الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع السادس
الاستعانة بالكفار في قتال العدو
(1)
اتفق الفقهاء رحمهم الله تعالى -فيما أعلم- أنه يجوز الاستعانة بالكفار في قتال العدو عند الضرورة إلى ذلك (2) لمقتضى القاعدة الفقهية المشهورة (الضرورات تبيح المحظورات)(3) .
واختلفوا في الاستعانة بهم لغير ضرورة إلى قولين:
القول الأول: يحرم الاستعانة بهم لغير ضرورة، وبهذا قال: المالكية (4) والصحيح من مذهب الحنابلة (5) وابن حزم (6) .
واستدلوا بما يلي:
1-
قوله تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران: 28] .
(1) الاستعانة بالكفار إما أن يكون بالنفس وهذا المراد هنا، أو يكون بغير النفس كشراء الأسلحة التي لا توجد عند المجاهدين أو استئجارها أو استعمالها ولا خلاف بين الفقهاء في جواز شراء الأسلحة من العدو أواستئجارها، أو الاستعانة بهم في كيفية استعمالها وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله.
(2)
المبسوط (10/24) وبدائع الصنائع (6/63) والذخيرة (3/406) والتاج والإكيل شرح مختصر خليل بهامش مواهب الجليل (4/545) والأم (4/166) روضة الطالبين
…
(10/239) والمغني (13/98) والإنصاف (4/143) وكشاف القناع (2/289) والمحلى بالآثار (5/399) .
(3)
الأشباه والنظائر للسيوطي ص 173.
(4)
المدونة (2/40) وحاشية الدسوقي (2/178) .
(5)
كشاف القناع (2/388) والإنصاف (4/143) .
(6)
المحلى بالآثار (5/399) .
جاء في سبب نزول هذه الآية: أن عبادة بن الصامت (1) رضي الله عنه كان له حلفاء من اليهود، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب قال عبادة: يا نبي الله إن معي خمسمائة رجل من اليهود وقد رأيت أن يخرجوا معي فاستظهر بهم على العدو، فنزلت هذه الآية (2) وهذا دليل على عدم جواز الاستعانة بهم في القتال.
2-
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: 57] .
وجه الدلالة: أن هذه الآية وغيرها من الآيات التي تنهي عن مولاة الكفار تضمنت المنع من التأييد والانتصار بالمشركين (3) .
3-
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى بدر فتبعه رجل من المشركين فقال: (أتؤمن بالله ورسوله، قال: لا قال: فارجع فلن استعين بمشرك)(4) .
وجه الدلالة: أن الحديث جاء عام في كل مشرك، فلا يجوز الاستعان بهم في قتال العدو.
4-
أن الكافر لا يؤمن مكره وغائلته لخبث طويته فلا يستعان به (5) .
ونوقش الاستدلال بهذه الأدلة بما يلي:
(1) هو: عبادة بن الصامت بن قيس الخزرجي الأنصاري، أبو الوليد، شهد بدرا والمشاهد كلها بعد بدر، من النقباء الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا، وروي عنه جمع من الصحابة ولي قضاء فلسطين توفي سنة 34 هـ وقيل: غير ذلك.
انظر: الإصابة (3/505) ت رقم (4515) وأسد الغابة (6/56) ت رقم (2789) .
(2)
أسباب النزول للنيسابوري ص (73) .
(3)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (6/210) .
(4)
صحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الجهاد والسير، باب كراهية الاستعانة في الغزو بالكفار، ح رقم (1817) .
(5)
المغني (13/98) وكشاف القناع (2/389) .
1-
أن أدلة المنع من الاستعانة بالكفار كانت في بدر، ثم رخص في الاستعانة بهم بعد ذلك (1) .
ويمكن الجواب عن هذا: بأن الأصل المنع، وهو باق لعدم الدليل على الرخصة.
2-
أما حديث عائشة رضي الله عنها فإن الذي رده النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر تفرس فيه الرغبة في الدخول في الإسلام، فرده رجاء أن يسلم، وقد صدق ظنه وأسلم (2) .
والجواب عن هذا: بأن الحديث قوي وعام فلا دليل يمانعه، ولا مخصص يخصصه (3) وإن وجد حالات استعانة بالكفار فهي محمولة على الضرورة.
القول الثاني: يجوز الاستعانة بالكفار في قتال العدو، وبهذا قال الحنفية، وشرطوا: أن يكون حكم الإسلام هو الغالب (4) والشافعية، وشرطوا: أن يعرف الإمام حسن رأيهم في المسلمين، ويأمن خيانتهم (5) ورواية عند الحنابلة (6) .
واستدلوا بما يلي:
1-
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهود قينقاع (7) فرضخ لهم (8) ولم يسهم لهم) (9) .
(1) التلخيص الحبير (4/101) والأم (4/167) .
(2)
المبسوط (10/23) وسبل السلام (4/97) وفتح الباري (6/221) .
(3)
فتح الباري (6/221) .
(4)
المبسوط (10/24) ومختصر اختلاف العلماء للطحاوي (3/428) .
(5)
روضة الطالبين (10/239) والحاوي الكبير (14/131) .
(6)
المغني (13/98) والإنصاف (4/143) .
(7)
من قبائل اليهود في المدينة وهم إسرائيليون نزحوا إلى جزيرة العرب ونزلوا المدينة واتخذوا بها سوقا عرف باسمهم ومنزلهم بزهرة انظر: يثرب قبل الإسلام ص 47 وعمدة الاخبار في مدينة المختار ص (39) .
(8)
الرضخ: العطية القليلة من المال، انظر: لسان العرب (3/19) مادة (رضخ) .
(9)
أخرجه الترمذي مع عارضة الأحوذي، كتاب السير، باب ما جاء في أهل الذمة يغزون مع المسلمين ج (7/39) والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب السير، باب ما جاء في الاستعانة بالمشركين ج (9/63) وقال: لم أجده إلا من حديث الحسن بن عمارة وهو ضعيف، وانظر: نصب الراية (3/422) والتلخيص الحبير (4/100) .
ونوقش هذا: بأن الحديث ضعيف، ولو صح فهو محمول على الاستعانة بهم للضرورة (1) .
2-
ماروي (أن صفوان بن أمية (2) شهد حنينا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو مشرك) (3) .
ونوقش هذا: بأن صفوان خرج دون أن يطلب أحد منه الخروج (4) .
3-
إن الاستعانة بالكفار على الكفار زيادة كبت وغيظ لهم، والاستعانة بهم كالاستعانة بالكلاب على الكفار (5) .
ويمكن مناقشة هذا: بأن الكافر لا يؤمن مكره وخداعة وفي هذا ضرر على المجاهدين وكشف لأسرارهم.
الترجيح
الذي يظهر أن القول بتحريم الاستعانة بالكفار في قتال العدو من غير ضرورة، هو الراجح للأدلة الصحيحة في النهي عن الاستعانة بالكفار، وما ورد في الاستعانة بالكفار محمول على الضرورة، والله أعلم.
(1) السنن الكبرى للبيهقي (9/63) ومختصر اختلاف العلماء (3/430) .
(2)
هو: صفوان بن أمية بن خلف بن وهب الجمحي القرشي، حضر وقعة حنين قبل أن يسلم، وأجزل له النبي صلى الله عليه وسلم العطاء، فأسلم، ورجع إلى مكة، وتوفي بها سنة 41 هـ وقيل: 42 هـ.
انظر: الإصابة (3/349) ، ت رقم (4093) وأسد الغابة (2/405) ت رقم (2508) .
(3)
قال ابن حجر في فتح الباري: (شهود صفوان بن أمية حنينا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو مشرك مشهورة في المغازي)(6/221) انظر: سير أعلام النبلاء (السيرة النبوية)(2/197) والسيرة النبوية لابن هشام (4/444) .
(4)
مختصر اختلاف العلماء (3/430) .
(5)
المبسوط (10/24) .