الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التفسير والبيان:
هذا ثالث الأسئلة التي جاءت معطوفة بالواو، لاتصالها بما قبلها وما بعدها، وقد سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن حكم الحيض، لأن اليهود كانوا يقولون: إن كل من مسّ الحائض في أيام طمثها، يكون نجسا، وكانوا يتشددون في معاملة الحائض، فيعتزلونها في الأكل والشرب والنوم، كما بينا، وكانت النصارى تتهاون في أمور الحيض، فلا تفرق بين الحيض وغيره، وكانت العرب في الجاهلية كاليهود والمجوس لا يساكنون الحائض، ولا يؤاكلونها، فصارت هذه الأحوال مدعاة للتساؤل عن حكم مخالطة النساء زمن الحيض، فأجابهم تعالى:
إن الحيض ضرر وأذى، يضر الرجل والمرأة على السواء، فامتنعوا من جماع النساء في مدة الحيض، ولا حرج في غير الجماع من التقبيل والمفاخذة مثلا، في رأي الحنابلة، للحديث المتقدم الذي
رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن: «اصنعوا كل شيء إلا الجماع»
(1)
. وحرم الجمهور الاستمتاع بما بين السرة والركبة، لما
روى أبو داود عن حزام بن حكيم عن عمه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحلّ لي من امرأتي وهي حائض؟ قال: «لك ما فوق الإزار» أي ما فوق السرة، ولأن الاستمتاع بما دون الإزار يدعو إلى الجماع.
وأيّد الطب اتجاه الشرع، فأثبت الأطباء أن الوقاع في أثناء الحيض يحدث آلاما والتهابات حادة في أعضاء التناسل لدى الأنثى، كما أن تسرب الدم في فوهة عضو الرجل قد يحدث التهابا صديديا يشبه السيلان، وقد يصاب الرجل بالزهري إذا كانت المرأة مصابة به، وقد يؤدي الجماع إلى عقم كل من الرجل والمرأة.
ولا تقربوهن حتى يطهرن من الحيض، فإذا تطهرن بالاغتسال بالماء
(1)
وفي رواية: «إلا النكاح» وفي رواية «إلا الفرج»
-والطهر: انقطاع دم الحيض، والتطهر: الاغتسال-فجامعوهن في المكان الذي أمركم الله وأذن به: وهو القبل، لأنه موضع النسل، إن الله يحب الذين يتوبون من المعاصي، كإتيان النساء في المحيض أو في أدبارهن، ونحو ذلك مما يصادم الفطرة والطبع السليم، ويحب الذين يتطهرون من رجس الفاحشة أو المعصية، ومن كل دنس مادي كالحيض والنفاس. ومحبة الله: إرادته ثواب العبد.
والتوبة: هي رجوع العبد عن حالة المعصية. وكنى بالإتيان عن الوط ء.
نساؤكم الطاهرات من الحيض مواضع حرثكم وإنجاب نسلكم، فالنطفة كالبذرة في الأرض، ولا يحل إتيان النساء في زمن الحيض، حيث لا استعداد لقبول الزرع، ولا في الدبر، لأنه غير محل الإنجاب، ويؤدي إلى ضرر واضح ظهر حديثا: وهو إفساد الدم والموت.
وهذه الآية تعد شارحة للآية السابقة، ومبّينة وجه الحكمة التي من أجلها شرع الاستمتاع: وهو حفظ النوع البشري بالاستيلاد.
فأتوا حرثكم بلا حرج بأي كيفية شئتم، قائمة وقاعدة ومضطجعة ومقبلة ومدبرة، ما دام المأتى واحدا وهو في القبل الذي هو موضع الحرث، كما تأتون أراضيكم التي تريدون أن تحرثوها من أي جهة شئتم، فلا تحظر عليكم جهة من الجهات. وكذلك تفيد الآية إباحة إتيان النساء بالنكاح لا بالسفاح، وفي الوقت المأذون به شرعا، لا محرمات، ولا صائمات، ولا معتكفات.
وقدموا لأنفسكم الخير وصالح الأعمال
(1)
عدة لكم يوم الحساب، واتقوا الله واحذروا معاصيه، فلا تقربوها، وحدوده فلا تضيعوها، ولا تريقوا ماء الحياة في الحيض أو في غير موضع الحرث، واختاروا المرأة المتدينة، وأعرضوا عن سيئة
(1)
وقيل: ابتغاء الولد والنسل، لأن الولد خير الدنيا والآخرة، فقد يكون شفيعا وجنّة. وقيل: هو التزوج بالعفائف، ليكون الولد صالحا طاهرا.