الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترجيح
الراجح ما ذهب إليه عامة الفقهاء أن شهداء المعركة لا يغسلون، للسنة الصحيحة لترك غسل من قتل في المعركة، كما في شهداء أحد، ولأن دفنهم بدمائهم دون غسل ميزة للشهداء يوم القيامة.
كما في الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لا يكلم أحد في سبيل الله- والله أعلم بمن يكلم في سبيله- إلا جاء يوم القيامة واللون لون الدم والريح ريح المسك» (1) .
الفرع الثاني
غسل الشهيد إذا قتل جنبا
اختلف الفقهاء- رحمهم الله تعالى- في الشهيد إذا قتل جنبا في أرض المعركة هل يغسل، أم لا؟ إلى قولين:
القول الأول: أنه لا يغسل، وبهذا قال المالكية على الأظهر (2) والأصح عند الشافعية (3) وقول أبي يوسف ومحمد من الحنفية (4) ورواية عند الحنابلة (5) .
واستدلوا بما يلي:
1-
عموم الأدلة في أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغسل شهداء أحد، كما سبق في حديث جابر، وأنس بن مالك (6) رضي الله عنهما ولم يميز بين من كان جنبا أو غيره.
(1) سبق تخريجه.
(2)
الكافي في فقه أهل المدينة (1/279) وحاشية الخرشي (2/369) وحاشية الدسوقي
…
(1/426) .
(3)
المجموع (5/223) وروضة الطالبين (2/120) ومغني المحتاج (2/35) والحاوي الكبير (3/37) .
(4)
تبيين الحقائق (1/249) والاختيار للموصلي (1/97) .
(5)
الإنصاف (2/499) والمبدع (2/235) .
(6)
غسل الشهيد إذا قتل في ميدان المعركة.
2-
أن الجنابة طهارة من حدث، فوجب أن تسقط بالقتل كالطهارة الصغرى (1) .
3-
ولأن الحي الجنب إنما يغتسل ليصلي، والميت إنما يغسل ليصلى عليه، وإذا كان القتيل الجنب لا يصلى عليه فلا معنى لغسله (2) .
القول الثاني: أنه يغسل قال بهذا أبو حنفية (3) وهو قول عند المالكية (4) والصحيح من مذهب الحنابلة (5) وقول عند الشافعية (6) .
واستدلوا بما يلي:
1-
أن حنظلة (7) قتل يوم أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن صاحبكم حنظلة تغسله الملائكة فسلوا صاحبته» (8) فقالت: خرج وهو جنب لما سمع الهائعة (9) .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «فلذاك غسلته الملائكة» (10) .
(1) الحاوي الكبير (3/37) .
(2)
المرجع السابق في الهامش السابق.
(3)
تبيين الحقائق (1/248) وروءس المسائل ص 195.
(4)
الكافي في فقه أهل المدينة المالكي (1/279) وحاشية الخرشي (2/369) .
(5)
المغني لابن قدامة (3/69) والإنصاف (2/99) والمبدع (2/235) وكشاف القناع
…
(1/574) .
(6)
المجموع (5/223) ومغنى المحتاج (2/35) .
(7)
هو حنظلة بن أبي عامر واختلفوا في اسم أبي عامر، فقيل: اسمه عمرو، وقيل: عبد عمرو، وقيل: الراهب بن صيفي بن زيد بن أمية، المعروف بغسيل الملائكة، استشهد يوم أحد. انظر: أسد الغابة (1/543) ت رقم (1281) وتهذيب الأسماء واللغات (1/170) ت رقم (136) .
(8)
صاحبته: أي زوجته.
(9)
الهائعة: الصوت تفزع منه وتخافه من عدو. انظر: القاموس المحيط فصل الهاء ص 777 والمعجم الوسيط (2/1004) مادة هاع.
(10)
أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الجنائز باب الجنب يستشهد في المعركة، ح رقم (6814) (6815) قال البيهقي نقلا عن ابن يونس: إنه مرسل (4/23) وأخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد، باب فيمن يجنب ثم يموت قبل أن يغتسل (3/23) وقال: رواه الطبراني في الكبير وإسناده حسن، وأخرجه الحاكم في المستدرك، كتاب معرفة الصحابة (ذكر مناقب حنظلة) ح رقم (4917) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي انظر: التلخيص بهامش المستدرك، وقال ابن حجر: في إسناده ضعف. انظر: التلخيص الحبير (2/118) وصححه ابن حبان. انظر: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (9/84) ح رقم (6989) .
وجه الدلالة من الحديث: أنه لما غسلته الملائكة، والملائكة لا تغسله إلا عن أمر الله سبحانه، دل على أن غسله مأمور به (1) .
ونوقش الاستدلال: بأن حنظلة قتل يوم أحد جنبا ولم يغسله النبي صلى الله عليه وسلم فلو كان الغسل واجبا لم يسقط إلا بفعلنا (2) .
2-
أنه لزمه غسل جميع بدنه في حال حياته، فوجب أن لا يسقط بالقتل، كما إذا كان على جميع بدنه نجاسة ثم قتل شهيدا (3) .
ونوقش هذا: بأن هناك فرق بين النجاسة والجنابة، فقليل النجاسة يجب إزالته، فكذلك كثيرها، أما الجنابة فهي حدث، وإذا كان لا يجب إزالة الحدث الأصغر، فكذلك الأكبر (4) .
الترجيح
الذي يظهر والله أعلم أن ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من عدم غسل الشهيد إذا مات في ميدان المعركة جنبا، هو الراجح لما يأتي:
1-
عموم أدلة عدم غسل شهيد المعركة، وتقدم ذكرها فلم تميز بين جنبا وغيره.
2-
أن قتلى المعركة لا يقدر أحد على التمييز بين من قتل منهم جنبا أو غيره، ولولا أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الملائكة تغسل حنظلة، لما علم أنه قتل جنبا، ولذا قال:(سلوا صاحبته)(5) .
(1) رءوس المسائل ص 195 والحاوي الكبير (3/37) .
(2)
مغنى المحتاج (2/35) .
(3)
الحاوي الكبير (3/37) .
(4)
المرجع السابق.
(5)
سبق تخريجه.