الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يدل على ذلك ما يلي:
1-
قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] . جاء في تفسيرها إذا وقع الخوف فليصل الرجل على كل جهة قائما أو راكبا (1) .
2-
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (فإن كان خوفا هو أشد من ذلك صلوا رجلا قياما على أقدامهم أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها)(2) .
3-
ولأن المجاهد ترك التوجه إلى القبلة بسبب العدو للضرورة إلى ذلك (3) .
أما حالة الخوف غير الشديد فقد سبق بيان كيفية الصلاة فيها، وأن الإمام يصلي بهم أما حالة الخوف غير الشديد فقد سبق بيان كيفية الصلاة فيها، وأن الإمام يصلي بهم جميعا إذا كان العدو جهة القبلة، وإن كانوا إلى غير جهة القبلة جعلهم الإمام طائفتين: طائفة في الحراسة وطائفة تصلي إلى جهة القبلة (4) .
وعلى هذا يلزم استقبال القبلة في حالة كون الخوف غير شديد. والله أعلم.
المطلب السابع
اشتراط الجماعة لصلاة الخوف
تمهيد: لا خلاف بين العلماء أن صلاة الجماعة مشروعة (5) واختلفوا في حكمها في حال الأمن إلى قولين:
(1) جامع البيان للطبري (2/588) .
(2)
سبق تخريجه.
(3)
مغني المحتاج (1/579) والاختيار للموصلي (1/89) وحاشية ابن عابدين (3/75) والبناية على الهداية (3/201) .
(4)
راجع الحالة الأولى في كيفية صلاة الخوف.
(5)
بدائع الصنائع (1/384) وحاشية الروض المربع (2/255) ورحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص 109.
القول الأول: أن صلاة الجماعة واجبة على الأعيان.
قال بهذا الحنابلة (1) وهو قول عند الشافعية (2) وابن حزم (3) .
واستدلوا بما يلي:
1-
قوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102] .
وجه الدلالة من الآية: أن الله سبحانه وتعالى أمر بإقامة الجماعة حال الخوف ففي غيره أولى (4) .
2-
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلا فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم..)(5) .
وجه الدلالة من الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم توعدهم بالعقوبة، ولا عقوبة إلا على ترك واجب أو فعل محرم (6) .
واختلف أصحاب هذا القول هل الجماعة شرط لصحة الصلاة أم لا؟
فنص الإمام أحمد رحمه الله على أن الجماعة ليست شرطا لصحة الصلاة (7) .
(1) الشرح الكبير (1/383) والمغني (3/5) .
(2)
سبل السلام (2/41) وروضة الطالبين (1/339) ونيل الأوطار (3/123) .
(3)
المحلى بالآثار (3/104) .
(4)
حاشية الروض المربع (2/257) ومجموع الفتاوى (23/227) .
(5)
صحيح البخاري مع الفتح كتاب الأذان باب وجوب صلاة الجماعة، ح رقم (644) وصحيح مسلم بشرح النووي، كتاب المساجد باب فضل صلاة الجماعة ح رقم
…
(651) .
(6)
سبل السلام (2/41) .
(7)
المغنى لابن قدامة (3/7) وحاشية الروض المربع (2/259) والشرح الكبير (1/384) .
والدليل ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)(1) .
وجه الدلالة: أن المفاضلة تدل على أن المفضول فيه فضل، فيلزم من ذلك أن يكون صحيحا (2) .
ويستدل أيضا: بأنه لا قائل بوجوب الإعادة على من صلى وحده (3) .
وفي رواية عند الإمام أحمد أخذ بها ابن تيمية، وابن حزم وغيرهما، أن الجماعة شرط لصحة الصلاة، فمن صلى في بيته دون عذر لم تصح صلاته (4) .
واستدلوا بما سبق من أدلة وجوب الصلاة على الأعيان.
وبما جاء عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من سمع المنادي فلم يمنع من اتباعه عذر. قالوا: وما العذر؟ قال: خوف أو مرض لم تقبل منه الصلاة التي صلى» (5) .
(1) صحيح البخاري مع الفتح، كتاب الأذان، باب فضل صلاة الجماعة، ح رقم (645) وصحيح مسلم بشرح النووي، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة، ح رقم (650) .
(2)
الشرح الممتع (4/205) .
(3)
المغنى لابن قدامة (3/7) .
(4)
المغنى (3/7) وحاشية الروض المربع (2/259) والشرح الكبير (1/384) والمحلى بالآثار (3/104) .
(5)
أخرجه أبو داود مع عون المعبود كتاب الصلاة باب التشديد في ترك الجماعة، ح رقم (547) والبيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصلاة، باب ما جاء من التشديد في ترك الجمعة، ح رقم (4940) وأخرجه الدارقطني في سننه كتاب الصلاة باب الحث لجار المسجد على الصلاة فيه، ح رقم (1540) وصححه الحاكم وابن حبان. انظر: المستدرك للحاكم، كتاب الصلاة، ح رقم (896) قال الذهبي في التلخيص بهامش المستدرك تابعه داود بن الحكم، وانظر: الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان، كتاب الصلاة باب فرض الجماعة، ح رقم (2061) .
ولأن ما ثبت وجوبه في الصلاة كان شرطا في صحة الصلاة كسائر الواجبات (1) .
القول الثاني في حكم صلاة الجماعة: أنها غير واجبة على الأعيان، ثم اختلفوا بينهم. هل هي فرض كفاية، أم سنة مؤكدة؟ فعند الشافعية على الصحيح أنها فرض كفاية (2) .
وعند الحنفية (3) والمالكية (4) أنها سنة مؤكدة والسنة المؤكدة عند كثير من الحنفية بمعنى الواجب قال في بدائع الصنائع: قال عامة مشائخنا أنها واجبة، ورد على الكرخي (5) وغيره من الحنفية الذين قالوا: أنها سنة مؤكدة، بأن هذا ليس اختلافا في الحقيقة، بل من حيث العبارة، لأن السنة المؤكدة والواجب سواء، فإن الكرخي قال: هي سنة، ثم فسرها بالواجب، فقال: الجماعة سنة لا يرخص لأحد التأخر عنها، إلا لعذر وهذا تفسير الواجب (6) .
واستدلوا بأنها ليست فرضا على الأعيان:
(1) مجموع الفتاوى (23/232) .
(2)
روضة الطالبين (1/339) ورحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص 110 والمجموع للنووي (4/87) وفي قول للشافعية أنها سنة مؤكدة انظر المراجع السابقة للشافعية ونيل الأوطار (3/123) .
(3)
الاختيار للموصلي (1/57) والبحر الرائق (1/602) .
(4)
حاشية الخرشي (2/132) وحاشية الدسوقي (1/319) والتلقين ص (118) .
(5)
هو: عبيد الله بن الحسين بن دلال: أبو الحسن الكرخي، الحنفي، انتهت إليه رئاسة العلم والمذهب الحنفي، من مؤلفاته: شرح الجامع الكبير، وشرح الجامع الصغير في فروع الفقه الحنفي، وله رسالة في أصول الفقه، وغير ذلك توفي في بغداد سنة 340 هـ. انظر: الجواهر المضية (2/493) ت رقم (894) والفهرست لابن النديم ص 258 ومعجم المؤلفين (2/351) ، ت رقم (8771) .
(6)
بدائع الصنائع (1/384) .
بقوله صلى الله عليه وسلم (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)(1) .
وجه الدلالة: أن المفاضلة تكون حقيقتها بين فاضلين جائزين (2) .
وناقشوا استدلال أصحاب القول الأول بما يلي:
1-
الآية التي استدلوا بها المراد بها تعليم صلاة الخوف وبيانها عند ملاقاة العدو، لأن ذلك أبلغ في الحراسة فلا دليل على وجوب الجماعة فيها (3) .
والجواب من وجهين:
الأول: أنه أمرهم بصلاة الجماعة معه في صلاة الخوف، والأمر المطلق يقتضي الوجوب فهي واجبة حال الخوف (4) .
الثاني: أن صلاة الخوف يجوز فيها ما لا يجوز في غيرها من ترك استقبال القبلة والعمل الكثير والتأخر عن متابعة الإمام، ولو كانت صلاة الجماعة غير واجبة لكان قد التزم المصلي محظورا مبطلا للصلاة لأجل فعل مستحب، فعلم أنها واجبة (5) .
2-
وناقشوا الاستدلال بالحديث من وجهين:
الأول: أن الحديث ورد في قوم منافقين يتخلفون عن الجماعة ولا يصلون فرادى.
(1) سبق تخريجه.
(2)
المجموع للنووي (4/88) والحاوي الكبير (2/298) .
(3)
الحاوي الكبير (2/301) .
(4)
مجموع الفتاوى (23/227) .
(5)
مجموع الفتاوى (23/227)
الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لقد هممت) ولم يفعل ولو كان واجبا ما تركه (1) .
والجواب على الوجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيل المنافقين في الأمور الباطنة، أما ما ظهر منهم من ترك واجب أو فعل محرم فإنه يعاقبهم عليه، فلولا أن في ذلك ترك واجب لما حرقهم ثم إنه رتب العقوبة على ترك شهود الصلاة فيجب ربط الحكم بالسبب الذي ذكره (2) .
أما الوجه الثاني: فإنه تركهم، لأنه يجوز ترك الواجب لما هو أوجب منه (3) وربما أنه كان في البيوت أطفال ونساء ممن لا تجب عليهم صلاة الجماعة، فترك ذلك من أجلهم، قال الشيخ ابن عثيمين: الذي منعه، أنه لا يعاقب بالنار إلا الله سبحانه وتعالى (4) .
الترجيح
الذي يظهر لي مما تقدم في حكم صلاة الجماعة أنها فرض عين لما سبق من الأدلة الدالة على وجوبها على الأعيان، ولمواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليها حتى في حالات قتال الأعداء وشدة الخوف، ثم لو كانت سنة لما توعد تاركها بالعقاب، ولو كانت فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول صلى الله عليه وسلم وبمن صلى معه، فتعين أنها فرض عين وليست شرطا في صحة الصلاة، كما ذهب إليه بعض الحنابلة، وابن حزم، وغيرهم لما سبق من أحاديث المفاضلة التي تدل على صحة صلاة الفرد بدون عذر، وقياسهم الشروط على
(1) المجموع للنووي (4/88) .
(2)
مجموع الفتاوى (23/229) .
(3)
شرح الزرقاني على موطأ مالك (1/381) .
(4)
الشرح الممتع (4/191) .
سائر الواجبات في الصلاة قياس مع الفارق، لأن صلاة الجماعة واجبة للصلاة وسائر الواجبات في الصلاة واجبة في الصلاة ذاتها، فهي ألصق بها من الواجب لها (1) والله أعلم. إذا تقرر هذا فهل الجماعة شرط في صلاة الخوف؟
إذا كان الخوف غير شديد فهي واجبة على الأعيان، وليست شرطا لصحة الصلاة على ما رجحنا من أقوال أهل العلم، ويجري فيها الخلاف السابق ذكره.
والأدلة على أنها واجبة على الأعيان في الخوف غير الشديد ما سبق من أدلة الوجوب، وما سبق أيضا من صفات صلاة الخوف والتي كان فيها الرسول صلى الله عليه وسلم محافظا على صلاة الجماعة على اختلاف صورها وصفاتها (2) .
ولأن في صلاة المجاهدين جماعة، هيبة في قلوب العدو، وتأليف بين المجاهدين، وتقوية لهم على الجهاد في سبيل الله.
أما إقامة الجماعة في حال شدة الخوف، فقد اختلف الفقهاء في ذلك فذهب الجمهور إلى أنه يصح إقامة الجماعة في صلاة شدة الخوف ويومئون بالركوع والسجود (3)
واستدلوا بما سبق من الأدلة الواردة في فضل صلاة الجماعة ولزومها.
وقال الحنفية وهو قول عند الحنابلة لا يلزمهم إقامة الصلاة جماعة في اشتداد الخوف (4)
(1) الشرح الممتع (4/207) .
(2)
راجع: الحالة الأولى في كيفية صلاة الخوف.
(3)
بلغه السالك (1/186) وحاشية العدوى بحاشية الخرشي (2/284) . الأم (1/222) والمجموع (4/312) والشرح الكبير (1/457) والمغني لابن قدامة (3/319) وتجب عند الحنابلة كغيرها لعموم الأدلة.
انظر: كشاف القناع (1/499) والفروع لابن ملفح (2/85) .
(4)
المبسوط (2/48) وبدائع الصنائع (1/559) وحاشية ابن عابدين (3/75) والشرح الكبير (1/457) .