الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سبيل الله، والكفر بالله، والمنع من المسجد الحرام وإخراج أهله منه، وفتنتهم المسلمين عن دينهم أكبر إثما عند الله تعالى.
فقه الحياة أو الأحكام:
أوضحت آية {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ} أن الجهاد فرض، وهو امتحان للمؤمن، وطريق إلى الجنة، ويراد به قتال الأعداء من الكفار، ولم يؤذن للنبي صلى الله عليه وسلم في القتال مدة إقامته بمكة ثلاثة عشر عاما، فلما هاجر أذن له في قتال من يقاتله من المشركين، فقال تعالى:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا} [الحج 39/ 22] ثم أذن له في قتال المشركين عامة.
وإنما كان الجهاد كرها، لأن فيه إخراج المال ومفارقة الوطن والأهل، والتعرض بالجسد للشّجاج والجراح وقطع الأطراف وذهاب النفس، فكانت كراهيتهم لذلك، لا أنهم كرهوا فرض الله تعالى. وقال عكرمة في هذه الآية:
إنهم كرهوه ثم أحبّوه، وقالوا: سمعنا وأطعنا، وهذا لأن امتثال الأمر يتضمن مشقة، لكن إذا عرف الثواب، هان في جنبه مقاساة العذاب، ولا نعيم أفضل من الحياة الدائمة في دار الخلد والكرامة في مقعد صدق.
وبالرغم من كراهة الجهاد لما فيه من المشقة، فإنه سبيل العزة والغلبة والنصر، أو الشهادة، وعند ما ترك المسلمون الجهاد، وجبنوا عن القتال، وأكثروا من الفرار، وتفرقت كلمتهم، وتشتتت وحدتهم، استولى العدو على بلادهم في الأندلس وفلسطين وغيرهما.
ودلت الآية على حرمة القتال في الشهر الحرام، فذهب عطاء إلى أن هذه الآية لم تنسخ، لأن آية القتال عامة وهذه خاصة، والعام لا ينسخ الخاص.
ولكن الجمهور على نسخ هذه الآية، وأن قتال المشركين في الأشهر الحرم مباح، والناسخ في قول الزهري:{وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً} [التوبة 36/ 9] أو:
{قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة 29/ 9].
وقال المحققون: نسخها قوله تعالى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة 5/ 9] يعني أشهر التسيير في آية {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} [التوبة 2/ 9] فلم يبق لهم حرمة إلا لزمان التسيير.
ويؤيدهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا هوازن بحنين، وثقيفا بالطائف، وأرسل أبا عامر إلى أوطاس
(1)
لمحاربة المشركين، وكان ذلك في الشهر الحرام.
قال ابن العربي: والصحيح أن هذه الآية رد على المشركين حين أعظموا على النّبي صلى الله عليه وسلم القتال في الشهر الحرام، فقال تعالى:{وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ، وَكُفْرٌ بِهِ، وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ، وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللهِ} والفتنة-وهي الكفر- في الشهر الحرام أشد من القتل، فإذا فعلتم ذلك كلّه في الشهر الحرام، تعيّن قتالكم فيه
(2)
.
والأشهر الحرم: هي رجب، وذو القعدة وذو الحجّة والمحرم، ثلاثة سرد، وواحد فرد
(3)
.
وإن انتهاك حرمات المسلمين بفتنتهم عن دينهم وتعذيبهم وطردهم من ديارهم، وهي جرائم مادية محسوسة، أشد جرما من انتهاك حرمة الشهر الحرام، وهي مسألة معنوية.
ودلت آية {وَلا يَزالُونَ} على تحذير المؤمنين من شر الكفرة، بنحو دائم.
(1)
هو أبو عامر الأشعري، ابن عم أبي موسى الأشعري. وأوطاس: واد في ديار هوازن، وفيه كانت وقعة حنين.
(2)
أحكام القرآن: 147/ 1
(3)
سرد أي تتابع، وهي ما عدا رجب، ورجب فرد مستقل، لأنه يفصل بينه وبين ذي القعدة ثلاثة أشهر، وهي شعبان ورمضان وشوال.