الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول
أخذ المجاهد من الزكاة
لا خلاف فيما أعلم أنه يجوز للمجاهد في سبيل الله الأخذ من الزكاة (1) لقوله تعالى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60] وسبيل الله المراد به الغزو (2) .
جاء في الجامع البيان: في سبيل الله يعني في النفقة في نصرة دين الله. بقتال أعدائه وذلك هو غزو الكفار (3) .
ولأن سبيل الله إذا أطلق في عرف الشرع يراد به الغزو (4) .
قال تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة: 41] .
(1) بدائع الصنائع (2/154) وتبيين الحقائق (1/298) وحاشية ابن عابدين (3/289) وبلغة السالك (1/233) والتلقين ص (171) والكافي في فقه أهل المدينة (1/326) والجامع لأحكام القرآن (8/170) والمعونة (1/43) ومغني المحتاج (4/181) وروضة الطالبين (2/321) والوسيط (4/563) والحاوي الكبير (8/511) وكشاف القناع (2/107) والشرح الكبير (1/714) والمبدع (2/424) والمحلى بالآثار (4/275) .
(2)
قال محمد بن الحسن من الحنفية: المراد به منقطع الحاج، وقال في بدائع الصنائع جميع القرب، وقال بعضهم: المراد به طلبة العلم. انظر البحر الرائق (2/422) وبدائع الصنائع (2/154) وهذا توسع في معنى في سبيل الله والصحيح ما تقرر أن المراد عند الإطلاق الغزو والجهاد في سبيل الله بالنفس. وإلا لم يكن للحصر فائدة انظر: الشرح الممتع (6/248) .
(3)
جامع البيان للطبري (6/402) .
(4)
بدائع الصنائع (2/154) والحاوي الكبير (8/512) وكشاف القناع (2/107) .
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف:4] .
إذا تقرر هذا، فإن المجاهد الذي يأخذ من الزكاة. هو المتطوع بالجهاد وليس له راتب من ديوان الجند (1) أما الغزاة الذين لهم راتب من ديوان الجند (2) فلا يعطون من الزكاة بسبب الغزو، قال في المجموع: بلا خلاف (3) .
فإذا لم يوجد في ديوان الجند ما يكفيهم فهل يعطون ما يكفيهم من الزكاة؟ اختلف الفقهاء فذهب الحنابلة والشافعية في قول إلى أنهم يعطون لأنهم غزاة (4) .
وذهب الشافعية في الأصح إلى أنهم لا يعطون، ويجب على أغنياء المسلمين إعانتهم (5) . ويظهر أن القول الأول هو الراجح فيعطون من الزكاة ما يكفيهم لأنه في سبيل الله ومحتاجون لما يعينهم في جهاد العدو.
إذا تقرر أن المجاهد الذي يعطى من الزكاة، هو المتطوع الذي لا راتب له من ديوان الجند، فهل يشترط في المجاهد الذي يأخذ من الزكاة أن يكون فقيرا؟ اختلف الفقهاء.
(1) مغني المحتاج (4/181) والوسيط (4/563) والحاوي (8/512) وكشاف القناع
…
(2/107) ، والشرح الكبير (1/714)) والمبدع (2/424) والشرح الممتع (6/241) والإنصاف (3/235) .
(2)
الديوان: أصله دوان فعوض من إحدى الواوين ياء لأنه يجمع على دواوين لو كانت الياء أصلية لقالوا: ديواين، والديوان فارسي معرب وهو: الدفتر الذي يكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء وأول من دون الديوان عمر رضي الله عنه يعني في الإسلام قال الماوردي والديوان موضوع لحفظ ما يتعلق بحقوق السلطنة من الأعمال والأموال ومن يقوم بها من الجيوش والعمال وأول من وضع الديوان في الإسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. انظر: لسان العرب (13/166) مادة (دون) والأحكام السلطانية للماوردي ص 337.
(3)
المجموع (6/200) والحاوي (8/512) وكشاف القناع (2/107) والإنصاف
…
(3/235) .
(4)
الإنصاف (3/235) وكشاف القناع (2/107) والمجموع (6/201) .
(5)
المجموع (6/201) ومغنى المحتاج (4/181) والوسيط (4/563) .
فذهب الجمهور إلى أنه لا يشترط أن يكون فقيرا (1) .
واستدلوا بما روى عطاء بن يسار (2) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: وذكر منهم الغازي في سبيل الله..» (3) .
ووجه الدلالة: أنه نفي أن تحل الصدقة للغني عموما ثم استثنى الغازي في سبيل الله فتحل له مع الغنى.
ونوقش هذا الاستدلال، بأن الاستثناء محمول على حدوث الحاجة للمجاهد بعد خروجه للجهاد لأنه يحتاج إلى السلاح والنفقة ولا يكفيه ما في يده فيجوز له أخذ الزكاة، وسماه في الحديث غنيا على اعتبار ما كان قبل حدوث الحاجة وهو مقيم في داره وعنده كفايته (4) .
ويمكن الجواب عن هذا المناقشة: بأن الحديث نص على أن المغازي في سبيل الله يأخذ من الزكاة مع غناه، وآية أهل الزكاة جاءت عامة كذلك، فتأويلهم للحديث تأويل بعيد وذهب الحنفية وقول عند المالكية، إلى أنه لا يعطى المجاهد من الزكاة، إلا إذا كان فقيرا (5) .
(1) بلغة السالك (1/233) والمعونة (1/443) وحاشية الخرشي (2/518) ومغني المحتاج (4/181) والوسيط (4/563) والحاوي الكبير (8/512) والمستوعب (3/355) وكشاف القناع (2/107) والمبدع (2/424) .
(2)
هو: عطاء بن يسار، مولى ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم سمع من عدد من الصحابة قال مالك: كان ثقة كثير الحديث توفي سنة 103 هـ انظر سير أعلام النبلاء (4/448) وطبقات ابن سعد (5/173) .
(3)
أخرجه أبو داود في سننه مع عون المعبود، كتاب الزكاة باب من يجوز له أخذ الصدقة وهو غني، ح رقم (1632) وتمامه (أو لعامل عليها، أو لغارم أو لرجل اشتراها بماله، أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهداها المسكين للغني) وابن ماجه في سننه كتاب الزكاة باب من تحل له الصدقة ح رقم (1841) والبيهقي في السنن الكبرى كتاب قسم الصدقات باب سهم سبيل الله ح رقم (13198) والإمام أحمد في مسنده ح رقم (11476) الصدقات باب سهم سبيل الله ح رقم (13198) والإمام أحمد في مسنده ح رقم (11476) ج (10/177) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي انظر المستدرك كتاب الزكاة ح رقم (1480) والتلخيص للذهبي بهامشه ج (1/566) .
(4)
بدائع الصنائع (2/155) وأحكام القرآن للجصاص (3/164) وتبيين الحقائق
…
(1/302) .
(5)
بدائع الصنائع (2/154) وتبيين الحقائق (1/298) واللباب في شرح الكتاب
…
(1/154) وحاشية الخرشي (2/518) والتاج والإكليل بهامش مواهب الجليل (3/234) .
واستدلوا بما جاء في الصحيحين من حديث طويل عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ (1) : (.. فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)(2) .
وجه الدلالة: أن الزكاة تؤخذ من الأغنياء وتعطى الفقراء، فلا يجوز أن تؤخذ من الأغنياء وتعطى الأغنياء.
ويمكن مناقشة هذا الاستدلال: بأن دلالة الحديث عامة واستثني الغازي في سبيل الله من هذا العموم بحديث عطاء بن يسار رحمه الله فلا تعارض بين الأدلة.
والذي يظهر أن ما ذهب إليه الجمهور من أنه يعطي المجاهد من الزكاة وإن كان غنيا هو الراجح لحديث عطاء بن يسار، ولأن في ذلك إعانة لهم على الغزو، وتشجيعا لهم على الاستمرار في الجهاد والله أعلم.
إذا تقرر أن المجاهد يأخذ من الزكاة، فما مقدار ما يأخذه؟
يعطى المجاهد في سبيل الله من الزكاة ما يكفيه في غزوه من الدواب والسلاح والنفقة والكسوة مدة الذهاب والرجوع والمقام في أرض العدو، أو في الثغور وإن طال المقام (3) وهذا العطاء يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة وتغير الأحوال وباختلاف المجاهدين، فالتقدير يرجع إلى ولي الأمر، يعطيه ما يناسب حاله والله أعلم.
(1) هو: معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس، الأنصاري الخزرجي يكني أبا عبد الرحمن شهد العقبة وبدرا وأحدا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أعلم الأمة بالحلال والحرام بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قاضيا ومعلما، توفي في طاعون عمواس بالشام سنة 18 هـ. انظر: أسد الغابة (4/418) ت رقم (4953) وطبقات ابن سعد (3/583) .
(2)
صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء، ح رقم (1496) وصحيح مسلم بشرح النووي كتاب الإيمان باب الدعاء إلى الشهادتين ح رقم (19) .
(3)
الكافي في فقه أهل المدينة المالكي (1/326) وأحكام القرآن لابن العربي (5/534) ومغني المحتاج (4/187) والمجموع (6/201) والحاوي (8/512) والمستوعب
…
(3/355) وكشاف القناع (2/107) .