المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الرابعكيفية صلاة الخوف - أحكام المجاهد بالنفس في سبيل الله عز وجل في الفقه الإسلامي - جـ ١

[مرعي الشهري]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌التمهيد:

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأولتعريف الجهاد، وبيان أنواعه

- ‌المطلب الأولتعريف الجهاد

- ‌المطلب الثانيأنواع الجهاد

- ‌المبحث الثانيمشروعية الجهاد بالنفس في سبيل الله ومراحله

- ‌المطلب الأول: مشروعية الجهاد بالنفس في سبيل الله

- ‌المطلب الثانيمراحل تشريع الجهاد بالنفس في سبيل الله

- ‌المبحث الثالثفضل الجهاد والمجاهدين في سبيل الله

- ‌المبحث الرابعأهداف الجهاد بالنفس في سبيل الله

- ‌المبحث الخامسالتعريف بالمجاهد، وشروطه، وحكم الجهاد في حقه

- ‌المطلب الأول: التعريف بالمجاهد

- ‌المطلب الثانيشروط المجاهد

- ‌المطلب الثالثحكم الجهاد في حقه

- ‌الباب الأولأحكام المجاهد بالنفس في العبادات

- ‌الفصل الأولأحكام المجاهد في الطهارة

- ‌المبحث الأولطهارة المجاهد بالماء وهو جريح

- ‌المبحث الثانيطهارة أعضاء المجاهد المقطوعة

- ‌المبحث الثالثتيمم المجاهد

- ‌المطلب الثانيتيمم المجاهد في الأسر إذا منعه العدو من استعمال الماء

- ‌المطلب الثالثتيمم المجاهد بالغبار

- ‌المطلب الرابعتيمم المجاهد بغير التراب مما هو من جنس الأرضكالرمل والحصى ونحو ذلك

- ‌المبحث الرابعمسح المجاهد

- ‌المطلب الأول: المسح على الخفين ونحوهما

- ‌الفرع الأولالمراد بالخف في اللغة والشرع

- ‌الفرع الثانيجواز المسح على الخفين للمجاهد

- ‌الفرع الثالثمسح الجاهد على الخف المصنوع من غير الجلود

- ‌الفرع الرابعتوقيت المسح على الخفين للمجاهد في سبيل الله

- ‌المطلب الثانيالمسح على الجبيرة

- ‌الفرع الأولمشروعية المسح على الجبيرة

- ‌الفرع الثانيكيفية المسح على الجبيرة

- ‌المسألة الأولى: المسح على جميع أجزاء الجبيرة

- ‌المسألة الثانيةالجمع بين المسح على الجبيرة والتيمم

- ‌المطلب الثالثمسح المجاهد على ما يوضع على الرأس

- ‌الفصل الثانيأحكام المجاهد في الصلاة

- ‌المبحث الأولأحكام المجاهد في صلاة الخوف، وفيه ثمانية عشر مطلبا:

- ‌المطلب الأولمشروعية صلاة الخوف

- ‌المطلب الثانيشروط صلاة الخوف

- ‌المطلب الثالثوقت صلاة الخوف

- ‌المطلب الرابعكيفية صلاة الخوف

- ‌المطلب الخامسالصلاة على الدواب والآليات إيماء

- ‌المطلب السادسترك التوجه إلى القبلة في صلاة الخوف

- ‌المطلب السابعاشتراط الجماعة لصلاة الخوف

- ‌المطلب الثامنكيفية قراءة الإمام في صلاة الخوف

- ‌الفرع الأول: كيفية قراءة الإمام في صلاة الخوف من حيث السر والجهر

- ‌الفرع الثانيالتخفيف في القراءة

- ‌المطلب التاسعسهو الإمام في صلاة الخوف

- ‌المطلب العاشرقطع الصلاة لسماع صفارات الإنذار

- ‌المطلب الحادي عشرهجوم العدو أثناء الصلاة

- ‌المطلب الثاني عشرالمشي في صلاة الخوف

- ‌المطلب الرابع عشرحمل السلاح في صلاة الخوف

- ‌المطلب الخامس عشرحمل السلاح المتنجس في صلاة الخوف

- ‌المطلب السادس عشرحصول الأمن أثناء صلاة الخوف

- ‌المطلب السابع عشرحصول الأمن بعد صلاة الخوف

- ‌المطلب الثامن عشرالصلاة لخوف ثبت توهمه

- ‌المبحث الثانيأحكام المجاهد في قصر الصلاة وجمعها

- ‌المطلب الأول: قصر الصلاة للمجاهد

- ‌الفرع الأول: قصر الصلاة للطيارين الذين يقومون بدوريات على الثغور

- ‌الفرع الثانيقصر الصلاة في السفن الحربية الثابتة في البحر

- ‌الفرع الثالثقصر الصلاة في السفن الحربية المتحركة في البحر

- ‌الفرع الرابعقصر الصلاة للمجاهد وهو في الأسر

- ‌المطلب الثانيالجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما للمجاهد

- ‌المبحث الثالثأحكام المجاهد في الجنائز

- ‌المطلب الأول: ما يستحق به المجاهد وصف الشهادة

- ‌الفرع الأولالتعريف بالشهيد

- ‌الفرع الثانيموت المجاهد بعد خروجه للجهاد وقبل المعركة

- ‌الفرع الثالثموت المجاهد في الأسر

- ‌الفرع الرابعموت المجاهد بعد انتهاء المعركة

- ‌الفرع الخامسموت المجاهد متأثراً بإصابته في المعركة

- ‌الفرع السادسإذا قتل خطأ من قبل مسلم

- ‌الفرع السابعقتل المجاهد نفسه خطأ

- ‌المطلب الثانيغسل الشهيد

- ‌الفرع الأولغسل الشهيد إذا قتل في ميدان المعركة

- ‌الفرع الثانيغسل الشهيد إذا قتل جنبا

- ‌الفرع الثالثغسل الشهيد يحمل وفيه رمق حياة ثم يموت

- ‌الفرع الرابعغسل الشهيد يحمل ويبقى أياما ثم يموت

- ‌الفرع الخامسغسل الشهيد الملوث بالمواد الكيمائية

- ‌المطلب الثالثتكفين الشهيد

- ‌الفرع الأولفيما يكفن فيه الشهيد

- ‌الفرع الثانينزع الدروع والحديد والخفاف ونحو ذلك عنه

- ‌الفرع الثالثفي كيفية تكفين الشهيد

- ‌الفرع الرابعفي تكفين المجاهد الملوث بالمواد الكيمائية

- ‌المطلب الرابعالصلاة على الشهيد

- ‌الفرع الأولالصلاة على الشهيد إذا قتل في ميدان المعركة

- ‌الفرع الثانيالصلاة عليه إذا حمل وفيه رمق حياة ثم مات

- ‌الفرع الثالثالصلاة عليه يبقى أياما بعد الإصابة ثم يموت

- ‌الفرع الرابعالصلاة على من رجع عليه سلاحه فقتله

- ‌الفرع الخامسالصلاة على من اختلط بموتى الكفار

- ‌المطلب الخامسدفن الشهيد

- ‌الفرع الأولدفنه وعليه شيء من السلاح، والحديد ونحو ذلك

- ‌الفرع الثانيدفن أكثر من شهيد في قبر واحد

- ‌الفرع الثالثنبش قبر الشهيد

- ‌الفرع الرابعإبقاء الشهيد في الثلاجة مدة طويلة

- ‌الفرع الخامسكتابة اسم المجاهد وفصيلة دمهوتعليقها في العنق أو في اليد حتى يعرف

- ‌الفصل الثالثأحكام المجاهد في الزكاة

- ‌المبحث الأولأحكام المجاهد في الزكاة

- ‌المطلب الأولأخذ المجاهد من الزكاة

- ‌المطلب الثانيإخراج الزكاة من مال المجاهد في غيبته

- ‌المبحث الثانيأحكام المجاهد في الصوم

- ‌المطلب الأولإفطار المجاهد في نهار رمضان

- ‌الفرع الأول: إفطار المجاهد المسافر للجهاد

- ‌الفرع الثانيإفطار المجاهد المقيم

- ‌الفرع الثالثإجبار المجاهد على الفطر في نهار رمضان

- ‌المطلب الثانيصوم الأسير إذا لم يعرف بدء الشهر أو التبست عليه الأشهر

- ‌المبحث الثالثأحكام المجاهد في الحج

- ‌المطلب الأولفضل الجهاد على الحج

- ‌المطلب الثانيترك الجهاد للحج بأهله

- ‌الفصل الرابعأحكام المجاهد في باب الجهاد

- ‌المبحث الأولخروج المجاهد للجهاد

- ‌المطلب الأولإذن الإمام في خروجه للجهاد

- ‌المطلب الثانيإذن الوالدين في خروجه للجهاد

- ‌المطلب الثالثإذن الدائن في خروجه للجهاد

- ‌المطلب الرابعإذن القائد في الخروج من المعسكر

- ‌المطلب الخامسخروج المجاهد مع القائد الفاجر

- ‌المطلب السادسخروج النساء مع المجاهد

- ‌المطلب السابعخروج المجاهد بالقرآن إلى أرض العدو

- ‌المبحث الثانيأحكام المجاهد في مواجهة العدو

- ‌المطلب الأولما قبل بدء المعركة والالتحام بالعدو

- ‌الفرع الأولدعوة العدو إلى الإسلام قبل القتال

- ‌الفرع الثانيالإنذار بالهجوم

- ‌الفرع الرابعمعرفة مواقع العدو وقدراته عن طريق الاستطلاع للأخبار

- ‌الفرع الخامسالحرب النفسية والخديعة بالعدو

- ‌المسألة الأولى: الإعلام

- ‌المسألة الثانيةإظهار القوة

- ‌المسألة الثالثةإشاعة الفرقة وبث الرعب بين العدو

- ‌المسألة الرابعةمخادعة العدو

- ‌الفرع السادسالاستعانة بالكفار في قتال العدو

الفصل: ‌المطلب الرابعكيفية صلاة الخوف

الترجيح

الذي يظهر أن الراجح هو القول الأول، أنه لا يجوز تأخير الصلاة حال القتال والتحام الجيوش ما دام المجاهدون قادرين على فعل الصلاة، مدركين لها، سواء كانوا قائمين، أو قاعدين، أو راكبين، أو راجلين يومئون بالركوع والسجود ويجعلون السجود أخفض من الركوع، ولا يلزم استقبال القبلة إذا لم يقدروا عليها لأن الصلاة لا يجوز تأخيرها مع القدرة على فعلها بحال من الأحوال.

فإن لم يقدروا على فعل الصلاة ولم يعوا ما يقولون وما يفعلون فيها ولم يقدروا على الإيماء بأن كان الرصاص والقنابل تأتيهم من كل جانب، ففي هذه الحالة يجوز تأخير الصلاة إلى أن ينكشف القتال إذا لم يمكن التأخير بنية الجمع (1) .

لقوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4] والله أعلم.

‌المطلب الرابع

كيفية صلاة الخوف

للخوف ثلاث حالات:

الحالة الأولى: الخوف غير الشديد.

وضابط الخوف غير الشديد هو الخوف من هجوم العدو على المجاهدين في حال انشغالهم بالصلاة إما لقربهم من المجاهدين ومعاينتهم لهم، وإما بإخبار الثقة بقدوم العدو إلى المجاهدين دون أن يكون هناك قتال والتحام بين الجيوش (2) .

(1) الشرح الممتع (4/585) .

(2)

عيون الأثر في فنون المغازي والسير (2/79) والأم (1/218) .

ص: 140

وقد تعددت الروايات في كيفية صلاة الخوف في هذه الحالة، لأن الرواة إذا اختلفوا في قصة جعلوا ذلك وجها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم (1) واختلف الفقهاء في تعداد أنواع الصلاة الخوف تبعا لتعدد الروايات، فقد أوصلها بعضهم إلى ستة عشر صفة (2) وقد صلاها النبي صلى الله عليه وسلم بصفات مختلفة وإن كانت متفقة في المعنى، وذلك للمحافظة على الصلاة، والاحتياط من كيد العدو.

جاء في معالم السنن: (صلاة الخوف أنواع، وقد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة، وعلى أشكال متباينة يتوخى من كل ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة، وهي على اختلاف صورها مؤتلفة في المعاني)(3) .

وقال الإمام أحمد رحمه الله: (كل حديث يروى في أبواب صلاة الخوف فالعمل به جائز، وقال: ستة أوجه أو سبعة يروى فيها كلها جائزة)(4) .

والذي يظهر أن هذه الصور في صلاة الخوف غير الشديد التي جاءت بها الروايات الصحيحة جاءت مراعية للأحوال التي يكون عليها العدو، فمرة يكون العدو في جهة القبلة، ومرة يكون إلى غير جهة القبلة، ومرة يكون الحذر منهم أشد، إلى غير ذلك من الأحوال.

وقد رأيت أن أجعل صلاة الخوف غير الشديد في أربعة أوجه لتستوعب الروايات التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخوف وذلك على النحو الآتي:

الوجه الأول: الصلاة بالمجاهدين جميعا.

وقد ورد في هذا الوجه ثلاث صفات:

(1) شرح الزرقاني لموطأ الإمام مالك (1/521)

(2)

حاشية ابن عابدين (3/74) والتمهيد (15/269) وعارضة الأحوذي (3/37) وشرح صحيح مسلم للنووي (6/372) والمبدع (2/126) وكشاف القناع (1/493) .

(3)

معالم السنن للخطابي (1/233) .

(4)

المغنى (3/311) وكشاف القناع (1/493) .

ص: 141

الصفة الأولى:

أن يصف الإمام المجاهدين خلفه صفين فأكثر حضرا كان الخوف أو سفرا، فيكبر بهم تكبيرة الإحرام جميعا ويركع بهم فإذا سجد، سجد الصف الأول معه وحرس الصف الآخر، فإذا قام الإمام إلى الركعة الثانية سجد الصف المتأخر، ثم يلحقون بالإمام ويتقدمون مكان الصف الأول ويتأخر الصف الأول (1) ، فإذا سجد الإمام في الركعة الثانية سجد معه الصف الذي يليه، فإذا جلس الإمام ومن معه للتشهد سجد الصف الحارس، ثم يلحقون بالإمام في التشهد ويسلم بهم جميعا (2) .

دليل هذه الصفة:

1-

عن جابر رضي الله عنهما قال: (شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فصفنا صفين صف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والعدو بيننا وبين القبلة فكبر النبي صلى الله عليه وسلم وكبرنا جميعا ثم ركع وركعنا جميعا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وقام الصف المؤخر في نحر العدو فلما قضي النبي صلى الله عليه وسلم السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم، ثم ركع النبي صلى الله عليه وسلم ركعنا جميعا ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى وقام الصف المؤخر في نحور العدو فلما قضى

(1) لو بقى كل صف مكانه صح، وهو خلاف الأولى انظر كشاف القناع (1/494) وروضة الطالبين (2/51) .

(2)

كشاف القناع (1/493) ومغني المحتاج (1/574) والوسيط في المذهب (2/297) .

ص: 142

النبي صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا، ثم سلم النبي صلى الله عليه وسلم وسلمنا جميعا) (1) .

2-

عن أبي عياش الزرقي رضي الله عنه (2) قال: (كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعسفان (3) وعلى المشركين خالد بن الوليد (4) فصلينا الظهر، فقال المشركون: لقد أصبنا غرة، لقد أصبنا غفلة لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة فنزلت آية القصر بين الظهر والعصر (5)

فلما حضرت العصر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة والمشركون أمامه فصف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم صف، وصف بعد

(1) صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الخوف، ح رقم (840) .

(2)

هو: زيد بن الصامت، ويقال ابن النعمان، ويقال اسمه عبيد بن معاوية أبو عياش الزرقي الأنصاري، شهد أحدا وما بعدها، يقال: إنه عاش إلى خلافة معاوية، انظر الإصابة (7/245) ت رقم (10315) ومشاهير علماء الأمصار ص 38 ت رقم (61) .

(3)

عسفان: بضم أوله وسكون ثانيه. وهي قرية تبعد عن مكة بحوالي ستة وثلاثين ميلا بها مزارع ونخيل وقيل سميت عسفان لتعسف السيل فيها، وهي: قرية عامرة الآن بها مدارس ومرافق حكومية تقع على الطريق السريع بين مكة والمدينة وتبعد عن مكة شمالا بـ 80 كيلو متر تقريبا. انظر معجم البلدان (4/137) ت رقم (3895) وتوضيح الأحكام (2/373) .

(4)

هو خالد بن الوليد بن المغيرة القرشي المخزومي سيف الله المسلول يكني أبا سليمان شهد مع كفار قريش الحروب ضد النبي صلى الله عليه وسلم حتى أسلم سنة سبع من الهجرة بعد خيبر شهد فتح مكة مع النبي صلى الله عليه وسلم وحنينا والطائف ومؤتة استخلفه أبو بكر الصديق رضي الله عنه على الشام حتى عزله عمر رضي الله عنه له أثر مشهور في قتال الفرس والروم توفي بحمص وقيل: بالمدينة المنورة سنة 21 هـ انظر: الإصابة (2/215) ت رقم (2206) وأسد الغابة (1/586) ت رقم (1399) .

(5)

وهي قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} [النساء: 101] ..

ص: 143

ذلك الصف صف أخر) ثم ذكر الحديث كحديث جابر السابق وزاد (فصلاها بعسفان مرة وصلاها يوم بني سليم)(1) .

فصفة الصلاة في الحديثين واحدة، قال في عون المعبود: حديث جابر، وحديث أبي عياش الزرقي مفهومهما واحدا (2) .

شروط هذه الصفة:

ذكر بعض الفقهاء شروطا لهذه الصفة هي (3) .

1-

أن يكون العدو في جهة القبلة.

2-

أن يكون العدو على مستوى من الأرض لا يسترهم شيء عن أبصار المجاهدين.

3-

أن يكون في المجاهدين كثرة حتى يتمكنوا من الصلاة والحراسة.

ولم أجد -حسب ما اطلعت عليه- من منع الأخذ بهذه الصفة من الفقهاء (4) ،

(1) أخرجه أبو داود في سننه مع شرحها عون المعبود كتاب الصلاة باب صلاة الخوف ح رقم (1233) والدارقطني باب صفة صلاة الخوف ح رقم (1759) ورقم (1760) والنسائي في سننه مع شرح السيوطي، كتاب صلاة الخوف ح رقم (1548) قال الشوكاني في نيل الأوطار: رجال إسناده عند أبي داود والنسائي رجال الصحيح (3/319) .

وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي انظر المستدرك للحاكم كتاب صلاة الخوف، ح رقم (1253) ج (1/488) والتلخيص بهامشه للذهبي.

(2)

عون المعبود شرح سنن أبي داود (3/56) .

(3)

مغني المحتاج (1/574) والحاوي (2/473) والمستوعب (2/415) والمبدع (2/126) والمبسوط (2/47) والكافي في فقه أهل المدينة المالكي (1/254) .

(4)

المبسوط (2/47) وبدائع الصنائع (1/557) وبداية المجتهد (1/180) وشرح الزرقاني الموطأ مالك (1/526) والأم (1/215) روضة الطالبين (2/50) والإنصاف

(2/347) وكشاف القناع (1/493) والمحلى بالآثار (3/233) .

ص: 144

إلا أن الحنفية قالوا في صفتها: إذا سجد الإمام سجد معه الصف الأول، فإذا رفعوا روءسهم من السجدة الأولى، سجد الصف الثاني والصف الأول قعود يحرسونهم (1) وهم بهذا خالفوا النصوص الصحيحة، كما في حديث جابر، وأبي عياش، فالأولى الأخذ بما جاء في الأحاديث.

وقال الشافعي: بأن الصف الأول يحرس، والصف الثاني هو الذي يسجد مع الإمام (2) ، وهو قول عند الحنابلة لأنه أحوط (3) .

قال النووي: والصحيح المختار جواز الأمرين (4) .

والذي يظهر أن التزام الصفة التي جاءت في الأحاديث هو الأولى والله أعلم.

الصفة الثانية:

إذا حضرت الصلاة جعل الإمام المجاهدين طائفتين: طائفة معه، وطائفة في وجه العدو وظهورهم إلى القبلة ثم يكبر بهم جميعا التي معه والتي في وجه العدو، ثم يركع بالطائفة التي معه ويسجد فإذا قام إلى الركعة الثانية ذهبت الطائفة التي معه إلى وجه العدو وجاءت الأخرى فصلوا لأنفسهم الركعة الأولى، ثم لحقوا بالإمام وهو قائم ينتظرهم فصلى بهم الركعة الثانية، ثم جلسوا وجاءت الطائفة التي في الحراسة فصلوا الركعة الثانية لهم، ثم جلسوا مع الإمام والطائفة التي معه وسلم بهم جميعا (5) .

(1) المبسوط (2/47) وبدائع الصنائع (1/557) .

(2)

روضة الطالبين (2/50) ومغنى المحتاج (1/574) .

(3)

الإنصاف (2/348) والمحرر في الفقه لمجد الدين أبو البركات (1/137) .

(4)

روضة الطالبين (2/50) .

(5)

كشاف القناع (1/498) ونيل الأوطار (3/321) .

ص: 145

دليل هذه الصفة:

ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عام غزوة نجد (1)

قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صلاة العصر فقامت معه طائفة، وطائفة أخرى مقابل العدو وظهورهم إلى القبلة، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبروا جميعا الذين معه والذين مقابلوا العدو ثم ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة واحدة وركعت الطائفة التي معه، ثم سجد فسجدت الطائفة التي تليه والآخرون قيام فقابلوا العدو، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وقامت الطائفة التي معه فذهبوا إلى العدو فقابلوهم وأقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم كما هو، ثم قاموا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة أخرى وركعوا معه وسجد وسجدوا معه ثم أقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد ومن كان معه، ثم كان السلام، فسلم

(1) نجد: اسم لكل ما ارتفع عن تهامة انظر معجم البلدان (5/304) ت رقم (11924) ، وغزوة نجد هي غزواة ذات الرقاع، وسميت بذلك لأن أقدام المسلمين رقت من الحفاء فلفوا عليها الخرق على القول الراجح في سبب تسميتها، وقد ذكر أصحاب السير أنها وقعت في السنة الرابعة من الهجرة، قبل الخندق انظر السيرة النبوية لابن هشام (3/203) وعيون الأثر (2/79) وقال ابن قيم الجوزية في الزاد، والبخاري في صحيحه وغيرهما إنها وقعت بعد خيبر وهذا الراجح لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل صلاة الخوف يوم الخندق وصلاها في غزوة ذات الرقاع فعلم أنها بعد الخندق وبعد عسفان ولأن أبا هريرة وأبا موسى الأشعري، شهدا غزوة ذات الرقاع وإسلامهما بعد خيبر. انظر زاد المعاد (3/251) وما بعدها وصحيح البخاري مع الفتح، كتاب المغازي باب غزوة ذات الرقاع واختار هذا القول ابن حجر في فتح الباري (7/532) ..

ص: 146

رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلموا جميعا فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان ولكل رجل من الطائفتين ركعة) (1) .

يظهر من هذا الحديث، أن العدو كانوا إلى غير جهة القبلة، وأن المجاهدين الذين معه الإمام والذين في جهة العدو كبروا جميعا مع الإمام تكبيرة الإحرام إلى غير جهة القبلة.

لكن جاء من طريق آخر عن أبي هريرة قال: (خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نجد حتى إذا كنا بذات الرقاع من نخل (2) لقي جمعا من غطفان (3)) فذكر معنى الحديث دون لفظه قال فيه حين ركع بمن معه وسجد قال: (فلما قاموا مشوا القهقرى (4) إلى مصاف أصحابهم ولم يذكر استدبار القبلة) (5) .

(1) أخرجه أبو داود في سننه مع عون المعبود كتاب الصلاة باب صلاة الخوف ح رقم

(1237) والنسائي في سننه مع شرح السيوطي، كتاب الصلاة الخوف، ح رقم

(1542) والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب صلاة الخوف، باب من قال: قضت الطائفة الثانية الركعة الأولى ح رقم (6056) . قال الشوكاني: سكت عنه أبو داود، والمنذري ورجال إسناده ثقات عند أبي داود والنسائي. انظر: نيل الأوطار (3/321) وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي انظر المستدرك، كتاب صلاة الخوف ح رقم (1253) والتلخيص بهامشه للذهبي ج (1/488) .

(2)

موضع بنجد من أرض غطفان، انظر: معجم البلدان (5/320) ت رقم (11967) .

(3)

قبيلة كبيرة من قيس عيلان، وهي بطن من جهينة. انظر لباب الألباب في تحرير الأنساب للسيوطي.

(4)

الرجوع إلى الخلف من غير أن يعيد وجهه إلى جهة مشية. انظر: المعجم الوسيط

(2/764) .

(5)

أخرجه أبو داود في سننه مع عون المعبود، كتاب الصلاة باب صلاة الخوف ح رقم

(1238) والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب صلاة الخوف، باب من قال: قضت الطائفة الثانية الركعة الأولى ح رقم (6057) .

قال الشوكاني: في إسناده محمد بن إسحاق، وفيه مقال مشهور إذا لم يصرح بالتحديث وقد عنعن هنا. انظر: نيل الأوطار (3/321) .

ص: 147

والذي يبدو أن الروايتين في قصة واحدة والخلاف بينهما، إنما هو في القبلة ففي الرواية الأولى، الذين في جهة العدو كبروا تكبيرة الإحرام إلى غير القبلة، وفي الرواية الثانية أنهم كبروا إلى جهة القبلة، والذي يظهر أن حمل الرواية الأولى على الثانية هو الأولى، لأن استقبال القبلة شرط في الصلاة لا يجوز تركه، إلا في حال الضرورة عند شدة الخوف والتحام القتال، ولا ضرورة هنا، والله أعلم.

الصفة الثالثة:

يقسم الإمام المجاهدين طائفتين: طائفة تصلي معه فتكبر إذا كبر وتركع معه وتسجد معه، فإذا رفع من السجدة الأولى مكث جالسا، وسجدوا لأنفسهم الثانية، ثم قاموا يمشون القهقرى إلى مصاف الطائفة الأخرى، وجاءت الطائفة الأخرى فكبروا وركعوا، ثم يسجد الإمام السجدة الثانية له من الركعة الأولى فيسجدون معه، ثم يقوم الإمام للركعة الثانية ويسجدون لأنفسهم السجدة الثانية، ثم يقومون مع الإمام وتأتي الطائفة الأخرى معهم فيركع بهم الإمام جميعا ويسجد بهم جميعا سريعا ثم يسلم بهم جميعا.

دليل هذه الصفة:

عن عائشة رضي الله عنها قالت (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف قالت: فصدع (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس صدعتين، فصف طائفة وراءه وقامت طائفة وجاه العدو، قالت: فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرت الطائفة الذين صفوا خلفه، ثم ركع وركعوا ثم سجد وسجدوا ثم رفع رأسه فرفعوا ثم مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا وسجدوا لأنفسهم السجدة الثانية ثم قاموا ثم نكصوا على أعقابهم يمشون القهقرى حتى قاموا من ورائهم وأقبلت الطائفة الأخرى فصفوا خلف

(1) صدعت القوم صدعا فتصدعوا أي: فرقتهم فتفرقوا، انظر: المصباح المنير ص 5.

ص: 148

رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبروا ثم ركعوا لأنفسهم ثم سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم سجدته الثانية فسجدوا معه، ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركعته وسجدوا لأنفسهم السجدة الثانية ثم قامت الطائفتان جميعا فصفوا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فركع بهم ركعة فركعوا جميعا، ثم سجد فسجدوا جميعا ثم رفع رأسه ورفعوا معه كل ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا جدا لا يألوا (1) أن يخفف ما استطاع ثم سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلموا ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شركه الناس في صلاته كلها) (2) .

والذي يظهر أن الصفة الثانية في حديث أبي هريرة رضي الله عنه والصفة الثالثة في حديث عائشة رضي الله عنها قد اتفقتا في أن المسبوق يبدأ بقضاء ما فاته ثم يلحق بالإمام.

الوجه الثاني: قسمة المجاهدين في الصلاة إلى طائفتين.

وقد ورد في هذا الوجه صفتان:

الصفة الأولى:

إذا حضرت الصلاة وخاف المجاهدون العدو جعلهم الإمام طائفتين: طائفة في وجه العدو، وطائفة يصلي بهم ركعة، ثم يقوم الإمام إلى الركعة الثانية ويتم الذين معه

(1) آلى معناها: اجتهد انظر المعجم الوسيط (1/25) .

(2)

أخرجه أبو داود في سننه مع عون المعبود كتاب الصلاة باب صلاة الخوف ح رقم

(1238) والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب صلاة الخوف، باب من قال: قضت الطائفة الثانية ح رقم (6058) والحاكم في المستدرك كتاب صلاة الخوف ح رقم

(1249) وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي ثم قال الحاكم وهو أتم حديث وأشفاه في صلاة الخوف (1/487) وانظر التلخيص للذهبي بهامش المستدرك

وقال الشوكاني: في إسناده محمد بن إسحاق، لكنه صرح بالتحديث، انظر: نيل الأوطار

(3/321) .

ص: 149

صلاتهم ويسلمون ثم يذهبون إلى وجه العدو، وتأتي الطائفة الأخرى فيدخلون مع الإمام في الركعة الثانية له ويصلي بهم فإذا جلس للتشهد قاموا وأتموا الركعة الثانية وهو ينتظرهم فإذا لحقوه سلم بهم (1) .

دليل هذه الصفة:

حديث صالح بن خوات (2)(عمن شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرقاع صلاة الخوف أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالتي معه ركعة، ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم، ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم (3) .

الصفة الثانية:

يجعل الإمام المجاهدين طائفتين: واحدة في وجه العدو والأخرى يصلي بهم ركعة، فإذا قام الإمام إلى الركعة الثانية لم يتم المقتدون به الصلاة، وإنما يذهبون إلى مكان الطائفة التي في وجه العدو وهم في الصلاة فيقفون سكوتا، وتجيء الطائفة الأخرى فتصلى مع الإمام ركعته الثانية، فإذا سلم ذهبت إلى وجه العدو وجاء الأولون إلى مكان الصلاة وأتموا لأنفسهم، ثم ذهبوا إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الأخرى إلى مكان الصلاة وأتموا (4) .

(1) المبدع (2/127) والشرح الكبير (1/450) والإنصاف (2/349) وروضة الطالبين (2/52) والمجموع (4/292) والوسيط (2/300) وشرح الزرقاني لموطأ مالك (1/522) .

(2)

هو: صالح بن خوات بن جبير بن النعمان الأنصاري المدني، روي عن أبيه وخاله سهل، وروي عنه ابنه خوات، ويزيد بن رومان، وثقه النسائي وابن حبان. انظر تهذيب التهذيب (4/339) ت رقم (658) وتهذيب الأسماء واللغات (1/248) ت رقم (261) .

(3)

صحيح البخاري مع الفتح، كتاب المغازي باب غزوة ذات الرقاع ح رقم (4129) وصحيح مسلم بشرح النووي، كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب صلاة الخوف ح رقم (842) .

(4)

المبسوط (2/46) وبدائع الصنائع (1/558) والاختيار للموصلي (1/89) وبداية المجتهد (1/180) والوسيط في المذهب (2/301) والمبدع (2/133) والشرح الكبير

(1/454) .

ص: 150

دليل هذه الصفة:

1-

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد فوازينا العدو فصاففنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي لنا فقامت طائفة معه تصلي وأقبلت طائفة على العدو وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل فجاءوا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ركعة وسجد سجدتين، ثم سلم فقام كل واحد منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين)(1) .

2-

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف فقاموا صفين، صف خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وصف مستقبل العدو فصلى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة، ثم جاء الآخرون فقاموا مقامهم واستقبل هؤلاء العدو فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم ركعة، ثم سلم فقام هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا، ثم ذهبوا فقاموا مقام أولئك مستقبلي العدو ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا)(2) .

(1) صحيح البخاري الفتح، كتاب الخوف، باب صلاة الخوف، ح رقم (942) وصحيح مسلم بشرح النووي، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب صلاة الخوف، ح رقم

(839) .

(2)

أخرجه أبو داود في سننه مع شرحها عون المعبود، كتاب الصلاة باب من قال يصلي بكل طائفة ركعة ثم يسلم، ح رقم (1240) والدارقطني باب صفة صلاة الخوف، ح رقم (1766) والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب صلاة الخوف، باب من قال في هذا كبر بالطائفتين جميعا، ح رقم (6044) وقال البيهقي: هذا الحديث مرسل، لأن أبا عبيدة لم يدرك أباه، وفيه خصيف الجزري ليس بالقوي (3/371) وانظر: ميزان الاعتدال (1/653) ت رقم (2511) وكتاب العلل ومعرفة الرجال (1/248) فمن العلماء من وثق خصيف ومنهم لم يوثقه ومنهم من رماه بالإرجاء.

ص: 151

وقد ذهب جمهور الفقهاء (1) إلى ترجح الأخذ بالصفة الأولى فيصلى بالطائفة الأولى ركعة، ثم يتمون لأنفسهم ويسلمون وتأتي الثانية تصلي معه ركعة ثم تتم ما بقي عليها ثم يسلم بهم (2) .

واستدلوا على ترجيح هذه الصفة بما يلي:

أ- أنها أوفق لظاهر كتاب الله عز وجل وذلك أن قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] فيه إضافة الفعل إليه صلى الله عليه وسلم ثم قال تعالى: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} فأضاف فعل السجود إليهم، فأقتضى الظاهر انفرادهم به، ثم أباح لهم الانصراف بعد فعله فصار تقدير قوله تعالى:{فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} أي صليت بهم ركعة فعبر عنه بالقيام الذي هو ركن فيها وقوله تعالى: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} أي صلوا الركعة الثانية فلينصرفوا فعبر عنه بالسجود الذي هو ركن فيها.

(1) بداءة المجتهد (1/179) وحاشية الدسوقي (1/392) والأم (1/211) والمجموع

(4/293) وكشاف القناع (1/493) والشرح الكبير (1/449) .

(2)

روي عن الإمام مالك أن الإمام يسلم بالطائفة الثانية، ثم يأتون بما بقي عليهم ولا ينتظرهم ليسلم بهم، لأن الإمام لا ينتظر المأموم وأن المأموم إنما يقضي بعد سلام الإمام، وكلا الأمرين جائز عند الإمام مالك، قال في الكافي: وكلا القولين لأئمة أهل المدينة وقال بهما جميعا مالك انظر: الكافي في فقه أهل المدينة المالكي (1/253) والتمهيد

(5/262) وشرح الزرقاني (1/523) .

ص: 152

وقوله تعالى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} فظاهر قوله تعالى: {لم يصلوا} أي لم يصلوا شيئا منها، وظاهر قوله تعالى:

{فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} أي جميع الصلاة بكاملها (1) .

ب- لسلامتها من كثرة المخالفة، ولأنها أحوط للحرب، لأن المجاهد يتمكن من الضرب والطعن وإعلام غيرة بما يراه من أمر العدو (2) .

وذهب الحنفية (3) وبعض المالكية (4) إلى ترجيح الصفة الثانية التي يسندها حديث عبد الله بن عمر، وابن مسعود رضي الله عنهم

وجه ترجيحهم ما يلي:

1-

أن هذه الصفة موافقة للأصول في أن المأموم لا يتم صلاته قبل إمامه (5) .

2-

أن رواية ابن عمر قوية الإسناد فهي وردت بنقل أهل المدينة وهم حجة في النقل على من خالفهم (6) .

(1) الحاوي الكبير (2/461) والأوسط (5/44) والأم (1/211) وكشاف القناع

(1/495) والذخيرة (2/440) والمعونة (1/316) .

(2)

شرح الزرقاني (1/525) وروضة الطالبين (2/52) والمجموع (4/293) وحاشية الروض المربع (2/412) والمغني لابن قدامة (3/302.

(3)

المبسوط (2/46) ، وبدائع الصنائع (1/558) .

(4)

الذخيرة (2/439) وشرح الزرقاني لموطأ الإمام مالك (1/524) ومنهم أشهب.

(5)

المبسوط (2/47) .

(6)

حاشية الدسوقي (1/392) .

ص: 153

الترجيح

الذي يظهر أن الصفة التي ذهب إليها الجمهور هي الأولى في صلاة الخوف على هذا الوجه، لأنها موافقة لظاهر القرآن، والصفة التي أختارها الحنفية فيها مخالفات عدة منها:

1-

أن قولهم تنصرف الطائفة الأولى وهي في الصلاة يؤدي إلى أن تمشي أو تركب وهي في الصلاة، وهذا عمل كثير ينافي الصلاة، وفيه استدبار للقبلة دون حاجة أو ضرورة.

2-

أن صلاة الخوف مبنية على التخفيف، وعلى قولهم تطول الصلاة أضعاف ما كانت حال الأمن، والخائف أولى بالتخفيف لحاجته إليه، وللرفق به (1) . وكلا الصفتين ثابتة وجائز العمل بهما والخلاف إنما هو في الأفضل والله أعلم.

إذا تقرر معرفتنا من خلال هذا الوجه بصفتيه كيف تصلي صلاة الخوف الثنائية سواء كانت المقصورة في السفر أو صلاة الفجر فكيف تصلي المغرب المجمع على أنها لا تقصر (2) والصلاة الرباعية في الحضر على هذا الوجه؟

أولا: صلاة المغرب:

ذهب الجمهور إلى أن الإمام يصلي بالطائفة الأولى ركعتين وبالطائفة الثانية ركعة (3) واستدلوا على هذا بما يلي (4) :

(1) المغنى (3/302) .

(2)

الإجماع لابن المنذر ص 19.

(3)

البحر الرائق (2/296) وأحكام القرآن للجصاص (2/329) والمدونة (1/160) والذخيرة (2/438) والوسيط (2/304) والأم (1/212) والحاوي الكبير (2/464) والمغني (3/309) والمستوعب (2/413) والمبدع (2/130) والمحلى بالآثار (3/233) .

(4)

البحر الرائق (2/296) والمعونة (1/318) والحاوي الكبير (2/464) والوسيط

(2/304) والمغنى (3/310) والشرح الكبير (2/452) والإنصاف (2/352) .

ص: 154

1-

أن صلاة الخوف مبنية على المساواة بين الطائفتين، فإذا لم يمكن انقسام الركعة كان صلاته بالأولى ركعتين أولى، لأن أول الصلاة أكمل من آخرها.

2-

ولأن في ذلك خفة في الانتظار، وإسراع في الفراغ من الصلاة، وهذا المطلوب في صلاة الخوف.

3-

ولأن الطائفة الأولى أحق بالركعتين، لما لها من حق السبق.

4-

ولأن الطائفة الثانية تصلي جميعا صلاتها في حكم الإتمام، والأولى في حكم الانفراد، فكانت الطائفة الأولى أحق.

وذهب الشافعية في قول على خلاف الأظهر، أنه يصلي بالطائفة الأولى ركعة وبالثانية ركعتين (1) .

واستدلوا بما يلي:

1-

أنه روي عن علي رضي الله عنه أنه صلى ليلة الهرير (2) هكذا (3) .

2-

ولأن الطائفة الأولى أدركت مع الإمام فضيلة الإحرام والتقدم، فينبغي أن تزيد الثانية في الركعات ليجبر النقص (4) .

(1) الأم (1/213) وروضة الطالبين (2/54) والحاوي الكبير (2/465) .

(2)

هي إحدى ليالي صفين بين علي ومعاوية رضي الله عنهما اقتتلوا حتى الصباح وصار الناس إلى السيوف بعد نفاذ النبل وتقصف الرماح، وقيل: سميت بذلك لعجزهم عن القتال حتى صار بعضهم يهر على بعض. انظر: تاريخ الطبري (5/47) .

(3)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب صلاة الخوف، باب الدليل على ثواب صلاة الخوف ح رقم (6008) وانظر الأم (1/213) والحاوي الكبير (2/465) .

(4)

المغني (3/310)

ص: 155

والذي يظهر أن قول الجمهور هو الراجح لما يلي:

1-

لقوة تعليلاتهم، ولأن صلاة الخوف مبنية على التخفيف، وما ذكره الجمهور أقرب إلى المقصود.

2-

أن ما روي عن علي رضي الله عنه ليلة الهرير أنه صلى بالأولى ركعة، فقد روي عنه أنه صلى صلاة الخوف ليلة الهرير بالطائفة الأولى ركعتين (1) وبهذا يوافق الجمهور في أن الأولى أن يصلي بالطائفة الأولى ركعتين.

فإن صلى بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين فقد خالف الأولى وصلاته صحيحه عند الجمهور (2) لأن صلاة المغرب لم يرد فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشوكاني لم يرد في صلاة المغرب في الخوف فعل ولا قول عن النبي صلى الله عليه وسلم (3) .

وقال الحنفية: إذا صلى بالأولى ركعة وبالثانية ركعتين فسدت صلاة الطائفتين، أما الطائفة الأولى فلانصرافهم في غير أوان الانصراف، وأما الثانية فلأنهم لما أدركوا الركعة الثانية صاروا من الطائفة الأولى لإدراكهم الشفع الأول، وقد انصرفوا في أوان رجوعهم فتبطل (4) .

والراجح ما ذهب إليه الجمهور أن الصلاة صحيحة، وقد خالف الأولى لما سبق من الأدلة.

فإن صلى المغرب بكل طائفة ركعة فهل تصح الصلاة؟

(1) نيل الأوطار (3/322) .

(2)

الذخيرة (2/438) والحاوي الكبير (2/465) والمغني (3/310) والمبدع (2/310) .

(3)

المرجع السابق نيل الأوطار (3/322) .

(4)

تبين الحقائق (1/233) وفتح القدير (2/65) .

ص: 156

ذهب الحنفية (1) والمالكية (2) إلى أن صلاة الطائفة الأولى باطلة لا تصح، ووجه البطلان: أن الطائفة الأولى انصرفت من الصلاة في غير أوان الانصراف، وتصح صلاة الطائفة الثانية والثالثة.

ووجه ذلك أنها موافقة سنة صلاة الخوف.

ولم أجد للحنابلة والشافعية قول في ذلك -حسب ما اطلعت عليه- من كتبهم.

ثانيا: الصلاة الرباعية:

لا خلاف بين الفقهاء فيما أعلم أن الإمام يصلي بالطائفة الأولى ركعتين، وبالطائفة الثانية ركعتين (3) .

لأن صلاة الخوف مبنية على المساواة بين الطائفتين وفي الرباعية تحصل المساواة وإنما الخلاف فيما إذا جعل الإمام المجاهدين أربع فرق فصلى بكل فرقة ركعة، ثم يكملون لأنفسهم ما بقي عليهم، فقد اختلفوا إلى ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن الصلاة صحيحة في حق الإمام ومن خلفه، ولا إعادة عليه ولا عليهم، ولكن هذا خلاف الأولى، وهذا قول عند الشافعية (4) وقول عند الحنابلة (5) .

(1) تبيين الحقائق (1/233) وحاشية الشلبي بهامش تبيين الحقائق (1/233) .

(2)

حاشية الدسوقي (1/395) والذخيرة (2/438) وقال سحنون: تبطل صلاة الإمام وصلاتهم لتركه سنتها.

(3)

بدائع الصنائع (1/557) وحاشية الدسوقي (1/393) وجواهر الإكليل (2/562) والأم (1/213) وروضة الطالبين (2/55) والإنصاف (2/352) والمستوعب (2/414) والمغني لابن قدامة (3/305) وإن صلى بالطائفة الأولى ثلاث ركعات وبالطائفة الثانية ركعة أو العكس صحت الصلاة، لأن الإمام لم يزد على انتظارين ورد الشرع بمثلهما. انظر الأم (1/213) والحاوي الكبير (2/465) والمغني (3/308) والمبدع (2/131) .

(4)

الأم (1/213) وروضة الطالبين (2/55) .

(5)

الإنصاف (2/353) والمغني (3/309) .

ص: 157

ودليلهم: أن الحاجة تدعو إلى ذلك، فأشبه ما لو فرقهم فرقتين (1) . ونوقش: أنه لا فرق بين أن تكون به حاجة إلى ذلك أم لا، لأن الرخص إنما يصار إليها بما ورد الشرع به (2) .

القول الثاني: أن الصلاة تصح من البعض وتبطل من البعض الآخر وبهذا قال الجمهور (3) إلا أنهم اختلفوا فيمن تصح صلاته ومن تبطل من الطوائف ففي قول عند الشافعية، والمذهب عند الحنابلة (4) أنها تصح صلاة الطائفة الأولى والثانية وتفسد صلاة الإمام والطائفة الثالثة والرابعة.

ووجه صحة صلاة الطائفة الأولى والثانية:

أنهما خرجتا من الصلاة قبل أن تفسد صلاة الإمام بالانتظار الثالث، لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم انتظار ثالث في صلاة الخوف، فزاد انتظار لم يرد الشرع به.

ووجه فساد صلاة الإمام والطائفة الثالثة والرابعة: إن الإمام بطلت صلاته بالانتظار الثالث، ولأن الطائفة الثالثة والرابعة إنما به وصلاته باطلة من أولها، فبطلت صلاتهما (5) فإن لم تعلما ببطلان صلاة الإمام فلا تبطل صلاتهما؛ لأن ذلك مما يخفى كما لو أتم بمحدث لم يعلم حدثه لم تبطل صلاة المأموم (6) .

(1) المغني لابن قدامة (3/309) .

(2)

المرجع السابق.

(3)

تبيين الحقائق (1/233) وحاشية الشلبي بهامش تبيين الحقائق (1/233) والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/395) والأم (1/213) والوسيط (2/304) والمغني لابن قدامة (3/308) والإنصاف (2/353) .

(4)

الأم (1/213) والوسيط (2/304) والمغني لابن قدامة (3/308) والإنصاف (2/353) .

(5)

الأم (1/213) والوسيط (2/304) والمغني لابن قدامة (3/308) والإنصاف (2/353) .

(6)

الإنصاف (2/353) والمغني (3/309) والشرح الكبير (1/453) والأم (1/213) .

ص: 158

وقال الحنفية (1) ، والمالكية (2) تبطل صلاة الطائفة الأولى والثالثة، لأنهما فارقا الإمام في غير محل المفارقة.

وتصح صلاة الإمام في الجميع، لأنهم لم يجعلوا كثر الانتظارات من الإمام مبطلة للصلاة، وتصح كذلك صلاة الطائفة الثانية والرابعة، لأن مفارقتهما للإمام كانت وفي وقت الانصراف (3) .

القول الثالث:

أن الصلاة باطلة في حق الإمام وجميع الطوائف، قال به سحنون (4) من المالكية وهو قول عند الحنابلة (5) . لأن الصلاة تبطل بالانتظار الأول، لأنه زاد على انتظار الرسول صلى الله عليه وسلم زيادة لم يرد الشرع بها (6) . والذي يظهر في صلاة المغرب والصلاة الرباعية في الحضر في حال الخوف أن قسمة المجاهدين إلى طائفتين يصلي بالطائفة الأولى ركعتين وبالطائفة الأخرى باقي الصلاة هو الأولى والأرجح لما يأتي:

1-

أن ذلك أقرب إلى المساواة بين الطائفتين في الصلاة.

(1) تبيين الحقائق (1/233) وحاشية الشلبي بهامش تبيين الحقائق (1/233) .

(2)

الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/395) .

(3)

المراجع السابقة في هامش رقم (1، 2) .

(4)

هو: أبو سعيد عبد السلام بن حبيب بن حسان التنوخي الحمصي، المغربي القيرواني المالكي، فقيه المغرب وقاضي قيروان وصاحب المدونة في مذهب الإمام مالك، يلقب بسحنون ساد أهل المغرب في تحرير مذهب الإمام مالك، وانتهت إليه رئاسة العلم، توفي سنة 240 هـ انظر سير أعلام النبلاء (12/63) ولسان الميزان (3/12) ت رقم (3613) .

(5)

الشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقي (1/395) والمغني (3/309) .

(6)

المغنى لابن قدامة (3/309) وحاشية الدسوقي (1/396) .

ص: 159

2-

أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم الناس إلى طائفتين يصلي بالأولى نصف الصلاة وبالأخرى النصف الثاني، كما سبق في الأحاديث الصحيحة ولم يرد عنه صلى الله عليه وسلم فيما أعلم أنه قسم الناس إلى ثلاث طوائف أو أربع.

3-

أن صلاة الخوف مبنية على التخفيف والإسراع فيها حتى يتفرغ المجاهدون للقتال، وقسمة المجاهدين إلى أكثر من طائفتين يؤدي إلى التطويل في الصلاة وكثرة المشقة فيها.

إذا تقرر أنه يصلي بالطائفة الأولى ركعتين وبالثانية بقية الصلاة فهل ينتظر الإمام الطائفة الثانية قائما للركعة الثالثة أم جالسا في التشهد؟. اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى إلى قولين:

القول الأول: أنه ينتظر الطائفة الثانية قائما، وهو المشهور عند المالكية (1) ووجه عند الشافعية (2) وصف بأنه الأفضل، ورواية عند الحنابلة (3) .

واستدلوا بما يلي:

1-

أنه لا غاية من قعوده ولا أمارة يعلمون بها فراغه من تشهده أو أوان قيامهم لقضاء ما عليهم إلا أن يشير إليهم وذلك زيادة عمل في الصلاة مستغنى عنه، فكان انتظاره إياهم قائما أولى (4) .

2-

ولأن الإمام يحتاج إلى التطويل من أجل الانتظار والتشهد يستحب تخفيفه (5) .

(1) مواهب الجليل (2/563) والقوانين الفقهية ص 76 والمعونة (1/318) .

(2)

حاشية القليوبي وعميرة (1/444) والحاوي الكبير (2/465) .

(3)

الشرح الكبير (1/453) والمبدع (2/131) .

(4)

المعونة (1/318) .

(5)

المبدع (1/131) والشرح الكبير (1/453) والكافي في فقه الإمام أحمد (1/241) حاشيتا القليوبي وعميرة (1/444) .

ص: 160

3-

ولأن أجر القائم أكثر من القاعد (1) .

القول الثاني: أنه ينتظرهم جالسا، وهذا قول عند المالكية (2) وأحد الوجهين عند الشافعية (3) ورواية عند الحنابلة (4) .

واستدلوا بما يلي:

1-

أن انتظاره إياهم في الجلوس أقر إلى المساواة لأنهم يدركونه في أول قيامه (5) .

2-

ولأن الجلوس أخف على الإمام من القيام، وإذا انتظرهم قائما احتاج إلى قراءة سورة بعد الفاتحة وهذا خلاف السنة (6) .

قال في الشرح الكبير: كلا الآمرين جائز (7) والذي يظهر أن الخلاف إنما هو في الأفضلية ولعل انتظاره إياهم في القيام أفضل، لأن ثواب القائم في الصلاة أكثر وحتى لا يحصل إشكال على الطائفة الأولى في المفارقة والطائفة الثانية في الدخول إلى الصلاة، لأن الطائفة الثانية قد تحرم بالصلاة معه قبل قيامه فلا يحصل الاتباع، والله أعلم.

الوجه الثالث: الصلاة بكل طائفة صلاة كاملة.

صفة الصلاة على هذا الوجه:

(1) المبدع (1/131) والشرح الكبير (1/453) والكافي في فقه الإمام أحمد (1/241) حاشيتا القليوبي وعميرة (1/444) .

(2)

مواهب الجليل (2/563) والقوانين الفقهية ص 76 والمعونة (1/318) .

(3)

الأم (1/213) وحاشيتا القليوبي وعميرة (1/444) وروضة الطالبين (2/55) .

(4)

المبدع (1/131) والشرح الكبير (1/453) والكافي في فقه أحمد (1/241) .

(5)

المعونة (1/318) وحاشيتا القليوبي وعميرة (ا/444) والكافي في فقه أحمد (1/241) .

(6)

المبدع (1/131) والشرح الكبير (1/453) .

(7)

الشرح الكبير (1/453) .

ص: 161

إذا حضرت الصلاة جعل الإمام المجاهدين طائفتين طائفة في وجه العدو، والطائفة الأخرى معه يصلي بها جميع الصلاة سواء كانت ركعتين أو ثلاثا أو أربعا، ثم يسلم بهم فيذهبون إلى وجه العدو وتأتي الطائفة الأخرى، فيصلى بهم تلك الصلاة مرة ثانية تكون لهم فريضة وله نافلة (1) .

أدلة هذه الصفة ما يلي:

1-

عن جابر رضي الله عنه قال: (كنامع النبي صلى الله عليه وسلم بذات الرقاع (2) فأقيمت الصلاة فصلى بطائفة ركعتين، ثم تأخروا وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين فكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربع وللقوم ركعتان) (3) .

قال النووي (معناه صلى بالطائفة الأولى ركعتين وسلم وسلموا، وبالثانية كذلك، وكان النبي صلى الله عليه وسلم متنفلا في الثانية، وهم مفترضون)(4) .

2-

عن أبي بكرة (5) رضي الله عنه قال: (صلى النبي صلى الله عليه وسلم في خوف الظهر فصف بعضهم خلفه وبعضهم بإزاء العدو فصلى بهم ركعتين، ثم سلم فانطلق الذين صلوا

(1) مغنى المحتاج (1/575) والوسيط في المذهب (2/297) والمحلى بالآثار (3/232) .

(2)

سبق بيان صفة صلاة الخوف في غزوة ذات الرقاع بصفة أخرى، وهذا لا يمنع أن تتعدد صفة صلاة الخوف في غزوة واحدة وقد تحمل على أن هذه الصفة في فرض والصفة الأخرى في فرض أخر، أو تحمل على تعدد الوقائع، انظر: نيل الأوطار (3/319) وتوضيح الأحكام من بلوغ المرام (2/374) .

(3)

صحيح البخاري مع الفتح، كتاب المغازي، باب غزوة ذات الرقاع، ح رقم (4136) وصحيح مسلم بشرح النووي كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة الخوف ح رقم (843) .

(4)

شرح صحيح مسلم للنووي (6/378) .

(5)

هو: نفيع بن الحارث، وقيل: ابن مسروح بن كلدة، نزل من حصن الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببكرة فاشتهر بأبي بكرة، أسلم وكان من فضلاء الصحابة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه أولاده توفي بالبصرة سنة 51 هـ، وقيل: 52 هـ.

انظر: أسد الغابة (5/38) ت رقم (5731) والإصابة (6/369) ت رقم (8816) .

ص: 162

معه فوقفوا موقف أصحابهم ثم جاء أولئك فصلوا خلفه فصلى بهم ركعتين، ثم سلم فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا ولأصحابه ركعتين ركعتين) (1) .

3-

عن أبي بكرة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالقوم في الخوف صلاة المغرب ثلاث ركعات، ثم انفرقوا وجاء الآخرون فصلى بهم ثلاث ركعات)(2) .

وقد اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في الأخذ بهذه الصفة إلى قولين:

القول الأول: يجوز الأخذ بهذه الصفة، وبهذا قال الشافعية (3) والحنابلة (4) وابن حزم (5) .

(1) أخرجه أبو داود في سننه مع شرحها عون المعبود، كتاب الصلاة، باب صلاة الخوف (من قال يصلي بكل طائفة ركعتين) ح رقم (1244) والنسائي في سننه بشرح السيوطي، كتاب صلاة الخوف، ح رقم (1550) والدارقطني في سننه، كتاب الصلاة، باب صلاة الخوف وأقسامها، ح رقم (1763) والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب صلاة الخوف، باب الإمام يصلي بكل طائفة ركعتين، ح رقم (6036) وأخرجه الإمام أحمد في المسند (15/231) ح رقم (20376) .

(2)

أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب صلاة الخوف، باب الإمام يصلي بكل طائفة ركعتين، ح رقم (6038) والحاكم في المستدرك كتاب صلاة الخوف ح رقم (1251) وقال: سمعت أبا علي الحافظ، يقول: هذا حديث غريب، أشعث الحمراني لم يكتبه إلا بهذا الإسناد، وهو صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، انظر: التلخيص للذهبي بهامش المستدرك، وأخرجه الدارقطني في سننه كتاب الصلاة، باب صلاة الخوف وأقسامها ح رقم (1765) وصححه ابن خزيمة انظر صحيح ابن خزيمة كتاب الصلاة باب صلاة الإمام المغرب بالمأمومين صلاة الخوف ح رقم (1368) .

(3)

نيل الأوطار (3/320) وشرح صحيح مسلم للنووي (6/374) .

(4)

الإنصاف (1/355) والكافي في فقه الإمام أحمد (1/239) .

(5)

المحلى بالآثار (3/234) .

ص: 163

واستدلوا بما سبق من أدلة هذه الصفة من حديث جابر، وأبي بكرة رضي الله عنه قال ابن حزم: هي أفضل صفات صلاة الخوف، لأن هذا آخر فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن أبا بكرة شهد معه ولم يسلم إلا يوم الطائف، ولم يغز عليه الصلاة والسلام بعد الطائف إلا غزوة تبوك (1) .

وقال ابن قدامة: (وهذه صفة حسنة قليلة الكلفة لا يحتاج فيها إلى مفارقة إمامه ولا إلى تعريف كيفية الصلاة، وليس فيها أكثر من أن الإمام في الثانية متنفل يؤم مفترضين)(2) .

القول الثاني: لا يجوز الأخذ بهذه الصفة وبهذا قال الحنفية (3) والمالكية (4) .

واستدلوا بأنه في حق الطائفة الثانية يحصل اقتداء المفترض بالمتنفل وهذا لا يجوز (5) وقال الحنفية: إن كان الإمام مقيما فصلى بكل طائفة ركعتين جاز ذلك (6) لأنه في هذه الحالة لا يحصل اقتداء مفترض بمتنفل. والذي يظهر أن الراجح هو القول الأول، فيجوز الأخذ بهذه الصفة، لأن الروايات التي جاءت في صفتها صحيحة والله أعلم.

الوجه الرابع: صلاة الخوف ركعة واحدة في السفر.

وصفة هذا الوجه:

إذا حضرت الصلاة قسم الإمام المجاهدين إلى طائفتين طائفة في وجه العدو، وطائفة يصلي بهم ركعة، ثم يذهبوا إلى مواقع الطائفة الأخرى وتأتي الطائفة الأخرى فيصلى

(1) المرجع السابق.

(2)

المغنى (3/313) .

(3)

المبسوط (2/47) وبدائع الصنائع (1/556) .

(4)

التمهيد (15/275) وعارضة الأحوذي (3/37) .

(5)

المبسوط (2/47) واللباب في شرح الكتاب (1/82) والتمهيد (15/275) .

(6)

المبسوط (2/48) وبدائع الصنائع (1/556) .

ص: 164

بهم ركعة ثم يسلم بهم ولا يقضون فله ركعتان ولكل طائفة ركعة (1) .

وأدلة هذه الصفة ما يلي:

1-

عن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بذي قرد (2) فصف الناس خلفه صفين، صف خلفه وصف مواز العدو، فصلى بالذين خلفه ركعة، ثم انصرف هؤلاء إلى مكان هؤلاء وجاء أولئك، فصلى بهم ركعة ولم يقضوا) (3) .

2-

وعن ثعلبة بن زهدم (4) قال: (كنا مع سعيد بن العاص (5) بطبرستان (6) فقام

(1) المغنى لابن قدامة (3/314) والمحلى بالآثار (3/233) .

(2)

ذو قرد: ماء على بعد ليلتين من المدينة بينها وبين خيبر، انظر: معجم البلدان (4/362) ت رقم (9510) .

(3)

أخرجه النسائي في سننه مع شرح السيوطي كتاب صلاة الخوف، ح رقم (1532) والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب صلاة الخوف، باب من قال يصلي بكل طائفة ركعة ولم يقضوا، ح رقم (6048) وصححه الحاكم انظر المستدرك كتاب صلاة الخوف ح رقم (1246) وصححه ابن خزيمة انظر: صحيح ابن خزيمة كتاب الصلاة باب صلاة الإمام في شدة الخوف ح رقم (1344) وصححه ابن حبان. انظر الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان كتاب الصلاة باب صلاة الخوف ح رقم (2860) .

(4)

هو ثعلبة بن زهدم التميمي الحنظلي من بني ثعلبة تابعي ثقة، وقيل: له صحبة روى عنه الأسود بن هلال. انظر: الإصابة (1/517) ت رقم (935) وأسد الغابة (1/286) ت رقم (595) .

(5)

هو: سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي، أبو عثمان، له يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين، ممن كتب القرآن لعثمان بن عفان رضي الله عنه ولي الكوفة وغزا طبرستان ففتحها وكذا جرجان ولي المدينة لمعاوية، وتوفي بها سنة 53 هـ وقيل: غير ذلك.

انظر: أسد الغابة (2/239) ت رقم (2082) والإصابة (3/90) ت رقم (3278) .

(6)

طبرستان: بلدان واسعة ومدن كثيرة يشملها هذا الاسم يغلب عليها الجبال، وهي بين الري وقوس والبحر وبلاد الديلم. انظر: معجم البلدان (4/14) ت رقم (7849) .

ص: 165

فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال أبو حذيفة: أنا فصلى بهؤلاء ركعة ولم يقضوا) (1) .

وقد اختلف الفقهاء في الأخذ بهذه الصفة إلى قولين:

القول الأول: يجوز الأخذ بهذه الصفة، قال به جمع من الصحابة والتابعين وابن حزم الظاهري وظاهر كلام الإمام أحمد يقتضي الجواز (2) .

واستدلوا بما يلي:

1-

ما سبق من حديث ابن عباس، وما جاء عن حذيفة رضي الله عنهما في صلاة الخوف أنها ركعة واحدة.

2-

ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة)(3) .

(1) أخرجه أبو داود في سننه مع عون المعبود، كتاب الصلاة، باب صلاة الخوف، من قال يصلي بكل طائفة ركعة ولا يقضون ح رقم (1242) والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب صلاة الخوف، باب من قال يصلي بكل طائفة ركعة ولم يقضوا، ح رقم

(6046) و (6047) وصححه الحاكم في المستدرك كتاب صلاة الخوف ح رقم

(1245 ووافقه الذهبي انظر: التلخيص بهامش المستدرك وصححه ابن خزيمة انظر: صحيح ابن خزيمة كتاب الصلاة، باب صلاة الإمام في شدة الخوف ح رقم (1343)) .

(2)

الحاوي الكبير (2/460) والمجموع (4/288) والأوسط في السنن (5/28) والمغني لابن قدامة (3/315) والمبدع (2/134) والمحلى بالآثار (3/236) ونيل الأوطار (3/322) .

(3)

صحيح مسلم بشرح النووي كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب صلاة المسافرين وقصرها ح رقم (687) .

ص: 166

3-

ولأنه لما سقط شطر الصلاة لأجل المشقة في السفر، وجب أن يسقط بالخوف شطر أخر لتزايد المشقة (1) .

القول الثاني: أنه لا يجوز الأخذ بهذه الصفة، وبهذا قال الجمهور (2) .

واستدلوا: بأن الخوف لا ينقص من عدد الركعات شيئا، وإنما تأثيره في هيئة الصلاة وصفتها (3) .

وناقشوا أدلة من جوز هذه الصفة بما يلي:

1-

ناقشوا حديث ابن عباس في صلاة الخوف بذي قرد من وجهين:

الأول: أن هذا الحديث لا يثبت.

الثاني: وعلى فرض ثبوته فإن ابن عباس لم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لصغر سنه فالأخذ برواية من حضرها وصلاها مع النبي صلى الله عليه وسلم أولى، وهي مخالفة لما رواه ابن عباس (4) .

2-

وناقشوا ما جاء عن حذيفة: بأنه أخرج البيهقي من حديث سليم السلولي أن حذيفة صلاها بطبرستان مثل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان (5) وتقدمت صفتها.

(1) الحاوي الكبير (2/460) والمجموع (4/288) .

(2)

الأم (1/217) والحاوي الكبير (2/460) والمجموع (4/288) ونيل الأوطار

(3/322) وكشاف القناع (1/497) والكافي في فقه الإمام أحمد (1/241) والمبسوط (2/46) والتمهيد (15/271) وبداية المجتهد (1/180) وشرح السنة للبغوي (4/286) .

(3)

المستوعب (2/411) وحاشية الروض المربع (2/411) والحاوي الكبير (2/460) والمجموع (4/288) .

(4)

الأم (1/217) والحاوي الكبير (2/460) والمبدع (2/134) والمغني لابن قدامة

(3/316) .

(5)

البيهقي في السنن الكبرى كتاب صلاة الخوف باب من قال يصلي بكل طائفة ركعة ولم يقضوا ح رقم (6047) .

ص: 167

فالأخذ بهذه الرواية موافق للرواية الصحيحة في صلاة الخوف فيحمل حديث حذيفة عليها:

3-

أن المراد بقوله في حديث ابن عباس وحذيفة: (لم يقضوا) أي لم يعيدوا الصلاة بعد الأمن، أو لم يقضوا في علم من روى ذلك (1) .

4-

وناقشوا حديث ابن عباس في أن صلاة الخوف في السفر ركعة: بأن المراد ركعة مع الإمام وركعة أخرى يأتي بها منفردا كما جاء في الأحاديث الصحيحة في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الخوف جمعا بين الروايات (2) .

5-

وناقشوا تعليلهم بأنه لما سقط شطر الصلاة لأجل المشقة في السفر وجب أن يسقط بالخوف الشطر الآخر لتزايد المشقة بأن هذا منتقض بالمرض فإن مشقته أشد ولا أثر له في القصر بالإجماع، ثم يبطل ما ذهبوا إليه بالإمام، فإنه يصلي ركعتين (3) .

والجواب على هذه المناقشة كما يلي:

1-

قولهم أن حديث ابن عباس بذي قرد لا يثبت، فيه نظر فقد صححه الحاكم، ووافقه الذهبي على التصحيح (4) .

(1) نيل الأوطار (3/322) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (5/349، 350) وفتح الباري لابن حجر (2/551) .

(2)

المبسوط (2/46) ونيل الأوطار (3/322) والمجموع (4/288) وشرح صحيح مسلم (5/204) وفتح الباري (2/551) .

(3)

المجموع (4/289) والحاوي الكبير (2/460) .

(4)

المستدرك للحاكم، كتاب صلاة الخوف ح رقم (1246) ج (1/485) والتلخيص بهامشه للذهبي.

ص: 168

وقولهم أن ابن عباس لم ينقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤثر، فقد اتفقت الأمة على قبول رواية ابن عباس ونظرائه من الصحابة مع أن عامتها مرسلة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم ينازع في ذلك أحد من السلف وأهل الحديث والفقهاء (1) .

2-

وأما قولهم أن حذيفة صلاها بطبرستان مثل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان، كما في رواية سليم السلولي عند البيهقي، فيحتمل أن هذه صفة أخرى لصلاة الخوف في طبرستان حيث كان العدو إلى جهة القبلة فصلاها كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بعسفان، ثم هذه الرواية ضعيفة، لأن سليما السلولي مجهول كما قال ابن حزم (2) .

3-

أما قولهم أن المراد بقوله في الحديث (لم يقضوا) أي لم يعيدوا بعد الأمن فقد قال الشوكاني: هذا بعيد جدا (3) ويرد عليهم بحديث ابن عباس عند مسلم (وفي الخوف ركعة)(4) .

فهذا حديث صحيح ذكر أن صلاة الخوف ركعة.

4-

وأما قولهم في حديث ابن عباس الذي جاء فيه (وفي الخوف ركعة) أن المراد ركعة مع الإمام وأخرى يأتي بها متفردا: فإنه مردود بما جاء في حديث ابن عباس بذي قرد، وحديث حذيفة (ولم يقضوا) أي أنهم لم يأتوا بركعة منفردين، وما جاء عن حذيفة أنه أمر بقضاء ركعة، فهذا قد انفرد به الحجاج بن أرطاة (5) وهو ساقط لا تحل الرواية عنه، ثم لو صح لما منع من

(1) شرح ابن القيم لسنن أبي داود بحاشية عون المعبود (4/89) والتلخيص الحبير لابن حجر (2/75) .

(2)

المحلى بالآثار (3/237) .

(3)

نيل الأوطار (3/322) .

(4)

سبق تخريجه.

(5)

الحجاج بن أرطاة بن ثور بن هبيرة بن شراحيل النخعي الكوفي. كان فقيها واحد مفتي الكوفة، وكان فيه تيه، جائز الحديث إلا أنه صاحب إرسال، ويعيب الناس منه التدليس، وحديثه فيه زيادة، قال ابن معين: صدوق ليس بالقوي وقال أبو زرعة: صدوق يدلس، وقال النسائي: ليس بالقوي: (انظر: تهذيب التهذيب (2/172)) ت 365.

ص: 169

رواية الثقات أنهم لم يقضوا بل يكون كل ذلك جائزا (1) .

الترجيح

الذي يظهر بعد ما تقدم من الأدلة، والمناقشة أن هذه الصفة ثابتة لصحة الأحاديث التي جاءت بها، لكن تحمل على الصلاة في شدة الخوف والتحام الجيوش فتصلي ركعة واحدة وتجزئ كما ذهب إلى ذلك بعض أهل العلم من التابعين وغيرهم (2) قال مجاهد (3) في قوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] قال: هذه في حال العدو يصلي راكبا وراجلا يومئ حيث كان وجهه والركعة الواحدة تجزئه (4) ولأن في صلاة شدة الخوف يغتفر ترك الركوع والسجود، فكذلك ترك الركعة والله أعلم.

الحالة الثانية من حالات الخوف: شدة الخوف.

وضابط شدة الخوف هو: إطلال العدو على المجاهدين فيتراءون معا، ولا يدعهم العدو يصلون نازلين بل يهاجمونهم والمجاهدون في غير حصن فينالهم السلام والرمي (5) .

(1) المحلى بالآثار (3/237) .

(2)

الأوسط في السنن (5/28) والإنصاف (1/357) ونيل الأوطار (3/322) وشرح السنة للبغوي (4/285) .

(3)

هو: مجاهد بن جبر، أبو الحجاج المكي الأسود، مولى السائب بن أبي السائب المخزومي شيخ القراء والمفسرين، أخذ القرآن، والتفسير والفقه عن ابن عباس وغيره من الصحابة، ثقة عالم بالقرآن، أجمعت الأمة على إمامة مجاهد والاحتجاج به، مات سنة 101 هـ وقيل غير ذلك. انظر: سير أعلام النبلاء (4/449) وتهذيب التهذيب (10/38) .

(4)

المحلى بالآثار (3/236) .

(5)

الأم للشافعي (1/222) وحاشية سعدي حلبي بهامش فتح القدير (2/67) .

ص: 170

اتفق الفقهاء -فيما أعلم- على أن المجاهدين يصلون رجالا وركبانا إلى القبلة وغير القبلة إيماء بالركوع والسجود، ويجعلون السجود أخفض من الركوع في حال شدة الخوف دون حصول القتال والتحام الجيوش والضرب والطعن (1) . واستدلوا بقوله تعالى:{فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} الآية [البقرة: 239] .

قال ابن عمر رضي الله عنهما (فإن كان خوفا هو أشد.. صلوا رجالا قياما على أقدامهم، أو ركبانا مستقبل القبلة أو غير مستقبليها)(2) .

الحالة الثالثة للخوف: التحام الجيوش وحصول القتال، والضرب والطعن.

اختلف الفقهاء في هذه الحالة، هل يصلي المجاهدون صلاة شدة الخوف أم يؤخرون الصلاة إلى انكشاف القتال؟ إلى قولين:

القول الأول: أنهم يصلون صلاة شدة الخوف رجالا أو ركبانا إلى القبلة أو إلى غيرها يؤمئون بالركوع والسجود على حسب استطاعتهم وقدرتهم ولا يتركون الصلاة مطلقا.

(1) الاختيار للموصلي (1/89) وفتح القدير (2/64) والبناية على الهداية (3/201) وحاشية الدسوقي (1/393) والمدونة للإمام مالك (1/162) والذخيرة (1/441) والأم (1/222) والحاوي الكبير (2/470) وروضة الطالبين (2/60) ومغني المحتاج

(1/578) والمستوعب (2/417) والمحرر في الفقه (1/138) والمغني (3/316) والمبدع (2/136) وكشاف القناع (1/499) والمحلى بالآثار (3/236) .

(2)

صحيح البخاري مع الفتح، كتاب التفسير باب (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا..) ح رقم (4535) قال الإمام مالك عن نافع: لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انظر: موطأ الإمام مالك، كتاب صلاة الخوف، ص (131) وقال ابن حجر في الفتح: اختلف في قوله (فإن كان خوفا أشد..) هل هو: مرفوع أم موقوف على ابن عمر، والراجح وقفه. انظر: فتح الباري (2/550) .

ص: 171