الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني عشر
المشي في صلاة الخوف
اتفق الفقهاء رحمه الله تعالى فيما أعلم على جواز المشي في صلاة الخوف غير الشديد لتقدم صف أو تأخر صف، أو تقدم طائفة أو تأخر أخرى، لأن هذا الأمر لا بد منه في صلاة الخوف (1) وقد تقدم بيان كيفية صلاة الخوف غير الشديد في أربعة أوجه (2) :
أما إذا كان المشي في صلاة الخوف الشديد فقد اختلفوا في جواز المشي في هذه الحالة إلى قولين:
القول الأول: يجوز المشي في الصلاة بقدر الحاجة إلى ذلك، وبهذا قال الجمهور (3) .
واستدلوا بما يلي:
1-
قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] .
جاء في تفسير هذه الآية، أي: إن خفتم من عدوكم حال التقائكم معهم فصلوا قياما، أو مشاة على أرجلكم أو ركبانا على ظهور دوابكم (4) .
(1) الاختيار للموصلي (1/89) وحاشية ابن عابدين (3/75)
(2)
راجع كيفية صلاة الخوف غير الشديد.
(3)
الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/394) وحاشية الخرشي (2/285) والمدونة
…
(1/162) والأم (1/222) والأوسط في السنن (5/38) والمغني (3/317) وكشاف القناع (1/499) والمحلى بالآثار (3/243) .
(4)
جامع البيان للطبري (2/587) .
2-
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في غير شدة الخوف فأمرهم بالمشي إلى وجه العدو، ثم يعودون لقضاء ما بقي عليهم، وهذا مشي كثير ولم تبطل صلاتهم، فمع شدة الخوف من باب أولى (1) .
القول الثاني: لا يجوز المشي في الصلاة، وبهذا قال الحنفية (2) والشافعية إذا كان المشي كثيرا (3) .
واستدلوا بأن المشي في الصلاة عمل كثير والعمل الكثير مبطل للصلاة (4) .
ونوقش الحنفية: بأنهم أجازوا المشي في صلاة الخوف غير الشديد فمع شدة الخوف يجوز من باب أولى (5) .
ونوقش الشافعية: بأن المشي الكثير عمل أبيح من أجل الخوف، فلم تبطل الصلاة به، كاستدبار القبلة والركوب والإيماء (6) .
الترجيح
الذي يظهر أن الراجح قول الجمهور، أنه يجوز المشي في صلاة شدة الخوف بقدر الحاجة إذا صلى المجاهدون وهم يدركون صلاتهم ويعون أقوالها وأفعالها.
(1) المغني (3/317) .
(2)
الاختيار للموصلي (1/89) وحاشية ابن عابدين (3/75) .
(3)
الأم (1/222) والأوسط في السنن (5/38) .
(4)
الاختيار للموصلي (1/89) وحاشية ابن عابدين (3/75) الأم (1/222) والأوسط في السنن (5/38) .
وراجع: باقي أدلتهم ومناقشتها في وقت صلاة الخوف.
(5)
المغني (3/317) .
(6)
المرجع السابق نفسه.
لقوله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا)[البقرة: 239] فهذا نص على جواز المشي في الصلاة في شدة الخوف، ولأن في صلاة شدة الخوف يغتفر فيها على الإتيان ببعض الأركان كالركوع والسجود إلا بالإيماء للضرورة إلى تركها، فالمشي عند الضرورة أولى أن يغتفر عنه، والله أعلم.
المطلب الثالث عشر
المتلطخ بالدم (1) في صلاة الخوف
تمهيد: ذهب عامة الفقهاء رحمهم الله تعالى إلى أن الدم المسفوح نجس (2)
وذكر غير واحد من أهل العلم الاتفاق على ذلك.
(1) هو: سائل أحمر يسري في عروق الحيوان. انظر: المعجم الوسيط (1/298) .
(2)
ذهب الشوكاني إلى أن الدم طاهر ما عدا دم الحيض حيث دل الدليل على نجاسته واختار هذا القول الألباني رحمه الله وقوى هذا القول الشيخ ابن عثيمين في دم الآدمي غير دم الحيض والدم الخارج من السبيلين واستدلوا بما يلي:
1-
أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يقوم الدليل على النجاسة ولا دليل على نجاسة الدم.
2-
القياس: وهو أن أجزاء الآدمي طاهرة فلو قطعت يده لكانت طاهرة مع إنها تحمل دما، وربما يكون كثيرا فإذا كان الجزء من الآدمي الذي يعتبر ركنا في بنية بدنه طاهرا فالدم الذي ينفصل منه ويخلفه غيره من باب أولى.
قال الشوكاني في الاستدلال بالآية على أن الدم نجس: إن هذه الآية مسوقة للتحريم والحكم بالرجسية هو باعتبار التحريم، والحرام رجس ولا يكون بمعنى النجس شرعا.
انظر: السيل الجرار (1/44) والشرح الممتع (1/377) .
وقال الألباني (إن القائلين بنجاسة الدماء ليس عندهم حجة، إلا أنه محرم بنص القرآن، فاستلزموا من التحريم التنجيس ولا يلزم من التحريم التنجيس بخلاف العكس انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/1/607)) .
ونوقش قولهم هذا: بأن معنى الرجس في اللغة القذر النجس، وكذلك عند الفقهاء فهم يعرفون النجاسة بأنها عين مستقذرة شرعا، فالآية تدل على أن الدم المسفوح نجس محرم انظر: لسان العرب (6/94) مادة (رجس) والشرح الممتع (1/351) والله أعلم.
قال في تحفة الفقهاء: لا خلاف أن ما يخرج من بدن الإنسان من الدم نجس (1) .
وقال القرطبي: اتفق العلماء على أن الدم حرام نجس (2) .
وقال النووي: الدلائل على نجاسة الدم متظاهرة ولا أعلم فيه خلافا عن أحد من المسلمين (3) .
وفي حاشية الروض: الدم نجس لا نزاع فيه (4) .
واستدلوا بما يلي:
1-
عموم قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 145] .
وجه الدلالة: أن الله سبحانه سمى الدم المسفوح رجسا، والرجس المراد به النجس (5) .
3-
حديث أسماء (6) بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: (جاءت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم
(1) تحفة الفقهاء (1/49) .
(2)
الجامع لأحكام القرآن (2/217) وأحكام القرآن لابن العربي (1/79) .
(3)
المجموع للنووي (2/576) .
(4)
حاشية الروض المربع (1/309) .
(5)
بدائع الصنائع (1/195) ومغني المحتاج (1/225) .
(6)
هي: أسماء بنت أبي بكر الصديق واسم أبي بكر عبد الله بن عثمان القرشية التيمية أم عبد الله بن الزبير، أسلمت قديما بمكة شقت نطاقها لتشد به سفرة النبي صلى الله عليه وسلم وأبيها لما هاجرا، فسميت ذات النطاقين، هاجرت إلى المدينة، وعاشت إلى أن تولى ابنها الخلافة ثم قتله الحجاج عام 73 هـ فماتت بعد قتل ابنها بأيام، انظر: الإصابة (6/12) ت رقم (10804) وأسد الغابة (6/9) ت رقم (6698) .
فقالت: أرأيت إحدانا تحيض في الثوب كيف تصنع؟ قال: تحته ثم تقرصه (1) بالماء وتنضحه (2) وتصلي فيه) (3) .
وجه الدلالة: أنه صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الثوب وبالغ في إزالة أثر الدم بالحت والقرص والنضح بالماء، فدل على نجاسة دم الحيض (4) ويقاس على دم الحيض غيره من الدماء لعدم الفرق (5) .
إذا تقرر هذا فإن المتلطخ بالدم في صلاة الخوف له حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون الدم خارجا من بدنه.
الحالة الثانية: أن يكون الدم من غيره كمن أمسك سلاحا متلطخا بالدم. فأما الحالة الأولى إذا كان الدم خارجا من بدنه من غير السبيلين فقد اختلف الفقهاء في نقضه للوضوء إلى قولين:
القول الأول: أنه لا ينقض الوضوء وبهذا قال المالكية (6) والشافعية (7) وابن تيمية (8) وابن حزم (9) .
(1) تدلك موضع الدم بأطراف أصابعها انظر: فتح الباري (1/439) .
(2)
أي تغسله وقيل: المراد به ترشه بالماء. انظر: فتح الباري (1/439) .
(3)
صحيح البخاري مع الفتح كتاب الوضوء باب غسل الدم ح رقم (227) وصحيح مسلم بشرح النووي كتاب الطهارة باب نجاسة الدم وكيفية غسله ح رقم (291) .
(4)
سبل السلام (1/82) .
(5)
الأوسط في السنن (2/47) .
(6)
بلغه السالك (1/52) والتفريع (1/96) والتلقين ص (47) والمقدمات الممهدات لابن رشد (1/103) .
(7)
الحاوي الكبير (1/200) وكفاية الأخيار ص (37) والأوسط في السنن (1/177) .
(8)
الإنصاف (1/197) ومجموع الفتاوى (21/222) .
(9)
المحلى بالآثار (1/235) .
واستدلوا ما يلي:
1-
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم (احتجم فصلى، ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه)(1) .
وجه الدلالة من الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج منه دم الحجامة ولم يتوضأ فدل على أن الدم الخارج من سائر البدن لا ينقض الوضوء.
ونوقش هذا: بأنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم خرج من محاجمه دم يسير فلم ينتقض وضوءه ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم توضأ ولم يره أنس، ويحتمل أنه نسي أن يتوضأ، ومع الاحتمال يبطل الاستدلال (2) .
ويمكن الجواب عن هذه المناقشة: بأنه لو كان دم الحجامة ينقض الوضوء لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، لحاجتهم إلى معرفة ما يبطل الوضوء، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة.
2-
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة ذات الرقاع (3) فرمي رجل بسهم فنزفه (4) الدم فركع وسجد ومضى في
(1) أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب الطهارة باب في الوضوء من الخارج من البدن، ح رقم (546) وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الطهارة باب ترك الوضوء من خروج الدم من غير مخرج الحدث، ح رقم (666) وفي سنده صالح بن مقاتل، قال في نصب الراية قال الدارقطني عن صالح بن مقاتل: ليس بالقوي، وأبوه غير معروف وسليمان بن داود مجهول. ووراه البيهقي من طريق الدارقطني، وقال في إسناده ضعف، نصب الراية (1/43) .
(2)
الانتصار في المسائل الكبار لأبي الخطاب (1/347) .
(3)
راجع كيفية صلاة الخوف.
(4)
فنزفه أي: سال منه كثيرا. انظر فتح الباري (1/373) .
صلاته) (1) .
وجه الدلالة: أنه لو كان الدم الخارج من البدن ناقضا للوضوء لكانت صلاته باطلة بسيلان الدم أول ما أصابته الرمية، ولم يجز له بعد ذلك أن يركع ويسجد وهو محدث، ويبعد أن لا يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحادثة، ولم ينقل أنه أبطل صلاته (2) فاستمراره في صلاته دليل على أنها صحيحة وأن وضوءه لم ينتقض بخروج الدم.
ونوقش هذا: بأنه لا دليل فيه على عدم انتقاض الوضوء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بغسل الدم، وغسل الدم واجب والصلاة معه فاسدة عند الجميع، فكذلك الوضوء (3) .
والجواب عن هذه المناقشة: أن الدم الخارج معفو عنه لأنه يسير أو لأنه كدك الاستحاضة وسلس البول الذي لا يمنع من صحة الصلاة (4) .
(1) أخرجه البخاري في صحيحه تعليقا، كتاب الطهارة باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين ج (1/371) قال ابن حجر: هذا التعليق وصله سعيد بن منصور، والدارقطني وغيرهما وهو صحيح من قول جابر. انظر: فتح الباري (1/372) وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الطهارة باب ترك الوضوء من خروج الدم من خروج الدم من غير مخرج الحدث ح رقم (663) وصححه ابن حبان. انظر: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان، باب نواقض الوضوء، ح رقم (1093) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي انظر المستدرك كتاب الطهارة ح رقم (557) والتلخيص بهامشه للذهبي
…
(1/258) وأخرجه أبو داود في سننه كتاب الطهارة باب الوضوء من الدم ح رقم (198) .
(2)
معالم السنن للخطابي (1/61) وسلسلة الأحاديث الصحيحة (1/1/606) .
(3)
الحاوي الكبير (1/201) .
(4)
المرجع السابق.
3-
أن المسلمين ما زالوا يصلون بجراحهم في القتال وقد يسيل منهم الدم الكثير ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمرهم بغسله ولم يرد عنهم التحرز الشديد من الدم بحيث يتركون ثيابهم الملطخة بالدماء إذا وجدوا غيرها (1) فعمر رضي الله عنه (لما طعن صلى وجرحه يثعب (2) دما) (3) .
وسعد بن معاذ (4) رضي الله عنه (أصيب يوم الخندق فضرب له خيمة في المسجد فجلس في المسجد ودمه يسيل حتى مات)(5) .
4-
أن الدم من سائر البدن خرج من مخرج غير معتاد، والنقض بالخارج إنما هو من حيث خروجه لا من حيث ذاته (6) .
ونوقش هذا: بأنه منتقض بما إذا انسد السبيل وانفتح أسفل المعدة فخرج منها خارج أنه ينقض الوضوء عند الجميع (7) .
(1) الشرح الممتع (1/376) وعون المعبود شرح سنن أبي داود (1/231) وحاشية الروض المربع (1/241) .
(2)
يثعب أي: يجري دما انظر لسان العرب (1/236) مادة (ثعب) .
(3)
الأوسط في السنن (1/166) .
(4)
هو: سعد بن معاذ النعمان بن الأسهل الأنصاري، الأسهلي سيد الأوسي شهد بدرا، ورمي بسهم يوم الخندق فعاش بعد ذلك شهرا حتى حكم في بني قريظة بأن يقتل رجالهم وتقسم أموالهم وتسبى ذراريهم ثم مات فقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين اهتز العرش لموت سعد بن معاذ انظر الإصابة (3/70) ت رقم (3212) وأسد الغابة
…
(2/221) ت رقم (2045) .
(5)
صحيح البخاري مع الفتح كتاب المغازي باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم ح رقم (4122) .
(6)
التلقين ص 47 وحاشية العدوى بهامش حاشية الخرشي (1/283) .
(7)
الانتصار في المسائل الكبار (1/354) والمجموع (2/8) والإنصاف (1/197) .
القول الثاني: أنه ينقض الوضوء فتنقطع الصلاة، وبهذا قال الحنفية على أن يكون الدم الخارج سائلا بنفسه إلى موضع يجب تطهيره (1) .
والحنابلة على المذهب على أن يكون الدم الخارج فاحشا (2) أما اليسير فيعفى عنه (3) .
واستدلوا بما يلي:
1-
عن فاطمة بنت حبيش (4) رضي الله عنها أنها جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إني امرأة أستحاض (5) فلا أطهر، أفأدع الصلاة؟ قال:
(1) اللباب في شرح الكتاب (1/11) والمبسوط (1/76) وبدائع الصنائع (1/120) وزبدة الأحكام ص (95) .
(2)
المغنى (1/248) والإنصاف (1/197) والانتصار في المسائل الكبار (1/341) وقد اختلفوا في حد الفاحش الذي ينقض الوضوء، فقيل: ما استفحشه كل إنسان في نفسه، وقيل: كل ما فحش في نفوس أواسط الناس لا المتبذلين ولا الموسوسين وقيل: ما لا يعفى عنه في الصلاة ونحو ذلك، وقد سئل الإمام أحمد عن قدر الكثير، فقال: شبر في شبر، وفي موضع أخر قال: قدر الكف. انظر: المغنى (1/249) والمستوعب (1/340) والإنصاف (1/198) .
(3)
في رواية عند الحنابلة، أن اليسير ينقض الوضوء، قال في المغني: لا تعرف هذه الرواية ولم يذكرها الخلال في جامعه. انظر: المغني (1/248) والمراجع السابقة.
(4)
هي: فاطمة بنت أبي حبيش قيس بن عبد المطلب بن أسد بن عبد العزى القرشية الأسدية، مهاجرة جليلة، تزوجها عبد الله بن جحش، فولدت له ابنه محمدا انظر الاستيعاب (4/371) . والطبقات الكبرى لابن سعد (8/245) .
(5)
الاستحاضة هي: سيلان الدم في غير أوقاته المعتادة من عرق في أدنى الرحم يسمى العاذل. انظر: كشاف القناع (1/182) .
«لا، إنما ذلك عرق وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي» (1) .
وفي رواية «توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت» (2) .
وجه الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم علل بأنه دم عرق وعلق عليه الوضوء، والدم الخارج من البدن دم عرق، فاقتضى تعليله إيجاب الوضوء منه (3) .
ونوقش هذا الاستدلال بأنه لا يجوز قياس ما يخرج من سائر البدن على ما يخرج من القبل أو الدبر، لأنهم قد أجمعوا على الفرق بين ريح تخرج من الدبر وبين الطعام المتغير يخرج من الفم، فتجب الطهارة من الريح الخارجة من الدبر بالإجماع، ولا تجب من الطعام المتغير الخارج من الفم، فدل هذا التفريق على عدم جواز القياس (4) .
2-
عن تميم الداري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الوضوء من كل دم سائل» (5) .
(1) صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الحيض باب الاستحاضة ح رقم (306) وصحيح مسلم مع شرح النووي كتاب الحيض باب المستحاضة وغسلها وصلاتها ح رقم (333) .
(2)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الوضوء باب غسل الدم ح رقم (228) .
(3)
بدائع الصنائع (1/120) والانتصار في المسائل الكبار (1/342) .
(4)
المغنى (1/250) والأوسط في السنن (1/174) والذخيرة (1/236) والمحلى بالآثار
…
(1/238) .
(5)
أخرجه الدارقطني في سننه، كتاب الطهارة، باب في الوضوء من الخارج من البدن، ح رقم (571) قال الدارقطني عمر بن عبد العزيز لم يسمع من تميم الداري، ولا رآه ويزيد بن خالد، ويزيد بن محمد مجهولان، وقال في نصب الراية: رواه ابن عدي في الكامل عن زيد بن ثابت، في ترجمة أحمد بن الفرج، وقال: هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أحمد هذا، قال أبو حاتم في العلل: أحمد بن الفرج كتبنا عنه، ومحله عندنا الصدق، نصب الراية (1/37) وقال ابن حجر: إسناده ضعيف جدا، فيه محمد بن الفضل بن عطية وهو متروك انظر: التلخيص الحبير (1/113)
ونوقش هذا: بأنه حديث ضعيف، بل قال في الذخيرة أنه لا يثبت (1) .
3-
أن الدم خارج نجس من بدن الآدمي فينقض الوضوء كالخارج من السبيلين (2) .
ونوقش هذا: بأن الطهارة عبادة لا يجوز القياس فيها لعدم العلة الجامعة (3) .
واستدل الحنابلة على استثناء اليسير من الدم بما يلي.
1-
عن ابن عمر رضي الله عنهما (أنه عصر بثرة (4) فخرج منها دم وقيح، فمسح بيده وصلى ولم يتوضأ) (5) .
2-
أن المخارج غير السبيلين خلقت أصلا لخروج الطهارات كالدمع واللبن، فكان خروج النادر اليسير منها وإن كان نجسا ملحقا بالغالب مما يخرج منها، في أنه لا ينقض الوضوء، حتى إذا كثر الخارج النجس منها وغلب قوي وصار أصلا بنفسه (6) .
(1) الذخيرة (1/236) .
(2)
المبسوط (1/76) والانتصار في السائل الكبار (1/350) والمغنى (1/248) .
(3)
الذخيرة (1/236) والأوسط في السنن (1/175) والمغنى (1/247) .
(4)
البثر والبثور والبثر: خراج صغار، وواحدته بثرة يقيح على الوجه وسائر البدن مثل الجدري انظر لسان العرب (4/39) مادة بثر.
(5)
صحيح البخاري مع الفتح تعليقا كتاب الوضوء باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين ج (1/371) قال ابن حجر: هذا التعليق وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح انظر فتح الباري (1/374) والمصنف لابن أبي شيبة كتاب الطهارات باب إذا سال الدم من كان يرخص فيه ولا يرى فيه وضوءا (1/163) وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الطهارة باب ترك الوضوء من خروج الدم ح رقم (667) .
(6)
الانتصار في المسائل الكبار (1/352) والفروق على مذهب أحمد للسامري (1/150) .
3-
أن إيجاب الوضوء من يسير الدم فيه وحرج على الناس لأن الإنسان لا يخلو في غالب حاله من بثرة أو دمل أو رعاف والله سبحانه وتعالى ما جعل علينا في الدين من حرج (1) .
الترجيح
الذي يظهر أن الراجح هو القول الأول، أن الدم الخارج من البدن غير السبيلين، لا ينقض الوضوء، لأن الأصل عدم النقض، إلا بدليل، ولا دليل على نقضه للوضوء، ولما جاء عن الصحابة رضي الله عنه ومن بعدهم، أنهم يصلون فتصيبهم الجراح ويخرج منهم الدم، ولا يقطعون صلاتهم، ولو كان الوضوء ينتقض لكانوا يصلون على غير طهارة وهذا لا يصح أن يقال في حقهم.
وعلى هذا فإن المجاهد في سبيل الله إذا كان في صلاة الخوف فجرح وخرجت منه الدماء، أن وضوءه لا ينتقض، وصلاته صحيحة لا تنقطع والله أعلم.
الحالة الثانية: أن يكون الدم المتلطخ به المجاهد من غيره، كأن يمسك سلاحا ملطخا بالدماء، أو يمسك مصابا بالجراح ونحو ذلك.
اتفق الفقهاء - فيما أعلم - أن المجاهد إذا أصابته الدماء في ملابسه أو جسده وهو في صلاة الخوف، أن صلاته صحيحة لأنه وإن كان الدم المسفوح نجسا، إلا أن ذلك من الأعذار العامة في حق المجاهد (2) .
يدل على هذه الحالة ما يلي:
(1) الانتصار في المسائل الكبار (1/352) .
(2)
فتح القدير (1/178) وحاشية الدسوقي (1/394) ومواهب الجليل (2/565) وروضة الطالبين (2/61) ومغنى المحتاج (1/579) وكشاف القناع (1/499) والشرح الممتع (4/587) والإنصاف (2/385) .