الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وزرها أصحابها، ويكون الإسلام منها براء.
تلك حدود الله أي ما منع منه يبينها لقوم يعلمون الحقائق ويعلمون المصالح المترتبة على العمل بها، لأن الجاهل لا يحفظ الأمر والنهي ولا يتعاهده، والعالم يحفظ ويتعاهد.
فقه الحياة أو الأحكام:
اشتملت الآيتان على أحكام ثلاثة: هي الطلاق الرجعي وهو الطلاق الأول والثاني، والخلع وهو الفراق على عوض من المرأة، والطلاق الثلاث أو البائن بينونة كبري: وهو حكم المبتوتة.
1 - عدد الطلاق والسنة فيه:
نزلت الآية كما عرفنا لبيان عدد الطلاق الذي يجوز فيه للرجل الرجعة والعدد المشروع الذي تصح بعده المراجعة، ردا على ما كان عليه العرب في الجاهلية من أن الطلاق لا حد له، وقد تستخدم الرجعة للإضرار بالمرأة، فتصبح لا هي مزوجة ولا هي مطلقة، وإنما معلقة.
والطلاق: هو حل العصمة المنعقدة بين الأزواج بألفاظ مخصوصة. والطلاق مباح بهذه الآية وبغيرها،
وبقوله عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر:
«فإن شاء أمسك، وإن شاء طلق» وقد طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة ثم راجعها
(1)
.
وأجمع العلماء على أن من طلق امرأته طاهرا في طهر لم يمسها فيه أنه مطلّق للسنة، وللعدة التي أمر الله تعالى بها، وأن له الرجعة إذا كانت مدخولا بها قبل أن تنقضي عدتها، فإذا انقضت فهو خاطب من الخطاب.
(1)
أخرجه ابن ماجه.
وقال ابن مسعود وابن عباس ومجاهد وغيرهم: المراد بالآية التعريف بسنة الطلاق، وكيف يطلقون أي مفرقا، فمن طلق اثنتين، فليتق الله في الثالثة، فإما تركها غير مظلومة شيئا من حقها، وإما أمسكها محسنا عشرتها، والآية كما قال القرطبي: تتضمن المعنيين، أي تحديد عدد الطلاق وتفريقه، ودليلهم ما أخرجه ابن جرير الطبري عن ابن مسعود في قوله:{الطَّلاقُ مَرَّتانِ.} .
وعلى هذا يكون قد بين الله سنة الطلاق في هذه الآية، وبين أن من سنته تفريق الطلاق، ولأنه قال:{الطَّلاقُ مَرَّتانِ} وهذا يقتضي أن يكون طلقتين مفرقتين، لأنهما إن كانتا مجتمعتين، لم يكن مرتين.
فإذا خالف المطلق وجمع التطليقات الثلاث في لفظ واحد، فاختلف العلماء في ذلك.
قال الجمهور منهم أئمة المذاهب الأربعة: يقع به ثلاث طلقات، مع الكراهة عند الحنفية والمالكية، لأن طلاق السنة: هو أن يطلقها واحدة، ثم يتركها، حتى تنقضي عدتها.
وقال الشيعة الإمامية: لا يقع به شيء.
وقال الزيدية وابن تيمية وابن القيم: يقع به واحدة، ولا تأثير للفظ فيه.
ومنشأ الخلاف: كيفية فهم آية {الطَّلاقُ مَرَّتانِ} هل هي متعلقة بما قبلها، أم مستقلة عنها؟ وكيفية تأويل حديث ابن عباس.
أما الآية: فقال الإمامية ومن وافقهم: إن التعريف للعهد، أي الطلاق
المشروع مرتان، فما جاء على غير هذا فليس بمشروع، أي ليس مشروعا كون الطلاق كله دفعة واحدة.
ورأى مالك أن معناه: الطلاق الذي فيه الرجعة مرتان، فتكون الآية مرتبطة بما قبلها، فالله لما ذكر أن بعولتهن أحق بردهن، أراد أن يبين الطلاق الذي فيه الرجعة.
وذهب أبو حنيفة إلى أن معناه: الطلاق الجائز مرتان.
وأما حديث ابن عباس الذي رواه أحمد ومسلم من طريق طاوس فهو كما قال: «كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر:
طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر: إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم، فأمضاه عليهم».
أما أئمة المذاهب الأربعة فأوّلوا الحديث على صورة تكرير لفظ الطلاق ثلاث مرات، بأن يقول الرجل:«أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق» فيلزمه واحدة إذا قصد التوكيد، وثلاث إذا قصد تكرير الإيقاع، وكان مسلمو الصدر الأول يصدقون في إرادة التوكيد، لورعهم وتقواهم، ثم تبدل الحال، فصار الغالب عليهم قصد الثلاث، بدليل قول عمر:«إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة» وهذا الحكم إنما هو في القضاء، أما في الديانة فيعمل كل واحد بنيته.
وأما الإمامية وموافقوهم فقالوا: يجب العود إلى سنة النّبي صلى الله عليه وسلم، وترك اجتهاد عمر، لأن إمضاء الثلاث إبطال للرخصة الشرعية والرفق المشار إليه بقوله تعالى:{لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً} [الطلاق 1/ 65].
وبالرغم مما أراه وهو رجحان مذهب الجمهور، لا أجد مانعا من الأخذ برأي ابن تيمية ومن وافقه، لأن الطلاق هدم للأسرة، وتعريض لضياع الأولاد، وهو