المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فقه الحياة أو الأحكام: - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٢

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌التمهيد لتحويل القبلة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة بين الآيات:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تحويل القبلة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌تاريخ النزول:

- ‌سبب نزول الآية: {الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ}:

- ‌المناسبة أو وجه الربط بين الآيات:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وهل القبلة للغائب عين الكعبة أو الجهة

- ‌الاختلاف في القبلة وأسباب تحويلها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الصبر على البلاء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (154):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌السعي بين الصفا والمروة وجزاء كتمان آيات الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌سبب نزول الآية (158):

- ‌سبب نزول الآية (159 وما بعدها):

- ‌المناسبة بين الآيات:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وحدانية الإله ورحمته ومظاهر قدرته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌وجه المناسبة أو الربط بين الآيات:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حال المشركين مع آلهتهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تحليل الطيبات ومنشأ تحريم المحرمات

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (168):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحلال والحرام من المآكل

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌كتمان أهل الكتاب ما أنزل الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (174):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مظاهر البر الحقيقي

- ‌الإعراب:

- ‌ البلاغة

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مشروعية القصاص وحكمته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مسائل فقهية:

- ‌1 - قتل الحر بالعبد والمسلم بالكافر:

- ‌2 - قتل الرجل بالمرأة:

- ‌3 - قتل الوالد بالولد:

- ‌4 - قتل الجماعة بالواحد:

- ‌5 - المماثلة في تطبيق القصاص (أداة القصاص):

- ‌6 - أخذ الدية من قاتل العمد:

- ‌7 - هل للنساء عفو

- ‌8 - هل الاتباع بالمعروف والأداء واجب أو مندوب

- ‌9 - حكم القاتل بعد أخذ الدية:

- ‌10 - القصاص للحاكم:

- ‌11 - القصاص من الحاكم نفسه:

- ‌الوصية الواجبة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مسائل فقهية:

- ‌1 - مقدار الوصية:

- ‌3 - وقال أئمة المذاهب الأربعة والأوزاعي:

- ‌6 - رجوع المجيزين للوصية للوارث في حياة الموصي بعد وفاته:

- ‌7 - وصية الصبي المميز والسفيه والمجنون:

- ‌8 - تبديل الوصية:

- ‌9 - الوصية بمعصية:

- ‌10 - الإصلاح والحكم بالظن:

- ‌11 - أفضلية الصدقة حال الحياة:

- ‌12 - الإضرار في الوصية:

- ‌فرضية الصيام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (184):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أحكام الصيام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (186):

- ‌سبب نزول الآية (187):

- ‌سبب زيادة {مِنَ الْفَجْرِ}:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌هل الدعاء يفيد

- ‌أكل الأموال بالباطل

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التوقيت بالشهر القمري وحقيقة البر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قواعد القتال في سبيل الله

- ‌لبلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌مشروعية القتال:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌1 - هل آية {وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ} منسوخة

- ‌2 - أمان اللاجئ إلى الحرم:

- ‌3 - غاية القتال وحكمته:

- ‌وهل سبب القتال رد العدوان والإيذاء أو الكفر

- ‌4 - الظفر بالحق:

- ‌5 - المماثلة في القصاص:

- ‌6 - الجهاد بالنفس والمال:

- ‌7 - اقتحام أهوال الحرب أو العمل الفدائي:

- ‌أحكام الحج والعمرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان والأحكام:

- ‌1 - إتمام الحج والعمرة:

- ‌2 - اتفق العلماء على فرضية الحج، واختلفوا في العمرة

- ‌4 - الإحصار:

- ‌4 - حلق الرأس أو التقصير:

- ‌5 - جزاء الحلق وقتل الهوام:

- ‌6 - فدية المتمتع:

- ‌7 - وقت الحج: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ} فيه حذف، تقديره:

- ‌8 - من هم حاضرو المسجد الحرام

- ‌9 - ما يحظر في الإحرام:

- ‌10 - حكمة محرمات الإحرام:

- ‌تتمة أحكام الحج

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (198):

- ‌نزول الآية (199):

- ‌نزول الآية (200):

- ‌نزول آخر الآية (200) والآيتين (200 - 201):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الناس إما منافقون أو مخلصون

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الدعوة إلى قبول الإسلام واتباع أحكامه وجزاء المخالف

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحاجة إلى الرسل وما يلاقونه مع المؤمنين في دعوتهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مقدار نفقة التطوع ومصرفها

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌فرضية القتال وإباحته في الأشهر الحرام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (216):

- ‌نزول الآية (217):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌علة مشروعية القتال:

- ‌الارتداد والمرتد:

- ‌وهل يستتاب المرتد قبل قتله

- ‌المرحلة الثانية من مراحل تحريم الخمر وحرمة القمار

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌وأما سبب نزول قوله تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ}:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الخمر وأضرارها:

- ‌1 - مضارها الصحية:

- ‌2 - مضارها العقلية:

- ‌3 - مضارها المالية:

- ‌4 - مضارها الاجتماعية:

- ‌5 - مضارها الأدبية:

- ‌6 - مضارها العامة:

- ‌7 - مضارها الدينية:

- ‌الميسر أو القمار وأضراره:

- ‌إنفاق الزائد عن الحاجة (العفو):

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الولاية على مال اليتيم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الاجتهاد:

- ‌زواج المسلم بالمشركة

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحيض وأحكامه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (222):

- ‌نزول الآية (223):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحلف بالله ويمين اللغو

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حكم الإيلاء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عدّة المطلّقة وحقوق النساء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌1 - وجوب العدة:

- ‌2 - مشروعية الرجعة:

- ‌3 - حقوق الزوجين:

- ‌عدد الطلاق وما يترتب عليه من أحكام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (229):

- ‌نزول الآية (230):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌1 - عدد الطلاق والسنة فيه:

- ‌2 - الخلع:

- ‌وهل الخلع طلاق أو فسخ

- ‌وهل يجبر الرجل على قبول الخلع

- ‌3 - نكاح المبتوتة:

- ‌وهل على الزوجة خدمة

- ‌واجب الرجل في معاملة المطلّقة وولاية التزويج

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (231):

- ‌نزول الآية (232):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الاسترضاع بأجر ومدّة الرضاع ونفقة الأولاد وأحكام أخرى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عدة المتوفى عنها زوجها

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌ما تمتنع منه المعتدة:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌خطبة المتوفى عنها زوجها تعريضا ووقت العقد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المطلقة قبل الدخول ومتعتها أو وجوب نصف المهر لها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحفاظ على الصلاة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وصية الحول للمتوفى عنها زوجها ومتعة كلّ مطلّقة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (240):

- ‌نزول الآية (241):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌موت الأمم بالجبن والبخل وحياتها بالشجاعة والإنفاق

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌1 - الأعمار والأقدار والبلايا والأمراض بيد الله

- ‌2 - وجوب القتال:

- ‌3 - الإنفاق في سبيل الله:

- ‌قصة أبي الدحداح:

- ‌4 - أداء القرض:

- ‌5 - ثواب القرض:

- ‌6 - بعض أحكام القرض:

- ‌وهل يجوز القرض أو التصدق بالعرض

- ‌قصة النّبي صمويل والملك طالوت وترك بني إسرائيل الجهاد

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات ملك طالوت واختباره الأتباعوانهزام الفئة الكثيرة أمام الفئة القليلة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌أضواء من التاريخ على قصة طالوت وجالوت

- ‌فقه الحياة أو الأحكام والعبرة من هذه القصة:

الفصل: ‌فقه الحياة أو الأحكام:

مرض، فيجب عليه الصيام، لأنه أحد أركان الإسلام الخمسة. ومن لم يشهد الشهر، كسكان البلاد القطبية-التي يتساوى فيها الليل والنهار كل نصف عام، أي يكون الليل فيها نصف سنة في القطب الشمالي، بينما يكون نهارا في القطب الجنوبي، فعليهم أن يقدروا مدة تساوي شهر رمضان بحسب أقرب البلاد المعتدلة إليهم، أو بحسب مكة والمدينة اللتين وقع فيهما التشريع.

ثم أعاد الله تأكيد الرخصة في الإفطار مرة ثانية، حتى لا يظن تعميم وجوب الصوم بعد قوله:{فَلْيَصُمْهُ} وبعد بيان مزايا الصوم وأهميته، لأن الله يريد في كل ما شرع من أحكام، ومنها رخصة الإفطار لذوي الأعذار، أن يحقق اليسر للناس ويدفع عنهم العسر.

وأمر أصحاب الأعذار في حالي المرض والسفر ونحوهما بالقضاء أو الفدية، لأنه يريد إكمال عدّة الشهر، ولنكبّر الله ونعظمه ونشكره على نعمه كلها، ومنها إعطاء كل من العزيمة والرخصة حقها.

‌فقه الحياة أو الأحكام:

اشتملت هذه الآيات على أحكام كثيرة، أبيّنها بإيجاز:

1 -

للصوم فضل عظيم وثواب جسيم، ويكفي في فضله أن الله خصه بالإضافة إليه، كما

جاء في الحديث القدسي الذي يخبر به النّبي صلى الله عليه وسلم عن ربّه:

«يقول الله تبارك وتعالى: كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به» ، وتخصيص الصوم بأنه له، مع أن العبادات كلها له، لأمرين ذكرهما القرطبي:

أحدهما-أن الصوم يمنع من ملاذ النفس وشهواتها، ما لا يمنع منه سائر العبادات.

ص: 135

الثاني-أن الصوم سرّ بين العبد وبين ربّه، لا يظهر إلا له، فصار مختصا به، وما سواه من العبادات ظاهر قد يدخله الرياء.

2 -

الصوم يعدّ النفس للتقوى، لقوله تعالى:{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فهو سبب تقوى الله، لأنه يميت الشهوات، ولأنه كما

قال عليه الصلاة والسلام: «الصيام جنّة ووجاء»

(1)

.

3 -

يجوز للمريض والمسافر الإفطار في رمضان، ويجب عليهما القضاء في وقت آخر. والمرض المبيح للفطر في رأي أكثر الفقهاء: هو الذي يؤدي إلى ضرر في النفس، أو زيادة في العلة. والعبرة في ذلك بما يغلب على الظنّ. وهذا الضابط هو الذي يتفق مع حكمة الرخصة في الآية: وهي إرادة اليسر ودفع العسر. وظاهر اللفظ: اعتبار مطلق المرض، بحيث يطلق عليه اسم المرض، وإلى ذلك ذهب ابن سيرين وعطاء والبخاري.

وأما السفر المبيح للفطر: فهو الذي يبيح قصر الصلاة الرباعية، وقدره في رأي الجمهور ستة عشر فرسخا أو ثمانية وأربعون ميلا هاشمية، أو مسيرة يومين معتدلين أو مرحلتين بسير الأثقال ودبيب الأقدام، والبحر كالبر. ودليلهم ما رواه الشافعي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:«يا أهل مكة، لا تقصروا في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان» وقدروها بحوالي 89 كم.

وقدر السفر الذي يبيح الترخيص عند الحنفية: هو قدر ثلاث مراحل أو أربع وعشرين فرسخا، أو مسيرة ثلاثة أيام سيرا وسطا، وهو سير الإبل، والأقدام في البر، وسير السفن الشراعية في البحر، ويكتفون بسير معظم اليوم، وقدروه ب 96 كم. واحتجوا

بقوله عليه الصلاة والسلام: «يمسح المقيم يوما وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن» ولا يكون كذلك حتى تكون مدة السفر

(1)

أي أن الصوم يضعف شهوة الجماع، كما أن الوجاء (الخصاء) يقطعها.

ص: 136

ثلاثة أيام، لأن الشرع جعل علة امتداد مدة المسح إلى الثلاثة: السفر، والرخص لا تعلم إلا من الشرع. وأيضا ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم اعتبار الثلاثة الأيام سفرا، وذلك

في حديث ابن عمر عن النّبي صلى الله عليه وسلم: «أنه نهى عن أن تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم» وهو حديث متفق عليه، فيرجح على أخبار رواها أبو سعيد وأبو هريرة مفادها منع المرأة من السفر يومين.

وذهب أكثر الفقهاء إلى أن الإفطار رخصة، فإن شاء صام، وإن شاء أفطر، لأن في الآية إضمارا تقديره: فمن كان منكم مريضا أو على سفر، فأفطر، فعليه عدة من أيام أخر.

وروى أبو داود في سننه عن عائشة: أن حمزة الأسلمي سأل النّبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، هل أصوم على السفر؟ فقال:«صم إن شئت، وأفطر إن شئت» .

وقد ثبت عن جماعة من الصحابة (ابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وأنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وأبي الدرداء، وسلمة) عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنه صام في السفر، وصام الصحابة مع النّبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح في رمضان، ثم إنه قال لهم:«إنكم قد دنوتم من عدوكم، والفطر أقوى لكم، فأفطروا» .

وقال بعض الصحابة (ابن عباس وابن عمر): الواجب على المسافر والمريض الفطر، وصيام عدة من أيام أخر، لظاهر

قوله عليه الصلاة والسلام: «ليس من البر الصيام في السفر» ، وردّ الجمهور بأن هذا كلام خرج على حال مخصوصة، وذلك ما

رواه شعبة من طريق جابر بن عبد الله عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى رجلا يظلل عليه، والزحام عليه شديد، فقال:«ليس من البرّ الصيام في السفر» ، فمن سمع وذكر الحديث، ذكره مع سببه، وبعضهم اقتصر على ذكر الحديث.

وقرر أكثر الأئمة: أن الصوم للمسافر أفضل لمن قوي عليه، لقوله تعالى:

ص: 137

{وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} أي أن صومكم أيها المرضى والمسافرون والذين يطيقونه خير لكم من الفدية، لما فيه من مجاهدة النفس وقوة الإيمان ومراقبة الله. وذهب أحمد والأوزاعي وجماعة إلى أن الفطر أفضل، لقول الله تعالى:{يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ، وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} .

واتفق العلماء على أن المسافر في رمضان لا يجوز له أن يبيت الفطر، لأن المسافر لا يكون مسافرا بالنية، بخلاف المقيم، وإنما يكون مسافرا بالعمل والنهوض، والمقيم لا يفتقر إلى عمل، لأنه إذا نوى الإقامة كان مقيما في الحين.

ولا خلاف بينهم أيضا في الذي يؤمل السفر أنه لا يجوز له أن يفطر قبل أن يخرج.

واتفقوا على أن المسافر سفر الطاعة كالحج والجهاد وصلة الرحم وطلب المعاش الضروري وسفر التجارات والمباحات: له الإفطار. وأما سفر العاصي فيجوز له الإفطار عند الحنفية، لأن السفر نفسه ليس بمعصية، وإنما المعصية ما يكون بعده أو يجاوره، فلا يؤثر على رخصة القصر، ولأنه قد يتوب إذا تذكر نعمة الله عليه بالسماح له بالفطر والقصر وغيرهما.

وقال الجمهور غير الحنفية: لا تباح الرخص المختصة بالسفر من القصر والجمع والفطر ونحوها، لما في الرخصة من الإعانة على المحرم، والشرع نهى عن ذلك.

4 -

دل قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ} على أن المريض أو المسافر واجبه الأصلي الصوم، ويرخص له في الفطر، فإذا أفطر فليقض أياما مكان الأيام التي أفطر فيها، وهذا رأي الجمهور، لأن معنى الآية: من كان منكم مريضا أو مسافرا، فأفطر، فعليه صيام أيام أخر، بعد ما أفطر. وإذا صام أهل البلد تسعة وعشرين، وفي البلد رجل مريض لم يصح، فإنه يقضي تسعة وعشرين يوما.

ص: 138

ويستحب في رأي الجمهور ولا يجب تتابع أيام القضاء، لأن آية {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ} مطلقة، لم تخص متفرقة من متتابعة، وإذا أتى بها متفرقة فقد صام عدة من أيام أخر. وروى الدارقطني بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها، قالت: نزلت «فعدة من أيام أخر متتابعات» فسقطت: «متتابعات» .

ودلت هذه الآية أيضا على وجوب القضاء من غير تعيين لزمان، لأن اللفظ إذا شمل الأزمان لا يختص ببعضها دون بعض.

فإن جاء رمضان آخر ولم يقض، لزمه في رأي الجمهور كفارة: وهي أن يطعم لكل يوم مسكينا. وقال أبو حنيفة: لا كفارة عليه، عملا بظاهر الآية:

{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ} . ودليل الجمهور ما

رواه الدارقطني بإسناد صحيح عن أبي هريرة فيمن فرّط في قضاء رمضان حتى أدركه رمضان آخر، قال:«يصوم هذا مع الناس، ويصوم الذي فرّط فيه، ويطعم لكل يوم مسكينا» .

5 -

من أفطر متعمدا أو جامع في نهار رمضان وجب عليه عند الحنفية والمالكية خلافا لغيرهم الكفارة: وهي عتق رقبة مؤمنة عند الجمهور، ولو غير مؤمنة عند الحنفية، فإن عجز صام شهرين متتابعين، فإن عجز أطعم ستين مسكينا. ولا كفارة بالإفطار أو الجماع في قضاء رمضان.

والجمهور على أن من أفطر في رمضان لعلة، فمات من علته تلك، أو سافر، فمات في سفره ذلك: أنه لا شيء عليه.

ومن مات وعليه صوم من رمضان لم يقضه عنه أحد: قال مالك والشافعي وأبو حنيفة: لا يصوم أحد عن أحد، لقوله تعالى:{وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} [الأنعام 164/ 6]{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى} [النجم 39/ 53]{وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْها} [الأنعام 164/ 6]، ولما

خرجه النسائي عن ابن

ص: 139

عباس عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم أحد عن أحد، ولكن يطعم عنه مكان كل يوم مدا من حنطة» .

وقال أحمد: يستحب للولي أن يصوم عن الميت إذا مات بعد إمكان القضاء، لأنه أحوط لبراءة ذمة الميت، ويصوم عنه أيضا إذا كان الصوم نذرا، لما

رواه مسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من مات، وعليه صيام، صام عنه وليه» وهذا عام في الصوم، يخصصه ما

رواه مسلم أيضا عن ابن عباس، قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن أمي قد ماتت وعليها صوم نذر، أفأصوم عنها؟ قال:«أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه، أكان يؤدي ذلك عنها؟» قالت: نعم، قال:«فصومي عن أمك» .

6 -

ثبت بالأسانيد الصحاح عن ابن عباس أن آية {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ} ليست بمنسوخة، وأنها محكمة في حق من لا يقدر على الصيام، وفيه ضرر، كالشيخ الفاني والشيخة الفانية، وعليهم الفدية: طعام مسكين.

فالناس على ثلاث أحوال: الأصحاء المقيمون، ويلزمهم الصوم عينا في رمضان، والمرضى والمسافرون، ولهم الفطر إن أرادوا، وعليهم إن أفطروا أيام أخر، وقوم لا يقدرون على الصوم، وفيه ضرر، فهؤلاء يفدون.

والراجح أن هذه الآية تتناول الحامل والمرضع، سئل الحسن البصري عن الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسهما أو ولدهما، فقال: أي مرض أشد من الحمل؟ تفطر وتقضي.

وأجمع العلماء على أن الواجب على الشيخ الهرم الفدية ومثله المريض الذي لا يرجى برؤه، أما الحامل والمرضع، فعليهما القضاء دون الفدية عند الحنفية،

ص: 140

والفدية والقضاء عند الشافعية والحنابلة إن خافتا على ولدهما فقط، والفدية والقضاء على المرضع فقط، لا الحامل عند المالكية.

ومقدار الفدية عند أبي حنيفة: نصف صاع (مدان) من برّ، أو صاع من غيره كالتمر أو الشعير، ومد من الطعام من غالب قوت البلد عن كل يوم عند الجمهور. ومن تطوع بالزيادة على مسكين أو في مقدار الفدية على المسكين، أو بالصيام مع الفدية، فهو خير له. والمد 675 غم، والصاع 2751 غم.

7 -

دل قوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} على أن الصيام في السفر والمرض غير الشاق وغير ذلك خير، والأولى حمله على العموم، لعموم اللفظ كما قال الفخر الرازي، وهو يقتضي الحض على الصوم مطلقا، كما قال القرطبي.

8 -

امتاز رمضان باختصاصه بالصوم فيه من بين الشهور، لأنه أنزل فيه القرآن، أي ابتدأ إنزاله في رمضان، ولا منافاة بين إنزاله في رمضان، وإنزاله في ليلة القدر والليلة المباركة، لأن هذه الليلة في رمضان.

والقرآن: اسم لكلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم. وهو مشتق من القراءة، وهو بمعنى المقروء، فهو مصدر: قرأ قراءة وقرآنا، فأطلق المصدر وأريد به اسم المفعول، كما في قوله تعالى:{وَقُرْآنَ الْفَجْرِ، إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً} [الإسراء 78/ 17] أو مشتق من القرآن، لأن آياته قد قرن بعضها ببعض.

9 -

{فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} : هناك قولان في مفعول {شَهِدَ} .

أحدهما-أن مفعول {شَهِدَ} محذوف، والمعنى: فمن شهد البلد في الشهر، أي لم يكن مسافرا، ويكون الشهر منصوبا على الظرفية.

والثاني-أن مفعول {شَهِدَ} هو الشهر، والتقدير: فمن شهد الشهر

ص: 141

وشاهده بعقله وبمعرفته، فليصمه، هذا.. مع ملاحظة أن خطابات الله جميعا تتوجه إلى المكلفين، فتكون الآية مخصوصة بمن يتأتى تكليفهم. أما الوجه الأول فيعتمد على تقدير محذوف أي إضمار، والمقرر في الأصول: إذا تعارض التخصيص والإضمار، تعين المصير إلى التخصيص.

ويرى الجمهور أن الآية عامة في المكلفين، وهي تشمل المسافر والمقيم، غير أن المسافر يترخص بالفطر كالمريض، وعليهما عدة من أيام أخر.

ويرى الجمهور أيضا أن شهود أي جزء من أجزاء الشهر يكفي في وجوب الصوم، إلا أن الحنفية رأوا أن صوم جميع الشهر يجب بشهود أي جزء منه، ويرى الشافعية أن شهود أي جزء موجب لصوم ذلك الجزء.

أما من جنّ في رمضان، فقال المالكية: إنه يقضي ما مضى، ولو جن سنين. وقال غيرهم: إنه لا قضاء عليه لما مضى، كالصبي إذا بلغ، والكافر إذا أسلم. ومن أفاق في بعض الشهر يصوم في الأصح لدى الشافعية والحنابلة ما شهد فقط، ولا قضاء عليه لغيره.

وأما الصبي يبلغ، والكافر يسلم في بعض رمضان، فقال الجمهور غير الحنابلة: إنهما يصومان ما بقي، وليس عليهما قضاء ما مضى، ولا اليوم الذي حصل فيه البلوغ والإسلام. وقال الحنابلة في الأصح: يلزمهما قضاء اليوم الذي حدث فيه البلوغ والإسلام. وبه يعلم أن فرض الصوم مستحق بالإسلام والبلوغ والعلم بالشهر.

وشهود الشهر: يكون برؤية الهلال أو بالعلم أنه قد رئي، ولا عبرة بالحساب وعلم النجوم في رأي الجمهور (منهم أئمة المذاهب الأربعة)، لما

رواه ابن عمر أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الشهر تسع وعشرون، ولا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له» ، أي فأكملوا المقدار،

ص: 142

بدليل حديث أبي هريرة عند النسائي: «فأكملوا العدة» . وهذا موافق لظاهر قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ، قُلْ: هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة 189/ 2].

وأجاز بعضهم الاعتماد على المراصد والحساب عند ثبوت إفادتها العلم القطعي بهذه المواقيت، ولو مع المحافظة على رؤية الهلال في حال عدم المانع من رؤيته، للجمع بين ظاهر النص والمراد منه، تحقيقا لاتفاق الأمة في عبادتها، وإبعادها عن الخلاف، ما أمكن الاتفاق وسيلة ومقصدا، لأن العلم مقدم على الظن، فلا يعمل بالظن مع إمكان العلم، فمن أمكنه رؤية الكعبة لا يجوز له أن يجتهد في التوجه إليها، ويعمل بظنه الذي يؤديه إليه الاجتهاد

(1)

.

وأفتى علماء السعودية في صفر 1409 هـ بجواز الاعتماد على مكبرات الرؤية في المراصد.

10 -

هل يثبت هلال رمضان بشهادة واحد أو شاهدين؟ للعلماء رأيان:

قال مالك: لا يقبل فيه شهادة الواحد، لأنها شهادة على هلال، فلا يقبل فيها أقل من اثنين، كالشهادة على هلال شوال وذي الحجة.

وقال الجمهور: يقبل قول الواحد العدل، لما

روى أبو داود عن ابن عمر قال: تراءى الناس الهلال، فأخبرت به رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه. وتقبل شهادة المرأة عند الحنفية والحنابلة، ولا تقبل عند المالكية والشافعية.

11 -

من رأى هلال رمضان وحده أو هلال شوال: قال الشافعي: من رأى هلال رمضان وحده فليصمه، ومن رأى هلال شوال وحده فليفطر، وليخف ذلك. وقال مالك وأحمد: الذي يرى هلال رمضان وحده يصوم، لأنه لا ينبغي

(1)

تفسير المنار: 150/ 2، ط 1972 بمصر.

ص: 143

له أن يفطر وهو يعلم أن ذلك اليوم من شهر رمضان. ومن رأى هلال شوال وحده فلا يفطر، لأن الناس يتّهمون من يفطر منهم بأنه ليس مأمونا، ثم يقول أولئك إذا ظهر أمرهم: قد رأينا الهلال. وإذا لم ير الهلال بسبب كسوف الشمس مثلا، كما حدث في رمضان عام 1404 هـ، وصام بعض الناس ثمانية وعشرين يوما، بسبب رؤية هلال شوال، وجب قضاء يوم، إكمالا لعدة الشهر، وهو 29 يوما على الأقل.

12 -

اختلاف المطالع: قال الجمهور: إذا رئي الهلال في بلد وجب على أهل البلاد الأخرى الصيام، سواء قربت البلاد أو بعدت، توحيدا للصوم بين المسلمين، ولا عبرة باختلاف المطالع.

وقال الشافعية: إن قرب البلد فالحكم واحد، وإن بعد فلأهل كل بلد رؤيتهم، والمسافة بين القريب والبعيد في الأصح لديهم بحسب مسافة القصر (89 كم). ومثل هذا الرأي لم يعد مقبولا.

13 -

لا اعتبار برؤية هلال شوال يوم الثلاثين من رمضان نهارا، بل هو لليلة التي تأتي، وهو الصحيح.

14 -

دل قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللهَ} على الحض على التكبير في آخر رمضان في قول جمهور أهل التأويل، فهذه الآية دليل على مشروعية التكبير في عيد الفطر. ولفظ التكبير عند مالك وجماعة من العلماء: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، ثلاثا. ومن العلماء: من يكبّر ويهلّل ويسبح أثناء التكبير، ومنهم من يقول: الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا.

وأما وقت التكبير ومدته: فقال أبو حنيفة ومالك: يندب التكبير في عيد الفطر بالخروج من داره إلى المصلى، فإذا انقضت الصلاة، انقضى العيد. وقال الشافعي وأحمد: يندب التكبير في أي وقت عقب الصلاة وفي أي زمن من

ص: 144

غروب شمس ليلة العيد إلى أداء صلاة العيد، أي من رؤية الهلال إلى خروج الإمام للصلاة.

15 -

ما يفطّر الصائم وما لا يفطره: يفطر الصائم بالأكل والشرب والجماع عمدا بالنص والإجماع، ويفطر أيضا بالدواء، والقيء عمدا، والاستمناء (إخراج المني بغير جماع)، وإنزال الماء إلى الجوف أثناء المبالغة في المضمضة والاستنشاق، وتناول الدخان المعروف «التبغ» ، وابتلاع النخامة في رأي الشافعية، وتناول أي شيء مادي يصل إلى الجوف عمدا، سواء أكان مغذيا أم غير مغذ.

ولا يفطر الصائم بالفصد اتفاقا، كما لا يفطر عند الجمهور بالأكل ونحوه ناسيا، ويفطر عند المالكية.

ولا يفسد الصوم بالقطرة أو بالحجامة، أو بالحقنة، أو بالاكتحال في العين في رأي الحنفية والشافعية، ويفطّر الاكتحال بكحل يتحقق معه وصوله إلى الحلق في رأي الحنابلة والمالكية، وكذا تفطر الحجامة عندهم إذا ظهر دم.

ولا يفسد الصوم بالسواك والمضمضة والاستنشاق من غير مبالغة، ولا بالاغتسال والسباحة. ويفطر عند المالكية بوصول ماء المضمضة والاستنشاق والسواك ولو سهوا أو خطا ولو من غير مبالغة.

ولا يفطر إذا غلبه القيء ولم يبتلع منه شيئا، ولا بخلع الضرس ما لم يبتلع شيئا من الدم أو الدواء. ولا بحقنة في إحليل الرجل في رأي الحنفية والمالكية، وأما في إحليل المرأة فيفطر عند الحنفية، وتفطر الحقنة مطلقا عند الشافعية.

ولا يفطر بإنزال المذي عند الحنفية والشافعية، ويفطر به عند المالكية والحنابلة في حال التقبيل أو المباشرة فيما دون الفرج.

وأما المجامع ناسيا ففيه أقوال ثلاثة:

ص: 145

أحدها-لا قضاء عليه ولا كفارة، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة والأكثرين.

والثاني-عليه القضاء بلا كفارة، وهو قول مالك.

والثالث-عليه الأمران وهو المشهور عن أحمد.

وتجب الكفارة بالجماع عمدا في نهار رمضان باتفاق الفقهاء، وكذا بالأكل والشرب عمدا عند الحنفية والمالكية، ويجب الإمساك بقية النهار. ولا تجب الكفارة بالفطر في غير رمضان في رأي أكثر العلماء.

وتتداخل الكفارة، فلا تجب إلا واحدة بتكرر الإفطار في أيام عند الحنفية، وتتعدد الكفارة بتعدد الإفطار في أيام مختلفة في رأي الجمهور.

واختلف العلماء فيما يجب على المرأة التي يطؤها زوجها في شهر رمضان:

فقال المالكية والحنفية والحنابلة: عليها مثل ما على الزوج إن مكنته طائعة، ولا كفارة عليها إن كانت مكرهة. وقال الشافعي: ليس عليها كفارة، وعليها القضاء فقط، سواء طاوعته أو أكرهها.

ولا كفارة على من أمنى بالنظر أو التفكير عند الجمهور، وعليه الكفارة عند الحنابلة، ولا يفسد صومه أيضا عند الحنفية.

ص: 146