الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجاء في تفسير الطبري: المجاهدون هم: المستفرغون طاقاتهم في قتال أعداء الله وأعداء دينه (1) .
وفي الذخيرة المجاهد هو: من اجتمعت له الشروط والأسباب، وانتفت عنه الموانع (2) . والذي يظهر مما تقدم: أن المجاهد هو: من اجتمعت فيه الشروط وانتفت عنه الموانع فاستفرغ وسعه في قتال أعداء الله لتكون كلمة الله هي العليا.
فاجتماع الشروط أي: شروط وجوب الجهاد في حال طلب العدو وابتدائهم بالقتال وهي: الإسلام والبلوغ والعقل والحرية والذكورة والاستطاعة وسيأتي تفصيلها قويا إن شاء الله.
وانتفاء الموانع أي: انتفت موانع الجهاد وهي: الكفر والصغر والجنون والرق والأنوثة والعجز بدنيا أو ماليا. والله أعلم.
المطلب الثاني
شروط المجاهد
يشترط في المجاهد في حالة طلب العدو وابتدائهم بالقتال ستة شروط؛ هي شروط التجنيد في الجيش الإسلامي.
الشرط الأول أن يكون المجاهد مسلما (3) خرج بذلك الكافر.
(1) جامع البيان للطبري (4/229) .
(2)
الذخيرة للقرافي (3/397) .
(3)
المقدمات الممهدات (1/352) والمغني (13/8) ومعونة أولي النهى (3/585) والوسيط في المذهب للغزالي (7/16) .
يدل على ذلك ما يلي:
1-
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف: 10، 11] .
2-
وجه الدلالة من الآيات: أن الخطاب بالجهاد متوجه إلى المؤمنين دون الكافرين، لأن الكافرين غير مأمونين في الجهاد (1) .
3-
عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل مقنع بالحديد فقال: يا رسول الله أقاتل أو أسلم؟ قال: «أسلم ثم قاتل» فأسلم ثم قاتل فقتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «عمل قليلاً وأجر كثيرًا» )(2) .
الشرط الثاني أن يكون المجاهد بالغا (3) خرج بذلك الصبي فلا جهاد عليه.
(1) المغني (13/8) .
(2)
سبق تخريجه ص 51.
(3)
بداية المجتهد (1/384) والبحر الرائق (5/121) وحاشية ابن عابدين (6/201) ومعونة أولى النهى (3/585) والحاوي الكبير (14/115) .
يدل على ذلك ما يلي:
1-
قوله تعالى: {ليس على - حرج} [التوبة: 91] .
وجه الدلالة: أن الصبي ضعيف البنية، ضعيف في معرفة القتال فلا حرج عليه ولأنه مظنة الرحمة، فلا يؤتي به إلى المهلكة (1) .
2-
ما جاء عن ابن عمر (2) رضي الله عنهما قال: (عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة فلم يجزني في المقاتلة)(3) .
الشرط الثالث أن يكون المجاهد عاقلا (4) .
فلا يتوجه فرض الجهاد إلى المجنون لقوله صلى الله عليه وسلم «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل» (5) .
ولا يؤذن للمجانين في الخروج إلى الجهاد، لأن خروجهم ضار ولا يتأتى منهم الجهاد.
(1) تبيين الحقائق (3/241) والمغني (13/8) .
(2)
هو: عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، أسلم مع أبيه وهو صغير لم يبلغ الحلم لم يشهد بدرا لصغر سنة وشهد ما بعدها، كان شديد الحرص على اتباع السنة شديد الاحتياط في الفتوى توفي سنة 73 هـ وقيل غير ذلك انظر أسد الغابة (3/236) ت رقم (3080) والإصابة (4/155) ت رقم (4852) .
(3)
صحيح مسلم بشرح النووي كتاب الإمارة باب بيان سن البلوغ ح رقم 91-
…
(1868) .
(4)
المقدمات الممهدات (1/352) والحاوي الكبير (14/116) وتكملة المجموع (21/122) والمغنى (13/8) والبحرالرائق (5/121) .
(5)
سنن أبي داود مع عون المعبود، كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدا رقم (4392) قال المنذري منقطع لأن فيه أبو الضحى لم يدرك علي بن أبي طالب انظر: عون المعبود (12/51) وأخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الطلاق باب طلاق المعتوه، والصغير والنائم ح رقم (2041) و (2042) .
الشرط الرابع: أن يكون المجاهد حرا (1) .
فلا يجب على الرقيق ولو أمره به سيده، إذ لا حق له في روحه حتى يغرر به ويعرضه للهلاك، ولسيده أن يستصحبه للخدمة.
يدل على ذلك حديث جابر (2) رضي الله عنه (أن عبدا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم فبايعه على الجهاد والإسلام، فقدم صاحبه فأخبره أنه مملوك، فاشتراه صلى الله عليه وسلم منه بعبدين، فكان بعد ذلك إذا أتاه من لا يعرفه ليبايعه سأله أحر هو أم عبد؟ فإن قال: حر بايعه على الإسلام والجهاد، وإن قال: مملوك بايعه على الإسلام دون الجهاد)(3) .
الشرط الخامس: أن يكون المجاهد ذكرا (4) .
فلا يجب على المرأة ولا الخنثى المشكل (5) .
(1) تبيين الحقائق (3/241) والمقدمات الممهدات (1/352) وتكملة المجموع (21/122) والوسيط في المذهب (7/8) والمغني (13/8) ومعونة أولي النهى (3/585) .
(2)
هو جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري الخزرجي السلمي شهد العقبة الثانية مع أبيه وهو صبي ولم يشهد بدرا لصغر سنه، وشهد أحدا، وقيل منعه أبوه فلما قتل أبوه في أحد لم يتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة قط، توفي سنة 74 هـ وقيل: غير ذلك: انظر: الإصابة (1/546) ت رقم (1028) وأسد الغابة (1/307) ت رقم (647) .
(3)
قال ابن حجر في التلخيص الحبير: أخرجه النسائي وأصله في صحيح مسلم (4/91) والذي وجدت في النسائي لفظه: (جاء عبد فبايع النبي صلى الله عليه وسلم على الهجرة، ولا يشعر النبي صلى الله عليه وسلم أنه عبد، فجاء سيده يريده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (بعنيه فاشتراه بعبدين أسودين، ثم لم يبايع أحدا حتى يسأله أعبد هو؟)) كتاب البيعة باب بيعة المماليك ح رقم (4195) ، وأخرجه مسلم مع شرح النووي، كتاب المساقاة، باب جواز بيع الحيوان من جنسه متفاضلا ح رقم (1602) .
(4)
فتح القدير لابن الهمام (5193) والبحر الرائق (5/121) وبداية المجتهد (1/384) والحاوي (14/115) وتكملة المجموع (21/121) والمقدمات الممهدات (1/352) .
(5)
الخنثى المشكل: من له إحليل ذكر وفرج أنثى ولم يعرف حاله ذكرا أم أنثى. انظر لباب الفرائض ص 59 والتحقيقات المرضية ص 205.
أما المرأة فلما يأتي:
1-
أن الجهاد لا يتأتى للمرأة إلا بضد ما أمرت به من الستر، والقرار في البيت في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب: 59] .
وفي قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى} [الأحزاب: 33] .
2-
عن عائشة (1) رضي الله عنها قالت: استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد، فقال:(جهادكن الحج)(2) .
3-
ولأنها ليست من أهل الجهاد لضعفها وخورها (3) .
أما الخنثى المشكل: فلا يجب عليها لأنه يجوز أن تكون امرأة ومع الشك لا يجب عليها الجهاد (4) .
الشرط السادس أن يكون المجاهد مستطيعا (5) .
(1) هي: أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة وعمرها ست سنوات وبني بها بالمدينة وعمرها تسع سنوات، كانت من أفقه الناس وأحسنهم رأيا روت عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا، توفيت سنة 57 هـ انظر: الإصابة (8/231) ت رقم (11461) وأسد الغابة (6/188) ت رقم (7085) .
(2)
البخاري مع الفتح، كتاب الجهاد والسير، باب جهاد النساء ح رقم (2875) .
(3)
المغني لابن قدامة (13/9) .
(4)
المجموع (21/121) والمغني (13/9) والحاوي (14/114) .
(5)
المقدمات الممهدات (1/353) والذخير للقرافي (3/393) وحاشية ابن عابدين (6/205) وفتح القدير (5/194) وتكملة المجموع (21/126) والحاوي الكبير (14/120، 117) والمغني لابن قدامة (13/9) وكشاف القناع (2/364) .
والاستطاعة تكون في جانبين:
الجانب الأول:
الاستطاعة البدنية بأن يكون سليما، فلا يجب الجهاد على المريض ولا على الأعمى ولا على الأعرج ولا على الأشل، ومن في حكمهم.
يدل على ذلك ما يلي:
1-
قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور: 61] .
جاء في سبب نزول الآية، أنها نزلت في الجهاد، والمراد: لا إثم عليهم في ترك الجهاد لضعفهم وعجزهم (1) .
2-
ولأن هؤلاء لا قدرة لهم على القتال فلا يكلفون ما لا طاقة لهم به (2) .
الجانب الثاني:
الاستطاعة المالية، وهذا الجانب محمول على من لم يكن لهم ديوان (3) جند يعطون منه السلاح والنفقة والمركوب.
قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ} [التوبة: 91] .
(1) تفسير ابن كثير (3/294) وأحكام القرآن لابن العربي (3/421) .
(2)
تكملة المجموع (21/127) .
(3)
هو الدفتر الذي يكتب فيه أسماء الجيش، وأهل العطاء، وأول من دون الديوان عند المسلمين عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
انظر لسان العرب (13/166) مادة (دون) والمعجم الاقتصادي الإسلامي ص (174) .