الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
إفطار المجاهد في نهار رمضان
وفيه ثلاث فروع:
الفرع الأول: إفطار المجاهد المسافر للجهاد
.
الفرع الثاني: إفطار المجاهد المقيم.
الفرع الثالث: إجبار المجاهد على الإفطار في نهار رمضان.
الفرع الأول
إفطار المجاهد المسافر للجهاد
يجوز للمجاهد المسافر للجهاد في سبيل الله أن يفطر في نهار رمضان (1) .
يدل على ذلك الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة.
فمن الكتاب قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185] .
(1) تبيين الحقائق (1/333) والبناية على الهداية (3/688) والتلقين ص 193 والمعونة (1/82) والمجموع (6/265) وروضة الطالبين (2/369) والمغني (4/345) وحاشية الروض المربع (3/372) قال ابن حزم: يجب الإفطار في السفر؛ لأن الله لم يفرض صوم الشهر إلا على من شهده، ولا فرض علىالمريض والمسافر إلا أيام أخر غير رمضان. واحتج بأحاديث النهي عن الصوم في السفر. انظر المحلىبالآثار (4/384) قال ابن رشد: الحجة على أهل الظاهر، إجماعهم على أن المريض إذاصام أجزأه صومه. انظر: بداية المجتهد (1/299) وقال الغزالي في الوسيط: أما خلاف الظاهرية فلا يعتد به في إيجاب الفطر، وما ورد من أخبار في النهي عن الصوم في السفر أريد بها من يتضرر بالصوم (2/540) .
ومن السنة ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلىمكة في رمضان فصام حتى بلغ الكديد (1) أفطر فأفطر الناس) (2) .
وأما إجماع الأمة فقد نقل غير واحد من أهل العلم إجماع المسلمين على جواز الفطر للمسافر في الجهاد، أو الحج ونحو ذلك.
جاء في رحمة الأمة: (اتفقوا على أن المسافر والمريض الذي يرجى برؤه مباح لهما الفطر)(3) وفي حاشية الروض المربع: (يجوز الفطر بإجماع المسلمين سواء كان سفر حج أو جهاد أو تجارة)(4) .
وفي المغني: وأجمع المسلمون على إباحة الفطر للمسافر في الجملة (5) .
إذا تقرر أنه يجوز للمجاهد المسافر للجهاد في سبيل الله الفطر في نهار رمضان، فإن إنشاءه للسفر لا يخلو من ثلاث حالات.
الحالة الأولى: أن ينشئ السفر قبل رمضان فيدخل عليه الشهر وهو مسافر فيباح له الفطر بالإجماع، قال ابن قدامة (لا نعلم بين أهل العلم خلافا في إباحة الفطر له)(6) .
(1) موضع على بعد 42 ميلا من مكة. انظر: معجم البلدان (4/501) ت رقم (10160) .
(2)
صحيح البخاري مع الفتح كتاب الصوم باب إذا صام أيام من رمضان ثم سافر ح رقم (1944) وكتاب الجهاد، باب الخروج في رمضان ح رقم (2953) وكتاب المغازي باب غزوة الفتح في رمضان ح رقم (4275)(4276) وصحيح مسلم بشرح النووي كتاب الصيام باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان، ح رقم (1113) وفي لفظ مسلم (فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر) .
(3)
رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص 191.
(4)
حاشية الروض المربع (3/372) .
(5)
المغنى لابن قدامة (4/345) .
(6)
المغنى لابن قدامة (4/345) . وتبيين الحقائق (1/333) والتلقين ص 193 والمجموع (6/265) .
الحالة الثانية: أن ينشئ السفر في أثناء شهر رمضان ليلا، فله الفطر في صبيحية الليلة التي يخرج فيها وما بعدها، وهذا قول عامة أهل العلم (1) .
والأدلة على هذا ما سبق ذكره من الكتاب والسنة والإجماع على جواز إفطار المجاهد المسافر للجهاد، ولأنه مسافر أبيح له الفطر، كما لو سافر قبل الشهر (2) . وقال أبو عبيدة السلماني (3) وسويد بن غفلة (4) وغيرهما:
لا يفطر من سافر بعد دخول الشهر (5) .
واستدلوا بقوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة: 185] .
وهذا قد شهده فلا يجوز له الإفطار (6) .
ونوقش بأن الآية تناولت الأمر بالصوم لمن شهد الشهر كله والمسافر لم يشهد الشهر كله (7) .
قال ابن القيم عن القول بعدم الفطر بعد دخول الشهر: هذا قول شاذ جدا (8) .
(1) المراجع السابقة في الهامش السابق.
(2)
المغني (4/345) .
(3)
هو: عبيدة بن عمرو السلماني الكوفي، أسلم عام فتح مكة بأرض اليمن، ولا صحبة له، وأخذ عن كثير من الصحابة برع في الفقه، وكان ثبتا في الحديث في سنة وفاته أقوال، أصحها أنه توفي سنة 72 هـ انظر: سير أعلام النبلاء (4/40) .
(4)
هو: سويد بن غفلة بن عوسجة بن عامر الجعفي الكوفي قيل: له صحبة ولم يصح، بل أسلم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقاه، شهد اليرموك، وحدث عن الخلفاء الأربعة وغيرهم، توفي بالكوفي سنة 81 هـ وقيل: 82 هـ انظر سير أعلام النبلاء (4/69) وأسد الغابة (2/340) ت رقم (2356) .
(5)
المغني (4/345) .
(6)
المغني (4/345) .
(7)
المغني (4/345) وشرح السنة للبغوي (6/312) ودلائل الأحكام لابن شداد
…
(1/167) .
(8)
شرح سنن أبي داود لابن القيم بهامش عون المعبود (7/39) .
الحالة الثالثة: أن ينشئ السفر في نهار رمضان.
اختلف الفقهاء في هذه الحالة، هل يجوز إفطار ذلك اليوم الذي سافر فيه أم لا؟ إلى قولين:
القول الأول: أن له أن يفطر، وبهذا قال الحنابلة على الصحيح من المذهب (1) وهو قول المزني من الشافعية (2) .
واستدلوا بمايلي:
1-
ما روي عن عبيد بن جبر (3) قال: (ركبت مع أبي بصرة الغفاري (4) في سفينة من الفسطاط (5) في شهر رمضان فدفع ثم قرب غداءه فلم يجاوز البيوت حتى دعا بالسفرة ثم قال: اقترب قلت: ألست ترى البيوت؟ قال أبو بصرة: أترغب عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل) (6) .
(1) المسائل الفقهية (1/264) والإنصاف (3/289) والمغني لابن قدامة (4/346) وزاد المعاد لابن القيم (2/57) .
(2)
الحاوي الكبير (3/448) وهو قول إسحاق كذلك من الشافعية.
(3)
هو: عبيد بن جبر الغفاري، أبو جعفر المصري مولى أبي بصرة، روى عنه الفطر في السفر، وهو يرى البيوت، قال ابن خزيمة لا أعرفه توفي بالإسكندرية سنة 74 هـ انظر تهذيب التهذيب (7/56) وميزان الاعتدال (3/19) ت رقم (5417) .
(4)
هو: أبو بصرة بن بصرة بن أبي بصرة وقاص بن حبيب بن غفار، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم روى عنه أبو هريرة وأبو تميم الحبشاني وغيرهم، مات بمصر ودفن بها. / انظر الإصابة (7/37) . ت رقم (9631) وطبقات ابن سعد (7/500) .
(5)
اسم المدينة التي بناها عمرو بن العاص في مصر، وكل مدينة تسمى فسطاطا انظر معجم البلدان (4/297) ت رقم (9187) .
(6)
أخرجه أبو داود في سننه مع عون المعبود كتاب الصيام باب متى يفطر المسافر إذا خرج ح رقم (2409) والإمام أحمد في المسند ج (18/ 478) ح رقم (27109) وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه كتاب الصوم، باب إباحة الفطر في اليوم الذي يخرج فيه المرء، ح رقم (2040) .
2-
ولأن السفر معنى، لو وجد ليلا واستمر في النهار لأباح الفطر، فإذا وجد في أثناء النهار أباح الفطر كالمرض (1) .
القول الثاني: أنه لا يباح له الفطر في ذلك اليوم الذي سافر فيه، وهذا القول رواية عن أحمد وهو قول الجمهور (2) .
وعللوا لقولهم بما يلي:
1-
أنه حين أصبح مقيما وجب عليه أداء الصوم في هذا اليوم حقا لله تعالى، وإنما أنشأ السفر باختياره فلا يسقط ما تقرر وجوبه عليه (3) .
ويمكن مناقشة هذا: بأن المجاهد في سبيل الله قد ينشئ السفر لا باختياره وإنما يستنفره الإمام لجهاد العدو، فيلزمه الخروج.
2-
ولأن الصوم عبادة تختلف بالسفر والحضر، فإذا اجتمعا فيها غلب حكم الحضر كالصلاة (4) .
ونوقش هذا: بأن الصوم يفارق الصلاة، فإن الصلاة يلزم إتمامها بنيته، بخلاف الصوم (5) .
ويظهر مما تقدم رجحان القول الأول بأنه يباح له الفطر إذا سافر في أثناء يوم الصيام، وذلك للأخبار الصحيحة في ذلك، ولعموم أدلة جواز الفطر في رمضان للمسافر دون تمييز بين من سافر ليلا أو نهارا، والله أعلم.
(1) المغني (4/346) .
(2)
المغني (4/345) والمدونة (1/202) والبحر الرائق (2/506) والاختيار للموصلي
…
(1/134) . والمجموع (6/266) والوسيط (2/539) وشرح السنة للبغوي (6/312) .
(3)
المبسوط (3/68) .
(4)
المغيى (4/347) .
(5)
نفس المرجع في الهامش السابق.