الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث
مسح المجاهد على ما يوضع على الرأس
اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى في مسح ما يوضع على الرأس من العمائم (1) ونحوها (2) إلى قولين:
القول الأول: يجوز المسح بالماء على ما يوضع على الرأس.
وبهذا قال الحنابلة (3) وابن حزم (4) وشرطوا أن تكون العمامة ونحوها ساترة لجميع الرأس، إلا ما جرت العادة بكشفه، وأن تكون على صفة عمائم المسلمين محنكة أو ذات ذؤابة (5) .
واستدلوا بما يلي:
1-
عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه (أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح بناصيته، وعلى العمامة، وعلى الخفين)(6) .
(1) العمائم جمع عمامة وهي: من لباس الرأس معروفة وربما كُنّي بها عن البيضة، أو المغفر.
انظر: لسان العرب (12/424) مادة (عمم) .
(2)
مما يلبس على الرأس، كالمغفر، والبيضة وما يعرف الآن بالخوذة انظر المحلى بالآثار
…
(1/303) .
(3)
معونة أولي النهى (1/306) وكشاف القناع (1/103) والشرح الكبير (1/69) .
(4)
المحلى بالآثار (1/303) .
(5)
المبدع (1/148) ومجموع الفتاوى (1/187) وحاشية الروض المربع (1/222) ومعنى المحنكة المدارة من تحت الحنك.
وذات الذؤابة هي: صاحبة الطرف المرخي بين الكتفين، وأصل الذؤابة من الشعر الضفيرة.
إذا أسدلت من الخلف. انظر: لسان العرب (10/417) مادة (حنك) ومادة (ذأب)
…
(1/380) .
(6)
صحيح مسلم بشرح النووي كتاب الطهارة باب المسح على الناصية والعمامة ح رقم (83) .
ونوقش هذا: بأن الحديث يدل على أنه لا يجزئ المسح على العمامة دون مسح شيء من الرأس (1) .
والجواب عنه من وجهين الأول: أن المسح على الناصية يجزئ، ولا يحتاج إلى المسح على العمامة.
الثاني: أن حديث المغيرة يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح الناصية مرة، ومسح على العمامة مرة أخرة، فوقع ذلك في عمليتين متغايرتين (2) .
2-
عن عمرو بن أمية الضمري (3) رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على عمامته وخفيه)(4) .
ونوقش هذا: بأنه يحتمل أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على العمامة بعد ما مسح ناصيته أو أنه مسح على العمامة لمرض (5) .
والجواب عنه: أن هذا الاحتمال بعيد، لأن الصحابة حريصون على تعلم دينهم من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة فقول الصحابي (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم..) دليل على أنه متابعه من أول وضوئه، ولو رأى النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ناصيته لأخبر بذلك وحمله كذلك على أنه مريض بعيد، لأن المسح على الخفين والعمامة يثبت من غير عذر (6) .
(1) الحاوي الكبير (1/356)
(2)
المحلى بالآثار (1/307) وعارضة الأحوذي (1/125) وعون المعبود (1/172) .
(3)
هو: عمرو بن أمية بن خويلد بن عبد الله الضمري، أبو أمية صحابي مشهور، أسلم حين انصرف المشركون من أحد، أول مشاهدة بئر معونة، عاش إلى خلافة معاوية، مات بالمدينة انظر: الإصابة (4/496) ت رقم (5781) والأعلام (5/73) .
(4)
صحيح البخاري مع الفتح كتاب الوضوء باب المسح على الخفين ح رقم (205) .
(5)
عارضة الأحوذي (1/127) .
(6)
سبل السلام للصنعاني (1/125) .
3-
واستدلوا كذلك: بأن العمامة ونحوها حائل في محل ورد الشرع بمسحه فجاز المسح عليه كالخفين (1) .
ونوقش هذا: بأن مسح الرأس ممكن مع بقاء العمامة، أما غسل الرجلين فغير ممكن مع بقاء الخفين فجاز المسح على الخفين للحاجة (2) .
والجواب عنه: أن الحاجة إلى المسح على العمامة كالحاجة إلى المسح على الخفين لأن العمامة ساترة لجميع الرأس، ومحنكة، فلا يمكن مسح الرأس إلا بنزعها وفي ذلك مشقة فهي كالخفين (3) .
القول الثاني: لا يجوز المسح على العمامة ونحوها دون مسح شيء من الرأس، وبهذا قال الحنفية (4) والمالكية (5) والشافعية (6) .
واستدلوا بما يلي:
1-
قوله تعالى: {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ} [المائدة: 6] .
وجه الدلالة أنه أوجب مسح الرأس في الآية بغير حائل (7) .
ونوقش الاستدلال: بأن الله تعالى أوجب غسل الرجلين إلى الكعبين بغير حائل، وأنتم تقولون بجواز المسح على الخفين، فكذلك المسح على العمامة (8) .
(1) حاشية الروض المربع (1/222) والكافي في فقه الإمام أحمد (1/63) .
(2)
الحاوي الكبير (1/356) .
(3)
عارضة الأحوذي (1/127) .
(4)
الاختيار للموصلي (1/25) والبحر الرائق (1/319) وحاشية ابن عابدين (1/457) .
(5)
الكافي في فقه أهل المدينة المالكي (1/180) والتلقين ص 72.
(6)
الأوسط في السنن (1/469) والحاوي الكبير (1/355) .
(7)
الحاوي الكبير (1/356) وحاشية السندي على سنن ابن ماجه (1/315) .
(8)
المحلى بالآثار (1/306) .
2-
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه العمامة، فأدخل يده من تحت العمامة، فمسح مقدم رأسه، ولم ينقض العمامة)(1) .
وجه الدلالة من الحديث: أنه لو جاز المسح على العمامة ما تكلم صلى الله عليه وسلم وأدخل يده تحت العمامة (2) فدل على أنه لا يجوز مسح العمامة دون شيء من الرأس.
ويمكن مناقشة هذا: بأنه يحتمل أن العمامة كانت صغيرة لا تستر الرأس، أو أنه لم يكن في نزعها مشقة.
الترجيح
الذي يظهر أن الراجح القول الأول: أنه يجوز المسح على العمامة ونحوها، للأدلة الصحيحة الواردة في ذلك.
قال في عون المعبود: (أحاديث المسح على العمامة أخرجها البخاري ومسلم والترمذي وأحمد والنسائي وابن ماجه، وغير واحد من الأئمة من طرق قوية متصلة الإسناد)(3) .
والمجاهد في سبيل الله الذي يلبس ما يقي رأسه من ضربات العدو مما يربط على الرأس ويشق نزعه، له أن يمسح عليه إذا أراد الطهارة، والله أعلم.
(1) أخرجه أبو داود في سننه مع عون المعبود، كتاب الطهارة باب المسح على العمامة، ح رقم (147) والحاكم في المستدرك، كتاب الطهار، ح رقم (603) (1/275) وقال: هذا الحديث وإن لم يكن إسناده من شرط الكتاب، فإن فيه لفظة غريبة هي: أنه مسح على بعض الرأس، ولم يمسح على عمامته، قال الذهبي في التلخيص، لو صح لدل على مسح بعض الرأس، انظر: التلخيص بهامش المستدرك (1/275) وأخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب الطهارة باب ما جاء في المسح على العمامة ح رقم (564) .
(2)
الحاوي الكبير (1/356) .
(3)
عون المعبود في شرح سنن أبي داود (1/172) .