الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جاء في تبيين الحقائق: إن رمى مسلم إلى الكفار فأصاب مسلما فمات، لم يعتبر شهيدا، لأن هذا الفعل قطع النسبة إلى العدو (1) .
وفي مواهب الجليل: ولو قتل المسلمون في المعترك مسلما ظنوه من العدو، فإنه يغسل ويصلى عليه (2) .
وفي المبدع وغيره: من قتله المسلمون خطأ غسل رواية واحدة (3) .
ويمكن توجيه هذا القول: بأنه قتل بغير سبب من العدو فلا يصل منزلة من قتله العدو، فلا يأخذ أحكام الشهيد الدنيوية فيغسل ويكفن ويصلى عليه.
والقول الأول أقرب إلى الرجحان، لأنه وإن لم يقتله العدو مباشرة، فإن قتالهم سبب في قتله، ولأنه قتل في أرض المعركة مع الكفار فلا يختلف عن غيره من قتلى المعركة من المسلمين والله أعلم.
الفرع السابع
قتل المجاهد نفسه خطأ
إذا قتل المجاهد نفسه خطأ بأن رجع عليه سلاحه، فلا يخلو من حالتين:
الحالة الأولى: أن يكون ذلك في غير المعركة.
سبق في تعريف الشهيد عند الفقهاء أن الشهيد من قتل في المعركة، في قتال الكفار وعلى هذا لا يكون ليس شهيد معركة، فيغسل ويكفن ويصلى عليه.
الحالة الثانية: إذا قتل نفسه خطأ في المعركة مع الكفار.
اختلف الفقهاء في هذه الحالة، هل يعتبر شهيد معركة، فلا يغسل ولا يصلي عليه ويدفن بثيابه أم لا؟ اختلفوا إلى قولين:
(1) تبيين الحقائق (1/247) .
(2)
مواهب الجليل (3/67) .
(3)
المبدع (2/238) وكشاف القناع (1/576) .
القول الأول: أنه شهيد معركة، فلا يغسل ولا يصلى عليه ويدفن بثيابه التي قتل فيها. وهذا قول المالكية على المشهور (1) وقول الشافعية (2) وقول عند الحنابلة (3) .
واستدلوا بما يلي:
1-
(أن عامر بن الأكوع (4) رضي الله عنه بارز مرحبا (5) يوم خيبر، فذهب يسفل له (6) فرجع سيفه على نفسه، فكانت فيها نفسه) (7) .
وجه الدلالة: أن عامر بن الأكوع لم يفرد عن الشهداء بحكم، فدل على أن من قتل نفسه خطأ في قتال الكفار، أنه شهيد معركة (8) .
2-
عن أبي سلام (9) عن رجل (10) من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: أغرنا على حي من جهينة (11) فطلب رجل من المسلمين رجلا فضربه فأخطأه وأصاب نفسه بالسيف
(1) مواهب الجليل (3/67) وحاشية الخرشي (2/369) والفواكه الدواني (1/446) .
(2)
المجموع (5/221) وروضة الطالبين (2/119) .
(3)
المغنى (3/473) والشرح الكبير (1/548) والإنصاف (3/502) والمبدع (2/237) .
(4)
هو: عامر بن سنان بن عبد الله بن قشير الأسلمي، المعروف بابن الأكوع، عم سلمة بن الأكوع ويقال: أخوه والصحيح أنه عمه، كان شاعرا سار مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى خيبر، فقتل بها. انظر: أسد الغابة (3/20) ت رقم (2699) والإصابة (3/471) ت رقم (4411) .
(5)
هو: مرحب اليهودي قتل كافرا يوم خيبر، واختلفوا في قاتله فقيل: محمد بن مسلمة وقيل: علي بن أبي طالب، قال ابن عبد البر، الصحيح أن الذي قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه. انظر: تهذيب الأسماء واللغات (2/86) ت رقم (125) .
(6)
يسفل أي: يضربه من أسفل والسفل نقيض العلو. انظر لسان العرب (11/337) مادة (سفل) .
(7)
صحيح مسلم النووي، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة ذي قرد وغيرها من حديث طويل رقم (1807) وباب غزوة خيبر، ح رقم (1802) .
(8)
المغنى (3/474) وشرح صحيح مسلم للنووي (12/427) .
(9)
هو: سلام بن أبي سلام الحبشي الشامي، قال أبو حاتم الرازي: سلام بن أبي سلام الحبشي والد معاوية، لا أعلم أحدا روي عنه، وإنما الناس يروون عن معاوية بن سلام عن جده، ومعاوية بن سلام عن أخيه، أما معاوية بن سلام عن أبيه فلا. انظر: تهذيب التهذيب (4/250) ت رقم (500) والجرح والتعديل لابن أبي حاتم (4/261) .
(10)
لم أقف عليه.
(11)
جهينة: قبيلة من قضاعة من القحطانية انظر: نهاية الأرب في معرفة أنساب العرب للقلقشندي ص 204.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أخوكم يا معشر المسلمين فابتدره الناس فوجدوه قد مات» فلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بثيابه ودمائه وصلى عليه (1) ودفنه فقالوا يا رسول الله: أشهيد هو؟ قال: نعم وأنا له شهيد (2) .
قال في نيل الأوطار: فظاهره أنه لم يغسله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أمر بغسله فدل على أن من قتل نفسه في المعركة خطأ حكمه كمن قتله غيره في ترك الغسل (3) .
3-
ولأنه شهيد أشبه ما لو قتله الكفار (4) .
القول الثاني: أنه ليس شهيد معركة، فيغسل ويكفن وصلى عليه وهذا قول الحنفية (5) .
وقول عند المالكية (6) والصحيح من مذهب الحنابلة (7) .
وعللوا لقولهم: بأنه مات بغير أيدي المشركين، أشبه من أصابه ذلك في غير المعركة (8) .
الترجيح
الذي يظهر أن القول الأول هو الراجح أن المجاهد إذا قتل نفسه خطأ في أرض المعركة فإنه شهيد معركة يأخذ أحكام الشهيد الدنيوية، لقوة ما استدلوا من الأحاديث ولأنه قتل بسبب حمله على الكفار. والله أعلم.
(1) لعل المراد بالصلاة هنا الدعاء له لا صلاة الجنازة، لأنه لفه بثيابه ودمائه فلم يكفنه ولم يغسله وسيأتي بحث مسألة الصلاة على شهيد المعركة. إن شاء الله.
(2)
أخرجه أبو داود في سننه مع عون المعبود، كتاب الجهاد، باب في الرجل يموت بسلاحه، ح رقم (2536) والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الديات، باب لا تحمل العاقلة ما جني الرجل على نفسه ح رقم (16393) .
قال الشوكاني: الحديث سكت عنه أبو داود: والمنذري في إسناده سلام بن أبي سلاّم، وهو مجهول. انظر: نيل الأوطار (4/30) والجرح والتعديل للرازي (4/261) .
(3)
نيل الأوطار: (4/30) .
(4)
المغني (3/474) .
(5)
البحر الرائق (2/343) وحاشية ابن عابدين (3/161) .
(6)
مواهب الجليل (3/67) والشرح الصغير للدردير مع بلغة السالك (1/204) .
(7)
الإنصاف (3/501) والمغني (3/473) وحاشية الروض المربع (3/59) .
(8)
المغني (3/473) وحاشية الروض المربع (3/59) والبحر الرائق (2/343) .