الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{فَيُضاعِفَهُ} يضيف له مثله ومثله. {أَضْعافاً كَثِيرَةً} من عشرة إلى أكثر من سبعمائة.
{يَقْبِضُ} يقتر أو يمسك الرزق عمن يشاء ابتلاء. {وَيَبْصُطُ} يوسعه لمن يشاء امتحانا.
{وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} في الآخرة بالبعث، فيجازيكم بأعمالكم.
سبب النزول:
نزول الآية (245):
روى ابن حبان في صحيحة وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر، قال:
لما نزلت: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ} [البقرة 261/ 2] الآية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ربّ، زد أمتي فنزلت:{مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً، فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً} .
المناسبة:
ذكر الله تعالى في الآيات السابقة أحكام الأسرة لتنظيم العلاقة بين أفرادها، وبنائها على دعائم وطيدة وأسس ثابتة راسخة، ثم ذكر بعدها أحكام الجهاد للدفاع عن الأمة وصون مقدّساتها والدّفاع عن عقيدتها، إذ لا صلاح للأسرة إلا بصلاح المجتمع، وللجمع بين الحفاظ على المصلحة الخاصة والمصلحة العامة، فيتحقق التوازن والتعادل بين ما يحفظ الجماعة وما يحفظ الفرد والأسرة، بل إن صون المصالح الخاصة لا يتمّ في الحقيقة بدون صيانة المصالح العامة وحماية الأمة، والذود عن حياضها ووجودها أمام أعدائها.
التفسير والبيان:
ألم يصل إلى علمك حال هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم وأوطانهم، وهم قوم كثيرون من بني إسرائيل، لما لحقهم العدو وطاردهم؟ خرجوا وهم كثرة تعدّ بالألوف المؤلفة، حذر الموت والخوف منه، بسبب الجبن والخوف والهلع، وضعف
العزيمة، وعدم الإيمان بالله ورسله، مع أن كثرتهم تدعو إلى الثبات، والشجاعة، والصمود، والدفاع عن النفس والحمى.
ولم يبيّن الكتاب الكريم عددهم وجنسهم وبلدهم، لأن المقصود هو العظة والاعتبار، وذكر جماعة من السلف أنهم قوم من بني إسرائيل أو في زمان بني إسرائيل وهم أهل قرية يقال لها: داوردان: قرية على فرسخ من قبل واسط، أو أهل أذرعات، خرجوا هاربين فرارا من الطاعون، وقالوا: نأتي أرضا ليس بها موت، فتمكن منهم العدو، ففتك بهم، وقتل أكثرهم، وفرّق شملهم، أو أنّ الله أماتهم دون قتال ثم أحياهم، ليعتبروا ويعلموا أنه لا مفرّ من حكم الله وقضائه.
وعلى التأويل الأول: لما فرّوا أماتهم الله ببطش أعدائهم وتنكيله بهم وتعذيبه لهم، ولم يكن تمكين العدو فيهم إلا بسبب جبنهم وتخاذلهم، ثم أحياهم الله بدعاء نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له: حزقيل، فأحسّوا بخطئهم الفاحش، وكتّلوا صفوفهم، وقاتلوا عدوهم بإخلاص، واستعادوا عزّتهم وكرامتهم واستقلالهم.
وقيل عن الضّحّاك: هم قوم من بني إسرائيل دعاهم ملكهم إلى الجهاد، فهربوا، حذرا من الموت، فأماتهم الله ثمانية أيام ثم أحياهم، ليعرّفهم أنه لا ينجيهم من الموت شيء، ثم أحياهم وأمرهم بالجهاد بقوله تعالى:{وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ} . قال ابن عطية: وهذا القصص كلّه ليّن الأسانيد.
وقوله: {وَهُمْ أُلُوفٌ} فيه دليل على الألوف الكثيرة.
وقوله: {وَهُمْ أُلُوفٌ} فيه دليل على الألوف الكثيرة.
وقوله: {فَقالَ لَهُمُ اللهُ: مُوتُوا} قال فيه الزمخشري: معناه فأماتهم، وإنما جيء به على هذه العبارة، للدلالة على أنهم ماتوا ميتة رجل واحد، بأمر الله ومشيئته، وتلك ميتة خارجة عن العادة، كأنهم أمروا بشيء فامتثلوه امتثالا من غير إباء ولا توقّف، كقوله تعالى: {إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ:
كُنْ فَيَكُونُ} [يس 82/ 36]. وهذا تشجيع للمسلمين على الجهاد والتعرّض للشهادة، وأن الموت إذا لم يكن منه بدّ، ولم ينفع منه مفرّ، فأولى أن يكون في سبيل الله
(1)
. وقال أبو حيان: وفي الكلام حذف، التقدير: فماتوا، وظاهر هذا الموت: مفارقة الأرواح الأجساد، قيل: ماتوا ثمانية أيام، وقيل: سبعة أيام
(2)
.
وعلى أي حال فقد وقع الموت والإحياء فعلا، كما يدل عليه ظاهر الآية، والله على كل شيء قدير، وتكرر مثل هذا في زمان بني إسرائيل وغيرهم في قصص القرآن.
وإذ لم تثبت الروايات المنقولة في سبب خروج القوم، أهو الفرار من الحمّى أو الطاعون، أو الفرار من الجهاد، فإني أرى أن المعنى ما رآه الطبري: وهو أن الله تعالى أخبر نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم إخبارا في عبارة التنبيه والتوقيف عن قوم من البشر، خرجوا من ديارهم فرارا من الموت، فأماتهم الله تعالى. ثم أحياهم، ليروا هم وكلّ من خلف من بعدهم أن الإماتة إنما هي بيد الله تعالى، لا بيد غيره، فلا معنى لخوف خائف، ولا لاغترار مغتر. وجعل الله هذه الآية مقدمة بين يدي أمره المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم بالجهاد.
إن الله لذو فضل على الناس فيما يريهم من الآيات الباهرة والحجج القاطعة، وكان في إحيائهم عبرة ودليل قاطع على وقوع المعاد الجسماني يوم القيامة، أو لذو فضل عليهم فيما ابتلاهم به من الطاعون أو المرض أو العدو، ليعتبروا ويتعظوا ويأخذوا من المصائب عبرة ودرسا في الإيمان، أو فيما تتمخض عنه الحوادث من تصفية وصقل وتمييز الخبيث من الطيب، لأن الحوادث تنبت الرجال، وتحيي الأمة، وتوقظها من رقادها، وتنبهها إلى أخطائها ومفاسدها.
(1)
الكشاف: 286/ 1
(2)
البحر المحيط: 250/ 2