المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المناسبة بين الآيات: ما يزال القرآن يتصدى لما كان عليه - التفسير المنير - الزحيلي - جـ ٢

[وهبة الزحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌التمهيد لتحويل القبلة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة بين الآيات:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تحويل القبلة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌تاريخ النزول:

- ‌سبب نزول الآية: {الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ}:

- ‌المناسبة أو وجه الربط بين الآيات:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وهل القبلة للغائب عين الكعبة أو الجهة

- ‌الاختلاف في القبلة وأسباب تحويلها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الصبر على البلاء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (154):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌السعي بين الصفا والمروة وجزاء كتمان آيات الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌سبب نزول الآية (158):

- ‌سبب نزول الآية (159 وما بعدها):

- ‌المناسبة بين الآيات:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وحدانية الإله ورحمته ومظاهر قدرته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌وجه المناسبة أو الربط بين الآيات:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حال المشركين مع آلهتهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌تحليل الطيبات ومنشأ تحريم المحرمات

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (168):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحلال والحرام من المآكل

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌كتمان أهل الكتاب ما أنزل الله

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (174):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مظاهر البر الحقيقي

- ‌الإعراب:

- ‌ البلاغة

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مشروعية القصاص وحكمته

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مسائل فقهية:

- ‌1 - قتل الحر بالعبد والمسلم بالكافر:

- ‌2 - قتل الرجل بالمرأة:

- ‌3 - قتل الوالد بالولد:

- ‌4 - قتل الجماعة بالواحد:

- ‌5 - المماثلة في تطبيق القصاص (أداة القصاص):

- ‌6 - أخذ الدية من قاتل العمد:

- ‌7 - هل للنساء عفو

- ‌8 - هل الاتباع بالمعروف والأداء واجب أو مندوب

- ‌9 - حكم القاتل بعد أخذ الدية:

- ‌10 - القصاص للحاكم:

- ‌11 - القصاص من الحاكم نفسه:

- ‌الوصية الواجبة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مسائل فقهية:

- ‌1 - مقدار الوصية:

- ‌3 - وقال أئمة المذاهب الأربعة والأوزاعي:

- ‌6 - رجوع المجيزين للوصية للوارث في حياة الموصي بعد وفاته:

- ‌7 - وصية الصبي المميز والسفيه والمجنون:

- ‌8 - تبديل الوصية:

- ‌9 - الوصية بمعصية:

- ‌10 - الإصلاح والحكم بالظن:

- ‌11 - أفضلية الصدقة حال الحياة:

- ‌12 - الإضرار في الوصية:

- ‌فرضية الصيام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (184):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌أحكام الصيام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب نزول الآية (186):

- ‌سبب نزول الآية (187):

- ‌سبب زيادة {مِنَ الْفَجْرِ}:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌هل الدعاء يفيد

- ‌أكل الأموال بالباطل

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌التوقيت بالشهر القمري وحقيقة البر

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌قواعد القتال في سبيل الله

- ‌لبلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌مشروعية القتال:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌1 - هل آية {وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ} منسوخة

- ‌2 - أمان اللاجئ إلى الحرم:

- ‌3 - غاية القتال وحكمته:

- ‌وهل سبب القتال رد العدوان والإيذاء أو الكفر

- ‌4 - الظفر بالحق:

- ‌5 - المماثلة في القصاص:

- ‌6 - الجهاد بالنفس والمال:

- ‌7 - اقتحام أهوال الحرب أو العمل الفدائي:

- ‌أحكام الحج والعمرة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان والأحكام:

- ‌1 - إتمام الحج والعمرة:

- ‌2 - اتفق العلماء على فرضية الحج، واختلفوا في العمرة

- ‌4 - الإحصار:

- ‌4 - حلق الرأس أو التقصير:

- ‌5 - جزاء الحلق وقتل الهوام:

- ‌6 - فدية المتمتع:

- ‌7 - وقت الحج: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ} فيه حذف، تقديره:

- ‌8 - من هم حاضرو المسجد الحرام

- ‌9 - ما يحظر في الإحرام:

- ‌10 - حكمة محرمات الإحرام:

- ‌تتمة أحكام الحج

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (198):

- ‌نزول الآية (199):

- ‌نزول الآية (200):

- ‌نزول آخر الآية (200) والآيتين (200 - 201):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الناس إما منافقون أو مخلصون

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الدعوة إلى قبول الإسلام واتباع أحكامه وجزاء المخالف

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحاجة إلى الرسل وما يلاقونه مع المؤمنين في دعوتهم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌مقدار نفقة التطوع ومصرفها

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌فرضية القتال وإباحته في الأشهر الحرام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (216):

- ‌نزول الآية (217):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌علة مشروعية القتال:

- ‌الارتداد والمرتد:

- ‌وهل يستتاب المرتد قبل قتله

- ‌المرحلة الثانية من مراحل تحريم الخمر وحرمة القمار

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌وأما سبب نزول قوله تعالى: {وَيَسْئَلُونَكَ ماذا يُنْفِقُونَ}:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌الخمر وأضرارها:

- ‌1 - مضارها الصحية:

- ‌2 - مضارها العقلية:

- ‌3 - مضارها المالية:

- ‌4 - مضارها الاجتماعية:

- ‌5 - مضارها الأدبية:

- ‌6 - مضارها العامة:

- ‌7 - مضارها الدينية:

- ‌الميسر أو القمار وأضراره:

- ‌إنفاق الزائد عن الحاجة (العفو):

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الولاية على مال اليتيم

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الاجتهاد:

- ‌زواج المسلم بالمشركة

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحيض وأحكامه

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (222):

- ‌نزول الآية (223):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحلف بالله ويمين اللغو

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌حكم الإيلاء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عدّة المطلّقة وحقوق النساء

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌1 - وجوب العدة:

- ‌2 - مشروعية الرجعة:

- ‌3 - حقوق الزوجين:

- ‌عدد الطلاق وما يترتب عليه من أحكام

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (229):

- ‌نزول الآية (230):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌1 - عدد الطلاق والسنة فيه:

- ‌2 - الخلع:

- ‌وهل الخلع طلاق أو فسخ

- ‌وهل يجبر الرجل على قبول الخلع

- ‌3 - نكاح المبتوتة:

- ‌وهل على الزوجة خدمة

- ‌واجب الرجل في معاملة المطلّقة وولاية التزويج

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (231):

- ‌نزول الآية (232):

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الاسترضاع بأجر ومدّة الرضاع ونفقة الأولاد وأحكام أخرى

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌عدة المتوفى عنها زوجها

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌ما تمتنع منه المعتدة:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌خطبة المتوفى عنها زوجها تعريضا ووقت العقد

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌المطلقة قبل الدخول ومتعتها أو وجوب نصف المهر لها

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌الحفاظ على الصلاة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌وصية الحول للمتوفى عنها زوجها ومتعة كلّ مطلّقة

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌نزول الآية (240):

- ‌نزول الآية (241):

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌موت الأمم بالجبن والبخل وحياتها بالشجاعة والإنفاق

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌سبب النزول:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌1 - الأعمار والأقدار والبلايا والأمراض بيد الله

- ‌2 - وجوب القتال:

- ‌3 - الإنفاق في سبيل الله:

- ‌قصة أبي الدحداح:

- ‌4 - أداء القرض:

- ‌5 - ثواب القرض:

- ‌6 - بعض أحكام القرض:

- ‌وهل يجوز القرض أو التصدق بالعرض

- ‌قصة النّبي صمويل والملك طالوت وترك بني إسرائيل الجهاد

- ‌الإعراب:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌المناسبة:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌فقه الحياة أو الأحكام:

- ‌إثبات ملك طالوت واختباره الأتباعوانهزام الفئة الكثيرة أمام الفئة القليلة

- ‌الإعراب:

- ‌البلاغة:

- ‌المفردات اللغوية:

- ‌التفسير والبيان:

- ‌أضواء من التاريخ على قصة طالوت وجالوت

- ‌فقه الحياة أو الأحكام والعبرة من هذه القصة:

الفصل: ‌ ‌المناسبة بين الآيات: ما يزال القرآن يتصدى لما كان عليه

‌المناسبة بين الآيات:

ما يزال القرآن يتصدى لما كان عليه اليهود وإن شاركهم فيه غيرهم من المشركين كإنكار تحويل القبلة والنسخ.

كان النّبي صلى الله عليه وسلم يصلي وهو بالمدينة متجها إلى الصخرة التي في المسجد الأقصى ببيت المقدس، كما كان أنبياء بني إسرائيل يفعلون قبله، وظل كذلك ستة عشر شهرا، ولكنه كان يحب استقبال الكعبة ويتمنى ويدعو الله أن يتوجه إلى قبلة أبيه إبراهيم وهي الكعبة، فكان يجمع بين استقبالها واستقبال الصخرة، فيصلي في جنوب الكعبة مستقبلا الشمال، فاستجاب الله له وأمره بالتوجه إلى البيت العتيق، بعد هجرته إلى المدينة، ونزل قوله تعالى:{قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّماءِ} [البقرة 144/ 2]. وكان أول صلاة صلاها هي العصر، كما في الصحيحين، قال اليهود والمشركون والمنافقون: ما الذي دعاهم إلى تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة؟ وقالوا: لقد اشتاق محمد إلى مولده، وعن قريب يرجع إلى دينه.

وقد بدئ الكلام بالرّد على اعتراضهم على التحويل قبل وقوعه، معجزة له عليه الصلاة والسلام، ولقن الله نبيه الحجة البالغة والحكمة فيه، ليوطن نفسه عليه، ويستعد للإجابة، عند مفاجأة التساؤلات. وخلاصة الجواب: أنّ الجهات كلها لله، فلا مزية لجهة على أخرى، ولله أن يأمر بالاتجاه إلى ما يشاء من أي جهة، وعلى العبد امتثال أمر ربه كما قال:{وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ، فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} [البقرة 115/ 2].

‌التفسير والبيان:

مهّد الله تعالى لتحويل القبلة في هذه الآيات، وأبان السبب، وقضى على ما علم سبحانه من ظهور اضطرابات عند التحويل، حتى لا يفاجأ المسلمون بشيء

ص: 7

من حملات التشويش والنقد والتشكيك، فأوضح تعالى أن سفهاء الأحلام وضعفاء العقول والإيمان من طوائف اليهود والمشركين والمنافقين سيقولون منكرين متعجبين: أي شيء صرف المسلمين عن قبلتهم التي كانوا عليها، وهي قبلة الأنبياء والمرسلين؟ أما اليهود فساءهم ترك الاتّجاه لقبلتهم، وأما المشركون فقصدوا الطعن في الدين، ورأوا ألا داعي للتوجه في الحالين، وأما المنافقون:

فشأنهم انتهاز الفرص لزرع الشكوك في الدين، ومحاولة الإبعاد عنه بسبب هذا التغيير، وعدم الاستقرار، ومخالفة الأعراف السابقة بالاتّجاه لبيت المقدس.

فردّ الله عليهم جميعا بأنّ الجهات كلها لله، ولا مزية لجهة على أخرى، وليست صخرة بيت المقدس أو الكعبة ذات نفع خاص لا يوجد في غيرهما، وإنما الأمر كله لله، يختار ما يشاء، وأينما تولوا فثّم وجه الله، ومن مراده المطلق أنه يجعل للناس قبلة واحدة تجمعهم في عبادتهم، وقد أمر الله المؤمنين في بداية الأمر بالتوجه إلى بيت المقدس، إعلاما بأن دين الله واحد، ووجهة جميع الأنبياء واحدة، وقصدهم الحقيقي هو الاتجاه إلى الله، ثم أمرهم بالاتّجاه إلى الكعبة، فامتثلوا الأمر في الحالين، لأن المصلحة فيما أمر الله، والخير فيما وجّه، والله يرشد من يشاء إلى الطريق الأقوم المؤدي لسعادة الدنيا والآخرة، سواء بالتوجه إلى بيت المقدس أو بالاتجاه إلى الكعبة.

ثم خاطب الله المؤمنين ممتنّا ومتفضلا عليهم قائلا لهم: {وَكَذلِكَ.} .

(1)

أي كما هديناكم إلى الصراط المستقيم وهو دين الإسلام، وحولناكم إلى قبلة إبراهيم عليه السلام واخترناها لكم، جعلنا المسلمين خيارا عدولا، فهم خيار الأمم والوسط في الأمور كلها بلا إفراط، ولا تفريط، في شأن الدين والدنيا، وبلا غلو

(1)

كذلك: الكاف للتشبيه، وذلك: اسم إشارة، والكاف في موضع نصب إما لكونه نعتا لمصدر محذوف، وإما لكونه حالا، والمعنى: جعلناكم أمة وسطا جعلا مثل ذلك.

ص: 8

لديهم في دينهم، ولا تقصير منهم في واجباتهم، فهم ليسوا بالماديين كاليهود والمشركين، ولا بالروحانيين كالنصارى، وإنما جمعوا بين الحقّين: حقّ الجسد وحقّ الروح، ولم يهملوا أي جانب منهما، تمشيا مع الفطرة الإنسانية القائمة على أن الإنسان جسد وروح.

ومن غايات هذه الوسطية وثمرتها: أن يكون المسلمون شهداء على الأمم السابقة يوم القيامة، فهم يشهدون أن رسلهم بلغتهم دعوة الله، ففرط الماديون في جنب الله وأخلدوا إلى اللذات، وحرم الروحانيون أنفسهم من التمتع بحلال الطيبات، فوقعوا في الحرام، وخرجوا عن جادة الاعتدال، فجنوا على متطلبات الجسد.

ويؤكد ذلك أن يشهد الرسول على أمته محتجّا بالتبليغ، أي أنه بلّغهم شرع الله المعتدل، وأنه كان إماما مقسطا، وقدوة حسنة، ومثلا أعلى في الوسطية، فلا يحيدون عنها، لأنهم معرّضون لإقامة الحجة عليهم من نبيهم، بما أعلنه من الدين القويم، وبما التزمه من السّيرة الحسنة، فمن حاد عنها شهد عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه ليس من أمته التي وصفها الله بقوله:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ، تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ} [آل عمران 110/ 3]، وبذلك خرج من الوسط إلى الانحراف، ويكون حسبان شهادة الرسول بمثابة العاصم عن الانحراف، والتزام الحقّ والعدل.

ويوضح نوعي الشهادة على الأمم وشهادة الرسول باعتبار أن الشهيد كالرقيب والمهيمن على المشهود له: ما

روي: «أن الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء، فيطالب الله الأنبياء بالبينة، على أنهم قد بلّغوا، وهو أعلم، فيؤتى بأمّة محمد صلى الله عليه وسلم، فيشهدون، فتقول الأمم: من أين عرفتم، فيقولون:

علمنا ذلك بإخبار الله في كتابه الناطق على لسان نبيّه الصادق، فيؤتى بمحمد صلى الله عليه وسلم، فيسأل عن حال أمته، فيزكيهم ويشهد بعدالتهم، وذلك قوله

ص: 9

تعالى: {فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ، وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً} [النساء 41/ 4].

والسبب في تأخير صلة الشهادة (أي على) أولا في قوله تعالى {شُهَداءَ عَلَى النّاسِ} وتقديمها آخرا في قوله {عَلَيْكُمْ شَهِيداً} : هو أن الغرض في الأول إثبات شهادتهم على الأمم، وفي الآخر اختصاصهم بكون الرسول شهيدا عليهم.

والحاصل: أن الشهادة على الأمم ميزانها وسببها وسطية الإسلام، ويؤكدها شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته بأنه يزكيهم ويعلم بعدالتهم.

وقوله تعالى: {وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ} أي إنما شرعنا لك يا محمد التوجّه أولا إلى بيت المقدس، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة، ليظهر حال من يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيث توجهت، ممن ينقلب على عقبيه، أي فيتبين الثابت على إيمانه ممن لاثبات له، فهو امتحان وابتلاء ليظهر ما علمناه، ويجازى كل إنسان على عمله. هذا هو الظاهر من الآية في أنّ المراد بالقبلة هنا: القبلة الأولى، لقوله تعالى {كُنْتَ عَلَيْها}. وقيل: الثانية أي الكعبة، فتكون الكاف زائدة، والمراد أنت عليها الآن، كما في قوله تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ} [آل عمران 110/ 3]، أي أنتم، في قول بعضهم.

وقد اتّجه الزمخشري ومثله أبو حيان إلى القول الثاني قائلا: {الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها} ليست بصفة للقبلة، إنما هي ثاني مفعولي جعل، يريد: وما جعلنا القبلة الجهة التي كنت عليها، وهي الكعبة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة إلى الكعبة، ثم أمر بالصلاة إلى صخرة بيت المقدس بعد الهجرة، تألفا لليهود، ثمّ حوّل إلى الكعبة. فيقول: وما جعلنا القبلة التي يجب أن تستقبلها الجهة التي كنت عليها أولا بمكة، يعني وما رددناك إليها إلا امتحانا للناس وابتلاء.

ص: 10

والمراد بقوله: {إِلاّ لِنَعْلَمَ..} . ظهور العلم بين الناس ووقوعه، قال علي رضي الله عنه: معنى {لِنَعْلَمَ} : لنرى. والعرب تضع العلم مكان الرؤية، والرؤية مكان العلم، كقوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ..} . [الفيل 1/ 105]، بمعنى ألم تعلم.

وقوله: {وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً} أي وإن كانت القبلة المحوّلة شاقة ثقيلة على من ألف التوجّه إلى القبلة الأولى، أو هذه الفعلة أي التحويلة وهي صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة، فإن الإنسان ألوف لما يتعوده، إلا على الذين هداهم الله بمعرفة أحكام دينه وسرّ تشريعه، ووفقهم لما يريد، فعلموا أن المطلوب طاعة الله حيثما شاء، وأن الحكمة في اختيار قبلة ما: هو اجتماع الأمة عليها، وتوحيد مشاعرهم نحوها، مما يدفعهم إلى اتّحادهم وجمع كلمتهم في كل شؤون حياتهم:{فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِيماناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ} [التوبة 124/ 9 - 125].

وقوله: {وَما كانَ اللهُ.} . أي وما كانت حكمة الله ورحمته تقضي بإضاعة ثباتكم على الإيمان واتباعكم الرسول صلى الله عليه وسلم في الصلاة وفي القبلة، وأن الله يجزيكم الجزاء الأوفى، ولا يضيع أجركم، والسبب في ذلك أن الله رءوف بعباده، ذو رحمة واسعة بخلقه، فلا يضيع عمل عامل منهم، ولا يكون ابتلاؤهم لمعرفة صدق إيمانهم وإخلاصهم سببا في إضاعة ثمرات الإيمان وتفويت الجزاء، بل يجازيهم أتمّ جزاء.

وقد اتّفق العلماء على أن آية {وَما كانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ} نزلت فيمن مات، وهو يصلي إلى بيت المقدس، كما ثبت في البخاري عن البراء بن عازب، على ما تقدم في بيان سبب النزول. وخرّج الترمذي عن ابن عباس قال: لما وجه النّبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة قالوا: يا رسول الله، كيف بإخواننا الذين ماتوا، وهم

ص: 11