الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رسالة ابن عمرو إلى الأمير محمد بن رشيد:
عندما كنت مبتدأ بطلب العلم في عام 1364 هـ على وجه التقريب رأيت طلبة العلم من أتباع المشايخ آل سليم يتداولون رسالة يقولون: إن ابن عمرو كان كتبها للأمير محمد بن رشيد وأرسلها إليه في حائل يحرضه فيها على المشايخ من آل سليم وطلبتهم.
ولم أكن في ذلك الوقت قد صار لي اهتمام بمثل هذه الرسالة فاطلعت عليها كما يطلع الإنسان على المعلومات العامة، إذ كان عمري آنذاك تسع عشرة سنة وكانت مخطوطة إذ لم تكن توجد في ذلك الوقت رسائل مكتوبة على الآلة الكاتبة، ولم نكن عرفناها بعد، وإنما كل شيء يتم عن طريق النسخ باليد، ولم يكن بإمكاني آنذاك أن أعرف كاتب تلك الرسالة ولا كان من شأن الناس آنذاك أن يبحثوا مثل هذه الأمور، وإنما كانوا سلموا بأنها رسالة من ابن عمرو أرسلها إلى ابن رشيد لما ذكر.
وقد غابت عني مثل هذه الأمور أو غبت عنها لسنين طويلة، حتى وصلت إليَّ رسالة الشيخ ابن عمرو إلى ابن رشيد مكتوبة بالآلة الكاتبة.
وقد تمنيت أن تكون بخط ابن عمرو حتى نقارنها بخطه على رسائل أخرى حتى نستيقن من صحتها.
ومع ذلك وجدتني عندما قرأتها أعتقد بصحتها، لأن الأسلوب هو أسلوب جماعة الشيخ ابن جاسر، وإن لم يكن عند أحد منهم الجرأة على إرسال مثل هذه الرسالة حتى الشيخ إبراهيم بن جاسر الذي هو زعيم تلك الجماعة لا نعرف له رسائل من هذا النوع.
وقد ذكر جماعة من المعروفين عندنا بأنهم بالفعل من أنصار آل سليم وأن دفاعهم عنهم شديد، وأن هجومهم على من خالفوهم من جماعة ابن جاسر كان شديدًا أيضًا.
وقد أحببت مناقشة الرسالة أو التنبيه على المهم مما جاء فيها من هذا المنطلق ثم إيراد نصها.
ذكر ابن عمرو أنه قدم عليهم في بريدة حسين بن عرفج معه رسائل من عبد الله بن عبد اللطيف وأخيه إبراهيم بن عبد اللطيف، وذكر حسين العرفج وهو الذي تقدم ذكره قريبًا وهو من المخلصين المتعلقين بالمشايخ آل سليم معروف بذلك.
وصف الشيخ ابن عمرو الرسائل المذكورة بصفات سيئة وذكر أنه علق على تلك الرسائل تعليقًا يسيرًا لبيان بعض ما فيهن، وذكر أن في كل قرية من قرى نجد ناسًا يرون رأي ابن عبد اللطيف، وقال: أنا نبهت عليهن أي الرسائل لا لزود علم ولا لقوة عشيرة وإنما هو لأجل معرفتي أن الأمر لله ثم لك فقط.
إلى أن قال: إنه قبل ورود هذه الرسائل جاءت قصيدة من ابن سحمان لعلي آل مقبل فيها تكفير للناس، ويقول فيها إن ابن جاسر وجماعته انحازوا إلى مسجد شابه مسجد الضرار.
ونحن نعرف أن علي المقبل اسم والده مقبل العبيد وأنه ليس من أسرة (المقبل) التي منها قاضي بريدة الشهير سليمان بن علي المقبل، وأنه أي علي المقبل ثري ومحسن سيأتي ذكر شيء من إحسانه في حرف الميم.
وهو من أشد أنصار المشايخ آل سليم يبذل في ذلك جهده وماله، ولذلك ذكره ابن عمرو في هذه الرسالة.
ثم ذكر ابن عمرو بعض أنصار آل سليم المعروفين لنا مثل فوزان العبد العزيز الفوزان وابن جربوع وعيال مبارك الحمد (الحميد).
ثم ذكر ابن عمرو أن عبد الكريم الناصر الجربوع وهو من المعروفين بنصرة آل سليم قال له: والله إنك خاسر قالها لابن عمرو (يجي) خمس مرات.
ونحن هنا بعد تلك المدة الطويلة وبعد أن عرفنا مصير ابن عمرو نرى أن ما ذكره من كون ابن عمرو خاسرًا هو أمر حقيقي إذا اريد بذلك الخسارة التي يعرفها الناس فقد خسر ابن عمرو حياته وخسر ما كان يأمل من منصب أو مكانة، فإذا كان ابن جربوع أراد بما قاله هذا فهو صحيح وإن كان أراد الخسارة في الدار الآخرة فذلك أمره عند ربي.
ثم ذكر ابن عمرو عددًا من أتباع المشايخ وقال إنهم أشد ضررًا بعد ابن سليم الذي يريد به الشيخ محمد بن عبد الله بن سليم وهم ابن فدا وابن مقبل وعيال عبد العزيز الفوزان، قال: واللي ما لهم اسم كثير مثل ابن قربع.
وهذا نص رسالته:
"بسم الله الرحمن الرحيم
إلى جناب الأمير المكرم /محمد بن عبد الله بن رشيد
جعله الله من أئمة العدل الذين يقضون بالحق وبه يعدلون، وألحقه بآثار أوليائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، آمين.
سلام الله عليكم ورحمته ومغفرته ومرضاته وموجب الكتاب إبلاغ جنابكم جزيل السلام وبعد: أطال الله عمرك على طاعته مكاتيبكم للجماعة وصلت شكر الله سعيكم وأعلى بالخير ذكركم ولا حصل من جنابكم تقصير وإنما التقصير حصل ممن وردت عليه لقلة تمييزهم وعدم معرفتهم ما دلت عليه ونظرك من ورائهم فيه كفاية.
كذلك الله يسلمك ذكرنا لك قدوم رسائل عبد الله بن عبد اللطيف وأخيه إبراهيم بن عبد اللطيف على ابن سليم وما أصابه من الخفة والطيشان بعد ورودهن وأنه قدم علينا رسالة إبراهيم العبد اللطيف مع حسين بن عرفج ضرير
…
عندنا ورسالة
عبد الله نظيرتها جاءت السابق (1)، وأشرفنا عليها من عنده فلما نظرت فيهن وإذا هن قد اشتملن على العجب ورؤية النفس واحتقار الغير والتكفير بغير علم مع ما فيهن من الكذب على الله ورسوله وأهل العلم ومع هذا كله أظهر ابن سليم تعاظمهن لما غلب عليه من الهوى والغلو ومحبة إثارة الفتن نسأل الله العافية، فلما رأيت ذلك علقت عليهن تعليقًا يسيرًا لبيان بعض ما فيهن ولا يخفاك أن جميع نجد كل قرية فيها ناس يرون رأي ابن عبد اللطيف ويظنونه معدن العلم ويكفرون من خالفه وأنا نبهت عليهن لا لزيادة علم ولا لقوة عشيرة وإنما هو لأجل معرفتي أن الأمر لله ثم لك فقط - وأن ابن عبد اللطيف وابن سليم ما عندهم إلا اللسان وهذا ما يوجب السكوت عن الحق ونرجو أن ما فعل من الخير بسبب ولايتكم تجدونه في موازينكم وهي واصلتكم إن شاء الله، وليس الخبر كالمعاينة.
وتعرف أن جميع موافقيهم أزود منهم خفة وطيشان وعجب، ومذهبهم هذا تمكن في قلوب كثير من الناس وحاصلة الحكم على سائر البلاد بالكفر وتحريم السفر إليها وتكفير من خالفهم لأنه خالف ابن عبد اللطيف ويحسبونه معدن العلم ولا يقول إلا حقًّا والجهل بحره عميق ولا ساحل له وأمرهم هذا ضرره عام ليس هو علينا فقط لأنك أول من يوافقنا على تخطئتهم ولله الحمد.
كذلك أطال الله عمرك على طاعته عرفنا من خلقكم الجميل ووفاء عقلكم النبيل صبركم على الأذى ممن تقدرون عليه بل تكافئونه عليه بالإحسان وهذه خصلة كما قال الله تعالى (وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم).
لكن عليكم أن تكلوا قوة الانتصار لأنفسكم بالمبادرة للانتصار للإسلام وللمظلومين من المسلمين فهو من سبب سعادة الدارين ولا شك أن هذا الغلو الذي شاع في نجد خطؤه يعرفه كل أحد وأنه لم يسبقهم إليه سابق وأول من
(1) يعني سابق الفوزان.
تكلم فيه فيما رأينا حمد بن عتيق وتبعه ابن عبد اللطيف وحرموا الأسفار إلى تلك البلاد إلا بشروط يتعذر وجودها.
ومع ظهور بطلان هذا القول شرعًا وعقلًا قبله أكثر طلبة العلم في نجد لما دخل في قلوبهم بسببه تروس ناس جهال مثل حسن بن حسين وابن عبد اللطيف ناس غلب عليهم الغلو مع قلة العلم ومع ذلك فيهم الجسرة على تكفير من خالفهم في خرافاتهم ما سترى بعضه في هذه الرسائل إن شاء الله.
بحيث وصل بهم هذا الغلو إلى الجنون يدل على ذلك أنه قبل ورد الرسائل جاء قصيدة من ابن سمحان لعلي آل مقبل فيها تكفير جماعة ويقول فيها إن ابن جاسر وجماعته انحازوا في مسجد شابه مسجد الضرار وصاروا مثل أبي سفيان يوم أحد وحنين قال اعلو هبل فقام شيخ الإسلام يعني ابن سليم قيام الليث وركب العضبى وسار في شدة الحر للأمر يريد نصرة الدين، فصار مثل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين أجابوا أبا سفيان بقولهم، الله أعلى وأجل.
ومع هذه الفضائح صار فوزان العبد العزيز راع الشماسية يغيبها ويقرءوها حتى على الحريم ولامه بعض الناس وقال إن الشيخ أمرني أن أغيبها وأقرأها على الناس ويقول الشيخ لذ بدماغي، فإذا صار هذا عقل شيخهم فكيف بالمتعلمين؟
وأيضًا لما سمعنا مكاتيبك انخرعنا وهي نصرة لنا وابن سليم دعا ابن جربوع وعيال مبارك الحمد إبراهيم ومحمد وجاهم علي آل مقبل وقرأ عليهم خطك وحالا حول عبد الكريم الناصر الجربوع من سطح الجامع ومر علي وأنا جالس أقرأ ومعه فوزان العبد العزيز وأنا عند الضبيعي صالح جالس.
قال ابن جربوع: والله انك خاسر كررها يجي خمس مرات، قال ما أيزاك روحك لذيك الديرة عن الشكاية لابن رشيد؟
قلت: لا تحلف علي الخسارة فجعل يكررها هو وفوزان بن عبد العزيز حتى خرجوا من المسجد وهم يكررونه.
فإذا كان هذا صنيعهم حال قراءة مكتوبك فكيف يصنعون لو غفل عنهم وهو بعد وصول مكاتيبك أعملوا حيلة يريدون التلبيس على جنابكم مع الإقامة على ما هم عليه، واستلحقوا إبراهيم الجاسر وسابق وفوزان والربدي عند الأمير يبون منهم يكتبون لجنابكم تبرأة لهم ولا حصل ثم استلحقوا هم وابن سليم الجماعة يبون منهم يكتبون لهم براءة ولا حصل.
فحاصل أمرهم غلو سببه الجنون ولا أدري أهم جهلوا سطوتك أو اغتروا ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا.
ولا نقدر نشير على الشيوخ بالأمر الذي ينبغي يفعل بهم وبه يحصل قمعهم لأن نظرهم أوسع وغيرتهم أوفي وشيمتهم وأنفهم أتم، وما في اللوح المحفوظ يكون وهم في قرى نجد كثيرون ومن أعظمهم ضرر في بريدة بعد ابن سليم، ابن فدا وابن مقبل وعيال عبد العزيز الفوزان سعود وفوزان، وإلى مالهم اسم كثير ابن قربع وشبهه ونرجو الله أن يردهم إلى الحق بسببك ولا يخفي جنابكم ما فعل عمر بن الخطاب بصبيغ حين سأل عن متشابه القرآن فخاف من أن يصير فتنة والمطلوب من جناب الشيوخ يسامحون عن الجرأة عليهم بالإطالة لأن السماح عادة أهل الكرم والجود.
ومنا السلام على حمود وعبد العزيز وكافة آل رشيد ومن عز عليكم.
والسلام
…
حرر في 26 من رمضان سنة 1314 هـ
محبكم الداعي
عبد الله بن عمرو آل رشيد
نقل عن أصله بكل أمانة للتاريخ والعبرة.