الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لتحسبوا من أموالكم ما يصلحكم في معاش الدنيا، وتنفقوا الباقي فيما ينفعكم في العقبى.
وقد ورد في معنى الآية أحاديث كثيرة: منها ما
روى ابن جرير الطبري عن جابر بن عبد الله قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل ببيضة من ذهب، أصابها في بعض المعادن، فقال: يا رسول الله، خذ هذه صدقة، فو الله، ما أصبحت أملك غيرها، فأعرض عنه، فأتاه من ركنه الأيمن، فقال له مثل ذلك، فأعرض عنه، ثم قال مثل ذلك، فأعرض عنه، ثم قال مثل ذلك، فقال: هاتها مغضبا، فأخذها فحذفه بها حذفة لو أصابته شجته أو عقرته. ثم قال:«يجيء أحدكم بماله كله يتصدق به ويجلس يتكفف الناس، إنما الصدقة عن ظهر غنى» وروي عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ارضخ
(1)
من الفضل، وابدأ بمن تعول، ولا تلام على كفاف» وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال:«خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى، وابدأ بمن تعول» .
وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم-فيما رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي-: «إذا كان أحدكم فقيرا، فليبدأ بنفسه، فإن كان له فضل، فليبدأ مع نفسه بمن يعول، ثم إن وجد فضلا بعد ذلك، فليتصدق على غيره» .
والأصح أن هذه الآية ثابتة الحكم غير منسوخة، فليس في الآية ما يدل على وجوب إنفاق الفضل، بل الآية نزلت جوابا لمن سألوا ماذا ينفقون نفقة تطوع، لا زكاة مفروضة، فبين لهم ما فيه الله رضا من الصدقات.
فقه الحياة أو الأحكام:
يحرم كل ما يسكر، قليلا كان أو كثيرا، سواء أكان من عصير العنب أم من
(1)
رضخ له: أعطاه قليلا.
غيره، ويجب الحد في تناوله، ولا فرق بين المسكرات التي كانت في الماضي والمسكرات ذات التسميات الحديثة المتخذة من التفاح أو البصل أو غيرهما، فكل مادة مسكرة تذهب العقل وتضيع الصحة والمال، وتقضي على الكرامة الشخصية، فهي حرام كالخمر، لوجود علة الإسكار فيها، وبالأولى ما هو أفتك منها وأشد كبعض السموم التي تؤخذ حقنا تحت الجلد، أو شمّا بالأنف كالمورفين والكوكايين والهيروين.
ومن خصائص التشريع الإسلامي ومزاياه الطيبة أنه لم يوجب على المسلمين الشرائع دفعة واحدة، ولكن تدرج بهم، وأوجب عليهم مرة بعد مرة تكريما لهذه الأمة وبرا بها، وهذا هو مبدأ التدرج في التشريع، وقد جاء تحريم الخمر والربا على هذا النحو.
وكل لعب فيه غرم بلا عوض، وفيه استيلاء على أموال الناس بغير حق ولا جهد معقول فهو حرام، فالميسر أو القمار ولعب الموائد والسباق على عوض من أحد المتسابقين يغرمه للآخر الفائز، وأوراق اليانصيب، كل ذلك حرام، لما فيه من المتسابقين يغرمه للآخر الفائز، وأوراق اليانصيب، كل ذلك حرام، لما فيه من إضاعة المال أو الكسب من غير طريق شرعي، ولاشتماله على أضرار كثيرة مدمرة للجماعة والأفراد.
روي عن أبي موسى عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا هذه الكعاب الموسوسة التي يزجر بها زجرا، فإنها من الميسر» .
وقال عليه الصلاة والسلام أيضا-فيما رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه عن أبي موسى-: «من لعب بالنرد، فقد عصى الله ورسوله» .
وقال علي بن أبي طالب وابن عباس وآخرون من الصحابة والتابعين: كل شيء فيه قمار من نرد وشطرنج فهو الميسر، حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب
(1)
، إلا ما أبيح من الرّهان في الخيل، والقرعة في إفراز الحقوق، بأن
(1)
هي فصوص النرد.
يكون العوض أو المكافأة من شخص ثالث كالدولة أو بعض الأغنياء، أو من أحد المتسابقين دون أن يلتزم الآخر بشيء إذا خسر.
وقال مالك: الميسر ميسران: ميسر اللهو، وميسر القمار، فمن ميسر اللهو: النّرد والشطرنج والملاهي كلها، وميسر القمار: ما يتخاطر الناس عليه.
وذكر العلماء: أن المخاطرة (المراهنة) من القمار، قال ابن عباس: المخاطرة قمار، وإن أهل الجاهلية كانوا يخاطرون على المال والزوجة، وقد كان ذلك مباحا، إلى أن ورد تحريمه، وقد خاطر أبو بكر المشركين، حين نزلت:
{الم. غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ} [الروم 1/ 30] وخسر الرهان،
فقال له النّبي صلى الله عليه وسلم: «زد في الخطر، وأبعد في الأجل» ثم حظر ذلك ونسخ بتحريم القمار.
وأما ما يسمى باليانصيب الخيري لمواساة الفقراء ورعاية الأيتام وأولي العاهات، أو لبناء المدارس والملاجئ والمشافي وغيرها من أعمال البر والصالح العام، فهو حرام أيضا، لأن هذه الأعمال، وإن كانت معتبرة في الشريعة، ولكن الطريق إليها حرام، لأن الحرام في ذاته كالرشوة وشهادة الزور لا يجوز اللجوء إليه للوصول إلى الحلال، ولا ينتج عن العصيان طاعة كما
قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: «إن الله طيّب لا يقبل إلا طيبا» .
وقد حرّم الشرع الميسر الذي كان عليه عرب الجاهلية، وإن كانوا يطعمون الأنصباء الفقراء، ولا يأكلون منها شيئا.
وكون اليانصيب غير الخيري لا يؤدي إلى ضرر العداوة والبغضاء، لعدم معرفة الرابح من قبل الخاسرين، خلافا لميسر العرب وقمار الموائد، لا يسوغ القول بالجواز، لأن فيه مضار القمار الأخرى وأهمها: أنه طريق لأكل أموال
الناس بالباطل، أي بغير عوض حقيقي من عين أو منفعة، وهذا محرم بنص القرآن.
والادعاء بأن في ميدان اليانصيب قد سمح المشتركون للرابح بأموالهم وخرجوا له عن طيب أنفسهم: غير صحيح، لأن التراضي لا وجود له في الحقيقة، وكل من يدفع ثمن بطاقة يحلم بالربح، وهو في حال الخسران يحقد على الرابحين.
والرضا المعتبر هو في العقود والمعاملات بشرط خلوة من العيوب، وبخاصة الإكراه في أي صورة، سواء أكان ماديا أم معنويا. والرضا في اليانصيب رضا قسري، كالرضا الحاصل في الربا والرشوة، والرضا شرعا لا يعتبر إلا إذا كان في حدود الشرع.
ويمكن تحقيق المقصد الخيري لليانصيب من أجل الصالح العام بطريق فرض ضرائب على أموال الأغنياء، وتؤخذ بدون مقابل، لسد حاجة البلاد، وفقا لقاعدة:«يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام» أو يستدين الحاكم من الأغنياء إذا كان هناك احتمال امتلاء الخزينة.
وإن وجود بعض المنافع التجارية أو اللذة والطرب في الخمر، أو مواساة الفقراء في الميسر أو سرور الرابح وصيرورته غنيا بدون تعب، لا يمنع تحريمهما، لأن المعول عليه في التحريم أو الحظر غلبة المضار على المنافع، والإثم أكبر من النفع في الدنيا نفسها، وأعود بالضرر في الآخرة، فالإثم بعد التحريم، والمنافع قبل التحريم.
وأما نفقة التطوع: فهي الزائدة عن الحاجة وهي العفو، وقد كان السؤال في هذه الآية عن قدر الإنفاق، أما السؤال في الآية المتقدمة التي نزلت في شأن عمرو بن الجموح فكان عن الجهة التي تصرف إليها:«قل: ما أنفقتم من خير فللوالدين..» .