الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرعي مع معتدة الوفاة حتى تنتهي عدتها من زوجها السابق: وهي أربعة أشهر وعشرة أيام.
وحذر الله تعالى من تجاوز هذا الحد، فقال: اعلموا أن الله يعلم ما تضمرونه في قلوبكم من العزم على ما لا يجوز، فاحذروا التجاوز من قول أو فعل على ما منع الله، وفي هذا التحذير قرن الأحكام بالموعظة ترغيبا وترهيبا، لتأكيد المحافظة عليها.
ومع هذا اعلموا أن الله غفور لمن تعدى حدود الله وفرط بارتكاب الذنب ثم تاب وأصلح، وهو الحليم الذي لا يعجل بالعقوبة، بل يمهل عباده ليصلحوا أعمالهم، فلا تغتروا بإمهاله.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلت الآية على ما يأتي:
1 -
يحرم التصريح بالخطبة للمعتدة أيا كانت عدتها، فلا يجوز بالإجماع
(1)
الكلام مع المعتدة في أمر الزواج سرا، أو التواعد معهن عليه، لكن يجوز التعريض بالخطبة لمعتدة الوفاة والمطلقة طلاقا بائنا، تمهيدا للمشاورة والتفكير بالموافقة على مبدأ الزواج الجديد في المستقبل. ولا يجوز إجماعا التعريض لخطبة الرجعية، لأنها كالزوجة.
قال سحنون وكثير من العلماء: والهدية إلى المعتدة جائزة، وهي من التعريض.
2 -
يحرم شرعا إبرام عقد الزواج على أية معتدة في العدة، لقوله تعالى:
(1)
الإجماع على أنه لا يجوز التصريح بالتزويج ولا التنبيه عليه ولا الرفث وذكر الجماع والتحريض عليه (البحر المحيط: 225/ 2).
{وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ} وهذا من المحكم المجمع على تأويله: أن بلوغ أجله: انقضاء العدة، مراعاة لحقوق الزوجية والتعرف على براءة الرحم من الحمل لئلا تختلط الأنساب.
3 -
استدل الشافعية بهذه الآية على أن التعريض بالقذف لا يوجب الحد، وقالوا: لما رفع الله تعالى الحرج في التعريض في النكاح، دل على أن التعريض بالقذف لا يوجب الحد، لأن الله سبحانه لم يجعل التعريض في النكاح قائما مقام التصريح. ورد عليهم بأن الله سبحانه وتعالى لم يأذن في التصريح بالنكاح في الخطبة، وأذن في التعريض الذي يفهم منه النكاح، فهذا دليل على أن التعريض يفهم منه القذف، والأعراض يجب صيانتها، وذلك يوجب حد المعرّض، لئلا يتطرق الفسقة إلى أخذ الأعراض بالتعريض الذي يفهم منه ما يفهم بالتصريح، ويلزم على قول الشافعية: أن التعريض بالقذف جائز مباح، كما أبيح التعريض بالخطبة بالنكاح
(1)
.
4 -
اختلف العلماء في الرجل يخطب امرأة في عدتها جاهلا، أو يواعدها ويعقد بعد العدة: فقال مالك في رواية أشهب وابن القاسم: إنه يفرّق بينهما إيجابا. وقال الشافعي: إن صرّح بالخطبة وصرحت له بالإجابة ولم يعقد النكاح، حتى تنقضي العدة، فالنكاح ثابت، والتصريح لهما مكروه، لأن النكاح حادث بعد الخطبة.
5 -
إذا عقد على المعتدة في العدة، وبنى بها، فسخ الحاكم النكاح، لنهي الله عنه، وتأبد تحريمها عليه، فلا يحل نكاحها أبدا عند مالك والشعبي، وبه قضى عمر رضي الله عنه قائلا:«ثم لا يجتمعان أبدا» ، لأنه استحل ما لا يحل، فعوقب بحرمانه، كالقاتل يعاقب بحرمانه ميراث من قتله.
(1)
تفسير القرطبي: 190/ 3، أحكام القرآن للجصاص الرازي: 422/ 1
وقال الجمهور: يفسخ النكاح، فإذا انتهت عدتها، كان خاطبا من الخطاب، ولم يتأبد التحريم، لأن الأصل أنها لا تحرم إلا أن يقوم دليل على الحرمة: من كتاب أو سنة أو إجماع، وليس في المسألة شيء من هذا، ورأي الصحابي ليس حجة، وأنكر علي هذا القضاء من عمر، وقال المحدثون: هذا الأثر عن عمر منقطع، وقد روي عن مسروق: أن عمر رجع عن ذلك، وجعل لها مهرها، وجعلهما يجتمعان، ولذا جعل القرطبي رأي عمر مع الجمهور الذين احتجوا بإجماع العلماء على أنه لو زنى بها، لم يحرم عليه تزوجها، فكذلك وطؤه إياها في العدة. وهو قول علي وابن مسعود والحسن البصري.
6 -
لا خلاف بين الفقهاء أن من عقد على امرأة زواجا، وهي في العدة من غيره أن النكاح فاسد، واتفق عمر وعلي أن النكاح الفاسد لا يوجب الحد، وذلك أمر متفق عليه مع الجهل بالتحريم، ومختلف فيه مع العلم بالتحريم.
واختلفوا هل تعتد منهما جميعا؟ وهذه مسألة العدتين.
قال مالك في رواية المدنيين عنه والشافعي وأحمد والليث وإسحاق: إنها تتم بقية عدتها من الأول، وتستأنف عدة أخرى من الآخر، وهو رأي عمر وعلي رضي الله عنهما، أي فعليها عدتان.
وقال أبو حنيفة والثوري والأوزاعي: إن عدتها من الثاني تكفيها من يوم فرّق بينه وبينها، سواء كانت بالحمل أو بالأقراء أو بالشهور. وحجتهم الإجماع على أن الأول لا ينكحها في بقية العدة منه، فدل على أنها في عدّة من الثاني، ولولا ذلك لنكحها في عدتها منه.
أجاب الأولون فقالوا: هذا غير لازم، لأن منع الأول من أن ينكحها في بقية عدتها إنما وجب لما يتلوها من عدة الثاني، وهما حقان قد وجبا عليها لزوجين، كسائر حقوق الآدميين، لا يدخل أحدهما في صاحبه.