الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعروض، واشترط للآخرة السعي مع الإيمان، كما خصّها هنا بالذين اتقوا من المؤمنين
(1)
.
والرزق بلا حساب في الدنيا يكون بالنسبة إلى الأفراد، فإنا نرى كثيرا من الأبرار، وكثيرا من الفجار أغنياء أو فقراء، لكن المتقي يكون دائما أحسن حالا وأكثر احتمالا، فلا يؤلمه الفقر، كما يؤلم الفاجر، إذ هو بالتقوى يجد المخلّص من كل ضيق، ويرى من عناية الله به رزقا غير محتسب.
أما الأمم فأمرها على خلاف ذلك، وسنته فيها أن يرزقها بعملها، ويسلبها بزللها، إذ ليس من سنن الله أن يرزق الأمة العزة والثروة والقوة والسلطة من حيث لا تحتسب ولا تقدر، ولا تعمل ولا تتدبر
(2)
.
فقه الحياة أو الأحكام:
الإسلام كلّ لا يتجزأ، فمن آمن به وجب عليه الأخذ به كله، فلا يختار منه ما يرضيه، ويترك ما لا يرضيه، أو يجمع بينه وبين غيره من الأديان، لأن الله تعالى أمر باتباع جميع تعاليمه وتطبيق كل فرائضه، واحترام مجموع نظامه، بالحل أو الإباحة، وبالحظر أو الحرمة، فهو دليل الإيمان الحق به، فضلا عن القول بأن شرائعه نسخت كل الشرائع السماوية السابقة حال تعارضها معه. واختيار غير هذا المنهاج أو الخطة يكون اتباعا لخطوات الشيطان ووساوسه وأباطيله.
وقد دلت آية {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْكُمُ الْبَيِّناتُ} على أن عقوبة العالم بالذنب أعظم من عقوبة الجاهل به، ومن لم تبلغه دعوة الإسلام لا يكون كافرا بترك الشرائع.
(1)
تفسير المنار: 219/ 2
(2)
تفسير المنار، المرجع والمكان السابق.
وأرشدت آية {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ} إلى أن مصير المخالفين أو العصاة هو الهلاك والعذاب، وهو أمر محتم نافذ لا مردّ له، وهذه النتيجة يقدرها كل عاقل، وهي التي قررها القرآن، فذكر تعالى: هل ينظرون إلا أن يظهر الله تعالى فعلا من الأفعال مع خلق من خلقه، يقصد إلى مجازاتهم ويقضي في أمرهم ما هو قاض. وكما أنه سبحانه أحدث فعلا سماه نزولا واستواء، كذلك يحدث فعلا يسميه إتيانا، وأفعاله بلا آلة ولا علة، سبحانه! وما أكثر الأدلة التي ترشد الناس إلى اتباع الحق والإسلام، لذا سئل بنو إسرائيل سؤال تقريع وتوبيخ: كم جاءهم من الآيات التي أيد الله بها موسى عليه السلام من فلق البحر والظّلل من الغمام والعصا واليد وغير ذلك؟ كما قال مجاهد والحسن البصري وغيرهما، وقال غيرهم: كم جاءهم في أمر محمد عليه الصلاة والسلام من آية معرّفة عليه دالة عليه؟ ولا مانع من الجمع بين التفسيرين، كما فعلت. فإن بدلوا ما في كتبهم وجحدوا أمر محمد صلى الله عليه وسلم، ومثلهم كل مبدّل نعمة الله، فلهم العقاب الشديد.
وأما الماديون الكفار الذين فتنوا بالدنيا، وهم رؤساء قريش وأمثالهم، وصنفوا الناس على حسب الغنى والترف، وسخروا من المؤمنين الفقراء، وأقبلوا على الدنيا، وكانت موازينهم مادية محضة، وأعرضوا عن الآخرة بسبب الدنيا، فإنهم قصيرو النظر، لأن الله جعل ما على الأرض زينة لها، ليبلوا الخلق أيهم أحسن عملا، ولأنهم لا يعتقدون غير الدنيا، وأما المؤمنون الذين هم على سنن الشرع، فلم تفتنهم زينة الدنيا، وسيكونون أرفع درجة من الكفار، لأنهم في الجنة، والكفار في النار، وسيلقون جزاء سخريتهم بالمؤمنين، كما قال الله تعالى:{فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفّارِ يَضْحَكُونَ، عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ، هَلْ ثُوِّبَ الْكُفّارُ ما كانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين 34/ 83 - 36].
وروى عليّ رضي الله عنه أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: «من استذلّ مؤمنا أو مؤمنة، أو حقّره لفقره وقلة ذات يده، شهره الله يوم القيامة، ثم فضحه، ومن بهت مؤمنا أو مؤمنة أو قال فيه ما ليس فيه، أقامه الله تعالى على تلّ من نار يوم القيامة، حتى يخرج مما قال فيه. وإن عظم المؤمن أعظم عند الله وأكرم عليه من ملك مقرّب، وليس شيء أحبّ إلى الله من مؤمن تائب، أو مؤمنة تائبة. وإن الرجل المؤمن يعرف في السماء، كما يعرف الرجل أهله وولده» .
ومع جدارة الكافر لاستحقاق العقاب في الآخرة، فإن الله تعالى من باب العدالة والرحمة لا يحجب عنه الرزق والعطاء الذي يستمتع به في الدنيا، ويضمن له معيشته وكرامته، والله يرزقه ويرزق كل دابة في الأرض، ويعطي الإنسان عطاء بغير حساب أي بغير تقدير له على حسب الإيمان والتقوى، والكفر والفجور، أو أن عطاءه واسع خصب كثير، لا حدود له، فهو جلت قدرته لا ينفق بعدّ، وفضله كله بغير حساب، أما الذي بحساب فهو ما كان على عمل قدمه العبد، قال الله تعالى:{جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً} [النبأ 36/ 78] لذا كان رزق المؤمن التقي في الآخرة أوسع من رزقه في الدنيا، وحينئذ يتميز المؤمن عن الكافر في زيادة الرزق واستمراره في الآخرة، وأما الكافر فلا رزق له هناك، وإنما جزاؤه العذاب في جهنم. قال الله تعالى عن المؤمنين:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ. وَفَواكِهَ مِمّا يَشْتَهُونَ. كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [المرسلات 41/ 77 - 44] وقال الله سبحانه عن الكافرين:
{فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ. وَلا طَعامٌ إِلاّ مِنْ غِسْلِينٍ. لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ} [الحاقة 35/ 69 - 37].