الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثالث
موت المجاهد في الأسر
المقصود أن المجاهد إذا مات في الأسر، هل يلحق بشهيد المعركة، فلا يغسل ولا يصلي عليه ويدفن بثيابه أم لا؟ لا يخلو المجاهد إذا مات في الأسر من حالتين.
الحالة الأولى: أن يموت في الأسر بمرض ونحوه، وليس للعدو في ذلك سبب.
وفي هذه الحالة لا يكون شهيد معركة، فيغسل ويكفن ويصلي عليه، وهو كمن خرج للجهاد ثم مات بمرض ونحوه، وقد سبق بيان ذلك، وما قيل: هناك، يقال: هنا (1) .
الحالة الثانية: أن يموت في الأسر على يد العدو، وله صورتان.
الأولى: أن يقتله العدو والمعارك ما زالت قائمة بين المسلمين والكفار، فهو في هذه الصورة شهيد معركة مع الكفار فتطبق عليه أحكام شهيد المعركة (2) .
الثانية: أن يقتله العدو بعد انتهاء الحرب:
اختلف الفقهاء في هذه الصورة هل يلحق بشهيد المعركة أم لا؟ إلى قولين:
القول الأول: إنه لا يلحق بشهيد المعركة، فيغسل ويكفن ويصلى عليه.
وهذا قول المالكية، بناء على أن من قتل مظلوما ليس بشهيد، وبناء على أن الشهيد هو من قتل في المعركة في قتال الكفار كما سبق بيانه (3) وأحد الوجهين عن الشافعية، قياسا على الجريح إذا خلص حيا، ثم مات بعد انتهاء المعركة (4) ، ورواية عند الحنابلة أن المقتول ظلما ليس بشهيد (5) .
(1) راجع: الفرع الثاني.
(2)
وهذا واضح من تعريف الفقهاء للشهيد انظر بدائع الصنائع (2/70) وحاشية الخرشي (2/369) والمدونة (1/183) والمجموع (5/221) وكشاف القناع (1/574) والمحلى (3/336) .
(3)
المدونة (1/184) ومواهب الجليل (3/66) والذخيرة (2/476) وراجع التعريف بالشهيد.
(4)
الحاوي الكبير (3/36) .
(5)
المغني (3/475) وحاشية الروض المربع (3/53) .
ويمكن أن يستدل لهم بما يلي:
1-
أن رتبته دون شهيد المعركة فلا يلحق به.
2-
أن خروج روحه في غير المعترك فأشبه الجريح في المعركة يموت بعد انتهاء القتال بعد أن يحيا حياة مستقرة، فلا يأخذ أحكام شهيد المعركة مع الكفار (1) .
القول الثاني: أنه يلحق بشهيد المعركة مع الكفار وتطبق عليه أحكامه.
وهذا قول الحنفية تخريجا على تعريفهم للشهيد، كما سبق بيانه، وأن المقتول ظلما سواء في المعركة أو غيرها شهيد (2) وأحد الوجهين عند الشافعية جاء في الحاوي (لو أسر المشركون رجلا وقتلوه بأيديهم صبرا ففي غسله والصلاة عليه وجهان: أحدهما: لا يغسل ولا يصلي عليه لأنه قتل ظلما بيد مشرك حربي كالقتل في المعترك) (3) .
وهذا القول رواية عند الحنابلة. جاء في كشاف القناع: (من قتله الكفار صبرا في غير الحرب ألحق بشهيد المعركة في أنه لا يغسل ولا يصلى عليه)(4) وهو قول عند المالكية جاء في المدونة (.. فكل من قتله العدو بأي قتلة كانت بصبر أو غيره في معركة أو غير معركة فأراه مثل الشهيد في المعركة)(5) .
ويمكن أن يستدل لهذا القول بما يلي:
1-
ما جاء عن سعيد بن زيد (6) رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من
(1) المراجع السابقة في الهامش السابقين.
(2)
بدائع الصنائع (2/70) والاختيار للموصلي (1/97) .
(3)
الحاوي الكبير (3/36) .
(4)
كشاف القناع (1/575) .
(5)
المدونة (1/183) .
(6)
هو: سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل القرشي العدوي، أسلم قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم هاجر وشهد أحدا والمشاهد بعدها ولم يشهد بدرا لأنه كان غائبا عن المدينة وقد أسهم له النبي صلى الله عليه وسلم من غنائم بدر، أسلم عمر في بيته لأنه زوج أخته فاطمة، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، توفي بالمدينة سنة50 هـ وقيل غير ذلك. انظر: الإصابة
…
(3/87) ت رقم (3271) وأسد الغابة (2/235) ت رقم (2075) .
قتل دون دينه فهو شهيد» (1) .
2-
ولأنه قتل ظلما بيد كافر حربي فهو كقتل المعركة (2) .
ويمكن مناقشة أدلة هذا القول بما يلي:
1-
أن المراد بكونه شهيدا في الحديث أي: شهيد في الآخرة من حيث الأجر والثواب، أما في الدنيا فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه، كما في المبطون والغريق والمحترق، ونحو ذلك ممن سماهم الرسول صلى الله عليه وسلم شهداء وغسلهم وصلى عليهم.
2-
وأما كونه مقتولا ظلما، فإنه كذلك لا يأخذ حكم شهيد المعركة في الدنيا فيغسل ويكفن ويصلى عليه.
لأن عمر وعليا وابن الزبير رضي الله عنه قتلوا ظلما وغسلوا وصلي عليهم (3) .
ومما سبق يظهر أن الأسير إذا قتله العدو بعد انتهاء المعركة فإنه لا يأخذ أحكام شهيد المعركة فيغسل ويكفن ويصلى عليه، لأنه قتل في غير معركة فأختل شرط من شروط إلحاقه بشهيد المعركة، وهو شهيد في الآخرة إن كانت نيته من قتال الكفار إعلاء كلمة الله. والله أعلم.
(1) أخرجه أبو داود في سننه مع عون المعبود كتاب السنة باب في قتال اللصوص ح رقم
…
(4757) وأخرجه الترمذي مع عارضة الأحوذي كتاب الديات، باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد ح رقم (1421) قال الترمذي هذا حديث حسن.
وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب قتال أهل البغي، باب من أريد ماله، أو أهله، أو دينه ح رقم (16777) والنسائي في سننه كتاب تحريم الدم، باب من قاتل دون دينه ح رقم (4106) وأحمد في المسند ج (2/298) ح رقم (1652) .
(2)
الحاوي الكبير (3/36) .
(3)
حاشية الروض المربع (3/53) .