الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأخلاق التي تسوء معاشرتها للزوج، وتفسد تربية الأولاد.
واعلموا علما يقينيا أنكم ستلقون ربكم في الآخرة، فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.
وبشر المؤمنين المستقيمين على أوامر الله بالفوز والكرامة والسعادة في الدنيا والآخرة. أما الذين يتجاوزون حدود الله، ويتبعون شهواتهم، ويخرجون عن السّنن المشروعة، فلا يسلمون من الضرر في الدنيا، والعذاب في الآخرة، وقد يكون ضرر الدنيا بالقلق والاضطراب، والهمّ والخوف ونحوهما من الأمراض النفسية.
فقه الحياة أو الأحكام:
دلّت الآية (222) على وجوب اعتزال المرأة في المحيض، لقوله تعالى:
{فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ} وهو أمر، والأمر يقتضي الوجوب. واختلف العلماء فيما يجب على الرجل اعتزاله من المرأة وهي حائض على أقوال ثلاث:
1 -
يجب اعتزال جميع بدن المرأة، لأن الله أمر باعتزال النساء، ولم يخصص من ذلك شيئا. وهو قول ابن عباس وعبيدة السّلماني، وهذا قول شاذّ خارج عن قول العلماء، وإن كان عموم الآية يقتضيه، فالسّنة الثابتة بخلافه.
2 -
يجب اعتزال موضع الأذى، وهو مخرج الدم، وهو قول الحنابلة، أخرج ابن جرير الطبري عن مسروق بن الأجدع قال: قلت لعائشة: ما يحلّ للرجل من امرأته إذا كانت حائضا؟ قالت: «كل شيء إلا الجماع» وهذا موافق للحديث المتقدم، ويؤيده
«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يباشر نساءه وهنّ حيّض» فعلم منه أن المطلوب اعتزاله بعض جسدها دون بعض.
3 -
يعتزل ما بين السّرة والركبة، أي ما فوق الإزار، وهو قول الجمهور،
لقوله صلى الله عليه وسلم للسائل حين سأله: «ما يحلّ لي من امرأتي وهي حائض؟» فقال:
«لتشدّ عليها إزارها، ثم شأنك
(1)
بأعلاها».
وقوله عليه الصلاة والسلام لعائشة: «شدّي على نفسك إزارك، ثم عودي إلى مضجعك» ،
وقالت عائشة: «كانت إحدانا إذا كانت حائضا أمرها النّبي صلى الله عليه وسلم أن تأتزر، ثم يباشرها» .
ودلّت آية {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ} على حرمة الجماع في الحيض حتى الطهر، وللعلماء في ذلك آراء ثلاثة:
1 -
قال أبو حنيفة: يجوز أن تؤتى المرأة إذا انقطع دم الحيض ولو لم تغتسل بالماء، فإن انقطع دمها لأقل الحيض لم تحلّ حتى يمضي وقت صلاة كامل، وإذا انقطع دمها لأكثر الحيض، حلّت حينئذ.
2 -
قال الجمهور: لا تحلّ حتى ينقطع الحيض، وتغتسل بالماء غسل الجنابة.
3 -
قال طاوس ومجاهد: يكفي في حلّها أن تتوضأ للصلاة.
وسبب الخلاف: {حَتّى يَطْهُرْنَ، فَإِذا تَطَهَّرْنَ} : حمل أبو حنيفة الفعل الأول على انقطاع دم الحيض، والثاني على المعنى نفسه، أي فإذا انقطع دم الحيض، فاستعمل الفعل المشدد بمعنى المخفف. وقال الجمهور بالعكس، أي إنهم استعملوا المخفف بمعنى المشدد، والمراد: ولا تقربوهن حتى يغتسلن بالماء، فإذا اغتسلن فأتوهن، بدليل قراءة:{حَتّى يَطْهُرْنَ} بالتشديد، وبدليل قوله:
{وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} .
وللعلماء رأيان فيما يجب على من وطأ الحائض: فقال الجمهور: يستغفر الله ولا شيء عليه، لأن الحديث مضطرب عن ابن عباس، وإن مثله لا تقوم به
(1)
منصوب بإضمار فعل، ويجوز رفعه مبتدأ، والخبر محذوف تقديره: مباح أو جائز.
حجة، وإن الذمة على البراءة، ولا يثبت فيها شيء لمسكين ولا غيره إلا بدليل لا مطعن فيه.
وقال الحنابلة: عليه دينار إن كان في مقتبل الدم، ونصف دينار في مؤخر الدم، لما
رواه أبو داود والدارقطني وغيرهما عن ابن عباس عن النّبي صلى الله عليه وسلم:
«يتصدق بدينار، أو نصف دينار» ، وفي كتاب الترمذي:«إن كان دما أحمر فدينار، وإن كان دما أصفر فنصف دينار» . وهذا مستحب عند الشافعية والطبري.
وأجمع العلماء على أن للمرأة ثلاثة أحكام في رؤيتها الدم الظاهر، وهي:
الحيض المعروف، ودمه أسود خاثر تعلوه حمرة، وتترك له الصلاة والصوم، وتقضي الحائض الصوم ولا تقضي الصلاة.
واختلف العلماء في مقدار الحيض: فقال فقهاء المدينة منهم (مالك والشافعي وأحمد): أكثر الحيض خمسة عشر يوما، وما زاد على ذلك فهو استحاضة.
وأقلّه عند الشافعي وأحمد: يوم وليلة، وما دونه استحاضة، وأقلّه عند مالك: دفقة أو دفعة في لحظة.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: أقل الحيض ثلاثة أيام، وأكثره عشرة، وما نقص أو زاد عن ذلك فهو استحاضة.
ودم النفاس عند الولادة كالحيض، وأقله عند الشافعية لحظة، ولا حدّ لأقله عند الأئمة الآخرين، وغالبة عند الشافعية أربعون، وأكثره عند المالكية والشافعية: ستون يوما، وعند الحنفية والحنابلة: أربعون يوما. والغسل منه كالغسل من الحيض والجنابة.
ودم الحيض والنفاس يمنعان أحد عشر شيئا، وهي: وجوب الصلاة، وصحة فعلها، وفعل الصوم دون وجوبه، والجماع في الفرج وما دونه، والعدّة، والطلاق، والطواف، ومسّ المصحف، ودخول المسجد، والاعتكاف فيه، وفي قراءة القرآن رأيان: الحرمة عند الجمهور، والإباحة عند المالكية.
ودم الاستحاضة: وهو دم ليس بعادة ولا طبع منهن، ولا خلقة، وإنما هو نزيف أو عرق انقطع، سائله: دم أحمر، لا انقطاع له إلا عند البرء منه، والمستحاضة لا يلزمها غير ذلك الغسل الذي تغتسل من حيضها ولكنها تتوضأ لكل صلاة.
ويجمع أحكام الحيض والاستحاضة ما
رواه مالك عن عائشة أنها قالت:
قالت فاطمة بنت أبي حبيش: يا رسول الله، إني لا أطهر! أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إنما ذلك عرق وليس بالحيضة، إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فاغسلي عنك الدم وصلّي» .
وفي قوله تعالى: {فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} إيماء إلى أن الشريعة طلبت التزوج ورغبت عن الرهبانية، فليس لمسلم أن يترك الزواج على نية العبادة والتقرب إلى الله تعالى، لأنه سبحانه قد امتنّ علينا بالزواج بقوله:
{وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها، وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم 21/ 30]، وطلب إلينا أن ندعوه بالتوفيق بالسرور بالزوجة الصالحة والولد البارّ فقال:{رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان 74/ 25]، وقال:{رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً} [البقرة 201/ 2] وهي الزوجة الصالحة.
فالزواج الشرعي وقربان المرأة ابتغاء النسل قربة لله تعالى، وتركه مع القدرة عليه مخالف لطبيعة الفطرة وسنة الشرع،
قال صلى الله عليه وسلم في الصحيح: «وفي
بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم لو وضعها في حرام، أكان عليه وزر؟».
وتجبر الكتابية على الاغتسال من الحيض في رأي مالك-وفي رواية ابن القاسم عنه-ليحلّ لزوجها وطؤها، قال تعالى:{وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ، فَإِذا تَطَهَّرْنَ} أي بالماء، ولم يخصّ مسلمة من غيرها. وهذا موافق لرأي الشافعية والحنابلة القائلين بأن الكافر مكلف بفروع الشريعة. وقال الحنفية: إنه غير مكلف بها.
وصفة غسل الحائض صفة غسلها من الجنابة، وليس عليها نقض شعرها في رأي الحنفية والمالكية، لما
رواه مسلم عن أم سلمة قالت: «قلت: يا رسول الله، إني أشدّ ضفر رأسي، أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات، ثم تفيضين عليك الماء، فتطهرين» . ويجب نقض الضفائر في رأي الشافعية والحنابلة إن لم يصل الماء إلى باطنها إلا بالنقض، لما
روى البخاري عن عائشة: أن النّبي صلى الله عليه وسلم قال لها إذ كانت حائضا: «خذي ماءك وسدرك وامتشطي» ولا يكون المشط إلا في شعر غير مضفور. وخصصه الحنابلة في الحيض أو النفاس، ولم يوجبوا النقض في حال الجنابة إذا أروت أصوله، أخذا بحديث أم سلمة.
وقوله تعالى: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ} تمثيل، أي فأتوهن كما تأتون أراضيكم التي تريدون أن تحرثوها من أي جهة شئتم، لا تحظر عليكم جهة دون جهة، والمعنى كما بيّنا: جامعوهن من أي شق أردتم، بعد أن يكون المأتى واحدا وهو موضع الحرث.
قال الزمخشري: قوله تعالى: {هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ} ، {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ} ، {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ}: من الكنايات اللطيفة