الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو شاء الله أن يضيق عليكم ويشدد بأن يوجب الاعتزال وعزل أموال اليتامى عن أموالكم، لفعل ذلك، ولكنه ينظر للمصلحتين: مصلحة اليتيم، ومصلحة التيسير ودفع الحرج، فشأنه تعالى الأخذ باليسر، كما قال:{يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة 185/ 2] وقال: {وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج 78/ 22].
وهو تعالى القوي الذي لا يغلب، فهو قادر على أن يكلف بالشاق من الأعمال، ولكنه حكيم في صنعه لا يكلف إلا ما فيه الطاقة كما قال:{لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها} [البقرة 286/ 2].
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت هذه الآية على جواز التصرف في أموال اليتامى على وجه الإصلاح، فيجوز لولي اليتيم أن يتاجر بأموال اليتامى بيعا وشراء ومضاربة وقسمة وأن يكون الولي نفسه هو المضارب.
وأن يخلط ماله بماله إذا توافر الصلاح ومراقبة الله في الأعمال، وبعد عن الفساد والإفساد، خلافا لما عليه أكثر الأوصياء على اليتامى.
قال الجصاص الرازي: دل قوله: {وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ} على إباحة خلط ماله بماله، والتصرف فيه في الصهر والمناكحة، وأن يزوجه بنته، أو يزوج اليتيمة بعض ولده، فيكون قد خلط اليتامى بنفسه وعياله، واختلط هو بهم، والدليل: هو إطلاق لفظ المخالطة.
وإذا كانت الآية قد دلت على جواز خلط مال اليتيم بماله في مقدار ما يغلب في ظنه أن اليتيم يأكله، على ما روي عن ابن عباس، فقد دلت على جواز المناهدة
(1)
التي يفعلها الناس في الأسفار، فيخرج كل واحد منهم شيئا معلوما،
(1)
المناهدة: الأكل الجماعي المشترك من زاد السفر المختلط.
فيخلطونه، ثم ينفقونه، وقد يختلف أكل الناس. ويدل لجواز المناهدة أيضا قوله تعالى في قصة أهل الكهف:{فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً} [الكهف 19/ 18] فكان الورق (الفضة) لهم جميعا بقوله:
{بِوَرِقِكُمْ} فأضافه إلى الجماعة، وأمر أحدهم بالشراء، ليأكلوا جميعا منه
(1)
.
ودل قوله: {إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} على أن التجارة في مال اليتيم وتزويجه ليس بواجب على الوصي، لأن ظاهر اللفظ يدل على أن مراده الندب والإرشاد.
ودل ظاهر الآية على أن ولي اليتيم يعلّمه أمر الدنيا والآخرة، ويستأجر له ويؤاجره ممن يعلّمه الصناعات. وإذا وهب لليتيم شيء، فللوصي أن يقبضه لما فيه من الإصلاح
(2)
.
أما الإشهاد من الوصي أو الكفيل على الإنفاق من مال اليتيم، فله عند المالكية حالتان: حالة يمكنه الإشهاد عليها، فلا يقبل قوله إلا ببينة، كإعطاء الأم أو الحاضنة النفقة والكسوة، فلا يقبل قوله على الأم أو الحاضنة إلا ببينة أنها كانت تقبض ذلك له مشاهرة أو مساناة (سنويا). وحالة لا يمكنه الإشهاد عليها، فقوله مقبول بغير بينة، كالأكل واللبس في كل وقت.
وقد نشأت من هذه الآية مذاهب في تزويج الرجل نفسه من يتيمته إن كانت تحل له، وفي الشراء لنفسه من مال اليتيم.
فقال مالك: لا يزوج الرجل نفسه من اليتيمة، ولكن يشتري لنفسه من مال اليتيم.
وقال أبو حنيفة: إذا كان الإصلاح خيرا فيجوز تزويجه ويجوز أن يزوّج منه. وله كما قال مالك أن يشتري من مال الطفل اليتيم لنفسه بأكثر من ثمن
(1)
أحكام القرآن: 331/ 1.
(2)
المرجع والمكان السابق.