الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أي فاذكروني بالطاعة والامتثال والعمل الصالح، مثل الحمد والتسبيح والشكر، وقراءة القرآن وتدبرا آياته، والتفكر في الأدلة الكونية على وجودي وقدرتي ووحدانيتي، والتزام ما أمرتكم به، واجتناب ما نهيتكم عنه، والإيمان بالرسل والاقتداء بهم، أذكركم عندي بالثواب والإحسان، وإفاضة الخير، ودوام السعادة والعزة، وأفاخر بكم الملائكة، واشكروا نعمتي التي أنعمتها عليكم بالقلب واللسان واستعمال كل عضو فيما خلق له من الخير والنفع، ولا تكفروا هذه النعم، بصرفها في غير ما يبيحه الشرع، ولا يقره العقل السليم، فإني مجازيكم على ما قدمتم، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر، كما جاء في آية أخرى:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ، إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم 71/ 14].
فقه الحياة أو الأحكام:
الاتجاه إلى القبلة وسيلة لتوحيد الأمة، والمقصود الحقيقي إنما هو إخلاص العبادة لله، أيا كانت جهة الاتجاه في الصلاة، فلا يصح استغلال الخلاف بين أتباع الأديان، وعلى الناس التسابق في الخيرات وأعمال البّر والإحسان، وعليهم أيضا الطاعة في جميع ما أمر الله به، وما تبدل الأوامر بالاتجاه نحو بيت المقدس أولا، ثم الكعبة بنحو دائم إلا نوع من الابتلاء والاختبار، لمعرفة المؤمنين الصادقين، والكشف عن الكاذبين، وتمييز الخبيث من الطيب، والمسلم من المنافق، فلم يكن تحويل القبلة نقمة، وإنما هو نعمة كبري والأمر في قوله تعالى:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ} يراد به المبادرة إلى تنفيذ ما أمر الله به، من استقبال البيت الحرام، وإن كان يتضمن الحثّ على المبادرة والاستعجال إلى جميع الطاعات بعموم اللفظ، فإن المعنى المراد-كما قال القرطبي- المبادرة بالصلاة أول وقتها، ويسنّ الإبراد بالظهر عند مالك والشافعي لشدة الحرّ، لما
رواه البخاري والترمذي عن أبي ذر الغفاري أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن شدّة الحرّ من فيح جهنم، فإذا اشتد الحرّ فأبردوا بالصلاة» .
وسيكافأ كل إنسان على ما قدّم من عمل، ولن يضيع جهده، والله قادر على أن يأتي بجميع الخلائق يوم القيامة، وقادر على كل شيء، ومن مشتملات قدرته وسعتها الإعادة بعد الموت والبلى في أي مكان، في البرّ أو البحر.
ولا تراجع عن الأمر بالاتجاه نحو الكعبة، بدليل تأكيد الأمر في هذه الآية بالاتجاه نحوها ثلاث مرات، بالإضافة إلى الأمر السابق به مرتين في الآية (144). وما على المؤمنين إلا الإصرار على الاتجاه في صلاتهم نحو الكعبة.
وقوله تعالى: {إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا} استثناء متصل، كما روي عن ابن عباس، واختاره الطبري، وقال: نفى الله أن يكون لأحد حجة على النّبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في استقبالهم الكعبة، والمعنى: لا حجة لأحد عليكم إلا الحجة الداحضة، حيث قالوا: ما ولاهم، وتحير محمد في دينه، وما توجّه إلى قبلتنا إلا أنّا كنا أهدى منه، وغير ذلك من الأقوال التي لم تنبعث إلا من عابد وثن أو يهودي أو منافق.
والتهوين من شأن الكفار، وشدّ أزر المؤمنين، والنهي عن خشية الظالمين في التوجه إلى الكعبة، فيه إيماء إلى أن صاحب الحق هو الذي يخشى جانبه، وأما المبطل فلا يؤبه له.
وقوله تعالى: {كَما أَرْسَلْنا فِيكُمْ رَسُولاً} : دلّ هذا التشبيه على أن النعمة في القبلة كالنعمة في الرسالة، وهو تشبيه يدلّ على عظم شأن تحويل القبلة إلى الكعبة.
وأما قوله سبحانه: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} ففيه الإشادة بصرح العدل بين الناس، والمعنى: اذكروني بالطاعة أذكركم بالثواب والمغفرة، كما قال سعيد بن جبير، وقال أيضا: الذكر: طاعة الله، فمن لم يطعه لم يذكره، وإن أكثر التسبيح والتهليل وقراءة القرآن.
وجاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله