الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
ولأن الرخصة التي وردت في الخفاف المصنوعة من الجلود للحاجة، فلا يصح في غيرها لعدم الحاجة (1) .
ويمكن مناقشة ما استدلوا به بما يلي:
1-
أن الخف المصنوع من غير الجلد يأخذ حكم المصنوع من الجلد، إذا توافرت فيه الشروط فلا سبيل لحصر جواز المسح على ما صنع من الجلود فقط.
2-
أن الحاجة داعية إلى المسح على الخف المصنوع من غير الجلد، كالمصنوع من الجلد.
وبهذا يظهر رجحان ما ذهب إليه الجمهور من جواز المسح على الخف المصنوع من غير الجلد؛ لأن الخف المصنوع من غير الجلد في حكم المصنوع من الجلد، وعلى هذا فيجوز للمجاهد أن يمسح على الخفاف المصنوعة من البلاستيك، وهو ما يعرف بالبسطار، أو غير ذلك إذا تحققت الشروط والله أعلم
الفرع الرابع
توقيت المسح على الخفين للمجاهد في سبيل الله
اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في توقيت المسح على الخفين إلى قولين:
القول الأول: أن المسح على الخفين مؤقت بيوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام ولياليها للمسافر، مجاهدا في سبيل الله أو غيره، وبهذا قال جمهور الفقهاء (2) .
واستدلوا بما يلي:
1-
ما جاء عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما سئل عن المسح على الخفين فقال: (جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم)(3) .
(1) المبدع (1/146) .
(2)
الاختيار للموصلي (1/24) والبحر الرائق (1/298) وحاشية ابن عابدين (1/456) وروضة الطالبين (1/131) والأم (1/34) والوسيط في المذهب (1/404) والحاوي
…
(1/354) والشرح الكبير (1/71) والمبدع (1/141) والمغني لابن قدامة (1/365) والمحلى بالآثار لابن حزم (1/325) .
(3)
صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الطهارة باب التوقيت في المسح على الخفين ح رقم (276) .
2-
عن صفوان بن عسال (1) رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة ولكن من بول، وغائط، ونوم)(2) .
فالحديثان دلَاّ على أن المسح على الخفين مؤقت بيوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليها للمسافر وأن المسح في الحدث الأصغر دون الأكبر.
القول الثاني: أنه يجوز المسح على الخفين دون توقيت.
وبهذا قال المالكية (3) وهو قول عند الشافعية (4) .
واستدلوا بما يلي:
1-
ما رواه أبي بن عمارة (5) رضي الله عنه أنه قال: (يا رسول الله أمسح على الخفين؟ قال: نعم قال: يوما، قال: ويومين، قال: ويومين،
(1) هو صفوان بن عسال المرادي من بني زاهر بن عامر، سكن الكوفة وله صحبة غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة غزوة انظر الإصابة (3/353) ت (4100) وأسد الغابة (2/409) ت (2515) .
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الطهارة باب التوقيت في المسح على الخفين ح رقم (1310) والترمذي في سننه كتاب الطهارة باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم ح رقم (96) وقال عنه: حديث حسن صحيح ونقل قول البخاري: أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان بن عسال. انظر عارضه الأحوذي بشرح الترمذي (1/120) . وأخرجه النسائي في سننه بشرح السيوطي كتاب الطهارة باب التوقيت في المسح على الخفين، ح رقم (126) وانظر نصب الراية (1/168) .
(3)
المدونة (1/41) والكافي في فقه أهل المدينة المالكي (1/176) والذخيرة (1/323) .
(4)
الحاوي (1/353) وشرح صحيح مسلم للنووي (1/179) .
(5)
هو أبي بن عمارة بكسر العين وقيل بضمها والأول أشهر صحابي سكن مصر له حديث واحد في المسح على الخفين وفي إسناد حديثه اضطراب انظر الإصابة (1/179) ت رقم (29) وتهذيب التهذيب (1/163) ت رقم (349) .
قال: وثلاثة، قال: نعم، وما شئت) (1) .
وجه الدلالة: أن قوله (وما شئت) يدل على عدم التوقيت في المسح بالأيام المذكورة.
ونوقش هذا الاستدلال: بأن هذا صحيح إذا نزع خفيه كل ثلاث، وليس الأمر باستدامته ما شاء دون نزع بعد المدة (2) .
2-
حديث خزيمة (3)
رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (امسحوا على الخفاف ثلاثة أيام ولو استزدناه لزادنا)(4) .
(1) أخرجه أبو داود في سننه مع شرح عون المعبود، كتاب الطهارة باب التوقيت في المسح، ح (158) وقال عنه: قد اختلف في إسناده، وليس بالقوي، وأخرجه الدارقطني في سننه كتاب الطهارة، باب الرخصة في المسح على الخفين ح رقم (755) وقال: هذا الإسناد لا يثبت فيه عبد الرحمن، ومحمد بن يزيد، وأيوب بن قطن مجهولون كلهم، ورواه البيهقي في السننن الكبرى، كتاب الطهارة باب ما ورد في ترك التوقيت ح رقم (1328) .
قال ابن العربي في عارضة الأحوذي في طريق ضعفاء ومجاهيل (1/119) وقال النووي: وهو حديث ضعيف باتفاق أهل الحديث. انظر: شرح صحيح مسلم (3/179) وانظر نصب الراية (1/177) .
(2)
الحاوي الكبير (1/355) .
(3)
هو: خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة الأنصاري الأوسي شهد بدرا وما بعدها، وقيل: أول مشاهدة أحد. جعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين قتل في صفين رضي الله عنه.
انظر الإصابة (2/239) ت رقم (2256) وأسد الغابة (1/610) ت رقم (1446) .
(4)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الطهارة باب ما ورد في ترك التوقيت بأسانيد مختلفة (1/417) والترمذي كتاب الطهارة باب المسح على الخفين للمسافر والمقيم، ح رقم (95) ولم يذكر (ولو استزدناه لزادنا) وأخرجه ابن ماجه كتاب الطهارة وسننها، باب ما جاء في التوقيت في المسح، ح رقم (553) ولم يذكر الزيادة، وأبو داود في سننه، كتاب الطهارة، باب التوقيت في المسح، ح رقم (157) ولم يذكر الزيادة أيضا، وذكر في نصب الراية أن فيه ثلاثة علل: الاختلاف في الإسناد والانقطاع وأن أبي عبد الله الجدلي لا يعتمد على روايته. انظر نصب الراية (1/175) .
وجه الدلالة: أن قوله (ولو استزدناه لزادنا) يدل على أن التحديث بثلاثة أيام غير مراد به التوقيت.
ونوقش بأنه لا دليل فيه على عدم التوقيت، لأنه ما استزاده ولو استزاده لجاز أن لا يزيده (1) .
3-
ما جاء عن عمر رضي الله عنه (أنه سأل عقبة بن عامر (2) وقد قدم يبشر الناس بفتح دمشق متى عهدك بالمسح؟ قال: سبعا، قال عمر رضي الله عنه: أصبت السنة) (3) .
وجه الدلالة أن قول عقبة: سبعا، وقول عمر: أصبت السنة، يدل على عدم التوقيت بأيام معدودة.
ونوقش هذا بما يلي:
(1) الحاوي الكبير (1/355) .
(2)
هو: عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو بن عدي الجهني، من أحسن الناس صوتا بالقرآن، شهد فتوح الشام وكان البريد إلى عمر بفتح دمشق كان من أصحاب معاوية ولاه مصر وسكنها وتوفي بها سنة 58 هـ انظر أسد الغابة (3/550) ت رقم
…
(3705) وتهذيب الأسماء واللغات (1/336) ت رقم (414) .
(3)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى كتاب الطهارة باب ما ورد في ترك التوقيت ح رقم (1332) و (1333) و (1334) وقال: الرواية عن عمر في ذلك مشهورة، وأخرجه الدارقطني في سننه، كتاب الطهار، باب الرخصة في المسح على الخفين، ح رقم (756) رقم (757) قال ابن العربي: هذا حديث غريب ونقل قول أبو الحسن: أنه صحيح الإسناد انظر عارضة الأحوذي (1/119) وقال الحاكم حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي انظر المستدرك كتاب الطهارة ح رقم (641) والتلخيص بهامشه للذهبي ونصب الراية (1/179) .
أ- أنه يحتمل أن يكون السؤال والجواب عن لبس الخف مع مراعاة التوقيت (1) .
ب- أنه قد روي عن عمر رضي الله عنه التوقيت، فإما أن يكون رجع إليه حين جاءه التثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في التوقيت، وإما أن يكون قوله: أصبت السنة، هو الموافق للسنة المشهورة في التوقيت (2) .
الترجيح
الذي يظهر بعد عرض الأدلة والمناقشة، أن الراجح قول الجمهور في توقيت المسح على الخفين بثلاثة أيام ولياليها للمسافر، ويوم وليلة للمقيم، لقوة ما استدلوا به من الأحاديث الصحيحة وضعف أدلة عدم التوقيت.
لكن إذا كان يلحق المجاهد ضرر بخلع الخف بعد مضي الوقت المحدد، كالخوف على نفسه من العدو، أو خوف فوات العدو، فإنه يجوز له أن يمسح على الخفين بعد مضي المدة للضرورة.
وهذا ما أفتى به ابن تيمية رحمه الله:
جاء في الفتاوى ما ملخصه: لو خاف الضرر من برد شديد، أو فوات الرفقة، أو خوف العدو متى خلع خفه بعد مضي الوقت، فإنه يمسح عليها للضرورة (3) والله أعلم.
(1) شرح السندي على سنن ابن ماجه (1/314) .
(2)
سنن البيهقي (1/421) .
(3)
مجموع الفتاوى (21/177) .