الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نزل: {وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى} [النور 22/ 24].
وقال الكلبي: نزلت في عبد الله بن رواحة، حين حلف ألا يكلم ختنه زوج أخته (صهره): بشير بن النعمان، وألا يدخل عليه أبدا، ولا يصلح بينه وبين امرأته، ويقول: قد حلفت بالله أن لا أفعل، ولا يحلّ إلا أن أبرّ في يميني، فأنزل الله تعالى هذه الآية
(1)
.
المناسبة:
أمر تعالى في الآية السابقة بتقوى الله وحذّر من معصيته، ونبّه هنا على أن مما يتّقى ويحذر منه: أن يجعل اسم الله مانعا من البرّ والتقوى.
وقال العلماء أيضا: لما أمر الله تعالى بالإنفاق وصحبة الأيتام والنساء بجميل المعاشرة، قال: لا تمتنعوا عن شيء من المكارم تعلّلا بأنّا حلفنا ألا نفعل كذا.
التفسير والبيان:
للآية معنيان: الأول-إذا حلف الشخص ألا يفعل خيرا من صلة رحم أو صدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس أو عبادة ونحوها، فلا يكون الحلف بالله مانعا من المحلوف عليه من برّ وتقوى، وما على المؤمن إذا أراد أن يفعل البر والخير إلا أن يكفّر عن يمينه ويفعل المحلوف عليه، كما جاء في
قوله صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة-فيما رواه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه-: «إذا حلفت على يمين، ورأيت غيرها خيرا منها، فأت الذي هو خير، وكفّر عن يمينك» فتكون الآية لرفع الحرج عن الحالفين بالله إذا أرادوا فعل الخير.
(1)
البحر المحيط: 176/ 2
والمعنى الثاني: لا تتعرّضوا كثيرا للحلف بالله من أجل إرادة البرّ والتقوى والإصلاح بين الناس، لما في كثرة الحلف بالله من استخفاف واستهانة وتجرؤ على الله، وعلى المؤمن تعظيم الله تعالى وتوقيره، والابتعاد عن اليمين قدر الإمكان، سواء أكان الحالف صادقا أم كاذبا، فكان صاحب الورع مثل عمر والشافعي لا يحلف بالله ذاكرا ولا آثرا عن غيره، فتكون الآية للنهي عن كثرة الحلف بالله، وابتذاله في الأيمان، توفيرا للثقة بكلام المتكلم بدون يمين، قال الله تعالى:
{وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاّفٍ مَهِينٍ} [القلم 1068].
هذا في اليمين المنعقدة التي يلزم فيها الكفارة بالحنث فيها: وهي على الموسر: إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد وهو المعسر الفقير فيصوم ثلاثة أيام. وقد أخبر تعالى أنه يؤاخذ على ما كسبت القلوب أي قصدت إيقاع اليمين، والمؤاخذة بالكفارة أو العقوبة عند عدم الكفارة، حتى لا يتخذ اسم الله عرضة للابتذال وتوفيرا لتعظيمه، أو مانعا من صالح الأعمال.
أما اليمين اللغو: فأخبر تعالى أنه لا مؤاخذة ولا عقاب ولا كفارة عليها بالحنث، لصدورها عن غير قصد اليمين، لأن الله غفور لعباده، فلا يؤاخذهم بما لم تقصده قلوبهم، ولم يكلفهم بما يشق عليهم، لحصوله دون اختيار.
ويمين اللغو عند الشافعيّة: هي التي تجري على اللسان دون قصد الحلف، مثل قول الشخص: لا والله، بلى والله. وإن عدم المؤاخذة عليها: هو عدم إيجاب الكفارة بها.
وعند أبي حنيفة ومالك وأحمد: هي أن يحلف على شيء يظنه أنه حصل، ثم يظهر خلافه، وبعبارة أخرى: اللغو: ما يحلف به على الظن، فيكون بخلافه. فهذا لا مؤاخذة فيه، أي لا يجب تكفيره. وأما ما يجري على اللسان من غير قصد فتجب فيه الكفارة.