الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - هل آية {وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ} منسوخة
؟
أ-قال جماعة من العلماء: مفاد هذه الآية أنه يحل لكم القتال إن قاتلكم الكفار، ثم نسخت بقوله تعالى:{وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً، كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً} [التوبة 36/ 9] وقوله: {قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّارِ، وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً} [التوبة 123/ 9] وقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة 5/ 9] وقوله: {قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ.} .
[التوبة 29/ 9] وهذه كلها تأمر بالقتال لجميع الكفار، وتدل على عموم شرع القتال للمشركين، سواء قاتلوا المسلمين أو لم يقاتلوهم.
ب-وقال ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومجاهد: الآية محكمة، أي قاتلوا الذين هم بحالة من يقاتلونكم، ولا تعتدوا في قتل النساء والصبيان والرهبان وشبههم. قال أبو جعفر النحاس: وهذا أصح القولين في السنة والنظر.
أما السنة
فحديث ابن عمر الذي رواه الأئمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في بعض مغازيه امرأة مقتولة، فكره ذلك، ونهى عن قتل النساء والصبيان.
وأما النظر: فإن (فاعل) لا يكون في الغالب إلا من اثنين، كالمقاتلة والمشاتمة والمخاصمة، والقتال لا يكون في النساء ولا في الصبيان ومن أشبههم، كالرهبان والزّمنى والشيوخ والأجراء فلا يقتلون. وبهذا أوصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه يزيد بن أبي سفيان حين أرسله إلى الشام، فيما رواه مالك وغيره، إلا أن يكون لهؤلاء إذاية.
أما النساء: فإن قاتلن برأي أو تحريض على القتال أو إمداد بمال قتلن، في حالة المقاتلة وبعدها في رأي سحنون، لعموم قوله تعالى:{وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ} [البقرة 190/ 2]{وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} [البقرة 191/ 2]
ولا تقتل المرأة التي لا تقاتل، سواء في أثناء المعركة، أو بعد الأسر والأخذ، لما
رواه الطبراني عن ابن عباس عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: «.. ولا تقتلوا وليدا ولا امرأة ولا شيخا» .
وأما الصبيان: فلا يقتلون أيضا، للنهي الثابت في السنة عن قتل الذرية، فقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء والصبيان. وقال فيما
رواه أحمد وأصحاب السنن إلا الترمذي عن رباح بن ربيع: «لا تقتلوا ذرّية ولا عسيفا» أي أجيرا، ولأنه لا تكليف عليهم، فإن قاتل الصبي قتل.
وأما الرهبان: فلا يقتلون، بل يترك لهم ما يعيشون به من أموالهم، إذا انفردوا عن أهل الكفر، لقول أبي بكر ليزيد بن أبي سفيان في وصيته المشهورة
(1)
فيما رواه مالك في الموطأ: «.. وستجد قوما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم لله، فذرهم وما زعموا أنهم حبسوا أنفسهم له» .
وأما الزّمنى (المرضى): فالصحيح أن تعتبر أحوالهم، فإن كانت فيهم إذاية قتلوا، وإلا تركوا، وما هم بسبيله من الزمانة.
وأما الشيوخ: ففي رأي جمهور الفقهاء: إن كان شيخا كبيرا هرما لا يطيق القتال، ولا ينتفع به في رأي ولا مدافعة، فإنه لا يقتل، لقول أبي بكر ليزيد، ولأنه ممن لا يقاتل ولا يعين العدو، فلا يجوز قتله كالمرأة، وأما إن كان ممن تخشى مضرّته بالحرب أو الرأي أو المال، فيخير فيه الإمام في رأي المالكية إذا أسره بين خمسة أشياء: القتل، أو المن، أو الفداء، أو عقد الذمة على أداء الجزية، أو
(1)
أوصى أبو بكر سنة 13 هـ يزيد بن أبي سفيان بن حرب الذي أرسله قائدا على جيش إلى الشام، بعد أن شيعه راجلا:«وإني موصيك بعشر: لا تقتلن امرأة، ولا صبيا، ولا كبيرا هرما، ولا تقطعن شجرا مثمرا، ولا تخربن عامرا، ولا تعقرن شاة، ولا بعيرا إلا لمأكلة، ولا تحرقن نخلا، ولا تغرقنه، ولا تغلل، ولا تجبن» . رواه مالك في الموطأ-باب الجهاد.
الاسترقاق (في الماضي). وكذلك أجاز الشافعي بعد الأسر قتل ما عدا النساء والصبيان.
وأما العسفاء وهم الأجراء والفلاحون: فلا يقتلون في رأي مالك، للحديث السابق عن رباح بن ربيع:«الحق بخالد بن الوليد، فلا يقتلنّ ذرية ولا عسيفا» وقال عمر بن الخطاب: اتقوا الله في الذرّية والفلاحين الذين لا ينصبون لكم الحرب. وكان عمر بن عبد العزيز لا يقتل حرّاثا.
وقال الشافعي: يقتل الفلاحون والأجراء والشيوخ الكبار، إلا أن يسلموا، أو يؤدوا الجزية.
ج -ولم ير الفخر الرازي نسخ آية {وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ} بآية {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} لأن ذكر العام بعد الخاص يثبت زيادة حكم على حكم الخاص، من غير أن ينسخه. وقال: وتحقيق القول: أنه تعالى أمر بالجهاد في الآية الأولى بشرط إقدام الكفار على المقاتلة، وفي هذه الآية:{وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} زاد في التكليف، فأمر بالجهاد معهم، سواء أقاتلوا أم لم يقاتلوا، واستثنى منه المقاتلة عند المسجد الحرام بقوله تعالى:
وأما ما روي عن مقاتل: أن آية {وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ} منسوخة بقوله تعالى: {وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} ثم تلك منسوخة أيضا بقوله تعالى:
{وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} فقال عنه الفخر الرازي: وهو ضعيف، أما أن قوله تعالى:{وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ} منسوخ، فقد تقدم إبطاله. وأما قوله: إن هذه الآية منسوخة بقوله: {وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} فهو تخصيص لا نسخ. وأما قوله بنسخ آية {وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ} بقوله تعالى: {وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ} فهو خطأ أيضا، لأنه