الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الله بن علي العمرو (الثاني)
من العمرو هؤلاء الشيخ الشهير عبد الله بن علي العمرو أحد المشايخ الكبار فيمن يسمون (جماعة الشيخ ابن جاسر)، بل يجعله بعض الناس الرجل الثاني في تلك الجماعة.
وقد ذكرت في ترجمة الشيخ ابن جاسر شيئًا عن الجماعة المذكورة التي انشقت عن المشايخ آل سليم ومشايخهم آل الشيخ الذين صاروا يسمون (آل عبد اللطيف).
فأنكروا على المشايخ أشياء عدوها تشددًا وتزمتًا مثل تحريم السفر إلى بلاد الكفار التي يراد بها الأمصار العربية كالشام ومصر التي كانت تحكمها تركيا أو السفر إلى تركيا نفسها.
وبخاصة ما كان المشايخ وأتباعهم يفعلون من هجر من عاد من سفر إلى تلك البلاد وعلى رأسهم جماعة كبيرة من أهل بريدة من تجار المواشي الذين كانوا يسافرون بها من القصيم إلى الشام ومصر، وكذلك الذين يسافرون منهم إلى العراق.
إلَّا أن المشايخ يفرقون بين العوام من هؤلاء وطلبة العلم، فطالب العلم والعالم إذا سافر إلى هناك ثم عاد يهجره بعض إخوانه بمعنى أنهم لا يكلمونه ولا يدعونه إلى بيوتهم، ولا يستجيبون لدعوته إذا دعاهم.
وهناك مسائل أهم من هذا ولكنها أقل ظهورًا لأنها مسائل علمية مجردة مثل الحكم على من فعل فعلًا يكفر فاعله، هل يحكم عليه بالكفر ويجزم بأنه في النار أم يقال بأن فعله فعل الكفار، ولا يحكم عليه بأنه كافر مخلد في النار؟ لاحتمال أن يتوب في آخر لحظة أو أن يغفر الله له ذنوبه من دون أن يعرف الناس.
كان من المظنون أن تبقي الخلافات بين المشايخ آل سليم وتلامذتهم أو زملائهم هؤلاء مجرد خلافات علمية، لولا أن الأمر دخله جد من الجد، فالملك عبد العزيز بدأ نجمه بالسطوع، والمشايخ آل سليم ومن معهم بحكم طبيعتهم مع
آل سعود، لأن آل سعود مع آل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، والمشايخ آل سعود وأتباعهم هم في الأصل من تلامذة آل الشيخ أو بعضهم كذلك.
وكان ابن رشيد خصم آل سعود قد حكم نجدًا كلها على وجه التقريب لأول مرة وهو محمد بن عبد الله بن رشيد، ولكن الرجل عاقل بعيد نظر، وهو إلى ذلك محب لطلبة العلم فاعتبر الناس أن جماعة الشيخ ابن جاسر وأشهرهم ابن عمرو قد التفوا إلى ابن رشيد بسبب خصامهم مع المشايخ آل سليم الذين يؤيدون آل سعود.
ولكن الأمير ابن رشيد عامل المشايخ بلطف حتى إنه عندما دخل إلى بريدة بعد وقعة المليدا عام 1308 هـ. وكان قد طلَّق أي حلف بالطلاق أنه إذا تمكن من دخول بريدة (يفضاها) أي يبيح لجنوده أن يفعلوا فيها ما يشاءون كما كان بعض الحكام القدماء إذا دخلوا بلدة استباحوها، ولكنه بعد أن تغلب على أهلها ندم على ذلك ومنع جنوده من فعل أي شيء لا يجوز شرعًا بأهلها وعزم على أن يضحي بنسائه اللاتي معه فيفارقهن من أجل صيانة دماء المسلمين وأعراضهم، فأحضر الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم واستفتاه في ذلك وأخبره أنه كان طلق إن لم يفعل ببريدة ذلك وأنه الآن نادم ولا يمكن أن يقدم على مثله.
قال: ومعي الآن أكثر من امرأة فهل يجب عليَّ أن أفارق جميع زوجاتي؟ فأجابه الشيخ ابن سليم - فيما نقل لنا - بقوله: وش أنت ناوي بالطلاق أهو من جميع نسائك أم واحدة منهن؟
فقال ابن رشيد: ما نويت شيئًا من هذا وقت ما لفظت بالطلاق، فقال الشيخ ابن سليم: يمكن أن تكتفي بتطليق واحدة من نسائك ففعل.
ولم يفعل محمد بن رشيد شيئًا للشيخ محمد بن عبد الله بن سليم بخلاف ابن أخيه الذي تولى الإمارة بعده فإنه نفى الشيخ محمد بن سليم إلى النبهانية
بعد أن تغلب ابن رشيد على أهل القصيم ومن معهم في وقعة الطرفية التي يسميها بعض الناس وقعة الصريف عام 1318 هـ.
وكان من أهم المسائل التي اختلف فيها ابن جاسر و (الشيخ ابن عمرو) كان من كبار أصحابه: ما يتعلق بالدولة التركية، إذ كانوا يرون أن الدولة التركية دولة مسلمة ينبغي توليها والدعاء لها، وبذل الوسع في ذلك.
وعندما استعان عبد العزيز بن رشيد بالحكومة التركية وأرسلت إليه جنودًا قاتلوا معه في وقعة البكيرية ضد ابن سعود ومن معه من أهل القصيم تجلى واضحًا بأن السياسة قد دخلت في هذه الاختلافات العلمية.
والجميع يحكون ويتكلمون بأن الشيخ عبد الله بن عمرو كان من أنشط أصحابه في الانتصار لابن رشيد، وبالتالي للدولة التركية، حتى نقل عنه أنه كان يدعو للدولة التركية في جامع بريدة، وقيل: إنه دعا في خطبة الجمعة للسلطان محمد رشاد، فقال: اللهم انصر السلطان وانصر عساكره على الدولة، أو قال: الدول الكافرة الفاجرة.
وزعم بعض الناس أن الشيخ ابن عمرو سافر للكويت ومن ثم إلى العراق ليسعى لدى الدولة التركية من أجل إرسال جنود يقاتلون مع ابن رشيد.
وهذا ما أكده لي طائفة من أنصار المشايخ آل سليم ومنهم الشيخ سليمان بن علي المقبل الملقب (أبو حنيفة).
قالوا: ولما بلغ ذلك الملك عبد العزيز آل سعود غضب غضبًا شديدًا، إضافة إلى ما كان في نفسه على ابن عمرو ليس من أجل مخالفة المشايخ آل سليم وأمثاله، فهو لم يفعل شيئًا ضد من خالفوهم إلَّا بعدم توظيفهم أو توليهم مناصب دينية في وقته، على قلة المناصب الدينية في تلك الأزمان.
وترصد له بعد أن علم أنه سوف يتوجه من الكويت إلى بريدة، ولكن الشيخ ابن عمرو لم يصل إلى بريدة، إذ وجد في الشماسية عند وصوله إليها من أخبره بأن الملك عبد العزيز يريد القبض عليه.
فاختفى في الشماسية حتى أرسل أمير بريدة بناء على أمر الملك عبد العزيز من استقصى أمره فوجده هناك فاقتاده إلى الرياض، حيث الملك عبد العزيز بقتله.
وقد كنا سمعنا أن الملك عبد العزيز عام 1326 هـ لم يقتل أحدًا بيده إلا اثنين هما عبد الله بن عمرو هذا وشخص آخر، ولكن أمير منطقة القصيم سعود بن هذلول حدثني عمن حضر قتل ابن عمرو أن الملك عبد العزيز لم يقتل ابن عمرو بيده، وأنه قتل والملك عبد العزيز يشاهد ذلك، قال: وقد أمر الملك عبد العزيز بإحضاره وقتله بمحضر عدد من المقربين إليه أي إلى الملك عبد العزيز.
أقول: بلغنا أن الملك عبد العزيز بعد أن قتل الشيخ ابن عمرو كان يحمد الله تعالى ويقول: إنني كنت أسأل الله تعالى أن يمكنني من شخصين هما فلان من شيوخ الأعراب وعبد الله بن عمرو والحمد لله الذي مكنني من ذلك.
هذا وقد دفن في الرياض، ويقال: إنه نبتت بعد ذلك على قبره شجرة.
سمعت عبد الله بن نصار وأنا في مبتدأ طلبي العلم في جامع بريدة يقول لشخص آخر بجانبه أو بجانب الذي بجانبه في الصف: يقولون إن قبر الشيخ عبد الله بن عمرو نبتت فوقه شجرة ظللت عليه من دون ما يغرسها أحد، وكان الشيخ فهد العيسي غير بعيد منه، فقال: ترى الشجرة التي تقولون: (اذن حمار)، و (اذن الحمار) شجرة قصيرة لا تظلل على شيء.
ولكن الشيخ فهد العيسى سمعه وهو من طلبة العلم تلاميذ آل سليم وهم ضد جماعة الشيخ ابن جاسر الذين منهم ابن عمرو، أما عبد الله النصار وهو من النصار آل أبو عليان الذين هم حكام بريدة السابقين فإنه من أشد أنصار الشيخ ابن
جاسر والمدافعين عنه، المقلدين له، وإن كان ابن نصار يصلي في روضة المسجد التي خلف الإمام، خلف المشايخ آل سليم أو تلامذتهم، وذلك أنه كان يبكر في الحضور إلى المسجد وقد رأيته كذلك في عام 1364 هـ وما بعده.
كما كان الشيخ عبد الله بن عمرو نشيطًا في اتصالاته كان نشيطًا أيضًا بقلمه في الرد على خصومه الذين هم المشايخ من آل سليم، وأكبرهم قدرًا وأعلاهم مقامًا هو شيخه الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم.
ولم يكن أحد من هؤلاء الجماعة في مثل نشاط ابن عمرو فيما يتعلق بهذا الأمر ولا فيما يقاربه منه.
ولذلك بلغنا أنه ألف كتابين في الرد على المشايخ من أهل الرياض ومن حوله بقربهم من أهل العارض، عنوان أحدهما (الرد المنيف، على آل عبد اللطيف) والثاني اختلف في عنوانه أو إنني أنا نسيته وهو (الرد العارض على جهلة أهل العارض).
ولم أجد شخصًا رأى أي كتاب من الكتابين هذين لا شك أن ذلك لكونهما يردان على المشايخ الذين كانوا عندما عقلنا الأمور هم علماء أهل البلاد، ولكن شيخنا الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد أخبرني أنه رأى من رأى أحدهما، وهذا غريب وعجيب، لأنه لا يخلو ما فيهما من أن يكون حقًّا أو باطلًا.
فإن كان حقًّا فالحق أحق أن يتبع، وإن كان باطلًا كان الإطلاع عليهما مهمًّا للرد عليهما وبيان ما فيهما من الباطل.
وقد أشار الشيخ عبد الله بن عمرو نفسه في رسالته للأمير محمد بن رشيد إليهما أو إلى أحدهما، وذكر أنه يبعث نسخة منه إلى الأمير محمد بن رشيد مع رسالته.