الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهل بحج وعمرة، وأهلّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج»
وروي حديث آخر: «القران رخصة» ولأن في الإفراد زيادة التلبية، والسفر، والحلق، والثواب على قدر المشقة وهذا أصح الآراء.
وقال الحنابلة: التمتع أفضل، فالإفراد، فالقرآن، لأن التمتع جاء ذكره في القرآن، ولما
رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر: «تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عام حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى وساق الهدي معه من ذي الحليفة»
وقال النّبي صلى الله عليه وسلم: «لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي، ولجعلتها عمرة»
(1)
.
وعلى كل حال، فإن الآية لا تدل لأحد المذاهب السابقة، إذ ليس فيها إلا الأمر بالإتمام، وهو لا يقتضي شيئا منها، وإنما المعول على ما في السنة، والترجيح بين الروايات. ويلاحظ أن من اعتمر في أشهر الحج، ثم رجع إلى بلده ومنزله، ثم حج من عامه، فليس بمتمتع في رأي الجمهور. وقد جمع المحدثون بين روايات حجه صلى الله عليه وسلم بوجوه: أقواها أنه أهل بالحج مفردا، ثم أدخل عليه العمرة فصار قرانا، فيحمل قول القائلين بالإفراد على ما أهل به، وقول القائلين بالقرآن على ما انتهى إليه عمله من إدخال العمرة على الحج.
7 - وقت الحج: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ} فيه حذف، تقديره:
وقت أعمال الحج أشهر معلومات، أو الحج في أشهر معلومات، وهي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة، فلا تصح نية الحج في مذهب الشافعي إلا في هذا الوقت، وتنتهي أعماله في أيام التشريق الثلاث. والأشهر المعلومات هي ما ذكر في رأي الجمهور غير المالكية.
وقوله {مَعْلُوماتٌ} : إقرار لما كان عليه العرب في الجاهلية من اعتبار
(1)
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي عن جابر بن عبد الله
هذه الأشهر أشهرا للحج، وذلك من لدن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام.
وقال مالك: هي شوال وذو القعدة وذو الحجة كله. وفائدة الخلاف: تظهر فيمن أوقع شيئا من أعمال الحج بعد يوم النحر، فمن قال: إن ذا الحجة كله من أشهر الحج، قال: تم حجه، ولا يلزمه دم بالتأخير.
ومن قال: إلى عشر ذي الحجة، قال: يلزمه دم بالتأخير، كما ذكر الشوكاني.
وذكر الجصاص الرازي توفيقا بين القولين، فقال: وقال قائلون: وجائز أن لا يكون ذلك اختلافا في الحقيقة، وأن يكون مراد من قال: وذو الحجة: أنه بعضه، لأن الحج لا محالة، إنما هو في بعض الأشهر، لا في جميعها، لأنه لا خلاف أنه ليس يبقى بعد أيام (منى) شيء من مناسك الحج. وقالوا: ويحتمل أن يكون من تأوله على ذي الحجة كله: مراده أنها لما كانت هذه أشهر الحج، كان الاختيار عنده فعل العمرة في غيرها، كما روي عن عمر وغيره من الصحابة استحبابهم لفعل العمرة في غير أشهر الحج
(1)
.
وأضاف الجصاص قائلا:
ولا تنازع بين أهل اللغة في تجويز إرادة الشهرين وبعض الثالث بقوله:
{أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ} كما
قال النّبي صلى الله عليه وسلم: «أيام منى ثلاثة» وإنما هي يومان وبعض الثالث. ويقولون: حججت عام كذا، وإنما الحج في بعضه، ولقيت فلانا سنة كذا، وإنما كان لقاؤه في بعضها، وكلمته يوم الجمعة، والمراد البعض، وذلك من مفهوم الخطاب إذا تعذر استغراق الفعل للوقت، كان المعقول منه البعض.
(1)
أحكام القرآن: 299/ 1
ثم قال: ولقول من يقول: إنها شوال، وذو القعدة، وذو الحجة وجه آخر، وهو ينتظم القولين جميعا، وهو أن الآية سيقت لبيان أن هذه هي الأشهر التي يكون فيها الحج، بدون تبديل ولا تغيير، على نحو ما كان يفعله أهل الجاهلية من التغيير والتبديل، فكانوا ينسئون الشهور، فيجعلون صفرا المحرم، ويستحلون المحرم، على حسب ما يتفق لهم من الأمور التي يريدون فيها القتال، وكانوا يغيرون في أشهر الحج، فمعنى قوله تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ} : أن عمال الحج تقع في هذه الأشهر، على مقتضى بيان السنة، دون ما كان يفعله أهل الجاهلية من تبديل الشهور، وتأخير الحج وتقديمه.
وهل يجوز الإحرام بالحج قبل أشهر الحج؟ اختلف السلف وأئمة المذاهب في ذلك، فقال الجمهور غير الشافعية
(1)
: يجوز الإحرام بالحج قبل أشهر الحج، وينعقد حجا، ولا ينقلب عمرة، ولكنه مكروه، لما أخرجه البخاري عن ابن عباس:«من السنة ألا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج» وتكون فائدة توقيت الحج بهذه الأشهر لبيان أن أفعال الحج لا تصح إلا فيها، وأما صحة الإحرام في غيرها، فلأنه شرط للحج، فيجوز تقديمه على أدائه، كتقديم الطهارة على أداء الصلاة.
وقال الشافعي: لا يجوز لأحد أن يهلّ بالحج قبل أشهر الحج، وينعقد إحرامه بالعمرة، وظاهر الآية يشهد له، لأنها قد جعلت وقت الحج هذه الأشهر المعلومات، والإحرام بالعبادة قبل وقتها لا يجوز، كما لا تجوز نية الظهر قبل الظهر.
ونية الإحرام بالحج: تجب فرضا، لقوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ} ومن تمام العبادة: حضور النية، وهي فرض عند الإحرام،
لقوله عليه الصلاة والسلام لما
(1)
المبدع في شرح المقنع، لابن مفلح المؤرخ الحنبلي: 113/ 3