الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الأول
التعريف بالشهيد
أولا: الشهيد في اللغة:
الشهيد وزن فعيل من الفعل شهد، والفعل شهد يدل على معان عدة، قال في معجم مقابيس اللغة: الشين والهاء والدال أصل، يدل على حضور وعلم إعلام، والشهيد القتيل في سبيل الله (1) .
وجاء في لسان العرب: والشهيد في الأصل من قتل مجاهدا في سبيل الله، ثم اتسع فيه فأطلق على من سماه النبي صلى الله عليه وسلم من المبطون والغريق ونحوه (2) وجاء في المصباح المنير: الشهيد من قتله الكفار في المعركة (3) .
فالشهيد في اللغة عام يطلق على شهيد المعركة مع الكفار، وعلى غيره.
ثانيا: الشهيد عند الفقهاء.
عرفه الحنفية بأنه: من قتله المشركون أو وجد في المعركة وبه أثر الجراحة، أو قتله المسلمون ظلما ولم تجب بقتله دية (4) أو قتل مدافعا عن نفسه، أو ماله، أو أهله، أو أحد من المسلمين أو أهل الذمة (5) .
(1) معجم مقاييس اللغة (3/221) مادة شهد.
(2)
لسان العرب (3/242) مادة شهد.
(3)
المصباح المنير ص 324 (مادة شهد) .
(4)
اللباب في شرح الكتاب (1/133) والاختيار للموصلي (1/97) .
(5)
بدائع الصنائع (2/70) .
وعرفه المالكية بأنه: من قتل في قتال الحربيين (1) فقط ولو ببلد الإسلام (2) بأن غزا الحربيون المسلمين، أو لم يقاتل بأن كان غافلا، أو نائما أو قتله مسلما يظنه كافرا، أو داسته الخيل، أو رجع عليه سيفه أو سهمه أو تردى في بئر أو سقط من شاهق حال القتال (3) .
وعرفه الشافعية بأنه: من مات بسبب قتال الكفار حال قيام القتال سواء قتله كافر، أو أصابه سلاح مسلم خطأ، أو عاد إليه سلاح نفسه، أو سقط عن فرسه، أو رمحته دابته فمات، أو وطئته دواب المسلمين، أو غيرهم أو أصابه سهم لا يعرف هل رمى به مسلم أو كافر، أو وجد قتيلا عند انكشاف الحرب ولم يعلم سبب موته، سواء كان عليه أثر دم أم لا، وسواء مات في الحال أم بقي زمنا ثم مات بذلك السبب قبل انقضاء الحرب، وسواء أكل أو شرب أو أوصى أم لم يفعل شيئا من ذلك (4) .
وعرفه الحنابلة بأنه: من مات بسبب القتال مع الكفار وقت قيام القتال (5) .
(1) قال ابن القاسم: إن قتيل الحربى في غير معركة يغسل ويصلي عليه بلغة السالك
…
(1/204) .
(2)
المشهور أنه لا يغسل ولا يصلي عليه ومقابل المشهور أنه يغسل ويصلي عليه لأن درجته في بلاد الإسلام انحطت عن درجة الشهيد الذي دخل بلاد العدو، حاشية الخرشي (2/369) .
(3)
الشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقي (1/425) والذخيرة (2/476) وحاشية الخرشي (2/369) .
(4)
المجموع (5/221) والحاوي (3/35) والوسيط (2/377) وذكر في المجموع وجها محكيا عن أبي حامد الجويني أن من رجع إليه سلاحه نفسه أو وطئته دابة، أو تردى في بئر ونحو ذلك حال القتال أنه ليس بشهيد فيغسل ويصلي عليه، قال النووي: والصواب الأول، أي أنه لا يغسل ولا يصلي عليه (5/221) .
(5)
كشاف القناع (1/574) وشرح منتهى الإرادات (1/576) .
وعرفه ابن حزم بأنه: المقتول بأيد المشركين خاصة في سبيل الله عز وجل في المعركة خاصة (1) .
والذي يظهر من تعريف الفقهاء للشهيد أن مرادهم، الشهيد الذي تطبق عليه الأحكام الدنيوية فلا يغسل، ولا يصلي عليه، ويدفن في ثيابه التي قتل فيها، ولا بد لحصول لذلك من قيدين.
الأول: أن يقتل في المعركة أو ما يسمى (مسرح العمليات)(2) سواء كان في البر، أو البحر، أو الجو، وبهذا القيد يخرج من مات في غير المعركة، أو جرح في المعركة ومات بعد انتهاء الحرب وفي هذا تفصيل سيأتي إن شاء الله.
الثاني: أن يكون قتيل حرب الكفار، وبهذا القيد يخرج ما لو قتله المسلمون، كأهل البغي فإنه لا يعتبر شهيد، فيغسل ويكفن ويصلى عليه (3) .
وهذان القيدان تحققا في تعريف الجمهور للشهيد:
أما ما ذهب إليه الحنفية من أن المقتول ظلما ولم تدفع ديته، أوالمقتول دفاعا عن ماله، أو عرضه، أو نفسه، أو أحد من المسلمين، أنه شهيد، فإن ذلك توسع منهم في معنى الشهيد ويمكن حمل ذلك على أنه شهيد في الآخرة، كما في المبطون والغريق، ونحو ذلك ممن سماهم النبي صلى الله عليه وسلم شهداء وغسلوا وصلى عليهم وكفنوا، فكان المراد شهداء في الآخرة (4) والله أعلم.
(1) المحلى (3/336) .
(2)
ذلك الجزء من منطقة الحرب الضرورية للعمليات العسكرية، سواء كانت هجومية أو دفاعية لتنفيذ واجب معين. انظر: قاموس المصطلحات العسكرية للفريق محمد أمين ص 518.
(3)
فتح الباري (3/269) .
(4)
حاشية الروض المربع (3/55) والمغني (3/475) وشرح صحيح مسلم (13/67) وعون المعبود (13/85) والمحلى بالآثار (3/337) .
أما الشهيد الذي يأخذ أحكام الشهيد الدنيوية، فلا يغسل ولا يصلي عليه ويدفن بثيابه التي قتل فيها، ويعتبر شهيد بالنسبة لأحكام الآخرة من حيث الأجر والثواب الذي وعد الله به الشهداء فإن له ثلاثة قيود:
القيدان السابقان فيمن تحققت فيه أحكام الشهيد الدنيوية.
والقيد الثالث وهو في غاية الأهمية: أن يكون مراد المجاهد من القتال الذي قتل فيه إعلاء كلمة الله ونصرة دينه (1) .
لأن من قاتل الكفار فقتل في المعركة وليس هدفه إعلاء كلمة الله عزوجل، وإنما قاتل لوطنية، أو قومية، أو عصبية، أو رياء، أو من أجل المغنم، فإنه لا يكون شهيدا في الآخرة ولا ينال أجر الشهداء الذي أعده الله لهم وإن طبقت عليه أحكام الشهيد الدنيوية.
والدليل على أنه ليس بشهيد ما جاء في الصحيحين عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: الرجل يقاتل للمغنم والرجل يقاتل للذكر والرجل يقاتل ليُرى مكانه فمن في سبيل الله؟ قال صلى الله عليه وسلم «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» (2) .
فليحذر جنود الإسلام أن يكون هدفهم من القتال الوطن لذاته، أو أهداف مالية، أو مناصب دنيوية أو حمية، أو عصبية لأن في ذلك هلاكا في الدنيا وخسرانا في الآخرة وليكن هدفهم إعلاء دين الله وحماية بلاد المسلمين من أجل أن يقام الإسلام فيها حتى ينالوا الشهادة إذا قتلوا.
(1) مغنى المحتاج (2/35) .
(2)
سبق تخريجه.