الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
فضل الجهاد على الحج
ذكرنا في مبحث سابق حكم الجهاد في سبيل الله، وأنه فرض كفاية وقد يكون فرض عين في صور (1) .
وبناء على ذلك يأتي الحديث عن فضل الجهاد على الحج في الصور الآتية:
الصورة الأولى: أن يكون الجهاد فرض عين.
وفي هذه الصورة الجهاد أفضل من الحج سواء كان الحج فرضا، أم تطوعا.
قال ابن النحاس (2)
(الجهاد إذا صار فرض عين فهو مقدم على حجة الإسلام لوجوب فعله على الفور)(3) .
وقال الدسوقي (4)(فإن كان الجهاد متعينا بفجأة العدو أو تعيين الإمام أو بكثرة الخوف كان أفضل من الحج سواء تطوعا أو واجبا وحينئذ يقدم عليه ولو على القول بفورية الحج)(5) .
(1) راجع: فيما سبق حكم الجهاد في حق المجاهد.
(2)
هو: أحمد بن إبراهيم بن محمد، الدمشقي، ثم الدمياطي يكني أبا زكريا، كان آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، منكراً للبدع، له مؤلفات قيمة منها تنبيه الغافلين وبيان المغنم في الورد الأعظم وغيرها قتله الإفرنج عام (814) هـ في مصر.
انظر: الأعلام للزركلي (1/87) ومعجم المؤلفين (1/91) ت رقم (686) .
(3)
مشارع الأشواق (1/205) .
(4)
هو: محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي المالكي، عالم في الفقه والنحو والبلاغة والمنطق والهندسة، ولد بدسوق من قرى مصر، ودرس بالأزهر من تصانيفه: حاشية على مغني اللبيب لابن هشام، وحاشية على شرح الدردير في فروع الفقه المالكي، وغير ذلك توفي سنة 1230 هـ بالقاهرة انظر: معجم المؤلفين (3/82) ت رقم (11856) .
(5)
حاشية الدسوقي (2/10) وانظر كذلك بلغة السالك للصاوي (1/264) .
وقال الشوكاني: (إذا تعين الجهاد يقدم على الحج، ووجه تقدم الجهاد أن مصلحته عامة)(1) .
يدل على ذلك ما يلي:
1-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا قال الجهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا؟ قال: حج مبرور)(2) .
قال ابن حجر: فإن قيل: لم قدم الجهاد وليس بركن (3) على الحج وهو ركن؟
فالجواب: أن نفع الحج قاصر غالبا، ونفع الجهاد متعد غالبا، أو كان ذلك حيث كان الجهاد فرض عين (4) .
2-
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم ما يعدل الجهاد في سبيل الله عز وجل قال: (لا تستطيعونه قال: فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول: لا تستطيعونه، وقال في الثالثة: مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع المجاهد في سبيل الله تعالى)(5) .
قال النووي: (وفي هذا الحديث عظم فضل الجهاد، لأن الصلاة والصيام والقيام بآيات الله أفضل الأعمال، وقد جعل المجاهد مثل من لا يفتر عن ذلك
(1) السيل الجرار (2/158) .
(2)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الإيمان، باب من قال: أن الإيمان هو العمل، ح رقم (26) وكتاب الحج، باب فضل الحج المبرور (ح رقم (1519)) وصحيح مسلم بشرح النووي كتاب الإيمان باب كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، ح رقم (83) .
(3)
أي ليس ركن من أركان الإسلام الخمسة.
(4)
فتح الباري شرح صحيح البخاري (1/107) .
(5)
سبق تخريجه.
في لحظة من اللحظات ومعلوم أن هذا لا يتأتى لأحد ولهذا قال صلى الله عليه وسلم (لا تستطيعونه)) (1) .
3-
قال عمر رضي الله عنه: (عليكم بالحج فإنه عمل صالح أمر الله به والجهاد أفضل منه)(2) .
4-
وعن آدم بن علي (3) قال: سمعت ابن عمر يقول: (لسفرة في سبيل الله أفضل من خمسين حجة)(4) .
وبما سبق يتقرر فضل الجهاد إذا كان فرض عين على الحج مطلقا ولم أجد من خالف في هذا - حسب ما اطلعت عليه - والله أعلم.
وأما ما جاء عن الإمام أحمد، والحنفية من أنه لا شيء من الأعمال أفضل بعد الفرائض من الجهاد في سبيل الله. محمول على أن الجهاد ليس فرض عين، وإنما فرض كفاية، وسيأتي بيان ذلك قريبا إن شاء الله.
الصورة الثانية: أن يكون الجهاد في سبيل الله فرض كفاية، والحج تطوعا، وفي هذه الصورة الجهاد في سبيل الله أفضل من حج التطوع.
يدل على ذلك ما يلي:
(1) شرح صحيح مسلم للنووي (13/28) .
(2)
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، كتاب الجهاد (ما ذكر في فضل الجهاد والحث عليه) ح رقم (89) ج (4/574) قال ابن النحاس: رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، وهو موقوف انظر: مشارع الأشواق (1/205) .
(3)
آدم بن علي العجلي، ويقال الشيباني: روى عن ابن عمر وعن شعبة وأبو الأحوص وغيرهم قال ابن معين: ثقة وقال النسائي ليس به بأس انظر: تهذيب التهذيب (1/172) ت رقم (370) .
(4)
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه كتاب الجهاد ح رقم (57)(4/570) وسعيد بن منصور في سننه كتاب الجهاد، باب ما جاء في الغزو بعد الحج ح رقم (2346) .
قال ابن النحاس: هذا حديث موقوف، وأسانيده صحاح، وقد يقال: أن مثل هذا لا يقال من قبل الرأي والاجتهاد فسبيله سبيل المرفوع انظر: مشارع الأشواق (1/204) .
1-
ما سبق من الأحاديث والآثار في تفضيل الجهاد في سبيل الله على الحج.
2-
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (حجة من لم يحج خير من عشر غزوات وغزوة من قد حج خير من عشر حجج)(1) .
3-
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «غزوة في سبيل الله بعد حجة الإسلام أفضل من ألف حجة» (2) .
4-
قال الإمام أحمد رحمه الله (لا أعلم شيئا من العمل بعد الفرائض أفضل من الجهاد)(3) .
5-
وقال ابن تيمية رحمه الله: (الجهاد أفضل ما تطوع به الإنسان، وكان باتفاق العلماء أفضل من الحج والعمرة..)(4) .
وقال المالكية: حج التطوع أفضل من الغزو التطوع، إلا في حالة الخوف فيقدم الغزو وجوبا (5) ويظهر أن الجهاد إذا كان فرض كفاية أفضل من حج التطوع مطلقا، لأن نفع الجهاد عام لفاعله ولغيره في الدين والدنيا، ولأن الجهاد يشتمل على جميع أنواع العبادات الباطنة والظاهرة من محبة الله والإخلاص والتوكل والصبر وذكر الله وسائر أنواع الأعمال وهذا ما لا يشتمل عليه عمل آخر (6) .
(1) مجمع الزوائد، كتاب الجهاد، باب الجهاد في البحر ج (5/281) قال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث قال عبد الملك بن شعيب بن الليث، ثقة مأمون وضعفه غيره والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الحج باب ركوب البحر لحج أو عمرة أو غزو، ح رقم (8667) قال البيهقي موقوف وأخرجه المنذري في الترغيب والترهيب كتاب الجهاد الترغيب في الغزاة في البحر ج (2/305) وقال: لا يضر ما قيل في عبد الله بن صالح: فإن البخاري احتج به.
(2)
أخرجه ابن عساكر من طريق جعفر بن هارون الواسطي وقال: أحاديثه غريبة، انظر مشارع الأشواق (1/194) .
(3)
المغني لابن قدامة (13/10) .
(4)
مجموع الفتاوى (28/353) .
(5)
حاشية الخرشي (3/107) وحاشية الدسوقي (2/10) .
(6)
مجموع الفتاوى (28/353) .
الصورة الثالثة: أن يكون الجهاد فرض كفاية والحج فرض عين، ففي هذه الحالة يقدم الحج على الجهاد في سبيل الله.
وعلى هذه الصورة يحمل قول مالك: الحج أفضل من الغزو، واستدل بقوله صلى الله عليه وسلم «بني الإسلام على خمس» (1) فذكر الحج ولم يذكر الغزو (2) .
وقول الإمام أحمد والحنفية: أنه لا شيء من العمل بعد الفرائض أفضل من الجهاد (3) أيضا محمول على هذه الصورة، لأن الجهاد إذا كان فرض عين يقدم على الحج مطلقا، وقد سبق بيان ذلك في الصورة الأولى.
يدل على هذه الصورة ما جاء عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «حجة من لم يحج خير من عشر غزوات، وغزوة من قد حج خير من عشر حجج» (4) .
قال ابن النحاس: (حجة الإسلام أفضل من الجهاد إذا كان فرض كفاية)(5) .
مما تقدم يتضح أن الحج مقدم على الجهاد في هذه الصورة، ولم أجد من خالف في هذا حسب ما اطلعت عليه والله أعلم.
(1) صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الإيمان باب قول النبي صلى الله عليه وسلم (بني الإسلام على خمس) ح رقم (8) وصحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الإيمان باب بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام ح رقم (16) .
(2)
الذخيرة (3/174) .
(3)
المغني (13/10) وحاشية ابن عابدين (6/196) .
(4)
سبق تخريجه.
(5)
مشارع الأشواق (1/205) .