الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
مشروعية الجهاد بالنفس في سبيل الله ومراحله
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: مشروعية الجهاد بالنفس في سبيل الله
.
المطلب الثاني: مراحل تشريع الجهاد بالنفس في سبيل الله.
المطلب الأول
مشروعية الجهاد بالنفس في سبيل الله
الجهاد بالنفس في سبيل الله مشروع بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة.
أولا: من الكتاب.
الآيات الدالة على مشروعية الجهاد من القرآن الكريم كثيرة منها:
1-
قوله تعالى: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} [الحج: 39] .
2-
قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 216] .
3-
قوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة: 41] .
4-
وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف: 4] .
ثانيا: من السنة.
أ- السنة القولية.
جاءت أحاديث كثيرة تدل على مشروعية الجهاد بالنفس في سبيل الله منها:
1-
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فمن قال لا إله إلا الله، عصم مني ماله، ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله» (1) .
2-
عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «جاهدوا المشركين بأموالكم، وأنفسكم وألسنتكم» (2) .
3-
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يغز، ولم يحدث نفسه به، مات على شعبة من النفاق (3) » (4) .
ففي الحديث الأول أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجهاد في سبيل الله بنفسه، وفي الحديث الثاني أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالجهاد في سبيل الله بالنفس، والمال، واللسان، وهو أمر للأمة إلى أن تقوم الساعة.
(1)«صحيح البخاري» مع «فتح الباري» ، كتاب الزكاة باب وجوب الزكاة ح رقم
…
(1399) و «صحيح مسلم» مع «شرح النووي» كتاب الإيمان باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله ح رقم (20) .
(2)
سبق تخريجه (27) .
(3)
المراد به النفاق العملي وهو: عمل شيء من أعمال المنافقين مع بقاء الإيمان في القلب، وهذا لا يخرج من الملة، ولكنه وسيلة إلى ذلك، انظر كتاب التوحيد د/ صالح الفوزان ص 20.
(4)
صحيح مسلم مع شرح النووي، كتاب الإمارة باب من مات ولم يغز ح رقم (1910) .
وجاء الحديث الثالث بالتحذير والوعيد الشديد لمن ترك الجهاد، أو تهاون فيه، أو غفل عنه، وأن من مات ولم يحدث نفسه بالجهاد في سبيل الله، ولم ينفق على الجهاد في سبيل الله، مات على شعبة من النفاق.
ب- السنة الفعلية:
أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالجهاد في سبيل الله، وقتال الكفار حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، فجاهد بنفسه الكريمة وقاد الغزوات في سبيل الله (1) وباشر القتال حتى شج (2) وجهه الكريم صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته ففي غزوة أحد (3) أبلي النبي صلى الله عليه وسلم بلاءً حسنًا.
يصف سهل بن سعد (4) رضي الله عنه ما حصل للنبي صلى الله عليه وسلم فيقول: (جرح وجه النبي صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة (5) على رأسه..) (6) .
(1) غزا صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة، وقيل: سبع وعشرين، وقيل خمس وعشرين وقيل غير ذلك قاتل منها في ثمان غزوات منها يوم بدر وأحد والأحزاب ويوم خيبر، ويوم فتح مكة، ويوم حنين، انظر فتح الباري، كتاب المغازي (7/354) وعيون الأثر لابن سيد الناس اليعمري
…
(1/353) وطبقات ابن سعد (2/5) وكتاب المغازي لابن أبي شيبة ص (171) .
(2)
الشجة: الجراحة وإنما تسمي بذلك إذا كانت في الوجه أو الرأس، انظر المصباح المنير ص (305) .
(3)
أحد جبل بظاهر المدينة في شمالها وقعت عنده معركة أحد في سنة ثلاث من الهجرة انظر: الروض المعطار في خبر الأقطار ص 13 والبداية والنهاية لابن كثير (3/383)
(4)
سهل بن سعد بن مالك الخزرجي الأنصاري الساعدي، من مشاهير الصحابة، كان اسمه حزنا فغيره النبي صلى الله عليه وسلم مات سنة 91 هـ بالمدينة، وقيل: هو أخر من مات من الصحابة بالمدينة. انظر: الإصابة (3/167) ت رقم (3546) ومشاهير علماء الأمصار لابن حبان البستي ص 48 ت رقم (114) .
(5)
هي الخوذة توضع على الرأس، وقيل ما يلبس على الرأس من آلات السلاح، انظر: لسان العرب (7/125) مادة (بيض) وفتح الباري (6/120) .
(6)
صحيح البخاري مع الفتح كتاب الجهاد والسير باب لبس البيضة، ح رقم (2911) . وصحيح مسلم بشرح النووي، كتاب الجهاد والسير، باب غزوة أحد ح رقم (1790) .
ثالثا: إجماع الأمة:
أجمعت الأمة على مشروعية الجهاد بالنفس في سبيل الله، وقد نقل الإجماع غير واحد من العلماء.
قال ابن حزم (1) في مراتب الإجماع: (اتفقوا أن دفاع المشركين وأهل الكفر عن بيضة أهل الإسلام، وقراهم، وحصونهم، وحريمهم إذا نزلوا على المسلمين، فرض على الأحرار البالغين المطيقين)(2) .
وقد جاهد الصحابة رضي الله عنهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وجهزوا الجيوش وفتحوا الأمصار واستقرت سيرة الخلفاء الراشدين أن تكون لهم في كل سنة أربع غزوات في الصيف والشتاء والربيع والخريف (3) .
وتابعهم من جاء بعدهم فرفعوا رايات الجهاد، ولا يزال الجهاد ماضيا بإذن الله إلى قيام الساعة.
(1) هو: أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري، برع في الفقه والأصول والحديث، انتقد العلماء بلسان حاد مما دعاهم إلى تضليله والتحذير منه توفي رحمه الله سنة 456هـ في الأندلس، من مؤلفاته المحلى بالآثار، والإحكام في أصول الأحكام، وغيرهما. انظر: معجم المؤلفين لعمر كحالة (2/393) ت رقم (9117) وسير أعلام النبلاء للذهبي (18/184) .
(2)
مراتب الإجماع لابن حزم ص 119 وانظر كذلك حاشية الروض المربع (4/254) ومجموع الفتاوى (28/354) .
(3)
الحاوي الكبير للماوردي (14/140) .