الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تناولها. قل لهم: إن في تعاطيهما إثما كبيرا، لما فيهما من أضرار كثيرة ومفاسد عظيمة.
أما إثم الخمر: فإيذاء الناس وإيقاع العداوة والبغضاء.
وأما إثم الميسر: فهو أن يقامر الرجل، فيمنع الحق، ويظلم، فتقع العداوة والبغضاء. وفيهما منافع للناس، أما منفعة الخمر: فهي الاتجار بها، والالتذاذ بها، والنشوة، وبسط يد البخيل، وتقوية قلب الجبان.
وأما منفعة الميسر: فهي ما يصيبهم من الربح أو الأنصباء، أو التصدق بلحم الجزور على الفقراء، ومنفعة القمار وهمية ومضرته حقيقية، إذ المقامر يبذل ماله لربح موهوم، فيبتز منه المحترفون ثروته كلها، وهو في طلبه الربح المتوهم يفسد فكره، ويضعف عقله، ويعظم همه، ويضيع وقته.
وإثمهما أكبر من نفعهما، لأنهم كانوا إذا سكروا وثب بعضهم على بعض، وقاتل بعضهم بعضا، وإذا قامروا وقع بينهم الشر والنزاع، ونشأت في صدورهم الأحقاد. وإذا كان الضرر أكبر من النفع وجب الامتناع عنهما، لأن «درء المفاسد مقدم على جلب المصالح» لذا امتنع كثير من عرب الجاهلية عن الخمر، مثل العباس بن مرداس، فقد قيل له: ألا تشرب الخمر، فإنها تزيد في حرارتك؟ فقال: ما أنا بآخذ جهلي بيدي، فأدخله في جوفي، ولا أرضى أن أصبح سيد القوم، وأمسي سفيههم.
وأجمع الأطباء على ضرر الخمور، وقامت جمعيات كثيرة في أوربا وأمريكا تدعو لمنع المسكرات وإصدار القوانين بمنع بيعها وشرائها.
الخمر وأضرارها:
اختلف العلماء في بيان المراد بالخمر، فذهب أبو حنيفة وجماعة العراقيين:
إلى أن الخمر: هي الشراب المسكر من عصير العنب فقط. أما المسكر من غيره، كشراب التمر أو الحنطة أو الشعير أو الذرة ونحوها، فلا يسمى خمرا، بل يسمى نبيذا، فتكون آية تحريم الخمر مقتصرة عليها، وأما الأشربة المسكرة الأخرى وهي الأنبذة فالقليل منها حلال، والكثير المسكر منها حرام بالسنة النّبوية.
وذهب الجمهور (غير أبي حنيفة) وأهل الحجاز والمحدثون: إلى أنها الشراب المسكر من عصير العنب وغيره، فكل مسكر من عصير التمر، والشعير والبر خمر.
وإذا كانت الخمر اسما لكل ما أسكر، كان تحريم جميع المسكرات قليلها وكثيرها بنص القرآن.
واحتج الفريق الأول باللغة والسنة: أما اللغة: فإن الأنبذة لا تسمى خمرا، ولا يسمى الشيء خمرا في اللغة إلا النيء المشتد من ماء العنب.
وأما السنة:
فحديث أنس بن مالك عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: «الخمر بعينها حرام، والسّكر من كل شراب»
وفي رواية عن علي: «حرمت الخمر بعينها، والسكر من كل شراب»
(1)
والسكر: كل ما يسكر، ويطلق على نبيذ الرطب.
قالوا: ومما يدل على أن قليل الأنبذة ليس بحرام أن الله ذكر في علة تحريم الخمر العداوة والبغضاء ونحوها بقوله: {إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ} [المائدة 91/ 5] وهذه المعاني لا تحصل إلا بالسكر، فلا يحرم من المسكرات إلا القدر المسكر، لأنه هو الذي توجد فيه هذه العلة.
واحتج الفريق الثاني باللغة والسنة الثابتة:
أما اللغة: فلأن الخمر تطلق لغة على ما خامر العقل أي ستره، وهذه الأنبذة
(1)
أخرجه النسائي والدارقطني موقوفا على ابن عباس، وقال الدارقطني: وهذا هو الصواب عن ابن عباس، لأنه قد روي عن النّبي صلى الله عليه وسلم:«كل مسكر حرام» .
تخامر العقل. وإذا كانت اللغة لا تثبت قياسا فإن الصحابة فهموا مدلول «الخمر» وهم أدرى باللغة والقرآن، وأنها تطلق على كل مسكر من عنب وزبيب وتمر وذرة وشعير وغيره.
وأما السنة: فقد ورد فيها أحاديث كثيرة تحرم قطعا كل مسكر، منها الحديث المتواتر الذي رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن إلا ابن ماجه عن ستة عشر صحابيا كعمر وابن عمر وغيرهما:«كل مسكر خمر، وكل خمر حرام» والحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وابن حبان عن جابر، وأحمد والنسائي وابن ماجه عن عبد الله بن عمرو:«ما أسكر كثيره فقليله حرام» .
والحديث الذي رواه أحمد ومسلم وأصحاب السنن الأربعة عن أبي هريرة:
«الخمر من هاتين الشجرتين: النخلة والعنبة» والحديث الذي رواه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي عن النعمان بن بشير: «إن من العنب خمرا، وإن من العسل خمرا، ومن الزبيب خمرا، ومن الحنطة خمرا، ومن التمر خمرا، وأنا أنهاكم عن كل مسكر» .
فصريح هذه الأحاديث الصحيحة يدل على أن الأنبذة تسمى خمرا، لأنها مسكرة، فتكون حراما، ويدل على حرمتها قليلها وكثيرها ما
أخرجه البخاري عن عائشة قالت: «سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع (نبيذ العسل) وعن نبيذ العسل، فقال: كل شراب أسكر فهو حرام» .
والراجح قول أهل الحجاز (الفريق الثاني)، لأن الصحابة لما سمعوا تحريم الخمر، فهموا منه تحريم الأنبذة، وهم كانوا أعرف الناس بلغة العرب ومراد الشارع، وقد ثبت ذلك من حديث أنس قال:«كنت ساقي القوم حيث حرمت الخمر في منزل أبي طلحة، وما كان خمرنا يومئذ إلا الفضيخ-نقيع البسر- فحين سمعوا تحريم الخمر، أحرقوا الأواني وكسروها» وأثبت المؤرخون أنه كان