الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُعْرِضُونَ. وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف 105/ 10 - 106].
وجاء في الحديث النّبوي عن الآية التي نفسرها هنا: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ.} .: «ويل لمن قرأ هذه الآية، فمجّ بها» أي قذف، والمراد: عدم الاعتبار والتفكر والاعتداد بها.
فقه الحياة أو الأحكام:
لما حذر الله تعالى من كتمان الحق، بيّن أن أول ما يجب إظهاره ولا يجوز كتمانه: أمر التوحيد، وأعقبه بذكر البرهان وضرورة النظر: وهو التفكر في عجائب الصنع والإبداع، ليعلم أنه لا بد له من فاعل لا يشبهه شيء، وأخبر تعالى في آية:{وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ} عن تفرده بالألوهية، وأنه لا شريك له، ولا عديل له، بل هو الله الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لا إله إلا هو، وأنه الرحمن الرحيم.
جاء في الحديث عن أسماء بنت يزيد بن السّكن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين: {وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ} و {الم، اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ}» .
وقوله تعالى: {لا إِلهَ إِلاّ هُوَ} نفي وإثبات، أولها كفر وآخرها إيمان، ومعناه: لا معبود إلا الله.
أخرج مسلم عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من كان آخر كلامه: لا إله إلا الله، دخل الجنة» والمقصود: القلب، لا اللسان، فلو قال:
لا إله، ومات ومعتقده وضميره الوحدانية وما يجب له من الصفات، لكان من أهل الجنة، باتفاق أهل السنة.
ثم أورد سبحانه الدليل على تفرده بالألوهية بخلق السموات والأرض وما فيهما وما بين ذلك مما ذرأ وبرأ من المخلوقات الدالة على وحدانيته. فهذا العالم والبناء العجيب لا بد له من بان وصانع.
فآية السموات: ارتفاعها بغير عمد من تحتها ولا علائق من فوقها.
وآية الأرض: بحارها وأنهارها ومعادنها وشجرها وسهلها ووعرها.
وآية الليل والنهار: اختلافهما بإقبال أحدهما وإدبار الآخر من حيث لا يعلم، واختلافهما في الأوصاف من النور والظلمة والطول والقصر. والنهار:
من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والليل: من الغروب إلى الفجر.
وآية الفلك (السفن): تسخير الله إياها حتى تجري على وجه الماء ووقوفها فوقه مع ثقلها، وأول من عملها نوح عليه السلام، كما أخبر تعالى، وقال له جبريل: «اصنعها على جؤجؤ
(1)
الطائر» فعملها نوح بما أراه جبريل، فالسفينة طائر مقلوب، والماء في أسفلها نظير الهواء في أعلاها.
وإذا كانت السفن مسخرة للإنسان، فيجوز ركوب البحر مطلقا، لتجارة كانت أو عبادة، كالحج والجهاد.
وآية الأمطار: كيفية تكونها وتجمعها وتفريقها، وإنعاش العالم بها، وإخراج النّبات والأرزاق، وجعل المخزون منها في الأرض عدة في غير وقت نزولها، كما قال الله تعالى:{فَأَسْكَنّاهُ فِي الْأَرْضِ} [المؤمنون 18/ 23].
وفي السماء مختلف أنواع الدواب، قال الله تعالى:{وَبَثَّ فِيها مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ} [البقرة 164/ 2] والدابة: تجمع الحيوان كله.
وآية الرياح: تصريفها، أي إرسالها عقيما وملقحة، ونكبا وهلاكا ونصرا، وحارة وباردة، وليّنة وعاصفة، وفيها التفريج والتنفيس والترويح،
روى أبو داود عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الرّيح من روح الله، تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبّوها، واسألوا الله خيرها،
(1)
الجؤجؤ: الصدر، وقيل عظامه.
واستعيذوا بالله من شرها» ويلاحظ أن الرياح تستعمل في الخير، والريح في العذاب،
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إذا هبت الريح: «اللهم اجعلها رياحا، ولا تجعلها ريحا» لأن ريح العذاب شديدة ملتئمة الأجزاء، كأنها جسم واحد، وريح الرحمة ليّنة متقطعة.
وآية السحاب: تجمعه وتحريكه من مكان إلى آخر وثبوته بين السماء والأرض من غير عمد ولا علائق، يشبه الجبال، ويدهش لرؤيته من يراه من ركاب الطائرة عند ما تحلق فوقه. قال كعب الأحبار: السحاب غربال المطر، لولا السحاب حين ينزل الماء من السماء، لأفسد ما يقع عليه من الأرض.
والخلاصة: أن قوله تعالى: {وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ.} . لتقرير مبدأ الوحدانية، وإثبات الرحمة والرأفة بالمخلوقات، وأما ما ذكر بعدئذ فهو لإقامة الأدلة الواضحة على الوحدانية والقدرة والرحمة. ولم يقتصر الله تعالى في ذكر وحدانيته على مجرد الإخبار، حتى قرن ذلك بالنظر والاعتبار في آي القرآن، فقال لنبيه:{قُلِ: اُنْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} [يونس 101/ 10] والخطاب للكفار، لقوله تعالى:{وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس 101/ 10] وقال: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} [الأعراف 185/ 7] والملكوت: الآيات. وقال: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذاريات 21/ 51] والمعنى: أو لم ينظروا في ذلك نظر تفكر وتدبر، حتى يستدلوا بكونها محلا للحوادث والتغييرات على أنها محدثات، وأن المحدث لا يستغني عن صانع يصنعه، وأن ذلك الصانع حكيم عالم قدير مريد سميع بصير متكلم، لأنه لو لم يكن بهذه الصفات، لكن الإنسان أكمل منه، وذلك محال.