الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
أجاز النبي صلى الله عليه وسلم الخيلاء في الحرب لما في ذلك من القوة وإرهاب العدو، كما في حديث جابر بن عتيك (1)(فأما الخيلاء التي يحب الله فاختيال الرجل بنفسه عند القتال..)(2) .
3-
أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما خرج لفتح مكة أمر بإيقاد النيران فأوقدوا عشرة آلاف نار (3) في ليلة واحدة حتى ملأت الأفق، فكان لمعسركهم منظر مهيب كادت تنخلع قلوب قريش من شدة هوله، وقد قصد النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك إظهار قوة المسلمين وتحطيم نفسيات العدو حتى لا يفكروا في المقاومة ويستسلموا وقد تحقق ذلك (4) .
فإظهار القوة أمام الأعداء وإعداد العدة لملاقاتهم وسيلة عظيمة من وسائل حرب العدو نفسيا وبث الخوف والرعب بين مقاتليهم، وهذا باب من أبواب النصر على العدو.
المسألة الثالثة
إشاعة الفرقة وبث الرعب بين العدو
أولا: إشاعة الفرقة بين العدو:
إن الترابط إذا حصل في صفوف العدو، كان ذلك خطرا على المسلمين، وصعب معه الوصول إلى هزيمتهم، وإن خلخلة صفوف العدو وتفريق وحدتهم من الأمور المهمة في سياسة القتال للوصول إلى هزيمة العدو وتشتيت شملهم وما عقدوا العزم عليه.
(1) هو: جابر بن عتيك، وقيل: جبر بن قيس بن الحارث، الأنصاري الأوسي، شهد بدرا والمشاهد كلها، وكانت معه راية بني معاوية يوم الفتح، توفي سنة 61 هـ انظر: الإصابة (1/548) ت رقم (1032) وأسد الغابة (1/309) ت رقم (649) .
(2)
أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجهاد باب الخيلاء في الحرب ح رقم (2557) والإمام أحمد في المسند (17/103) ح رقم (23637) وصححه ابن حبان. انظر: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (7/129) ح رقم (1742) .
(3)
طبقات ابن سعد (1/135) .
(4)
القيادة العسكرية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم د/ عبد الله الرشيد ص 420.
يؤيد هذا ما جاء في غزوة الخندق؛ أن نعيم بن مسعود (1) رضي الله عنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله. إني قد أسلمت فمرني بما شئت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنما أنت رجل واحد فخذل (2) عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة» (3) .
فذهب من فوره إلى بني قريظة (4) وكان عشيرا (5) لهم في الجاهلية فدخل عليهم وهم لا يعلمون بإسلامه، فقال: يا بني قريظة، إنكم قد حاربتم محمد وإن قريشا إن أصابوا فرصة انتهزوها وإلا انشمروا (6) إلى بلادهم راجعين، وتركوكم ومحمدا فانتقم منكم قالوا: فما العمل يا نعيم؟ قال: لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن، قالوا: لقد أشرت بالرأي، ثم مضى على وجه إلى قريش، فقال لهم: تعلمون ودي لكم، ونصحي لكم، قالوا: نعم، قال: إن يهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد وأصحابه، وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه، ثم يمالئونه عليكم، فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم، ثم ذهب إلى غطفان (7) فقال لهم مثل ذلك، فلما كان ليلة السبت من شوال بعثوا إلى اليهود إنا لسنا
(1) هو: نعيم بن مسعود بن عامر بن أشجع، يكني أبا سلمة الأشجعي، صحابي مشهور، أسلم ليالي الخندق، وهو الذي أوقع الخلف بني قريظة، وغفطان وقريش يوم الخندق، قتل في وقعة الجمل، وقيل: مات في خلافة عثمان. انظر الإصابة (6/363) ت رقم
…
(8802) وأسد الغابة (4/572) ت رقم (5274) .
(2)
التخذيل: حمل الرجل على خذلان صاحبه وتثبيطه عن نصرته، وخذل عنه أصحابه أي: حملهم على خذلانه، انظر: لسان العرب (11/202) .
(3)
أصله في البخاري. انظر: صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الجهاد والسير، باب الحرب خدعة ح رقم (3030) .
(4)
قبيلة من قبائل اليهود نزحوا إلى جزيرة العرب، ونزلوا بأعلى المدينة على وادي مهروز، قتل النبي صلى الله عليه وسلم مقاتلهم وسبي نسائهم وذراريهم لأنهم نقضوا العهد. انظر يثرب قبل الإسلام د/ محمد الوكيل ص 44، 48 وعمدة الأخبار في مدينة المختار للشيخ أحمد عبد الحميد ص 37.
(5)
العشير: القريب والصديق. انظر: لسان العرب مادة (عشر)(4/574) .
(6)
أي: أسرعوا، يقال: انشمر الفرس إذا أسرع، انظر: لسان العرب (4/429) مادة (شمر) .
(7)
غطفان هم: بطن من قيس عيلان، ومنازلهم مما يلي وادي القرى، انظر: سبائك الذهب ص 81 ونهاية الأرب للقلقشندي ص 347.
بأرض مقام وقد هلك الكراع (1)
والخف (2) فانهضوا بنا حتى نناجز محمدا، فأرسل إليهم اليهود إن اليوم يوم السبت، وقد علمتم ما أصاب من قبلنا حين أحدثوا فيه، ومع هذا فإنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهائن فلما جاءتهم رسلهم بذلك قالت قريش: صدقكم والله نعيم، فبعثوا إلى يهود: إنا والله لا نرسل إليكم أحدا، فاخرجوا معنا حتى نناجز محمدا فقالت قريظة صدقكم والله نعيم، فتخاذل الفريقان (3) .
فتخذيل العدو وبث الفرقة بينهم مما يؤدي إلى خذلانهم وانهزامهم أمر مطلوب من قائد الجيش المسلم.
ثانيا: بث الرعب بين العدو:
بث الرعب في صفوف العدو من الأهمية بمكان في خذلان العدو، وهزيمته والظهور عليه، وقد نصر الله رسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين على العدو، بأن ألقى في قلوب العدو الرعب قال تعالى:{سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} [آل عمران: 151] .
وعن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (..نصرت بالرعب مسيرة شهر..)(4) .
وقد سبق الحديث عن الإعلام وإظهار القوة وأثر ذلك في إرهاب العدو وبث الرعب في قلوبهم (5) .
وكل ذلك يؤيد أن إرهاب العدو، وبث الرعب في قلوبهم أمر مطلوب في سياسة القتال وأنه يسهل هزيمتهم والانتصار عليهم بإذن الله.
(1) من الدواب ذوات الحوافر، وقد يستعمل للأبل والكراع من الغنم، والبقر، والكراع اسم يجمع الخيل والسلاح.
انظر: لسان العرب مادة (كرع)(8/306) .
(2)
هو: الجمل المسن وقيل الضخم. انظر: لسان العرب مادة (خفف)(9/81) .
(3)
زاد المعاد (3/273، 274) .
(4)
صحيح البخاري مع الفتح كتاب التيمم باب التيمم ح رقم (335) وكتاب الجهاد والسير باب قول النبي صلى الله عليه وسلم نصرت بالرعب مسيرة شهر ح رقم (2977) .
(5)
راجع: الفرع الخامس المسألة الأولى والثانية.