيجة للحرب العالمية الأولى إلى أن وضع فيها قوانين مدنية حديثة (في سوريا ولبنان والأردن والعراق)، [ر: المجلة م 118 وشروحها] .
مما تقدم تبين أن العلاقة بين بيع الوفاء والرهن هي أقوى العلاقات الثلاث التي بين بيع الوفاء وبين البيع الصحيح والبيع الفاسد والرهن. ويليها في القوة علاقته بالبيع الصحيح من حيث إنه قد استعير منه لبيع الوفاء ملكية المشتري لمنافع المبيع وفاء، وهذه أيضًا ناحية أساسية في تركيبة بيع الوفاء، إذ لولاها لما أقدم أحد على شراء شيء بطريق الوفاء. إذ يكون الثمن عندئذ كقرض حسن من المشتري للبائع لقضاء حاجته، والمبيع في هذه الحالة مجرد رهن في مقابل القرض، فما وجه تسميته بيعًا أو شراء بالوفاء؟ بل هو حينئذ قرض مقابل رهن من كل وجه.
فالذي نقل الموضوع في نظرهم من بابي القرض والرهن، إلى باب البيع بشرط التراد إنما هو قصد امتلاك المشتري لمنافع المبيع في الفترة ما بين العقد والاسترداد. وهذه الفترة لا حدود لها فقد تكون أيامًا أو شهورًا أو سنين.
ولم يشترطوا لصحة العقد تحديدها، كما لم يشترطوا لصحة القرض مقابل رهن تحديد مدة للوفاء بالقرض. ولذا جعلوا لكل من الطرفين في بيع الوفاء حق فسخ العقد في أي وقت يشاء، ويسترد حينئذ كل منهما ما يخصه: فيسترد المشتري الثمن الذي دفعه، ويسترد البائع المبيع. وهذا هو الحكم الذي استعير له من أحكام البيع الفاسد.
(ب) التطابق بين بيع الوفاء والرهن من وجوه:
قلنا إن الشبه بين بيع الوفاء والرهن هو أقوى المشابه الثلاثة فيه. فهناك تطابق في معظم الأحكام بينهما، ويتجلى هذا التطابق من الوجوه التالية:
1-
عدم ملكية المشتري لعين المبيع. فقد بينا قبلًا أنهم إنما أعطوه من أحكام البيع الصحيح ملكية المنافع لا ملكية العين. فالعين باقية على ملك البائع.
2-
عدم جواز تصرف كل من الطرفين البائع والمشتري في عين المبيع بالوفاء تصرف الملاك في أملاكهم من بيع واستهلاك ورهن ونحوه مما يقطع إمكان التراد [ر: المجلة م 397 وشرح الباز] .
3-
إذا هلك المبيع بالوفاء عند المشتري قضاء وقدرًا دون تعد منه ولا تقصير كان ضامنًا له ضمان الرهن: فإذا كان الثمن مساويًا لقيمته سقط الثمن كله بهلاك المال المرهون فيه. وإذا كانت قيمة المبيع أكثر سقط الثمن كله بالضمان، ويهلك باقي المبيع على حكم الأمانة فلا يضمنه المشتري. وإذا كان الثمن المدفوع أكثر من قيمة المبيع سقط من الثمن ما يعادل قيمة المبيع، وللمشتري أن يطالب البائع بالقدر الزائد من الثمن. [ر: المجلة م399 - 401] .
4-
للمشتري حق احتباس المبيع لاستيفاء الثمن (كحق المرتهن في حبس المرهون) . وهذا الحق هو حق عيني (متعلق بعين المبيع) فللمشتري فيه امتياز (أولوية التقدم على سائر غرماء البائع في الاستيفاء) إذا أفلس البائع أو مات وتركته مستغرقة بالديون. [ر: المجلة م403] .
5-
العقار المبيع لا يؤخذ من مشتريه بالشفعة (كما لا يؤخذ المرهون بها) ، لما تقدم أن المشتري بالوفاء لا يملك رقبة المبيع بل منافعه فقط، فالمبيع باق على ملك البائع.
6-
إذا احتاج العقار المبيع بالوفاء إلى التعمير والترميم لأجل صيانته فنفقة ذلك على البائع. [ر: جامع الفصولين بحاشية الخير الرملي أوائل الفصل الثامن عشر؛ ورد المحتار ودرر الحكام شرح غرر الأحكام آخر كتاب البيوع] .
وهذه الأحكام المتطابقة مع الرهن أقرها أصحاب القول الجامع الذي استقرت عليه فتوى المتأخرين من فقهاء الحنفية مستمدة من شبهه بالرهن في جملة مشابهه الثلاثة.
ثانيًا
هل لأحد الطرفين أن ينتفع بالعين المرهونة؟
هكذا ورد التعبير بلفظ (العين المرهونة) في جدول الموضوعات التي ستطرح في هذه الدورة في المحور الثاني من المحاور الثلاثة التي قسم إليها موضوع بيع الوفاء.
ويبدو لي أن المقصود بالعين المرهونة هو المبيع في بيع الوفاء وأن التعبير بالعين المرهونة جاء ذهولًا أو تساهلًا ومجاراة لمن يسمون بيع الوفاء رهنًا. وعلى هذا الفهم سأبني كلامي الآتي فأقول:
1-
أما بالنسبة إلى البائع فإنه بمجرد إبرام البيع بالوفاء مع المشتري يكون قد تخلى عن منافع المبيع إلى المشتري وانتقلت إلى هذا الثاني ملكية جميع وجوه الانتفاع بالمبيع استعمالًا واستغلالًا دون الاستهلاك الكلي أو الجزئي، لأن المبيع بصدد الإعادة إلى البائع حين إعادة الثمن إلى المشتري، كما سبق بيانه.
وليس للبائع أن يستولي على المبيع وينتفع منه بأية منفعة إلا بإذن المشتري ورضاه.
2-
وأما بالنسبة إلى المشتري فإن المنافع تصير في البيع بالوفاء ملكًا له، فله فيها حق الاستعمال والاستغلال ما دام البيع قائمًا غير مفسوخ.
وقد نصوا على أنه: يجوز أن يتفق الطرفان في بيع الوفاء على أن يستأجر البائع من المشتري العقار المبيع وفاء بأجر معلوم. وعندئذ يبقى المبيع في يد البائع بحكم الإجارة، ويؤدي الأجر إلى المشتري، لأن منافع المبيع ملكه فله أن يستعملها أو يستغلها بإجاره للبائع نفسه أو لغيره، وإذا اتفقا على إيجاره للبائع سمي عندئذ: بيع الاستغلال. [ر: المجلة م 119 وشروحها] .
وهنا يجدر التنبيه إلى خطأ وقع فيه بعض شراح المجلة في هذا المقام. فقد نصت المادة 398 من المجلة على أنه:
((إذا شرط في بيع الوفاء أن يكون قدر من منافع المبيع للمشتري صح ذلك)) .
وصياغة هذه المادة بهذه الصورة توهم أنه إذا لم يشرط شيء من منافع المبيع بالوفاء للمشتري فلا شيء له. وهذا ما فهمه شارحها الأستاذ سليم رستم الباز، فقال شارحًا هذه المادة: (وإن لم يشترط ذلك فليس للمشتري أن ينتفع بالمبيع لأنه في يده كالرهن في يد المرتهن لا يملكه ولا يطلق له الانتفاع به إلا بإذن مالكه، وهو ضامن لما أكل من ثمره، واستهلك من شجره. ولا فرق بين بيع الوفاء والرهن في حكم من الأحكام. ولهذا لا يؤخذ المبيع وفاء بالشفعة
…
) .
ثم نقل عن جامع الفصولين والخيرية أنه: (لو آجر المشتري المبيع (بالوفاء) وقبض أجرته واستهلكها بدون إذن البائع لا يضمن) ، ولم ينتبه إلى هذا التناقض بين سابق كلامه ولاحقه. فإذا كان بيع الوفاء والرهن لا فرق بينهما في حكم من الأحكام - كما ذكره سابقًا - فلماذا إذا أكل المشتري شيئًا من ثمرة المبيع بالوفاء يضمن قيمته للبائع، وإذا آجره وأخذ أجرته واستهلكها بدون إذن البائع لا يضمن؟! ولماذا أيضًا يعقد للبيع بالوفاء باب مستقل ولا يكتفى بباب الرهن؟!
وتحقيق القضية أن بيع الوفاء اختلفت فيه آراء الفقهاء في أول الأمر عندما تعورف في بخارى وبلخ في القرن الخامس الهجري كما بيناه سابقًا. فمنهم من اعتبره رهنًا من كل وجه، ومنهم من اعتبره بيعًا فاسدًا بسبب شرط الإعادة المفسد، ومنهم من اعتبره بيعًا صحيحًا وأن شرط الإعادة فيه ملزم لأن المواعيد بصورة التعاليق تكون ملزمة عند الحنفية. [ر: المجلة م84 وشروحها] .
هذا الاختلاف كان في بداية الأمر أول ما تعورف هذا العقد بهذا الشرط. لكن لما عم التعامل به وشاعت طريقته بسرعة في الأقطار لحاجة الناس إليه، استقر رأي المتأخرين من الفقهاء على حكم نهائي فيه بحسب المقصود منه مراعى فيه ثلاثة مقاصد أساسية، هي:
1-
تمليك المشتري المنافع دون حاجة إلى إذن البائع بل بحكم العقد.
2-
وحق التراد أو الفسخ.
3-
وضمان المشتري للمبيع كضمان المرهون.
وسمي هذا بالقول الجامع ورجح بعلامة الفتوى [ر: رد المحتار ج 4 آخر كتاب البيوع: ص247، الطبعة البولاقية ذات القطع الكبير] ، وبه أخذت المجلة في المادة 118. وكل قول يرى في بعض الكتب بخلاف هذا هو مبني على أحد الآراء المختلفة القديمة أول ما تعورف بيع الوفاء قبل القول الجامع الذي استقرت عليه الفتوى.
فبناء على هذا لا يصح بعد ذلك إطلاق القول بأن بيع الوفاء عند الحنفية هو كالرهن من جميع الوجوه، ولا أن يقال أن منافع المبيع وثمرته هي للبائع. ولا يحل شيء منها للمشتري إلا بإذن البائع.
فأما المادة 398 من المجلة التي تقول:
((إذا شرط في بيع الوفاء قدر من منافع المبيع للمشتري صح ذلك)) .
فإن فيها سوء صياغة يوهم أنه إذا لم يشرط شيء من المنافع للمشتري فلا شيء له، (كما فهمه بعض الشراح) . ولكن هذا المعنى ليس هو المراد بل المراد أنه إذا لم يشرط للمشتري بعض المنافع فقط فإنه يستحق كل منافع المبيع. فاشتراط بعضها له إنما هو لقصر حقه في المنافع على بعضها دون كلها، ولكنه سوء الصياغة أدى إلى ذلك التوهم. ومعلوم أن المجلة وضعت باللغة التركية ثم ترجمت إلى العربية. وقد وقع فيها مواطن موهمة في صياغتها وهذا من جملتها. وهذا ما حققه والدي الشيخ أحمد الزرقاء رحمه الله في شرحه للقواعد الفقهية التي صدرت بها المجلة. [ينظر كتابي: الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد: ج 4 وعقد البيع - الفقرة 152؛ وشرح والدي على القواعد تحت القاعدة الثانية: العبرة في العقود للمقاصد والمعاني آخر التنبيه الرابع من شرحها] .
وهذا الفهم للمادة 398 من المجلة هو المتعين فقهًا لكي يتحقق التوفيق وينتفي التناقض بين هذه المادة الموهمة وبين المادة 118 منها التي تصرح بأن منافع المبيع في البيع بالوفاء تكون للمشتري كما في البيع الصحيح، جريًا منها على القول الجامع المفتى به.
ملاحظة:
1-
أن هذا الخطأ الذي وقع فيه بعض شراح المجلة نتيجة لسوء الصياغة في المادة 398 من المجلة وقعت فيه أيضًا الموسوعة الفقهية الصادرة في الكويت، في كلامها على بيع الوفاء (تحت مادة/ بيع) في الجزء التاسع منها. ففي البند 7 من بنود بيع الوفاء تحت عنوان (الآثار المترتبة على بيع الوفاء) من العناوين الفرعية تحت كلمة (بيع) سردت تلك الآثار المتعددة لبيع الوفاء مرتبة بالحروف الأبجدية، وفي الحرف (هـ) قالت: (منافع المبيع بيع وفاء هي للبائع كالإجارة وثمرة الأشجار ونحوها
…
) . وعللت ذلك بأن (ملكية العين لم تنتقل للمشتري
…
) وأضافت قولها: (إن المشتري لو أخذ من ثمر الأشجار شيئًا بغير إذن البائع ورضاه ضمنها) وعزت ذلك إلى الفتاوى الهندية ومعين الحكام.
وواضح بعد ما أسلفناه أن هذا مبني على القول بأن بيع الوفاء كالرهن في جميع الأحكام من الأقوال القديمة، وهو غير المفتى به الذي هو القول الجامع.
والغريب هنا في الموسوعة الفقهية إنها قبل ذلك (في البند 4) تحت عنوان (بيع الوفاء) نقلت عن ابن عابدين في رد المحتار أن الفتوى على القول الجامع الذي تقرر فيه أن منافع المبيع وفاء هي حل للمشتري وأنه لا ينبغي أن يعدل عنه في الإفتاء. فكيف بعد هذا تناقض نفسها وتقول في البند 7 أن المنافع للبائع، ويضمن المشتري ما يستوفيه منها بغير إذن البائع ورضاه؟!! [ر: الموسوعة الفقهية: 9/260 - 263] .
2-
المعتاد في بيع الوفاء أن الثمن يكون أقل من قيمة المبيع بفارق كبير كما في الرهن حيث يكون المرهون فيه أقل كثيرًا من قيمة المرهون.
وقبل صدور القانون المدني المصري الجديد سنة 1949م كانت عقود بيع العقارات بالوفاء في مصر تتضمن شرطًا أنه إذا لم يرد البائع ثمن العقار المبيع بالوفاء في الموعد المحدد بالعقد ينقلب البيع باتًّا. وكانت المحاكم تطبق هذا الشرط على البائعين إذا تأخروا في رد الثمن على المشتري، فسلبت بذلك عقارات كثيرة نهبًا لأن الثمن في بيع الوفاء أقل كثيرًا من قيمة العقار المبيع، وأورث ذلك مآسي كثيرة ظلم فيها من يبيع عقاره بالوفاء أيما ظلم. وكان معظم المشترين بالوفاء من المرابين.
وقد كان هذا حافزًا لواضعي القانون المدني المصري الجديد أن يضعوا فيه نصًّا صريحًا بأن البيع إذا شرط فيه أن البائع إذا رد الثمن للمشتري فإن على المشتري أن يرد المبيع إلى البائع يكون البيع باطلاً، فألغي بيع الوفاء بهذا النص وأصبح باطلاً لا أثر له. وعللت المذكرة الإيضاحية هذا الإلغاء بتلك المظالم التي كان المرابون يسلبون بها عقارات البائعين بالوفاء.
وجدير بالذكر أن فقهاء الحنفية نصوا على أنه: إذا شرط في بيع الوفاء (الذي حدد فيه أجل لإعادة الثمن واسترداد المبيع) أنه إذا لم يرد البائع الثمن في الموعد المحدد ينقلب البيع باتًّا كان هذا الشرط باطلًا. فقد أبطلوا الشرط دون العقد حماية للبائع. [ر: شرح الباز تحت المادة 396 من المجلة، نقلًا عن فتاوى علي أفندي] .
الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء
* * *