الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
طهارة أعضاء المجاهد المقطوعة
(1)
لا يختلف المجاهد في سبيل الله عن غيره في طهارة ما بقي من الأعضاء المقطوعة وإنما أفردته بالذكر لأنه يتعرض لقطع الأعضاء في الجهاد في سبيل الله.
والأعضاء المقطوعة لها حالات.
الحالة الأولى: أن تقطع من فوق المرفق في اليد ومن فوق الكعب في الرجل.
الحالة الثانية: أن تقطع من دون المرفق في اليد ومن دون الكعب في الرجل.
الحالة الثالثة: أن تقطع من المرفق في اليد ومن الكعب في الرجل.
الحالة الأولى: أن تقطع من فوق المرفق في اليد ومن فوق الكعب في الرجل:
لا نزاع بين العلماء فيما أعلم في هذه الحالة أنه يسقط وجوب الغسل.
قال في الإنصاف: (أن يكون القطع من فوق محل الفرض فلا يجب الغسل بلا نزاع)(2) . ووجه هذه الحالة؛ أنه انعدام محل الغسل بالقطع (3) .
(1) المراد ما بقي من الأعضاء بعد القطع وهذه الأعضاء هي الأيدي والأرجل أو بعضها وطهارتها من الحدث الأصغر.
قال في الشرح الممتع والأذن إن قطعت كلها سقط المسح وإن سقط بعضها مسح الباقي.
…
(1/178) وقال في حاشية الروض المربع: وكالوضوء تيمم فالأقطع من مفصل يمسح محل القطع بالتراب ومن دونه يمسح ما بقي من محل الفرض، وما فوقه يستحب له مسحة بالتراب (1/208) وانظر: المجموع (2/273) .
(2)
الإنصاف (1/164) وانظر: البحر الرائق (1/29) وفتح القدير (1/13) وحلية العلماء (1/147) والمجموع (1/416) والحاوي (1/113) والمعونة (1/126) والمدونة (1/23) والمغني (1/173) .
(3)
المغنى (1/174) .
لكن قال الشافعية: يستحب غسل ما فوق المرفق والكعب لأنه موضع قد يصل إليه الماء في إسباغ الوضوء (1) .
وقال الحنابلة: يستحب مسح القطع بالماء لئلا يخلو العضو عن الطهارة (2) .
الحالة الثانية: أن يكون القطع من دون المرفق في اليد ومن دون الكعب في الرجل. لا نزاع بين العلماء فيما أعلم في هذه الحالة أنه يجب غسل ما بقي من محل الفرض.
قال في مواهب الجليل (إذا قطع بعض محل الفرض وجب غسل ما بقي منه بلا خلاف)(3) وفي المجموع (يجب غسل باقي محل الفرض بلا خلاف)(4) .
وفي الإنصاف: (إن بقي من محل الفرض شيء فيجب غسله بلا نزاع)(5) .
وأدلة هذه الحالة ما يلي:
1-
قوله صلى الله عليه وسلم «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (6) .
2-
ولأن الميسور لا يسقط بالمعسور (7) .
3-
ولأن كل عضو سقط بعضها يتعلق الحكم بباقيه غسلا ومسحا (8) .
الحالة الثالثة: أن يكون القطع من المرفق في اليد ومن الكعب في الرجل. وفيه هذه الحالة هل يجب غسل راس العضد من اليد ورأس الساق من الرجل أم لا؟
(1) المجموع (1/416) والأم (1/25) والحاوي (1/113) .
(2)
المبدع (1/130) والمستوعب (1/151) والإنصاف (1/164) .
(3)
مواهب الجليل (1/277) .
(4)
المجوع للنووي (1/416) .
(5)
الإنصاف (1/164) وانظر حاشية الروض المربع (1/208) والبحر الرائق (1/29) وفتح القدير (1/13) .
(6)
سبق تخريجه.
(7)
مغني المحتاج (1/175) وهذه قاعدة للشافعية انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي ص 293.
(8)
حاشية الدسوقي (1/87) وحاشية الخرشي (1/228) .
اختلف الفقهاء رحمهم الله تعالى إلى قولين:
القول الأول: إنه يجب الغسل.
قال به الحنفية (1) وهو رواية عن الإمام مالك (2) وقول عند الشافعية، قال النووي هو المذهب (3) وهو الصحيح من مذهب الحنابلة وعليه أكثر الأصحاب (4) .
واستدلوا على هذا القول بما يلي:
1-
أن الأمر بالغسل تعلق باليد، واليد اسم لهذه الجارحة من رءوس الأصابع إلى الإبط، ولولا ذكر المرفق لوجب غسل اليد كلها فكان ذكر المرفق لإسقاط ما وراءه لا لمد الحكم إليه لدخوله تحت اسم اليد (5) .
2-
أن «إلى» في قوله تعالى {إِلَى الْمَرَافِقِ} و {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: 6] بمعنى مع، وعلى هذا يكون المعنى فاغسلوا أيدكم مضافة إلى المرافق (6) وأرجلكم مضافة إلى الكعبين.
3-
ولأن رأس العضد من المرفق، وغسل اليدين مع المرفقين واجب (7) وكذلك رأس الساق من الكعب وغسل الرجلين مع الكعبين واجب.
القول الثاني: أنه لا يجب غسل رأس العضد من اليد ورأس الساق من الرجل.
(1) بدائع الصنائع (1/68) والبناية على الهداية (1/94) وحاشية ابن عابدين (1/402) .
(2)
أحكام القرآن لابن العربي (2/58) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (6/84) .
(3)
روضة الطالبين (1/52) والمجموع (1/427) والأم (1/25) ومغني المحتاج (1/135) .
(4)
المغني (1/173) والإنصاف (1/164) والمبدع (1/130) والمستوعب (1/151) .
(5)
بدائع الصنائع (1/68) وأحكام القرآن للجصاص (2/428) .
(6)
أحكام القرآن لابن العربي (1/59) .
(7)
الشرح الممتع (1/177) .
قال به زفر (1) من الحنفية (2) وهو رواية عن الإمام مالك (3) اختارها أشهب (4) ونقله المزني من الشافعية في المختصر، وحكي أنه القديم عند الشافعية (5) وهو قول عند الحنابلة على خلاف المذهب (6) .
واستدلوا على هذا القول بما يلي:
1-
أن الله تعالى جعل المرفق غاية فلا يدخل تحت ما جعلت له الغاية، كما لا يدخل الليل تحت الأمر بالصيام في قوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187](7) .
ونوقش هذا الاستدلال بأن المرفق لا يصلح غاية لحكم ثبت في اليد لكونه بعض اليد، بخلاف الليل في باب الصوم فإنه لولا ذكر الليل لما اقتضى الأمر إلا وجوب صوم ساعة فذكر الليل لمد الحكم إليه لا لدخول الغاية فيه (8) .
(1) هو زفر بن هذيل بن قيس العنبري البصري صاحب أبي حنيفة، أخذ عنه العلم، كان فقيها حافظا صدوقا ثقة زاهدًا تولى قضاء البصرة وتوفي بها سنة 158 هـ انظر لسان الميزان (2/588) والجواهر المضية (2/207) ت رقم (596) .
(2)
بدائع الصنائع (1/29) وفتح القدير (1/13) .
(3)
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (6/84) وأحكام القرآن لابن العربي (2/85) .
(4)
هو: أبو عمرو أشهب بن عبد العزيز بن داود بن إبراهيم القيسي العامري المصري، من أصحاب مالك فقيه انتهت إليه رئاسة المذهب في مصر بعد ابن القاسم، وقيل: اسمه مسكين، وأشهب لقب له توفي سنة 204 هـ.
انظر: سير أعلام النبلاء (9/500) ت رقم (190) والأعلام (1/333) .
(5)
مختصر المزني ص 2 وروضة الطالبين (1/52) والحاوي (1/113) والمجموع (1/427) .
(6)
الإنصاف (1/164) والمبدع (1/130) .
(7)
بدائع الصنائع (1/68) وجامع البيان للطبري (4/464) .
(8)
أحكام القرآن للجصاص (1/428) وبدائع الصنائع (1/86) .
2-
ولأن غسل العضد تابع للمرفق في اليد، والساق تابع للكعب في الرجل وقد سقط المتبوع فيسقط التابع (1) .
ونوقش هذا الدليل: بأن رأس العضد من المرفق ورأس الساق من الكعب أصلا لا تبعا (2) .
3-
أن «إلى» تحتمل في كلام العرب دخول الغاية في الحد وخروجها منه وإذا احتمل الكلام ذلك لم يجز لأحد القضاء بأنها داخلة فيه (3) .
ونوقش هذا الدليل: بأن السنة بينت أن المراد من «إلى» في قوله تعالى: {إِلَى الْمَرَافِقِ} و {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} أنها لدخول الغاية (4) ومن ذلك:
ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه (أنه توضأ فغسل وجهه فأسبغ الوضوء، ثم غسل اليمنى حتى أشرع في العضد ثم يده اليسرى حتى أشرع في العضد ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى حتى أشرع في الساق، ثم غسل رجله اليسرى حتى أشرع في الساق، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ (5)) .
وبهذا يظهر أن القول بوجوب غسل رأس العضد ورأس الساق هو الراجح وهو القول الأول، لقوة أدلتهم، ومناقشة أدلة أصحاب القول الثاني، ولأن لفظ «إلي» في الآية أفاد دخول الغاية بالسنة المطهرة، والله أعلم.
(1) الأوسط في السنن الإجماع، والاختلاف لابن المنذر (1/261) .
(2)
الشرح الممتع (178) .
(3)
جامع البيان للطبري (4/464) .
(4)
سبل السلام (1/90) .
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه بشرح النووي كتاب الطهارة باب استحباب إطالة الغرة والتحجيل في الوضوء ح رقم (246) .