الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أفطر من أجل إنقاذ غريق ونحوه.
قال الشوكاني: ووجوب الإفطار لخشية التلف معلوم من قواعد الشريعة كلياتها وجزئياتها كقوله تعالى: {تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] وقوله {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] وقوله صلى الله عليه وسلم «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (1) .
وحفظ النفس واجب ولم يتعبد الله عباده بما خشي منه تلف الأنفس، وقد رخص لهم في الإفطار في السفر، لأنه مظنة المشقة، فكيف لا يجوز لخشية التلف أو الضرر (2) .
ومما تقدم يظهر جواز إفطار المجاهد المقيم ليتقوى على جهاد الإعداء ويحمي المسلمين وأعراضهم وأموالهم، بل إنه قد يجب عليه أن يفطر لأمر النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه عند ما قربوا من لقاء العدو بأن يفطروا فأفطروا جميعا (3) والله أعلم.
الفرع الثالث
إجبار المجاهد على الفطر في نهار رمضان
المقصود من هذا أن المجاهد في سبيل الله إذا كان صائما في رمضان وتحقق لقاء العدو وعلم القائد، أو ولي الأمر، أو غلب على الظن أن هذا الصوم يوهن من عزيمة المجاهد ويضعفه عن الجهاد ويلحق به الضرر وبالمسلمين، فإن القائد أو ولي الأمر إجبار المجاهد في هذه الحالة على الإفطار في نهار رمضان.
ويلزم المجاهد الطاعة لمن أمره بالإفطار لتحقق المصلحة، لأن الفطر يصبح في حقه في مثل هذه الحالة عزيمة (4) .
(1) سبق تخريجه.
(2)
السيل الجرار (2/125) .
(3)
سبق تخريجه.
(4)
في اللغة: العزم الجد، وعزم على الأمر أراد فعله. انظر: لسان العرب (12/399) مادة عزم، وفي الشرع حكم ثابت بدليل شرعي خال عن معارض راجح. انظر: شرح الكوكب المنير لابن النجار (1/476) .
قال الشوكاني رحمه الله (إذا كان لقاء العدو متحققا فالإفطار عزيمة، لأن الصائم يضعف عن منازلة الأقران ولا سيما عند غليان مراجل الضرب والطعان ولا يخفى ما في ذلك من الإهانة للجنود والمحقين وإدخال الوهن على عامة المجاهدين من المسلمين)(1) .
والدليل على ذلك ما يلي:
1-
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ونحن صيام قال: فنزلنا منزلا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم» فكانت رخصة فمنا من صام ومنا من أفطر، ثم نزلنا منزلا آخر فقال:«إنكم مصبحوا عدوكم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا» وكانت عزمة فأفطرنا.. (2) .
في هذا الحديث أمور تدعو إلى وجوب الإفطار:
فمن ذلك قرب لقاء العدو (إنكم مصبحوا عدوكم) .
ومنها أيضا، أن على الإفطار هي التقوي على الأعداء، ففيه دليل على أن صيام المجاهد يضعفه ويوهن عزمه عند اللقاء.
ومنها أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإفطار وهذا أمر مطلق يدل على الوجوب وقد استجاب الصحابة رضي الله عنهم فأفطروا جميعا.
2-
ولأن مصلحة الأمة في الانتصار على العدو وحماية النفوس والأموال والأعراض أعظم من مواصلة الصيام الذي قد يؤدي إلى الهزيمة واستباحة بيضة الإسلام، وإذا كانت المرضع تجبر على الإفطار في رمضان لمصلحة الولد (3) فمصلحة الأمة أولى في إجبار المجاهد على الإفطار. والله أعلم.
(1) نيل الأوطار (4/226) وعون المعبود شرح سنن أبي داود (7/31) .
(2)
سبق تخريجه.
(3)
معونة أولي النهى (3/37) وحاشية الروض المربع (3/379) .