الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحلال والحرام من المآكل
الإعراب:
{إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} : {إِنَّما} كافة، وإنما تجيء في الكلام لإثبات المذكور ونفي ما سواه، مثل:«إنما إلهكم إله واحد» أي ما إلهكم إلا إله واحد.
{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ} : {غَيْرَ} منصوب على الحال من ضمير: {اُضْطُرَّ} .
المفردات اللغوية:
{إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ} أي أكلها، إذ الكلام فيه، وكذا ما بعدها، وهي ما لم يذكّ (يذبح) شرعا، وألحق بها بالسنة: ما أبين من حي، وخص منها السمك والجراد {وَالدَّمَ} أي المسفوح {وَما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ} أي ذبح على اسم غيره، والإهلال: رفع الصوت، وكانوا إذا ذبحوا لآلهتهم يرفعون أصواتهم بذكرها، ويقولون: باسم اللات، أو باسم العزى، ثم قيل لكل ذابح:
مهل، وإن لم يجهر بالتسمية. {فَمَنِ اضْطُرَّ} ألجأته الضرورة إلى أكل شيء مما ذكر، فأكله.
{غَيْرَ باغٍ} غير طالب للشيء المحرم ذاته {وَلا عادٍ} غير متجاوز قدر الضرورة {إِثْمَ} الإثم:
الذنب والمعصية.
التفسير والبيان:
الآيات السابقة من أول السورة لبيان موقف المؤيدين والمعارضين للقرآن، ومن هنا أي بداية النصف الثاني من السورة إلى أواخر الجزء الثاني في بيان الأحكام الشرعية العملية.
بعد أن خاطب الله الناس جميعا بأن يأكلوا مما في الأرض من خيراتها، ثم بين سوء حال الكافرين المقلدين رؤساءهم، لأنهم لا يستقلون برأي، ولا يهتدون بعقل، وجه الخطاب هنا إلى المؤمنين خاصة، لأنهم أحق بالفهم، فأباح لهم أن يأكلوا من رزق الله الطيب الطاهر، وأمرهم أن يشكروا نعمة الله عليهم، إن صح أنهم يخصونه بالعبادة، ويقرون أنه مولي النعم.
عن النّبي صلى الله عليه وسلم: «يقول الله تعالى: إني والجن والإنس في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري» . ولما أباح تعالى لعباده أكل ما في الأرض من الحلال الطيب، وكانت وجوه الحلال كثيرة، وبيّن لهم ما حرم عليهم، لكونه أقل، بقي ما سوى ذلك على التحليل حتى يرد منع آخر.
والأكل من الطيبات مع شكر النعمة موقف وسط يجمع بين متطلبات الجسد والروح معا، فنأكل للحفاظ على الجسم بلا إسراف ولا تقتير، قال تعالى:
{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ، وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ. وَكُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّباً.} . [المائدة 87/ 5 - 88] ونغذي الروح بشكر الله على ما أنعم.
ويختلف هذا الموقف الوسط عما كان عليه المشركون وأهل الكتاب قبل الإسلام، فمنهم من حرم على نفسه أشياء معينة كالبحيرة والسائبة، ونحوهما، وساد عند النصارى مبدأ الرهبانية وتعذيب النفس وحرمانها من جميع اللذات، واحتقار الجسد ولوازمه، إما بتخصيص ذلك بالرهبان، أو بتعميمه على الجميع كالحرمان من اللحم والسمن في بعض أنواع الصيام كصوم العذراء والقديسين، والحرمان من السمك واللبن والبيض في صوم آخر.
والمحرم الحقيقي:
1 -
إنّما هو تناول الميتة، لاحتباس الدم فيها وتوقع التضرر بها، لفساد لحمها وتلوثه بالأمراض غالبا، فهي محرمة لاستقذارها ولما فيها من ضرر.
2 -
وتناول الدم المسفوح، لأنه ضارّ، وتأباه النفوس الطيبة، فهو حرام لقذارته وضرره أيضا.
3 -
وأكل لحم الخنزير، لأنه ضارّ، وخصوصا أثناء الحر، ولأن النفوس الطيبة تأباه، لأنه حيوان قذر لا يأكل غالبا إلا من القاذورات والنجاسات، فيقذر لذلك، ولأن فيه ضررا، لحملة جراثيم شديدة الفتك، ولأن فيه كثيرا من الطباع الخبيثة، وولوع بالنواحي الجنسية ولا يغار على أنثاه، وكسول بطبعه، والمتغذي يتأثر بتلك الطبائع، وتنتقل إليه بيوض الدودة الوحيدة الحلزونية التي قد تكون في خلايا عضلات جسمه، ولو تربى في أنظف الحظائر.
4 -
وما ذكر عليه غير اسم الله تعالى عند الذبح، لأنه من أعمال الوثنية، وفيه إشراك واعتماد على غير الله. وكان العرب في الجاهلية يذبحون للأصنام، ويقولون: باسم اللات والعزى، فهو حرام صيانة لمبدأ الدين والتوحيد وتعظيم الله. وحصر التحريم في هذه الأصناف مستفاد من قوله تعالى:{إِنَّما حَرَّمَ.} . أي لم يحرم عليكم إلا الميتة وتوابعها، لأن {إِنَّما} تفيد الحصر، تثبت ما تناوله الكلام وتنفي ما عداه. وقد حصرت هنا التحريم، لا سيما وقد جاءت عقب التحليل:{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ} .
ويضاف لهذه المحرمات ما حرم في سورة المائدة (الآية: 3) وما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، ولحوم الحمير الأهلية.
لكن من ألجأته الضرورة (وهي أن يصل إلى حد لو لم يتناول المحظور هلك) إلى أكل شيء مما حرم الله، بأن لم يجد غيره، وخاف على نفسه الهلاك، ولم يكن راغبا فيه لذاته، ولم يتجاوز قدر الحاجة، فلا إثم عليه، للحفاظ على النفس، وعدم تعريضها للهلاك، ولأن الإشراف على الموت جوعا أشد ضررا من أكل الميتة والدم.