الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
مشروعية صلاة الخوف
لا خلاف بين الفقهاء رحمهم الله أن صلاة الخوف مشروعة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم (1) والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ} [النساء: 102] .
والسنة الصحيحة فقد صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، عن سهل بن أبي حثمة (2) رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه في الخوف فصفهم خلفه صفين فصلى بالذين يلونه ركعة ثم قام فلم يزل قائما حتى صلى الذين خلفهم ركعة ثم
(1) المبسوط (2/45) وفتح القدير (2/64) والاختيار للموصلي (1/89) والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/391) ومواهب الجليل (2/561) ومغني المحتاج (1/574) والمجموع (4/290) والمستوعب (2/411) والمبدع (2/25) والمغني (3/29) والمحلى بالآثار (3/232) .
(2)
هو: سهل بن أبي حثمة بن ساعدة بن عامر بن عدي، الأنصاري الأوسي اختلف في اسم أبيه فقيل: عبد الله، وقيل: غير ذلك قبض النبي صلى الله عليه وسلم وله نحو ثمان سنين لكنه حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم توفي أول خلافة معاوية. انظر: الإصابة (3/163) ت رقم (3536) وأسد الغابة (2/316) ت رقم (2285) .
تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم، فصلى بهم ركعة، ثم قعد حتى صلى الذين تخلفوا ركعة ثم سلم (1) .
واختلفوا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عامة الفقهاء من الأئمة الأربعة وابن حزم وغيرهم، إلى مشروعية صلاة الخوف بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهي في البحر كالبر إذا كانوا في مركب واحد (2) .
واستدلوا بما يلي:
1-
ووجه الدلالة من الآية أن صلاة الخوف ثابتة في حق النبي صلى الله عليه وسلم وما ثبت في حقه ثبت في حق أمته ما لم يقم دليل على اختصاصه به (3) .
2-
أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل صلاة الخوف (4) وقال صلى الله عليه وسلم «صلوا كما رأيتموني أصلي» (5) .
(1) صحيح البخاري مع الفتح، كتاب المغازي باب غزوة ذات الرقاع، ح رقم (4131) وصحيح مسلم بشرح النووي، كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب صلاة الخوف ح (841) .
(2)
المبسوط (2/45) والاختيار للموصلي (1/89) وبدائع الصنائع (1/555) والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (1/391) ومواهب الجليل (2/561) وشرح الزرقاني لموطأ الإمام مالك (1/521) ومغنى المحتاج (1/574) والمجموع (4/289) والحاوي الكبير (2/465) والمبدع (2/25) والمغني لابن قدامة (3/296) وكشاف القناع (1/493) والمحلى بالآثار (3/232) .
(3)
المبدع (2/25) وكشاف القناع (1/493) .
(4)
مغني المحتاج (1/574) .
(5)
صحيح البخاري مع فتح الباري كتاب الأدب باب رحمة الناس والبهائم ح رقم
…
(6008) . وانظر: مغنى المحتاج (1/574) .
وجه الدلالة: أن هذا عام في صلاة الخوف وغيرها، وقد أمر بالصلاة فلزم اتباعه.
3-
إجماع الصحابة على فعلها بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وقد نقل إجماع الصحابة غير واحد من العلماء قال في المبدع (وأجمع الصحابة على فعلها)(1) وقال في الاختيار للموصلي (إن الصحابة صلوها بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم ينكر أحد عليهم فكان إجماعا)(2) .
4-
أن سببها الخوف، والخوف متحقق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان في حياته (3) . وذهب أبو يوسف في أحد الأقوال عنه (4) والحسن بن زياد (5) من الحنفية والمزني من الشافعية إلى أن صلاة الخوف في حياة النبي صلى الله عليه وسلم خاصة ولم تبق مشروعة بعده (6) .
(1) المبدع لابن مفلح (2/25) .
(2)
الاختيار للموصلي (1/89) وانظر كذلك بدائع الصنائع (1/555) والمجموع للنووي (4/289) .
(3)
المبسوط (2/46) والمعونة (1/319) .
(4)
روي عنه أنه أجازها مطلقا وقيل: هو قوله الأول: انظر فتح القدير (2/63) والمبسوط (2/47) وبدائع الصنائع (1/555) وقال الجصاص: روي عنه ثلاث روايات الجواز والمنع والقول بصحة صلاة عسفان أحكام القرآن (2/322) .
(5)
هو الحسن بن زياد اللؤلؤي من أصحاب أبي حنيفة أخذ عنه وسمع منه فقيه محب للسنة واتباعها توفي سنة 204 هـ انظر الجواهر المضية في طبقات الحنفية (2/56) ت رقم (448) والفهرست ص (253) .
(6)
فتح القدير (2/64) والاختيار للموصلي (1/89) والحاوي الكبير (2/459) وروضة الطالبين (2/49) .
واستدلوا على ذلك بما يلي:
1-
وجه الدلالة: أن كونه فيهم صلى الله عليه وسلم شرط لإقامة صلاة الخوف، فلما خرج من الدنيا انعدمت الشرطية، فصلاة الخوف مخصوصة بالنبي صلى الله عليه وسلم دون أمته (1) .
ونوقش هذا الاستدلال بأن تخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بالخطاب لا يوجب تخصيصه بالحكم فهو وسائر أمته شركاء في الحكم، إلا أن يرد النص بتخصيصه ولم يرد مخصص فهو وأمته سواء مثل قوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة: 103] فقد أنكر الصحابة على مانعي الزكاة قولهم: أن الله تعالى خص نبيه بأخذ الزكاة (2) .
وشرط كونه فيهم صلى الله عليه وسلم إنما ورد لبيان الحكم لا لوجود أي: بين لهم بفعلك لأنه أوضح من القول (3) .
(1) فتح القدير (2/64) وبدائع الصنائع (1/555) .
(2)
المبسوط (2/46) والحاوي الكبير (2/459) والمبدع (2/25) وكشاف القناع
…
(1/493) والمغني (3/298، 296) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (5/347) .
(3)
عارضة الأحوذي (3/37) وشرح الزرقاني لموطأ الإمام مالك (1/521) .
2-
أن صلاة الخوف شرعت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مع ما فيها من أعمال كثيرة منافية للصلاة لحاجة الناس إلى استدراك فضيلة الصلاة معه صلى الله عليه وسلم وهذا المعنى منعدم بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فتصلي كل طائفة بإمام (1) .
ونوقش هذا: بأن ترك المشي في الصلاة وترك استدبار القبلة فريضة والصلاة خلفه صلى الله عليه وسلم فضيلة، فلا يجوز ترك الفريضة لإحراز الفضيلة، ثم الحاجة موجودة بعده صلى الله عليه وسلم لتكثير الجماعة فكلما كانت الجماعة أكثر كانت أفضل (2) .
3-
أن صلاة الخوف كانت ثم نسخت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم فاتته صلوات يوم الخندق ولو كانت صلاة الخوف جائزة لفعلها ولم يفوت الصلاة (3) .
ونوقش هذا الاستدلال: بأن دعوى النسخ لا تثبت إلا إذا علمنا تقدم المنسوخ وتعذر الجمع بين الأدلة، ولم يوجد هنا شيء من ذلك، بل المنقول المشهور أن صلاة الخوف نزلت بعد الخندق فكيف ينسخ به (4) .
الترجيح
بعد عرض الأقوال والأدلة والمناقشة تبين أن الراجح قول الجمهور أن صلاة الخوف مشروعة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما شاء الله صلى الله عليه وسلم لإجماع الصحابة على فعلها بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولزوم تأسينا بالنبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله ما لم يرد دليل على أنه خصوصا للنبي صلى الله عليه وسلم والحاجة إلى فعلها لوجود الخوف والله أعلم.
(1) المبسوط (2/45) وحاشية ابن عابدين (3/74) وبدائع الصنائع (1/555) .
(2)
المبسوط (2/64) والبناية على الهداية (3/194) وبدائع الصنائع (1/555) .
(3)
المجموع للنووي (4/289) ومغنى المحتاج (1/574) وروضة الطالبين (2/49) .
(4)
المراجع السابقة في هامش (2) والذخيرة للقرافي (2/437) .