الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
أحكام المجاهد في قصر الصلاة وجمعها
، وفيه مطلبان:
المطلب الأول: قصر الصلاة للمجاهد
.
المطلب الثاني: الجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما.
المطلب الأول
قصر الصلاة للمجاهد، وفيه أربعة فروع:
الفرع الأول: قصر الصلاة للطيارين الذين يقومون بدوريات على الثغور
.
الفرع الثاني: قصر الصلاة في السفن الحربية الثابتة في البحر.
الفرع الثالث: قصر الصلاة في السفن الحربية المتحركة في البحر.
الفرع الرابع: قصر الصلاة للمجاهد وهو في الأسر.
الفرع الأول
قصر الصلاة للطيارين الذين يقومون بدوريات على الثغور (1) .
يجوز للطيارين الذين يقومون بالدوريات على الثغور قصر الصلاة الرباعية إذا تجازوا بطائراتهم المسافة التي يقصر عندها المسافر وهي أربعة برد (2) يمانية وأربعون ميلا تقريبا.
(1) الثغر: هوالموضع الذي يكون حدا فاصلا بين المسلمين والكفار وهو موضع المخافة من أطراف البلاد انظر: لسان العرب (4/103) مادة ثغر وطلبة الطلبة ص 196.
(2)
البريد كل سكة منها اثنا عشر ميلا وهي ستة عشر فرسخا، والفرسخ ثلاثة أميال، وتساوي بالكيلو متر المعروف الآن حوالي ثمانين كيلو متر، لأن من مكة إلى عسفان يساوي ذلك تقريبا.
انظر: لسان العرب مادة برد (3/86) وانظر: توضيح الأحكام (2/373) .
بناء على ما ذهب إليه جمهور الفقهاء في تحديد السفر الذي يقصر عنده المسافر بالمسافة (1) .
واستدلوا بما يلي:
1-
ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان» (2) .
2-
ما جاء عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما (أنهما كانا يقصران في أربعة برد)(3) .
3-
أنها مسافة تجمع مشقة السفر في الحل والشد فجاز القصر فيها (4) .
(1) الكافي في فقه أهل المدينة (1/244)، ومواهب الجليل (2/490) والمدونة (1/119) والمجموع (4/212) وروضة الطالبين (1/385) والحاوي الكبير (2/360) والمستوعب (2/289) والشرح الكبير (1/431) والمبدع (2/107) والمغني (3/105) وقال الحنفية: المسافة التي يقصر عندها المسافر مسيرة ثلاثة أيام، سير الأبل ومشي الأقدام. واستدلوا بما جاء في صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الصلاة، ح رقم
…
(1086) قال صلى الله عليه وسلم (لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم) وجه الدلالة: أن مدة السفر لو لم تكن مقدرة بثلاثة أيام لم يكن لتخصيص الثلاثة معنى. انظر: بدائع الصنائع (1/262) وتبيين الحقائق (1/209) ونوقش: بأن الحديث ورد لنهي المرأة عن السفر وحدها ولم يرد لبيان مسافة القصر، انظر: الحاوي الكبير (2/361) .
(2)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة باب السفر الذي لا تقصر في مثله الصلاة ح رقم (5404) قال البيهقي هذا حديث ضعيف، إسماعيل بن عياش لا يحتج به، وعبد الوهاب بن مجاهد ضعيف، والصحيح أن ذلك من قول ابن عباس. وأخرجه الدارقطني في سننه باب قدر المسافة التي تقصر في مثلها الصلاة ح رقم (1432) ومالك في الموطأ، كتاب قصر الصلاة ص (110) قال ابن حجر: والصحيح عن ابن عباس من قوله، وإسناده صحيح انظر التلخيص الحبير (2/46) .
(3)
أخرجه البخاري كتاب تقصير الصلاة، باب في كم يقصر الصلاة تعليقا، قال ابن حجر في الفتح: وصله ابن المنذر من رواية يزيد ابن أبي حبيب عن عطاء ابن أبي رباح، انظر: فتح الباري (2/721) .
(4)
الكافي في فقه الإمام أحمد (1/227) والمغني (3/108) .
ونوقشت هذه الأدلة بما يلي:
1-
أن حديث ابن عباس ضعيف (1) .
والجواب أنه روي عن ابن عباس موقوفا بسند صحيح (2) والموقوف له حكم المرفوع، لأن مثله في تحديد المسافة التي يقصر عندها المسافر لا يقال بالرأي.
2-
أن أكثر الروايات عن ابن عمر وابن عباس مخالفة لما قالا به هنا، فلا يؤخذ ببعض أقوالهما ويترك البعض الأخر (3) .
والجواب: أن ما روي عنهما في جواز القصر في أقل من أربعة برد محمول على أن المسافر يقصر إذا خرج من البلد ميلا، أو فرسخا وهو مسافر سفرا طويلا، لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم (صلى الظهر بالمدينة أربعا، والعصر بذي الحليفة ركعتين)(4) .
وعلى القول الثاني الذي ذهب إليه ابن تيمية، وابن القيم، وابن حزم، وابن قدامة، وغيرهم من أنه لا تحديد لمسافة السفر الذي تقصر عنده الصلاة، وإنما يرجع في معرفة السفر إلى العرف (5) فما تعارف عليه الناس أنه سفر قصرت الصلاة فيه وإلى اللغة فما عرفه أهل اللغة بأنه سفر قصرت الصلاة فيه (6) وعلى هذا القول يجوز
(1) المجموع (4/213) وفتح الباري (2/721) .
(2)
انظر التلخيص الحبير (2/46) وفتح الباري (2/721) .
(3)
مجموع الفتاوى لابن تيمية (24/126) وفتح الباري (2/721) .
(4)
أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح، كتاب تقصير الصلاة، باب يقصر إذا خرج من موضعه ح رقم (1089) .
(5)
العرف هو: ما استقرت النفوس عليها بشهادة العقول، وتلقته الطبائع بالقبول، انظر التعريفات للجرجاني ص 193.
(6)
مجموع الفتاوى (24/12) والمحلى بالأثار (13/213) والمغنى (3/108) والشرح الممتع (4/497) .
للطيارين الذين يقومون بدوريات على الثغور قصر الصلاة الرباعية في أقل من أربعة برد، إذا كان سفرا في عرف الناس أو أهل اللغة.
واستدلوا بما يلي:
1-
أن التقدير بمسافة يترخص عندها المسافر لم يرد به دليل (1) .
ويمكن مناقشة هذا: بما جاء عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنه أنهما لا يقصران الصلاة في أقل من أربعة برد، وهذا في حكم المرفوع، لأنهما لن يقولا في تحديد المسافة بالرأي، ثم إنه قد جاء عن ابن تيمية، وابن حزم ما يدل على أن القصر لا يكون إلا إلى مسافة، قال ابن تيمية:(وقد بينت السنة القصر في مسافة بريد، وأما ما دون البريد كالميل فلا يقصر فيه)(2) .
2-
أن أقوال الصحابة التي جاء فيها التحديد متعارضة ومختلفة، فلا حجة فيها مع الاختلاف (3) .
ويمكن مناقشة هذا: بأنه لا تعارض في أقوال الصحابة، فما جاء عنهم في القصر دون أربعة برد محمول على أنهم إذا خرجوا مسافة أقل من أربعة برد في سفر طويل بدءوا القصر.
الترجيح
بعد ذكر الأقوال والأدلة ومناقشة ما أمكن مناقشته يظهر أن الراجح هو القول الأول، أنه لا يجوز قصر الصلاة في مسافة أقل من أربعة برد (ثمانية وأربعون ميلا) تقريبا لما سبق من الأدلة، ولأن الرجوع في تحديد السفر إلى العرف ليس بدقيق لاختلاف الأعراف من زمن إلى زمن ومن بلد إلى بلد.
(1) المحلى بالأثار (13/201) ومجموع الفتاوى (24/38) .
(2)
مجموع الفتاوى (24/48) والمحلى بالآثار (13/213) .
(3)
المغنى (3/109) والشرح الممتع (4/497) .