الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الخامس
موت المجاهد متأثراً بإصابته في المعركة
لا يخلو حال المجاهد المصاب بالجراح في المعركة بعد انتهاء القتل في حالتين:
الحالة الأولى: أن يوجد في المعركة وفيه رمق حياة ثم يموت سواء حمل أم لا؟
الحالة الثانية: أن يوجد في المعركة وفيه حياة مستقرة ثم يموت.
فأما الحالة الأولى: أن يوجد في المعركة وفيه رمق حياة ثم يموت فإنه لم يظهر خلاف بين الفقهاء -فيما أعلم- أنه شهيد معركة يأخذ أحكام الشهيد الدنيوية (1) .
جاء في المبسوط وغيره: إن حمل المجروح بين الصفين كي لا تطأه الخيل، لا للتداوي، فإنه شهيد لا يغسل لأنه لم ينل مرافق الحياة (2) .
وقال المالكية: إذا رفع حيا منفوذ المقاتل، أو مغمورا (3) فهو شهيد لا يغسل ولا يصلي عليه ويدفن بثيابه التي قتل فيها (4) .
وقال الشافعية: إذا انقضى القتال وفي المجروح حركة مذبوح، فهو شهيد بلا خلاف، فلا يغسل ولا يصلى عليه ويدفن بثيابه التي قتل فيها (5) .
وقال الحنابلة: لو مات عقب حمله من المعركة وفيه رمق لم يغسل ولم يصلى عليه (6) .
(1) قال ابن حزم: من حمل من المعركة حيا فليس بشهيد ولم يفرق بين من كان فيه رمق حياة أو حياة مستقرة، ويحمل قوله على من حمل وفيه حياة مستقرة انظر: المحلى (3/336) .
(2)
المبسوط (2/51) والاختيار للموصلي (1/98) وتبيين الحقائق (1/249) .
(3)
أي في غمرة الموت، ولم يأكل أو يشرب. انظر الذخيرة (2/476) .
(4)
حاشية الدسوقي (1/426) والمدونة (1/183) والمعونة (1/351) .
(5)
المجموع (5/222) وروضة الطالبين (2/119) والحاوي (3/36) .
(6)
المغني (3/472) والمبدع (2/237) .
ويمكن أن يستدل لهذه الحالة بما جاء في موطأ الإمام مالك رحمه الله:
لما كان يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من يأتيني بخير سعد بن الربيع؟» (1) فقال رجل (2) : أنا يا رسول الله، فذهب الرجل يطوف بين القتلى، فقال له سعد بن الربيع: ما شأنك؟ فقال له الرجل: بعثني إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم لآتيه بخبرك قال: فاذهب إليه فأقرئه مني السلام وأخبره أني قد طعنت ثنتي عشرة طعنة، وأني قد أنفذت مقاتلي، وأخبر قومك أنه لا عذر لهم عند الله إن قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وواحد منهم حي (3) .
وجه الدلالة أنه وجد بعد انتهاء المعركة منفوذ المقاتل ولم يفرد عن شهداء أحد بحكم.
أما الحالة الثانية: أن يوجد في المعركة وفيه حياة مستقرة، ثم يموت بعد ذلك متأثرا بجراحه في المعركة مع الكفار.
الذي يظهر من كلام الفقهاء أنه ليس بشهيد معركة، ولا يلحق به فيغسل ويكفن في ثيابه ويصلى عليه.
(1) هو: سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير الأنصاري الخزرجي أحد نقباء الأنصار، شهد العقبة الأولى والثانية آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد الرحمن بن عوف، قتل يوم أحد شهيدا. انظر: أسد الغابة (2/196) ت رقم (1993) والإصابة (3/49) ت رقم (3160) .
(2)
قيل هو: أبي بن كعب، وقيل: محمد بن مسلمة، انظر شرح الزرقاني على موطأ مالك (3/59) .
(3)
أخرجه الإمام مالك في الموطأ كتاب الجهاد، باب الترغيب في الجهاد ح رقم (1028) وأخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب معرفة الصحابة ذكر مناقب سعد بن الربيع، ح رقم (4906) ورقم (4907) بلفظ قريب مما في الموطأ عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي في التلخيص بهامش المستدرك (3/221) .
قال الحنفية: إن نال مرافق الحياة فأكل أو شرب أو أوصى بشيء من أمور الدنيا (1) ، أو تداوى أو باع أو اشترى أو صلى أو حمل من المعركة حيا (2) أو نصب له خيمة أو عاش أكثر من يوم وهو يعقل فليس بشهيد (3) .
وقال المالكية: من عاش فأكل وشرب أو عاش حياة بينة، يغسل ويكفن ويصلى عليه، وكذا من حمل من المعترك جريحا فبقي زمنا أو أياما ثم مات (4) .
وقال الشافعية: إن قطع بموته من تلك الجراحة وبقي فيه بعد انقضاء الحرب حياة مستقرة، فقولان: أصحهما وأظهرهما: أنه ليس بشهيد (5) قال في المجموع: إذا انقضت الحرب وهو متوقع الحياة فليس بشهيد بلا خلاف (6) .
وقال الحنابلة: إن حمل فأكل أو طال بقاؤه فليس بشهيد نص عليه أحمد (7) .
وقال ابن حزم: إن حمل عن المعركة وهو حي فمات غسل وكفن وصلى عليه (8) .
(1) وروي عن أبي يوسف. أنه إن أوصى بأمر ديني لم يغسل لحديث سعد بن الربيع السابق ذكره انظر: الاختيار للموصلي (1/98) .
(2)
المراد: حياة مستقرة نال فيها مرافق الحياة. جاء في المبسوط، وهذا إذا حمل ليمرض في خيمته أو بيته (2/51) .
(3)
المبسوط (2/41) والاختيار للموصلي (1/98) وتبيين الحقائق (1/249) .
(4)
المدونة (1/183) والمعونة (1/352) .
(5)
القول الثاني: أنه شهيد معركة وهذا قول مرجوح انظر: المجموع (5/222) وروضة الطالبين (2/119) ومغني المحتاج (2/34) .
(6)
المجموع (5/222) .
(7)
الشرح الكبير (1/548) والمبدع (2/237) .
(8)
المحلى بالآثار (3/336) .
واستدلوا بما يلي:
1-
أن النبي صلى الله عليه وسلم غسل سعد بن معاذ وصلى عليه، وكان شهيدا، رمي يوم الخندق بسهم فقطع أكحله (1) فحمل إلى المسجد فلبث فيه أياما ثم مات (2) .
2-
ولأنه عاش بعد انقضاء الحرب، فأشبه ما لو مات بسبب آخر (3) .
3-
ولأنه نال مرافق الحياة من أكل وشرب ونحو ذلك، ولا يكون ذلك إلا من ذي حياة مستقرة (4) .
وبناء على ما تقدم من كلام الفقهاء في الحالتين السابقتين، وما استدلوا به فإن المجاهد في سبيل الله إذا وجد في أرض المعركة (مسرح العمليات) بعد انتهاء القتال وبه رمق حياة ولو تكلم أو أكل أو شرب أو نقل من المعركة ثم مات بعد ذلك بزمن قصير عرفا، فإنه شهيد معركة لا يغسل ولا يصلى عليه، ويدفن بثيابه التي قتل فيها.
وإن نقل من أرض المعركة وأسعف (في المستشفى) وبقي زمنا طويلا عرفا، واستقرت حالته، ثم توفي بعد ذلك فإنه ليس شهيد معركة فيغسل ويكفن ويصلى عليه.
وهو شهيد في الآخرة بإذن الله إذا كان مراده من قتاله الكفار، إعلاء كلمة الله عز وجل وإعزاز دينه. والله أعلم.
(1) الأكحل: عرق في وسط الذراع يكثر فصده. انظر النهاية في غريب الحديث والأثر (4/134) .
(2)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الصلاة، باب الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم، ح رقم (463) وكتاب المغازي باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ح رقم (4122) وصحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الجهاد والسير، باب جواز قتال من نقض العهد، ح رقم (1769) .
(3)
مغنى المحتاج (2/34) والمعونة (1/352) .
(4)
الاختيار للموصلي (1/98) وتبيين الحقائق (1/249) والمبدع (2/237) .