الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والذي يظهر أن هذا الاحتمال قوي. لأن الأسير لم ينو الإقامة في أرض العدو، وإنما أكره على السفر وعلى الإقامة.
فحاله حال المسافر الذي أقام لأمر لا يدري متى ينتهي فالأسير في أرض العدو أولى بالترخص، فيجوز له القصر. والله أعلم.
المطلب الثاني
الجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما للمجاهد
لا يخلو أن يكون المجاهد في سبيل الله إما مسافرا للجهاد أو مقيما، فإن كان مسافرا للجهاد فإنه يجوز له الجمع بين الصلاتين الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء جمع تقديم (1) أو جمع تأخير (2) وبهذا قال جمهور الفقهاء (3) رحمهم الله تعالى.
(1) يشترط في جمع التقديم ما يلي:
1-
نية الجمع عند الإحرام، لأن كل عبادة اشترطت فيها النية اعتبرت في أولها.
2-
المولاة وهي: أن لا يفرق بينهما فترة طويلة، لأن معنى الجمع المتابعة.
3-
أن يكون العذر المبيح للجمع موجودا عند افتتاح الصلاتين وسلام الأولى.
انظر: المستوعب (2/404) وكشاف القناع (1/491) والمجموع (4/253) وروضة الطالبين (1/396) والذخيرة (2/374) .
(2)
يشترط في جمع التأخير ما يلي:
1-
أن ينوي الجمع في وقت الأولى، لأنه متى أخرها بدون نية صارت قضاء لا جمعا.
2-
استمرار العذر المبيح للجمع إلى دخول وقت الثانية، لأن المجوز للجمع هو العذر.
3-
الترتيب فيصلى الظهر ثم العصر والمغرب ثم العشاء.
انظر: المراجع السابقة في هامش رقم (1) .
(3)
المغنى (3/127) والمستوعب (2/401) وكشاف القناع (1/488) والمبدع
…
(1/117) والمجموع (4/249) والأم (1/77) وروضة الطالبين (1/395) والمدونة
…
(1/116) والمعونة (1/259) والذخيرة (2/374) .
واستدلوا بما يلي:
1-
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فكان يصلي الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا)(1) .
2-
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين المغرب والعشاء إذا جد به السير (2) .
3-
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير ويجمع بين المغرب والعشاء)(3) .
4-
عن أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين صلاة المغرب والعشاء في السفر)(4) .
5-
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم يجمع بينهما، وإذا زاغت صلى الظهر ثم ركب)(5) .
(1) صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الجمع بين الصلاتين، ح رقم 52 (706) ورقم (53 (706)) .
(2)
صحيح البخاري مع الفتح كتاب تقصير الصلاة، باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء، ح رقم (1106) وصحيح مسلم بشرح النووي، كتاب صلاة المسافرين، باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، ح رقم (42)(703) ورقم 43 (703) ورقم (44)(703) ورقم (45)(703) .
(3)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب تقصير الصلاة، باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء، ح رقم (1107) .
(4)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب تقصير الصلاة، باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء ح رقم (1108) وصحيح مسلم بشرح النووي كتاب كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب جواز الجمع بين الصلاتين في السفر، ح رقم 46 (704) ورقم 47 704.
(5)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب تقصير الصلاة، باب الجمع في السفر بين المغرب والعشاء ح رقم (1111) .
وذهب الحنفية إلى أنه لا يجوز الجمع بين صلاتين في وقت إحداهما، إلا في عرفة فيجمع فيها بين الظهر والعصر، وبمزدلفة فيجمع فيها بين المغرب والعشاء، لاتفاق رواة نسك رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فعله (1) .
واستدلوا بما يلي:
1-
قوله تعالى: {إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] .
أي فرضا مؤقتا لا يجوز تأخيرها عنه.
2-
عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أما إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى..)(2) .
ونوقش الاستدلال بالآية وحديث أبي قتادة: بأن ذلك عام في المحافظة على المواقيت في الحضر والسفر، وأحاديث الجمع خاصة بالسفر فقدمت (3) .
3-
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من جمع بين صلاتين من غير عذر فقد أتى بابا من أبواب الكبائر)(4) .
(1) بدائع الصنائع (1/327) والمبسوط (1/149) .
(2)
صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب قضاء الصلاة الغائبة ح رقم (681) جزء من حديث طويل.
(3)
المجموع (4/252) والمغنى (3/129) .
(4)
أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الصلاة، باب ما جاء في الجمع بين الصلاتين في الحضر، ح رقم (188) وقال: في سنده حنش أبو علي الرحبي وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أحمد وغيره، قال في تحفة الأحوذي حديث ابن عباس ضعيف جدا (1/494) .
وصححه الحاكم في المستدرك، كتاب الصلاة ح رقم (1020) ج (1/409) وقال حنش الرحبي ثقة، قال الذهبي معقبا على توثيق الحاكم، بل ضعفوه انظر: التلخيص بهامش المستدرك (1/409) وانظر ترجمة أبي علي الرحبي في تهذيب التهذيب (2/313) ت
…
(623) .
ونوقش هذا الحديث بأنه ضعيف والروايات الصحيحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في الجمع بين الصلاتين وعلى فرض صحته، فإن السفر عذر يجيز الجمع بين الصلاتين (1) .
4-
القياس: ووجهه أنه لا يجمع بين العشاء والفجر ولا بين الفجر والظهر لاختصاص كل منهما بوقت منصوص عليه شرعا، فكذلك الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء (2) .
ونوقش هذا: بأن الأدلة جاءت في الجمع بين الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء فلا جمع مع الفجر بأي حال، ولا خلاف بين الأمة في تحريم ذلك (3) والقياس مع النص باطل.
وتأول الحنفية الأخبار الواردة في الجمع بين الصلاتين التي استدل بها الجمهور، بأن الجمع بين الصلاتين كان فعلا لا وقتا، وبيان الجمع فعلا أن المسافر يؤخر الظهر إلى آخر الوقت ثم ينزل فيصلي الظهر ثم يمكث ساعة حتى يدخل وقت العصر فيصليها في أول الوقت، وكذا يؤخر المغرب إلى آخر الوقت، ثم يصليها آخر الوقت والعشاء في أول الوقت جامعا بينهما فعلا (4) .
والجواب عن هذا التأويل ما يلي:
1-
أن الجمع رخصة، فلو كان على ما ذكروه من الجمع الصوري بين الصلاتين في آخر وقت الأولى وأول وقت الثانية لكان أعظم ضيقا من الإتيان بكل صلاة في وقتها، لأن أوائل الأوقات وآخرها مما لا يدركه أكثر الخاصة فضلا عن العامة.
(1) المجموع (4/252) وتحفة الأحوذي (1/494) .
(2)
المبسوط (1/149) وبدائع الصنائع (1/328) .
(3)
المغني (3/129) .
(4)
المرجعان السابقان في هامش رقم (2) .
2-
أن الأخبار جاءت صريحة بالجمع في وقت إحدى الصلاتين، وذلك هو المتبادر إلى الفهم من لفظ الجمع.
3-
أنه يرد على الجمع الصوري الذي قالوا به جمع التقديم (1) .
الترجيح
الذي يظهر أن الراجح ما ذهب إليه الجمهور من جواز الجمع بين الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء في وقت إحداهما للمسافر مجاهدا كان أو غير مجاهد، لما سبق من الأدلة الثابتة في الجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما والتي لا تحتمل تأويل. والله أعلم.
أما إن كان المجاهد مقيما فقد اختلف الجمهور القائلون بجواز الجمع بين الصلاتين للمسافر، في جواز الجمع للمجاهد المقيم بسبب الخوف من العدو إلى قولين:
القول الأول: يجوز له الجمع وهذا القول ظاهر كلام الإمام أحمد (2) وهو قول عند المالكية (3) وقول عند الشافعية (4) .
واستدلوا بما يلي:
1-
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا، والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر)(5) .
وفي رواية (في غير خوف ولا مطر)(6) .
(1) فتح الباري (2/738) ونيل الأوطار (3/13) والأوسط في السنن (2/428) والمغنى
…
(3/129) .
(2)
الإنصاف (2/359) كشاف القناع (1/489) والمبدع (1/118) .
(3)
الذخيرة (2/375) .
(4)
المجموع (4/263) وروضة الطالبين (1/401) .
(5)
صحيح مسلم النووي، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، ح رقم (49)(705) .
(6)
المرجع السابق في الهامش رقم (5) ح رقم (54)(705) .
وجه الدلالة: أنه لما جاز الجمع للمقيم الآمن، فالخائف يجوز له الجمع من باب أولى.
2-
أن حاجة الخائف للجمع آكد من حاجة الممطور (1) .
القول الثاني: لا يجوز له الجمع وبهذا قال الشافعية في المشهور (2) وهو قول عند الحنابلة (3) وقول للمالكية (4) .
واستدلوا بما يلي:
1-
أن أدلة المواقيت لا يجوز مخالفتها إلا بنص صريح (5) ولا نص صريح يخالفها.
2-
أن الجمع للخوف لا وجه له، لأن صلاة الخوف مشروعة وهي أولى من الجمع (6) .
الترجيح
الذي يظهر أن القول الأول هو الراجح، في أنه يجوز للمجاهد المقيم الجمع بين الصلاتين للخوف من العدو لما يأتي:
1-
حديث ابن عباس رضي الله عنهما فهو نص في جواز الجمع في الإقامة دون خوف ولا سفر، ففي الخوف من باب أولى.
2-
أن مشروعية صلاة الخوف لا يعني عدم جواز الجمع، لأن المجاهد في حال شدة الخوف قد يؤخر الصلاة حتى خروج وقتها، وتأخيرها بنية الجمع أولى والله أعلم.
(1) شرح صحيح مسلم (5/226) .
(2)
المجموع (4/263) وروضة الطالبين (1/401) وحلية العلماء (2/241) .
(3)
وصف بأنه الصحيح من المذهب انظر المغني (3/137) والإنصاف (2/339) .
(4)
الذخيرة (2/375) وعارضة الأحوذي (2/245) .
(5)
المجموع (4/263) والمغني (3/137) .
(6)
عارضة الأحوذي (2/245) .