الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني
الإنذار بالهجوم
الإنذار بالهجوم على العدو وعدمه مبني على بلوغ دعوة الإسلام إلى العدو وعدمها. وقد سبق الحديث عن ذلك في دعوة العدو قبل القتال (1) .
فمن لم تبلغه دعوة الإسلام يجب إنذاره بالهجوم باتفاق الفقهاء رحمهم الله تعالى (2) واستدلوا بما يلي:
1-
حديث بريدةالسابق ذكره وفيه: (.. وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال، فأيتهن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبو فاستعن بالله وقاتلهم..)(3)
وجه الدلالة أن الدعوة إلى الإسلام، أو قبول إعطاء الجزية مبالغة في إنذارهم.
2-
ولأن إنذار من لم تبلغه الدعوة، ربما أدى إلى انصياعهم للحق إذا عرفوه فيسلمون ونسلم من القتال (4) .
أما من بلغته الدعوة الإسلامية من الكفار.
فقد ذهب جمهور الفقهاء (5) إلى جواز قتالهم دون إنذار وطلب غرتهم.
واستدلوا على ذلك: بحديث ابن عمر رضي الله عنهما (أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقي على الماء فقتل مقاتلهم وسبي ذراريهم)(6) .
(1) انظر الفرع الأول.
(2)
المبسوط (10/6) والمدونة (2/2) والأم (4/239) والمغني (13/29) .
(3)
سبق تخريجه.
(4)
فتح القدير (5/196) والمعونة (1/604) .
(5)
المبسوط (10/6) والكافي في فقه أهل المدينة (1/466) وروضة الطالبين (10/239) والمغني (13/30) .
(6)
سبق تخريجه.
ويستحب إنذارهم إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين (1) لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه وفيه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه حين أعطاه الراية يوم خيبر: انفذ على رسلك حتى تتنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه)(2) .
وجه الدلالة من الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يدعهم إلى الإسلام، مع أن الدعوة قد بلغتهم، فدل ذلك على الاستحباب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أغار على بني المصطلق وقد بلغتهم الدعوة ولم يدعهم (3) .
وذهب المالكية في المشهور عنهم (4) أنه لا يجوز قتالهم دون إنذار واستدلوا بما يلي:
1-
حديث بريدة رضي الله عنه السابق ذكره (5) .
وجه الدلالة منه: أنه أمر صلى الله عليه وسلم بدعوة المشركين قبل قتالهم دون أن يفرق بين من بلغته الدعوة ومن لم تبلغه.
2-
حديث سهل بن سعد في غزوة خيبر وقد سبق ذكره (6) .
وجه الدلالة منه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر عليا رضي الله عنه أن يدعوهم إلى الإسلام قبل قتالهم، وقد بلغتهم الدعوة، فدل على عدم جواز قتالهم قبل الدعوة مطلقا.
ويمكن مناقشة استدلالهم بما يلي:
1-
حديث بريدة رضي الله عنه محمول على دعوة من لم تبلغه الدعوة الإسلامية دون من بلغته.
2-
أما حديث سهل بن سعد في غزوة خيبر فهو محمول على الاستحباب لأن الدعوة بلغتهم بدليل (أنه صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون)(7) .
(1) فتح الباري شرح صحيح البخاري (7/607) .
(2)
سبق تخريجه.
(3)
فتح الباري شرح صحيح البخاري (7/607) .
(4)
حاشية الدسوقي (2/176) والشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقي (2/176) والمعونة (1/604) .
(5)
سبق تخريجه.
(6)
سبق تخريجه.
(7)
سبق تخريجه.
وأغار كذلك في بداية غزوة خيبر على أهل خيبر، كما في حديث أنس رضي الله عنه (1) ، لأن الدعوة قد بلغتهم (2) .
3-
أنه قد جاء عن الإمام مالك رحمه الله ما يدل على جواز طلب غرة من بلغته الدعوة.
ففي المدونة قال مالك: (أما من قارب الدروب فالدعوة مطروحة لعلمهم بما يدعون إليه وما هم عليه من البغض والعداوة للدين وأهله، ومن طول معارضتهم للجيوش ومحاربتهم لهم فتطلب غرتهم..)(3) .
الترجيح
الذي يظهر أنه يستحب إنذارهم قبل الهجوم إن كان في ذلك مصلحة، بأن ينقادوا إلى الحق فلا يحصل قتال، أو يقبلوا بالدخول في حماية الدولة الإسلامية مقابل الجزية التي تؤخذ منهم.
ويجوز عدم إنذارهم، ومباغتتهم بالهجوم، لأنه قد يكون في ذلك مصلحة، وذلك بتقليل الخسائر في الأنفس والممتلكات.
والإنذار وعدمه راجع إلى قائد الجيش أو أميره، فهو القادر على عمل الأصلح فإن رأى قتالهم دون إنذار فله ذلك، وإن رأى إنذارهم فله ذلك (4) والله أعلم.
(1) صحيح البخاري في صحيح مع الفتح، كتاب المغازي باب غزوة خيبر ح رقم (4197) .
(2)
فتح الباري شرح صحيح البخاري (7/607) .
(3)
المدونة (2/2) .
(4)
الأحكام السلطانية ص (84) .
الفرع الثالث
تبييت (1) العدو في الليل
الكلام في هذه المسألة مبني على ما سبق ذكره في دعوة العدو قبل القتال والإنذار بالهجوم (2) ، فمن لم تبلغه الدعوة لا يجوز تبييته قبل دعوته إلى الإسلام وهذا متفق عليه بين الفقهاء، فلم أجد من خالف فيه - حسب ما اطلعت عليه (3) - ويمكن أن يستدل بحديث بريدة، وقد سبق ذكره (4) .
ووجه الدلالة منه: أنه نهى عن قتال المشركين قبل دعوتهم فلا يجوز تبييتهم حتى يدعو. أما من بلغته الدعوة فعامة الفقهاء رحمهم الله تعالى على جواز تبييتهم (5) .
قال الإمام أحمد رحمه الله: (لا بأس بالبيات، ولا نعلم أحد كره بيات العدو)(6) .
والأدلة على ذلك ما يلي:
1-
عن الصعب بن جثامة (7) قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل الدار يبيتون من المشركين فيصاب من نسائهم وذراريهم قال: (هم منهم)(8) .
(1) تبييت العدو هو: أن يقصد العدو في الليل من غير أن يعلم، فيؤخذ بغتة. انظر النهاية في غريب الحديث (1/167) .
(2)
راجع الفرع الأول والفرع الثاني.
(3)
المبسوط (10/31) والبحر الرائق (5/128) والكافي في فقه أهل المدينة (1/466) والذخيرة (3/402) والحاوي الكبير (14/183) وروضة الطالبين (10/239) المغني (13/139) وكشاف القناع (2/375) .
(4)
سبق تخريجه.
(5)
المراجع السابقة في هامش رقم (4) .
(6)
المغني (13/140) .
(7)
هو: الصعب بن جثامة، واسم جثامة يزيد، وقيل: وهب بن قيس بن عبد الله بن يعمر الليثي الحجازي كان ينزل ودان بالأبواء من أرض الحجاز، توفي في خلافة أبو بكر، وقيل في آخر عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه. انظر: تهذيب الأسماء واللغات
…
(1/249) ت رقم (262) وتهذيب التهذيب (4/369) ت رقم (736) .
(8)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الجهاد باب أهل الدار يبيتون ح رقم (3012) ومسلم بشرح النووي كتاب الجهاد باب جواز قتل النساء والصبيان في البيات من غير تعمد، ح رقم 26- (1745) .